المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة شاملة لشخصيات اسلامية....


عطر الزنبق
06-14-2021, 05:59 PM
الشخصية الاسلامية الاولى


https://d.top4top.io/p_1929yuo6w1.png

https://e.top4top.io/p_1929txlm32.png

أبو بَكر الصّدِّيق عبد الله بن أبي قُحافة التَّيمي القُرَشيّ
(50 ق هـ - 13هـ / 573م - 634م) هو أولُ الخُلفاء الراشدين، وأحد العشرة المُبشرين بالجنَّة، وهو وزيرُ الرسول مُحمد وصاحبهُ، ورفيقهُ عند هجرته إلى المدينة المنورة. يَعدُّه أهل السنة والجماعة خيرَ الناس بعد الأنبياء والرسل، وأكثرَ الصَّحابة إيماناً وزهداً، وأحبَّ الناس إلى النبي مُحمد بعد زوجته عائشة. عادة ما يُلحَق اسمُ أبي بكرٍ بلقب الصّدِّيق، وهو لقبٌ لقَّبه إياه النبي مُحمد لكثرةِ تصديقه إياه.

ولد أبو بكر الصدِّيق في مكة سنة 573م بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وكان من أغنياء قُريش في الجاهليَّة، فلما دعاه النبي مُحمد إلى الإسلام أسلمَ دون تردد، فكان أول من أسلم مِن الرجال الأحرار. ثم هاجر أبو بكر مُرافقاً للنبي مُحمد من مكة إلى المدينة، وشَهِد غزوة بدر والمشاهد كلها مع النبي مُحمد، ولما مرض النبي مرضه الذي مات فيه أمر أبا بكر أن يَؤمَّ الناس في الصلاة. توفي النبي مُحمد يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وبويع أبو بكر بالخِلافة في اليوم نفسه، فبدأ بإدارة شؤون الدولة الإسلامية من تعيين الولاة والقضاء وتسيير الجيوش، وارتدت كثير من القبائل العربية عن الإسلام، فأخذ يقاتلها ويُرسل الجيوش لمحاربتها حتى أخضع الجزيرة العربية بأكملها تحت الحُكم الإسلامي، ولما انتهت حروب الرِّدة، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش الإسلامية لفتح العراق وبلاد الشَّام، ففتح مُعظم العراق وجزءاً كبيراً من أرض الشَّام. توفي أبو بكر يوم الإثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، وكان عمره ثلاثاً وستين سنة، فخلفه من بعده عمر بن الخطَّاب.


حياته قبل الإسلام

نسبه

هو: «عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان التيمي القرشي»، يلتقي مع النبي محمد في الجد السادس مرة بن كعب.
أبوه: «أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي القرشي»، وأم أبي قحافة: «قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب». أسلم يوم فتح مكة، وعاش بعد ابنه أبي بكر وورثه، وهو أول من ورث خليفة في الإسلام، إلا أنه رد نصيبه من الميراث على ولد أبي بكر، وتوفي سنة 14هـ وله سبع وتسعون سنة.
أمه: «أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمية القرشية». أسلمت في مكة قبل الهجرة مع ابنها أبي بكر، وتوفيت قبل أبي قحافة.

مولده ونشأته

ولد أبو بكر في مكة سنة 573م بعد عام الفيل الذي وُلد فيه النبي محمد بسنتين وستة أشهر، فكان أصغر عُمراً منه، ولم يختلف العلماء في أن أبا بكر وُلد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم قال بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر ولم يحددوا عدد الأشهر.

وقد نشأ أبو بكر وترعرع في مكة، وكان من رؤساء قريش وأشرافها في الجاهلية، محبباً فيهم، مألفاً لهم، وكان إليه الأشناق في الجاهلية، والأشناق هي الدِّيات، وكان إذا حمل شيئاً صدَّقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيرُه خذلوه ولم يصدقوه. ويُقال أن الشرف في قريش في الجاهلية كان قد انتهى إلى عشرة رهط من عشرة أبطن، منهم العباس بن عبد المطلب من بني هاشم، وأبو سفيان بن حرب من بني أمية، وعثمان بن طلحة بن زمعة بن الأسود من بني أسد، وأبو بكر من بني تيم، وخالد بن الوليد من بني مخزوم، وعمر بن الخطاب من بني عدي، وصفوان بن أمية من بني جمح، وغيرهم.

وقد اشتهر أبو بكر في الجاهلية بصفات عدة، منها العلم بالأنساب، فقد كان عالماً من علماء الأنساب وأخبار العرب، وله في ذلك باعٌ طويل جعله أستاذ الكثير من النسابين كعقيل بن أبي طالب وجبير بن مطعم وغيرهما، وكانت له صفة حببته إلى قلوب العرب، وهي أنه لم يكن يعيب الأنساب، ولا يذكر المثالب بخلاف غيره، وقد كان أبو بكر أنسبَ قريش لقريش وأعلمَ قريش بها وبما فيها من خير وشر، وقد رُوي أن النبي محمداً قال: «إن أبا بكر أعلمُ قريش بأنسابها»».

وقد كان أبو بكر تاجراً، قال ابن كثير: «وكان رجلاً تاجراً ذا خُلُق ومعروف، وكان رجالُ قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه وتجارته وحسن مجالسته». وقد ارتحل أبو بكر للتجارة بين البلدان حتى وصل بصرى من أرض الشام، وكان رأس ماله أربعين ألف درهم، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية. ويروى أن أبا بكر قد رأى رؤيا عندما كان في الشام، فقصها على بحيرى الراهب، فقال له: «من أين أنت؟» قال: «من مكة»، قال: «من أيها؟» قال: «من قريش»، قال: «فأي شيء أنت؟» قال: «تاجر»، قال: «إن صدق الله رؤياك، فإنه يبعث بنبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته»، فأَسرَّ أبو بكر ذلك في نفسه.

ويقال أن أبا بكر لم يكن يشرب الخمر في الجاهلية، فقد حرمها على نفسه قبل الإسلام، وكان من أعف الناس في الجاهلية، قالت السيدة عائشة: «حرم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام، وذلك أنه مر برجل سكران يضع يده في العذرة، ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرفها عنه، فقال أبو بكر: إن هذا لا يدري ما يصنع، وهو يجد ريحها فحماها». وقد سأل أحدُ الناس أبا بكر: «هل شربت الخمر في الجاهلية؟»، فقال: «أعوذ بالله»، فقيل: «ولمَ؟» قال: «كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً لعرضه ومروءته». كما رُوي أن أبا بكر لم يسجد لصنم قط، فقد قال أبو بكر في مجمع من الصحابة: «ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي، فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: «هذه آلهتُك الشمُّ العوالي»، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: «إني جائع فأطعمني» فلم يجبني، فقلت: «إني عار فاكسني» فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه»

وقد كان أبو بكر تاجراً، قال ابن كثير: «وكان رجلاً تاجراً ذا خُلُق ومعروف، وكان رجالُ قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه وتجارته وحسن مجالسته». وقد ارتحل أبو بكر للتجارة بين البلدان حتى وصل بصرى من أرض الشام، وكان رأس ماله أربعين ألف درهم، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية. ويروى أن أبا بكر قد رأى رؤيا عندما كان في الشام، فقصها على بحيرى الراهب، فقال له: «من أين أنت؟» قال: «من مكة»، قال: «من أيها؟» قال: «من قريش»، قال: «فأي شيء أنت؟» قال: «تاجر»، قال: «إن صدق الله رؤياك، فإنه يبعث بنبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته»، فأَسرَّ أبو بكر ذلك في نفسه.

ويقال أن أبا بكر لم يكن يشرب الخمر في الجاهلية، فقد حرمها على نفسه قبل الإسلام، وكان من أعف الناس في الجاهلية، قالت السيدة عائشة: «حرم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام، وذلك أنه مر برجل سكران يضع يده في العذرة، ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرفها عنه، فقال أبو بكر: إن هذا لا يدري ما يصنع، وهو يجد ريحها فحماها». وقد سأل أحدُ الناس أبا بكر: «هل شربت الخمر في الجاهلية؟»، فقال: «أعوذ بالله»، فقيل: «ولمَ؟» قال: «كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً لعرضه ومروءته». كما رُوي أن أبا بكر لم يسجد لصنم قط، فقد قال أبو بكر في مجمع من الصحابة: «ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي، فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: «هذه آلهتُك الشمُّ العوالي»، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: «إني جائع فأطعمني» فلم يجبني، فقلت: «إني عار فاكسني» فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه».

حياته بعد الإسلام في مكة

إسلامه

كان إسلام أبي بكر وليد رحلة طويلة في البحث عن الدين الذي يراه الحق، والذي ينسجم برأيه مع الفطرة السليمة ويلبي رغباتها، فقد كان بحكم عمله التجاري كثير الأسفار، قطع الفيافي والصحاري، والمدن والقرى في الجزيرة العربية، وتنقل من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، واتصل اتصالاً وثيقاً بأصحاب الديانات المختلفة وبخاصة النصرانية، وقد حدث أبو بكر عن ذلك فقال: كنت جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعداً، فمر أمية بن أبي الصلت، فقال: «كيف أصبحت يا باغي الخير؟»، قال: «بخير»، قال: «وهل وجدت؟»، قال: «لا»، فقال:

كل دين يوم القيامة إلا ما مضى في الحنيفية بورُ

أما إن هذا النبي الذي يُنتظر منا أو منكم، يقول أبو بكر: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويُبعث، فخرجت أريد ورقة بن نوفل، وكان كثير النظر إلى السماء كثير همهمة الصدر، فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، فقال: «نعم يا ابن أخي، إنا أهلُ الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسباً -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسباً»، قلت: «يا عم، وما يقول النبي؟»، قال: «يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يظلم ولا يظالم»، فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به وصدقته.

وقد كان أبو بكر يَعرف النبي محمداً معرفة عميقة في الجاهلية، وكانت الصلة بينهما قوية، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أنه كان صاحب النبي محمد قبل البعثة، وكان يعلم من صدقه وأمانته وحسن سجيته وكرم أخلاقه ما يمنعه من الكذب على الناس. قال ابن إسحاق: «ثم إن أبا بكر الصدِّيق لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أحق ما تقول قريش يا محمد؟ مِن تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آبائنا؟»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلى، إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته»، وقرأ عليه القرآن، فلم يقر ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق». وقد روي عن النبي محمد أنه قال: «ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما عكم عنه حين ذكرته، ولا تردد فيه». كما روي عن النبي أنه قال: «إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» مرتين.

فكان أبو بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار، وبذلك قال إبراهيم النخعي وحسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر ومحمد بن سيرين، وهو المشهور عن جمهور أهل السنة. وروى الإمام أحمد ومحمد بن ماجه عن ابن مسعود أنه قال: «أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر منعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس». وقد جمع الإمام أبو حنيفة بين الأقوال المختلفة في ذِكر أول من أسلم بأن أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة بنت خويلد، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الغلمان علي بن أبي طالب. ويُقال أن أبا بكر أول من صلى مع النبي محمد، فعن زيد بن أرقم أنه قال: «أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق».

وعندما أسلم أبو بكر سُرَّ النبيُّ محمدٌ سروراً كبيراً، فعن السيدة عائشة أنها قالت: «خرج أبو بكر يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له صديقاً في الجاهلية، فلقيه فقال: «يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رسول الله أدعوك إلى الله»، فلما فرغ كلامه أسلم أبو بكر، فانطلق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بين الأخشبين أحد أكثر سروراً منه بإسلام أبي بكر».

الدعوة إلى الإسلام

بعد إسلام أبي بكر، بدأ يدعو إلى الإسلام مَن وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فانطلقوا إلى النبي محمد ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، ثم جاء بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا، كما دعا أبو بكر أسرته وعائلته، فأسلمت بناته أسماء وعائشة، وابنه عبد الله، وزوجته أم رومان، وخادمه عامر بن فهيرة.

ولما اجتمع أصحاب النبي محمد، وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، ألحَّ أبو بكر على النبي في الظهور، فقال: «يا أبا بكر إنا قليل»، فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر الرسول، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيباً والرسول جالس، فكان أولَ خطيب دعا إلى الإسلام، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوه في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووُطئ أبو بكر وضُرب ضرباً شديداً، ودنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر، حتى ما يُعرف وجهُه من أنفه، وجاءت بنو تيم يتعادون، فأجْلَت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولا يشُكُّون في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة (والد أبي بكر) وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار فقال: «ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، وقالوا لأمه أم الخير: «انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه»، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: «ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، فقالت: «والله ما لي علم بصاحبك»، فقال: «اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه»، فخرجت حتى جاءت أم جميل (وكانت تخفي إٍسلامها)، فقالت: «إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله»، فقالت: «ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك؟»، قالت: «نعم»، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح وقالت: «والله إن قوماً نالوا منك لأهلُ فسق وكفر، إنني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم»، قال: «فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» قالت: «هذه أمك تسمع»، قال: «فلا شيء عليك منها»، قالت: «سالمٌ صالحٌ»، قال: «أين هو؟»، قالت: «في دار الأرقم»، قال: «فإن لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على الرسول محمد، فأكب عليه الرسولُ فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورق له الرسولُ محمدٌ رقةً شديدةً، فقال أبو بكر: «بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار»، فدعا لها النبي محمد ودعاها إلى الله فأسلمت.

مساعدة المسلمين المستضعفين

تضاعف أذى المشركين للرسول محمد وأصحابه مع انتشار الدعوة الإسلامية في مكة، وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، وقد تعرض بلال بن رباح لعذاب عظيم، ولم يكن له ظهرٌ يسنده، ولا عشيرةٌ تحميه، ولا سيوفٌ تذود عنه.

فعندما علم سيده أمية بن خلف بأنه أسلم، راح يهدده تارة ويغريه تارة أخرى، فأبى بلال أن يترك الإسلام، فحنق عليه أمية بن خلف وقرر أن يعذبه عذاباً شديداً، فأخرجه إلى شمس الظهيرة في الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشراب يوماً وليلة، ثم ألقاه على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة، ثم أمر غلمانه فحملوا صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلال وهو مقيد اليدين، ثم قال له: «لا تزال هكذا حتى تموتَ أو تكفرَ بمحمد وتعبدَ اللات والعزى»، وأجاب بلال: «أحدٌ أحدٌ»، وبقي أمية بن خلف مدة وهو يعذب بلالاً بتلك الطريقة البشعة،

عندما علم أبو بكر بذلك قصد موقع التعذيب، وفاوض أمية بن خلف وقال له: «ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟» قال: «أنت أفسدته فأنقذه مما ترى»، فقال أبو بكر: «أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك، أعطيكه به»، قال: «قد قبلت»، فقال: «هو لك»، فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك وأخذه فأعتقه، وفي رواية أخرى: اشتراه بسبع أواق أو بأربعين أوقية ذهباً.

واستمر أبو بكر بعد ذلك في شراء العبيد والإماء والمملوكين من المسلمين والمسلمات وعتقهم، ومنهم: عامر بن فهيرة، وأم عبيس (أو أم عميس)، وزنيرة، وقد أصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش: «ما أذهب بصرَها إلا اللات والعزى»، فقالت: «كذبوا، وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان»، فرد الله بصرها، كما أعتق النهدية وبنتها، وابتاع جارية بني مؤمل وكانت مسلمة فأعتقها أيضا.

هجرته وحياته في المدينة

لما اشتد البلاء على المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، أذن الرسولُ محمد لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فجعلوا يخرجون ويُخفون ذلك، فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم، وأقام النبي محمد بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له في الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة إلا من حُبس أو فُتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن النبي محمداً في الهجرة فيقول النبي له: «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً»، فيطمع أبو بكر أن يكونه. ولما رأت قريش أن النبي محمداً قد صار له أصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً وأصابوا منهم مَنعة، فحذِروا خروج النبي محمد إليهم، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيما يصنعون في أمره، فاتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً ليعمدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه، فيتفرَّق دمُه في القبائل جميعها، ولكن النبي محمداً علم بأمرهم وتمكن من الخروج من بيته سالماً.

كانت هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة في يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من بعثته، وكان أبو بكر حين استأذن النبي في الهجرة فقال له: «لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً»، قد طمع بأن يكون النبيُّ إنما يعني نفسه، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما في دار يعلفهما إعداداً لذلك، قالت السيدة عائشة:

«كان لا يخطئ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها، فلما رآه أبو بكر قال: «ما جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في هذه الساعة إلا لأمر حدث»، فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخرج عني مَن عندك»، قال: «يا رسول الله إنما هما ابنتاي، وما ذاك فداك أبي وأمي؟»، قال: «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة»، فقال أبو بكر: «الصحبة يا رسول الله؟»، قال: «الصحبة»، قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي.»

غار ثور الذي مكث به النبي محمد وأبو بكر ثلاث ليال أثناء هجرتهما إلى المدينة.
ثم قال أبو بكر: «يا نبي الله، إن هاتين راحلتين كنت أعددتهما لهذا»، فاستأجرا عبد الله بن أريقط الكناني، رجلاً من بني الدئل بن بكر من كنانة، وكان مشركاً يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما، ولم يعلم بخروج النبي أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر وآل أبي بكر، فلما أجمع النبي الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور، وهو جبل بأسفل مكة فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار، فكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم، يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن النبي محمد وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فهيرة يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفي عليه.

وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، قالت أسماء: ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: «أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟»، قلت: «لا أدري والله أين أبي»، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا. وقالت أسماء بنت أبي بكر: «لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه»، قلت: «كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً»، قالت: وأخذتُ أحجاراً فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: «يا أبت ضع يدك على هذا المال»، قالت: فوضع يده عليه فقال: «لا بأس، إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم»، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك».

وبدأ المشركون باقتفاء أثر النبي، فلما بلغوا جبل ثور اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: «لو دخل ها هنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه»، وعن أنس بن مالك أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه؟»، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟».

قال الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
— التوبة: 40
ومكث النبي وأبو بكر في الغار ثلاث ليال، ثم خرجا حتى وصلا المدينة المنورة، قال الإمام البخاري بسنده إلى ابن شهاب:

«فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام (إلى مكة)، فكسى الزبيرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: «يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون»، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته وسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل»، ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يا رسول الله»، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه، وهو يقول :
حين ينقل اللبن:

هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول:

لا هم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجره

فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يُسَمَّ لي.»
ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف الخزرجي بالسنح، وقيل على خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي.

جهــــاده

شهد أبو بكر مع النبي محمد غزوة بدر والمشاهد كلها، ولم يَفُتْه منها مشهد، فقد شارك أبو بكر في غزوة بدر سنة 2هـ، وكانت له فيها مواقف مشهورة، فلما بلغ النبيَّ محمداً نجاةُ القافلة وإصرارُ زعماء مكة على قتال النبي، استشار أصحابه في الأمر، فقام أبو بكر أولاً فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن. وقد ظهرت من أبي بكر شجاعة وبسالة، وقد شارك ابنه عبد الرحمن في هذه المعركة مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: «لقد أهدفت لي (أي ظهرت أمامي) يوم بدر، فملت عنك ولم أقتلك»، فقال له أبو بكر: «لو أهدفت لي لم أمل عنك».

وشهد أبو بكر غزوة أحد سنة 3هـ، ولما تفرق المسلمون من حول النبي محمد، وتبعثر الصحابة في أرجاء الميدان، وشاع أن الرسولَ محمداً قد قُتل، شقَّ أبو بكر الصفوف، وكان أولَ من وصل إلى الرسول محمد، وقد اجتمع إلى الرسول محمد آنذاك كلُّ من: أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب، والحارث بن الصمة، وأبو دجانة، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.

وشهد أبو بكر غزوة بني النضير سنة 4هـ، وغزوة بني المصطلق سنة 5هـ، وكانت معه فيها راية المهاجرين، وشهد غزوة الخندق سنة 5هـ، وغزوة بني قريظة سنة 5هـ، وكان فيهما مرافقاً للنبي محمد، كما شهد صلح الحديبية سنة 6هـ، وشهد غزوة خيبر سنة 7هـ، وكان أولَ قائد يرسله النبي محمد، كما شهد سرية نجد، وكان الأمير على المسلمين فيها، وكان الأمير على المسلمين في غزوة بني فزارة أيضاً، وكان أبو بكر من المسلمين الذين ذهبوا مع الرسول محمد ليعتمروا عمرة القضاء سنة 7هـ، كما شهد سرية ذات السلاسل سنة 8هـ.

ولما نقضت قريش صلح الحديبية، وتجهز النبي محمدٌ مع صحابته للخروج إلى مكة، خرج أبو سفيان بن حرب من مكة إلى الرسول محمد فقال: «يا محمد، اشدد العقد، وزدنا في المدة»، فقال النبي محمد: «ولذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم؟»، فقال: «معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الدية لا نغيّر ولا نبدّل»، فخرج من عند النبي محمد يقصد مقابلة الصحابة، فطلب من أبي بكر أن يجدد العقد ويزيدهم في المدة، فقال أبو بكر: «جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم». ولما دخل النبيُّ محمدٌ مكة في عام الفتح سنة 8هـ، كان أبو بكر بجانبه، وقد تمت النعمة على أبي بكر في ذلك الوقت بإسلام أبيه أبي قحافة. وشهد أبو بكر غزوة حنين سنة 8هـ، وكانت قد صبرت مع النبي فئةٌ من الصحابة يتقدمهم أبو بكر، ثم انتصروا بعد ذلك.

كما شهد أبو بكر غزوة تبوك، ولما اختار الرسولُ الأمراء والقادة وعقد الألوية والرايات لهم، أعطى لواءه الأعظم لأبي بكر، وحث الرسولُ محمدٌ الصحابة في غزوة تبوك على الإنفاق، فأنفق كل حسب مقدرته، وكان عثمان بن عفان أكثر من أنفق في هذه الغزوة. وقد قال عمر بن الخطاب في ذلك: أمرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: «اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً»، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟»، قلت: «مثله»، وأتى أبو بكر رضيَ الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟»، قال: «أبقيت لهم الله ورسوله»، قلت: «لا أسابقك إلى شيء أبداً». وفي سنة 9هـ، أرسل النبي محمد أبا بكر أميراً على الحج، فخرج أبو بكر أميراً بركب الحجيج، كما شهد أبو بكر حجة الوداع سنة 10هـ.

مرض النبي محمد ووفاته

ابتدأ مرض النبي محمد الذي تُوفي فيه في أواخر شهر صفر سنة 11 هـ بعد أن أمر أسامة بن زيد بالمسير إلى أرض فلسطين، لمحاربة الروم، فاستبطأ الناسُ في الخروج لوجع النبي محمد، وكان من شدّة وجعه أن كان يُغمى عليه في اليوم الواحد مرات عديدة. وفي أحد الأيام، خطب النبي محمد الناس وقال: «إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله»، فبكى أبو بكر، قال أبو سعيد الخدري: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو المُخيَّر، وكان أبو بكر أعلمَنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر»، وقالت السيدة عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». ولما ثقُل على النبي محمد المرض، أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، قالت السيدة عائشة: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن بلال، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فقيل له: «إن أبا بكر رجل أسيف (أي رقيق القلب)، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس»، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة، فقال: «إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فخرج أبو بكر، فوجد النبيُ صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، فخرج يهادى بين رَجُلَين كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه.

ولما كان يوم الاثنين الذي توفي فيه، بعد ثلاثة عشر يوماً على مرضه، خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ففرحوا به، ثم رجع فاضطجع في حجر عائشة بنت أبي بكر، فتُوفي وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الاثنين ربيع الأول سنة 11 هـ، الموافق 8 يونيو سنة 632م وقد تّم له ثلاث وستون سنة. فلما توفي قام عمر بن الخطاب، فقال «والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليبعثنه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم»، وجاء أبو بكر مسرعاً فكشف عن وجهه وقبّله، وقال «بأبي أنت وأمّي، طبتَ حياً وميتاً»، ثم خرج وخطب بالنّاس قائلاً:

أبو بكر الصديق ألا من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، وقرأ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ
أبو بكر الصديق
قالت السيدة عائشة: «فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر رضيَ الله عنه، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشر إلا يتلوها». ثم أقبل الناس يوم الثلاثاء على تجهيز النبي محمد، فقام علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقرآن مولى محمد، بتغسيله وعليه ثيابه.

مبايعته بالخلافة

لما علم الصحابة بوفاة الرسول محمد، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة في اليوم نفسه، وهو يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وتداولوا الأمر بينهم في اختيار من يلي الخلافة من بعده، والتف الأنصار حول زعيم الخزرج سعد بن عبادة، ولما بلغ خبرُ اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة إلى المهاجرين، وهم مجتمعون مع أبي بكر لترشيح من يتولى الخلافة، قال المهاجرون لبعضهم: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيباً.

قال عمر بن الخطاب: فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلين صالحين، فذكر ما تمالأ عليه القوم، فقالا: «أين تريدون يا معشر المهاجرين؟» قلنا: «نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار»، فقالا: «لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم»، فقلت: «والله لنأتينهم»، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: «من هذا؟»، فقالوا: «هذا سعد بن عبادة»، فقلت: «ما له؟»، قالوا: «يوعك»، فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشرَ المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم (أي عدد قليل)، فإذاً هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر (أي يخرجونا من أمر الخلافة)»، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: «على رسلك»، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت، فقال: «ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم»، فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، والله أن أقدَّم فتُضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: «أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش»، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف فقلت (لأبي بكر): «ابسط يدك»، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار. وفي رواية أخرى قال عمر: «يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر رضيَ الله عنه؟» فقالت الأنصار: «نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر».

وفي رواية أخرى: فتكلم أبو بكر رضيَ الله عنه، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره، وقال: «ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار»، ولقد علمت يا سعد (يعني سعد بن عبادة الخزرجي) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجر الناس تبع لفاجرهم»»، فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء.

وخطب أبو بكر معتذراً من قبول الخلافة فقال: «والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلةً قط، ولا كنت فيها راغباً، ولا سألتها الله عز وجل في سر وعلانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمراً عظيماً ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني». وقد ثبت أنه قال: «وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: أبي عبيدة أو عمر، فكان أميرَ المؤمنين وكنت وزيراً»، كما قال: «أيها الناس، هذا أمركم إليكم تولوا من أحببتم على ذلك، وأكون كأحدكم»، فأجابه الناس: رضينا بك قسماً وحظاً، وأنت ثاني اثنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قام باستبراء نفوس المسلمين من أي معارضة لخلافته، واستحلفهم على ذلك فقال: «أيها الناس، أذكركم الله أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه»، فقام علي بن أبي طالب ومعه السيف، فدنا منه حتى وضع رجلاً على عتبة المنبر والأخرى على الحصى وقال: «والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك؟».

البيعة العامة وخلافته

بعد أن تمت بيعة أبي بكر البيعة الخاصة في سقيفة بني ساعدة، اجتمع المسلمون في اليوم التالي للبيعة العامة، قال أنس بن مالك: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا، وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه»، فبايع الناس أبا بكر بعد بيعة السقيفة.

ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال:


أما بعد أيها الناس، فإني قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

وقال عمر لأبي بكر يومئذ: «اصعد المنبر»، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة. وقد سأل عمرو بن حريث سعيد بن زيد فقال له: «أشهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، قال: «نعم»، قال له: «متى بويع أبو بكر؟»، قال سعيد: «يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة»، قال: «هل خالف أحد أبا بكر؟» قال سعيد: «لا، لم يخالفه إلا مرتد أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه»، قال: «هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته؟»، قال سعيد: «لا، لقد تتابع المهاجرون على بيعته».

وقد وردت أخبار كثيرة في شأن تأخر علي بن أبي طالب عن مبايعة أبي بكر، وكذا تأخر الزبير بن العوام، قال ابن عباس: إن علياً والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد انشغلت جماعة من المهاجرين وعلى رأسهم علي بن أبي طالب بأمر جهاز الرسول من تغسيل وتكفين، وقد روى الصحابي سالم بن عبيد أن أبا بكر قال لأهل بيت النبي وعلى رأسهم علي: «عندكم صاحبكم»، فأمرهم يغسلونه.

وقد بايع الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب أبا بكر في اليوم التالي لوفاة الرسول محمد، وهو يوم الثلاثاء، قال أبو سعيد الخدري: لما صعد أبو بكر المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير بن العوام فدعا بالزبير فجاء، فقال له أبو بكر: «يا ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟»، فقال الزبير: «لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فقام الزبير فبايع أبا بكر، ثم نظر أبو بكر في وجوه القوم، فلم ير علياً بن أبي طالب، فدعا بعلي فجاء، فقال له أبو بكر: «يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟»، فقال علي: «لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فقام علي فبايع أبا بكر. وفي رواية حبيب بن أبي ثابت قال: كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: «قد جلس أبو بكر للبيعة»، فخرج علي إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء وهو متعجل، كراهة أن يبطئ عن البيعة، فبايع أبا بكر ثم جلس، وبعث في ردائه، فجاؤوه به فلبسه فوق قميصه.

إدارة شؤون الدولة

بدأ أبو بكر إدارة شؤون الدولة بعد مبايعته بالخلافة، واتخذ من الصحابة أعواناً يساعدونه على ذلك، فأسند إلى أبي عبيدة بن الجراح شؤونَ بيت المال، وتولى عمر بن الخطاب القضاء، وباشر أبو بكر القضاءَ بنفسه أيضاً، وتولى زيد بن ثابت الكتابة (البريد)، وأحياناً يكتب له من يكون حاضراً من الصحابة كعلي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان.

الولاية والولايات

استعمل أبو بكر الولاة في البلدان المختلفة، وكان ينظر إلى حسن اختيار النبي محمد للأمراء والولاة على البلدان فيقتدي به في هذا العمل، ولهذا فقد أقر جميع عمال الرسول الذين توفي الرسول وهم على ولايتهم، ولم يعزل أحداً منهم إلا ليعينه في مكان آخر أكثر أهمية من موقعه الأول ويرضاه، كما حدث لعمرو بن العاص. وكانت مسؤوليات الولاة في عهد أبي بكر بالدرجة الأولى امتداداً لصلاحياتهم في عهد النبي محمد، أما أهم مسؤولياتهم في عهد أبي بكر فهي: إقامة الصلاة وإمامة الناس، والجهاد، وإدارة شئون البلاد المفتوحة، وتعيين القضاة والعمال عليها، وأخذ البيعة للخليفة، وبعض الأمور المالية كالزكاة والجزية، وإقامة الحدود، وتأمين البلاد، وكان لهم دور في تعليم الناس أمور دينهم، وفي نشر الإسلام في البلاد التي يتولَّون عليها، وكان الكثير من هؤلاء الولاة يجلسون في المساجد يعلمون الناس القرآن والأحكام.


الدولة الإسلامية في ذروة اتساعها خلال عهد أبي بكر.


وقد قُسمت الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر إلى عدة ولايات، وهذه أسماء الولايات والولاة:

المدينة المنورة:
عاصمة الدولة الإسلامية، وبها الخليفة أبو بكر.

مكة المكرمة:
وأميرها عتاب بن أسيد الأموي القرشي، ولاه الرسول محمد، واستمر مدة حكم أبي بكر.

الطائف:
وأميرها عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولاه الرسول محمد، وأقره أبو بكر عليها.

صنعاء:

وأميرها المهاجر بن أبي أمية المخزومي القرشي، وهو الذي فتحها ووليها بعد انتهاء أمر الردة.

حضرموت:
وأميرها زياد بن لبيد الخزرجي.

زبيد ورقع:

وأميرها أبو موسى الأشعري.

خولان:
وأميرها يعلى بن أبي أمية.

الجند:
وأميرها معاذ بن جبل الخزرجي.

نجران:
وأميرها جرير بن عبد الله البجلي.

جرش:
وأميرها عبد الله بن ثور الغوثي.
البحرين:
وأميرها العلاء بن الحضرمي.

العراق والشام:
كان أمراء الجند هم ولاة الأمر فيها.

سلطنة عمان:
وأميرها حذيفة بن محصن القلعاني.

اليمامة:
وأميرها سليط بن قيس الخزرجي.

القضاء

يعد عهدُ أبي بكر بدايةَ العهد الراشدي القريب من العهد النبوي، فكان العهدُ الراشدي عامة والجانبُ القضائي خاصة امتداداً للقضاء في العهد النبوي، مع المحافظة الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في العهد النبوي، وتطبيقه بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه. وقد كان أبو بكر يقضي بنفسه إذا عرض له قضاء، ولم تُفصَل ولاية القضاء عن الولاية العامة في عهده، ولم يكن للقضاء ولايةٌ خاصة مستقلة، كما كان الأمر في عهد الرسول محمد، ففي المدينة عهِدَ أبو بكر إلى عمر بن الخطاب بالقضاء ليستعين به في بعض الأقضية، ولكن هذا لم يُعطِ لعمر صفة الاستقلال بالقضاء. وأقر أبو بكر معظم القضاة والولاة الذين عينهم الرسول محمد، واستمروا على ممارسة القضاء والولاية أو أحدهما في عهده.

وأصبحت الأحكام القضائية في عهد أبي بكر موئلاً للباحثين، ومحطاً لأنظار الفقهاء، وصارت الأحكام القضائية لتلك الفترة مصدراً للأحكام الشرعية والاجتهادات القضائية والآراء الفقهية في مختلف العصور. وقد ساهمت فترة خلافة أبي بكر في ظهور مصادر جديدةٍ للقضاء في العهد الراشدي، فقد صارت مصادرُ الأحكام القضائية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والسوابق القضائية أو التقليد، والرأي الاجتهادي مع الشورى.

حروب الردة وجيش أسامة بن زيد


إرسال جيش أسامة بن زيد إلى الشام

ندب النبي محمد المسلمين لغزو الروم بالبلقاء وفلسطين سنة 11هـ، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، ولكن النبي مرض بعد البدء بتجهيز هذا الجيش بيومين، فلم يخرج الجيش وظل معسكراً بالجُرْف، وهي موضع على بعد ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام، ورجع إلى المدينة بعد وفاة النبي. ولما تولى أبو بكر الخلافة أمر أن يُبعث أسامة بن زيد ال***ي، وألا يبقى بالمدينة أحد من جند أسامة إلا خرج إلى عسكره بالجرف، واقترح بعض الصحابة على أبي بكر بأن يبقي الجيش فقالوا: «إن هؤلاء جلُّ المسلمين، والعربُ على ما ترى قد انتقضت بك، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين»، فقال أبو بكر: «والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته». ثم خرج أبو بكر حتى أتى الجيش فقال:

أبو بكر الصديق يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منه شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً، اندفعوا باسم الله. أبو بكر الصديق
وأوصى أبو بكر أسامة فقال: «اصنع ما أمرك به نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ ابدأ ببلاد قضاعة ثم إيت آبل (منطقة جنوب الأردن)، ولا تقصرن في شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعجلن لما خلفت عن عهده». ومضى أسامة بجيشه، فبثّ الخيول في قبائلِ قضاعة وأغار على آبل، فسلِم وغنِم، وكان مسيره ذاهباً وقافلاً أربعين يوماً، فزادت هيبة المسلمين في نفوس أعدائهم وقالوا: «لو لم يكن لهم قوةٌ لما أرسلوا هذا الجيش»، فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه، وأصاب القبائلَ العربيةَ في الشمال الرعبُ والفزعُ من سطوة الدولة الإسلامية.

حروب الردة

بعد وفاة النبي محمد ارتدت بعض القبائل العربية عن الإسلام، وكان المرتدون على ثلاثة أقسام: صنف عادوا إلى عبادة الأوثان، وصنف تبعوا الذين ادعوا النبوة كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وصنف ثالث استمروا على الإسلام ولكنهم جحدوا الزكاة، وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي محمد. فلما تولى أبو بكر الخلافة قام في الناس خطيباً فقال: «والله لا أدعُ أن أقاتلَ على أمر الله حتى ينجزَ الله وعده ويوفيَ لنا عهده، ويُقتل من قُتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منها خليفته وذريته في أرضه، قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له، وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض»»، وقال أيضاً: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (الأنثى من ولد المعز) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها»، وفي رواية: «والله لو منعوني عقالاً (الحبل الذي يعقل به البعير) كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه»، قال عمر: «فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر فعرفت أنه الحق».

محاولة المرتدين غزو المدينة

حاول المرتدون الهجوم على المدينة للقضاء على الدولة الإسلامية، ولكن أبا بكر استعد لحماية المدينة، فألزم أهل المدينة بالمبيت في المسجد حتى يكونوا على أكمل استعداد للدفاع، ونظم الحرس على أنقاب المدينة لدفع أي غارة قادمة، وعين على الحرس أمراءهم: علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وبعث إلى القبائل القريبة التي ثبتت على الإسلام من أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب يأمرهم بجهاد أهل الردة، فاستجابوا له حتى امتلأت المدينة بهم. ولما اقترب المرتدون وهم بعض قبائل أسد وغطفان وعبس وذبيان وبني بكر بن عبد مناة من المدينة ليلاً، خرج أبو بكر في أهل المسجد إليهم فانهزموا، فأتبعهم المسلمون على إبلهم، ولكن المرتدين تمكنوا من صد إبل المسلمين فعادت بهم إلى المدينة، ولم يُصرع مسلم ولم يُصَب، ثم تهيأ أبو بكر وجهز الناس ثم خرج، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين همساً ولا حساً حتى وضعوا فيهم السيوف فاقتتلوا أعجاز ليلتهم، فما ذرَّ قرنُ الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلب المسلمون المرتدين ورجعوا إلى المدينة. وخلال ذلك عاد أسامة بن زيد بجيشه ظافراً، فاستخلفه أبو بكر على المدينة وقال له ولجنده: «أريحوا وأريحوا ظهركم»، ثم خرج أبو بكر بنفسه حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق، فهزم قبيلتي عبس وبني بكر بن عبد مناة، وأقام على الأبرق أياماً.

إرسال الجيوش الإسلامية إلى المرتدين

خرج أبو بكر بالصحابة لقتال المرتدين، فعرض عليه الصحابة أن يبعث غيره على القيادة وأن يرجع إلى المدينة ليتولى إدارة أمور الأمة، وجاء علي بن أبي طالب فأخذ بزمام راحلته، فقال: «إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد (يقصد قول الرسول لأبي بكر): شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك، فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً»، فرجع. وقد قسم أبو بكر الجيش الإسلامي إلى أحد عشر لواءً، وجعل على كل لواء أميراً، وأمر كل أمير باستنفار من مر به من المسلمين، وهذه الجيوش هي:

جيش خالد بن الوليد (وهو القائد العام للجيوش) إلى بني أسد، ثم إلى تميم، ثم إلى اليمامة.
جيش عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة الكذاب في بني حنيفة، ثم إلى سلطنة عمان والمهرة، فحضرموت فاليمن.
جيش شرحبيل بن حسنة إلى اليمامة في إثر عكرمة، ثم حضرموت.
جيش طريفة بن حاجر إلى بني سليم و هوازن.
جيش عمرو بن العاص إلى قضاعة.
جيش خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام.
جيش العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
جيش حذيفة بن محصن الغلفائي إلى سلطنة عمان.
جيش عرفجة بن هرثمة إلى المهرة.
جيش المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن، صنعاء ثم حضرموت.
جيش سويد بن مقرن إلى تهامة اليمن.
وكتب أبو بكر كتاباً عاماً لنشره في أوساط من ثبتوا على الإسلام ومن ارتدوا عنه جميعاً قبل تسيير جيوشه لمحاربة الردة، وبعث رجالاً إلى القبائل وأمرهم بقراءة كتابه في كل مجتمع، وناشد من يصله مضمون الكتاب بتبليغه لمن لم يصل إليه، وجاء في الكتاب:

أبو بكر الصديق وقد بلغني رجوعُ من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله وجهالة بأمره وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: Ra bracket.png وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ، وقال تعالى:إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ . وإني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتلَ أحداً ولا يقتلَه حتى يدعُوَه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحاً قَبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك ثم لا يُبقي على أحد منهم قَدِر عليه، وأن يحرقَهم بالنار ويقتلَهم كل قتلة، وأن يسبيَ النساء والذراري ولا يقبلَ من أحد إلا الإسلام، فمن تبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يُعجزَ الله. أبو بكر الصديق
محاربة الردة في اليمن
في عهد النبي محمد ظهر رجل في اليمن يُسمى الأسود العنسي ادعى النبوة، وتبعه أبناء قبيلته وهم عنس، وتبعته قبيلة مذحج وبنو الحارث بن كعب وغيرهم، فاحتل منطقة نجران ثم صنعاء، وقتل واليها شهر بن باذان الفارسي، ولكن المسلمين تمكنوا من قتله، فخاف أصحابه وفروا هاربين، ووصل الخبر إلى النبي محمد. ولما تولى أبو بكر الخلافة، عين فيروز الديلمي والياً على صنعاء، وقيس بن مكشوح المرادي مساعداً لفيروز، ولكن قيس بن مكشوح انقلب على فيروز الديلمي، فهرب فيروز، وكاتب قيس بن مكشوح فلول الأسود العنسي، وطلب منهم الالتقاء ليتوحدوا، فتمكنوا من محاصرة صنعاء، فكتب أبو بكر إلى زعماء القبائل القريبة من صنعاء وأمرهم أن يقاتلوا المرتدين، وجعل فيروز الديلمي أميراً عليهم، فتوجهوا نحو صنعاء، وقاتلوا قيس بن مكشوح حتى اضطر إلى ترك صنعاء، وعاد إلى التذبذب بين نجران وصنعاء ولحج، إلا أنه انضم إلى عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وبهذا عادت صنعاء للمرة الثانية إلى الهدوء والاستقرار.

وتوجه جيش عكرمة بن أبي جهل نحو المهرة، وكان معه سبعمئة فارس، فوق ما جمع حوله من قبائل سلطنة عمان، وحينما دخل منطقة المهرة وجدها مقسمة بين زعيمين متناحرين: "شخريت" و"المصبح"، فدعاهما عكرمة إلى الإسلام فاستجاب شخريت وأبى المصبح، فصادمه عكرمة ومعه شخريت، فلحقته الهزيمة وقُتل ومعه الكثير من أصحابه، ثم أقام عكرمة فيهم يجمعهم حتى بايعوا على الإسلام وآمنوا واستقروا، وكان قد تلقى كتاباً من أبي بكر يأمره بالاجتماع مع المهاجر بن أبي أمية القادم من صنعاء ليتوجها معاً إلى قبيلة كندة، فخرج من المهرة حتى نزل أبين وبقي هناك ينتظر المهاجر، وعمل وهو هناك على جمع قبائل النخع وحمير وتثبيتهم على الإسلام. وأما جيش المهاجر بن أبي أمية فقد كان آخرَ من خرج من المدينة من الجيوش الأحد عشر، ولما وصل نجران قسم جيشه إلى فرقتين: فرقة تولت القضاء على فلول الأسود العنسي المتناثرة بين نجران وصنعاء، وكان المهاجر نفسه على هذه الفرقة، وفرقة عليها أخوه عبد الله مهمتها القضاء على بقية المرتدين في تهامة اليمن. واستقر المهاجر في صنعاء حتى تلقى الأمر بالتوجه لملاقاة عكرمة، وأن يسيرا معاً إلى حضرموت لمعاونة زياد بن لبيد الأنصاري (والي كندة بحضرموت)، فقد كان الأشعث بن قيس قد هاجم زياداً، فأرسل زيادٌ إلى المهاجر وعكرمة يستعجلهما النجدة، فما كان من المهاجر إلا أن ترك عكرمة إلى الجيش وأخذ أسرعَ الناس ليكونا بجانب زياد، فاستطاع أن يفك الحصار عنه، وهربت قبائل كندة إلى حصن من حصونها يسمى النجير، فنزل زياد والمهاجر عليه، ثم قدم عكرمة فنزل عليه فحاصروهم من جميع الجهات، ثم بعث المهاجر الطلائع إلى قبائل كندة والمتفرقين يدعوهم إلى الإسلام ومن أبى قاتلوه، فلم يبقَ منهم إلا مَن في الحصن المحاصر، وعمل جيشا زياد والمهاجر على التضييق على من في الحصن، فاتفق زعماؤهم على أن يقوم الأشعث بن قيس بطلب الأمان والنزول على حكم المسلمين، ولكن الأشعث غدر بهم ولم يطلب الأمان لجميع من في الحصن، فكان من جراء ذلك أن قُتل من قبائل كندة في الحصن سبعمائة قتيل.

محاربة طليحة الأسدي

ادعى طليحة بن خويلد الأسدي النبوة في آخر عهد النبي محمد، وعسكر في منطقة تسمى سميراء واتبعه العوام وقويت شوكته، فبعث النبي محمد ضرار بن الأزور الأسدي لمقاتلته، وتوفي النبي محمد ولم يُحسم أمر طليحة، فلما تولى أبو بكر الخلافة وجه إليه جيشاً بقيادة خالد بن الوليد، وكان طليحة الأسدي في قومه بني أسد وفي غطفان، وانضم إليهم بنو عبس وذبيان، وبعث إلى بني جديلة والغوث من طيء يستدعيهم إليه، فبعثوا أقواماً منهم ليلحقوهم على أثرهم سريعاً، وجاء خالد في الجنود، وعلى مقدمة الأنصار الذين معه ثابت بن قيس بن شماس، والتقى خالد مع طليحة الأسدي بمكان يقال له بزاخة، فكانت معركة بزاخة، وجاء طليحة فيمن معه، وقد حضر معه عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه بني فزارة، واصطف الناس، وجعل عيينة يقاتل حتى انهزم وانهزم الناس عن طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس كان قد أعدها له وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلى الشام وتفرق جمعه. وبعد ذلك أسلم عيينة بن حصن وطليحة الأسدي وحسن إسلامهما، وندم طليحة على ما فعل.

محاربة سجاح التغلبية

ادعت امرأة تسمى سجاح بنت الحارث النبوة، وهي من نصارى العرب، وكان معها جنودٌ من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو الخليفة أبي بكر، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها فاستجاب لها عامتهم، وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي، وتخلف آخرون منهم عنها، ثم أقنعها بنو تميم بقصد اليمامة لتأخذها من مسيلمة الكذاب، فلما سمع مسيلمة بمسيرها إليه خافها على بلاده، فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت، فقبلت ذلك، ثم قال لها: «هل لك أن أتزوجَك وآكلَ بقومي وقومِك العربَ؟»، قالت: «نعم»، وأقامت عنده ثلاثة أيام ثم رجعت إلى قومها، ثم انثنت راجعة إلى بلادها، فرجعت إلى الجزيرة بعدما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه، فأقامت في قومها بني تغلب إلى زمان معاوية بن أبي سفيان، فأجلاهم منها عام الجماعة.

محاربة الردة في عمان والبحرين

كان أهل سلطنة عمان قد استجابوا لدعوة الإسلام، ولكن بعد وفاة النبي محمد ادعى منهم رجل يقال له "ذو التاج" لقيط بن مالك الأزدي النبوة، وتابعه بعض أهل عمان فتغلَّب عليها، وكان عليها جيفر وعباد ابنا الجلندي، فألجأهما إلى أطرافها من نواحي الجبال والبحر، فبعث أبو بكر إلى جيفر أميرين هما: حذيفة بن محصن الغلفاني وعرفجة بن هرثمة البارقي، وأرسل عكرمة بن أبي جهل القرشي مدداً لهم، وبلغ لقيطَ بن مالك مجيءُ الجيش، فخرج في جموعه فعسكر بمكان يقال له دبار، وهي مصر تلك البلاد وسوقها العظمى، واجتمع جيفر وعباد ابنا الجلندي بمكان يقال له صحار، فعسكروا فيه وبعثا إلى أمراء أبي بكر فقدموا، فتقابل الجيشان هناك وتقاتلوا قتالاً شديداً، وابتلي المسلمون وكادوا أن يُولوا، فبُعث إليهم مددٌ من بني ناجية وعبد القيس في جماعة من الأمراء، فلما وصلوا إليهم كان النصر للمسلمين، فولى المشركون مدبرين، ولحقهم المسلمون فقتلوا منهم عشرة آلاف مقاتل، وسبوا الذراري وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها.

وأما أهل البحرين فقد أسلموا بعدما أرسل النبيُّ محمدٌ العلاء بن الحضرمي إلى ملكها وحاكمها المنذر بن ساوي العبدي، وقد أسلم هو وقومه وأقام فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي النبي محمد وتوفي المنذر بعده بمدة قصيرة، ارتد أهل البحرين وملَّكوا عليهم المنذر بن النعمان الغرور، وبقيت بلدة جواثا على الإسلام، وكانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة، فحاصرهم المرتدون وضيقوا عليهم ومنعوا عنهم الأقوات وجاعوا جوعاً شديداً حتى فُرِّج عنهم، وبعث أبو بكر بجيش إلى البحرين بقيادة العلاء بن الحضرمي، فلما دنا من البحرين انضم إليه كثير من المسلمين، فاجتمع إليه جيش كبير قاتل به المرتدين، وتم النصر للمسلمين.

مسيلمة الكذاب ومعركة اليمامة

«يَا مُحمّدَاه» شعار المسلمين في معركة اليمامة بقيادة خالد بن الوليد.
ادعى مسيلمة بن حبيب الحنفي النبوة في عهد النبي محمد، وكان قومه بنو حنيفة في اليمامة قرب العيينة بوادي حنيفة في نجد، فلما تولى أبو بكر الخلافة أمر خالد بن الوليد إذا فرغ من بني أسد وغطفان أن يقصد اليمامة، فسار خالد إلى اليمامة وجهَّز معه المسلمين، وكان على الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل به، وسيَّر أبو بكر جيشاً كثيفاً ليحمي ظهر خالد، فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له عقرباء في طرف اليمامة، وجعل على مجنبتي جيشه: المحكم بن الطفيل، والرجال بن عنفوة. والتقى خالد بعكرمة وشرحبيل، فتقدم وقد جعل على مقدمة الجيش شرحبيل بن حسنة وعلى المجنبتين زيد بن الخطاب وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة. ومرت مقدمة جيش خالد بنحو من أربعين أو ستين فارساً عليهم مجاعة بين مرارة الحنفي، وكان في طريق عودته إلى قومه، فأسرهم المسلمون، فلما جيء بهم إلى خالد قال لهم: «ماذا تقولون يا بني حنيفة؟»، قالوا: «نقول منا نبي ومنكم نبي»، فقتلهم، ويقال أنه استبقى مجاعة بن مرارة وقتل الآخرين. وتقدم خالد بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يشرف على اليمامة فضرب به عسكره، واصطدم المسلمون والمرتدون فكانت جولة، وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يُعهد مثله، وحمل خالد حتى جاوزهم وسار لقتال مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله، ثم رجع ووقف بين الصفين ودعا البراز وقال: «أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد»، ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ: «يا محمداه»، وجعل لا يبرز له أحد إلا قتله، وصبر الصحابة في هذه المواطن صبراً لم يُعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى انتصروا، وولى المرتدون الأدبار، واتبعهم المسلمون حتى ألجأوهم إلى "حديقة الموت"، وقد أشار عليهم محكم بن الطفيل بدخولها، فدخلوها وفيها مسيلمة الكذاب، وأدرك عبدُ الرحمن بن أبي بكر محكمَ بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم وأحاط بهم الصحابة، فقال البراء بن مالك: «يا معشر المسلمين، ألقوني عليهم في الحديقة»، فاحتملوه فوق الجحف (أي التروس) ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء وفتحوا الأبواب الأخرى وحوصر المرتدون، وخلص المسلمون إلى مسيلمة الكذاب، فتقدم إليه وحشي بن حرب فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط، فنادت امرأة من القصر: «وا أمير الوضاءة قتله العبد الأسود»، فكانت جملةُ من قُتلوا في الحديقة وفي المعركة قريباً من عشرة آلاف مقاتل وقيل إحدى وعشرون ألفاً، وقُتل من المسلمين ستمائة وقيل خمسمائة، ثم بعث خالد الخيول حول اليمامة يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبي.

فتوحات العراق في عهد أبي بكر

لما انتهت حروب الردة واستقرت الأمور في الجزيرة العربية، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش لفتح البلاد، فجيَّش لفتح العراق جيشين:

الجيش الأول بقيادة خالد بن الوليد، وكان يومئذ باليمامة، فكتب إليه يأمره بأن يغزو العراق من جنوبه الغربي، وقال له: «سر إلى العراق حتى تدخلها وابدأ بفرج الهند (يقصد مدينة الأبلة)»، وأمره بأن يأتي العراق من أعاليها، وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية، فإن امتنعوا عن ذلك قاتلهم، وأمره أن لا يُكره أحداً على المسير معه، ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام وإن كان عاد إليه، وأمره أن يستصحب كل امرئ مر به من المسلمين، وشرع أبو بكر في تجهيز السرايا والبعوث والجيوش إمداداً لخالد. كان تاريخ بعث خالد إلى العراق في شهر رجب وقيل في المحرم سنة 12هـ.
الجيش الثاني بقيادة عياض بن غنم، وكان بين النباج (قرية في منتصف الطريق بين مكة والبصرة) والحجاز، فكتب إليه بأن يغزو العراق من شماله الشرقي بادئاً بالمصيخ، وهي موضع على حدود الشام مما يلي العراق، وقال له: «سر حتى المصيخ وابدأ بها، ثم ادخل العراق من أعلاها حتى تلقى خالداً».

معارك خالد بن الوليد

وكتب أبو بكر إلى خالد وعياض: «ثم يستبقان إلى الحيرة، فأيهما سبق إلى الحيرة أمير على صاحبه»، وقال: «إذا اجتمعتما إلى الحيرة وقد فضضتما مسالح فارس وأمنتما أن يؤتى المسلمون من خلفهم، فليكن أحدكما ردءاً للمسلمين ولصاحبه بالحيرة، وليقتحم الآخرُ على عدو الله وعدوكم من أهل فارس دارَهم ومستقرَّ عزهم: المدائن». كان هدفُ الخليفة أبي بكر السيطرةَ على الحيرة لأهميتها العسكرية، فقد كانت قلب العراق وأقرب منطقة مهمة إلى المدائن عاصمة الإمبراطورية الفارسية، كما كانت مهمة للقوات الإسلامية في قتالها الروم في بلاد الشام.

كان المثنى بن حارثة قد قدم على أبي بكر وحثه على محاربة الفرس وقال له: «ابعثني على قومي»، ففعل أبو بكر ذلك، فشرع المثنى في الجهاد بالعراق، ثم بعث إلى أبي بكر يستمده فكتب إليه أبو بكر: «أما بعد، فإني قد بعثت إليك خالد بن الوليد إلى أرض العراق، فاستقبله بمن معك من قومك، ثم ساعده ووازره وكانفه، ولا تعصين له أمراً ولا تخالفن له رأياً، فإنه من الذين وصف الله تبارك وتعالى في كتابه: «محمدٌ رسولُ الله والذين معه أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم تراهم ركعاً سجداً»، فما أقام معك فهو الأمير، فإن شخص عنك فأنت على ما كنت عليه». لم يلبث خالد أن قدم العراق ومعه ألفا رجل ممن قاتل المرتدين، وحشد ثمانية آلاف رجل من قبائل ربيعة، وكتب إلى ثلاثة من الأمراء في العراق قد اجتمعت لهم جيوش لغرض الجهاد فاستجابوا وضموا جيوشهم التي بلغ تعدادها مع جيش المثنى ثمانية آلاف، فأصبح جيش المسلمين ثمانية عشر ألفاً. وقد اتفقوا على أن يكون مكان تجمع الجيوش الأبلة، وقبل أن يسير خالد إلى العراق كتب إلى هرمز صاحب ثغر الأبلة كتابَ إنذار يقول فيه: «أما بعد، فأسلم تسلم أو اعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة». وحين قارب خالد العدو جعل الجيش ثلاث فرق، وأمر أن تسلكَ كلُّ فرقة طريقاً، فجعل المثنى على فرقة المقدمة، ثم تلتها فرقة عليها عدي بن حاتم الطائي، وخرج خالد بعدهما وواعدهما الحضير، ليجتمعوا به ويصمدوا لعدوهم.

معركة ذات السلاسل

سمع هرمز بمسير خالد بن الوليد، وعلم أن المسلمين تواعدوا الحضير، فسبقهم إليه وجعل على مقدمته القائدين "قباذ" و"أنو شجان"، فلما بلغ خالداً أنهم يمموا الحضير عدل عنها إلى كاظمة، فسبقه هرمز إليها ونزل على الماء، وجاء خالد فنزل على غير ماء، فقال لأصحابه: «حطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء، فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين». وحط المسلمون أثقالهم والخيل وقوف، وتقدم الراجلون وزحفوا إلى الفرس، وجاءت سحابة فأمطرت وراء صفوف المسلمين فنهلوا من غدرانها وتقوَّوا، وواجه المسلمون هرمز، فاتفق هرمز مع حاميته على أن يبارز خالداً ثم يغدروا به ويهجموا عليه، فبرز بين الصفين ودعا خالداً إلى البراز فبرز إليه، والتقيا فاختلفا ضربتين، واحتضنه خالد فحملت حامية هرمز على خالد وأحدقوا به، فما شغله ذلك عن قتل هرمز، وما أن لمح ذلك القعقاع بن عمرو حتى حمل بجماعة من الفرسان على حامية هرمز، وكان خالد يجالدهم فأناموهم، وحمل المسلمون من وراء القعقاع حتى هزموا الفرس. وقد كان الفرس قد ربطوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفروا، فلم تغن عنهم شيئاً أمام المسلمين، وسميت هذه المعركة بذات السلاسل. وغنم المسلمون من الفرس حمل ألف بعير، وبعث خالد سرايا تفتح ما حول الحيرة من حصون فغنموا أموالاً كثيرة، ولم يعرض خالد لمن لم يقاتلوه من الفلاحين بل أحسن معاملتهم كما أوصاه أبو بكر، وأبقاهم في الأرض التي يفلحونها.

معركة الثني ومعركة الولجة

كان هرمز قد كتب إلى كسرى بأمر خالد، فأمده كسرى بجيش بقيادة "قارن"، ولكن هرمز استخف بجيش المسلمين فسارع إليهم قبل وصول قارن، فنُكب ونُكب جيشه، وهرب فلول المنهزمين فالتقوا بجيش قارن، وعسكروا بمكان يسمى المذار، وكان خالد قد بعث المثنى بن حارثة وأخاه المعني في آثار الفرس ففتحا بعض الحصون، وعلما بمجيء جيش الفرس فأبلغا خالداً الخبر، فسار خالد حتى التقى بهم في المذار فاقتتلوا، وخرج قائدهم قارن ودعا إلى البراز، فبرز إليه خالد ولكن سبقه إليه معقل بن الأعمش بن النباش فقَتل قارن، وكان قارن وضع على ميمنته "قباذ" وعلى ميسرته "أنوشجان" وهما من القواد الذين حضروا اللقاء الأول وفرُّوا من المعركة، فأما قباذ فقتله عدي بن حاتم الطائي، وأما أنوشجان فقتله عاصم بن عمرو التميمي، واشتد القتال بين الفريقين، ولكن الفرس انهزموا بعد مقتل قادتهم، وقُتل منهم ثلاثون ألفاً، ولجأ بقيتهم إلى السفن فهربوا عليها، وأقام خالد بالمذار. وصل نبأ نكبة الفرس في المذار إلى كسرى، فبعث "الأندرزغر" على رأس جيش عظيم، وأردفه بجيش آخر عليه "بهمن جاذويه"، وتحرك "الأندرزغر" حتى انتهى إلى الولجة، وخرج "بهمن جاذويه" يريد أن يحشر جيش المسلمين بينه وبين "الأندرزغر"، وتجمعت القوة الفارسية في الولجة، ولما بلغ خالداً وهو بالثني قرب البصرة تجمعُ الفرس ونزولُهم الولجة، رأى أن من الأفضل للمسلمين أن يهاجموا هذه الحشود الكبيرة من ثلاث جهات حتى يفرقوا جموعهم ويفاجئوهم، ولكي يؤمِّن خطوطه الخلفية أمر سويد بن مقرن بلزوم الحفير، وتحرك بجيشه حتى وصل الولجة، فبعث بفرقتين لمهاجمة حشود الفرس من الخلف والجانبين، وبدأت المعركة واشتد القتال بين الفريقين، وشدد خالد بهجومه من المقدمة، وفي الوقت المناسب انقض الكمينان على مؤخرة جيش العدو فحلت به الهزيمة المنكرة، وفر "الأندرزغر" مع عدد من رجاله ولكنهم ماتوا عطشاً.

فتح أليس وأمغيشيا والحيرة

انضم بعض نصارى العرب وعليهم عبد الأسود العجلي إلى الفرس وعليهم "جابان"، فلما بلغ خالداً تجمعُ نصارى العرب وعرب الضاحية من أهل الحيرة سار إليهم، ولا علم له بانضمام الفرس لجموع العرب، فلما أقبلت جنود المسلمين طلب جابان من جنده مهاجمتهم، فأظهروا عدم الاكتراث بخالد والتهاون بأمره وتداعوا إلى الطعام، إلا أن خالداً قاتلهم أشد القتال، وقد زاد في شدة الفرس ومن معهم ما يتوقعون من لحاق "بهمن جاذويه" بهم في مدد كبير، وصبر المسلمون على هذا القتال العنيف، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين. وبعد أن فرغ خالد من أليس نهض حتى أتى منطقة تسمى أمغيشيا، وقد جلا عنها أهلُها وتفرقوا في السواد، فأمر بهدمها، وأصاب المسلمون بها ما لم يصيبوا مثله، فقد بلغ سهم الفارس ألفاً وخمسمائة درهم سوى أنفال أهل البلاء، ولما وصلت أخماس الغنائم وأخبار النصر إلى أبي بكر وما صنعه خالد والمسلمون قال: «يا معشر قريش، عدا أسدُكم على الأسد فغلبه على خراذيله، أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد؟».

وعلم مرزبان الحيرة بما صنع خالد بأمغيشيا فأيقن أنه آتيه، فاستعد لذلك وأرسل جيشاً بقيادة ابنه ثم خرج في إثره، وأمر ابنه بسد الفرات ليعطل سفن المسلمين، وفوجئ المسلمون بذلك واغتموا له، ونهض خالد في خيل يقصد ابن المرزبان، فلقي خيلاً من خيله ففاجأهم فأنامهم بالمقر، ثم نهض قبل أن تصل أخباره إلى المرزبان حتى لقي جنداً لابنه على فم الفرات فقاتلهم وهزمهم، وسد الأنهار وسلك الماءُ سبيله، ثم طلب خالد عسكره واتجه إلى الحيرة، وعلم المرزبان بموت ابنه فهاله الأمر فعبر الفرات هارباً من غير قتال، فعسكر خالد مكانه وأهل الحيرة متحصنون، وأدخل خالد الخيل من عسكره، وخطط لمحاصرة قصور الحيرة، فأرسل ضرار بن الأزور الأسدي لمحاصرة القصر الأبيض، وأرسل ضرار بن الخطاب لمحاصرة قصر العدسيين، وأرسل المثنى بن حارثة الشيباني لمحاصرة قصر ابن بقيلة، وعهد خالد إلى أمرائه أن يدعوا القوم إلى الإسلام، فإن أجابوا قبلوا منهم وإن أبوا أجلوهم يوماً، وأمرهم أن لا يمكنوا عدواً منهم بل عليهم أن يناجزوهم ولا يمنعوا المسلمين من قتال عدوهم ففعلوا، واختار القوم المنابذة، وعمدوا لرمي المسلمين بالحصى عن جانب والضرب عن جانب، فرشقهم المسلمون بالنبل، وشنوا غاراتهم، وفتحوا الدور والديارات، فنادى أهل القصور: «يا معشر العرب قبلنا واحدة من ثلاث فكفوا عنا»، وخرج رؤساء القصور فقابلهم خالد، كل أهل قصر على حدة، وتصالحوا مع خالد على الجزية، وصالحوه على مائة وتسعين ألفاً، وبعث خالد بالفتح والهدايا إلى أبي بكر، فقبل الهدايا وعدها لأهل الحيرة من الجزية تعففاً عما لم يأذن به الشرع.

فتح الأنبار وعين التمر

استخلف خالد على الحيرة القعقاع بن عمرو التميمي، واتجه بتعبئة لإغاثة القائد عياض بن غنم، فوصل خالد إلى الأنبار، فوجد القوم قد تحصنوا وخندقوا على أنفسهم وأشرفوا على أعلى الحصون، فضرب المسلمون عليهم الحصار، وأمر خالد جنوده أن يصوبوا إلى عيون أهل الأنبار، فلما نشب القتال أصابوا في أول رمية ألف عين من عيونهم، ولذلك سميت هذه الوقعة "ذات العيون". واخترق خالد الخندق الذي حول الأنبار بفطنة وذكاء، حيث عمد إلى الضعاف من الإبل بجيشه فنحرها، وملأ الخندق في أضيق نقطة فيها بجثث الإبل، واقتحم المسلمون الخندق وجسرُهم جثث الإبل، وصاروا مع عدوهم داخل الخندق، فالتجأ العدو إلى الحصن، واضطر "شيراز" قائد جند الفرس إلى قبول الصلح بشروط خالد، على أن يخرج من الأنبار في عدد من الفرسان يحرسونه، فقبل خالد منه ذلك بشرط ألا يأخذ معه من المتاع أو من الأموال شيئاً.

واستخلف خالد الزبرقان بن بدر على الأنبار وسار إلى عين التمر، فوجد عقة بن أبي عقة في جمع عظيم من قبائل النمر وتغلب وإياد ومن حالفهم، ومعهم من الفرس "مهران" بقواته، وطلب عقة من مهران أن يتركه لقتال خالد فقال مهران له: «دونكم وإياهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم». وسار خالد فتلقاه عقة، فلما تواجهوا قال خالد لمجنبته: «احفظوا مكانكم فإني حامل»، وأمر حماته أن يكونوا من ورائه، وحمل على عقة وهو يسوّي الصفوف فاحتضنه وأسره، وانهزم جيش عقة من غير قتال، فأكثروا فيهم الأسر. وقصد خالد حصن عين التمر، فلما بلغ "مهران" هزيمةُ عقة وجيشه نزل من الحصن وهرب وتركه، ورجعت فلول نصارى الأعراب إلى الحصن فوجدوه مفتوحاً فدخلوه واحتموا به، فجاء خالد وأحاط بهم وحاصرهم أشد الحصار، فاضطر أهل الحصن أن ينزلوا على حكم خالد، فأمر بضرب عنق عقة ومن كان أُسر معه والذين نزلوا على حكمه أجمعين. ثم أرسل أبو بكر الوليد بن عقبة إلى عياض مدداً له وهو يحاصر دومة الجندل، فلما قدم عليه وجده في ناحية من العراق يحاصر قوماً، وهم قد أخذوا عليه الطرق فهو محصور أيضاً، فقال عياض للوليد: «إن بعض الرأي خير من جيش كثيف، ماذا ترى فيما نحن فيه؟»، فقال له الوليد: «اكتب إلى خالد يمدك بجيش من عنده»، فكتب إليه يستمده، فقدم كتابه على خالد عقب وقعة عين التمر وهو يستغيث به، فكتب خالد إليه: «من خالد إلى عياض، إياك أريد، البث قليلاً تأتك الحلائب، يحملن آساداً عليها القشائب، كتائب تتبعها كتائب».

فتح دومة الجندل

رحل خالد بجنده من عين التمر بعد أن خلف عليها عويم بن الكاهل الأسلمي، ووصلت أنباؤه إلى أهل دومة الجندل، فاستنجدوا بحلفائهم من قبائل بهراء و*** وغسان وتنوخ، وكان أمر أهل دومة الجندل إلى زعيمين هما: أكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة، فاختلفا، وخرج أكيدر مفارقاً قومه، وبلغ خالداً خبرُه فأرسل إليه عاصم بن عمرو معارضاً له فأخذه، فأمر خالد بقتله. ونزل خالد على دومة الجندل، وجعل أهلَها وحلفاءَهم بين فكي كماشة ذراعُها الأولى عسكرُه والثانيةُ عسكرُ عياض بن غنم، وتقدم الجودي بن ربيعة بجنوده نحو خالد، وتقدم ابن الحدرجان وابن الأيهم بجنودهما ناحية عياض، ودارت المعركة، وأنزل خالد الهزيمة بالجودي وأتباعه، وانتزع عياض النصر من ابن الحدرجان ومن معه بصعوبة، وحاولت فلول المنهزمين الاحتماء بالحصن، ولكنه كان قد عج بمن فيه فأغلقوه عليهم وتركوا أصحابهم حوله في العراء، ولم يلبث خالد أن هاجم من بداخل الحصن بعد أن اقتلع بابه فقتل منهم جموعاً كثيرة.

ثم أمر خالد الأقرع بن حابس بالرجوع إلى الأنبار وأقام بدومة الجندل، فظن الفرس وعرب المنطقة ذلك فرصة لهم، فخرج "زرمهر" من بغداد ومعه "روزبة" يريدان الأنبار، وتواعدا في الحصيد والخنافس، فوصل خبرهم الزبرقان بن بدر التميمي وهو على الأنبار، فاستمد القعقاع بن عمرو خليفة خالد على الحيرة، فأمده بأعبد بن فدكي السعدي وأمره بالحصيد، وبعروة بن الجعد البارقي وأمره بالخنافس. وعندما علم خالد بتحرك بعض القبائل ورغبتهم بالانضمام إلى "روزبة" في الحصيد، جعل القعقاعَ أميراً على المسلمين في الحصيد بعد أن ترك مكانَه عياض بن غنم على الحيرة، فلما علم "روزبة" بتوجه القعقاع إليه استمد "زرمهر" فانضم إليه، والتقى المسلمون بجموع الفرس، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة من بينهم "زرمهر" و"روزبة"، وغنموا غنائم كثيرة. وبعد أن وصلت أخبار المسلمين في الحصيد إلى خالد، واعد قادة جيوشه في ليلة وساعة يجتمعون فيها عند المصيخ قرب حوران، فلما توافوا في موعدهم بيتوا بعض القبائل ومن آوى إليهم من ثلاثة أوجه، فأوقع بهم خسائر كبيرة، ثم علم خالد بتحشد بعض القبائل في "الثني" قرب ديار بكر استعداداً لقتال المسلمين، فباغتهم في "الثني" من عدة اتجاهات فشتت جموعهم، وكذلك هاجم المتحشدين في "الزميل" فأوقع بهم خسائر هائلة.

معركة الفراض

بعد أن بسط خالد راية الإسلام على العراق واستسلمت له قبائل العرب، قصد منطقة الفراض، وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة، حتى يحفظ ظهره ويأمن من أن تكون وراءه عورة عند اجتيازه أرض السواد إلى بلاد فارس، فلما اجتمع المسلمون بالفراض غضب الروم وهاجوا واستعانوا بمن يليهم من مسالح الفرس، فلبس الفرس سراعاً لأنهم كانوا حانقين على المسلمين، كما استمدوا العرب من تغلب وإياد والنمر بن قاسط فأمدوهم، فاجتمعت جيوش الفرس والروم والعرب على المسلمين في تلك الموقعة، فلما بلغوا الفرات قالوا للمسلمين: «إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم»، فقال خالد: «بل اعبروا إلينا»، قالوا: «فتنحوا حتى نعبر»، فقال خالد: «لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا»، وذلك للنصف من ذي القعدة سنة 12هـ، فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض: «احتسبوا ملككم، هذا رجل يقاتل على دين وله عقل وعلم، والله لينصرن ولنخذلن»، ثم لم ينتفعوا بذلك، فعبروا أسفل من خالد، فلما تتاموا اقتتلوا قتالاً شديداً طويلاً، ثم انتصر المسلمون، وقال خالد للمسلمين: «ألحوا عليهم ولا ترفهوا عنهم»، فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه، فإذا جمعوهم قتلوه، وقُتل من أعداء المسلمين عشرات الألوف، وأقام خالد في الفراض عشرة أيام، ثم أمر بالرجوع إلى الحيرة.

وتعد هذه المعركة خاتمة المعارك التي خاضها خالد بن الوليد في العراق، وانكسرت شوكة الفرس بعد هذه المعركة، ولم تقم لهم قوة حربية يخشاها الإسلام بعد هذه الموقعة.

فتوحات الشام في عهد أبي بكر

كان اهتمام المسلمين بالشام منذ عهد النبي محمد، فقد كتب إلى هرقل عظيم الروم وغيره من أمراء الشام كتباً يدعوهم فيها إلى الإسلام، كما أرسل جيشاً إلى مؤتة في الشام فكانت معركة مؤتة، ثم قاد غزوة تبوك بنفسه. ولما تولى أبو بكر الخلافة، استمر على المنهج الذي وضعه النبي محمد، فأصر بعد وفاة النبي على إنفاذ جيش أسامة بن زيد، ثم أرسل خالد بن سعيد بن العاص بجيش لفتح الشام.

جيش خالد بن سعيد بن العاص

بعث أبو بكر خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام، وأمره أن يكون ردءاً للمسلمين بتيماء، وهي بلدة في أطراف الشام بين الشام ووادي القرى، وأمره ألا يفارقها إلا بأمره، ولا يقاتل إلا من قاتله، فبلغ خبرَه هرقل ملكُ الروم، فجهز جيشاً من العرب التابعين للروم من قبائل بهراء وسليح و*** ولخم وجذام وغسان، فسار إليهم خالد بن سعيد فلقيهم على منازلهم فافترقوا، فأمره أبو بكر بالإقدام والزحف على الروم قبل تنظيم صفوفهم، ونصحه أن يحافظ على خط رجعته وألا يتوغل كثيراً في بلاد العدو، فتقدم خالد حتى بلغ القسطل في طريق البحر الميت، فهزم جيشاً من الروم على الشاطئ الشرقي للبحر، ثم تابع مسيرته، فجمع الروم قوات تزيد على ما جمعوا في تيماء، فكتب خالد إلى الخليفة يستمده ليتابع تقدمه، فبعث إليه عكرمة بن أبي جهل بجيش البدال والوليد بن عقبة بجموع أخرى، فلما وصلت هذه القوات إلى خالد بن سعيد أمر بالهجوم على الروم، وأخذ طريقه إلى مرج الصفر (شرقي بحيرة طبرية)، وانحدر القائد الرومي ماهان بجيشه يستدرج جيوش المسلمين التي وصلت إلى مرج الصفر، فأوقعوا بالمسلمين الهزيمة، وصادف ماهان سعيد بن خالد بن سعيد في كتيبة من العسكر فقتلهم وقتل سعيداً في مقدمتهم، وبلغ خالد مقتل ابنه ورأى نفسه قد أحيط بالروم، فخرج هارباً في كتيبة من أصحابه على ظهور الخيل، ونجح عكرمة في سحب بقية الجيش إلى حدود الشام. عند ذلك، أمر أبو بكر المسلمين بالنفير إلى الجهاد، وأمر بلالاً بن رباح فنادى في الناس: «أن انفروا إلى جهاد عدوكم الروم بالشام»، وكتب إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الجهاد، فانساح أهل اليمن من جميع أرجائها بأعداد هائلة، كلهم خرجوا طواعية غير مكرهين.

إرسال الجيوش الإسلامية إلى الشام

بعد أن دعا أبو بكر الناس إلى الجهاد، عقد الألوية لأربعة جيوش أرسلها لفتح الشام، وأمر كل أمير أن يسلك طريقاً غير طريق الآخر، وهذه الجيوش هي:


جيش يزيد بن أبي سفيان: وهو أول الجيوش التي تقدمت إلى بلاد الشام، وكانت مهمته الوصول إلى دمشق وفتحها ومساعدة الجيوش الأربعة عند الضرورة، وكان جيش يزيد أول الأمر ثلاثة آلاف، ثم عززه الخليفة بالإمدادات حتى صار معه بحدود سبعة آلاف رجل.

جيش شرحبيل بن حسنة: حدد أبو بكر لمسير شرحبيل بن حسنة ثلاثة أيام بعد مسير يزيد بن أبي سفيان، وكان جيش شرحبيل ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف، وأمره أن يسير إلى تبوك والبلقاء ثم بصرى، وهي آخر مرحلة، فتقدم شرحبيل نحو البلقاء حيث لم يلق مقاومة تُذكر، وكان يسير على الجناح الأيسر لجيش أبي عبيدة بن الجراح، والجناح الأيمن لجيش عمرو بن العاص في فلسطين، فأوغل في البلقاء حتى بلغ بصرى، فأخذ يحاصرها، فلم يوفق في فتحها لأنها كانت من المراكز الحصينة.

جيش أبي عبيدة بن الجراح: وكان يتراوح ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف مجاهد، وهدف ذلك الجيش حمص. سار أبو عبيدة من المدينة ماراً بوادي القرى إلى الجابية، وكان هذا الجيش الجناح الأيسر لجيش يزيد، والجناح الأيمن لجيش شرحبيل، وكان في صحبة أبي عبيدة فارس من فرسان العرب المشهورين هو قيس بن هبيرة بن مسعود المرادي، فأوصى به أبو بكر أبا عبيدة قبل سفره.

جيش عمرو بن العاص:
وجهه أبو بكر إلى فلسطين، وكان تعداده يتراوح من ستة آلاف إلى سبعة آلاف مجاهد، فسلكت طريقاً لساحل البحر الأحمر حتى وادي عربة في البحر الميت، ونظم عمرو بن العاص قوة استطلاع مؤلفةً من ألف مجاهد يقودها عبد الله بن عمر بن الخطاب، ودفعها باتجاه محور تقدم الروم، فاصطدمت هذه القوة بقوة للروم، ولكنها انتصرت عليهم، وعادت ببعض الأسرى فاستنطقهم عمرو بن العاص، وعلم منهم أن جيش العدو بقيادة "رويس" يحاول مباغتة المسلمين بالقيام بالهجوم، فنظم عمرو قواته، وشن الروم هجومهم، واستطاع المسلمون صده ونجحوا في رد قوات الروم، وبعد ذلك شنوا هجومهم المضادَّ ودمروا قوة العدو وأرغموهم على الفرار وترك ميدان المعركة، وتابع الفرسان المطاردة، وانتهت بسقوط ألوف القتلى من الروم.
لاقت الجيوش الإسلامية صعوبة في مواجهة جيوش الإمبراطورية الرومانية لقوتها وكثرة عددها، وقد كان للروم في الشام جيشان كبيران: أحدهما في فلسطين والآخر في أنطاكية، وعندما شهد قائد الروم هرقل توغل الجيوش الإسلامية، أصدر أوامره لقواته بالتوجه لتدمير الجيوش الإسلامية الأربعة كل على حدة. فراسل قادةُ المسلمين أبا بكر يخبرونه بأمر الروم، فشرع بإمدادهم بالرجال والسلاح والخيول وما يحتاجونه، فأرسل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ومعه ألف مقاتل إلى أبي عبيدة، وأرسل سعيد بن عامر بن حذيم ومعه سبعمائة رجل إلى يزيد بن أبي سفيان. وقرر قادة المسلمين الانسحاب من جميع الأراضي التي فتحوها والتجمع في مكان واحد ليتمكنوا من إحباط خطة الروم وإجبارهم على خوض معركة فاصلة تخوضها كل الجيوش الإسلامية، فاتفقوا أن يكون التجمع باليرموك، وأن يتم الانسحاب مع تجنب الاشتباك مع العدو، فانسحب أبو عبيدة من حمص، وانسحب شرحبيل بن حسنة من الأردن، وانسحب يزيد بن أبي سفيان من دمشق، وأخذ عمرو بن العاص في الانسحاب تدريجياً من فلسطين.

وقرر أبو بكر أن ينقل خالد بن الوليد بجيشه إلى الشام وأن يتولى قيادة الجيوش بها، لأن الأمر بالشام يحتاج إلى قائد صاحب قدرة عسكرية فائقة، وصاحب تجربة طويلة في المعارك، فحشد خالد جنوده وانطلق ليعبر إلى الشام عبر صحاري رهيبة، وبعد خمسة أيام من الترحال وصل جيش خالد إلى الشام، ففتح منطقة "أدك" صلحاً، ثم نزل "تدمر" فصالح أهلها، ثم أتى "القريتين" فقاتله أهلها فظفر بهم، ثم قصد "حوارين" وصار إلى موضع يعرف بالثنية، فنشر رايته وهي راية العقاب، فسمي ذلك الموضع بثنية العقاب، ثم سار حتى وصل إلى قناة بصرى، فوجد الصحابة تحاربها فصالحه صاحبها وسلمها إليه، ثم سار خالد وأبو عبيدة ومرثد وشرحبيل إلى عمرو بن العاص وقد قصده الروم، فكانت معركة أجنادين.

معركة أجنادين

كان عمرو بن العاص ينسحب بمحاذاة ضفة نهر الأردن لكي يلتقي بجيوش المسلمين الأخرى، فقرر خالد بن الوليد أن يسرع وينضم إلى جيش عمرو بن العاص، ويخوض وإياه معركة فاصلة فيقضي على قوة الروم الكبيرة، فيتعزز الموقف العسكري للجيش الإسلامي، ويصون خط رجعته، ويحمي جناحه الأيسر، ويثبت أقدام المسلمين في فلسطين، فانحدر من اليرموك إلى سهل فلسطين بعدما أصدر أمره إلى عمرو بن العاص بأن ينسحب متدرجاً جيش الروم حتى يصل جيش خالد فيطبقان عليه، فارتد عمرو بن العاص إلى أجنادين، وعندما وصلت قوات خالد أصبح جيش المسلمين بحدود ثلاثين ألف مقاتل، وكان وصول خالد في الوقت المناسب، فما أن اصطدمت قوات عمرو بن العاص بالروم حتى انقض خالد بقواته الرئيسة، وجرت معركة عنيفة، وكان لمهارة القائدين خالد وعمرو العسكرية دور كبير في تحقيق النصر الحاسم، حيث وُجِّهت قوة اقتحامية اخترقت صفوف العدو حتى وصلت إلى قائد الروم فقتلوه، وبمقتل القائد انهارت مقاومة الروم وهربوا في اتجاهات مختلفة.

معركة اليرموك

الأرض التي دارت عليها معركة اليرموك شمال الأردن.
بعد انتصار المسلمين في أجنادين اجتمعوا في اليرموك، وتحركت جيوش الروم بقيادة "تيدور" ونزلت في منزل واسع الطعن واسع المطرد ضيق المهرب، وكان عدد المسلمين أربعين ألف مقاتل أو خمسة وأربعين ألفاً يقودهم خالد بن الوليد، وأما عدد الروم فيُقدَّر بمائتين وأربعين ألفاً بقيادة "تيدور"، وقسم خالد جيشه، فجعل على فرقة القلب أبا عبيدة بن الجراح ومعه عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو، وعلى فرقة الميمنة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى فرقة الميسرة يزيد بن أبي سفيان. ونزلت الرومُ الواقوصة قريباً من اليرموك، وصار الوادي خندقاً عليهم، وبدأ القتال وحميت الحرب، وتقدمت صفوف الروم فحملت ميسرتهم على ميمنة المسلمين فانكشف قلب الجيش الإسلامي من ناحية الميمنة، واستطاع الروم إحداث ثغرة في صفوف المسلمين والتسلل إلى مؤخرتهم، فثبت المسلمون حتى صدوا الروم، ثم ركبهم الروم فزال المسلمون من الميمنة إلى القلب، وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر، وثبت سور من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، ثم تنادوا فتراجعوا حتى نهنهوا مَن أمامهم من الروم وأشغلوهم عن اتباع من انكشف من الناس. ثم حملت ميمنة الروم على ميسرة المسلمين حملة شديدة، فانكشف قلب المسلمين من ناحية الميسرة وركب الروم أكتاف من انهزم من المسلمين، وتبعوهم حتى دخلوا معسكر المسلمين، فاستقبلتهم نساء المسلمين بالحجارة وأعمدة الخيام يضربنهم على وجوههم ويقلن لهم: «أين عز الإسلام والأمهات والأزواج؟ أين تفرون وتدعوننا للعلوج؟»، فإذا زجرنهم خجل أحدهم من نفسه ورجع إلى القتال، وقتلوا من الروم خلقاً كثيراً. وحاولت ميسرة الروم مرة أخرى شن الهجوم على ميمنة المسلمين، فشدوا على عمرو بن العاص وجنده في محاولة اختراق الصفوف لكي يطوِّقوهم، وقاتل عمرو وجنده عن مواضعهم، إلا أن الروم تمكنوا من دخول معسكرهم، ونزلت المسلمات من التل وأخذن يضربن وجوه الرجال المراجعين، وبذلك ارتدت إلى المسلمين عزائمهم، ودخلوا للقتال مرة أخرى، وحمل المسلمون على الروم من جديد حتى أزاحوهم عن المواضع التي كسبوها.

وحمل خالد بمن معه من الخيالة على الميسرة التي حملت على ميمنة المسلمين فأزالوهم إلى القلب، فقُتل من الروم في حملته هذه ستة آلاف، ثم اعترضهم فحمل بمائة فارس معه على نحو من مائة ألف، فما وصل إليهم حتى انقض جميعهم، وحمل المسلمون عليهم حملة رجل واحد فانكشفوا، وتبعهم المسلمون لا يمتنعون منهم. وقامت ميمنة المسلمين بإغلاق المنافذ والثغرات في وجوه الروم، وحصروا بين وادي اليرموك ونهر الزرقاء، واستطاع المسلمون أن يفصلوا فرسان الروم عن مشاتهم، فحملوا على الروم وركبوا أكتافهم حتى أرهقوهم، وبذلك أراد فرسانُ الروم مخرجاً لهم للفرار منه، فأمر خالد عمرو بن العاص بفسح المجال لهم ففعل ذلك وهرب فرسان الروم، وبذلك تحرك مشاة الروم دون غطاء من خيالتهم، فجاء المشاة إلى الخنادق وهم مقيدون بالسلاسل، وجاءهم المسلمون إلى خندقهم في ظلال الليل، وأخذ معظم مشاة الروم ينهارون بالوادي، فإذا منهم شخص قُتل سقط معه جميعُ الذين كانوا مقيدين معه، وقَتل منهم المسلمون في هذه المرحلة خلقاً كثيراً قُدِّر عددهم بمائة وعشرين ألفاً، والناجون منهم قد انسحب قسم منهم إلى فحل، والقسم الآخر إلى دمشق داخل بلاد الشام. وقُتل أحد قادة الروم "تذارق"، وكان له ثلاثون سرادقاً وثلاثون رواقاً من ديباج بما فيها من الفرش والحرير، فلما كان الصباح حاز المسلمون ما كان هنالك من الغنائم، وكان عددُ قتلى المسلمين ثلاثةَ آلاف منهم: عكرمة بن أبي جهل، وابنه عمرو، وسلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد. وكان عدد قتلى الروم مائة وعشرين ألفاً، منهم ثمانون ألفاً مقيدون بالسلاسل وأربعون ألفاً مطلقون سقطوا جميعهم في الوادي.

وفاته

في شهر جمادى الآخرة سنة 13هـ، مرض الخليفة أبو بكر واشتد به المرض، فلما ثقل واستبان له من نفسه، جمع الناس إليه فقال: «إنه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميتاً لما بي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي»، فتشاور الصحابة، ثم رجعوا إلى أبي بكر فقالوا: «رأيُنا يا خليفة رسول الله رأيُك»، قال: «فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده»، ثم وقع اختيار أبي بكر بعد أن استشار بعض الصحابة على عمر بن الخطاب، ثم كتب عهداً مكتوباً يُقرأ على الناس، وكان نص العهد:

أبو بكر الصديق بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عَدَلَ فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بَدّلَ فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب: «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون». أبو بكر الصديق
وقد روت السيدة عائشة خبر وفاة أبيها أبي بكر فقالت: «أول ما بُدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل وكان يوماً بارداً، فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه»، وقالت السيدة عائشة: قال أبو بكر: «انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي»، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح (البعير الذي يُستقى عليه) كان يسقي بستاناً له، فبعثنا بهما إلى عمر، فبكى عمر، وقال: «رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً».

واجهة قبور النبي محمد وأبي بكر وعمر داخل المسجد النبوي.
واستمر مرض أبي بكر مدة خمسة عشر يوماً، حتى مات يوم الاثنين ليلة الثلاثاء 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، قالت السيدة عائشة: إن أبا بكر قال لها: «في أي يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، قالت: «في يوم الاثنين»، قال: «إني لأرجو فيما بيني وبين الليل، ففيم كفنتموه؟»، قالت: «في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة»، فقال أبو بكر: «انظري ثوبي هذا فيه ردع زعفران أو مشق فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين»، فقيل له: «قد رَزَقَ الله وأحسن، نكفنك في جديد»، قال: «إن الحي هو أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه عن الميت، إنما يصير الميت إلى الصديد وإلى البلى». وقد أوصى أن تغسله زوجه أسماء بنت عميس، وأن يدفن بجانب النبي محمد، وكان آخرَ ما تكلم به أبو بكر قولَ الله تعالى: «توفني مسلماً وألحقني بالصالحين». وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة، استوفى سن النبي محمد، وغسلته زوجه أسماء بنت عميس، ودفن جانب النبي محمد، وقد جعل رأسه عند كتفي النبي، وصلى عليه خليفته عمر بن الخطاب، ونزل قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن، وألصق اللحد بقبر النبي محمد.

وارتجت المدينة لوفاة أبي بكر، ولم تر المدينة منذ وفاة الرسول يوماً أكثر باكياً وباكية من ذلك المساء، وأقبل علي بن أبي طالب مسرعاً باكياً مسترجعاً، ووقف على البيت الذي فيه أبو بكر، فقال: «رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنيسه، ومستراحه وثقته، وموضع سره ومشاورته»، إلى أن قال: «والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وحرزاً وكهفاً، فألحقك الله عز وجل بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك»، فسكت الناس حتى قضى كلامه، ثم بكوا حتى علت أصواتهم، وقالوا: «صدقت».

ألقابه

لُقب أبو بكر بألقاب عديدة منها:

الصّدّيق

لقَّبه به النبي محمد، وذلك أن النبي محمداً كان قد صعد جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فرجف بهم الجبل فقال النبي محمد: «اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»، وأما سبب تسميته بالصديق فهو لكثرة تصديقه للنبي محمد، قالت السيدة عائشة: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال إلى أبي بكر، فقالوا: «هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أن أسري به الليلة إلى بيت المقدس»، قال: «وقد قال ذلك؟»، قالوا: «نعم»، قال: «لئن قال ذلك فقد صدق»، قالوا: «أوتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟» قال: «نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة»، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.

العتيق

لقَّبه به النبي محمد، فقد قال له: «أنت عتيق الله من النار»، فسمي عتيقاً، وقالت السيدة عائشة: «دخل أبو بكر الصديق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشر، فأنت عتيق الله من النار»»، وقد ذكر المؤرخون أسباباً كثيرةً لهذا اللقب، فقد قيل: «إنما سمي عتيقًا لجمال وجهه»، وقيل: «لأنه كان قديمًا في الخير»، وقيل: «سمي عتيقًا لعتاقة وجهه»، وقيل: إن أمَّ أبي بكر كان لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به الكعبة وقالت: «اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي».

الصاحب

لُقب به في القرآن الكريم، وذلك في قول الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وقد أجمع العلماء على أن الصاحب المقصود في الآية هو أبو بكر، وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في تفسير هذه الآية: «فإن المراد بصاحبه هنا أبو بكر بلا منازع».

الأتقى

لُقب به في القرآن الكريم، وذلك في قول الله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى . وسبب ذلك أن أبا بكر عندما كان يشتري العبيدَ المسلمين ويعتقهم، قال له أبوه أبو قحافة: «يا بني، إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً، فلو أنك إذا فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك ويقومون دونك؟»، فقال أبو بكر: «يا أبت، إني إنما أريد ما أريد لله عز وجل»، فنزلت فيه آيات منها: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى

الأوّاه

لُقب أبو بكر بالأواه، وهو لقب يدل على الخشية والوجل من الله تعالى، قال إبراهيم النخعي: «كان أبو بكر يسمى بالأواه لرأفته ورحمته».


زوجات أبي بكر وذريته.

زوجاته

تزوج أبو بكر من أربع نسوة، أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث، وهن على التوالي:

قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وهي أم عبد الله وأسماء.

أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة الكنانية، وهي أم عائشة وعبد الرحمن، توفيت في ذي الحجة سنة 4هـ أو 5هـ أو 6هـ.

أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم الشهرانية الخثعمية، وهي أم محمد، كانت زوج جعفر بن أبي طالب، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب.

حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجية الأنصارية، وقيل: مليكة بنت خارجة، وهي أم أم كلثوم.

ذريته

لأبي بكر ستة أولاد، ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهم:

عبد الرحمن بن أبي بكر، أمه أم رومان، وهو شقيق عائشة، توفي سنة 53هـ أو 55هـ أو 56هـ.

عبد الله بن أبي بكر، أمه قتيلة بنت عبد العزى، وهو شقيق أسماء، وهو الذي كان يأتي النبيَّ وأباه أبا بكر بالطعام وبأخبار قريش إذ هما في الغار كل ليلة، توفي أول خلافة أبي بكر في شوال سنة 11هـ.

محمد بن أبي بكر، أمه أسماء بنت عميس، وهو أخو عبد الله بن جعفر لأمه، وأخو يحيى بن علي لأمه.

أسماء بنت أبي بكر، أمها قتيلة بنت عبد العزى، وهي زوج الزبير بن العوام وأم عبد الله بن الزبير، لقبت بذات النطاقين.

عائشة بنت أبي بكر، أمها أم رومان، وهي زوج النبي محمد وأشهر نسائه، لقبت بالصديقة بنت الصديق وأم المؤمنين، وهي أحب الناس إلى النبي محمد، توفيت سنة 57هـ أو 58هـ ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، ودفنت بالبقيع.

أم كلثوم بنت أبي بكر، أمها حبيبة بنت خارجة، وقد ولدت بعد وفاة النبي محمد.

يُعدّ أبو بكر أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، فهو عندهم خيرُ الناس بعد الأنبياء والرسل، وذلك نقلاً عن علي بن أبي طالب، فعن محمد بن الحنفية (وهو محمد بن علي بن أبي طالب) أنه قال:

«قلت لأبي: "أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"، قال: "أبو بكر"، قلت: "ثم من؟"، قال: "ثم عمر"، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: "ثم أنت؟"، قال: "ما أنا إلا رجل من المسلمين".»
ويعتبر أهلُ السنة أبا بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار، وأول مسلم أوذي في الله بعد النبي محمد، وأول من دافع عن النبي محمد، وأول من دعا إلى الإسلام من الصحابة، وأول من بذل ماله لنصرة الإسلام، وهو عندهم أتقى الأمة بالكتاب والسنة، وأشجع الناس بعد النبي محمد، وأحب الخلق إلى النبي بعد السيدة عائشة، وأرجح الأمة إيماناً، وأكثر الصحابة زهداً، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل أبي بكر ومكانته، وتدل على أنه أحق الصحابة بالخلافة، ومنها:

عن عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» - حديث صحيح.
عن ابن عباس، عن النبي أنه قال: «لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي» - حديث صحيح.
عن عمرو بن العاص أن النبي محمداً بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتاه فقال: «أي الناس أحب إليك؟»، قال: «عائشة»، فقلت: «من الرجال؟»، فقال: «أبوها»، قلت: «ثم من؟»، قال: «ثم عمر بن الخطاب» فعد رجالاً - حديث صحيح.
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: «أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: «أرأيت إن جئت ولم أجدك؟»، كأنها تقول: الموت، قال صلى الله عليه وسلم: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر»» - حديث صحيح.
عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم اليوم صائماً؟»، قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟»، قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟»، قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟»، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة» - حديث صحيح.
عن ابن عمر أنه قال: «كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَحُذَيْفَةُ،
وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلَالٌ ".
نظرة الشيعة

يؤمن أغلب الشيعة الإثنا عشرية أن الخلافة أو الإمامة لا تجوز إلا لأهل البيت، وأن علي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي بكر، ولكن أبا بكر غصبها من علي بن أبي طالب غصباً، وبالغ بعضُ متشددي الشيعة حتى زعموا أن أبا بكر لم يدخل الإسلام إلا طمعاً في الحكم والسلطة، ويرى الشيعة أن بيعة أبي بكر لم تكن بالنص من النبي محمد، وهم يتفقون في ذلك مع أهل السنة، فقد قال ابن كثير: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينص على الخلافة عيناً لأحد من الناس، لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة، ولا لعلي كما يقوله طائفة من الرافضة». ولكن اغلب الشيعة الإثنا عشرية يختلفون مع أهل السنة في أن بيعة أبي بكر لم تكن بالشورى بين المسلمين، ولم تكن بإجماع المسلمين، وإنما كانت "فلتة" كما وصفها علماؤهم. وقد استعاروا هذا التعبير من كلمة الخليفة عمر بن الخطاب عن بيعة أبي بكر حيث قال: « فلا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت فلتة، ألا وإنها كانت كذلك، ألا وإن الله عز وجل وقى شرها ...».

وأما الشيعة الزيدية فهم كإمامهم وصاحب مذهبهم زيد بن علي بن الحسين يرون صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يقل أحدٌ منهم بتكفير أحد من الصحابة، ومن مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، ومعظم الزيدية المعاصرين يُقرُّون خلافة أبي بكر وعمر، ولا يلعنونهما كما تفعل بعض فرق الشيعة الأخرى، بل يترضون عنهما.

نظرة الغرب

يقول المؤرخ والكاتب الأمريكي واشنطن إيرفينج في كتابه "محمد وخلفاؤه" عن أبي بكر:

أبو بكر الصديق لقد كان رجلاً حُكمه عظيم، يقظاً حذراً، إدارياً بارعاً، أهدافه ومقاصده صادقة وغير أنانية، وموجهة نحو مصلحة القضية وليس نحو مصلحته الشخصية، وخلال فترة حكمه لم يخن شيئاً من أمور الدنيا الخسيسة، وكان لا يبالي بالثراء والبذخ والرفاهية، ولم يَقبل أي أجر مقابل خدماته، إلا مبلغاً زهيداً كافياً ليعيش حياة عربية من أبسط أنواع الحياة، حيث كانت حاشيته تتكون من جمل وعبد أسود، وأما الدخل الفائض الذي كان يدخل خزينته فقد كان يوزعه كل يوم جمعة، جزء منه يمنحه مكافأةً وتقديراً، والباقي يمنحه للفقراء، وكان دائماً على استعداد بأن يساعد المفجوعين والمكروبين من ماله الخاص.أبو بكر الصديق
وقد ورد في الموسوعة البريطانية "بريتانيكا" ترجمة موسَّعة لأبي بكر، خلاصتها:

أبو بكر الصديق أبو بكر، يسمى أيضاً: "الصديق"، هو الصاحب الأقرب للنبي محمد ومستشاره، وهو الذي خلف النبي بوظائفه السياسية والإدارية، وبالتالي هو من أنشأ نظام الخلافة. يُزعم أن أبا بكر هو أول ذكر اعتنق الإسلام، ولكنَّ كثيراً من المؤرخين المسلمين يشكون في وجهة النظر هذه. برز أبو بكر في المجتمع المسلم الأول بسبب زواج محمد من ابنته عائشة، ثم بسبب اختيار محمد له ليكون رفيقه في الهجرة إلى المدينة المنورة سنة 622م. في المدينة المنورة، كان أبو بكر المستشار الرئيسي لمحمد (622م-632م)، ومن أبرز وظائفه آنذاك: إمارة الحج إلى مكة المكرمة سنة 631م، وإمامة الناس في الصلاة في المدينة المنورة أثناء مرض محمد. بعد وفاة محمد (8 يونيو 632م)، استطاع المسلمون في المدينة حل أزمة الخلافة باختيار أبي بكر خليفةً للنبي محمد. وخلال حكمه (632م-634م)، تمكن من قمع الانتفاضات القبلية السياسية والدينية المعروفة باسم "الردة"، وبالتالي إخضاع الجزيرة العربية تحت الحكم الإسلامي. وبعد ذلك، شرع بالفتوحات الإسلامية في العراق وسوريا.

عطر الزنبق
06-14-2021, 06:03 PM
الشخصية الاسلامية الثانية


https://l.top4top.io/p_1930j56jy1.png

https://a.top4top.io/p_1930ih4nn2.png

أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، المُلقب بالفاروق، هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التاريخ الإسلامي ومن أكثرهم تأثيرًا ونفوذًا. هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق في 23 أغسطس سنة 634م، الموافق للثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة 13 هـ. كان ابن الخطّاب قاضيًا خبيرًا وقد اشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل.

هو مؤسس التقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحوالي ثلثيّ أراضي الامبراطورية البيزنطية. تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع الفرس الذين فاقوا المسلمين قوة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يومًا بعد يوم ويزداد عدد سكانها وتتنوع أعراقها.

بداية حياته

نسبه

هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العدوي القرشي.
وهو ابن عمّ زيد بن عمرو بن نفيل الموحد على دين إبراهيم. وأخوه الصحابي زيد بن الخطاب والذي كان قد سبق عمر إلى الإسلام. و يجتمع نسبه مع الرسول محمد في كعب بن لؤي بن غالب.

أمه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وهي ابنة عمّ كلٍ من أم المؤمنين أم سلمة والصحابي خالد بن الوليد وعمرو بن هشام المعروف بلقب أبي جهل. ويجتمع نسبها مع النبي محمد في كلاب بن مرة.

نشأته

ولد بعد عام الفيل، وبعد مولد الرسول محمد بثلاث عشرة سنة. وكان منزل عمر في الجاهلية في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر وبه منازل بني عدي بن كعب، نشأ في قريش وامتاز عن معظمهم بتعلم القراءة. وعمل راعيًا للإبل وهو صغير، وكان والده غليظًا في معاملته. وكان يرعى لوالده ولخالات له من بني مخزوم. وتعلم المصارعة وركوب الخيل والفروسية، والشعر. وكان يحضر أسواق العرب وسوق عكاظ وسوق مجنة وسوق ذي المجاز، فتعلم بها التجارة، التي ربح منها وأصبح من أغنياء مكة، رحل صيفًا إلى بلاد الشام وإلى اليمن في الشتاء، وكان عمر من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة فهو سفير قريش، فإن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به، بعثوه منافراً ومفاخراً. نشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كغيره من أبناء قريش، وكان مغرمًا بالخمر والنساء.

في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم

معاداته للمسلمين

يتفق المؤرخون وعلماء الشريعة على أن النبي محمداً بُعث سنة 610م وهو في الأربعين من عمره، وكانت الدعوة الإسلامية في بداية عهدها دعوة سريّة، وبعد مضيّ ثلاث سنين من بعثته، أُمِرَ النبي بالجهر في دعوة الناس إلى الإسلام، فعاداه القرشيون لا سيما بعد أن بدأ يُحقّر من شأن آلهتهم؛ هُبل واللات والعزى ومن شأن الأصنام جميعها. وهبّ سادة قريش إلى الدفاع عن معتقداتهم، وأخذوا يعتدون على المسلمين ويؤذونهم. وكان عمر بن الخطاب من ألد أعداء الإسلام وأكثر أهل قريش أذى للمسلمين، وكان غليظ القلب تجاههم فقد كان يعذِّب جارية له علم بإسلامها من أول النهار حتى آخره، ثم يتركها نهاية الأمر ويقول: "والله ما تركتك إلا ملالةً"، ومن شدة قسوته جنّد نفسه يتبع محمدا أينما ذهب، فكلما دعا أحداً إلى الإسلام أخافه عمر وجعله يفر من تلك الدعوة.

بعد أن أمر النبي محمد المسلمين في مكة بالهجرة إلى الحبشة جعل عمر يتخوف من تشتت أبناء قريش وانهيار أسس القبيلة العريقة عندهم، فقرر الحيلولة دون ذلك بقتل النبي مقابل أن يقدم نفسه لبني هاشم ليقتلوه فتكون قريش قد تخلصت مما يهددها به هذا الدين الجديد.

إسلامه

كان عمر يخفي وراء تلك القسوة والشدة رقة نادرة. تحكي هذا زوجة عامر بن ربيعة حليف بني عدي، وذلك حينما رآها عمر وهي تعد نفسها للهجرة إلى الحبشة، فقال لها كلمة شعرت من خلالها برقة عذبة في داخله، وأحست بقلبها أنه من الممكن أن يسلم عمر، وذلك أنه قال لها: "صحبكم الله". لم تتوان زوجة عامر بن ربيعة في أن تخبر زوجها بما رأت من عمر، فرد عليها بقوله: "أطمعت في إسلامه؟" قالت: "نعم". ولأن الانطباعات الأولى ما زالت محفورة في نفسه، رد عليها زوجها بقوله: "فلا يسلم الذي رأيتِ حتى يسلم حمار الخطاب".

في هذه الفترة كان عمر بن الخطاب يعيش صراعًا نفسيًا حادًا، فقد حدثه قلبه بأن هؤلاء الناس قد يكونون على صواب، ورأى أن ثباتهم عجيب جدًّا فيما يتعرضون له، وهم يقرؤون كلامًا غريبًا لم تسمع قريش بمثله من قبل، هذا إضافةً إلى أن رئيسهم محمدًا ليس عليه من الشبهات شيء، فهو الصادق الأمين باعتراف أعدائه من القرشيين. وفي الوقت نفسه حدثه عقله بأنه سفير قريش، وقائد من قادتها، والإسلام سيضيّع كل هذا، فذلك الدين قسم مكة إلى نصفين، نصف يؤمن به ونصف يحاربه، فمنذ ست سنوات والقرشيون يعانون المتاعب والمشاكل بسببه، ويدخلون في مناظرات ومحاورات. وفي غمار هذا الصراع الداخلي ولأن من طبعه الحسم وعدم التردد، فقد قرر أن ينتهي من كل ما يؤرقه، وأراد أن يخلص نفسه ويخلص مكة كلها ممن أحدث فيها هذه البدع وتلك المشاكل، فقرر أن يقوم بما فكر فيه كثير من مشركي قريش قبل ذلك، لكنهم لم يفلحوا فيه، ألا وهو قتل محمد.

وكان قد دفعه إلى أخذ هذا القرار -أيضًا- ما حدث قبل يومين من إهانة شديدة لأبي جهل في مكة على يد عم النبي محمد حمزة بن عبد المطلب، والذي أصبح على الإسلام، وكان الدافع لذلك نابعاً من أن أبا جهل كان خال عمر بن الخطاب، فرأى عمر أنه قد أصيب في كرامته تمامًا كما أصيب أبو جهل، ورد الاعتبار في حالة كهذه عند العرب يكون عادة بالسيف. فسن سيفه وخرج من داره قاصدًا النبي محمداً، وفي الطريق لقيه نُعَيم بن عبد الله العدوي القرشي وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم، فقال له: «أين تريد يا عمر؟»، فرد عليه قائلا: «أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله.»، فلمّا عرف أنه يتجه لقتل النبي قال له: «والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الارض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب قد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه؛ فعليك بهما.» فانطلق مسرعاً غاضباً إليهما، فوجد الصحابي خباب بن الأرت يجلس معهما يعلمهما القرآن، فضرب سعيدًا، ثم ضرب فاطمة ضربة قوية شقت وجهها، فسقطت منها صحيفة كانت تحملها، وحين أراد عمر قراءة ما فيها أبت أخته أن يحملها إلا أن يتوضأ، فتوضأ عمر وقرأ الصحيفة وإذ فيهاhttps://www.al2la.com/vb/images/smilies/tears.gif طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، فاهتز عمر وقال: "ما هذا بكلام البشر" وأسلم من ساعته، في ذلك اليوم من شهر ذي الحجة من السنة الخامسة من البعثة وذلك بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب بثلاثة أيام، وقد كان يبلغ من العمر ما يقارب الثلاثين سنة، أو بضعاً وعشرين سنة، على اختلاف الروايات. خرج عمر بعد ذلك إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم حيث كان يجتمع النبي محمد بأصحابه وأعلن إسلامه هناك. وفق المصادر الإسلامية فقد استجاب الله لدعوة النبي محمد، إذ قال: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام. قال: "وكان أحبهما إليه عمر".» وكان قد سبق عمر إلى الإسلام تسعة وثلاثون صحابيًا فكان هو متممًا للأربعين، فعن ابن عباس أنه قال: «أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.»

وفي رواية أخرى أن عمر أسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة -في السنة الخامسة للبعثة– أي أنه أسلم في السنة السادسة للبعثة. كما روي أن عمر قد أسلم قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بقليل في السنة الثالثة عشرة من البعثة. حيث ذكر بعض المؤرخين أن عمر أسلم بعد 40 أو 45 رجلاً، بينما كان كل المهاجرين من المسلمين الذين آخا النبي بينهم وبين الأنصار في المدينة المنورة لا يتجاوزون هذا العدد إلا بقليل، وعليه تُرجّح بعض الروايات أن عمر كان من أواخر من أسلموا من المهاجرين حيث ذكر بعض المؤرخين أن عمر دنا من محمد في مكة وهو يصلي ويجهر بالقراءة فسمعه يقرأ في صلاته الجهرية بالمسجد الحرام آيتين من سورة العنكبوت: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ، فتأثر عمر وأسلم. وقد كانت سورة العنكبوت آخر سورة نزلت في مكة قبل الهجرة إلى يثرب.

كان المسلمون قبل إسلام عمر وحمزة يخفون إيمانهم خوفًا من تعرضهم للأذى، لقلة حيلتهم وعدم وجود من يدافع عنهم، أما بعد إسلامهما فأصبح للمسلمين من يدافع عنهم ويحميهم، لا سيما أنهما كانا من أشد الرجال في قريش وأمنعهم، وكان عمر يجاهر بالإسلام ولا يخشى أحداً، فلم يرضَ مثلاً عن أداء المسلمين للصلاة في شعاب مكة بعيدين عن أذى قريش، بل فضل مواجهة القوم بكل عزم، فقام وقال للنبي: "يا رسول الله ألسنا على الحق؟"، فأجابه: "نعم"، قال عمر: "أليسوا على الباطل؟"، فأجابه: "نعم"، فقال عمر بن الخطاب: "ففيمَ الخفية؟"، قال النبي: "فما ترى يا عمر؟"، قال عمر: "نخرج فنطوف بالكعبة"، فقال له النبي: "نعم يا عمر"، فخرج المسلمون لأول مرة يكبرون ويهللون في صفين، صف على رأسه عمر بن الخطاب وصف على رأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما النبي محمد، حتى دخلوا وصلّوا عند الكعبة. ومن بعيدٍ نظرت قريش إلى عمر وإلى حمزة وهما يتقدمان المسلمين، فَعَلتْ وجوهَهُم كآبة شديدة، يقول عمر: «فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذٍ».

كان إسلام عمر حدثًا بارزًا في التاريخ الإسلامي، فقد قوّى وجوده في صف المسلمين شوكتهم، وأصبح لهم من يُدافع عنهم ويحميهم من أذى من بقي على الوثنية، ويُلاحظ فرحة المسلمين بإسلام عمر في عدّة أقوال منسوبة إلى عدد من الصحابة، منها ما قاله صهيب الرومي: «لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به»، وما قاله عبد الله بن مسعود: «ما كنا نقدر أن نصلّي عند الكعبة حتى أسلم عمر»، و:«ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر».

هجرته إلى المدينة وحياته فيها

أمر النبي محمد أتباعه بالهجرة إلى مدينة يثرب حوالي سنة 622م بعد أن أتاه وفد من أهلها وعاهدوه على الأمان ودعوه إلى أن يأتيهم ويسكن مدينتهم بعد أن آمن بدعوته أغلب أبنائها. فهاجر معظم المسلمين إلى يثرب سرًا خوفًا من أن يعتدي عليهم أحد من قريش، إلا عمر وفق أشهر الروايات عند أهل السنة والجماعة، حيث تنص أن عمر لبس سيفه ووضع قوسه على كتفه وحمل أسهمًا وعصاه القوية، وذهب إلى الكعبة حيث طاف سبع مرات، ثم توجه إلى مقام إبراهيم فصلى، ثم قال لحلقات المشركين المجتمعة: «شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده أو يُرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي». فلم يتبعه أحد منهم إلا قوم مستضعفون أرشدهم وعلمهم ومضى. وصل عمر يثرب التي سُميت المدينة المنورة ومعه ما يقارب العشرين شخصًا من أهله وقومه، منهم أخوه زيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله ولدا سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي القرشي زوج ابنته حفصة، وابن عمه سعيد بن زيد أحد المبشرين بالجنة. ونزلوا عند وصولهم في قباء عند رفاعة بن عبد المنذر الأوسي. وكان قد سبقه مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وبلال بن رباح وسعد وعمار بن ياسر.

. كانت غزوة بني النضير إحدى أبرز الغزوات التي شارك فيها عمر بن الخطاب.
وفي المدينة المنورة آخى النبي محمد بينه وبين أبي بكر، وقيل عويم بن ساعدة الأوسي، وقيل عتبان بن مالك الخزرجي، وقيل معاذ بن عفراء الخزرجي، وقال بعض العلماء أنه لا تناقض في ذلك لاحتمال أن يكون الرسول قد آخى بينه وبينهم في أوقات متعددة. بقي المسلمون في المدينة بأمان طيلة سنة تقريبًا، إذ ما لبثت قريش أن حشدت جيشًا لقتالهم، ووقعت بينها وبين المسلمين عدّة معارك، وقد شهد عمر بن الخطاب كل الغزوات مع الرسول محمد وفقًا لابن الجوزي، ففي غزوة بدر كان عمر ثاني من تكلم ردًا على الرسول محمد عندما استشارهم قبل غزوة بدر بعد أبي بكر، فأحسن الكلام ودعا إلى قتال المشركين. وقد قتل عمر خاله العاص بن هشام في تلك الغزوة. وفي غزوة أحد رد عمر على نداء أبي سفيان حين سأل عمن قتل، وكان عمر من الأشخاص الذين اعتقدوا أن محمدًا قد قتل في تلك المعركة، ولمّا عرف أنه ما زال على قيد الحياة وقد احتمى بالجبل، أسرع إليه ووقف يدافع عن المسلمين ضد من يحاول الوصول إليهم من القرشيين. في شهر ربيع الأول سنة 4 هـ، شارك عمر في غزوة بني النضير بعد أن همّ يهود بني النضير بالغدر وقتل النبي محمد، فنقضوا بذلك الصحيفة، فأمهلهم النبي محمد 10 أيام ليغادروا المدينة، فرفضوا وتحصنوا بحصن لهم، فحاصرهم النبي 15 يومًا، وقيل 6 ليال، ثم أجلاهم عن المدينة فحملوا النساء والصبيان وتحملوا على 600 بعير، فلحقوا بخيبر، وغنم المسلمون من أموالهم وما تركوه وراءهم. في عام 625 تزوجت حفصة بنت عمر بالرسول محمد، وبعد ذلك بعامين تقريبًا، شارك عمر في غزوة الخندق كما قاتل في غزوة بني قريظة، وشارك في صلح الحديبية سنة 628 بصفته شاهدًا، ويحكي عمر بن الخطاب مجيئه إلى النبي محمد غاضبًا عند كتابة ذلك الصلح حيث تضمن شروطاً مجحفة بحق المسلمين، فقال: «فأتيت نبي الله، فقلت: "ألست نبي الله حقاً؟"، قال: "بلى". قلت: "ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟" قال: "بلى"، قلت: "فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟"، قال: "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري". قلت: "أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟" قال: "بلى. أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟" قلت : "لا". قال: "فإنك آتيه ومطوف به"». وأتى عمر أبا بكر وقال له مثل ما قال لمحمد، فقال له أبو بكر: «إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق»، وقال عمر: «ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرًا»، ولم تطب نفس عمر إلا عندما نزل القرآن مبشراً بفتح مكة. وفي نفس السنة شارك عمر في غزوة خيبر، ثم انضم هو وأبو بكر يصحبهم مائتا صحابي تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح، إلى الصحابي عمرو بن العاص الذي كان يُقاتل القبائل العربيّة الموالية للروم في شمال شبه الجزيرة العربية، وذلك بعد أن طلب المدد من الرسول، فأنزلوا هزيمة قاسية بالأعداء.

عاد عمر إلى مكة مع باقي المسلمين بعد 8 سنوات من الهجرة، فدخلوها فاتحين سنة 630، وخلال العام نفسه شارك في غزوة حنين وحصار الطائف وغزوة تبوك، ويُقال أنه منح نصف ثروته لتسليح الجيش وإعداد العدّة لتلك الغزوة الأخيرة. وفي عام 631 أدى عمر الحج مع النبي محمد، في حجة الوداع.

وفاة النبي محمد

توفي النبي محمد يوم 7 يونيو سنة 632م، الموافق ليوم 12 ربيع الأول سنة 11 هـ. ولمّا شاع خبر انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى، اضطرب المسلمون اضطرابًا شديدًا، وذهل بعضهم فلم يصدق الخبر وكان عمر منهم، فقام يقول: "والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقد كان يعتقد بعدم موته تمام الاعتقاد، حتى إنه قال في رواية أخرى: "والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك"، أي لا أعتقد إلا أنه لم يمت فعلاً، ثم قال عمر: "وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات". وفي رواية ثانية يقول: «إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله تُوُفِّي، إن رسول الله ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات». ظل المسلمون على هذه الحالة يتمنون صدق كلام عمر، حتى جاء أبو بكر من السنح على دابته ونزل بباب المسجد ودخل بيت عائشة، وكشف عن جثمان النبي محمد وجثى عليه يُقبله ويبكي، ثم خرج إلى المسجد حتى أتى المنبر فوجد عمر يقول ما يقول، ويقسم على أن النبي لم يمت، فقال: «أيها الحالف على رِسْلِك»، وفي رواية أخرى قال له: "اجلس يا عمر". فجلس عمر وجلس الناس، فتشهد أبو بكر وحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ آية من آيات سورة آل عمران: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾. وعندما تلا أبو بكر الصديق هذه الآية سمعها عمر والمسلمون كانهم لم يسمعوها من قبل، ثم تابع يقول: «ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت». وفي رواية أهل السنّة، فإن عمر لما سمع كلام أبي بكر وأيقن حق اليقين أن الرسول قد مات، هوى على ركبتيه يبكي، وفي هذه النقطة قال عمر: «والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقِرْت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي قد مات».

في عهد أبي بكر الصديق

كان عمر بن الخطاب المساعد الأول لأبي بكر الصدِّيق وساعده الأيمن ومستشاره الأساسي طوال خلافته، وكان مستشاره العسكري الأبرز الذي ساعده في حروبه، لا سيّما حروب الردة. وقد قال أبو بكر الصديق مرة: "ما على ظهر الأرض رجل أحبّ إليَّ من عمر". وقد كان أبو بكر يستشير عمر في تعيين القادة العسكريين وعزلهم. فقد ولَّى أبو بكر مثلاً خلال فتح الشام الصحابيَّ سعيد بن العاص الأموي على الجيش الفاتح، غير أنه عزله بعدها قبل أن يبدأ السير، نظراً لاعتراض عمر الشديد عليه. كما كان عمر عوناً كبيراً له في وضع خططه العسكرية والاستراتيجية.

وعندما اجتمعَ الأنصار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة من بعده، سمع عمر بن الخطاب بذلك، فذهبَ على الفور إلى أبي بكر الصديق وهو في منزل الرَّسول، وبلغه الخبر، وانضمَّ إليهما أبو عبيدة بن الجراح فساروا معاً إلى السقيفة. وقال أبو بكر عندما دخل: "ما هذا؟"، فأجابوه "منّا أمير ومنكم أمير"، فقال: "منّا الأمراء ومنكم الوزراء". ثم عرض عليهم أحد مرافقيه ليُصبَح الخليفة فقال: "لقد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين - عُمَر وأبي عبيدة أمين هذه الأمة-". غير أن أحد الأنصار قال بصوتٍ عال: "أنا جُذَيلها المحنك وعُذَيْقُها المرجَّب، منّا أمير ومنكم أمير"، فتعالت الأصوات واللغط، واختلف الناس فيمن سيكون الخليفة، حتى قام عمر وقال: "أيّكم يطيب نفساً أن يخلُف قَدَمَين قدّمهما النبي صلى الله عليه وسلم؟"، ثمَّ قال لأبي بكر "ابسط يدك لأبايعك"، فبايعه عمر بن الخطاب، وتبعه الناس فبايعوه.

لم يكن الجميع راضين عن القرار، إذ لم يرضَ بعضهم بمبايعة غير علي بن أبي طالب، فقال الزبير: "لا أغمد سيفاً حتى يُبايَع علي"، فقال عمر: "خذوا سيفه واضربوا به الحجر". وقد تمكَّن عمر من دفع الكثير من الأنصار إلى مبايعة أبي بكر. وقد خطبَ الجمعة بأهل المدينة مرة فقال: "إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعتُ فلاناً، فلا يغرَّنَّ امرأً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فتنة، فقد كان كذلك ولكنّ الله وقى شرَّها، وليس منكم من تُقطَع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان خيرنا حين توفيَّ رسول الله". وقد كان لعمر بن الخطاب دورٌ كبير في معونة أبي بكر ببداية خلافته في تنظيم أمور الدولة، وأخذ البيعة، وتثبيت الحكم.

كان من أولى وأكبر التحديَّات التي واجهت أبا بكر في خلافته حروب الردة، التي بدأت بامتناع بعض قبائل العرب عن أداء الزكاة إلى الخليفة الجديد، وكانت البداية بقبائل قليلة مثل عبس وذبيان وغطفان، غير أن العدد ازداد لاحقاً، فانتشرت حركة الردة في أنحاء شبه الجزيرة العربية. كما كثر مدَّعو النبوة، فكان منهم مالك ووكيع وسجاح، أما أقواهم وأكثرهم نفوذاً فكان مسيلمة الكذاب. وقد انقسم الصحابة في الرأي حول كيفيَّة التعامل مع الوضع، فأشار عمر بن الخطاب -وطائفة كبيرة من الصحابة- على أبي بكر بعدم دخول الحرب معهم، والتنازل عن امتناعهم عن الزكاة، خصوصاً مع عدم وجود قوة عسكرية تحمي المدينة من الهجمات. غير أن أبا بكر أصرَّ على موقفه بشدة، وقال: "والله لو منعوني عقالاً (الحبل الذي يجرُّ به البعير) لجاهدتهم عليه".

انتهت حروب الردة بمعركة اليمامة، التي قتل فيها الكثير من الصحَّابة، من بينهم مئات من حفظة القرآن، وقد اختلفَ المؤرخون حول عددهم، فقال بعضهم أنه قتلَ 500 من حفظة القرآن في المعركة، وقال آخرون 700. وقد فزعَ عمر بن الخطاب عندما سمعَ بهذه الأعداد، وخشيَ أن يُقتَل المزيد منهم في المعارك والحروب، فيضيع شيء من القرآن. فأخبر أبا بكرٍ بمخاوفه، إذ جاءه وقال له: "إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن"، غير أن أبا بكر تخوَّف من الأمر وقال: "كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟". فردّ عمر قائلاً : "أرى والله أنه خير"، وظلّ يصرّ ويحاور أبا بكر حتى اقتنع، فاستدعى زيد بن ثابت الأنصاريّ وأمره بتولّي المهمَّة. وقد قال أبو بكر لزيد: "إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله، فتتبَّع القرآن فاجمعه"، غير أن زيداً تخوَّف من المهمة، وقال في وصف الحادثة: "فو الله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله؟"، فكرَّر أبو بكر: "هو والله خير"، ولم يزل فيه حتى اقتنعَ هو الآخر، فذهبَ وجمع القرآن في مصحف واحد. وقد بقيَ المصحف عند عمر بعد وفاة أبي بكر، ثم انتقلَ إلى ابنته حفصة.

وكان من بين من قتلوا في معركة اليمامة أخوه زيد بن الخطاب، وعندما جاءه ابنه عبد الله بعد المعركة - وكان يقاتل فيها مع زيد - قال له عمر زاجراً إياه: "ألا هلكتَ قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريتَ وجهك عني؟"، فأجابه: "سألَ اللهَ الشهادة فأعطُيهَا، وجَهِدتُ أن تُسَاق إليَّ فلم أعطها".

وبعد أن أصبح أبو بكر خليفة، قال مرَّة لعمر وأبي عبيدة بن الجراح: "إنه لابدَّ لي من أعوان"، فقال عمر: "أنا أكفيك القضاء"، والثاني قال: "أنا أكفيك بيت المال". وظلَّ عمر في سدة القضاء بالمدينة مدة سنة كاملة، لم يختصم إليه أحد خلالها، حتى جاء في يوم إلى أبي بكر طالباً منه إعفاءه من القضاء، فسأله أبو بكر مستغرباً: "أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟"، فأجابه عمر:

«لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟»

مبايعته بالخلافة

عندما اشتدَّ على أبي بكر مرض موته، جمع كبار الصحابة وقال لهم: "إنَّه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميِّتاً، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ َعنكم عقدي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فأخذ الصحابة الذين جمعهم يتعفَّفون، فيرى كل منهم في الآخر قدرة أكبر على تولي مسؤولية الخلافة، فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له طالبين مساعدته باختيار الخليفة: "أرنا يا خليفة رسول الله رأيك"، قال: "فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده".

وبعد فترة من التفكير استدعى أبو بكر الصحابي عبد الرحمن بن عوف وقال له: "أخبرني عن عمر؟"، فأجابه: "إنه أفضل من رأيك إلا أنّ فيه غلظة"، فقال أبو بكر: "ذلك لأنه يراني رفيقاً، ولو أفضي الأمر إليه لتركَ كثيراً ممَّا هو عليه، وقد رمَّقتُهُ فكنتُ إذا غضبتُ على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنتُ له أراني الشدّة عليه". ثم دعا عثمان بن عفّان، وقاله له كذاك: "أخبرني عن عمر"، فقال: "سريرته خير من علانيّته، وليس فينا مثله"، فقال أبو بكر للإثنين: "لا تذكرا ممَّا قلتُ لكما شيئاً، ولو تركته ما عدوتُ عثمان، والخيرة له أن لا يلي من أموركم شيئاً، ولوددتُ أنّي كنتُ من أموركم خلواً وكنتُ فيمن مضى من سلفكم".

ثم جاء طلحة بن عبيد الله إلى أبي بكر وقال له غاضباً: "استخلفتَ على النّاس عمر وقد رأيتَ ما يلقى الناس منه وأنتَ معه، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك!"، فقال أبو بكر: "أجلسوني" فأجلسوه، ثم أجابه: "أبالله تخوّفني! إذا لقيتُ ربي فسألني قلتُ: استخلفت على أهلك خير أهلك".

وبعد ذلك استدعى أبو بكر عثمان بن عفان مجدداً، فقال له: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهِدَ أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أمّا بعد..." لكن أغميَ عليه في تلك اللحظة قبل أن يكمل كلامه، فكتب عثمان: "أمَّا بعد فإني قد استخلفتُ عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيراً". وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان: "اقرأ عليّ"، فقرأ عثمان، وعندما انتهى كبَّر أبو بكر وقال: "أراك خِفتَ أن يختلف الناس إن مُتُّ في غشيتي؟"، قال: "نعم"، فقال: "جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله".

وبعد أن كتبَ العهد أمر أبو بكر أن يُقرَأ على الناس، فجمعهم وأرسله مع أحد مواليه إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر للناس: "أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنّه لم يألكم نصحاً"، فهدأ الناس وتوقَّفوا عن الكلام، ولم يعترضوا بعد سماع العهد. ثم جاءهم أبو بكر وقال: "أترضون بما استخلفتُ عليكم؟ فإني ما استخلفتُ عليكم ذا قرابة، وإنّي قد استخلفتُ عليكم عمرَ فاسمعوا له وأطيعوا، فإني والله ما آلوت من جهد الرأي"، فردَّ الناس: "سمعنا وأطعنا". ثم أحضر أبو بكر عمر وقال له: "إنّي قد استخلفتك على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم"، ثم أوصاه بتقوى الله، وخطبَ فيه خطبة قدَّمَ له فيها الكثير من الوصايا والنصائح.

توفّي أبو بكر بعد ذلك بأيام، وعندما دفن وقف عمر وخطب في الناس قائلاً: "إنَّما مَثَل العرب مثل جمل آنف اتَّبعَ قائده فلينظر حيث يقوده، وأمَّا أنا فوربِّ الكعبة لأحملنَّكم على الطريق!".

فتح الشام

بدأ الفتح الإسلامي للشام في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، الذي قرَّر مقاتلة الروم بعد أن هاجموا جيش خالد بن سعيد بن العاص المُعسكر في أرض تيماء، فوزَّع المسلمين على أربعة جيوش مختلفة، ووجَّه كلاً منها إلى جزء مختلف من بلاد الشام، قوام كلٍّ منها حوالي 8,000 مقاتل. فكان الجيش الأول بقيادة شرحبيل بن حسنة ووجهته وادي الأردن في جنوبيّ الشام، والجيش الثاني بقيادة يزيد بن أبي سفيان ووجهته دمشق، والجيش الثالث بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ووجهته حمص، والجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص ووجهته فلسطين. وقال لهم أبو بكر أنهم سيكونون مستقلّين إن لم تكن هناك حاجة للاجتماع، فكل واحد يقود جيشه بنفسه ويكون أميراً على المناطق التي يفتحها، أما إن اقتضت الضرورة الاجتماع فإن القائد سيكون أبا عبيدة بن الجراح. لكن عندما بلغت الجيوش الإسلامية الشام وجدت جيوشاً ضخمة جداً للروم حشدت لمقابلتها في كل وجهاتها، فلمَّا سمع المسلمون بذلك قرَّروا الاتحاد، فاجتمعت جيوشهم باليرموك، وطلبوا المزيد من المدد، فأمر أبو بكر خالداً بن الوليد بالسير إليهم بنصف جنوده من العراق. فسار خالد إليهم عبر بادية الشام، وفي طريقه هزم الغساسنة في معركة مرج راهط، وفتح مدينة بصرى. وبعد أن فتح خالد بصرى، توجَّه مع أبي عبيدة بن الجراح إلى دمشق، فحاصرها، لكن هنا وصلته أنباء حشد الروم في أجنادين، فانسحب وجمع جيوشه كلها هناك، فبلغ عدد المسلمين 33.000 مقاتل وبلغ عدد الروم 100.000، فدارت معركة أجنادين التي هزم فيها الروم وقتل قائدهم وردان.

توفي أبو بكر خلال هذه المرحلة، وأعقبه عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد عن قيادة الجيوش الفاتحة. فقد كان أبو بكر قد عيَّن خالداً قائداً عاماً لجيوش المسلمين في الشام، غير أن عمر لم يرضَ بذلك لئلا يفتتن به المسلمون لانتصاراته المتوالية على الأعداء، فكان من أول ما فعله عمر بعد توليه أمور الخلافة أن كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح يعلمه بوفاة أبي بكر (ولم يُعلِم خالداً بذلك)، وكان يريد عزل خالد على الفور، حتى أنه رويَ عنه أنه قال في خالد: "لا يلي لي عملاً أبداً". وبعدها أرسل عمر كتاباً آخر إلى أبي عبيدة يُعلِمه فيه بعزل خالد عن قيادة الجيوش وتعيينه مكانه، لكنَّ المؤرخين اختلفوا حول متى بالضبط وصل إلى أبي عبيدة الأمر بعزل خالد. فيقول ابن إسحاق أن ذلك كان خلال حصار دمشق في شهر رجب من سنة 14 هـ، إلا أن أبا عبيدة استحى فلم يُعلم خالداً حتى انتهى الحصار وتم الفتح، فيما يذهب سيف بن عمر إلى أن ذلك كان خلال معركة اليرموك عندما كان القتال لا يزال محتدماً بين الروم والمسلمين، بينما قال المدائني، أن أمر العزل جاء حين كان المسلمون يقاتلون الروم بالياقوصة في شهر رجب.

بعد ذلك توجَّه أبو عبيدة مع خالد لحصار دمشق، وتمكّنا من فتحها. في هذه الأثناء وصلتهما أنباء تجمُّع جيش كبير من الروم في مدينة بعلبك، وأنه يسير جنوباً إلى فلسطين للقاء جيشي عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة المؤلفين من 5.300 جندي. فقرر أبو عبيدة وخالد السير إليهما بسرعة بجيشهما المؤلف من 27,000 مقاتل، وسبق خالد أبا عبيدة على رأس 1,500 فارس لضرورة السرعة. اجتمعت جيوش المسلمين وجيوش الروم قرب موقع فحل جنوبي الشام، فدارت بعض المفاوضات قبل المعركة، غير أنها لم تؤدّ إلى شيء. والتقى الجيشان في 28 من ذي القعدة سنة 13 هـ (23 يناير 653 م)، حوالي 32,000 من المسلمين ضد ما بين 50,000 و80,000 من الروم، وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، وقال ابن الأثير عن المعركة "فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ، فأصيب الروم وهم ثمانون ألفاً لم يفلت منهم إلا الشريد". وبعد ذلك ولَّى أبو عبيدة بعض قادته على دمشق وفلسطين والأردن، وسار مع خالد نحو حمص ففتحاها، ثم إلى سهل البقاع، وفتحا خلال ذلك مدينة بعلبك صلحاً.

عاد الروم إلى حشد جيش ضخم من 240,000 مقاتل، هذه المرة في منطقة اليرموك بالأردن، وكان ذلك في سنة 13 هـ، وأما المسلمون فقد كان عددهم 27,000، ومع التسعة آلاف جندي الذين جاء بهم خالد ليصبحوا 36,000 جندي. ودارت هناك معركة اليرموك الشهيرة، التي بدأت في الخامس من رجب سنة 15 هـ، واستمرَّت مدة 6 أيام كاملة، انتهت أخيراً بهزيمة الروم ومقتل قائدهم باهان. وقيل أن عدد قتلى الروم في اليرموك والياقوصة بعد طلوع الشمس عقب نهاية آخر أيام المعركة كان 120.000 قتيل، وأما المسلمون فحوالي 3.000 قتيل.

بعد المعركة انقسمت جيوش المسلمين إلى أربعة ألوية مجدداً، فتولى كل لواء فتح منطقة من الشام. فخرج يزيد بن أبي سفيان من دمشق، لفتح صيدا وعرقة وجبيل وبيروت، وخرج عمرو بن العاص من فلسطين ففتح نابلس وعمواس وبيت جبرين ورفح وعسقلان، وفتح شرحبيل ما تبقّى من الأردن. وأما أبو عبيدة وخالد فقد سارا إلى مدينة حمص، فحاصراها وفتحاها مجدداً (حيث كانا قد تركاها وأعادا لأهلها الجزية خلال انسحابهما من تقدُّم جيوش الروم قبل اليرموك)، ثم أتبعاه بفتح حماة واللاذقية. وبعدها خاضوا مع الروم معركة قنسرين، وبعد أن انتصروا بها سارا إلى حلب وفتحاها، وأخيراً فتحا أنطاكية في أقصى شمال الشام.

بعد فتح رفح، توجَّه عمرو بن العاص بجيشه أخيراً إلى القدس، ومكث يحاصرها طويلاً، ثم كاد ييأس من فتحها نظراً لحصانتها الشديدة، فاستدعى أبا عبيدة، فجاءه ومعه المدد، ثم انضمَّ إليهما شرحبيل من الأردن، وأخيراً جاء خالد من قنسرين لينضمَّ إلى الحصار وطال الحصار شهوراً كثيرة دون جدوى، حتى قرَّر واليها الاستسلام أخيراً، لكنه طلب شرطاً أخيراً، وهو أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب بنفسه إلى المدينة ويفتحها، فقال لأبي عبيدة: "نحن نصالِحُك... فأرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا العهد، وهو يسامحنا ويكتب لنا الأمان". فكتب أبو عبيدة إلى عمر يخبره بذلك الشرط، فاستشار عمر كبار الصحابة، غير أنهم اختلفوا، وانقسموا إلى فريقين أساسيَّين، واحد على رأسه عثمان بن عفان يرى عدم الاستجابة وحصار المدينة حتى استسلامها، والثاني وعلى رأسه علي بن أبي طالب يرى أنه ما من ضير في القبول، وقد قرَّر عمر الانحياز إلى رأي عليٍّ والقبول بالعرض. وتختلف الروايات التاريخية حول الهيئة التي جاء عمر بها إلى القدس، فتقول بعضها أنه جاء على رأس جيش كبير، وتقول أخرى أنه كان يرتدي ملابس مرقعة ويركب جملاً واحداً يتناوب عليه مع غلام، فلمَّا اقترب من المدينة كان دوره في المشي على الأرض ومرَّ على مخاضة، وعندما رآه والي الروم دهش من منظره، كما تذكر روايات أخرى أنه جاء بمظهر عاديٍّ ليس متفاخراً ولا متواضعاً أكثر من اللازم. وعقبَ وصول عمر إلى المدينة تسلَّم مفاتيحها، ودخلها فاتحاً، فعقد مع أهلها الصلح وأعطاهم الأمان، وكان ذلك في سنة 15 هـ. وقد دخل عمر القدس في المساء، فلمَّا دخل المسجد الأقصى قال "لبيك اللهمَّ لبيك، بما هو أحب إليك"، ثم ذهب إلى محراب داود وصلَّى فيه، ولم يلبث أن طلع الفجر، فأمر المؤذن بإقامة الصلاة ثم تقدَّم وأمَّ بالفاتحين.

فتح كامل العراق وفارس

مهَّدت لفتح العراق وفارس غارات صغيرة كان يشنُّها المثنى بن حارثة الشيباني عقبَ انتهاء حروب الردة على أطراف الإمبراطورية الساسانية. قرَّر أبو بكر تسيير جيوش المسلمين إلى العراق لفتحها، ووضع خطَّة مفادها أن ينطلق جيشان إسلاميَّان من جنوب وشمال العراق، فيطبقان عليها ويلتقيان بالحيرة التي كانت آنذاك تعد عاصمة البلاد. فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد في شهر محرم سنة 12 هـ وهو باليمامة بعد أن فرغ من قتال مسيلمة الكذاب أثناء حروب الردة، وأمره بالسَّير إلى العراق، وألا يُكره أحداً ممن قاتلوا معه في اليمامة على المجيء. وبعد أن وصلت إلى خالد تعزيزات كثيرة كان قد طلبها من أبي بكر، وصل إلى العراق ومعه 18,000 جنديّ. من جهة أخرى، أمر أبو بكر عياض بن غنم بالسير إلى دومة الجندل، فيأتي هو من الشمال وخالد من الجنوب، ويُطبِقان معاً على الحيرة. وبدأ خالد بدخول العراق، فخاضَ معارك كثيرة متتالية ضدَّ الفرس كان النصر حليفه فيها جميعاً، في ذات السلاسل والمذار والولجة وأُليس والمقرّ، وأخيراً، حاصر الحيرة وفتحها في شهر ربيع الأول من سنة 12 هـ نفسها. وفُتِحَت الأنبار تباعاً، ثم التقى خالد الفرس في معركة عين التمر التي ربحها خلال دقائق. وأما عياض بن غنم فقد قضى في حصار دومة الجندل نصف سنة تقريباً دون أن يتمكَّن منها، فجاءه خالد بعد فراغه من عين التمر، ودارت معركة دومة الجندل بينه وبين حامية المدينة، التي انتهت بفتحها في 24 من رجب سنة 12 هـ. كانت معركة الفراض آخر معركة لخالد بن الوليد في العراق، وبعدها سار إلى الشام عقب تلقّيه أمر أبي بكر بالتوجُّه إلى هناك لمساعدة المسلمين في معركة اليرموك.

ذهب خالد بنصف الجيش، وبقي النص الثاني في يد المثنى بن حارثة، الذي حلَّ مكانه في القيادة. وقد تزامن ذلك مع فتنة في البلاط الفارسيّ خلَّفها مقتل شيرويه ملك الفرس بالمدائن، وبدأ الملوك يتاولون على الدولة الفارسية فيخلعون الواحد تلو الآخر. وفي هذا الوقت، أرسل أحد ملوك الفرس جيشاً لقتال المسلمين، فالتقى المثنى بن حارثة مع الجيش الفارسي في موقعة بابل في ربيع الأول سنة 13 هـ، وانتصر على الفرس. لكن تغيَّر ميزان القوى عندما قام وال فارسيّ يُسمَّى رستم بانقلاب على أحد الأكاسرة، منهياً فترة الاضطراب ومستبداً بالحكم. فخرج المثنى في أواسط سنة 13 هـ إلى المدينة، ليقابل أبا بكر ويحكي له عن أحوال ساحة القتال، ويطلب منه المدد والعون لاستكمال الفتح. غير أن المثنى وصل المدينة وأبو بكر على فراش الموت، فلمَّا حكى له ما أراده قال أبو بكر: "عليَّ بعمر"، فجاء عمر، فأوصاه أبو بكر بأن يندب الناس (يدعوهم إلى الخروج للقتال) مع المثنى كل يوم. وتوفيَّ أبو بكر بعد تلك الحادثة بأيام.

ما إن انتهى دفن أبو بكر حتى وقف عمر ومعه المثنى يخطب في الناس ويدعوهم إلى الانضمام لجيوش المسلمين لقتال الفرس، فخطب فيهم في آخر ليلة وفاته قائلاً: "الصلاة جامعة"، فتجمَّع من حوله الناس، لكن ما إن دعاهم إلى التطوع للقتال حتى تفرَّقوا مجدداً دون أن يجيبوا دعوته. ثم حاولَ مجدداً بعد صلاة الفجر، واستمرَّ على تلك الحال ثلاثة أيام متتالية دون جدوى، حيث كان العرب يهابون الفرس بشدة ويخشونهم كثيراً. ولمَّا كان اليوم الرابع وقف المثنى في المسجد النبوي، فخطبَ فيهم، وحدَّثهم عن ما حققه المسلمون من انتصارات على الفرس في العراق، ثم قام عمر وخطب بدوره، وهنا صاح رجل: "أنا لها!"، وكان أبو عبيد الثقفي، ثم بدأ الناس يتطوَّعون الواحد تلو الآخر، حتى اجتمع لدى عمر والمثنى 1,000 رجل. وتولَّى أبو عبيد قيادة الجيش، فيما سبقه المثنى وعاد مسرعًا إلى جيوشه في الحيرة. اتجه أبو عبيد إلى العراق، وانتصر على الفرس في معركة النمارق والسقاطية وباقسثيا، التي دارت كلُّها خلال تسعة أيام فقط. لكنه هزم في موقعة الجسر وقتل فيها، ولم يُنقَذ جيش المسلمين إلا وقفة المثنى على الجسر وهو يقاتل الفرس، حتى عبر كل المسلمين إلى الجانب الآخر. أبيد نصف الجيش في المعركة، ولم يبقى منه سوى 2,000 مقاتل.

أُرسل إلى عمر رسول يروي له أحداث الجبهة، وهو يخطب بالناس، فبكى وتأثر، وخطب فيهم يُحمِّسهم. ثم أعلن النفير العام في الجزيرة العربية، وأخذ يتنقَّل بين القبائل يحثها على التطوع للقتال، واجتمع له أخيراً 4,000 متطوع، فأرسلهم إلى العراق، وهناك خاض المثنى معركة البويب ضد جيش فارسي جرار قوامه 70,000 جندي، وانتصر بها. أرسل المثنى بعد ذلك يطلب المزيد من المدد لأن الفرس بدأوا يحشدون للقتال، لكنه توفيَّ بعد ذلك بفترة قصيرة، وكانت وصيته للقائد الذي يخلفه: "لا تقاتل الفرس إلا على أبواب الصحراء". وأعلنَ النفير العام مجدداً، فأرسل عمر من يدعو إلى القتال إلى كل أنحاء الجزيرة العربية، واجتمع له مجدداً 4,000 مقاتل، جمعهم في مكان قرب المدينة يسمى صرار. وبعد أن اجتمع الرجال عند عمر، أخذ يفكر في من سيوليه قيادة الحملة إلى العراق، فاحتار كثيراً، حتى وصله كتاب من سعد بن أبي وقاص، حيث كان قد عُيِّن لجمع الصدقات بنجد، فقال له عبد الرحمن بن عوف "وجدتَه!"، قال عمر: "فمن؟"، قال: "الأسد عادياً!"، فكانت رسالة سعد تذكرة لعمر، بقائده سعد. مشى عمر مع الحملة وودَّع الجنود وخطب فيهم، ثم أوصى سعد بالتوقف في زرود ودعوة الناس للخروج معه. وبينما وصل سعد زرود في شتاء سنة 14 هـ، أخذ عمر يوجه كل طاقته للحشد للحرب، فأخذ يدور على قبائل العرب ويدعوها للقتال ويجمع الناس ويرسل الإمدادات تباعاً إلى سعد، وأخذ يستخدم كل الوجهاء والخطباء والشعراء لتحريض الناس على الفرس، وكان يقول خلال ذلك: "والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب". وبعد أن التقت وتجمَّعت كل الجيوش والإمدادات، بلغ قوام الجيش الإسلامي المتجه إلى فارس 32,000 مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي يدخل بلاد فارس حتى ذلك الحين.

بلغ تعداد قوات الفرس في المقابل 120,000 رجل و70 فيلاً، وكان التقاء الجيشين في أرض القادسية. سبقت المعركة بعض المقابلات والمفاوضات بين رسل من المسلمين ورستم، غير أنها لم تؤد إلى شيء، ثم اندلعت المعركة الفاصلة في فتوحات فارس، المسمَّاة بمعركة القادسية. استمرَّ القتال أربعة أيام على أشده، فلما جاء اليوم الرابع قتل رستم وهزم الفرس وكانت تلك نهاية المعركة. وبلغ عدد قتلى الفرس بنهاية المعركة 40,000 قتيل، وأما المسلمون فحوالي 6,000 قتيل.

بعد القادسية، كانت جيوش المسلمين تقف على مسافة 30 كيلومتراً فحسب من المدائن عاصمة الفرس، وبإبادتهم الجيش الفارسيّ في المعركة لم تبقى أي جيوش تحول بينهم وبين العاصمة. ومكثوا فترة في القادسية، حتى جاءهم الأمر من عمر بالتوجه إلى المدائن. حاصر سعد المدائن مدة شهرين، حتى استسلمت فدخلها المسلمون، وهرب كسرى الفرس، ووجد المسلمون داخلها ثروات هائلة. غير أن بقايا جيوش الفرس عادت للتجمُّع في موقعين أساسيَّين، هما جلولاء وتكريت، فانقسم المسلمون ثلاثة جيوش حسب أوامر عمر، الأول بقيادة هاشم بن عتبة الذي مني بالنصر في معركة جلولاء وفتح حلوان، والثاني بقيادة عبد الله بن المعتم الذي نجح في فتح تكريت والموصل، والثالث بقيادة عتبة بن غزوان الذي نجح في فتح الأبلة وسائر الأحواز.

بعد فتح جلولاء فرَّ يزدجرد إلى مرو، وجعلها عاصمة الفرس الجديدة، وبدأ بحشد الجيوش من كل أصقاع فارس لوقف تقدم المسلمين. وسار إليهم جيش المسلمين بقيادة النعمان بن مقرن، والتقيا قرب مدينة نهاوند في سنة 21 هـ، حوالي 30,000 رجل من المسلمين و150,000 من الفرس. وبعد يوم من القتال الحامي هزم الفرس وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، فأطلقوا على معركة نهاوند فتح الفتوح، حيث لم يجتمع الفرس بعدها أبداً. ووصلت عمر أخبار الفتح فسرَّ سروراً عظيماً، غير أنه بكى عندما سمع بمقتل النعمان وصحابة آخرين خلال المعركة. بعد نهاوند توالت فتوحات بلاد فارس، ففتحت همدان فأصبهان فالري فجرجان فطبرستان فأذربيجان فخراسان فكرمان فمكران فسجستان. وبذلك كانت نهاية الدولة الساسانية وزوالها، وفتح المسلمين لجميع مناطقها السابقة.

عام الرمادة وطاعون عمواس

كانت سنة 639م الموافقة لعام 18 هـ، سيئة على الدولة الإسلامية التي تعرضت لنكبتين: المجاعة في المدينة المنورة والطاعون في بلاد الشام. وقيل حدث ذلك آخر سنة 17 هـ الموافقة لذات العام الميلادي سالف الذكر. عمّ الجدب أرض الحجاز واسودت الأرض من قلّة المطر فمال لونها إلى الرمادي مدة تسعة أشهر فسميت "عام الرمادة". والتجأ المسلمون إلى المدينة المنورة، فأخذ عمر بن الخطاب يُخفف عنهم، وكتب إلى أبي موسى الأشعري بالبصرة فبعث إليه قافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات، ثم قدِم أبو عبيدة بن الجراح من الشام ومعه أربعة آلاف راحلة تحمل طعامًا فوزعها على الأحياء حول المدينة المنورة. فخفف ذلك من الضائقة بعد أن هلك كثير من المسلمين.

أما الطاعون فبدأ في عمواس، وهي قرب بيت المقدس، فسُمي "طاعون عمواس"، ثم انتشر في بلاد الشام. وكان عمر بن الخطاب يهم بدخول الشام وقتها، فنصحه عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوي: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارًا منه»، فعاد عمر وصحبه إلى المدينة المنورة. حاول عمر بن الخطاب إخراج أبا عبيدة بن الجراح من الشام حتى لا يُصاب بالطاعون فطلبه إليه، لكن أبا عُبيدة أدرك مراده واعتذر عن الحضور حتى يبقى مع جنده، فبكى عمر. ويبدو أن الطاعون انتشر بصورة مريعة، عقب المعارك التي حدثت في بلاد الشام، فرغم أن المسلمين كانوا يدفنون قتلاهم، فإن عشرات آلاف القتلى من البيزنطيين بقيت جثثهم في ميادين القتال من غير أن تُدفن، حيث لم تجد جيوشهم المنهزمة دائمًا الوقت الكافي لدفن القتلى. استمر هذا الطاعون شهرًا، مما أدى إلى وفاة خمسة وعشرين ألفًا من المسلمين وقيل ثلاثين ألفًا، بينهم جماعة من كبار الصحابة أبرزهم: أبو عبيدة بن الجراح وقد دُفن في "عمتا" وهي قرية بغور بيسان، ومعاذ بن جبل ومعه ابنه عبد الرحمن، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأبو جندل بن سهيل. وقيل أن الطاعون أصاب البصرة أيضًا فمات بشر كثير.

وبعد انحسار طاعون عمواس، خرج عمر بن الخطاب من المدينة المنورة متجهًا نحو بلاد الشام عن طريق أيلة. فلمّا وصلها قسّم الأرزاق وسمّى الشواتي والصوائف وسدّ فروج الشام وثغورها، واستعمل عبد الله بن قيس على السواحل ومعاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها. ثم قسم مواريث الذين ماتوا، بعد أن حار أمراء الجند فيما لديهم من المواريث بسبب كثرة الموتى. وطابت قلوب المسلمين بقدومه بعد أن كان العدو قد طمع فيهم أثناء الطاعون.

فتح مصر

كثرت الأقوال حول السنة التي فتحت فيها مصر، فوردت في كتب التاريخ سنوات 16 و 20 و 21 و 22 و 25 هـ، وقد كان ذلك عندما سمح عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص بالتوجه إلى مصر بعد انتهائه من فتح الشام، وذلك بعد إلحاح طويل من عمرو. ودخل عمرو مصر على رأس 4,000 رجل، فكان أول ما فتحه هو حصن الفرما بعد حصار دام شهراً، ونفس الأمر في بلبيس، ثم سار إلى أم دنين بعد أن أمده عمر بأربعة آلاف آخرين، وانتصر قربها في معركة عين شمس. ثم سار إلى حصن بابليون، أقوى الحصون الحدودية في مصر آنذاك، وفرض عليه حصاراً دام نصف سنة كاملة. وأخيراً وبعد أن تسلق الأسوار الزبير بن العوام، وفتح الحصن من الداخل تمكن المسلمون من دخوله، وفُتِحَ حصن بابليون. وبعد فتح الحصن بنى المسلمون مدينة الفسطاط قربه. ثم سار عمرو إلى الإسكندرية، وفرض عليها حصاراً دام ثلاثة شهور حتى فٌتِحَت عنوة، وبفتح الإسكندرية كان قد تمَّ فتح مصر، ووليها عمرو ثم عبد الله بن سعد بن أبي السرح من بعده.

فتح برقة وطرابلس الغرب

بعد أن أتمَّ عمرو بن العاص فتح الإسكندرية سار إلى إقليم برقة، الواقع اليوم شرق ليبيا. وأرسل بداية عقبة بن نافع ليستطلع الأوضاع ويعطيه تقريراً عن المنطقة، ثم فتح برقة بسهولة وسرعة، وصالح أهلها على جزية يدفعونها له مقدارها 13,000 دينار، وكان ذلك في سنة 22 هـ. ثمَّ فرَّق عمرو قواته وأرسلهم إلى مختلفة أجزاء برقة ومحيطها، فأرسل عبد الله بن الزبير إلى مصراتة وعقبة بن نافع إلى زويلة (ثم عينه قائداً لحامية برقة) وبسر بن أرطاة إلى ودان، فنجحوا في فتح كل هذه المدن. وأخيراً سار عمرو إلى طرابلس الغرب وحاصرها لمدة شهر، غير أنه لم يتمكن من فتحها، حتى تمكن بعض جنوده من اقتحام المدينة، ففرَّ الروم إلى سفنهم للهرب، ودخل جيشه المدينة وفتحها. وفتحت معها المناطق المحيطة بها مثل غريان والزاوية وسائر جبل نفوسة. وبعد طرابلس سار عمرو إلى سبرة، ففتحها هي الأخرى، وتم بذلك فتح ليبيا. غير أن عمر لم يأذن له بالسير أكثر حتى إفريقية، فعاد عمرو إلى مصر.

إدارة الدولة

يُعتبر عمر بن الخطاب أحد عباقرة السياسة والإدارة في التاريخ الإسلامي خصوصًا والعالمي عمومًا. فقد اتسعت حدود الدولة الإسلامية خلال عهده اتساعًا عظيمًا جعله يُقدم على إنشاء تنظيم إداري فعّال لابقائها متماسكة وموحدة، وقد استتبع هذا الأمر تنظيم وإنشاء عدّة مرافق مهمة لم تعرفها العرب من قبل، أو عرفتها ولكن على نحو ضيّق بسبب طبيعة حياة الناس داخل شبه الجزيرة قبل الفتوح الإسلامية. ومن مآثر عمر بن الخطاب الأخرى توسيعه وترميمه للمسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج بعد أن اعتنق الكثير من رعايا الشام والعراق ومصر وغيرها الإسلام.

التنظيمات السياسية والإدارية

اتسعت أقاليم الدولة الإسلامية الأولى، نتيجة انتشار المسلمين في الأقاليم المتاخمة لشبه الجزيرة العربية، لذلك عمد عمر بن الخطاب إلى تقسيم الأمصار المفتوحة إلى خمس مناطق كبيرة تنقسم بدورها إلى ولايات، وهي: العراق (الأحواز، الكوفة، البصرة)، فارس (سجستان ومكران وكرمان، طبرستان، خراسان)، الشام (قسم قاعدته حمص، وقسم قاعدته دمشق)، فلسطين (قسم قاعدته أيلة وقسم قادته الرملة)، أفريقية (صعيد مصر، مصر السفلى، غرب مصر، وصحراء ليبيا). أما في شبه الجزيرة العربية فأبقى على تقسيمها كما فعل أبو بكر الصديق، واستمرت تضم اثنتي عشر ولاية، هي: مكة المكرمة، المدينة المنورة، الطائف، صنعاء، حضرموت، خولان، زبيد، مرقع، الجند، نجران، جرش، والبحرين. كما قسّم الخليفة ولايات الشام إلى مقاطعات عدة دُعي كل منها جُندًا، وهي: جند قنسرين، جند دمشق، جند حمص، جند الأردن، وجند فلسطين. وكان عمر يختار لكلِّ إقليم واليًا، وكان يختارهم ممن يَتَوَسَّم فيهم الصلاح والمقْدرة على إدارة شؤون الولاية، والقِيام بالمهام المُلْقاة على عواتقِهم. وكان عمر يوصِي أولئك الوُلاةَ بحُسْن معامَلة الرعية، والرِّفْق بهم، وعدم تكْليفهم فوق طاقتهم، ويحملهم مسؤولية تطْبيق شرائع الإسلام وسُننه؛ فقال مُوَضِّحًا واجباتِهم: «أيُّها الناس، إنِّي والله ما أرسل إليكم عمَّالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أعْشاركم؛ ولكن أرسلهم ليعلِّموكم دينكم وسُننكم، فمَن فُعل به شيءٌ سوى ذلك، فليرفعه إليَّ، فوالَّذي نفس عمر بيده، لأقتصّنَّ له منه». كذلك كان لعمر مُفوَّضون رسميُّون يسافِرُون إلى الأمصار، ويراجعون أعمال الوُلاة، وكان على رأس أولئك المفتِّشين محمد بن مسلمة، وهو رجلٌ حازم فائق الأمانة. وحرصًا منه على استقرار الوُلاة، وعدم انشغالهم بأمْرٍ غير الولاية؛ فقد أجْرى عليهم مرتباتٍ من شأنِها أن تعينَهم على التفرُّغ لعَمَلِهم المنوط بهم، ومثال ذلك: أنه أجْرى على عمار - والي الكوفة - ستمائة درهم، له ولكاتبه ومؤذِّنيه كلَّ شهر، وأجْرى على عثمان بن حنيف رُبع شاة وخمسة دراهم كل يوم، مع عطائه - وكان خمسةَ آلاف درهم - وأجْرى على عبد الله بن مسعود مائة درهم في كل شهر وربع شاة كل يوم.

يُشير بعض المؤرخين إلى أن عمر بن الخطاب اتبع نظام المركزية الإدارية في حكمه للدولة الإسلامية، أي أن حكومته المركزية القائمة في المدينة المنورة كانت تقوم وحدها بالوظيفة الإدارية، دون مشاطرة الهيئات الأخرى لها في ذلك. فقيل أن ظروف الدولة الإسلامية في عهد عمر فرضت أسلوبَ المركزية في الحكم؛ بل إن عمر قد سلك أسلوبًا مركزيًّا متطرِّفًا، يكاد لا يوجد له مثيل في التاريخ. وأن هيمنته في العاصمة لم تتوقف على الأمور العسكرية فحسب؛ بل امتدَّت إلى الشؤون المدنيَّة، ومن ذلك استئذان المسلمين الخليفةَ في طريقة بناء المساكن في المدن الجديدة، وحرص الخليفة على أن يُحاط علمًا بأقاليم الدولة التي لم يذهب إليها. وقد ردّ باحثون آخرون على هذا الرأي بقولهم أن كتب السيرة والتاريخ كما حفظت كتبًا يوجِّه بها عمر عمَّاله وقُواده، ويتابع أعمالهم - فقد حفظت كذلك آثارًا يفوِّض فيها عمرُ الرأيَ لعمَّاله وقواده؛ لكي يتصرفوا في مواجهة المواقف، بما تقتضيه هذه المواقف. ومن ذلك قوله لمحمد بن مسلمة: «إن أكمل الرجال رأيًا مَن إذا لم يكن عنده عهْد من صاحبه، عمل بالحزم، أو قال به»، وقوله لمعاوية بن أبي سفيان حين بيَّن له أسباب اتِّخاذه مظاهرَ الملك: «لا آمرك ولا أنهاك»، وردُّه على أبي عبيدة حين استشاره في دخول الدروب خلف العدو بقوله: «أنت الشاهد وأنا الغائب، وأنت بحضرة عدوِّك، وعيونُك يأتونك بالأخبار»، إلى غير ذلك من النصوص التي تدلُّ على أن عمر بن الخطاب كان ينتهج المنهج اللامركزي في الإدارة، وليس معنى ذلك أنه قد رفع يده كلية عن الولايات الأخرى؛ بل إن من حقه وواجبه الإشرافَ على هذه الولايات ومراقبتها في الحدود الشرعية.


نقود فارسية من الطراز الذي كان شائعًا في خلافة عمر بن الخطاب. نُقشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وأضاف عمرُ نقش البسملة عليها.
نشأت الدواوين في عهد عمر بن الخطاب نتيجة لاتساع الدولة الإسلامية، واتصال المسلمين الفاتحين عن قرب بالأنظمة الفارسية والبيزنطية في الأقاليم والتعرف على حضارتها، فانتقوا من بين ذلك ما وجدوه ملائمًا للاقتباس، كما أبقوا على الكثير من الأنظمة الإدارية التي ثبت لهم صلاحيتها لتلك البلاد. وقد اخْتُلف في تحديد نشأة الديوان؛ فيحدده الطبري بالعام الخامس عشر للهجرة، بينما يذكره الماوردي في الأحكام السلطانية في العام العشرين. ومن الدواوين التي أوجدها عمر: ديوان الإنشاء، وهو ديوان الرسائل، ليكون بذلك أوّل من وضع هذا الديوان في الإسلام، ثم أنشأ ديوان العطاء وديوان الجند الذي سجَّل فيه أسماء المقاتلين، ووجهتهم، ومقدار أعطياتهم وأرزاقهم، وديوان الجباية الهادف إلى إحصاء خراج البلاد المفتوحة، وتنظيم الإنفاق في الوجوه التي يجب الإنفاق فيها، وذلك بعد أن وردت الأموال الكثيرة إلى المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية بعد فتح الشام والعراق، فأشار خالد بن الوليد وقيل الهرمزان وقيل الوليد بن هشام بن المغيرة بإنشاء مثل هذه الدواوين لإحصاء الأموال وطريقة توزيعها. وكان ذلك تمهيدًا لإنشاء "بيت المال" أو "ديوان الأموال" الذي يمكن اعتباره بمثابة أول وزارة للمال في الإسلام. وقد اهتمَّ عمر بالأموال الواردة للدولة، وكان حريصًا جدًّا على المحافظة عليها، وإعطائها لمستحقيها، وقد كان يتعامل معها كما يتعامل والي اليتيم مع ماله، فلا يأخذ منه إلا كما يأخذ أدنى رجل من المسلمين. وأبقى عمر على النقود الذهبية والفضية التي كانت متداولة وعليها نقوش مسيحية أو فارسية، لكنه أضاف إلى هذه النقود البيزنطية والفارسية كلمة "جائز" ليميزها عن النقود الزائفة. ومع ذلك يعتبر عمر أول من ضرب النقود في الإسلام سنة 639م، الموافقة لسنة 18 هـ، معتمدًا النقش الفارسي وأضاف إليها "الحمد لله" وفي بعضها "لا إله إلا الله" وعلى جزء منها اسم "عمر".

كان البريد موجودًا منذ تأسيس الدولة في المدينة المنورة، حيث كان النبي محمد يبعث الرسل إلى الملوك والأمراء ومعهم الكتب ممهورة بخاتمه. وقد رتّب عمر البريد بعد أن اتسعت هذه الدولة ليسهل عملية الاتصال بين المدينة المنورة والعمال وقادة الجيش في العراق وفارس والشام ومصر، فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام يحثه على استعمال النار في الإشارات لنقل الرسائل والأخبار وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقد لها. وقسّم الطرق إلى محطات بريدية بين الواحدة والأخرى مسافة اثني عشر ميلاً، وفي كل منها الحرس والزاد والماء.

أما الخطوة الأخيرة في تنظيمات عمر بن الخطاب الإدارية، فكانت تكريس نظام الشورى، عملاً بالأمر الديني في القرآن: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، و﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، والتي كانت دعوة صريحة لالتزام المشورة. وفي الحديث النبوي: «اسْتَشِرْ، فَإِنَّ الْمُسْتَشِيرَ مُعَانٌ، وَالْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ»، و«مَا سَعِدَ أَحَدٌ بِرَأْيِهِ وَلا شَقِيَ مَعَ مَشُورَةٍ»، و«مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم». لذلك تمسك عمر بن الخطاب بمبدأ الشورى، وفي ذلك يقول: "لا خير في أمر أُبرم من غير شورى"، واتبع القرآن والسنة النبوية في ذلك، فأبقى إلى جانبه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار يستشيرهم في كل مسألة لا يوجد فيها نص أو حديث. وعلى هذا الأساس منع هؤلاء الصحابة من مغادرة المدينة المنورة إلا بإذن وبأجل محدد، وذلك ليتمكن من استشارتهم ولمساندته في دعم نظام الحكم القائم أساسًا على الشورى. وكان عمر يستشير الرجال، وكان أيضًا يستشير النساء، حيث كان يقدم الشفاء بنت عبد الله العدوية في الرأي، ويرضى عن رأيها.


تنظيم الجيش

أدرك عمر بن الخطاب أهمية الجيش في نشر الإسلام، لذلك أوجد فرقًا نظامية تُقدّر كل منها بأربعة آلاف فارس لترابط في كل مصر من الأمصار. وهذا يعني تأسيس جيش نظامي ثابت يُقدّر بإثني وثلاثين ألف فارس عدا المشاة والمتطوعين، مما يكفل حماية الدولة، ونظّم الرتب في الجيش مثل "أمير الجيش" على عشرة آلاف أو تزيد، و"أمير الكردوس" على ألف، و"القائد" على مئة. كان العرب يُشكلون قوام الجيش في بداية عهد عمر بن الخطاب، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، انضم إليهم عدد من الفرس والروم والقبط الذين اعتنقوا الإسلام، وعرف الجيش الإسلامي خلال هذا العهد استخدام أسلحة الحصار التي اقتبست عن الروم، ومنها المنجنيق وأبراج الحصار والدبابة وأكباش الدك. وأصدر عمر أيضًا أمرًا بوجوب تعلّم الجنود ركوب الخيل والرماية والمشي حفاة والسباحة، وأنشأ مراكزَ عسكريةٍ في المدينة والكوفة والبصرة والموصل والفسطاط ودمشق والأردن وفلسطين، بُنيت فيها ثكنات مخصصة لإقامة العساكر، كما شُيدت اصطبلات كبيرة يأوي كل منها قرابة أربعة آلاف حصان مخصصة لدعم الجند عند الحاجة. بالإضافة إلى المراكز العسكرية، أنشأ الخليفة معسكرات في المدن الكبيرة والأماكن ذات الأهمية الاستراتيجية. وكان عمر يكره ركوب البحر ونهى قادة الجيش عن القتال فيه، وقد قام بعزل العلاء بن الحضرمي والي البحرين لأنه ركب البحر في اثني عشر ألفًا غازيًا بلاد فارس. كما أنشأ عمر ديوان الجند وكفل للجنود معيشتهم ومعيشة عائلاتهم، مقابل انصرافهم إلى أعمال الجندية

الشرطة والأمن

يعتبر عمر بن الخطاب أول من أنشأ حبسًا خاصًا بالمتهمين بعد أن كان هؤلاء يُعزلون في المسجد، وعُرف هذا الحبس باسم "السجن". كما كان أول من أدخل نظام العسس للتجول والمراقبة ليلاً من أجل مساعدة القاضي في إثبات التهم وتنفيذ الأحكام ضد المذنبين، ويُعتبر هذا النظام بمثابة النواة التي قامت عليها فيما بعد "الشرطة"، ويتولاها صاحب الشرطة. وأول من أسندت إليه هذه المهمة هو عبد الله بن مسعود، فهو أول عسّاس في الإسلام، و"العسس" اسم مشتق كما تورده بعض المصادر من "عسَّ يَعُسُّ عَسَساً وعَسّاً أَي طاف بالليل".

القضاء

ولم يُهمل عمر بن الخطاب القضاء، فكان يتولَّى الفصل بين الناس، وتطبيق الحدود والأحكام، ولمّا توسَّعَتِ الدولة واختلط العربُ بسكان البلاد المفتوحة، وازدادَتِ القضايا في هذه الأمصار - تعذَّر على الخليفة النظرُ فيها، وكذلك الولاة، فعمل عمر بن الخطاب على فصل القضاء عن الولاية، وشرع في تعيين القضاة في البلاد المفتوحة، فولَّى أبا الدرداء قضاءَ المدينة، وشريحًا الكندي قضاء الكوفة، وعثمانَ بن أبي العاص قضاء مصر، وأبا موسى الأشعري قضاء البصرة، وقد أجرى عمر عليهم الرواتب، فجعل للقاضي سليمان بن ربيعة خمسمائة درهم في كل شهر، وجعل لشريح مائةَ درهم ومؤْنته من الحنطة. وكان عمر يحث القضاة على إحقاق الحق، وإقامة العدل بين الناس؛ مما دفع القضاةَ إلى العمل على تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية بحذافيرها. كما سن عمر لهؤلاء القضاة دستوراً يسيرون على هديه في الأحكام، وقد لبث هذا الدستور مرجعاً للقضاء

الحسبة

يرى بعض المؤرخين أن الحِسبة نشأتْ في عهد عمر بن الخطاب، حيث وضع أُسسَها واختصاصاتِها، وكان يقوم بها بنفسه، ثم أوكلها إلى رجل، أطلق عليه لقب "المحتسب". بينما يرى آخرون أنها نشأت في عهد الرسول محمد. والحسبة هي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يُعَيِّنُ لذلك مَنْ يراه أهلاً له. وكانت مهمة المحتسب تتمثل في: مراعاة أحكام الشَّرع، وإقامة الشعائر الدينية، والمحافظة عليها، والنظر في أرباب البهائم، ومراقبة مَن يتصدَّر لتفسير القرآن الكريم، والنظر في الآداب العامة، وفي البيوع الفاسدة في السوق، والموازين والمكاييل. وبهذا فقد تعدت الحسبة معناها وهدفها الديني إلى واجبات عملية مادِّيَّة تتَّفق مع المصالح العامَّة للمسلمين.

التقويم الهجري

كان النبي محمد قد أمر بالتأريخ بعد قدومه إلى يثرب. وقد حدث هذا التأريخ منذ العام الأول للهجرة، وعلى هذا الأساس كان النبي يُرسل الكتب الممهورة بخاتمه إلى الملوك والأمراء ورؤساء القبائل المختلفة. وما فعله عمر بن الخطاب كان منع الخلاف حول التأريخ، ومما ذُكر في سبب اعتماد عمر للتاريخ أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: "أرخ بالمبعث"، وبعضهم: "أرخ بالهجرة"، فقال عمر: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل"، فأرخوا بها"، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان، فقال عمر: "بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم"، فاتفقوا عليه. وفي رواية أخرى أن أحدهم رفع صكًا لعمر محله شهر شعبان، فقال: «أي شعبان، الماضي أو الذي نحن فيه، أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئاً يعرفون فيه حلول ديونهم»، فيُقال إنه أراد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده، فكرهوا ذلك، ومنهم من قال: "أرخوا بتاريخ الروم من زمان الإسكندر"، فكرهوا ذلك، وقال قائلون: "أرخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال آخرون: "من مبعثه عليه السلام"، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث. فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة الرسول وأرخوا من أول تلك السنة من محرمها.

اغتياله

كان عدد من الفرس الذين بقوا على المجوسية يضمرون الحقد والكراهية لقائد الدولة الإسلامية التي دحرت جيوشهم وقضت على إمبراطوريتهم واسعة الأطراف، ففي شهر أكتوبر من سنة 644 اتجه عمر لأداء الحج في مكة حيث يُعتقد أن مخططي الاغتيال اتبعوه حتى جبل عرفة، حيث سُمع صوت يهتف أن عمرَ لن يقف مرة أخرى على الجبل، وفي رواية أخرى شوهد رجل وهو يهتف أن هذا حج الخليفة الأخير، وفي أخرى أن إحدى الجمرات أصابت رأس ابن الخطاب خلال الرجم وسُمع صوت أحدهم يقول أنه لن يحج مجددًا. وفي جميع الأحوال، يتفق المؤرخون أنه بعد عودة عمر بن الخطاب إلى المدينة المنورة طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي بخنجر ذات نصلين ست طعنات، وهو يُصلي الفجر بالناس، وكان ذلك يوم الأربعاء 26 ذي الحجة سنة 23 هـ، الموافق لسنة 644 م، ثم حُمل إلى منزله والدم يسيل من جرحه وذلك قبل طلوع الشمس. وحاول المسلمون القبض على القاتل فطعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك ألقى رداءً كان معه على أبي لؤلؤة فتعثر مكانه وشعر أنه مأخوذ لا محالة فطعن نفسه منتحرًا. وبذلك دفن أبو لؤلؤة فيروز الفارسي، أخبار المؤامرة والدوافع إليها، فاختلفت الروايات حسب ما يستنتجهُ المؤرخون.

من أبرز الروايات والاستنتاجات التي قيلت حول حادثة اغتيال عمر بن الخطاب، أن الأخير كان قد حرّم على المشركين الذين بلغوا الحلم أن يدخلوا المدينة المنورة لما انطوت عليه قلوبهم من ضغائن وأحقاد ضد الإسلام، ولكن المغيرة بن شعبة عامله على الكوفة كتب إليه يطلب منهُ الإذن بدخول غُلام له اسمه فيروز، ويُكنى بأبي لؤلؤة، لينتفع به المسلمون لأنه كان يتقن عدة صناعات فهو حداد ونجار ونقاش فوافق عمر، وذات يوم اشتكى أبو لؤلؤة لعمر أن المغيرة يفرض عليه خراجًا كبيرًا، فلما سمع منه عمر قال له إن خراجك ليس بالكبير على ما تقوم به من أعمال، فاغتاظَ أبو لؤلؤة المجوسي من ذلك، وأضمرَ الشرَ والحقد عدة أيام ثم ترجمه بطعن الخليفة. ويستند القائلون بهذه الرواية إلى القصة التي تقول أن عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو رجل صالح ثقة، شهد أنه رأى الهرمزان وفيروز وجفينة النصراني ليلة الحادث يتشاورون فلما فوجئوا به اضطربوا وسقط منهم خنجر ذو نصلين وشهد عبد الرحمن بن أبي بكر أنه نفس الخنجر الذي طعن به عمر. أما الهرمزان فكان من ملوك المجوس الفرس على منطقة الأحواز، وقد أسره المسلمون وعفا عمر عنهُ بعد نكثه العهد مرارًا، وكان الحقد يملأ قلبه لأنه فقد مُلكه، وعندما شعرَ بالخطر أظهر الإسلام، ولكن الناس كانوا يشكون في إسلامه. وأما جفينة النصراني فهو من مسيحيي الحيرة أرسله سعد بن أبي وقاص إلى المدينة ليعلم أبناءها القراءة والكتابة. وقال بعض المؤرخين أنه كان لليهود دور في المؤامرة، واستدلوا على ذلك بأن كعب الأحبار، وكان يهوديًا من أهل اليمن أسلم في عهد عمر وأفاض على الناس من أخبار الإسرائيليات، وترجع كثير من إسرائيليات التفسير لروايته، فلما جاء كعب هذا لعمر قبل مقتله بثلاثة أيام، فقال له: «يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام»، فقال عمر: «وما يدريك؟»، قال: «أجد في كتاب الله عز وجل التوراة»، قال عمر: «الله! إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟»، قال: «اللهم لا ولكني أجد صفتك وحليتك، وأنه قد فنى أجلك». وهذه الرواية إن صحت تجعل الكثير يشكون في كون كعب هذا خلع في المؤامرة لكن هذه الرواية على الأغلب لم تصح.


الشورى واستخلاف خليفته

مما لا شك فيهِ أنَ عمر بن الخطاب أثبتَ مدى حكمتهِ وهو على فراش الموت، عندما أرسى القاعدة الأساسية في الحكم، والتي دعا الإسلام إليها على أساس مبدأ الشورى. وكان عمر يفكر في البداية في أبي عبيدة بن الجراح أو سالم مولى أبي حذيفة ولكنهما توفيا قبله وقال: «لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيًا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: "سمعت نبيك يقول: أنه أمين هذه الأمة"، ولو كان سالم مولى أبي حُذيفة حيا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: "سمعت نبيك يقول: أن سالمًا شديد الحب لله"»، فقال له أحد المسلمين: "استخلف ابنك عبد الله". فقال: «قاتلك الله، والله ما أردت الله بذلك، ويحك لا إرب لنا في أموركم، ما حمدتها لنفسي فأرغبها لواحد من أهل بيتي، إن كان خيرًا فقد أصبنا منه، وإن كان شرًا فحسب آل عمر أن يُحاسب منهم رجلٌ واحد ويُسأل عن أمر أمة محمد. لقد أجهدت نفسي وحرمت أهلي، وإن نجوت لا عليَّ ولا لي، فإني إذا لسعيد.»

بناءً على هذا أوصى عمر أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. ورفض تسمية أحدهم بنفسه قائلًا: «واللَّه، ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلّا شدّتك وغلظتك، مع أنّك رجلُ حربٍ! وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلّا أنّك فرعون هذه الاُمّة! وما يمنعني منك يا زبير إلّا أنّك مؤمن الرضى، كافر الغضب! وما يمنعني من طلحة إلّا نَخْوته وكِبْره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته! وما يمنعني منك يا عثمان إلّا عصبيّتك وحبّك قومَك وأهلَك! وما يمنعني منك يا عليّ إلّا حرصك عليها! وإنّك أحرى القوم، إن وُلِّيتها، أن تقيم على الحقّ المبين، والصراط المستقيم». ولم يذكُر عمر بن الخطاب في الشورى، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، رغم أنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وذلك لكونهِ ابن عمه. كما أمر بحضور ابنه عبد الله مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيء، ثم أوصى صهيب بن سنان أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى. ماتَ عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنهِ، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 هـ، الموافق لسنة 644 م، بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق والنبي محمد، وكان عمره خمسًا وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة، وقد استطاع في هذه الفترة القصيرة أن يُرسي قواعد الدولة الإسلامية الأولى التي أنشأها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ما بعد الحادثة

اجتمع أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة، وقيل في حجرة عائشة، وقيل في بيت المال. ثم انحصر الأمر بين ثلاثة بعد أن فوّض الزبير ما يستحقه إلى علي، وفوّض سعد ما له إلى عبد الرحمن، وترك طلحة حقه إلى عثمان. ثم انخلع عبد الرحمن بن عوف ليختار بين اثنين: علي وعثمان، فأخذ يستشير المسلمين سرًا وجهرًا، فرادى ومثنى ومجتمعين، مدة ثلاثة أيام بلياليها. ثم اجتمع المسلمون في المسجد، ووقف عبد الرحمن بن عوف تحت المنبر وبايع عثمان بن عفان ثم بايعه علي بن أبي طالب والمسلمون في 3 محرم سنة 24 هـ، الموافق لسنة 644م.

شخصية عمر بن الخطاب

هيئته الخارجية

كان عمر بن الخطاب أبيض البشرة تعلوه حمرة، وقيل أنه صار أسمر في عام الرمادة حيث أصابته مع المسلمين مجاعة شديدة. وكان حسن الخدين، أصلع الرأس. له لحية مقدمتها طويلة وتخف عند العارضيان وقد كان يخضبها بالحناء وله شارب طويل. وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء لشدة خشيته من الله، أما شاربه فقيل أنه كان طويلاً من أطرافه وقد روى الطبراني، قال: «حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا إسحق بن عيسى الطباع قال: "رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك فقال حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ"». وكان طويلاً جسيماً تصل قدماه إلى الأرض إذا ركب الفرس يظهر كأنه واقف وكان أعسراً سريع المشي.

في السياسة

الدولة الإسلامية في ذروة اتساعها خلال عهد عمر بن الخطاب.
يُعتبر عمر بن الخطاب أحد أبرز عباقرة السياسة عبر التاريخ، وفي إحدى الاستبيانات احتل المرتبة الثانية والخمسين ضمن قائمة أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ البشرية. كان عمر لا يتعاطى السياسة خلال عهد النبي محمد، أما بعد وفاة الأخير، أظهر عمر حنكة وبراعة في شؤون السياسة، فكان له الفضل في جعل الكثير من الصحابة يُبايعون أبا بكر بالخلافة، وكان طيلة عهده يعاونه في شؤون الحكم وإدارة الدولة المتنامية يومًا بعد يوم. وبعد وفاة أبو بكر ومبايعة عمر الخلافة، استطاع أن يكسب تأييد الكثير من القبائل البدوية بعد أن أطلق سراح جميع سجنائهم الذين اعتقلوا خلال حروب الردة. وكان لمهارته في الخطابة أثر كبير في ازدياد شعبيته بين الناس، وبالأخص الطبقات الفقيرة والمحرومة في المجتمع الإسلامي الفتيّ. أثبت عمر بن الخطاب كفائته في إدارة شؤون الدولة خلال عام القحط الذي وقعت البلاد خلاله في مجاعة عظيمة، فتمكن بفضل اتباعه لأساليب فعّآلة ديناميكية من إنقاذ ملايين الأشخاص من الموت. وأكثر ما يشهد لابن الخطاب ببراعته في حكم الدولة، إنشائه لبنيان إداري متين تمكن بواسطته من حكم دولة مترامية الأطراف ومتعددة القوميات، وإبقائها متماسكة موحدة لفترة استمرت سنين طويلة بعد وفاته، وكذلك إعجاب وتعلّق أبناء الأراضي المفتوحة حديثًا به لانتهاجه سياسة التسامح الديني التي يدعو إليها القرآن، مع أهل الكتاب خاصةً، ولفرضه ضرائب عليهم أقل مما كانوا يدفعونه للحكام الروم والفرس خلال العهد السابق للإسلام، ولإبقائه عدد من حكّام الولايات من أهل تلك البلاد في مناصبهم، ولمنعه الاقتتال بين الطوائف الدينية الكتابية. وكان عمر بن الخطاب شديدًا مع عمال الدولة الإسلامية، فكان يوصيهم بأهالي الأقاليم خيرًا، فيروي الطبري أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فقال: «اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي». وكان إذا استعمل العمال على الأقاليم خرج معهم يشيعهم ويوصيهم فيقول: «إني لم أستعملكم على أشعارهم ولا على أبشارهم، وإنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بالعدل، وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا أشعارهم، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها، جردوا القرآن، وأقلوا من رواية محمد صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم».

وكان عمر بن الخطاب يُتابع أمور الدولة بنفسه على الدوام، فلم يكتفي بأن يحسن اختيار عماله، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم، وكان شعاره لهم: "خير لي أن أعزل كل يوم واليًا من أن أبقي ظالمًا ساعة نهار". كما استمر يطلب منهم على الدوام أن يرسلوا وفدًا من أهل البلاد ليسألهم عن بلادهم، عن الخراج المفروض عليهم ليتأكد بذلك من عدم ظلمهم، ويطلب شهادتهم. ومن شدّة حرصه على إقامة العدل في البلاد، فكّر قبل مقتله أن يجول على الولايات شخصيًّا لمراقبة العمال، ويتفقد أحوال الرعية، وقال: «لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالهم فلا يرفعونها إليّ، وأما هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين». كما كان عمر بن الخطاب يخشى انتشار كبار الصحابة في المناطق التي انتشر فيها الإسلام حيث إغراء الدنيا بامتلاك الضياع وافتتان المسلمين بهم مما يوفر لكل منهم الأرض والمال والأتباع فيكون لنفسه دولة داخل الدولة، فتضيع بذلك الخلافة وينقسم المسلمون. لذلك كان يقول لهم: "إني أخاف أن تروا الدنيا وأن يراكم أبناؤها". وكان هذا هو السبب وراء عزل عمر لخالد بن الوليد بعد أن فُتن الناس به وتحدثوا عن انتصاراته في الشام والعراق، فتغنّى الشعراء بفعاله، فوهبهم خالد من ماله وأغدق عليهم، ولمّا بلغه أن الخليفة عزله، اتجه للمدينة المنورة للقاء عمر، محتجًا على ما اعتبره ظلمًا، إلا أن عمر أصر على قراره، ونُقل عنه أنه قال: «إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة

عسكريته

اشتهر عمر بن الخطاب بقوته البدنية الهائلة، فكان إذا ضرب أوجع، يُصارع الفتيان في سوق عكاظ فيصرعهم، وقد طغت عليه هذه السمعة أكثر مما طغت عليه سمعته كمبارز بالسيف، لكن أكثر ما اشتهر به في كتب التاريخ كان استراتيجياته العسكرية الباهرة، التي وضعته ضمن قائمة أبرز العسكريين في التاريخ. لعب عمر وخالد بن الوليد دور أساسي في رسم الاستراتيجية العسكرية لجيوش المسلمين خلال حروب الردة، لكن عبقرية الأول العسكرية لم تتجلى إلا عام 636م عندما تمكن من تفكيك الحلف الفارسي البيزنطي، بعد أن أبرم الإمبراطور هرقل والشاه يزدجرد الثالث اتفاقًا تعاهدا خلاله على السير معًا ومواجهة المسلمين عدوهم المشترك. وقد استغل عمر بن الخطاب عدم مقدرة الشاه الفارسي على الوصول بجيوشه في فترة متزامنة مع وصول جيش الروم، فهاجمهم ودفعهم إلى القتال وهم ما زالوا غير مستعدين. وقد فعل ذلك عبر دفعه بفرق صغيرة من الجنود إلى خطوط الجيش البيزنطي، واستمر يفعل ذلك حتى بدا للروم وكأن سيلاً متدفقًا من الإمدادات يصل تباعًا إلى المسلمين، فانقضوا عليهم على الرغم من ممانعة الإمبراطور هرقل، فوقعوا في الفخ الذي نُصب لهم، وتم الفوز للمسلمين. كذلك أقدم عمر على نقل قسم من جيش الشام إلى العراق حتى يلقى جحافل الفرس إلى جانب جيش العراق، وقد أثبتت هذه الخطة مدى كفاءتها عندما أنزل جنود الشام المخضرمين هزيمة قاسية بالفرس في معركة القادسية الحاسمة.

كان لاستراتيجية عمر بن الخطاب وبعد نظره أثر كبير في فوز المسلمين خلال معركة حمص الثانية سنة 638 م، عندما قام مسيحيو الجزيرة الفراتية من العرب، بمهاجمة جناح الجيش الإسلامي بمعاونة الروم، فأخذوا المسلمين على حين غرّة ثم ضربوا الحصار على المدينة. فأمر عمر بتحريك جيش العراق وفتح بلاد نصارى العرب المُشاركين في الهجوم، أي الجزيرة، ليُشتت قواتهم ويُفرقها، فهاجم المسلمون تلك البلاد، مما جعل المُحاصرين يلتفتون ناحية وطنهم للدفاع عنه، لكن عمرَ أرسل إلى سعد بن أبي وقاص قائد جيش العراق أن يُرسل إلى حمص مددًا عسكريًا ليضغط على العدو ويُشتت قواتهم أكثر فأكثر، وقد أقدم على قيادة فرقة عسكرية بنفسه وسار بها من المدينة المنورة إلى حمص، ولمّا بلغ مسامع المحاصرين قدوم تلك الأعداد الهائلة من الجنود، انسحبوا عائدين إلى ديارهم، فتمكن المسلمون من الحفاظ على حمص وفتحوا قسمًا من بلاد مابين النهرين وأرمينية.

يُعد فتح جميع أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية أهم إنجازات عمر بن الخطاب العسكرية على الإطلاق. كان عمر بن الخطاب قد هادن الفرس بضع سنوات جعل خلالها من جبال زاغروس الحد الفاصل بين أراضي الدولة الإسلامية والإمبراطورية الفارسية، وبعد أن استراح الجيش وعاود الجنود استعدادهم، أمر الخليفة بمهاجمة الفرس مجددًا، فتمكن المسلمون من هزيمتهم الهزيمة الكبرى في معركة نهاوند، ثم انطلقوا يفتحون جميع المدن والقلاع الحصينة، وكانت استراتيجية ابن الخطاب تتمثل في مهاجمة الأهداف مرارًا وتكرارًا من عدّة جوانب حتى تسقط، وقد تمكن من فتح تخوم الإمبراطورية عبر مهاجمته مركزها أولاً، فعزل بذلك أذربيجان وفارس الشرقية، ثم أصدر أوامره بالهجوم عليها، فسقطت دون عناء كبير، ثم حوّل أنظاره إلى سیستان وكرمان وفتحها، عازلاً بذلك خراسان. وفي المرحلة الأخيرة من فتح فارس، هاجم المسلمون خراسان وهزموا الفرس آخر هزيمة على ضفاف نهر جيحون، وهرب الشاه يزدجرد الثالث إلى آسيا الوسطى.

مواقفه وآراءه

يشتهر عمر بن الخطّاب عند أهل السنة والجماعة بكونه رجل مواقف، وصاحب أقوال وآراء بارزة ومهمة، فيرون أنه كان دائم الرقابة لله في نفسه وفي عماله وفي رعيته، بل إنه ليشعر بوطأة المسؤولية عليه حتى تجاه البهائم العجماء فيقول: «والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسؤولاً عنها أمام الله، وأخاف أن يسألني الله عنها: "لماذا لم تفتح لها الطريق يا عمر؟"»، ومن شدّة شعوره بالمسؤولية عن رعيته، حلف لما اشتد الجوع بالناس في عام الرمادة أن لا يأتدم بالسمن حتى يفتح على المسلمين عامه هذا، فصار إذا أكل خبز الشعير والتمر بغير أدم يقرقر بطنه في المجلس فيضع يده عليه ويقول : «إن شئت قرقر وإن شئت لا تقرقر، مالك عندي أدم حتى يفتح الله على المسلمين». وكان عمر يأمر قادته في الجهاد ألا يغزوا بالمسلمين، ولا ينزلوهم منزل هلكة، وقد خطب في ولاته في إحدى المرات فقال: «اعلموا أنه لا حلم أحب إلى الله تعالى، ولا أعم من حلم إمام ورفيقه، وأنه ليس أبغض إلى الله ولا أعم من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه يرزق العافية فيمن هو دونه». وبلغ من درجة شعوره بالمسؤولية أنه لم يكن ينام إلا قليلاً، فكان ينعس وهو قاعد فقيل له: "يا أمير المؤمنين ألا تنام؟"، فقال: «كيف أنام؟ إن نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين، وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل».

يرى أهل السنة والجماعة أن عمرَ كان رجلاً إيجابيًا، والإيجابية هي التفاعل مع الأحداث، والتأثير في سيرها، وعدم السكوت عن الفعل الشاذ، ومن هذا التعريف يستدلون على إيجابيته، فكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويسعى للتغيير بكل الوسائل المتاحة، ما لم تتعارض مع دينه وعقيدته، ومن مظاهر إيجابيته عدم السكوت عن المشورة، وإن لم يكن ذلك مطلوبًا منه. وكان كذلك رجلاً متواضعًا يعيش، كما أبا بكر قبله، وعثمان وعلي بعده، حياةً بعيدة عن الأبّهة والترف، وكان يصرف على نفسه بما يربحه من التجارة، ولم يتخذ لنفسه قصرًا أو ملبسًا فاخرًا، ولم يعش حياة الملوك، ومن أبرز القصص التي يُستدل بها على ذلك، الرواية الشهيرة التي تقول أن رسولاً من الفرس اتجه إلى المدينة المنورة ليرى كيف يعيش ملكها وكيف يتعامل مع شعبه، ولمّا وصل واستدل على بيت الخليفة، وجده مبنيًا من طين وعليه شعر ماعز وضعه عمر لكي لا يسقط المطر فينهدم البيت على رأسه وأولاده، ولمّا سأل عن الخليفة، أشار الناس إلى رجل نائم تحت ظل شجرة، وفي ثوبه عدد من الرقع، وبدون أي حراسة، فتعجب من هذا المنظر ولم تصدق ما رأته عيناه وتذكر كسرى فارس وقصوره وحرسه وخدمه فقال قولته المشهورة: «حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر». كذلك يعتبر السنّة عمر بن الخطاب أحد أكثر الرجال عدلاً في التاريخ، ويؤكدون اعتقادهم بما نُقل عن الرسول محمد من أحاديث، منها ما رواه الإمام أحمد بن حنبل بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ"». وما ورد في موطأ الإمام مالك بن أنس بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ:

عمر بن الخطاب إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: "وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ". فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: "وَمَا يُدْرِيكَ؟" فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: "إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ" عمر بن الخطاب
ومن القصص الأخرى التي وردت عن عدل عمر بن الخطاب، أن رجلاً قبطيًا أتاه يومًا من مصر يشكو إليه ضرب أحد أبناء عمرو بن العاص لابنه الذي كان يعمل في خدمته، عندما كانا يتسابقان على ظهر الخيل، معتمدًا على سلطان والده عمرو والي مصر. فقرر الرجل رفع الأمر إلى خليفة المسلمين الذي سمع بعدله مع الجميع، حتى يأخذ بحق ولده، ولمّا تبين لعمر صحة كلامه، كتب إلى عمرو بن العاص أن يحضر إلى المدينة المنورة بصحبة ابنه، فلما حضر الجميع أمامه، ناول عمر الغلام القبطي سوطًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في نفسه. ثم قال له عمر: «لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسلطان أبيه»، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟». يعدّ أهل السنّة عمر أيضًا أحد أكثر الرجال بعدًا للنظر، ومن أشهر الروايات التي يستدلون بها على ذلك، تلك التي جاء فيها تصرفه عندما كان في زيارة لكنيسة القيامة في القدس. فبعد فتح المدينة، دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقد كنيسة القيامة، فلبى دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها فتلفت إلى البطريرك وقال له "أين أصلي؟"، فقال "مكانك صلِ"، فقال: «ما كان لعمر أن يُصلّي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا». وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى. فيعتبرون أن عمر خاف من نشوب صراع بين المسلمين والمسيحيين على ملكية الكنيسة من بعده، وأن يكون لهذا الصراع نتائج لا تُحمد عُقباها، فيؤدي ذلك إلى تشويه صورة الإسلام وأهله.

اللقب والكنية

الفاروق

لقبه "الفاروق" وكنيته "أبو حفص"، أما كنيته، فقد قيل أن الرسول محمد كنّاه بذلك يوم بدر ويرجع سبب إطلاق المسلمين السنّة لقب "الفاروق" على عمر ابن الخطاب، لأنه حسب الروايات أنه أظهر الإسلام في مكة وفرّق بين الحق والباطل. وكان الناس يهابونه، فعندما آمن وجاء إلى الرسول في دار الأرقم بن أبي الارقم قال له: «ألسنا على حق؟» قال: «بلى» قال: «والذي بعثك بالحق لنخرجن». وخرج المسلمون في صفين صف يتقدمه حمزة بن عبد المطلب وصف يتقدمه عمر فيعتبرون أن فرق الله به بين الكفر والإيمان. وقيل أول من سماه بذلك النبي محمد. فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق وأبو نعيم في حلية الأولياء عن ابن عباس أنه قال:

«سألت عمر رضي الله عنه "لأي شيء سميت الفاروق؟" قال: "أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام"، فقلت: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قلت: "أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قالت أختي: "هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا"، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: "مالكم؟" قالوا: "عمر"، قال: "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره فما تمالك أن وقع على ركبته"، فقال: "ما أنت بمنته يا عمر؟" قال: "فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". قال: "فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد"، قال: "فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟" قال: "بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم"، قال: "فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن"، فاخرجناه في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: "فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول اللهصلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق. وفرق الله بين الحق والباطل."»
وروى الطبري في تاريخه، وابن أبي شيبة في تاريخ المدينة وابن سعد وابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة عن أبي عمرو ذكوان قال:« "قلت لعائشة: "من سمى عمر الفاروق؟" قالت: النبي صلى الله عليه وسلم".» وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق والمتقي الهندي في كنز العمال عن النزال بن سبرة قال: «وافقنا من علي يومًا أطيب نفسًا ومزاجًا فقلنا يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال: "ذاك امرؤ سماه الله الفاروق فرق به بين الحق والباطل".» وقيل سماه به أهل الكتاب. قال ابن سعد في الطبقات الكبرى: « قال ابن شهاب: "بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله ذكر من ذلك شيئاً ولم يبلغنا"» وقيل سماه به جبريل عليه السلام، رواه البغوي.

أمير المؤمنين

على خلاف مع الشيعة، يرى أهل السنة أن عمر بن الخطاب أول من سُمي بأمير المؤمنين، فبعد وفاة النبي محمد خلفه أبو بكر والذي كان يُلقب بخليفة رسول الله كما يروي ذلك أهل السنة. فلما توفي أبو بكر أوصى للخلافة بعده لعمر بن الخطاب، فقيل لعمر "خليفة خليفة رسول الله". فاعترض عمر على ذلك قائلاً: «فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله فيطول هذا ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به من بعده الخلفاء» فقال بعض أصحاب الرسول: «نحن المؤمنون وعمر أميرنا». فدُعي عمر أمير المؤمنين.

وروى البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم: أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة : لم كان أبو بكر يكتب: من أبي بكر خليفة رسول الله، ثم كان عمر يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر، من أول من كتب: أمير المؤمنين؟ فقال: «حدثتني جدتي الشفاء، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السوق دخل عليها، قالت: "كتب عمر بن الخطاب إلى عامل العراقين: أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص، فقالا له: يا عمرو، استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو فدخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت، قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، وإنه الأمير، ونحن المؤمنون"». فجرى الكتاب من ذلك اليوم. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام": قال الزهري: "أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة".

في حين يرى الشيعة على أن علي بن أبي طالب هو أول من لقب بأمير المؤمنين. ويُروى كذلك أن عبد الله بن جحش الأسدي هو أول من سُمي بأمير المؤمنين في السرية التي بعثه فيها النبي محمد إلى نخلة حسب الأحاديث الصحيحة الواردة في كتب السنة

قبل الإسلام

قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم المخزومية القرشية، أخت أم سلمة، بقيت قريبة على شركها، وقد تزوجها عمر في الجاهلية، فلما أسلم عمر بقيت هي على شركها زوجة له، حتى نزلت الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وذلك بعد صلح الحديبية فطلّقها ثم تزوجها معاوية بن أبي سفيان وكان مشركاً، ثم طلقها. ولم يرد أنها ولدت لعمر.
أم كلثوم مليكة بنت جرول الخزاعية: تزوجها في الجاهلية ولدت له زيدًا، وعبيد الله، ثم طلقها بعد صلح الحديبية بعد نزول الآية: ﴿ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة وهو من قومها وكان مثلها مشركًا.
زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحية القرشية: أخت عثمان بن مظعون، تزوجها بالجاهلية في مكة، ثم أسلما وهاجرا معًا إلى المدينة المنورة ومعهما ابنهما عبد الله بن عمر. وولدت له حفصة وعبد الرحمن وعبد الله.
بعد الإسلام
جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأوسية الأنصارية: وهي أخت عاصم بن ثابت كان اسمها عاصية فسماها النبي محمد جميلة، تزوجها في السنة السابعة من الهجرة ولدت له ولدًا واحدًا في العهد النبوي هو عاصم ثم طلقها عمر. فتزوجت بعده زيد بن حارثة فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم بن عمر.
عاتكة بنت زيد وهي ابنة زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي العدوية القرشية. وأخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، زوجة عبد الله بن أبي بكر من قبله، ولدت له ولدًا واحدًا هو عياض بن عمر. تزوجت من الزبير بن العوام بعد وفاة عمر.
أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن مخزوم المخزومية القرشية: كانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فقتل عنها في معركة اليرموك، فخلف عليها خالد بن سعيد بن العاص، فقتل عنها يوم مرج الصفر، فتزوجها عمر بن الخطاب، فولدت له فاطمة بنت عمر.
أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشيةhttps://www.al2la.com/vb/images/smilies/tears.gif1). تزوجها وهي صغيرة السن، وذلك في السنة السابعة عشرة للهجرة، وبقيت عنده إلى أن قتل، وهي آخر أزواجه، ونقل الزهري وغيره: أنها ولدت لعمر زيد، ورقية.


الآراء والمواقف حول عمر


نظرة أهل السنة والجماعة

يُعدّ عمر بن الخطاب أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، فيعتبرونه أحد أكثر الرجال ورعًا وتقوى، ومن أشد الصحابة حبًا للإسلام ودفاعًا عنه وعن أهله، ومن أكثرهم إخلاصًا له. وهم يقرون بصحة خلافته كما بصحة خلافة باقي الخلفاء الراشدين، ويعتبر أهل السنة أن عمرَ كان مثال القائد الصالح، فلم يتخذ عرشًا ولم يعش حياةً مختلفة عن حياة الناس العاديين ودائمًا ما فضّل مصلحة الأمة الإسلامية على مصلحته الشخصية، وإنه ثالث خير الناس للأمة بعد الرسول محمد وأبي بكر ، وذلك نقلاً عن علي بن أبي طالب، حيث روى البخاري في صحيحه والترمذي في السنن والطبراني في المعجم الأوسط، عن محمد بن الحنفية (وهو محمد بن علي بن أبي طالب) قال:

«قلت لأبي: "أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قال: "أبو بكر". قلت: "ثم من؟" قال: "ثم عمر". وخشيت أن يقول عثمان، قلت: "ثم أنت؟" قال: "ما أنا إلا رجل من المسلمين".»
وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل عمر ومكانته. ومنها:

ما رواه البخاري ومسلم والنسائي والطبراني وأحمد وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فَجّا إلا سلك فَجّا غير فَجّك"-حديث صحيح»
وروى البخاري عن أبي هريرة ومسلم عن عائشة أن الرسول قال:
«إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب-حديث صحيح»
وروى الطبراني في الكبير (8813/9) بإسناد حسن من طريق زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال:
«إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر، إن إسلامه كان نصرًا، وإن إمارته كانت فتحًا، وايم الله ما أعلم على الأرض شيئًا إلا وقد وجد فقد عمر حتى العضاه، وايم الله إني لأحسب بين عينيه ملكًا يسدده ويرشده، وايم الله إني لأحسب الشيطان يفرق منه أن يحدث في الإسلام حدثا فيرد عليه عمر»
وعن طلحة بن عبيد الله قال: «ما كان عمر بأولنا إسلامًا ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة»، خرجه الفضائلي.
أحاديث مرفوعة :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلَالٌ


نظرة الشيعة

تُقسم وجهة النظر الشيعية حول عمر بن الخطاب إلى قسمين: رأي الشيعة الإثنا عشرية ورأي الشيعة الزيدية. أما الإثنا عشرية فنظرتهم إلى ابن الخطاب نظرة سلبية، وهو عندهم منقلب خائن للنبي محمد، ومغتصب لحق علي بن أبي طالب في خلافة المسلمين، وعند بعض المراجع فهو قاتل ابنة الرسول وزوجة الإمام علي، فاطمة الزهراء. وفي هذه الرواية أن عمرَ اتجه إلى دار فاطمة ليأتي بعلي والزبير بن العوام ليبايعا أبا بكر بالخلافة، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: "يا بن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟" قال: "نعم، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة"، وقد أشار عدد من علماء الشيعة إلى أن عمر بن الخطاب أضرم النار في الدار وتعرّض لفاطمة بالضرب بعد أن قاومته، الأمر الذي جعلها تجهض حملها وتفارق الحياة بعد فترة، على أنهم اختلفوا في كيفية حصول ذلك على وجه الدقة. كذلك تعتبر الاثنا عشرية أن أوّل من لُقب بالفاروق من قبل النبي محمد هو علي بن أبي طالب. أما الزيدية فنظرتهم إلى عمر بن الخطاب أكثر اعتدالاً، فهم يقرون بصحة خلافته ولا يسبّونه، لكنهم يعتقدون على الرغم من ذلك أن الإمام عليًا أحق بالخلافة، وذلك بناءً على مبدأ خلافة المفضول مع وجود الأفضل

نظرة المسيحية

من المعروف أن الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، لا تقدم رأيًا في الشخصيات غير الدينية، فموقفها ونظرتها محصورة في أنبياء ومؤسسي الديانات الأخرى، أما أتباعهم وصحابتهم فلا تبدي رأيها بهم غالبًا. غير أن احتكاك المسلمين بالمسيحيين في الشام والعراق ومصر خلال عهد عمر بن الخطاب، ولجوء بعض رجال الدين النصارى إليه شخصيًا ليرفع ظلم الروم عن رعاياهم، جعل بعض المؤرخين المسيحيين يذكرون عمر بن الخطاب بالخير ويحيطونه بالاحترام والتبجيل. ونقل البعض أمثال ميخائيل الكبير أنّ رافضي مجمع خلقيدونية رددوا: "المجد لربّ النقمة الذي نجانا على يد الإسماعيليين من البيزنطيين"، ويرى المؤرخ اليسوعي هنري لامنس أن هذا التعاون والترحيب هو ما يفسّر السقوط السريع للشام والعراق البالغ عدد سكانها زهاء أربعة ملايين نسمة بفترة زمنية قصيرة وبعدد قليل نسبيًا من الجنود. وكان لمنح عمر سكان إيلياء "القدس" عهدًا بحماية أماكن عبادتهم وبتوفير الأمان لهم ولأموالهم وبحرية ممارسة شعائرهم الدينية، مقابل دفع الجزية سنويًا لبيت المال، أثر في حصوله على احترام وحب المسيحيين الذين عاصروه، والعديد من الذين تابعوا سيرته في الأجيال اللاحقة.

رأي الغرب

قال المؤرخ الأمريكي واشنطن ايرفينجفي كتابه "محمد وخلفاؤه":

عمر بن الخطاب إن تاريخ عمر بالكامل يظهر لنا أنه (عمر) كان ذو عقليّة فذّة، ونزاهة ثابتة صلبة، وعدالة صارمة، وكان أكثر من أي أحد آخر هو المؤسس للإمبراطورية الإسلامية، مؤكدا ومنفّذا للوحي النبوي، مساعدا ومشاورا لأبي بكر خلال فترة خلافته القصيرة، وواضعا ومؤسسا للأنظمة واللوائح التي تنظم إدارة القانون عبر حدود وأنحاء الفتوحات الإسلامية الممتدة بسرعة، وقد كانت (سياسة) اليد الصارمة التي تعامل بها مع قادة جيوشه الأكثر شعبية في خضم جيوشهم وفي أبعد مشاهد إنتصاراتهم، أعطت (هذه السياسة) دليلا بارزا على قدرته الاستثنائية على الحكم.
من خلال بساطة عاداته وازدرائه لمظاهر البهاء والترف والأبهة، فقد اقتدى بمثال النبي وأبو بكر. وقد سعى بشكل مستمر ليؤثر ويحث قادة جيوشه على التحلي بهذه الصفات والسياسات، ففي رسائله لقادة الجيوش كان يقول: "حذار من الترف الفارسي، سواء في المطعم او في الملبس والزموا عادات بلادكم البسيطة، وسينصركم الله عليهم وسيفتح لكم." وقد كانت عقيدته القوية واقتناعه الراسخ بهذه السياسات هي التي جعلته يتشدد في معاقبة كُلّ أسلوب متباه وإنغماس فاخر في ضبّاطِه. وبالإضافة لذلك، فإن المراسم المتبّعة (في وقته) تشير بالثناء على قلبه بالإضافة إلى عقله، فقد نهى أن تُباع أية امرأة وقعت في الأسر وقد وُلد لها طفل على أنها رقيق، وأما عند توزيع الأعطيات للمسلمين، من الغنائم أو من بيت المال، فقد قسّمها حسب حاجات وليس مميزات الطالبين، وكان يقول: "الله أعطانا هذه الأشياء الدنيوية لسدّ احتياجاتنا، وليس لمكافأة فضائلنا، تلك المكافأة حسابها في الآخرة".

ويقول المستشرق الإسكتلندي وليم موير في كتابه "صعود وانحدار الخلافة":

إن حياة عمر لا تتطلب الكثير لإظهار ملامحها، البساطة والواجب كانتا مبادءه التوجيهية، النزاهة والعدل والتفاني كانت الميزات الرائدة في حكمه، وكانت تثقل كاهله مسؤولية الخلافة حتى أنه كان يقول: "يا ليت أمي لم تلدني، او أني كنت قصبا من عشب بدلا من ذلك". كان في صباه ذا مزاج ناري سريع الإتّقاد، ومن ثم عُرف بعد ذلك في الأيام القادمة خلال صحبته الأولى لمحمد كالمحامي الصارم المتأهب للثأر، ومن ذلك نصيحته بأن يقتل أسارى بدر، ولكن التقدم في العمر فضلا عن كاهل المسؤولية قد خففت من حدّته، وكان حسّه بالعدالة قويّا. وباستثناء ما وقع بينه وبين خالد بن الوليد من المشاحنات، فإنه لم يسجَّل عليه أي عمل من الطغيان أو الظلم، وحتى في مسألته مع خالد فإنما كانت معاملته له كخصم في الحق وليس لأهواء شخصية. وكان اختياره لقادة جيوشه خاليا من المحاباة والتفضيلية، وباستثناء عمّار والمغيرة فإن اختياره كان دائما محظوظا.
إن القبائل والجماعات المختلفة في أنحاء الإمبراطورية، والتي تمثل المصالح الأكثر تنوعا، قد وضعت في نزاهته الثقة المطلقة، وقد أبقت قبضته القوية على إنضباط القانون والإمبراطورية... كان يجوب شوارع وأسواق المدينة وسوطه بيده، جاهزا لمعاقبة المفترين فورا، وهكذا ظهر المثل "أن درّة عمر (سوطه) مهاب أكثر من سيف غيره". ولكن مع كل هذا، فقد كان رقيق القلب، وسجّلت له أفعال من الشفقة والرحمة لا تعدّ مثل مواساة وتخفيف حاجات الأرامل واليتامى.."

وفي كتاب "تاريخ أفول وسقوط الدولة الرومانية"، يقول المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون:

عمر بن الخطاب ومع ذلك فإن عفّة تواضع عمر لم تكن بأقل مستوى من فضائل أبي بكر، كان طعامه (عمر) يتكون من مجرد التمر أو الخبز، وكان شرابه الماء. وكان يخطب بالناس وعليه ثوب مخرّق في إثني عشر موضعا. وقد رآه المرزبان (حاكم مقاطعة فارسي) عندما أتى زائرا ليؤدي لعمر فروض الطاعة، رآه نائما مع الفقراء المعدمين في أحد طرقات المدينة. إن هذا التواضع والتسامح مقرونا بزيادة الدخل العام (للدولة) مكّن عمر من توزيع الأعطيات على المؤمنين بشكل عادل ومنتظم متجاهلا لمكافأة نفسه. فمثلا أعطى العباس عم الرسول أول وأعلى المخصصات، حوالي خمس وعشرين ألف درهم. وخصص خمسة آلاف للمجاهدين الأولين ممن شهدوا بدرا، أعطى للباقين من أصحاب محمد ثلاثة آلاف درهم لكل منهم.
... خلال خلافته ومن سبقه (أبو بكر) فقد كان فاتحو الشرق هم عبيد الله المخلصون، كانت الثروات المجتمعة مكرّسة للنفقات، للحرب والسلام، في مزيج حكيم من الغنيمة والعدالة. حافظ هذا على اتحاد وانضباط أهل الصحراء عن طريق سعادة نادرة كوّنت توازنا بين تنفيذ الحكم المطلق والحكم الجمهوري من خلال ثوابت متساوية للكل.

عطر الزنبق
06-14-2021, 06:07 PM
الشخصية الاسلامية الثالثة



https://h.top4top.io/p_1931pl7g81.png





https://i.top4top.io/p_1931uf0lr2.png


أبو عَبدِ اللهِ عُثمَانُ بْنُ عفَّانَ الأُمَوِيُّ القُرَشِيُّ (47 ق.هـ - 35 هـ / 576 - 656م) ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام. يكنى ذا النورين لأنه تزوج اثنتين من بنات نبي الإسلام محمد، حيث تزوج من رقية ثم بعد وفاتها تزوج من أم كلثوم.


كان عثمان أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام ثم تبعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة. ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة. وكان رسول اللَّه يثق به ويحبه ويكرمه لحيائه وأخلاقه وحسن عشرته وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين والذين آمنوا بالله، وبشّره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة، وأخبره بأنه سيموت شهيداً.


بويع عثمان بالخلافة بعد الشورى التي تمت بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ (644 م)، وقد استمرت خلافته نحو اثني عشر عاماً. تم في عهده جمع القرآن وعمل توسعة للمسجد الحرام وكذلك المسجد النبوي، وفتحت في عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فمن البلدان التي فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.


في النصف الثاني من خلافة عثمان التي استمرت لمدة اثنتي عشرة سنة، ظهرت أحداث الفتنة التي أدت إلى اغتياله. وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 12 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ، وعمره اثنتان وثمانون سنة، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة.


نسبه


هو: «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». يلتقي نسبه بنسب الرسول محمد في عبد مناف.

أمه: «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». وهي ابنة عمة النبي محمد، فأمها هي البيضاء بنت عبدالمطلب


نشأته


ولد عثمان بن عفان في الطائف وقيل في مكة سنة 576 م بعد عام الفيل بست سنين. وهو من بطن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهم من كبار سادات قريش، وأبوه عفان ابن عم أبي سفيان بن حرب. أنجبته أمه أروى بنت كريز وأنجبت كذلك شقيقته آمنة بنت عفان، وبعد وفاة والده عفان، تزوجت أمه من عقبة بن أبي معيط الأموي القرشي وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنت، هم الوليد بن عقبة وخالد بن عقبة وعمارة بن عقبة وأم كلثوم بنت عقبة فهم إخوة عثمان لأمه. وقد أسلمت أم عثمان وماتت في خلافته، وكان أحد اللذين حملوها إلى قبرها، وأما أبوه فمات في الجاهلية.


كان عثمان غنياً شريفاً في الجاهلية، ومن أحكم قريش عقلاً وأفضلهم رأياً، كما كان محبوباً من قبلهم. وهو لم يسجد لأي صنم طوال حياته، كما أنه لم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام. كما أنه قد كان على علم بمعارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام، وقد رحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقواماً غير العرب فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره من قومه. واهتم بالتجارة التي ورثها عن والده، ونمت ثرواته، وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها، فكان كريماً جواداً وكان من كبار الأثرياء وقد نال مكانة مرموقة في قومه، ومحبة كبيرة. وقد كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما جاء له عبد الله من رقية بنت النبي محمد، كناه المسلمون أبا عبد الله. وكان عثمان يلقب بذي النورين لزواجه من رقية ومن ثم أم كلثوم بنتي النبي محمد.



صفاته


كان عثمان جميلاً ليس بالقصير ولا بالطويل، أسمر رقيق البشرة، كبير اللحية، كثير الشعر، عظيم الكراديس (جمع كردوس، وهو كل عظمين التقيا في مفصل)، عظيم ما بين المنكبين، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه، جذل الساقين، طويل الذراعين، شعره قد كسا ذراعيه. أقنى (بيِّن القنا)، بوجهه نكتات جدري، يصفِّر لحيته ويشد أسنانه بالذهب.


وقال الزهري: «كان عثمان رجلا مربوعا، حسن الشعر، حسن الوجه، أصلع، أروح الرجلين (منفرج ما بينهما)، وأقنى (طويل الأنف مع دقة أرنبته، وحدب في وسطه)، خدل الساقين (ضخم الساقين)، طويل الذراعين، قد كسا ذراعيه جعد الشعر، أحسن الناس ثغرا، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه. والراجح أنه أبيض اللون، وقد قيل:أسمر اللون.»


كان رجال قريش يأتونه ويألفونه للعديد من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار. كما أنه لم يكن يوقظ نائمًا من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر، ويلي وضوء الليل بنفسه. وقد كان ليَّن العريكة، كثير الإحسان والحلم.


أما ما جاء في لباسه فقد رئي وهو على بغلة عليه ثوبان أصفران له غديرتان، ورئي وهو يبني الزوراء (الزوراء: دار عثمان بالمدينة). على بغلة شهباء مصفِّرًا لحيته، وخطب وعليه خميصة (وهي كساء أسود له علمان). سوداء وهو مخضوب بحناء، ولبس ملاءة صفراء وثوبين ممصرين، وبردًا يمانيًا ثمنه مائة درهم، وتختم في اليسار، وكان ينام في المسجد متوسدًا رداءه.


إسلامه


أسلم عثمان بن عفان حينما كان في الرابعة والثلاثين من عمره، حين دعاه أبو بكر الصديق إلى الإسلام قائلاً له: «ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟ فقال: بلى واللَّه إنها كذلك. قال أبو بكر: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه؟ فقال: نعم». وفي الحال مرَّ رسول اللَّه فقال: «يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه». قال: «فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله».» فكان بذلك من السابقين الأولين وقبل دخول محمد بن عبد الله دار الأرقم، حتى قال أبو إسحاق: «كان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة عثمان». فهو رابع من أسلم من الرجال. وكان عثمان قد حدث له موقف عند عودته من الشام، وقد قصه على النبي محمد حينما دخل عليه هو وطلحة بن عبيد الله، فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن، وأنبأهما بحقوق الإسلام ووعدهما الكرامة من الله فآمنا وصدقا، فقال عثمان: «يا رسول الله، قدمت حديثا من الشام، فلما كنا بين معان والزرقاء فنحن كالنيام فإذا منادٍ ينادينا: أيها النيام هبوا، فإن أحمد قد خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك.»


زواجه من رقية


كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد زوج رقية من عتبة بن أبي لهب، وزوج أختها أم كلثوم من عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت سورة المسد تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ Aya-2.png سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (سورة المسد، آية: 1 - 5). قال لهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية فارقا ابنتي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما.



في السنة الخامسة للبعثة هاجرت أول دفعة من المسلمين، وكانوا اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، وكان رئيسهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية، وقد خرجوا قاصدين ميناء الشعيبة، فاستقلوا سفينتين حتى وصلوا إلى الحبشة.

حينما سمع عثمان بخبر طلاق رقية بادر إلى خطبة رقية من رسول الله عليه الصلاة والسلام فزوجها منه، وزفّتها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فكان يقال لها حين زفت إليه: «أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وزوجها عثمان».


وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي: «أن رسول الله دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان، فقال: «يا بنية أحسني إلى أبي عبد الله، فإنه أشبه أصحابي بي خُلُقًا»


هجرته إلى الحبشة


كان الصحابة قد قابلوا أنواع التعذيب من قبل كفار قريش، وكان من ضمنهم عثمان إذ عُذب من قِبل عمه الحكم ابن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه رباطاً وقال: «أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلُّك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين»، فقال عثمان: «والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه». فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه. ولكن الأذى اشتد بالمسلمين جميعاً، واشتد الأمر حين قتل ياسر وزوجته سمية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: «لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا صَالِحَاً لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ.» وبدأت الهجرة فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل البحر الأحمر، ثم أمَّروا عليهم عثمان بن مظعون، ووجدوا سفينتين، فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم، وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا. وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما امرأته رقية بنت رسول الله، وكان وصولهم للحبشة في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة، فوجدوا الأمن والأمان وحرية العبادة، وقد تحدث القرآن عن هجرة المسلمين الأوائل إلى أرض الحبشة، قال تعالى: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (سورة النحل، آية: 41). وقد نقل القرطبي قول قتادة: «المراد أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين». وقال تعالى:قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (سورة الزمر، آية:10) . قال ابن عباس: «يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة».


ولما أشيع أن أهل مكة قد أسلموا، وبلغ ذلك مهاجري الحبشة أقبلوا، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فدخلوا في جوار بعض أهل مكة، وكان ممن رجع إلى مكة عثمان بن عفان وزوجته رقية، واستقر المقام به فيها حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة.


عثمان بن عفان في العهد النبوي


عثمان وغزوة بدر


لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان رقية بنت رسول الله مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش، في الوقت الذي دعا فيه رسول الله للخروج لملاقاة القافلة، وسارع عثمان للخروج مع رسول الله، إلا أنه تلقى أمرًا بالبقاء إلى جانب زوجته رقية لتمريضها، وامتثل لهذا الأمر وبقي إلى جوارها، إلى أن توفيت. وجهزت رقية ثم حمل جثمانها ودفنت في البقيع، وفيما هم عائدون إذ بزيد بن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله يبشر بسلامة الرسول محمد وقتل المشركين وأسر من تبقى منهم. وبعد عودة الرسول محمد علم بوفاة ابنته رقية، فخرج إلى البقيع ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران. وقد ضرب النبي محمد لعثمان بسهمه فاعتبره بذلك مشاركاً لهم في الغنيمة والفضل والأجر. وقد عُد عثمان من البدريين بالاتفاق.


وعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: «جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله فمرضت، فقال له رسول الله: «لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه».»


وعن أبي وائل، عن عثمان بن عفان أنه قال: «أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله، وقد ضرب رسول الله لي فيها بسهم. وقال زائدة في حديثه: ومن ضرب له رسول الله فيها بسهم فقد شهد


بيعة الرضوان


لما نزل النبي محمد الحديبية في العام السادس للهجرة، رأى أنه من الضروري إرسال مبعوث إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة في القتال، وحرصه على احترام المقدسات، ومن ثم أداء مناسك العمرة، والعودة إلى المدينة، فوقع الاختيار على أن يكون المبعوث إلى قريش خراش بن أمية الخزاعي، فلما دخل مكة أرادت قريش قتله فمنعهم الأحابيش، فلما عاد أخبر الرسول بما صنعت قريش، فأراد رسول الله أن يرسل سفيرا آخر فوقع الاختيار في بداية الأمر على عمر بن الخطاب، فاعتذر عن الذهاب إليهم، وأشار على رسول الله أن يبعث عثمان مكانه، لأن له قبيلة تحميه من أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله، وقال لرسول الله: إني أخاف قريشا على نفسي، قد عرفت عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم، فلم يقل رسول الله شيئا، قال عمر: ولكن أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني، وأكثر عشيرة وأمنع، عثمان بن عفان، فدعا رسول الله عثمان فقال: «اذْهَبْ إِلَى قُرَيْشٍ فَخَبّرْهُم أنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَإِنّمَا جِئْنَا زواراً لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدي، ننحره وننصرف» فخرج عثمان بن عفّان حتى أتى بَلْدَح (مكان قريب من مكة). فوجد قريشا هناك، فقالوا: أين تريد؟ قال: «بعثني رسول الله إليكم، يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، تدخلون في دين الله كافة، فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه، وأخرى تكفون ويَلِي هذا منه غيركم، فإن ظفروا بمحمد فذلك ما أردتم، وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون، إن الحرب قد نهكتكم، وأذهبت بالأماثل منكم، فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما لا يريدون» قالوا: «قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا أبداً، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا»، فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره وقال: «لا تقصر عن حاجتك»، ثم نزل عن فرس كان عليه، فحمل عثمان على السرج وردفه وراءه، فدخل عثمان مكة فأتى أشرافهم؛ أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وغيرهما من لقي ببلدح، ومنهم من لقي بمكة، فجعلوا يردون عليه: «إن محمداً لا يدخلها علينا أبداً». وعرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت فأبى، وقام عثمان بتبليغ رسالة الرسول محمد إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج والمخرج، وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله جاء فيها: «اقرأ على رسول الله منا السلام، إن الذي أنزله بالحديبية لقادر على أن يدخله بطن مكة» وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها أن عثمان قتل، فدعا رسول الله أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم، فاستجاب الصحابة وبايعوه على الموت سوى الجد بن قيس وذلك لنفاقه. وقال النبي بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» فضرب بها على يده. وكان عدد الصحابة الذين أخذ منهم الرسول المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة صحابي


عثمان وجيش العسرة


يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قول الله في القرآن: ِ ï´؟لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةï´¾ (سورة التوبة، آية: 117)


ندب رسول اللَّه الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاؤوا بصدقات كثيرة فجهَّز عثمان ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وأربعين بعيرًا وبستين فرساً. قال ابن إسحاق: «أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها».


وقيل جاء عثمان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول الله فقبلها وهو يقول: «ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم». وقال رسول اللَّه: «من جهز جيش العُسرة فله الجنة».


يقول ابن شهاب الزهري: «قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» مرتين».


كما تحدث عبد الرحمن بن حباب عن نفقة عثمان حيث قال: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَة بَعِيرٍ وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ ثَلَاثمائة بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله يَنْزِلُ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه، مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه»».


وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: «جاء عثمان بن عفان إلى النبي بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي جيش العسرة، قال: فجعل النبي يقلبها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مراراً


بئر رومة


عندما قدم النبي محمد إلى المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة». وقال: «من حفر بئر رومة فله الجنة».


وقد كانت رومة قبل قدوم النبي لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي: «تبيعها بعين في الجنة؟» فقال: «يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها». فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي فقال: «أتجعل لي فيها ما جعلت له؟» قال: «نعم» قال: «قد جعلتها للمسلمين». وقيل كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل.


وهذه البئر في عقيق المدينة، روي عن النبي أنه قال: «نعم القليب قليب المُزَني»، وهي التي اشتراها عثمان بن عفان فتصدق بها. وروي عن موسى بن طلحة عن رسول اللَّه أنه قال: «نعم الحفير حفير المزني»، يعني رومة. فلما سمع عثمان ذلك ابتاع نصفها بمائة بكرة وتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها. فلما رأى صاحبها أنه امتنع منه ما كان يصيب منها باعها من عثمان بشيء يسير فتصدق بها كلها.


توسعة المسجد النبوي


بعد أن بنى رسول الله مسجده في المدينة، صار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان بن عفان من ماله بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد، ووسع على المسلمين.


وروى يحيى عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: «لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين، كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب. فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه وأزيد فيه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه يقول: «من بنى مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة». وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح، فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلًا يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالفضة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة 29 هـ، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة 30 هـ فكان عمله عشرة أشهر»


قال الحافظ ابن حجر: «كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور، وقيل في آخر سنة من خلافته».


كان المسجد النبوي على عهد النبي محمد مبنيا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر الصديق شيئا وزاد فيه عمر بن الخطاب وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما

كانت أيام عمر ستة أبواب

في عهد أبي بكر الصديق


كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر، فقد كان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد، وعثمان بن عفان للرفق والأناة. حيث كان عمر وزيراً للخلافة في عهد الصديق، أما عثمان فكان أمينها العام. وكان رأيه مقدماً عند الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة، أراد أن يغزو الروم، فقام في الناس يستشيرهم، فقال الألباب ما عندهم، ثم استزادهم أبو بكر فقال: ما ترون؟ فقال عثمان: «إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا، فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين.» فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: «صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمْضِه». ولما أراد الصديق أن يبعث والياً إلى البحرين استشار أصحابه، فقال عثمان: «ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده» وكان عثمان يقصد العلاء بن الحضرمي، فبعث الصديق العلاء إلى البحرين. ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده، فأشاروا بعمر، وكان رأي عثمان في عمر: «اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدتك.»


وفي إحدى الفترات من خلافة أبي بكر الصديق حصل هنالك قحط وأزمة اقتصادية، عن ابن عباس قال: «قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا - أو قال طعاما - فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين». قال ابن عباس: «فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: «يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه


في عهد عمر بن الخطاب


كان عثمان ذا مكانة عند عمر، فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر في مسألة طلبوا الأمر من عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا لم يقدر هذان على الأمر طلبوا ذلك من العباس. لقد كانت مكانة عثمان في خلافة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير من الخليفة، فقد جاء في بعض الروايات بأنه هو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان وكتابة التاريخ، وكان ممن أيدوا رأي عمر في عدم تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيئًا للمسلمين وللذرية من بعدهم.


لما اتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر ناسا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال، فقال عثمان: «أرى مالا كثيراً يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، فعمل عمر برأي عثمان، وتم تدوين الدواوين.»


في كتابة التاريخ فقد ذكرت بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان، وذلك أنه لما تم الاتفاق على جعل مبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة النبي، اختلفوا في أي الأشهر يجعل بداية للسنة، فقال عثمان: «أرخوا من المحرم أول السنة، وهو شهر حرام، وأول الشهور في العدة، وهو منصرف الناس من الحج» فرضي عمر ومن شهده من أصحابه رأي عثمان واستقر عليه الأمر، وأصبح مبدأ تاريخ الإسلام.


لما استخلف عمر بن الخطاب سنة 13 هـ، بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف، فحج بالناس، وحج مع عمر أيضا آخر حجة حجها عمر سنة 23 هـ، وأذن عمر تلك السنة لأزواج النبي في الحج، فحُملن في الهوادج، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن، وينزلن مع عمر كل منزل، فكان عثمان وعبد الرحمن ينزلان بهن في الشعاب، وينزلان هما في أذل الشعب، فلا يتركان أحدا يمر عليهن.


توليه الخلافة


الفقه العمري في الاستخلاف


استمر اهتمام عمر بن الخطاب بوحدة الأمة ومستقبلها حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وقد استطاع أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد، وذلك عن طريق جعل الشورى في عدد محصور، وقد حصر ستة من الصحابة كلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون، وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس، والمرجح إن تعادلت الأصوات، وأمر مجموعة من الجنود لمراقبة سير الانتخابات في المجلس، وعقاب من يخالف أمر الجماعة، ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في المجلس. وقد تضمن المجلس ستة أشخاص، وهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله. حيث أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضر معهم مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي، وقال له: «أنت أمير الصلاة في هذه الأيام الثلاثة» حتى لا يولي إمامةَ الصلاة أحدا من الستة فيصبح هذا ترشيحاً من عمر له بالخلافة. وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات. وقد حدد عمر الفترة بثلاثة أيام، فقال لهم: «لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير». وكان قد أوصى عبد الله بن عمر بأن يحضر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: «فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف»، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد، فقال عنه: «ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه». طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: «يا أبا طلحة، إن الله أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم». وقال للمقداد بن الأسود: «إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم». وكانت من فوائد قصة الشورى، جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل، لأن عمر جعل الشورى في ستة أشخاص مع علمه أن بعضهم كان أفضل من بعض. عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط، وإنما ستكون في أخذ رأي الناس في المدينة فيمن يتولى الخلافة؛ حيث جعل لهم أمد ثلاثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق. وقد أناط عمر بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة من بينهم.


وصية عمر للخليفة الذي بعده


أوصى عمر الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية قال فيها:


«أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا؛ أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم، وأوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذمة خيرا؛ أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة، وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم؛ فإن في ذلك -بإذن الله- سلامة لقلبك وحطًّا لوزرك، وخيرا في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك، وآمرك أن تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبالِ على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط لك اقترفت به إيمانا ورضوانا، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة، وقد أوصيتك وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا وحظا وافيا، وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصا، ورأيك فيه مدخولا؛ لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله الداعي إلى معاصيه. ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضر بهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فينقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام.»



الشورى


بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة الأعلى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، ليقضوا في الأمر، وقد تكلم القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين.


عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»، وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».


بدأ عبد الرحمن بن عوف اتصالاته ومشاوراته فور انتهاء اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الأحد، واستمرت مشاوراته واتصالاته ثلاثة أيام كاملة، حتى فجر يوم الأربعاء الرابع من محرم وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر، وبدأ عبد الرحمن بعلي بن أبي طالب فقال له: «إن لم أبايعك فأشر عليَّ، فمن ترشح للخلافة؟ قال علي: عثمان بن عفان»، وذهب عبد الرحمن إلى عثمان وقال له: «إن لم أبايعك، فمن ترشح للخلافة؟ فقال عثمان: علي بن أبي طالب». وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الآخرين واستشارهم، وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار الصحابة وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي للمدينة، وشملت مشاورته النساء في خدورهن، وقد أبدين رأيهن، كما شملت الصبيان والعبيد في المدينة، وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان، ومنهم من كان يشير بعلي بن أبي طالب. وفي منتصف ليلة الأربعاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى بيت ابن أخته: المسور بن مخرمة، فطرق البيت، فوجد المسور نائما، فضرب الباب حتى استيقظ فقال: «أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي علياً فدعوته فناجاه حتى ابهارَّ (انتصف) الليل ثم قام علي من عنده، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح.»


وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23هـ/ 6 نوفمبر 644م) وكان صهيب الرومي الإمام إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف، وقد اعتم بالعمامة التي عممه بها رسول الله، وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر، أرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد منهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، وعمرو بن العاص أمير مصر، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه إلى المدينة.


وما يروى عند أهل السنة فقد جاء في البخاري: «فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى كل حاضر من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.» وجاء في رواية أن علي بن أبي طالب هو أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف.


أما الشيعة فهم يرون بأن الصحابة حابوا في أمر المسلمين، وأن علي بن أبي طالب لم يرض بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة، فقد ورد في الروايات الشيعية عن أبي مخنف وهشام ال***ي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف، وأن علياً أحس بأن الخلافة ذهبت منه لأن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي بينهما. كما أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين بني هاشم وبني أمية أثناء المبايعة. ومن الأقوال التي نسبت لعلي، قال ابن كثير: وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن علياً قال لعبد الرحمن: «خدعتني، وإنك إنما وليته لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكأ حتى قال عبد الرحمن بن عوف: ï´؟إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاï´¾


إدارة الدولة


الشؤون المالية


لما تولى عثمان الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين. كما أنه وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وكانت عناصر السياسة المالية العامة التي أعلنها الخليفة قد قامت على الأسس العامة التالية:


تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.

عدم إخلال الجباية بالرعاية.

أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.

إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.

أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم.

تخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء.

تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.


الولاية والولايات


حينما تولى عثمان الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاماً كاملاً، بعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة. في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما يراه في مصلحة المسلمين، فقد ضم البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل. وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس، كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال. كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع، ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة. كان حريصاً على أن يتنافس الأمراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة. كان يشترط أحياناً بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين وقد كان من الولاة الذين تم تعييهم على ولايات الدولة الإسلامية:


الولايات في عهد عثمان بن عفان


القضاء


عندما تولى عثمان الخلافة كان على قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد. ويذكر البعض أن عثمان لم يترك للقضاة الاستقلال بالفصل في القضايا، كما كان الحال في عهد عمر، بل كان ينظر في الخصومات بنفسه، ويستشير هؤلاء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به، فإن وافق رأيهم رأيَه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في الأمر بعد ذلك. وهذا يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثلاثة في المدينة من ولاية القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع استشارة آخرين، ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد الإعفاء، ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.


تذكر بعض الكتب أن من مآثر ذي النورين اتخاذه داراً للقضاء، وقد جاء ذلك في رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار القضاء إلى آخر الحديث، فإذا صح فيكون عثمان هو أول من اتخذ دارا للقضاء في الإسلام، لأن من سبقه كان يتخذ المسجد كمكان للقضاء. وكان قد ترك أحكاماً فقهية في مجال القصاص والجنايات والحدود والتعزير والعبادات والمعاملات.


أشهر القضاة في خلافة عثمان


زيد بن ثابت - المدينة.

أبو الدرداء الأنصاري - دمشق.

كعب بن سور الأزدي - البصرة.

أبو موسى الأشعري - البصرة، (بالإضافة إلى ولايته).

شريح القاضي - الكوفة.

يعلى بن أمية - اليمن.

ثمامة - صنعاء.

عثمان بن قيس بن أبي العاص - مصر.


جمع القرآن


في عهده انتشر الإسلام في بلاد كبيرة وتفرق الصحابة مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة وانتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من اختلاف كتابة القرآن وتغير لهجته، فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب.


عن أنس بن مالك: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق».


جمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم عدد من أعلام وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب. وعرض عثمان هذه المسألة وناقشهم فيها فأجابوه إلى رأيه، وظهر للناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يعرف يومئذ لهم مخالف.



مصحف عثمان أو المصحف الإمام، أقدم المصاحف الباقية.


قال ابن التين: «الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته. لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض، فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر في سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءاته بلغة غيرهم، دفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة».


لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسله إلى الآفاق، وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في الأمصار، فقيل: إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء، وقيل إنها خمسة، وقيل إنها ستة، وقيل إنها سبعة، وقيل إنها ثمانية. وأما كونها ثمانية، فإن الثامن كان لعثمان يقرأ فيه، وهو الذي قتل وهو بين يديه



الفتوحات في عهد عثمان بن عفان


في خلافة عثمان فتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فقد فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.


بعد مقتل عمر بن الخطاب تشجع أعداء الإسلام وخصوصا في بلاد الفرس والروم إلى العمل على استرداد السيطرة في تلك البلاد، فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمة سمرقند، وأما زعماء الروم فقد تركوا بلاد الشام وانتقلوا إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية، وبدؤوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم. وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد عمر بن الخطاب، فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها، وكانت معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها، وكان هرقل قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم؛ لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير. وفي عصر عثمان تجمع الروم في الإسكندرية، ونقضوا الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية.


كانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام.


الفتوحات في المشرق


فتوحات أهل الكوفة


كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيجان، وكان يرابط بها عشرة آلاف مقاتل؛ ستة آلاف بأذربيجان، وأربعة آلاف بالري، وكان جيش الكوفة العامل أربعين ألف مقاتل، يغزو كل عام منهم عشرة آلاف. ولما أخلص عثمان الكوفة للوليد بن عقبة انتفض أهل أذربيجان، فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر، وثاروا على واليهم عتبة بن فرقد السلمي، فأمر عثمان الوليد بن عقبة أن يغزوهم، فأسرع إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة، فأجابهم الوليد وأخذ طاعتهم، وبث فيمن حولهم السرايا وشن عليهم الغارات، فبعث عبد الله بن شبيل الأحمسي في أربعة آلاف إلى أهل موقان والببر الطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم وسبي، ولكنهم تحرزوا منه فلم يفلّ حدَّهم، ثم جهز سلمان بن ربيعة الباهلي في اثني عشر ألفا إلى أرمينية فأخضعها وعاد منها مليء اليدين بالغنائم، وانصرف الوليد بعد ذلك عائداً إلى الكوفة. ولكن أهل أذربيجان تمردوا أكثر من مرة، فكتب الأشعث بن قيس والي أذربيجان إلى الوليد بن عقبة فأمده بجيش من أهل الكوفة، وتتبع الأشعث الثائرين وهزمهم هزيمة منكرة، فطلبوا الصلح فصالحهم على صلحهم الأول، وخاف الأشعث أن يعيدوا الكَرَّة فوضع حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان، وأمرهم بدعوة الناس إلى الإسلام. ولما تولى أمرهم سعيد بن العاص عاد أهل أذربيجان وتمردوا على الوالي الجديد، فبعث إليه جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم وقتل رئيسهم، ثم استقرت الأمور بعد أن أسلم أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم. وأما الري فقد صدر أمر الخليفة عثمان إلى أبي موسى الأشعري وفي وقت ولايته على الكوفة، وأمره بتوجيه جيش إليها لتمردها، فأرسل إليها قريظة بن كعب الأنصاري فأعاد فتحها.


عندما انتهى الوليد بن عقبة من مهمته في أذربيجان وعاد إلى الموصل جاءه أمر من الخليفة عثمان نصه: «أما بعد، فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إليَّ يخبرني أن الروم قد أجلبت (تجمعت للحرب) على المسلمين بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي، والسلام» فقام الوليد في الناس، فخطب فيهم حتى خرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا وأهل الشام إلى أرض الروم، وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري، وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي، فشنوا الغارات على أرض الروم، فأصاب الناس ما شاؤوا من سبي، وملؤوا أيديهم من المغنم، وافتتحوا بها حصونا كثيرة.


غزوة سعيد بن العاص طبرستان


ذهب سعيد بن العاص من الكوفة غازياً سنة 30 هـ يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله، ومعه الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وخرج عبد الله بن عامر من البصرة يريد خراسان، فسبق سعيداً ونزل أبرشهر، وبلغ نزوله أبرشهر سعيداً، فنزل سعيد قوميس، وهي صلح، صالحهم حذيفة بعد نهاوند، فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف، ثم أتى طميسة، وهي كلها من طبرستان جرجان، وهي مدينة على ساحل البحر، وهي في تخوم جرجان، فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف، فقال لحذيفة: كيف صلى رسول الله؟ فأخبره فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون، وضرب يومئذ

سعيد رجلاً من المشركين على حبل عاتقه، فخرج السيف من تحت مرفقه، وحاصرهم، فسألوا الأمان فأعطاهم على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً، ففتحوا

الحصن، فقتلهم جميعا إلا رجلاً واحداً، وحوى ما كان في الحصن، فأصاب رجل من بني نهد سفطاً عليه قفل، فظن فيه جواهر، وبلغ سعيداً، فبعث إلى النهدي فأتاه بالسفط فكسروا قفله، فوجدوا فيه سفطاً ففتحوه فإذا فيه خرقة صفراء وفيها أيران: كميت وورد.



فتوحات عبد الله بن عامر


في سنة 31 هـ وصل عبد الله بن عامر إلى خراسان ففتح أبرشهر وطوس وبيورد ونسا حتى بلغ سرخس، وقام بمصالحة أهل مرو. وقد جاء في رواية بأنه فتح فارس ورجع إلى البصرة، واستعمل على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي، فبنى شريك مسجد إصطخر، فدخل على ابن عامر رجل من بني تميم فقال له: «إن عدوك منك هارب، وهو لك هائب، والبلاد واسعة، فسِرْ فإن الله ناصرك ومعز دينه»، فتجهز ابن عامر، وأمر الناس بالمسير، واستخلف على البصرة زياداً، وسار إلى كرمان، ثم أخذ إلى خراسان؛ قيل أنه أخذ طريق أصبهان، ثم سار إلى خراسان، واستعمل على كرمان مجاشع بن مسعود السلمي، وأخذ ابن عامر على مفازة وابَر، وهي ثمانون فرسخاً، ثم سار إلى الطَّبَسين يريد أبرشهر (نيسابور)، وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فأخذ إلى قُهستان، وخرج إلى أبرشهر فلقيه الهياطلة، فقاتلهم الأحنف فهزمهم، ثم أتى ابن عامر نيسابور. وفي رواية أن ابن عامر نزل على أبرشهر فغلب على نصفها ولكنه لم يقدر أن يصل إلى مرو، فصالح كناري، فأعطاه ابنه أبا الصلت ابن كناري وابن أخيه سليمًا رهنًا. ووجه عبد الله بن خازم إلى هراة، وحاتم بن النعمان إلى مرو، وأخذ ابن عامر ابني كناري، فصار إلى النعمان بن الأفقم النصري فأعتقهما، وفتح ابن عامر ما حول مدينة أبرشهر، كطوس وبيورد، ونسا وحمران، حتى وصل إلى سرخس، وسرح ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي إلى ببهق وهو من أبرشهر، بينها وبين أبرشهر ستة عشر فرسخاً، ففتحها وقتل الأسود بن كلثوم، وكان فاضلاً في دينه، وكان من أصحاب عامر بن عبد الله العنبري. وكان عامر يقول بعدما أخرج من البصرة: «ما آسى من العراق على شيء إلا على ظماء الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان مثل الأسود بن كلثوم». واستطاع ابن عامر أن يتغلب على نيسابور، وخرج إلى سرخس، فأرسل إلى أهل مرو يطلب الصلح، فبعث إليهم حاتم بن النعمان الباهلي، فصالح براز مرزبان مرو على ألفي ألف ومائتي ألف.


الفتوحات في الشام


فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري


بعد أن قام الروم على المسلمين أول خلافة عثمان، وكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة بالكوفة أن يمد إخوانه بالشام، فأمدهم بثمانية آلاف عليهم سلمان ابن ربيعة الباهلي، فانتصر المسلمون. وكان الروم والترك قد تجمعوا لملاقاة المسلمين الذين غزوا أرمينية، وكان على المسلمين حبيب بن مسلمة، فرأى أن يباغت قائدهم الموريان ليلاً، فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد ال***ية، فقالت: «فأين موعدك؟» قال: «سرادق الموريان أو الجنة». ثم باغتهم فغلبهم، وأتى سرادق الموريان فوجد أن امرأته قد سبقته إليه. وواصل حبيب جهاده وانتصاراته المتوالية في أراضي أرمينية وأذربيجان، ففتحها. لقد كان حبيب بن مسلمة الفهري من أبرز القادة الذين حاربوا في أرمينية البيزنطية. كما غزا ما يلى ثغور الجزيرة العراقية من أرض الروم فافتتح عدة حصون هناك، مثل شمشاط وملطية وغيرهما، وفي سنة 25 هـ غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون التي بين أنطاكية وطرسوس خالية، فجعل عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة، وواصل قائده قيس بن الحر العبسي الغزو في الصيف التالي، ولما انتهى هدم بعض الحصون القريبة من أنطاكية كي لا يستفيد منها الروم.


الغزو البحري


تعود فكرة الغزو البحري إلى عهد عمر بن الخطاب حين ألحّ معاوية بن أبي سفيان على عمر في غزو البحر، ويصف له قرب الروم من حمص ويقول: «إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم»، ففكر عمر في ذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص: «صف لي البحر وراكبه، فإن نفسي تنازعني إليه»، فكتب إليه عمرو: «إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير، إن ركن خرق القلب، وإن تحرك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، هم كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق»، فلما قرأ عمر بن الخطاب ذلك، كتب إلى معاوية: «لا والذي بعث محمداً بالحق، لا أحمل فيه مسلماً أبداً، وتالله لمسلم أحب إليَّ مما حوت الروم، فإياك أن تعرض لي، وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقى العلاء مني، ولم أتقدم إليه في ذلك». ولكن معاوية طرح الأمر ثانية بعد تولي عثمان الخلافة، فرد عليه عثمان قائلا: «إني قد شهدت ما رد عليك عمر حين استأذنته في غزو البحر»، ثم كتب إليه معاوية مرة أخرى يهون عليه ركوب البحر إلى قبرص فكتب إليه: «فإن ركبت معك امرأتك فاركبه مأذونا وإلا فلا». واشترط عليه الخليفة عثمان بقوله: «لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم، خيرهم فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه». فلما قرأ معاوية ذلك، كتب لأهل السواحل يأمرهم بإصلاح المراكب وتقريبها إلى ساحل حصن عكا، حيث رممه ليكون ركوب المسلمين منه إلى قبرص


غزوة قبرص


بعد نهاية شتاء سنة 28 هـ الموافق 649 م، أعد معاوية المراكب اللازمة لحمل الجيش، واتخذ ميناء عكا مكاناً للانطلاق، وكانت المراكب كثيرة وحمل معه زوجته فاختة بنت قرظة، كذلك حمل عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان معه في تلك الغزوة. ورغم أن معاوية لم يجبر الناس على الخروج، فقد خرج معه جيش كبير. وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء عكا متوجهين إلى قبرص، ونزلوا إلى الساحل، تقدمت أم حرام لتركب دابتها، فنفرت الدابة وألقت أم حرام على الأرض فاندقت عنقها فماتت. ودفنت هناك، وعرف قبرها بقبر المرأة الصالحة. واجتمع معاوية بأصحابه وكان فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وواثلة بن الأسقع، وعبد الله بن بشر المازني، وشداد بن أوس بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وكعب الحبر بن ماتع، وجبير بن نفير الحضرمي، وتشاوروا فيما بينهم وأرسلوا إلى أهل قبرص يخبرونهم أنهم لم يغزوهم للاستيلاء على جزيرتهم، ولكن أرادوا دعوتهم للإسلام ثم تأمين حدود الدولة الإسلامية بالشام؛ وذلك لأن البيزنطيين كانوا يتخذون من قبرص محطة يستريحون فيها إذا غزوا ويتموَّنون منها إذا قل زادهم، فكانت بلداً مهمة لإخضاعها تحت سيطرة المسلمين، ولكن سكان الجزيرة لم يستسلموا، بل تحصنوا في العاصمة ولم يخرجوا لمواجهة المسلمين.


تقدم المسلمون إلى قسطنطينا عاصمة قبرص وحاصروها، وما هي إلا ساعات حتى طلب الناس الصلح، وأجابهم المسلمون لذلك، وقدموا شروطًا للمسلمين، كما اشترط عليهم المسلمون شروطاً. أما شرط أهل قبرص كانت في طلبهم ألا يشترط عليهم المسلمون شروطا تورطهم مع الروم؛ لأنه ليست لهم قدرة بهم، وأما شروط المسلمين فكانت، ألا يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون، وأن يدلوا المسلمين على تحركات عدوهم من الروم، وأن يدفعوا للمسلمين سبعة آلاف ومائتي دينار في كل عام، وألا يساعدوا الروم إذا حاولوا غزو بلاد المسلمين، وألا يطلعوهم على أسرارهم.


الفتوحات في الجبهة المصرية


ردع التمرد في الإسكندرية


عندما خرجت الإسكندرية من سيطرة الروم، عملوا على تحريض من بالإسكندرية من الروم على التمرد والخروج على سلطان المسلمين، وصادف هذا التحريض رغبة عند سكانها فاستجابوا للدعوة، وكتبوا إلى قسطنطين بن هرقل يخبرونه بقلة عدد المسلمين ويصفون له ما يعيش فيه الروم بالإسكندرية من الذل والهوان. وكان عثمان قد عزل عمرو بن العاص عن مصر، وولى مكانه عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وفي أثناء ذلك وصل منويل الخصي قائد قوات الروم إلى الإسكندرية، ومعه قوات يحملهم في ثلاثمائة مركب مشحونة بالسلاح والعتاد. علم أهل مصر بأن قوات الروم قد وصلت إلى الإسكندرية، فكتبوا إلى عثمان يطلبون إعادة عمرو بن العاص ليواجههم، فاستجاب الخليفة لطلب المصريين، وأبقى ابن العاص أميراً على مصر، ونهب منويل وجيشه الإسكندرية، ومن ثم خرج منويل بجيشه من الإسكندرية يقصد مصر السفلى دون أن يخرج إليهم عمرو أو يقاومهم أحد، وتخوف بعض أصحابه، أما عمرو فقد رأى أن يتركهم يقصدونه، وحدد عمرو سياسته هذه بقوله: «دعهم يسيروا إليَّ، فإنهم يصيبون من مروا به، فيخزي بعضهم ببعض». وأمعن الروم في إفسادهم ونهبهم وسلبهم، وضج المصريون من فعالهم، وأخذوا يتطلعون إلى من يخلصهم منهم.


وصل منويل إلى نقيوس، واستعد عمرو للقائه، تقابل الجيشان عند حصن نقيوس على شاطئ نهر النيل، في أثناء المعركة أصاب فرسه سهم فقتله، فترجل عمرو وانضم إلى صفوف المشاة، ورآه المسلمون فأقبلوا على الحرب. وخرج المصريون بعد أن رأوا هزيمة الروم يصلحون للمسلمين ما أفسده العدو الهارب من الطرق، ويقيمون لهم ما دمره من الجسور، وأظهر المصريون فرحتهم بانتصار المسلمين على العدو الذي انتهك حرماتهم واعتدى على أموالهم وممتلكاتهم، وقدموا للمسلمين ما ينقصهم من السلاح والمؤونة.


لما وصل عمرو الإسكندرية ضرب عليهم الحصار ونصب عليها المجانيق فضرب أسوار الإسكندرية حتى سيطروا عليها، ودخل المسلمون الإسكندرية، وكان منويل في عداد القتلى. ولما فرغ المسلمون أمر عمرو ببناء مسجد في المكان الذي أوقف فيه القتال وسماه مسجد الرحمة. فرجع إليها من كان قد فر منها، وعاد بنيامين بطريرك القبط إلى الإسكندرية بعد أن فر مع الفارين، وأخذ يرجو عمرو ألا يسيء معاملة القبط لأنهم لم ينقضوا عهدهم ولم يتخلوا عن واجبهم، ورجاه كذلك ألا يعقد صلحا مع الروم، وأن يدفنه إذا مات في كنيسة يحنس. وشكر المصريون عمرو على تخليصهم من ظلم الروم، وطالبوه بإعادة ما نهب من أموالهم ودوابهم من قبل الروم، معلنين ولاءهم وطاعتهم، فقالوا: «إن الروم قد أخذوا دوابنا وأموالنا ولم نخالف نحن عليكم وكنا على الطاعة»، فطلب منهم عمرو أن يقيموا البينة على ما ادعوا، ومن أقام بينة وعرف من له بعينه رده عليه، وهدم عمرو سور الإسكندرية، وكان ذلك في سنة 25 هـ. كان شرقي الإسكندرية في قبضة المسلمين وكذلك جنوبها، وأما غربيها فقد أمنه عمرو بن العاص بفتح برقة وزويلة وطرابلس الغرب، وصالح أهل تلك البلاد على الجزية، وأما شمالها فكان في قبضة الروم.


فتح بلاد النوبة


كانت البداية في عهد عمر بن الخطاب حيث أذن لعمرو بن العاص بفتح بلاد النوبة، فوجد حرباً لم يتدرب عليها المسلمون وهي الرمي بالنبال في أعين المحاربين حتى فقدوا مائة وخمسين عينا في أول معركة، ولهذا قبل الجيش الصلح، ولكن عمرو بن العاص رفض للوصول إلى شروط أفضل، وعندما تولى عبد الله بن أبي السرح ولاية مصر غزا النوبة في عام إحدى وثلاثين هجرية فقاتله الأساود من أهل النوبة قتالا شديدا، فأصيبت يومئذ عيون كثيرة من المسلمين، فقال شاعرهم:


لم تر عين مثل يوم دُمقلة والخيل تعدو بالدروع مثقلة

فسأل أهل النوبة عبد الله بن سعد المهادنة، فهادنهم هدنة بقيت إلى ستة قرون، وعقد لهم عقدا يضمن لهم استقلال بلادهم ويحقق للمسلمين الاطمئنان إلى حدودهم الجنوبية، ويفتح النوبة للتجارة والحصول على عدد من الرقيق في خدمة الدولة الإسلامية، وقد اختلط المسلمون بالنوبة والبجة، واعتنق كثير منهم الإسلام.


فتح إفريقية


في سنة 26 هـ الموافق 646 م عُزِل عمرو بن العاص عن ولاية مصر، واستعمل عليها عبد الله بن سعد، وكان عبد الله بن سعد يبعث جرائد الخيل كما كانوا يفعلون أيام عمرو بن العاص فيصيبون من أطراف إفريقية ويغنمون، وكانت جرائد الخيل تقصد إفريقية (تونس) تمهيداً لفتحها ومعرفة وضعها، فلما اجتمعت عند عبد الله بن سعد معلومات كافية عن إفريقية من ناحية مداخلها ومخارجها، وقوتها وعدادها، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، كتب إلى الخليفة عثمان بن عفان يخبره بذلك، يستأذن بفتحها. ولما استأذن عبد الله بن سعد الخليفة عثمان بن عفان في غزو إفريقية، جمع الصحابة واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بفتحها، إلا سعيد بن زيد، الذي خالفه متمسكا برأي عمر بن الخطاب في ألا يغزو إفريقية أحد من المسلمين، ولما أجمع الصحابة على ذلك دعا عثمان للجهاد، واستعدت المدينة (عاصمة الخلافة الإسلامية) للمتطوعين وتجهيزهم، وترحيلهم إلى مصر لغزو إفريفية تحت قيادة عبد الله بن سعد، وقد خرج في تلك الغزوة الحسن والحسين، وابن عباس وابن جعفر وغيرهم. وعندما بات الاستعداد تامًا خطب عثمان فيهم، ورغبهم في الجهاد، وقال لهم: لقد استعملت عليكم الحارث بن الحكم إلى أن تقدموا على عبد الله بن سعد فيكون الأمر إليه، وأستودعكم الله. وعندما وصل الجيش إلى مصر انضم إلى جيش عبد الله بن سعد، وتقدم من الفسطاط تحت قيادة عبد الله ذلك الجيش الذي يقدر بعشرين، وعندما وصلوا إلى برقة انضم إليهم عقبة بن نافع ومن معه من المسلمين. وأرسل عبد الله بن سعد الطلائع وقد رصدت مجموعات من السفن الحربية تابعة للإمبراطورية الرومانية، حيث كانت هذه السفن الحربية قد رست في ساحل ليبيا البحري بالقرب من مدينة طرابلس، وأصبح ما تحمله تلك السفن غنيمة للمسلمين، وقد أسروا أكثر من مائة من أصحابها، وتعتبر هذه أول غنيمة ذات قيمة أصابها المسلمون في طريقهم لفتح إفريقية. وواصل عبد الله بن سعد السير إلى إفريقية حتى وصل جيشه إلى مدينة سبيطلة، وهناك التقى جيش المسلمين بقيادة عبد الله ابن سعد وجيش جرجير حاكم إفريقية، وكان تعداد جيشه يبلغ حوالي مائة وعشرين ألفا، وكان قد عرض على جرجير الدخول في الإسلام، أو أن يدفع الجزية، ويبقى على دينه، ولكنه رفض، فنشبت المعركة بين الطرفين لعدة أيام، حتى وصل مدد بقيادة عبد الله بن الزبير. ولما رأى الروم ذلك أرسلوا إلى عبد الله بن سعد وطلبوا منه أن يرتحل بجيشه، وألا يعترضوه بشيء وذلك بعد أن وجهوا إليه ثلاثمائة قنطار من الذهب في بعض الروايات، وفي البعض الآخر مائة قنطار، جزية في كل سنة على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم وقبض المال، وكان في شرط صلحهم أن ما أصاب المسلمون قبل الصلح فهو لهم، وما أصابوه بعد الصلح رده عمر إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد: «إن أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن نترك غداً جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ونقاتل نحن الروم في باطن العسكر إلى أن يضجروا ويملوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون ونقصدهم على غرة، فلعل الله ينصرنا عليهم»، فأحضر جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوه على ذلك، فلما كان الغد فعل عبد الله ما اتفقوا عليه، وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم عندهم مسرجة، ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالاً شديداً، فلما أذن بالظهر همَّ الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم، فكل الطائفتين ألقى سلاحه ووقع تعباً، فعند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير من كان مستريحاً من المسلمين وقصد الروم فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وكبروا فلم يتمكن الروم من لبس سلاحهم حتى غشيهم المسلمون، وقام عبد الله بن الزبير بقتل جرجير، وانهزم الروم، وأخذت ابنة الملك جرجير سبية، ونازل عبد الله بن سعد المدينة وحاصرهم حتى فتحها، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وسهم الراجل ألف دينار.


معركة ذات الصواري


أصيب الروم بضربة حاسمة في إفريقية، وتعرضت سواحلهم للخطر بعد سيطرة الأسطول الإسلامي على سواحل المتوسط من ردوس حتى برقة، فجمع قسطنطين بن هرقل أسطولاً بناه الروم من قبل، فخرج بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر فيها لخسارته المتوالية في البر، فأذن عثمان بن عفان بصد العدوان، فأرسل معاوية مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة، واجتمع مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح في مراكب مصر، وكانت كلها تحت إمرته، ومجموعها مائتا سفينة.


طلب المسلمون من الروم: إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل حتى يكتب لأحدنا النصر، وإن شئتم فالبحر. قال مالك بن أوس: «فنخروا نخرة واحدة، وقالوا: بل الماء الماء»، وذلك لما يمتلكه الروم من خبرة في هذا الأمر وحداثة عهد المسلمين به.


فقال القائد المسلم لصحبه: «أشيروا عليَّ؟» فقالوا: «انتظر الليلة بنا لنرتب أمرنا ونختبر عدونا». وفي الصباح أراد قسطنطين أن يسرع في القتال، ولكن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لما فرغ من صلاته إماماً بالمسلمين للصبح، استشار رجال الرأي والمشورة عنده، فاتفق معهم على خطة، وذلك بأن يجعلوا المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر، حيث أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامست سفنهم سفن العدو، فنزل الفدائيون إلى الماء، وربطوا السفن الإسلامية بسفن الروم، ربطوها بحبال متينة، فصار 1200 سفينة في عرض البحر، وصفَّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلاوة القرآن، خصوصا سورة الأنفال؛ لما فيها من معاني الوحدة والثبات والصبر. وبدأ الروم القتال، وانقضوا على سفن المسلمين فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم، وصار القتال كيفما اتفق، وكان قاسياً على الطرفين، وسالت الدماء على الماء، فصار أحمر، وترامت الجثث في الماء، وتساقطت فيه، وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل، وقتل الكثير من الطرفين، حاول الروم أن يغرقوا سفينة عبد الله بن أبي السرح، كي يبقى جند المسلمين بدون قائد، فتقدمت من سفينته سفينة رومية، ألقت إلى عبد الله السلاسل لتسحبها وتنفرد بها، ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي أنقذ السفينة والقائد بأن ألقى بنفسه على السلاسل وقطعها بسيفه. وانتصر المسلمون، وكاد الأمير قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين لكنه تمكن من الفرار، فوصل جزيرة صقلية. وألقت به الريح هناك، فسأله أهله عن أمره فأخبرهم، فقالوا: «شمت النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل المسلمون لم نجد من يردهم» فقتلوه، وخلوا من كان معه من المراكب.



مقتل عثمان


كان عثمان قد ولي اثنتي عشرة سنة خليفة للمسلمين، وقد بدأت أحداث الفتنة في النصف الثاني من ولايته وهي التي أدت إلى استشهاده. ومن أسباب تلك الفتنة الرخاء في عهده وأثره في المجتمع، وطبيعة التحول الاجتماعي وظهور جيل جديد غير جيل الصحابة، بالإضافة إلى الشائعات، والعصبية الجاهلية، ومن أهم الأسباب خوض المنافقين حيث وجدوا من يستمع إليهم.


وفق معتقد أهل السنة أن المدبر الرئيسي للفتنة هو عبد الله بن سبأ الذي كان يهودياً وأظهر الإسلام في عهد عثمان. ومنهم من عمل على محاصرة عثمان بن عفان في داره وزوروا عليه كتاباً ورد فيه بأنه يريد قتلهم بعد أن أعطاهم الأمان على أنفسهم. وعندما اشتد أمر أهل الفتنة وتهديدهم للخليفة بالقتل تحرك الصحابة لردهم وقتالهم وهو ما رفضه عثمان وأمر بألا يرفع أحد السيف للدفاع عنه، وأن لا يُقتل أحد بسببه، فقد كان يعلم بأنهم لا يريدون أحد غيره، فكره أن يتوقى بالمؤمنين، وأحب أن يقيهم بنفسه، ولعلمه بأن هذه الفتنة فيها قتله، عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله محمد قال: «من نجا من ثلاث فقد نجا، ثلاث مرات، موتي، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه». عن ابن عمر قال: (ذكر رسول الله فتنة، فمر رجل، فقال: «يُقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوماً»، قال: فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان).


بينما تقول الرواية الشيعية أن أهل المدينة كانوا من الثائرين على عثمان، وبعضهم غير مناصر له، وأنهم كتبوا إلى الأمصار بالقدوم إلى المدينة وأنّ الجهاد فيها. ويرون بأن هناك من الصحابة من هم قد خرجوا على عثمان ولم ينصروه، فأرسل إلى معاوية بن أبي سفيان ليقاتلهم، ولكنه لم يبعث بجيش إلى نصرة الخليفة عثمان، وقد علّل ذلك بأنّه كره مخالفة أصحاب النبيّ. كما يرى الشيعة بأنه لا وجود لعبد الله بن سبأ.


هاجم المتمردون دار عثمان وأصيب ذلك اليوم أربعة من شبان قريش وقتل منهم أربعة، ثم هجموا على عثمان بن عفان فقتلوه، وهو يقرأ في المصحف فانتضح الدم على قوله تعالى: ï´؟فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُï´¾ (سورة البقرة، الآية: 137).


وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ، وعمره اثنتان وثمانون سنة، ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في حش كوكب الذي كان قد اشتراه ووسع به البقيع.


استشهد في أوسط أيام التشريق (12 ذي الحجة) لصحة نقله عن أبي عثمان النهدي، المعاصر للحادثة. وما سواه من أقوال لم يصح إسناد شيء منها، وكل ما جاء به من أسانيد فهي ضعيفة، وبعض منها صدر ممن لم يعاصر الحادثة.


زوجات عثمان وذريته



كان لدى عثمان بن عفان ثمان زوجات، أنجبن له ستة عشر من الأولاد، تسعة منهم ذكور وسبع إناث


زوجاته قبل إسلامه


أم عمرو بنت جندب الدوسية، أنجبت منه: عمرو وخالد وأبان وعمر ومريم.

فاطمة بنت الوليد المخزومية القرشية، أنجبت منه: الوليد وسعيد وأم سعيد. عمرو كان أكبر أبناء عثمان وفي فترة ما قبل الإسلام كان يعرف عثمان بأبي عمر


بعد إسلامه


رقية بنت محمد الهاشمية القرشية ابنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أنجبت له: عبد الله بن عثمان، ولكنه توفي مبكراً، وكان عثمان يسمى بأبي عبد الله بعد إسلامه.


أم كلثوم بنت محمد الهاشمية القرشية ثاني بنات الرسول، ولم تنجب لعثمان، تزوجها بعد وفاة رقية.


فاختة بنت غزوان بن جابر المازنية، تزوجها بعد وفاة أم كلثوم، أنجبت له عبد الله بن عثمان الأصغر، وقد توفي صغير السن.


أم البنين بنت عُيينة بن حصن بن حذيفة الفزارية الغطفانية، تزوجها بعد وفاة أم كلثوم، أنجبت له عبد الملك بن عثمان، وقد مات صغيراً.


رملة بنت شيبة بن ربيعة العبشمية القرشية، أنجبت له عائشة وأم أبان وأم عمرو بنت عثمان.


نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص ال***ية، أنجبت له: ابنته مريم كما قال ابن الجوزي وابن سعد، وقال آخرون أن مريم ليست ابنتها. قال ابن الجوزي: ومريم أمها نائلة بنت الفرافصة


ذريته


أبناؤه


عبد الله: ولد قبل الهجرة بعامين، وأمه رقية بنت رسول الله محمد، مات في السنة الرابعة للهجرة، وكان عمره ست سنوات.

عبد الله الأصغر: أمه فاختة بنت غزوان.

عمرو: وأمه أم عمرو بنت جندب، توفي سنة ثمانين للهجرة.

خالد: وأمه أم عمرو بنت جندب.

أبان: وأمه أم عمرو بنت جندب كان إمامًا في الفقه يكنى أبا سعيد، تولى إمارة المدينة سبع سنين في عهد عبد الملك بن مروان، توفي سنة 105 هـ.

عمر: وأمه أم عمرو بنت جندب.

الوليد: وأمه فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومية.

سعيد: وأمه فاطمة بنت الوليد المخزومية، تولى أمر خراسان عام 56 هـ، في عهد معاوية بن أبي سفيان.

عبد الملك: وأمه أم البنين بنت عينية بن حصن، ومات صغيرًا.


بناته


هن سبع بنات من خمس زوجات، منهن:


مريم: وأمها أم عمرو بنت جندب.

أم سعيد: وأمها فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس المخزومية.

عائشة: وأمها رملة بنت شيبة بن ربيعة.

مريم: وأمها نائلة بنت الفرافصة.

أم البنين: وأمها أم ولد.


الآراء والمواقف حول عثمان



نظرة أهل السنة والجماعة


يُعدّ عُثمان بن عفّان أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، حيث يرون أنه من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأن رسول الله ما زوجه ابنتيه إلا لحبه له، حيث زوجه ابنته رقية، وهاجر الهجرتين وهي معه، وما تخلّف عن بدر إلا لمرضها، وبعد وفاتها زوّجه النّبيّ أم كلثوم وبذلك يسمى «ذو النورين». وهم يقرون بصحة خلافته كما بصحة خلافة باقي الخلفاء الراشدين، ويرون بأنه جامع القرآن، كما أنه قد بذل ماله في خدمة الإسلام والمسلمين، وأنه ذو الحلم التام الذي لم يدركه غيره وصاحب الحياء الإيماني الذي قال فيه رسول الله: «وأصدقهم حياء عثمان».


وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل عثمان ومكانته وصفاته، منها:


روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: « كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي: " افتح له وبشره بالجنة " ففتحت له فإذا هو أبو بكر، فبشرته بما قال رسول الله، فحمد الله. ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي: " افتح له وبشره بالجنة " ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال رسول الله، فحمد الله. ثم جاء رجل فاستفتح، فقال لي: " افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه "، فإذا عثمان. فأخبرته بما قال رسول الله، فحمد الله ثم قال: الله المستعان».

عن أنس بن مالك قال: «صعد النبي أُحُداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف، فقال: " اسكن أحد - أظنه ضربه برجله - فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان "».

عن أبي هريرة قال: «أن رسول الله كان على حراء، وأبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: " إهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد "».

عن أنس بن مالك قال: «أرحم أمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياءً عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أُبَيْ وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح "».

عن ابن عمر قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمر رجل، فقال: " يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما "، قال: فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان».

عن كعب بن عجرة، قال: «ذكر فتنة، فقربها فمر رجل مقنع رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا يومئذ على الهدى "، فوثبت فأخذت بضبعي عثمان، ثم استقبلت رسول الله فقلت: هذا؟ قال: " هذا "».

عن مرة البهزي قال: {{اقتباس مضمن|كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال - بهز من رواة الحديث - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق ". قال: فذهبت فأخذت بمجامع ثوبه، فإذا هو عثمان بن عفان.

عن أبي الأشعث قال: «قامت خطبة بإيلياء في إمارة معاوية فتكلموا، وكان آخر من تكلم مرة بن كعب فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة فقربها فمر رجل مقنع فقال: " هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى "، فقلت هذا يا رسول الله؟ وأقبلت بوجهه إليه فقال: " هذا "، فإذا هو عثمان».


نظرة الشيعة الاثنا عشريَّة


يرى الشيعة بأن الأحقية بالخلافة لعلي بن أبي طالب، وأن الصحابة حابوا في أمر المسلمين، وأن عليّاً لم يرض بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة، وأنه ما قدم عثمان إلا لكونه صهره. كما أنهم يرون بأن هنالك محاباة من قِبله في تعيين أقاربه وسيطرتهم على أزِمَّة الحكم في عهده كما يرون بأنه قام بالإسراف في بيت المال وإعطاء أكثره لأقاربه. ويرون بأن عبد الله بن سبأ ما هو إلا شخصية خيالية ليس لها وجود، بينما يرى أهل السنة والجماعة بأن له الأثر الكبير في إشعال الفتنة التي أدَّت لمقتل عثمان.


نظرة الشيعة الزيدية


يؤمنُ الزيديَّة "بإمامة المفضول مع وجود الأفضل"، فهم يقرّون بصحَّة خِلافة أبي بكر وعُمر وعُثمان ولا يسبّونهم ولا يتبرؤون منهم، وفي هذا يتفقون مع موقف السُنَّة، لكنهم يعتقدون بأنَّ عليًّا أحق منهم في الخِلافة،

وبهذا يتفقون مع الإثني عشرية.


نظرة الدُروز


يقول الدروز أنَّ الله أعلم ما إذا كان عُمر وأبو بكر وعُثمان هم أحق بالخلافة من عليّ أم العكس، وأنَّ العُمر محتوم حسب ما جاء في القرآن: ï´؟وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَاï´¾، وبما أنَّ أبا بكر وعُمر وعُثمان توفوا في حياة عليّ فلو وُليَ عليٌّ الخِلافة بعد النبيّ مُحمَّد لكان أبو بكر وعُمر وعُثمان توفوا في حياته، ولم يتسنَّ لهم تأدية رسالتهم إلى الأمَّة الإسلاميَّة، وما كان الإسلام قد وصل إلى ما هو فيه، لذلك قضت مشيئة الله أن يكونوا قبله. وهم يُفضلون الخُلفاء الأربعة حسب ترتيبهم بالخِلافة، ولكن في ذات الوقت لا يُفضلونهم في المنزلة، بل يعتقدون أنَّ عليًّا أعلى منهم.

عطر الزنبق
06-14-2021, 06:07 PM
الشخصية الاسلامية الثالثة



https://h.top4top.io/p_1931pl7g81.png





https://i.top4top.io/p_1931uf0lr2.png


أبو عَبدِ اللهِ عُثمَانُ بْنُ عفَّانَ الأُمَوِيُّ القُرَشِيُّ (47 ق.هـ - 35 هـ / 576 - 656م) ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام. يكنى ذا النورين لأنه تزوج اثنتين من بنات نبي الإسلام محمد، حيث تزوج من رقية ثم بعد وفاتها تزوج من أم كلثوم.


كان عثمان أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام ثم تبعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة. ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة. وكان رسول اللَّه يثق به ويحبه ويكرمه لحيائه وأخلاقه وحسن عشرته وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين والذين آمنوا بالله، وبشّره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة، وأخبره بأنه سيموت شهيداً.


بويع عثمان بالخلافة بعد الشورى التي تمت بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ (644 م)، وقد استمرت خلافته نحو اثني عشر عاماً. تم في عهده جمع القرآن وعمل توسعة للمسجد الحرام وكذلك المسجد النبوي، وفتحت في عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فمن البلدان التي فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.


في النصف الثاني من خلافة عثمان التي استمرت لمدة اثنتي عشرة سنة، ظهرت أحداث الفتنة التي أدت إلى اغتياله. وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 12 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ، وعمره اثنتان وثمانون سنة، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة.


نسبه


هو: «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». يلتقي نسبه بنسب الرسول محمد في عبد مناف.

أمه: «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». وهي ابنة عمة النبي محمد، فأمها هي البيضاء بنت عبدالمطلب


نشأته


ولد عثمان بن عفان في الطائف وقيل في مكة سنة 576 م بعد عام الفيل بست سنين. وهو من بطن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهم من كبار سادات قريش، وأبوه عفان ابن عم أبي سفيان بن حرب. أنجبته أمه أروى بنت كريز وأنجبت كذلك شقيقته آمنة بنت عفان، وبعد وفاة والده عفان، تزوجت أمه من عقبة بن أبي معيط الأموي القرشي وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنت، هم الوليد بن عقبة وخالد بن عقبة وعمارة بن عقبة وأم كلثوم بنت عقبة فهم إخوة عثمان لأمه. وقد أسلمت أم عثمان وماتت في خلافته، وكان أحد اللذين حملوها إلى قبرها، وأما أبوه فمات في الجاهلية.


كان عثمان غنياً شريفاً في الجاهلية، ومن أحكم قريش عقلاً وأفضلهم رأياً، كما كان محبوباً من قبلهم. وهو لم يسجد لأي صنم طوال حياته، كما أنه لم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام. كما أنه قد كان على علم بمعارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام، وقد رحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقواماً غير العرب فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره من قومه. واهتم بالتجارة التي ورثها عن والده، ونمت ثرواته، وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها، فكان كريماً جواداً وكان من كبار الأثرياء وقد نال مكانة مرموقة في قومه، ومحبة كبيرة. وقد كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما جاء له عبد الله من رقية بنت النبي محمد، كناه المسلمون أبا عبد الله. وكان عثمان يلقب بذي النورين لزواجه من رقية ومن ثم أم كلثوم بنتي النبي محمد.



صفاته


كان عثمان جميلاً ليس بالقصير ولا بالطويل، أسمر رقيق البشرة، كبير اللحية، كثير الشعر، عظيم الكراديس (جمع كردوس، وهو كل عظمين التقيا في مفصل)، عظيم ما بين المنكبين، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه، جذل الساقين، طويل الذراعين، شعره قد كسا ذراعيه. أقنى (بيِّن القنا)، بوجهه نكتات جدري، يصفِّر لحيته ويشد أسنانه بالذهب.


وقال الزهري: «كان عثمان رجلا مربوعا، حسن الشعر، حسن الوجه، أصلع، أروح الرجلين (منفرج ما بينهما)، وأقنى (طويل الأنف مع دقة أرنبته، وحدب في وسطه)، خدل الساقين (ضخم الساقين)، طويل الذراعين، قد كسا ذراعيه جعد الشعر، أحسن الناس ثغرا، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه. والراجح أنه أبيض اللون، وقد قيل:أسمر اللون.»


كان رجال قريش يأتونه ويألفونه للعديد من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار. كما أنه لم يكن يوقظ نائمًا من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر، ويلي وضوء الليل بنفسه. وقد كان ليَّن العريكة، كثير الإحسان والحلم.


أما ما جاء في لباسه فقد رئي وهو على بغلة عليه ثوبان أصفران له غديرتان، ورئي وهو يبني الزوراء (الزوراء: دار عثمان بالمدينة). على بغلة شهباء مصفِّرًا لحيته، وخطب وعليه خميصة (وهي كساء أسود له علمان). سوداء وهو مخضوب بحناء، ولبس ملاءة صفراء وثوبين ممصرين، وبردًا يمانيًا ثمنه مائة درهم، وتختم في اليسار، وكان ينام في المسجد متوسدًا رداءه.


إسلامه


أسلم عثمان بن عفان حينما كان في الرابعة والثلاثين من عمره، حين دعاه أبو بكر الصديق إلى الإسلام قائلاً له: «ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟ فقال: بلى واللَّه إنها كذلك. قال أبو بكر: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه؟ فقال: نعم». وفي الحال مرَّ رسول اللَّه فقال: «يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه». قال: «فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله».» فكان بذلك من السابقين الأولين وقبل دخول محمد بن عبد الله دار الأرقم، حتى قال أبو إسحاق: «كان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة عثمان». فهو رابع من أسلم من الرجال. وكان عثمان قد حدث له موقف عند عودته من الشام، وقد قصه على النبي محمد حينما دخل عليه هو وطلحة بن عبيد الله، فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن، وأنبأهما بحقوق الإسلام ووعدهما الكرامة من الله فآمنا وصدقا، فقال عثمان: «يا رسول الله، قدمت حديثا من الشام، فلما كنا بين معان والزرقاء فنحن كالنيام فإذا منادٍ ينادينا: أيها النيام هبوا، فإن أحمد قد خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك.»


زواجه من رقية


كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد زوج رقية من عتبة بن أبي لهب، وزوج أختها أم كلثوم من عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت سورة المسد تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ Aya-2.png سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (سورة المسد، آية: 1 - 5). قال لهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية فارقا ابنتي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما.



في السنة الخامسة للبعثة هاجرت أول دفعة من المسلمين، وكانوا اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، وكان رئيسهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية، وقد خرجوا قاصدين ميناء الشعيبة، فاستقلوا سفينتين حتى وصلوا إلى الحبشة.

حينما سمع عثمان بخبر طلاق رقية بادر إلى خطبة رقية من رسول الله عليه الصلاة والسلام فزوجها منه، وزفّتها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فكان يقال لها حين زفت إليه: «أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وزوجها عثمان».


وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي: «أن رسول الله دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان، فقال: «يا بنية أحسني إلى أبي عبد الله، فإنه أشبه أصحابي بي خُلُقًا»


هجرته إلى الحبشة


كان الصحابة قد قابلوا أنواع التعذيب من قبل كفار قريش، وكان من ضمنهم عثمان إذ عُذب من قِبل عمه الحكم ابن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه رباطاً وقال: «أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلُّك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين»، فقال عثمان: «والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه». فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه. ولكن الأذى اشتد بالمسلمين جميعاً، واشتد الأمر حين قتل ياسر وزوجته سمية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: «لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا صَالِحَاً لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ.» وبدأت الهجرة فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل البحر الأحمر، ثم أمَّروا عليهم عثمان بن مظعون، ووجدوا سفينتين، فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم، وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا. وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما امرأته رقية بنت رسول الله، وكان وصولهم للحبشة في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة، فوجدوا الأمن والأمان وحرية العبادة، وقد تحدث القرآن عن هجرة المسلمين الأوائل إلى أرض الحبشة، قال تعالى: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (سورة النحل، آية: 41). وقد نقل القرطبي قول قتادة: «المراد أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين». وقال تعالى:قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (سورة الزمر، آية:10) . قال ابن عباس: «يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة».


ولما أشيع أن أهل مكة قد أسلموا، وبلغ ذلك مهاجري الحبشة أقبلوا، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فدخلوا في جوار بعض أهل مكة، وكان ممن رجع إلى مكة عثمان بن عفان وزوجته رقية، واستقر المقام به فيها حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة.


عثمان بن عفان في العهد النبوي


عثمان وغزوة بدر


لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان رقية بنت رسول الله مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش، في الوقت الذي دعا فيه رسول الله للخروج لملاقاة القافلة، وسارع عثمان للخروج مع رسول الله، إلا أنه تلقى أمرًا بالبقاء إلى جانب زوجته رقية لتمريضها، وامتثل لهذا الأمر وبقي إلى جوارها، إلى أن توفيت. وجهزت رقية ثم حمل جثمانها ودفنت في البقيع، وفيما هم عائدون إذ بزيد بن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله يبشر بسلامة الرسول محمد وقتل المشركين وأسر من تبقى منهم. وبعد عودة الرسول محمد علم بوفاة ابنته رقية، فخرج إلى البقيع ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران. وقد ضرب النبي محمد لعثمان بسهمه فاعتبره بذلك مشاركاً لهم في الغنيمة والفضل والأجر. وقد عُد عثمان من البدريين بالاتفاق.


وعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: «جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله فمرضت، فقال له رسول الله: «لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه».»


وعن أبي وائل، عن عثمان بن عفان أنه قال: «أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله، وقد ضرب رسول الله لي فيها بسهم. وقال زائدة في حديثه: ومن ضرب له رسول الله فيها بسهم فقد شهد


بيعة الرضوان


لما نزل النبي محمد الحديبية في العام السادس للهجرة، رأى أنه من الضروري إرسال مبعوث إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة في القتال، وحرصه على احترام المقدسات، ومن ثم أداء مناسك العمرة، والعودة إلى المدينة، فوقع الاختيار على أن يكون المبعوث إلى قريش خراش بن أمية الخزاعي، فلما دخل مكة أرادت قريش قتله فمنعهم الأحابيش، فلما عاد أخبر الرسول بما صنعت قريش، فأراد رسول الله أن يرسل سفيرا آخر فوقع الاختيار في بداية الأمر على عمر بن الخطاب، فاعتذر عن الذهاب إليهم، وأشار على رسول الله أن يبعث عثمان مكانه، لأن له قبيلة تحميه من أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله، وقال لرسول الله: إني أخاف قريشا على نفسي، قد عرفت عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم، فلم يقل رسول الله شيئا، قال عمر: ولكن أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني، وأكثر عشيرة وأمنع، عثمان بن عفان، فدعا رسول الله عثمان فقال: «اذْهَبْ إِلَى قُرَيْشٍ فَخَبّرْهُم أنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَإِنّمَا جِئْنَا زواراً لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدي، ننحره وننصرف» فخرج عثمان بن عفّان حتى أتى بَلْدَح (مكان قريب من مكة). فوجد قريشا هناك، فقالوا: أين تريد؟ قال: «بعثني رسول الله إليكم، يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، تدخلون في دين الله كافة، فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه، وأخرى تكفون ويَلِي هذا منه غيركم، فإن ظفروا بمحمد فذلك ما أردتم، وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون، إن الحرب قد نهكتكم، وأذهبت بالأماثل منكم، فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما لا يريدون» قالوا: «قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا أبداً، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا»، فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره وقال: «لا تقصر عن حاجتك»، ثم نزل عن فرس كان عليه، فحمل عثمان على السرج وردفه وراءه، فدخل عثمان مكة فأتى أشرافهم؛ أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وغيرهما من لقي ببلدح، ومنهم من لقي بمكة، فجعلوا يردون عليه: «إن محمداً لا يدخلها علينا أبداً». وعرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت فأبى، وقام عثمان بتبليغ رسالة الرسول محمد إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج والمخرج، وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله جاء فيها: «اقرأ على رسول الله منا السلام، إن الذي أنزله بالحديبية لقادر على أن يدخله بطن مكة» وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها أن عثمان قتل، فدعا رسول الله أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم، فاستجاب الصحابة وبايعوه على الموت سوى الجد بن قيس وذلك لنفاقه. وقال النبي بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» فضرب بها على يده. وكان عدد الصحابة الذين أخذ منهم الرسول المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة صحابي


عثمان وجيش العسرة


يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قول الله في القرآن: ِ ﴿لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة﴾ (سورة التوبة، آية: 117)


ندب رسول اللَّه الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاؤوا بصدقات كثيرة فجهَّز عثمان ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وأربعين بعيرًا وبستين فرساً. قال ابن إسحاق: «أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها».


وقيل جاء عثمان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول الله فقبلها وهو يقول: «ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم». وقال رسول اللَّه: «من جهز جيش العُسرة فله الجنة».


يقول ابن شهاب الزهري: «قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» مرتين».


كما تحدث عبد الرحمن بن حباب عن نفقة عثمان حيث قال: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَة بَعِيرٍ وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ ثَلَاثمائة بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله يَنْزِلُ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه، مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه»».


وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: «جاء عثمان بن عفان إلى النبي بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي جيش العسرة، قال: فجعل النبي يقلبها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مراراً


بئر رومة


عندما قدم النبي محمد إلى المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة». وقال: «من حفر بئر رومة فله الجنة».


وقد كانت رومة قبل قدوم النبي لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي: «تبيعها بعين في الجنة؟» فقال: «يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها». فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي فقال: «أتجعل لي فيها ما جعلت له؟» قال: «نعم» قال: «قد جعلتها للمسلمين». وقيل كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل.


وهذه البئر في عقيق المدينة، روي عن النبي أنه قال: «نعم القليب قليب المُزَني»، وهي التي اشتراها عثمان بن عفان فتصدق بها. وروي عن موسى بن طلحة عن رسول اللَّه أنه قال: «نعم الحفير حفير المزني»، يعني رومة. فلما سمع عثمان ذلك ابتاع نصفها بمائة بكرة وتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها. فلما رأى صاحبها أنه امتنع منه ما كان يصيب منها باعها من عثمان بشيء يسير فتصدق بها كلها.


توسعة المسجد النبوي


بعد أن بنى رسول الله مسجده في المدينة، صار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان بن عفان من ماله بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد، ووسع على المسلمين.


وروى يحيى عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: «لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين، كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب. فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه وأزيد فيه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه يقول: «من بنى مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة». وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح، فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلًا يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالفضة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة 29 هـ، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة 30 هـ فكان عمله عشرة أشهر»


قال الحافظ ابن حجر: «كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور، وقيل في آخر سنة من خلافته».


كان المسجد النبوي على عهد النبي محمد مبنيا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر الصديق شيئا وزاد فيه عمر بن الخطاب وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما

كانت أيام عمر ستة أبواب

في عهد أبي بكر الصديق


كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر، فقد كان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد، وعثمان بن عفان للرفق والأناة. حيث كان عمر وزيراً للخلافة في عهد الصديق، أما عثمان فكان أمينها العام. وكان رأيه مقدماً عند الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة، أراد أن يغزو الروم، فقام في الناس يستشيرهم، فقال الألباب ما عندهم، ثم استزادهم أبو بكر فقال: ما ترون؟ فقال عثمان: «إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا، فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين.» فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: «صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمْضِه». ولما أراد الصديق أن يبعث والياً إلى البحرين استشار أصحابه، فقال عثمان: «ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده» وكان عثمان يقصد العلاء بن الحضرمي، فبعث الصديق العلاء إلى البحرين. ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده، فأشاروا بعمر، وكان رأي عثمان في عمر: «اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدتك.»


وفي إحدى الفترات من خلافة أبي بكر الصديق حصل هنالك قحط وأزمة اقتصادية، عن ابن عباس قال: «قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا - أو قال طعاما - فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين». قال ابن عباس: «فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: «يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه


في عهد عمر بن الخطاب


كان عثمان ذا مكانة عند عمر، فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر في مسألة طلبوا الأمر من عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا لم يقدر هذان على الأمر طلبوا ذلك من العباس. لقد كانت مكانة عثمان في خلافة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير من الخليفة، فقد جاء في بعض الروايات بأنه هو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان وكتابة التاريخ، وكان ممن أيدوا رأي عمر في عدم تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيئًا للمسلمين وللذرية من بعدهم.


لما اتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر ناسا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال، فقال عثمان: «أرى مالا كثيراً يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، فعمل عمر برأي عثمان، وتم تدوين الدواوين.»


في كتابة التاريخ فقد ذكرت بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان، وذلك أنه لما تم الاتفاق على جعل مبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة النبي، اختلفوا في أي الأشهر يجعل بداية للسنة، فقال عثمان: «أرخوا من المحرم أول السنة، وهو شهر حرام، وأول الشهور في العدة، وهو منصرف الناس من الحج» فرضي عمر ومن شهده من أصحابه رأي عثمان واستقر عليه الأمر، وأصبح مبدأ تاريخ الإسلام.


لما استخلف عمر بن الخطاب سنة 13 هـ، بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف، فحج بالناس، وحج مع عمر أيضا آخر حجة حجها عمر سنة 23 هـ، وأذن عمر تلك السنة لأزواج النبي في الحج، فحُملن في الهوادج، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن، وينزلن مع عمر كل منزل، فكان عثمان وعبد الرحمن ينزلان بهن في الشعاب، وينزلان هما في أذل الشعب، فلا يتركان أحدا يمر عليهن.


توليه الخلافة


الفقه العمري في الاستخلاف


استمر اهتمام عمر بن الخطاب بوحدة الأمة ومستقبلها حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وقد استطاع أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد، وذلك عن طريق جعل الشورى في عدد محصور، وقد حصر ستة من الصحابة كلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون، وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس، والمرجح إن تعادلت الأصوات، وأمر مجموعة من الجنود لمراقبة سير الانتخابات في المجلس، وعقاب من يخالف أمر الجماعة، ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في المجلس. وقد تضمن المجلس ستة أشخاص، وهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله. حيث أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضر معهم مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي، وقال له: «أنت أمير الصلاة في هذه الأيام الثلاثة» حتى لا يولي إمامةَ الصلاة أحدا من الستة فيصبح هذا ترشيحاً من عمر له بالخلافة. وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات. وقد حدد عمر الفترة بثلاثة أيام، فقال لهم: «لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير». وكان قد أوصى عبد الله بن عمر بأن يحضر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: «فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف»، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد، فقال عنه: «ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه». طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: «يا أبا طلحة، إن الله أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم». وقال للمقداد بن الأسود: «إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم». وكانت من فوائد قصة الشورى، جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل، لأن عمر جعل الشورى في ستة أشخاص مع علمه أن بعضهم كان أفضل من بعض. عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط، وإنما ستكون في أخذ رأي الناس في المدينة فيمن يتولى الخلافة؛ حيث جعل لهم أمد ثلاثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق. وقد أناط عمر بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة من بينهم.


وصية عمر للخليفة الذي بعده


أوصى عمر الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية قال فيها:


«أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا؛ أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم، وأوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذمة خيرا؛ أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة، وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم؛ فإن في ذلك -بإذن الله- سلامة لقلبك وحطًّا لوزرك، وخيرا في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك، وآمرك أن تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبالِ على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط لك اقترفت به إيمانا ورضوانا، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة، وقد أوصيتك وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا وحظا وافيا، وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصا، ورأيك فيه مدخولا؛ لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله الداعي إلى معاصيه. ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضر بهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فينقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام.»



الشورى


بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة الأعلى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، ليقضوا في الأمر، وقد تكلم القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين.


عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»، وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».


بدأ عبد الرحمن بن عوف اتصالاته ومشاوراته فور انتهاء اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الأحد، واستمرت مشاوراته واتصالاته ثلاثة أيام كاملة، حتى فجر يوم الأربعاء الرابع من محرم وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر، وبدأ عبد الرحمن بعلي بن أبي طالب فقال له: «إن لم أبايعك فأشر عليَّ، فمن ترشح للخلافة؟ قال علي: عثمان بن عفان»، وذهب عبد الرحمن إلى عثمان وقال له: «إن لم أبايعك، فمن ترشح للخلافة؟ فقال عثمان: علي بن أبي طالب». وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الآخرين واستشارهم، وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار الصحابة وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي للمدينة، وشملت مشاورته النساء في خدورهن، وقد أبدين رأيهن، كما شملت الصبيان والعبيد في المدينة، وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان، ومنهم من كان يشير بعلي بن أبي طالب. وفي منتصف ليلة الأربعاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى بيت ابن أخته: المسور بن مخرمة، فطرق البيت، فوجد المسور نائما، فضرب الباب حتى استيقظ فقال: «أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي علياً فدعوته فناجاه حتى ابهارَّ (انتصف) الليل ثم قام علي من عنده، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح.»


وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23هـ/ 6 نوفمبر 644م) وكان صهيب الرومي الإمام إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف، وقد اعتم بالعمامة التي عممه بها رسول الله، وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر، أرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد منهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، وعمرو بن العاص أمير مصر، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه إلى المدينة.


وما يروى عند أهل السنة فقد جاء في البخاري: «فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى كل حاضر من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.» وجاء في رواية أن علي بن أبي طالب هو أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف.


أما الشيعة فهم يرون بأن الصحابة حابوا في أمر المسلمين، وأن علي بن أبي طالب لم يرض بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة، فقد ورد في الروايات الشيعية عن أبي مخنف وهشام ال***ي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف، وأن علياً أحس بأن الخلافة ذهبت منه لأن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي بينهما. كما أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين بني هاشم وبني أمية أثناء المبايعة. ومن الأقوال التي نسبت لعلي، قال ابن كثير: وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن علياً قال لعبد الرحمن: «خدعتني، وإنك إنما وليته لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكأ حتى قال عبد الرحمن بن عوف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾


إدارة الدولة


الشؤون المالية


لما تولى عثمان الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين. كما أنه وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وكانت عناصر السياسة المالية العامة التي أعلنها الخليفة قد قامت على الأسس العامة التالية:


تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.

عدم إخلال الجباية بالرعاية.

أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.

إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.

أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم.

تخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء.

تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.


الولاية والولايات


حينما تولى عثمان الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاماً كاملاً، بعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة. في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما يراه في مصلحة المسلمين، فقد ضم البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل. وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس، كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال. كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع، ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة. كان حريصاً على أن يتنافس الأمراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة. كان يشترط أحياناً بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين وقد كان من الولاة الذين تم تعييهم على ولايات الدولة الإسلامية:


الولايات في عهد عثمان بن عفان


القضاء


عندما تولى عثمان الخلافة كان على قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد. ويذكر البعض أن عثمان لم يترك للقضاة الاستقلال بالفصل في القضايا، كما كان الحال في عهد عمر، بل كان ينظر في الخصومات بنفسه، ويستشير هؤلاء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به، فإن وافق رأيهم رأيَه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في الأمر بعد ذلك. وهذا يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثلاثة في المدينة من ولاية القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع استشارة آخرين، ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد الإعفاء، ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.


تذكر بعض الكتب أن من مآثر ذي النورين اتخاذه داراً للقضاء، وقد جاء ذلك في رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار القضاء إلى آخر الحديث، فإذا صح فيكون عثمان هو أول من اتخذ دارا للقضاء في الإسلام، لأن من سبقه كان يتخذ المسجد كمكان للقضاء. وكان قد ترك أحكاماً فقهية في مجال القصاص والجنايات والحدود والتعزير والعبادات والمعاملات.


أشهر القضاة في خلافة عثمان


زيد بن ثابت - المدينة.

أبو الدرداء الأنصاري - دمشق.

كعب بن سور الأزدي - البصرة.

أبو موسى الأشعري - البصرة، (بالإضافة إلى ولايته).

شريح القاضي - الكوفة.

يعلى بن أمية - اليمن.

ثمامة - صنعاء.

عثمان بن قيس بن أبي العاص - مصر.


جمع القرآن


في عهده انتشر الإسلام في بلاد كبيرة وتفرق الصحابة مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة وانتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من اختلاف كتابة القرآن وتغير لهجته، فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب.


عن أنس بن مالك: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق».


جمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم عدد من أعلام وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب. وعرض عثمان هذه المسألة وناقشهم فيها فأجابوه إلى رأيه، وظهر للناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يعرف يومئذ لهم مخالف.



مصحف عثمان أو المصحف الإمام، أقدم المصاحف الباقية.


قال ابن التين: «الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته. لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض، فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر في سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءاته بلغة غيرهم، دفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة».


لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسله إلى الآفاق، وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في الأمصار، فقيل: إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء، وقيل إنها خمسة، وقيل إنها ستة، وقيل إنها سبعة، وقيل إنها ثمانية. وأما كونها ثمانية، فإن الثامن كان لعثمان يقرأ فيه، وهو الذي قتل وهو بين يديه



الفتوحات في عهد عثمان بن عفان


في خلافة عثمان فتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فقد فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.


بعد مقتل عمر بن الخطاب تشجع أعداء الإسلام وخصوصا في بلاد الفرس والروم إلى العمل على استرداد السيطرة في تلك البلاد، فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمة سمرقند، وأما زعماء الروم فقد تركوا بلاد الشام وانتقلوا إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية، وبدؤوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم. وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد عمر بن الخطاب، فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها، وكانت معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها، وكان هرقل قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم؛ لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير. وفي عصر عثمان تجمع الروم في الإسكندرية، ونقضوا الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية.


كانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام.


الفتوحات في المشرق


فتوحات أهل الكوفة


كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيجان، وكان يرابط بها عشرة آلاف مقاتل؛ ستة آلاف بأذربيجان، وأربعة آلاف بالري، وكان جيش الكوفة العامل أربعين ألف مقاتل، يغزو كل عام منهم عشرة آلاف. ولما أخلص عثمان الكوفة للوليد بن عقبة انتفض أهل أذربيجان، فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر، وثاروا على واليهم عتبة بن فرقد السلمي، فأمر عثمان الوليد بن عقبة أن يغزوهم، فأسرع إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة، فأجابهم الوليد وأخذ طاعتهم، وبث فيمن حولهم السرايا وشن عليهم الغارات، فبعث عبد الله بن شبيل الأحمسي في أربعة آلاف إلى أهل موقان والببر الطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم وسبي، ولكنهم تحرزوا منه فلم يفلّ حدَّهم، ثم جهز سلمان بن ربيعة الباهلي في اثني عشر ألفا إلى أرمينية فأخضعها وعاد منها مليء اليدين بالغنائم، وانصرف الوليد بعد ذلك عائداً إلى الكوفة. ولكن أهل أذربيجان تمردوا أكثر من مرة، فكتب الأشعث بن قيس والي أذربيجان إلى الوليد بن عقبة فأمده بجيش من أهل الكوفة، وتتبع الأشعث الثائرين وهزمهم هزيمة منكرة، فطلبوا الصلح فصالحهم على صلحهم الأول، وخاف الأشعث أن يعيدوا الكَرَّة فوضع حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان، وأمرهم بدعوة الناس إلى الإسلام. ولما تولى أمرهم سعيد بن العاص عاد أهل أذربيجان وتمردوا على الوالي الجديد، فبعث إليه جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم وقتل رئيسهم، ثم استقرت الأمور بعد أن أسلم أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم. وأما الري فقد صدر أمر الخليفة عثمان إلى أبي موسى الأشعري وفي وقت ولايته على الكوفة، وأمره بتوجيه جيش إليها لتمردها، فأرسل إليها قريظة بن كعب الأنصاري فأعاد فتحها.


عندما انتهى الوليد بن عقبة من مهمته في أذربيجان وعاد إلى الموصل جاءه أمر من الخليفة عثمان نصه: «أما بعد، فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إليَّ يخبرني أن الروم قد أجلبت (تجمعت للحرب) على المسلمين بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي، والسلام» فقام الوليد في الناس، فخطب فيهم حتى خرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا وأهل الشام إلى أرض الروم، وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري، وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي، فشنوا الغارات على أرض الروم، فأصاب الناس ما شاؤوا من سبي، وملؤوا أيديهم من المغنم، وافتتحوا بها حصونا كثيرة.


غزوة سعيد بن العاص طبرستان


ذهب سعيد بن العاص من الكوفة غازياً سنة 30 هـ يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله، ومعه الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وخرج عبد الله بن عامر من البصرة يريد خراسان، فسبق سعيداً ونزل أبرشهر، وبلغ نزوله أبرشهر سعيداً، فنزل سعيد قوميس، وهي صلح، صالحهم حذيفة بعد نهاوند، فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف، ثم أتى طميسة، وهي كلها من طبرستان جرجان، وهي مدينة على ساحل البحر، وهي في تخوم جرجان، فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف، فقال لحذيفة: كيف صلى رسول الله؟ فأخبره فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون، وضرب يومئذ

سعيد رجلاً من المشركين على حبل عاتقه، فخرج السيف من تحت مرفقه، وحاصرهم، فسألوا الأمان فأعطاهم على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً، ففتحوا

الحصن، فقتلهم جميعا إلا رجلاً واحداً، وحوى ما كان في الحصن، فأصاب رجل من بني نهد سفطاً عليه قفل، فظن فيه جواهر، وبلغ سعيداً، فبعث إلى النهدي فأتاه بالسفط فكسروا قفله، فوجدوا فيه سفطاً ففتحوه فإذا فيه خرقة صفراء وفيها أيران: كميت وورد.



فتوحات عبد الله بن عامر


في سنة 31 هـ وصل عبد الله بن عامر إلى خراسان ففتح أبرشهر وطوس وبيورد ونسا حتى بلغ سرخس، وقام بمصالحة أهل مرو. وقد جاء في رواية بأنه فتح فارس ورجع إلى البصرة، واستعمل على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي، فبنى شريك مسجد إصطخر، فدخل على ابن عامر رجل من بني تميم فقال له: «إن عدوك منك هارب، وهو لك هائب، والبلاد واسعة، فسِرْ فإن الله ناصرك ومعز دينه»، فتجهز ابن عامر، وأمر الناس بالمسير، واستخلف على البصرة زياداً، وسار إلى كرمان، ثم أخذ إلى خراسان؛ قيل أنه أخذ طريق أصبهان، ثم سار إلى خراسان، واستعمل على كرمان مجاشع بن مسعود السلمي، وأخذ ابن عامر على مفازة وابَر، وهي ثمانون فرسخاً، ثم سار إلى الطَّبَسين يريد أبرشهر (نيسابور)، وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فأخذ إلى قُهستان، وخرج إلى أبرشهر فلقيه الهياطلة، فقاتلهم الأحنف فهزمهم، ثم أتى ابن عامر نيسابور. وفي رواية أن ابن عامر نزل على أبرشهر فغلب على نصفها ولكنه لم يقدر أن يصل إلى مرو، فصالح كناري، فأعطاه ابنه أبا الصلت ابن كناري وابن أخيه سليمًا رهنًا. ووجه عبد الله بن خازم إلى هراة، وحاتم بن النعمان إلى مرو، وأخذ ابن عامر ابني كناري، فصار إلى النعمان بن الأفقم النصري فأعتقهما، وفتح ابن عامر ما حول مدينة أبرشهر، كطوس وبيورد، ونسا وحمران، حتى وصل إلى سرخس، وسرح ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي إلى ببهق وهو من أبرشهر، بينها وبين أبرشهر ستة عشر فرسخاً، ففتحها وقتل الأسود بن كلثوم، وكان فاضلاً في دينه، وكان من أصحاب عامر بن عبد الله العنبري. وكان عامر يقول بعدما أخرج من البصرة: «ما آسى من العراق على شيء إلا على ظماء الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان مثل الأسود بن كلثوم». واستطاع ابن عامر أن يتغلب على نيسابور، وخرج إلى سرخس، فأرسل إلى أهل مرو يطلب الصلح، فبعث إليهم حاتم بن النعمان الباهلي، فصالح براز مرزبان مرو على ألفي ألف ومائتي ألف.


الفتوحات في الشام


فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري


بعد أن قام الروم على المسلمين أول خلافة عثمان، وكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة بالكوفة أن يمد إخوانه بالشام، فأمدهم بثمانية آلاف عليهم سلمان ابن ربيعة الباهلي، فانتصر المسلمون. وكان الروم والترك قد تجمعوا لملاقاة المسلمين الذين غزوا أرمينية، وكان على المسلمين حبيب بن مسلمة، فرأى أن يباغت قائدهم الموريان ليلاً، فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد ال***ية، فقالت: «فأين موعدك؟» قال: «سرادق الموريان أو الجنة». ثم باغتهم فغلبهم، وأتى سرادق الموريان فوجد أن امرأته قد سبقته إليه. وواصل حبيب جهاده وانتصاراته المتوالية في أراضي أرمينية وأذربيجان، ففتحها. لقد كان حبيب بن مسلمة الفهري من أبرز القادة الذين حاربوا في أرمينية البيزنطية. كما غزا ما يلى ثغور الجزيرة العراقية من أرض الروم فافتتح عدة حصون هناك، مثل شمشاط وملطية وغيرهما، وفي سنة 25 هـ غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون التي بين أنطاكية وطرسوس خالية، فجعل عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة، وواصل قائده قيس بن الحر العبسي الغزو في الصيف التالي، ولما انتهى هدم بعض الحصون القريبة من أنطاكية كي لا يستفيد منها الروم.


الغزو البحري


تعود فكرة الغزو البحري إلى عهد عمر بن الخطاب حين ألحّ معاوية بن أبي سفيان على عمر في غزو البحر، ويصف له قرب الروم من حمص ويقول: «إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم»، ففكر عمر في ذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص: «صف لي البحر وراكبه، فإن نفسي تنازعني إليه»، فكتب إليه عمرو: «إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير، إن ركن خرق القلب، وإن تحرك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، هم كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق»، فلما قرأ عمر بن الخطاب ذلك، كتب إلى معاوية: «لا والذي بعث محمداً بالحق، لا أحمل فيه مسلماً أبداً، وتالله لمسلم أحب إليَّ مما حوت الروم، فإياك أن تعرض لي، وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقى العلاء مني، ولم أتقدم إليه في ذلك». ولكن معاوية طرح الأمر ثانية بعد تولي عثمان الخلافة، فرد عليه عثمان قائلا: «إني قد شهدت ما رد عليك عمر حين استأذنته في غزو البحر»، ثم كتب إليه معاوية مرة أخرى يهون عليه ركوب البحر إلى قبرص فكتب إليه: «فإن ركبت معك امرأتك فاركبه مأذونا وإلا فلا». واشترط عليه الخليفة عثمان بقوله: «لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم، خيرهم فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه». فلما قرأ معاوية ذلك، كتب لأهل السواحل يأمرهم بإصلاح المراكب وتقريبها إلى ساحل حصن عكا، حيث رممه ليكون ركوب المسلمين منه إلى قبرص


غزوة قبرص


بعد نهاية شتاء سنة 28 هـ الموافق 649 م، أعد معاوية المراكب اللازمة لحمل الجيش، واتخذ ميناء عكا مكاناً للانطلاق، وكانت المراكب كثيرة وحمل معه زوجته فاختة بنت قرظة، كذلك حمل عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان معه في تلك الغزوة. ورغم أن معاوية لم يجبر الناس على الخروج، فقد خرج معه جيش كبير. وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء عكا متوجهين إلى قبرص، ونزلوا إلى الساحل، تقدمت أم حرام لتركب دابتها، فنفرت الدابة وألقت أم حرام على الأرض فاندقت عنقها فماتت. ودفنت هناك، وعرف قبرها بقبر المرأة الصالحة. واجتمع معاوية بأصحابه وكان فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وواثلة بن الأسقع، وعبد الله بن بشر المازني، وشداد بن أوس بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وكعب الحبر بن ماتع، وجبير بن نفير الحضرمي، وتشاوروا فيما بينهم وأرسلوا إلى أهل قبرص يخبرونهم أنهم لم يغزوهم للاستيلاء على جزيرتهم، ولكن أرادوا دعوتهم للإسلام ثم تأمين حدود الدولة الإسلامية بالشام؛ وذلك لأن البيزنطيين كانوا يتخذون من قبرص محطة يستريحون فيها إذا غزوا ويتموَّنون منها إذا قل زادهم، فكانت بلداً مهمة لإخضاعها تحت سيطرة المسلمين، ولكن سكان الجزيرة لم يستسلموا، بل تحصنوا في العاصمة ولم يخرجوا لمواجهة المسلمين.


تقدم المسلمون إلى قسطنطينا عاصمة قبرص وحاصروها، وما هي إلا ساعات حتى طلب الناس الصلح، وأجابهم المسلمون لذلك، وقدموا شروطًا للمسلمين، كما اشترط عليهم المسلمون شروطاً. أما شرط أهل قبرص كانت في طلبهم ألا يشترط عليهم المسلمون شروطا تورطهم مع الروم؛ لأنه ليست لهم قدرة بهم، وأما شروط المسلمين فكانت، ألا يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون، وأن يدلوا المسلمين على تحركات عدوهم من الروم، وأن يدفعوا للمسلمين سبعة آلاف ومائتي دينار في كل عام، وألا يساعدوا الروم إذا حاولوا غزو بلاد المسلمين، وألا يطلعوهم على أسرارهم.


الفتوحات في الجبهة المصرية


ردع التمرد في الإسكندرية


عندما خرجت الإسكندرية من سيطرة الروم، عملوا على تحريض من بالإسكندرية من الروم على التمرد والخروج على سلطان المسلمين، وصادف هذا التحريض رغبة عند سكانها فاستجابوا للدعوة، وكتبوا إلى قسطنطين بن هرقل يخبرونه بقلة عدد المسلمين ويصفون له ما يعيش فيه الروم بالإسكندرية من الذل والهوان. وكان عثمان قد عزل عمرو بن العاص عن مصر، وولى مكانه عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وفي أثناء ذلك وصل منويل الخصي قائد قوات الروم إلى الإسكندرية، ومعه قوات يحملهم في ثلاثمائة مركب مشحونة بالسلاح والعتاد. علم أهل مصر بأن قوات الروم قد وصلت إلى الإسكندرية، فكتبوا إلى عثمان يطلبون إعادة عمرو بن العاص ليواجههم، فاستجاب الخليفة لطلب المصريين، وأبقى ابن العاص أميراً على مصر، ونهب منويل وجيشه الإسكندرية، ومن ثم خرج منويل بجيشه من الإسكندرية يقصد مصر السفلى دون أن يخرج إليهم عمرو أو يقاومهم أحد، وتخوف بعض أصحابه، أما عمرو فقد رأى أن يتركهم يقصدونه، وحدد عمرو سياسته هذه بقوله: «دعهم يسيروا إليَّ، فإنهم يصيبون من مروا به، فيخزي بعضهم ببعض». وأمعن الروم في إفسادهم ونهبهم وسلبهم، وضج المصريون من فعالهم، وأخذوا يتطلعون إلى من يخلصهم منهم.


وصل منويل إلى نقيوس، واستعد عمرو للقائه، تقابل الجيشان عند حصن نقيوس على شاطئ نهر النيل، في أثناء المعركة أصاب فرسه سهم فقتله، فترجل عمرو وانضم إلى صفوف المشاة، ورآه المسلمون فأقبلوا على الحرب. وخرج المصريون بعد أن رأوا هزيمة الروم يصلحون للمسلمين ما أفسده العدو الهارب من الطرق، ويقيمون لهم ما دمره من الجسور، وأظهر المصريون فرحتهم بانتصار المسلمين على العدو الذي انتهك حرماتهم واعتدى على أموالهم وممتلكاتهم، وقدموا للمسلمين ما ينقصهم من السلاح والمؤونة.


لما وصل عمرو الإسكندرية ضرب عليهم الحصار ونصب عليها المجانيق فضرب أسوار الإسكندرية حتى سيطروا عليها، ودخل المسلمون الإسكندرية، وكان منويل في عداد القتلى. ولما فرغ المسلمون أمر عمرو ببناء مسجد في المكان الذي أوقف فيه القتال وسماه مسجد الرحمة. فرجع إليها من كان قد فر منها، وعاد بنيامين بطريرك القبط إلى الإسكندرية بعد أن فر مع الفارين، وأخذ يرجو عمرو ألا يسيء معاملة القبط لأنهم لم ينقضوا عهدهم ولم يتخلوا عن واجبهم، ورجاه كذلك ألا يعقد صلحا مع الروم، وأن يدفنه إذا مات في كنيسة يحنس. وشكر المصريون عمرو على تخليصهم من ظلم الروم، وطالبوه بإعادة ما نهب من أموالهم ودوابهم من قبل الروم، معلنين ولاءهم وطاعتهم، فقالوا: «إن الروم قد أخذوا دوابنا وأموالنا ولم نخالف نحن عليكم وكنا على الطاعة»، فطلب منهم عمرو أن يقيموا البينة على ما ادعوا، ومن أقام بينة وعرف من له بعينه رده عليه، وهدم عمرو سور الإسكندرية، وكان ذلك في سنة 25 هـ. كان شرقي الإسكندرية في قبضة المسلمين وكذلك جنوبها، وأما غربيها فقد أمنه عمرو بن العاص بفتح برقة وزويلة وطرابلس الغرب، وصالح أهل تلك البلاد على الجزية، وأما شمالها فكان في قبضة الروم.


فتح بلاد النوبة


كانت البداية في عهد عمر بن الخطاب حيث أذن لعمرو بن العاص بفتح بلاد النوبة، فوجد حرباً لم يتدرب عليها المسلمون وهي الرمي بالنبال في أعين المحاربين حتى فقدوا مائة وخمسين عينا في أول معركة، ولهذا قبل الجيش الصلح، ولكن عمرو بن العاص رفض للوصول إلى شروط أفضل، وعندما تولى عبد الله بن أبي السرح ولاية مصر غزا النوبة في عام إحدى وثلاثين هجرية فقاتله الأساود من أهل النوبة قتالا شديدا، فأصيبت يومئذ عيون كثيرة من المسلمين، فقال شاعرهم:


لم تر عين مثل يوم دُمقلة والخيل تعدو بالدروع مثقلة

فسأل أهل النوبة عبد الله بن سعد المهادنة، فهادنهم هدنة بقيت إلى ستة قرون، وعقد لهم عقدا يضمن لهم استقلال بلادهم ويحقق للمسلمين الاطمئنان إلى حدودهم الجنوبية، ويفتح النوبة للتجارة والحصول على عدد من الرقيق في خدمة الدولة الإسلامية، وقد اختلط المسلمون بالنوبة والبجة، واعتنق كثير منهم الإسلام.


فتح إفريقية


في سنة 26 هـ الموافق 646 م عُزِل عمرو بن العاص عن ولاية مصر، واستعمل عليها عبد الله بن سعد، وكان عبد الله بن سعد يبعث جرائد الخيل كما كانوا يفعلون أيام عمرو بن العاص فيصيبون من أطراف إفريقية ويغنمون، وكانت جرائد الخيل تقصد إفريقية (تونس) تمهيداً لفتحها ومعرفة وضعها، فلما اجتمعت عند عبد الله بن سعد معلومات كافية عن إفريقية من ناحية مداخلها ومخارجها، وقوتها وعدادها، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، كتب إلى الخليفة عثمان بن عفان يخبره بذلك، يستأذن بفتحها. ولما استأذن عبد الله بن سعد الخليفة عثمان بن عفان في غزو إفريقية، جمع الصحابة واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بفتحها، إلا سعيد بن زيد، الذي خالفه متمسكا برأي عمر بن الخطاب في ألا يغزو إفريقية أحد من المسلمين، ولما أجمع الصحابة على ذلك دعا عثمان للجهاد، واستعدت المدينة (عاصمة الخلافة الإسلامية) للمتطوعين وتجهيزهم، وترحيلهم إلى مصر لغزو إفريفية تحت قيادة عبد الله بن سعد، وقد خرج في تلك الغزوة الحسن والحسين، وابن عباس وابن جعفر وغيرهم. وعندما بات الاستعداد تامًا خطب عثمان فيهم، ورغبهم في الجهاد، وقال لهم: لقد استعملت عليكم الحارث بن الحكم إلى أن تقدموا على عبد الله بن سعد فيكون الأمر إليه، وأستودعكم الله. وعندما وصل الجيش إلى مصر انضم إلى جيش عبد الله بن سعد، وتقدم من الفسطاط تحت قيادة عبد الله ذلك الجيش الذي يقدر بعشرين، وعندما وصلوا إلى برقة انضم إليهم عقبة بن نافع ومن معه من المسلمين. وأرسل عبد الله بن سعد الطلائع وقد رصدت مجموعات من السفن الحربية تابعة للإمبراطورية الرومانية، حيث كانت هذه السفن الحربية قد رست في ساحل ليبيا البحري بالقرب من مدينة طرابلس، وأصبح ما تحمله تلك السفن غنيمة للمسلمين، وقد أسروا أكثر من مائة من أصحابها، وتعتبر هذه أول غنيمة ذات قيمة أصابها المسلمون في طريقهم لفتح إفريقية. وواصل عبد الله بن سعد السير إلى إفريقية حتى وصل جيشه إلى مدينة سبيطلة، وهناك التقى جيش المسلمين بقيادة عبد الله ابن سعد وجيش جرجير حاكم إفريقية، وكان تعداد جيشه يبلغ حوالي مائة وعشرين ألفا، وكان قد عرض على جرجير الدخول في الإسلام، أو أن يدفع الجزية، ويبقى على دينه، ولكنه رفض، فنشبت المعركة بين الطرفين لعدة أيام، حتى وصل مدد بقيادة عبد الله بن الزبير. ولما رأى الروم ذلك أرسلوا إلى عبد الله بن سعد وطلبوا منه أن يرتحل بجيشه، وألا يعترضوه بشيء وذلك بعد أن وجهوا إليه ثلاثمائة قنطار من الذهب في بعض الروايات، وفي البعض الآخر مائة قنطار، جزية في كل سنة على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم وقبض المال، وكان في شرط صلحهم أن ما أصاب المسلمون قبل الصلح فهو لهم، وما أصابوه بعد الصلح رده عمر إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد: «إن أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن نترك غداً جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ونقاتل نحن الروم في باطن العسكر إلى أن يضجروا ويملوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون ونقصدهم على غرة، فلعل الله ينصرنا عليهم»، فأحضر جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوه على ذلك، فلما كان الغد فعل عبد الله ما اتفقوا عليه، وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم عندهم مسرجة، ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالاً شديداً، فلما أذن بالظهر همَّ الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم، فكل الطائفتين ألقى سلاحه ووقع تعباً، فعند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير من كان مستريحاً من المسلمين وقصد الروم فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وكبروا فلم يتمكن الروم من لبس سلاحهم حتى غشيهم المسلمون، وقام عبد الله بن الزبير بقتل جرجير، وانهزم الروم، وأخذت ابنة الملك جرجير سبية، ونازل عبد الله بن سعد المدينة وحاصرهم حتى فتحها، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وسهم الراجل ألف دينار.


معركة ذات الصواري


أصيب الروم بضربة حاسمة في إفريقية، وتعرضت سواحلهم للخطر بعد سيطرة الأسطول الإسلامي على سواحل المتوسط من ردوس حتى برقة، فجمع قسطنطين بن هرقل أسطولاً بناه الروم من قبل، فخرج بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر فيها لخسارته المتوالية في البر، فأذن عثمان بن عفان بصد العدوان، فأرسل معاوية مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة، واجتمع مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح في مراكب مصر، وكانت كلها تحت إمرته، ومجموعها مائتا سفينة.


طلب المسلمون من الروم: إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل حتى يكتب لأحدنا النصر، وإن شئتم فالبحر. قال مالك بن أوس: «فنخروا نخرة واحدة، وقالوا: بل الماء الماء»، وذلك لما يمتلكه الروم من خبرة في هذا الأمر وحداثة عهد المسلمين به.


فقال القائد المسلم لصحبه: «أشيروا عليَّ؟» فقالوا: «انتظر الليلة بنا لنرتب أمرنا ونختبر عدونا». وفي الصباح أراد قسطنطين أن يسرع في القتال، ولكن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لما فرغ من صلاته إماماً بالمسلمين للصبح، استشار رجال الرأي والمشورة عنده، فاتفق معهم على خطة، وذلك بأن يجعلوا المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر، حيث أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامست سفنهم سفن العدو، فنزل الفدائيون إلى الماء، وربطوا السفن الإسلامية بسفن الروم، ربطوها بحبال متينة، فصار 1200 سفينة في عرض البحر، وصفَّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلاوة القرآن، خصوصا سورة الأنفال؛ لما فيها من معاني الوحدة والثبات والصبر. وبدأ الروم القتال، وانقضوا على سفن المسلمين فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم، وصار القتال كيفما اتفق، وكان قاسياً على الطرفين، وسالت الدماء على الماء، فصار أحمر، وترامت الجثث في الماء، وتساقطت فيه، وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل، وقتل الكثير من الطرفين، حاول الروم أن يغرقوا سفينة عبد الله بن أبي السرح، كي يبقى جند المسلمين بدون قائد، فتقدمت من سفينته سفينة رومية، ألقت إلى عبد الله السلاسل لتسحبها وتنفرد بها، ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي أنقذ السفينة والقائد بأن ألقى بنفسه على السلاسل وقطعها بسيفه. وانتصر المسلمون، وكاد الأمير قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين لكنه تمكن من الفرار، فوصل جزيرة صقلية. وألقت به الريح هناك، فسأله أهله عن أمره فأخبرهم، فقالوا: «شمت النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل المسلمون لم نجد من يردهم» فقتلوه، وخلوا من كان معه من المراكب.



مقتل عثمان


كان عثمان قد ولي اثنتي عشرة سنة خليفة للمسلمين، وقد بدأت أحداث الفتنة في النصف الثاني من ولايته وهي التي أدت إلى استشهاده. ومن أسباب تلك الفتنة الرخاء في عهده وأثره في المجتمع، وطبيعة التحول الاجتماعي وظهور جيل جديد غير جيل الصحابة، بالإضافة إلى الشائعات، والعصبية الجاهلية، ومن أهم الأسباب خوض المنافقين حيث وجدوا من يستمع إليهم.


وفق معتقد أهل السنة أن المدبر الرئيسي للفتنة هو عبد الله بن سبأ الذي كان يهودياً وأظهر الإسلام في عهد عثمان. ومنهم من عمل على محاصرة عثمان بن عفان في داره وزوروا عليه كتاباً ورد فيه بأنه يريد قتلهم بعد أن أعطاهم الأمان على أنفسهم. وعندما اشتد أمر أهل الفتنة وتهديدهم للخليفة بالقتل تحرك الصحابة لردهم وقتالهم وهو ما رفضه عثمان وأمر بألا يرفع أحد السيف للدفاع عنه، وأن لا يُقتل أحد بسببه، فقد كان يعلم بأنهم لا يريدون أحد غيره، فكره أن يتوقى بالمؤمنين، وأحب أن يقيهم بنفسه، ولعلمه بأن هذه الفتنة فيها قتله، عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله محمد قال: «من نجا من ثلاث فقد نجا، ثلاث مرات، موتي، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه». عن ابن عمر قال: (ذكر رسول الله فتنة، فمر رجل، فقال: «يُقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوماً»، قال: فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان).


بينما تقول الرواية الشيعية أن أهل المدينة كانوا من الثائرين على عثمان، وبعضهم غير مناصر له، وأنهم كتبوا إلى الأمصار بالقدوم إلى المدينة وأنّ الجهاد فيها. ويرون بأن هناك من الصحابة من هم قد خرجوا على عثمان ولم ينصروه، فأرسل إلى معاوية بن أبي سفيان ليقاتلهم، ولكنه لم يبعث بجيش إلى نصرة الخليفة عثمان، وقد علّل ذلك بأنّه كره مخالفة أصحاب النبيّ. كما يرى الشيعة بأنه لا وجود لعبد الله بن سبأ.


هاجم المتمردون دار عثمان وأصيب ذلك اليوم أربعة من شبان قريش وقتل منهم أربعة، ثم هجموا على عثمان بن عفان فقتلوه، وهو يقرأ في المصحف فانتضح الدم على قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (سورة البقرة، الآية: 137).


وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ، وعمره اثنتان وثمانون سنة، ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في حش كوكب الذي كان قد اشتراه ووسع به البقيع.


استشهد في أوسط أيام التشريق (12 ذي الحجة) لصحة نقله عن أبي عثمان النهدي، المعاصر للحادثة. وما سواه من أقوال لم يصح إسناد شيء منها، وكل ما جاء به من أسانيد فهي ضعيفة، وبعض منها صدر ممن لم يعاصر الحادثة.


زوجات عثمان وذريته



كان لدى عثمان بن عفان ثمان زوجات، أنجبن له ستة عشر من الأولاد، تسعة منهم ذكور وسبع إناث


زوجاته قبل إسلامه


أم عمرو بنت جندب الدوسية، أنجبت منه: عمرو وخالد وأبان وعمر ومريم.

فاطمة بنت الوليد المخزومية القرشية، أنجبت منه: الوليد وسعيد وأم سعيد. عمرو كان أكبر أبناء عثمان وفي فترة ما قبل الإسلام كان يعرف عثمان بأبي عمر


بعد إسلامه


رقية بنت محمد الهاشمية القرشية ابنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أنجبت له: عبد الله بن عثمان، ولكنه توفي مبكراً، وكان عثمان يسمى بأبي عبد الله بعد إسلامه.


أم كلثوم بنت محمد الهاشمية القرشية ثاني بنات الرسول، ولم تنجب لعثمان، تزوجها بعد وفاة رقية.


فاختة بنت غزوان بن جابر المازنية، تزوجها بعد وفاة أم كلثوم، أنجبت له عبد الله بن عثمان الأصغر، وقد توفي صغير السن.


أم البنين بنت عُيينة بن حصن بن حذيفة الفزارية الغطفانية، تزوجها بعد وفاة أم كلثوم، أنجبت له عبد الملك بن عثمان، وقد مات صغيراً.


رملة بنت شيبة بن ربيعة العبشمية القرشية، أنجبت له عائشة وأم أبان وأم عمرو بنت عثمان.


نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص ال***ية، أنجبت له: ابنته مريم كما قال ابن الجوزي وابن سعد، وقال آخرون أن مريم ليست ابنتها. قال ابن الجوزي: ومريم أمها نائلة بنت الفرافصة


ذريته


أبناؤه


عبد الله: ولد قبل الهجرة بعامين، وأمه رقية بنت رسول الله محمد، مات في السنة الرابعة للهجرة، وكان عمره ست سنوات.

عبد الله الأصغر: أمه فاختة بنت غزوان.

عمرو: وأمه أم عمرو بنت جندب، توفي سنة ثمانين للهجرة.

خالد: وأمه أم عمرو بنت جندب.

أبان: وأمه أم عمرو بنت جندب كان إمامًا في الفقه يكنى أبا سعيد، تولى إمارة المدينة سبع سنين في عهد عبد الملك بن مروان، توفي سنة 105 هـ.

عمر: وأمه أم عمرو بنت جندب.

الوليد: وأمه فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومية.

سعيد: وأمه فاطمة بنت الوليد المخزومية، تولى أمر خراسان عام 56 هـ، في عهد معاوية بن أبي سفيان.

عبد الملك: وأمه أم البنين بنت عينية بن حصن، ومات صغيرًا.


بناته


هن سبع بنات من خمس زوجات، منهن:


مريم: وأمها أم عمرو بنت جندب.

أم سعيد: وأمها فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس المخزومية.

عائشة: وأمها رملة بنت شيبة بن ربيعة.

مريم: وأمها نائلة بنت الفرافصة.

أم البنين: وأمها أم ولد.


الآراء والمواقف حول عثمان



نظرة أهل السنة والجماعة


يُعدّ عُثمان بن عفّان أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، حيث يرون أنه من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأن رسول الله ما زوجه ابنتيه إلا لحبه له، حيث زوجه ابنته رقية، وهاجر الهجرتين وهي معه، وما تخلّف عن بدر إلا لمرضها، وبعد وفاتها زوّجه النّبيّ أم كلثوم وبذلك يسمى «ذو النورين». وهم يقرون بصحة خلافته كما بصحة خلافة باقي الخلفاء الراشدين، ويرون بأنه جامع القرآن، كما أنه قد بذل ماله في خدمة الإسلام والمسلمين، وأنه ذو الحلم التام الذي لم يدركه غيره وصاحب الحياء الإيماني الذي قال فيه رسول الله: «وأصدقهم حياء عثمان».


وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل عثمان ومكانته وصفاته، منها:


روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: « كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي: " افتح له وبشره بالجنة " ففتحت له فإذا هو أبو بكر، فبشرته بما قال رسول الله، فحمد الله. ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي: " افتح له وبشره بالجنة " ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال رسول الله، فحمد الله. ثم جاء رجل فاستفتح، فقال لي: " افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه "، فإذا عثمان. فأخبرته بما قال رسول الله، فحمد الله ثم قال: الله المستعان».

عن أنس بن مالك قال: «صعد النبي أُحُداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف، فقال: " اسكن أحد - أظنه ضربه برجله - فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان "».

عن أبي هريرة قال: «أن رسول الله كان على حراء، وأبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: " إهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد "».

عن أنس بن مالك قال: «أرحم أمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياءً عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أُبَيْ وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح "».

عن ابن عمر قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمر رجل، فقال: " يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما "، قال: فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان».

عن كعب بن عجرة، قال: «ذكر فتنة، فقربها فمر رجل مقنع رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا يومئذ على الهدى "، فوثبت فأخذت بضبعي عثمان، ثم استقبلت رسول الله فقلت: هذا؟ قال: " هذا "».

عن مرة البهزي قال: {{اقتباس مضمن|كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال - بهز من رواة الحديث - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق ". قال: فذهبت فأخذت بمجامع ثوبه، فإذا هو عثمان بن عفان.

عن أبي الأشعث قال: «قامت خطبة بإيلياء في إمارة معاوية فتكلموا، وكان آخر من تكلم مرة بن كعب فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة فقربها فمر رجل مقنع فقال: " هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى "، فقلت هذا يا رسول الله؟ وأقبلت بوجهه إليه فقال: " هذا "، فإذا هو عثمان».


نظرة الشيعة الاثنا عشريَّة


يرى الشيعة بأن الأحقية بالخلافة لعلي بن أبي طالب، وأن الصحابة حابوا في أمر المسلمين، وأن عليّاً لم يرض بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة، وأنه ما قدم عثمان إلا لكونه صهره. كما أنهم يرون بأن هنالك محاباة من قِبله في تعيين أقاربه وسيطرتهم على أزِمَّة الحكم في عهده كما يرون بأنه قام بالإسراف في بيت المال وإعطاء أكثره لأقاربه. ويرون بأن عبد الله بن سبأ ما هو إلا شخصية خيالية ليس لها وجود، بينما يرى أهل السنة والجماعة بأن له الأثر الكبير في إشعال الفتنة التي أدَّت لمقتل عثمان.


نظرة الشيعة الزيدية


يؤمنُ الزيديَّة "بإمامة المفضول مع وجود الأفضل"، فهم يقرّون بصحَّة خِلافة أبي بكر وعُمر وعُثمان ولا يسبّونهم ولا يتبرؤون منهم، وفي هذا يتفقون مع موقف السُنَّة، لكنهم يعتقدون بأنَّ عليًّا أحق منهم في الخِلافة،

وبهذا يتفقون مع الإثني عشرية.


نظرة الدُروز


يقول الدروز أنَّ الله أعلم ما إذا كان عُمر وأبو بكر وعُثمان هم أحق بالخلافة من عليّ أم العكس، وأنَّ العُمر محتوم حسب ما جاء في القرآن: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾، وبما أنَّ أبا بكر وعُمر وعُثمان توفوا في حياة عليّ فلو وُليَ عليٌّ الخِلافة بعد النبيّ مُحمَّد لكان أبو بكر وعُمر وعُثمان توفوا في حياته، ولم يتسنَّ لهم تأدية رسالتهم إلى الأمَّة الإسلاميَّة، وما كان الإسلام قد وصل إلى ما هو فيه، لذلك قضت مشيئة الله أن يكونوا قبله. وهم يُفضلون الخُلفاء الأربعة حسب ترتيبهم بالخِلافة، ولكن في ذات الوقت لا يُفضلونهم في المنزلة، بل يعتقدون أنَّ عليًّا أعلى منهم.

عطر الزنبق
06-14-2021, 06:42 PM
الشخصية الاسلامية الخامسة


https://g.top4top.io/p_1933qkl2s1.png

https://h.top4top.io/p_1933fn5oz2.png

https://i.top4top.io/p_19334orks3.png

أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي (61هـ\681م - 101هـ\720م)، هو ثامن الخلفاء الأمويين، عمر الثاني. ولد سنة 61هـ في المدينة المنورة، ونشأ فيها عند أخواله من آل عمر بن الخطاب، فتأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة، وكان شديد الإقبال على طلب العلم. وفي سنة 87هـ، ولّاه الخليفة الوليد بن عبد الملك على إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ، فصار واليًا على الحجاز كلها، ثم عُزل عنها وانتقل إلى دمشق. فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة قرّبه وجعله وزيرًا ومستشارًا له، ثم جعله ولي عهده، فلما مات سليمان سنة 99هـ تولى عمر الخلافة.

تميزت خلافة عمر بن عبد العزيز بعدد من المميزات، منها: العدلُ والمساواة، وردُّ المظالم التي كان أسلافه من بني أمية قد ارتكبوها، وعزلُ جميع الولاة الظالمين ومعاقبتُهم، كما أعاد العمل بالشورى، ولذلك عدّه كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين، كما اهتم بالعلوم الشرعية، وأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف. استمرت خلافة عمر سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، حتى قُتل مسمومًا سنة 101هـ، فتولى يزيد بن عبد الملك الخلافة من بعده.

نسبه وأسرته

هو: أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الأموي القرشي المدني ثم المصري.
والده: هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم، كان من خيار أمراء بني أمية، بقي أميراً على مصر أكثر من عشرين سنة. ولما أراد الزواج قال لقيّمه: «اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي، فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح»، فتزوج أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب (وقيل اسمها ليلى).
أمه: أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ووالدها: أبو عمرو عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، ولد في أيام النبوة وحدّث عن أبيه، وكان طويلاً جسيماً من نبلاء الرجال، ديِّناً خيِّراً صالحاً، وكان بليغاً فصيحاً شاعراً. وأمه: هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّة.

وأما جدته لأمه فقد كان لها موقف مع عمر بن الخطاب، فعن عبد الله بن الزبير بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال:

«بينما أنا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يَعُسّ (العُس: تقصّي الليل عن أهل الريبة) بالمدينة إذ أعيا، فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: «يا بنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء»، فقالت لها: «يا أمتاه، أوما علمت ما كان من أمير المؤمنين اليوم؟»، قالت: «وما كان من عزمته يا بنية؟»، قالت: «إنه أمر منادياً فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء»، فقالت لها: «يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر»، فقالت الصبية لأمها: «يا أمتاه، والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء»، وعمر يسمع كل ذلك، فقال: «يا أسلم، عَلِّم الباب واعرف الموضع»، ثم مضى في عسه. فلما أصبحا قال: «يا أسلم، امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها، وهل لهم من بعل؟»، فأتيت الموضع فنظرت، فإذا الجارية أيِّم لا بعل لها، وإذا تيك أمها وإذا ليس بها رجل، فأتيت عمر فأخبرته، فدعا عمر ولده فجمعهم فقال: «هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟»، فقال عاصم: «يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني»، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتاً، وولدت البنت عمر بن عبد العزيز.»

إخوته:

كان لعبد العزيز بن مروان (والد عمر بن عبد العزيز) عشرة من الولد، وهم: عمر وأبو بكر ومحمد وعاصم، وهؤلاء أمهم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وله من غيرها ستة وهم: الأصبغ وسهل وسهيل وأم الحكم وزيّان وأم البنين. وعاصم هو من تُكنى به والدته ليلى بنت عاصم بن عمر بن
الخطاب، فكنيتها أم عاصم

مولده ونشأته

ولد عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة سنة 61هـ، وقد اختلف المؤرخون في سنة ولادته، والراجح أنه ولد عام 61هـ، وهو قول أكثر المؤرخين، ولأنه يؤيد ما يُذكر من أنه توفي وعمره أربعون سنة، حيث توفي عام 101هـ.

وتذكر بعض المصادر أنه ولد بمصر، وهذا القول ضعيف لأن أباه عبد العزيز بن مروان إنما تولى مصر سنة 65هـ بعد استيلاء مروان بن الحكم عليها من يد عامل عبد الله بن الزبير، فولّى عليها ابنه عبد العزيز، ولم يُعرف لعبد العزيز بن مروان إقامة بمصر قبل ذلك، وإنما كانت إقامته وبني مروان في المدينة، وذكر الذهبي أنه ولد بالمدينة زمن يزيد.

نشأته

نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة، فلما شب وعقل وهو غلام صغير كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه منه، ثم يرجع إلى أمه فيقول: «يا أمه، أنا أحب أن أكون مثل خالي»، يريد عبد الله بن عمر، فتؤفف به ثم تقول له: «اغرب، أنت تكون مثل خالك»، وتكرر عليه ذلك غير مرة. فلما كبر سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميراً عليها، ثم كتب إلى زوجته أم عاصم أن تقدم عليه وتقدم بولدها، فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته بكتاب زوجها عبد العزيز إليها، فقال لها: «يا ابنة أخي، هو زوجك فالحقي به»، فلما أرادت الخروج قال لها: «خلفي هذا الغلام عندنا (يريد عمر) فإنه أشبهكم بنا أهل البيت»، فخلفته عنده ولم تخالفه، فلما قدمت على عبد العزيز اعترض ولده فإذا هو لا يرى عمر، فقال لها: «وأين عمر؟»، فأخبرته خبر عبد الله وما سألها من تخليفه عنده لشبهه بهم، فسرّ بذلك عبد العزيز، وكتب إلى أخيه عبد الملك يخبره بذلك، فكتب عبد الملك أن يجري عليه ألف دينار في كل شهر، ثم قدم عمر على أبيه مسلِّماً. وهكذا تربى عمر بين أخواله بالمدينة المنورة من أسرة عمر بن الخطاب، ولا شك أنه تأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة.

وكان عمر بن عبد العزيز منذ صغره شديد الإقبال على طلب العلم، وكان يحب المطالعة والمذاكرة بين العلماء، كما كان يحرص على ملازمة مجالس العلم في المدينة، وكانت يومئذ منارة العلم والصلاح، زاخرةً بالعلماء والفقهاء والصالحين، وتاقت نفسه للعلم وهو صغير، وكان أول ما استبين من رشد عمر بن عبد العزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب.

وجمع عمر بن عبد العزيز القرآن وهو صغير، وساعده على ذلك صفاء نفسه وقدرته الكبيرة على الحفظ وتفرغه الكامل لطلب العلم والحفظ، وقد تأثر كثيراً بالقرآن الكريم، وكان يبكي لذكر الموت مع حداثة سنه، فبلغ ذلك أمه فأرسلت إليه وقالت: «ما يبكيك؟»، قال: «ذكرت الموت»، فبكت أمه حين بلغها
ذلك.

طلبه للعلم

عاش عمر بن عبد العزيز في زمن ساد فيه مجتمعُ التقوى والإقبال على طلب العلم، فقد كان عدد من الصحابة لا يزالون بالمدينة، فقد حدث عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحاً شرب منه النبي محمد، كما أمّ بأنس بن مالك فقال: «ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى».

تربى عمر بن عبد العزيز على أيدي كبار فقهاء المدينة وعلمائها، فقد اختار عبد العزيز (والد عمر) صالح بن كيسان ليكون مربياً لعمر، فتولى صالح تأديبه، وكان يُلزم عمر الصلوات المفروضة في المسجد، فحدث يوماً أن تأخر عمر عن الصلاة مع الجماعة، فقال له صالح بن كيسان: «ما يشغلك؟»، قال: «كانت مرجّلتي (مسرحة شعري) تسكن شعري»، فقال: «بلغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟»، فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك، فبعث أبوه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه. ولمّا حج أبوه ومرّ بالمدينة سأل صالح بن كيسان عن ابنه فقال: «ما خبرت أحداً الله أعظم في صدره من هذا الغلام». وكان يحرص على التشبه بصلاة النبي محمد أشد الحرص، فكان يُتمُّ الركوع والسجود ويخفِّف القيام والقعود، وفي رواية صحيحة: أنّه كان يسبِّح في الركوع والسجود عشراً عشراً.

ومن شيوخ عمر بن عبد العزيز الذين تأثر بهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فقد كان عمر يجله كثيراً، ونهل من علمه وتأدب بأدبه وتردد عليه حتى وهو أمير المدينة، ولقد عبّر عمر عن إعجابه بشيخه وكثرة التردد إلى مجلسه فقال: «لَمجلسٌ من الأعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحب إليّ من ألف دينار». وكان يقول في أيام خلافته لمعرفته بما عند شيخه من علم غزير: «لو كان عبيد الله حياً ما صدرت إلا عن رأيه، ولوددت أن لي بيوم واحد من عبيد الله كذا وكذا». وكان عبيد الله مفتي المدينة في زمانه، وأحد الفقهاء السبعة، قال عنه الزهري: «كان عبيد الله بن عبد الله بحراً من بحور العلم».

ومن شيوخه أيضاً سعيد بن المسيب، وكان سعيد لا يأتي أحداً من الأمراء غير عمر. ومنهم سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قال فيه سعيد بن المسيب: «كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به». وذات يوم دخل سالم بن عبد الله على الخليفة سليمان بن عبد الملك، وعلى سالم ثياب غليظة رثَّة، فلم يزل سليمان يرحب به، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز في المجلس، فقال له رجل من أُخريات الناس: «ما استطاع خالك أن يلبس ثياباً فاخرة أحسن من هذه يدخل فيها على أمير المؤمنين؟»، وعلى المتكلم ثياب سريَّة لها قيمة، فقال له عمر: «ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك».

وتربى عمر وتعلم على أيدي كثير من العلماء والفقهاء، وقد بلغ عدد شيوخ عمر بن عبد العزيز ثلاثة وثلاثين؛ ثمانية منهم من الصحابة وخمسة وعشرون من التابعين

في عهد الوليد بن عبد الملك

كان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير في نصح الخلفاء وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة، إذ يحتل عمر مكانة متميزة في البيت الأموي، فقد كان عمه عبد الملك يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه، مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوجه من ابنته، ولكن لم يكن له مشاركات في عهد عبد الملك بسبب صغر سنه واشتغاله بطلب العلم في المدينة، ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد الملك كتاباً يذكّره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وقد جاء فيها:

«أما بعد، فإنك راعٍ، وكلٌّ مسؤولٌ عن رعيته، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل راعٍ مسؤول عن رعيته، اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا
ويقال بأن عبد الملك قد ولّى عمر بن عبد العزيز على "خناصره" ليتدرب على الأعمال القيادية في وقت مبكر، ويقال إن سليمان بن عبد الملك هو الذي ولاه عليها. وقد تأثر عمر بن عبد العزيز لموت عمه عبد الملك وحزن عليه حزناً عظيماً، وقد خاطب عمر ابن عمه مسلمة بن عبد الملك فقال له: «يا مسلمة، إني حضرت أباك لما دفن، فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من أمر الله راعني وهالني، فعاهدت الله ألا أعمل بمثل عمله إن وليت، وقد اجتهدت في ذلك»

إمارته على المدينة المنورة


في ربيع الأول من عام 87هـ، ولّى الخليفة الوليد بن عبد الملك عمرَ إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ، وبذلك صار والياً على الحجاز كلها. واشترط عمر لتوليه الإمارة ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً، ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل ما يرفع للخليفة من الأموال من المدينة.
الشرط الثاني: أن يسمح له بالحج في أول سنة؛ لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج.
الشرط الثالث: أن يسمح له بالعطاء أن يُخرجه للناس في المدينة.
فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينة، وفرح الناس به فرحاً شديداً.

وقام عمر بتكوين مجلس للشورى بالمدينة سمي بـ"مجلس فقهاء المدينة العشرة"، فعندما جاء الناس للسلام على أمير المدينة الجديد وصلّى بهم، دعا عشرة من فقهاء المدينة وهم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت، فدخلوا عليه فجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرّج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني».

وفي إمارته على المدينة المنورة وسّع المسجد النبوي بأمر من الوليد بن عبد الملك، حتى جعله مئتي ذراع في مئتي ذراع، وزخرفه بأمر الوليد أيضاً، مع أنه كان يكره زخرفة المساجد.

وفي سنة 91هـ، أي في أثناء إمارته على المدينة المنورة، حج الخليفة الوليد بن عبد الملك، فاستقبله عمر بن عبد العزيز أحسن استقبال، وشاهد الوليد بأم عينيه الإصلاحات العظيمة التي حققها عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة

عزله عن إمارة المدينة


ذكر ابن الجوزي أن عمر بن عبد العزيز قد استعفى من المدينة، ففي سنة 92هـ عقد الخليفة الوليد لواء الحج للحجاج بن يوسف الثقفي ليكون أميراً على الحج، ولما علم عمر بن عبد العزيز بذلك، كتب إلى الخليفة يستعفيه أن يمرَّ عليه الحجاج بالمدينة المنورة، لأن عمر بن عبد العزيز كان يكره الحجّاج ولا يطيق أن يراه لما هو عليه من الظلم، فامتثل الوليد لرغبة عمر، وكتب إلى الحجّاج: «إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ يستعفيني من ممرك عليه، فلا عليك أن لا تمر بمن كرهك، فتنحّ عن المدينة».

وقد كتب عمر بن عبد العزيز وهو والٍ على المدينة إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجّاج وغشمه، مما جعل الحجّاج يحاول الانتقام من عمر، لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذاً للفارين من عسف الحجاج وظلمه، حيث كتب الحجّاج إلى الوليد: «إن من قبلي من مُرّاق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن»، فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسري، وعزل عمر عبد العزيز.

وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجّاج واضحاً، وكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه، وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن ما كان يراه عمر أفضل مما كان يسير عليه الوليد، وذلك بعد تولي عمر الخلافة وتطبيقه لما كان يشير به.

انتقاله إلى دمشق

خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة المنورة وهو يبكي، ومعه خادمه مزاحم، فالتفت إلى مزاحم وقال: «يا مزاحم، نخشى أن نكون من نفت المدينة»، يشير بذلك إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد».

وسار عمر حتى وصل السويداء، وكان له فيها بيت ومزرعة، فنزل فيها فأقام مدة يرقب الأوضاع عن بعد، ثم رأى أن مصلحة المسلمين تقتضي أن تكون إقامته في دمشق بجوار الخليفة، لعله بذلك يستطيع أن يمنع ظلماً أو يشارك في إحقاق حق، فانتقل إلى دمشق فأقام بها. ولم يكن عمر بن عبد العزيز على وفاق تام مع الخليفة الوليد بن عبد الملك، ولذلك فإن إقامته في دمشق بجوار الوليد لم تخلُ من مشاكل، فالوليد يعتمد في تثبيت حكمه على ولاة أقوياء قساة، يهمهم إخضاع الناس بالقوة وإن رافق ذلك كثير من الظلم، بينما يرى عمر أن إقامة العدل بين الناس كفيل باستقرار الملك وائتمارهم بأمر السلطان، فكان يقول: «الوليد بالشام، والحَجّاج بالعراق، ومحمد بن يوسف (أخو الحجّاج) في اليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك في مصر، امتلأت والله الأرض جوراً»

في عهد سليمان بن عبد الملك

في عهد سليمان تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير، فظهرت آثاره في مختلف الجوانب، فبمجرد تولي سليمان الخلافة قرّب عمرَ وأفسح له المجال واسعاً، حيث قال: «يا أبا حفص، إنا ولينا ما قد ترى (ولم يكن بتدبيره علم) فما رأيتَ من مصلحة العامة فمر به»، وجعله وزيراً ومستشاراً ملازماً له في إقامته وسفره. وكان سليمان يرى أنه محتاج له في صغيره وكبيره، فكان يقول: «ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل فما أجد أحداً يفقه عني». وقال في موضع آخر: «يا أبا حفص، ما اغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالي».

وقد كان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير على سليمان في إصدار عدد من القرارات النافعة، ومن أهمها: عزل ولاة الحَجّاج وبعض الولاة الآخرين، كوالي مكة خالد القسري البجلي، ووالي المدينة عثمان بن حيان، والأمر بإقامة الصلاة في وقتها، فقد أورد ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز: أن الوليد بن عبد الملك كان يؤخر الظهر والعصر، فلما ولي سليمان كتب إلى الناس عن رأي عمر: إن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها. وهناك أمور أخرى أجملها الذهبي بقوله: «مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها».

وقدِم سليمان بن عبد الملك المدينة فأعطى بها مالاً عظيماً، فقال لعمر بن عبد العزيز: «كيف رأيت ما فعلنا يا أبا حفص؟»، قال: «رأيتك زدت أهل الغنى غنى وتركت أهل الفقر بفقرهم». وخرج سليمان ومعه عمر إلى البوادي، فأصابه سحاب فيه برق وصواعق، ففزع منه سليمان ومن معه، فقال عمر: «إنما هذا صوت نعمة، فكيف لو سمعت صوت عذاب؟»، فقال سليمان: «خذ هذه المائة ألف درهم وتصدق بها»، فقال عمر: «أوخير من ذلك يا أمير المؤمنين؟»، قال: «وما هو؟»، قال: «قوم صحبوك في مظالم لم يصلوا إليك»، فجلس سليمان فردّ المظالم.

وأقبل سليمان بن عبد الملك ومعه عمر على معسكر سليمان، وفيه الخيول والجمال والبغال والأثقال والرجال، فقال سليمان: «ما تقول يا عمر في هذا؟»، قال: «أرى دنيا يأكل بعضها بعضاً، وأنت المسؤول عن ذلك كله»، فلما اقتربوا من المعسكر إذا غرابٌ قد أخذ لقمة في فيه من فسطاط سليمان وهو طائر بها ونعب نعبة، فقال له سليمان: «ما تقول في هذا يا عمر؟»، فقال: «لا أدري»، فقال: «ما ظنك أنه يقول؟»، قال: كأنه يقول: «من أين جاءت؟ وأين يذهب بها؟»، فقال له سليمان: «ما أعجبك!»، فقال عمر: «أعجب مني من عرف الله فعصاه، ومن عرف الشيطان فأطاعه».

ولما وقف سليمان وعمر بعرفة، جعل سليمان يعجب من كثرة الناس، فقال له عمر: «هؤلاء رعيّتُك اليوم، وأنت مسؤول عنهم غداً»، وفي رواية: «وهم خصماؤك يوم القيامة»، فبكى سليمان وقال: «بالله أستعين». وظل عمر بن عبد العزيز قريباً من سليمان طيلة مدة خلافته، يَحوطه بنصحه ويشاركه مسؤولياته.

مبايعته بالخلافة

اقترح الفقيه رجاء بن حيوة الكندي على الخليفة سليمان بن عبد الملك في مرض موته أن يولي عمر بن عبد العزيز، قال ابن سيرين: «يرحم الله سليمان، افتتح خلافته بإحياء الصلاة، واختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز، وكانت سنة وفاته سنة 99هـ، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وكان منقوش في خاتمه: "أؤمن بالله مخلصاً"».

وتعددت الروايات في قصة استخلاف سليمان لعمر، ومنها ما ذكره ابن سعد في طبقاته عن سهيل بن أبي سهيل قال: سمعت رجاء بن حيوة يقول: لما كان يوم الجمعة لبس سليمان بن عبد الملك ثياباً خضراً من خز، ونظر في المرآة فقال: «أنا والله الملك الشاب»، فخرج إلى الصلاة يصلي بالناس الجمعة فلم يرجع حتى وعك، فلما ثقل كتب كتاب عهده إلى ابنه أيوب، وهو غلام لم يبلغ، فقلت: «ما تصنع يا أمير المؤمنين؟ إنه مما يُحفظ به الخليفة في قبره أن يستخلف الرجل الصالح»، فقال سليمان: «كتاب أستخير الله فيه وأنظر، ولم أعزم عليه»، فمكث يوماً أو يومين، ثم خرقه ثم دعاني، فقال: «ما ترى في داود بن سليمان؟»، فقلت: «هو غائب بقسطنطينية، وأنت لا تدري أحي هو أم ميت»، قال: «يا رجاء فمن ترى؟»، فقلت: «رأيك يا أمير المؤمنين وأنا أريد أن أنظر من يُذكر»، فقال: «كيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟»، فقلت: «أعلمه والله فاضلاً خياراً مسلماً»، فقال: «هو على ذلك، والله لئن ولّيته ولم أولِّ أحداً من ولد عبد الملك لتكونن فتنة ولا يتركونه أبداً يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده»، ويزيد بن عبد الملك غائب على الموسم، قال: «فيزيد بن عبد الملك أجعله بعده، فإن ذلك مما يسكنه ويرضون به»، قلت: «رأيك»، فكتب بيده:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني وليته الخلافة من بعدي، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيُطمع فيكم.»
وختم الكتاب، فأرسل إلى كعب بن حامد صاحب الشرطة أن مُرْ أهل بيتي فليجتمعوا، فأرسل إليهم كعب فجمعهم، ثم قال سليمان لرجاء بعد اجتماعهم: «اذهب بكتابي هذا إليهم، فأخبرهم أنه كتابي ومُرهم فليبايعوا من وليت». ففعل رجاء، فلما قال لهم ذلك رجاء قالوا: «سمعنا وأطعنا لمن فيه»، وقالوا: «ندخل فنسلم على أمير المؤمنين»، قال: «نعم»، فدخلوا فقال لهم سليمان: «هذا الكتاب (وهو يشير لهم وهم ينظرون إليه في يد رجاء بن حيوة) هذا عهدي، فاسمعوا وأطيعوا وبايعوا لمن سميت في هذا الكتاب»، فبايعوا رجلاً، ثم خرج بالكتاب مختوماً في يد رجاء... قال رجاء: وأجلست على الباب من أثق به وأوصيته أن لا يريم حتى آتيه، ولا يُدخل على الخليفة أحداً. فخرجت، فأرسلت إلى كعب بن حامد العنسي، فجمع أهل بيت أمير المؤمنين، فاجتمعوا في مسجد دابق فقلت: «بايعوا»، قالوا: «قد بايعنا مرة ونبايع أخرى!»، قلت: «هذا أمير المؤمنين، بايعوا على ما أمر به، ومن سمى في هذا الكتاب المختوم»، فبايعوا الثانية رجلاً رجلاً، فلما بايعوا بعد موت سليمان رأيت أني قد أحكمت الأمر، قلت: «قوموا إلى صاحبكم فقد مات»، قالوا: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وقرأت عليهم الكتاب، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز نادى هشام: «لا نبايعه أبداً»، قلت: «أضرب والله عنقك، قم فبايع»، فقام يجر رجليه. وأخذت بضبعي عمر فأجلسته على المنبر، وهو يسترجع لما وقع فيه، وهشام يسترجع لما أخطأه، فلما انتهى هشام إلى عمر قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، أي حين صار هذا الأمر إليك على ولد عبد الملك، فقال عمر: «نعم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، حين صار إلي لكراهتي له»

خطبته الأولى بعد استخلافه

صعد عمر المنبر وقال في أول لقاء له مع الأمة بعد استخلافه:

«أيها الناس، إني قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم.»
فصاح الناس صيحة واحدة: «قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فولِّ أمرنا باليمن والبركة»، وهنا شعر أنه لا مفر له من تحمل مسؤولية الخلافة، فأضاف قائلاً يحدد منهجه وطريقته في سياسة الأمة المسلمة:

عمر بن عبد العزيز أما بعد، فإنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن ما أحل الله حلال إلى يوم القيامة، ألا إني لست بقاضٍ ولكني منفّذ، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحد أن يُطاع في معصية الله، ألا إني لست بخيركم، ولكني رجل منكم، غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً.
أيها الناس، من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه، ولا يغتابن عندنا الرعية، ولا يعترض فيما لا يعنيه.
أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله عز وجل خلف، واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم، يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا من ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللذات...
وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها صلى الله عليه وسلم، ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً، ولا أمنع أحداً حقاً. عمر بن عبد العزيز
ثم رفع صوته حتى أسمع الناس فقال:

عمر بن عبد العزيز يا أيها الناس، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. وإن من حولكم من الأمصار والمدن، فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا وليكم، وإن هم نقموا فلست لكم بوالٍ. عمر بن عبد العزيز
ثم نزل. وهكذا عُقدت الخلافة لعمر بن عبد العزيز في ذلك اليوم، وهو يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة 99هـ.

تنظيم الولايات

عندما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كان من أول أعماله إيقاف التوسع في المناطق النائية في أطراف الدولة، ومحاولة سحب القوات الإسلامية من مناطق القتال، وأول أعماله في هذا المضمار كان في القوات التي عُني الخليفة سليمان بحشدها وإنفاذها بقيادة أخيه مسلمة لفتح القسطنطينية، وظلت تحاصرها مدة سنتين لاقت فيها مصاعب كثيرة دون أن تفلح في تحقيق هدفها، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، كتب بقفل مسلمة بن عبد الملك من القسطنطينية، وقد كان سليمان أغزاه إياها برّاً وبحراً، فاشتد عليهم المقام وجاعوا حتى أكلوا الدواب من الجهد والجوع، حتى يتنح الرجل عن دابته فتقطع بالسوق، ولجّ سليمان في أمرهم، فكان ذلك يغم عمر، فلما ولي رأى أنه لا يسعه فيها بينه وبين الله عز وجل شيء من أمور المسلمين ثم يؤخر فعله ساعة، فذلك الذي حمله على تعجيل الكتاب، وقد وجه عمر بن عبد العزيز إلى مسلمة وهو بأرض الروم يأمره بالقفول منها بمن معه من المسلمين، فوجه إليهم خيلاً عتاقاً وطعاماً كثيراً وحث الناس على معونتهم، فكان الذي وجه إليه الخيل العتاق فيما قيل خمسمائة رأس.


وفي الأندلس ولىّ عمر بن عبد العزيز السمح بن مالك الخولاني، وعهد إليه بإخلاء الأندلس من الإسلام إشفاقاً عليهم، إذ خشي تغلّب العدو عليهم لانقطاعهم من وراء البحر عن المسلمين. غير أن السمح لم ير الانسحاب الكامل من الأندلس، فكتب إلى الخليفة يقول: «إن الناس قد كثروا بها وانتشروا في أقطارها، فاضرب عن ذلك»، وأزال الأندلس عن عمالة أفريقية.

وفي المشرق، كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الرحمن والي خراسان يأمره بإقفال مَن وراء النهر من المسلمين بذراريهم، فأبوا وقالوا: «لا تسعنا مرو (قاعدة خراسان)»، فكتب إلى عمر بذلك، فكتب إليه عمر: «اللهم إني قد قضيت الذي عليّ فلا تغزُ بالمسلمين، فحسبهم الذي فتح الله عليهم». وفي جبهة بلاد السند، كتب عمر بن عبد العزيز إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يُملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه، فأسلم جيشه والملوك، وتسموا بأسماء العرب، وكان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر.

وفي أذربيجان، أغار الترك على المسلمين، فقتلوا من المسلمين جماعة ونالوا منهم، فَوَجَّه إليهم عمر بن عبد العزيز حاتم بن النعمان الباهلي، فقتل أولئك الترك، فلم يفلت منهم إلا اليسير، فقدم منهم على عمر بخناصرة خمسون أسيراً.

وفي سنة 100هـ، أغارت الروم في البحر على ساحل اللاذقية، فهدموا مدينتها وسَبَوْا أهلها، فأمر ببنائها وتحصينها. وفي 101هـ، أغزى عمر بن عبد العزيز الوليد بن هشام المعيطي، وعمرو بن قيس الكندي من أهل حمص، وأمر بترحيل أهل طرندة وهم كارهون، وذلك لإشفاقه عليهم من العدو. وأراد أن يهدم المصيصة لتعُّرضها لغارات الروم، ثم أمسك عن ذلك وبنى لأهلها مسجداً جامعاً من ناحية "كفرييا"، واتخذ فيه صهريجاً وكان اسمه عليه مكتوباً، وجعلها مركزاً متقدماً لدرء الخطر عن أنطاكية من غزوات الروم المتكررة.

وكان عمر حازماً شديداً في أخذ الحق والدفاع عنه، وهذا ما تشير إليه رواية ابن عبد الحكم، حيث يذكر أنه عندما أرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز رسولاً إلى ملك الروم، وقصّ عليه قصة رجل أسير في بلد الروم أجبر على ترك الإسلام واعتناق النصرانية، قائلين له: «إن لم تفعل سملت عينك»، فاختار دينه على بصره فسملت عيناه، فأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى ملك الروم وقال له: «أقسم بالله لأن لم ترسله إلي لأبعثن إليك من الجنود جنوداً يكون أولهم عندك وآخرهم عندي»، فاستجاب ملك الروم لطلبه، وبعث بالرجل إليه.

إدارة الدولة

تميزت خلافة عمر بن عبد العزيز بعدد من المميزات، أهمها:

العدل

كان عمر بن عبد العزيز يرى أن المسؤولية تتمثل بالقيام بحقوق الناس، والخضوع لشروط بيعتهم، وتحقيق مصلحتهم المشروعة، فالخليفة أجير عند الأمة وعليه أن ينفذ مطالبها العادلة حسب شروط البيعة.

وقد أحب الاستزادة في فهم صفات الإمام العادل وما يجب أن يقوم به ليتصف بهذه الخصلة، فكتب إلى الحسن البصري يسأله عن ذلك، فأجابه الحسن:

«الإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده؛ يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، يكتب لهم في حياته، ويدخرهم بعد مماته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البّرة الرفيقة بولدها، حملته كرهاً، ووضعته كرهاً، وربته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصيّ اليتامى وخازن المساكين، يربي صغيرهم. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويُسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملَّكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدَّد وشرَّد العيال، فأفقر أهله وفرَّق ماله.»
وقد أحبّ عمر أهل البيت وأعاد إليهم حقوقهم، وقال مرة لفاطمة بنت علي بن أبي طالب: «يا بنت علي، والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحبّ إليَّ منكم، ولأنتم أحب إليَّ من أهل بيتي»

ردّ المظالم

بدأ عمر بن عبد العزيز برد المظالم بنفسه، روى ابن سعد: لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال: «إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسي»، فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع، فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم، فقال: «هذا مما كان الوليد بن عبد الملك أعطانيه مما جاءه من أرض المغرب»، فخرج منه. وقد بلغ به حرصه على التثبت أنه نزع حلي سيفه من الفضة، وحلاه بالحديد، قال عبد العزيز بن عمر: «كان سيف أبي محلى بفضة فنزعها وحلاه حديداً».

وكان خروجه مما بيده من أرض أو متاع بعدة طرق كالبيع، فلما استخلف نظر إلى ما كان له من عبد، وإلى لباسه وعطره وأشياء من الفضول، فباع كل ما كان به عنه غني، فبلغ ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعله في السبيل. أو عن طريق ردها إلى أصحابها الأصليين، وهذا ما فعله بالنسبة للقطائع التي أقطعه إياها قومه، كما أرجع عمر للرجل المصري أرضه بحلوان بعد أن عرف أن والده عبد العزيز قد ظلم المصري فيها، وحتى الدار التي كان والده عبد العزيز قد اشتراها من الربيع بن خارجة الذي كان يتيماً في حجره، ردها عليه، لعلمه أنه لا يجوز اشتراء الولي ممن يلي أمره. ثم التفت إلى المال الذي كان يأتيه من جبل الورس باليمن، فرده إلى بيت مال المسلمين مع شدة حاجة أهله إلى هذا المال، كما أمر مولاه مزاحماً برد المال الذي كان يأتيه من البحرين كل عام إلى مال الله.

وإذا كان عمر قد بدأ بنفسه في رد المظالم، فقد ثنّى ذلك بأهل بيته وبني عمومته من الأمويين، فقد رأى أن الأمويين أدخلوا الكثير من مظاهر السلطان التي لم تكن موجودة على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو خلفائه الراشدين، فأنفقوا الكثير من المال من أجل الظهور بمظاهر العظمة والأبهة أمام رعيتهم، وفوجيء بتلك الثياب الجديدة وقارورات العطر والدهن التي أصبحت له بحجة أن الخليفة الراحل لم يصبها، فهي من حقه بصفته الخليفة الجديد، فأمر مولاه مزاحماً فور تقديم هذه الزينة له ببيعها، وضم ثمنها إلى بيت مال المسلمين.

ولقد كانت لعمر سياسة محددة في رد مظالم بني أمية، فحين وفد عليه أفراد البيت الأموي عقب انصرافه من دفن سليمان، وسألوه ما عودهم الخلفاء الأمويون من قبله، أراد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز أن يردهم عن أبيه، فقال له عمر: «وما تبلغهم؟»، قال: «أقول: أبي يقرئكم السلام ويقول لكم: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، ثم اتجه إلى أبناء البيت الأموي، فجمعهم وطلب إليهم أن يُخرجوا ما بأيدهم من أموال وإقطاعات أخذوها بغير حق. ولم تمضِ سوى أيام معدودات حتى وجد بنو أمية أنفسهم مجردين إلا من حقهم الطبيعي المشروع

وعندما عجز الرجال من بني أمية عن جعل عمر يخاف أو يلين عن سياسته إزاءهم، لجأوا إلى عمته فاطمة بنت مروان، فلما دخلت عليه عظمها وأكرمها كعادته، وألقى لها وسادة لتجلس عليها، فقالت: «إن قرابتك يشكونك ويذكرونك أنك أخذت منهم خير غيرك»، قال: «ما منعتهم حقاً أو شيئاً كان لهم، ولا أخذت منهم حقاً أو شيئاً كان لهم»، فقالت: «إني رأيتهم يتكلمون، وإني أخاف أن يهيجوا عليك يوماً عصيباً»، فقال: «كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره»، فدعا بدينار وجنب ومجمرة، فألقى ذلك الدينار بالنار، وجعل ينفح على الدينار فإذا احمرّ تناوله بشيء، فألقاه على الجمر فنشى وقتر، فقال: «أي عمة، أما ترثين لابن أخيك من هذا؟»، ثم قال: «إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة ولم يبعثه عذاباً إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده وترك للناس نهراً شربهم فيه سواء، ثم ولي أبو بكر وترك النهر على حاله، ثم ولي عمر فعمل عملهما، ثم لم يزل النهر يستقي منه يزيد ومروان وعبد الملك وابنه الوليد وسليمان أبناء عبد الملك حتى أفضى الأمر إلي وقد يبس النهر الأعظم، فلم يُروَ أصحابه حتى يعود إلى ما كان عليه»، فقالت: «حسبك، قد أردت كلامك، فأما إذا كانت مقالتك هذه فلا أذكر شيئاً أبداً»، فرجعت إليهم فأخبرتهم كلامه. وجاء في رواية أنها قالت لهم: «أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب فجاء يشبه جده»، فسكتوا.

ومرة بعث إليه واليه على البصرة برجل اغتصب أرضه، فرد عمر هذه الأرض إليه ثم قال له: «كم أنفقت في مجيئك إلي؟»، قال: «يا أمير المؤمنين، تسألني عن نفقتي وأنت قد رددت علي أرضي وهي خير من مائة ألف؟»، فأجابه عمر: «إنما رددت عليك حقك»، ثم ما لبث أن أمر له بستين درهماً تعويضاً له عن نفقات سفره. وقال ابن موسى: «ما زال عمر بن عبد العزيز يردّ المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات».

وذات يوم قدم عليه نفر من المسلمين وخاصموا روح بن الوليد بن عبد الملك في حوانيت، وقد قامت لهم البينة عليه، فأمر عمر روحاً برد الحوانيت إليهم، ولم يلتفت لسجل الوليد، فقام روح فتوعدهم، فردع رجل منهم وأخبر عمر بذلك، فأمر عمر صاحب حرسه أن يتبع روحاً، فإن لم يردّ الحوانيت إلى أصحابها فليضرب عنقه، فخاف روح على نفسه وردّ إليهم حوانيتهم. وردّ عمر أرضاً كان قوم من الأعراب أحيوها، ثم انتزعها منهم الوليد بن عبد الملك فأعطاها بعض أهله، فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضاً ميتة فهي له».

عزل جميع الولاة الظالمين

لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، عمد إلى جميع الولاة والحكام الظالمين فعزلهم عن مناصبهم، ومنهم خالد بن الريان صاحب حرس سليمان بن عبد الملك الذي كان يضرب كل عنق أمره سليمان بضربها، وعين محله عمرو بن مهاجر الأنصاري، فقال عمر بن عبد العزيز: «يا خالد، ضع هذا السيف عنك، اللهم إني قد وضعت لك خالد بن الريان، اللهم لا ترفعه أبداً»، ثم قال لعمرو بن مهاجر: «والله إنك لتعلم يا عمرو إنه ما بيني وبينك قرابة إلا قربة الإسلام، ولكني سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك حسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي».

وقد رأى عمر رجلاً كثير الصلاة، فأراد أن يمتحنه ليوليه، فأرسل إليه رجلاً من خاصته فقال: «يا فلان، إنك تعلم مقامي عند أمير المؤمنين، فمالي لو جعلته يوليك على أحد البلدان؟»، فقال الرجل: «لك عطاء سنة»، فرجع الرجل إلى عمر وأخبره بما كان من هذا الرجل، فتركه لأنه سقط في الاختبار.

وكان من ضمن من عزلهم عمر بن عبد العزيز: أسامة بن زيد التنوخي، وكان على خراج مصر، لأنه كان غاشماً ظلوماً يعتدي في العقوبات بغير ما أنزل الله عز وجل؛ فكان يقطع الأيدي في خلاف دون تحقق شروط القطع، فأمر به عمر بن عبد العزيز أن يحبس في كل جُنُد سنة، ويُقيّد ويُحلّ عنه القيد عند كل صلاة ثم يُرد في القيد، فحبس بمصر سنة، ثم بفلسطين سنة، ثم مات عمر وولي يزيد بن عبد الملك الخلافة، فردّ أسامة على مصر في عمله.

عطر الزنبق
06-14-2021, 06:45 PM
الشخصية الاسلامية السادسة

https://a.top4top.io/p_1934uziov1.png

https://b.top4top.io/p_19347d0dt2.png

سَعْد بن أَبي وقاص مَالِك القرشي الزهري (23 ق هـ أو 27 ق هـ - 55 هـ / 595 أو 599 - 674م)، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، فقيل ثالث من أسلم وقيل السابع، وهو أوّل من رمى بسهمٍ في سبيل الله، وقال له النبي: «ارم فداك أبي وأمي»، وهو من أخوال النبي، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده.

هاجر سَعْدُ إلى المدينة المنورة، وشهد غزوة بدر وأحد وثَبُتَ فيها حين ولى الناس، وشهد غزوة الخندق وبايع في الحديبية وشهد خيبر وفتح مكة، وكانت معه يومئذٍ إِحدى رايات المهاجرين الثلاث، وشهد المشاهد كلها مع النبي، وكان من الرماة الماهرين، استعمله عمر بن الخطاب على الجيوش التي سَيَّرها لقتال الفرس، فانتصر عليهم في معركة القادسية، وأَرسل جيشًا لقتال الفرس بجلولاء فهزموهم، وهو الذي فتح مدائن كسرى بالعراق. فكان من قادة الفتح الإسلامي لفارس، وكان أول ولاة الكوفة، حيث قام بإنشائها بأمر من عمر سنة 17 هـ، وجعله عمر بن الخطاب في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده، وقال: «هم الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.» اعتزل سعد الفتنة بين علي ومعاوية، وتوفى في سنة 55 هـ بالعقيق ودُفِنَ بالمدينة، وكان آخر المهاجرين وفاةً.

بداية حياته

نسبه

هو : سَعْد بن أَبي وقاص القرشي الزهري، واسم أَبي وقاص: مالك بن وُهَيب وقيل: أُهيب بن عبد مناف بن زُهْرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أُمّه حَمْنَةُ بنت سفيان بن أُميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصيّ، وقيل: حمنة بنت أَبي سفيان بن أُمية بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية.
يَلْتَقِي في نسبه مع النبي فِي كلاب بن مرة، وهو من بني زهرة وهم فخذ آمنة بنت وهب أم الرسول، لذلك يعد من أخوال النبي.
أخوته:
عامر بن أبي وقاص، من السابقين الأولين، ومن مهاجرة الحبشة، شهد غزوة أحد، وكان يحمل الرسائل من قادة جيوش المسلمين في الشام إلى الخليفة في المدينة المنورة، وقد كان نائباً لأبي عبيدة على إمارة جند الشام.
عتبة بن أبي وقاص، اختلف في إسلامه، وقيل أنه هو الذي كسر رَباَعِيَة النبي في غزوة أحد وأنه مات كافرًا، وهو والد هاشم بن عتبة.
عمير بن أبي وقاص، أسلم مبكرًا، وقتل في غزوة بدر وهو في ابن ست عشرة سنة.

مولده وصفته

ولد سعد بن أبي وقاص في مكة واختلف في عام مولده، فقيل ولد سنة 23 قبل الهجرة، وقيل ولد قبل البعثة بتسع عشرة سنة؛ لأنه قال: «أسلمت وأنا ابن تسع عشرة سنة.»، نشأ سعد في قريش، واشتغل في بري السهام وصناعة القسي، كان سعد رجلًا قصيرًا، دحداحًا، غليظًا، ذا هامة، شثن الأصابع، جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، أفطس، يخضب بالسواد. وكان سعد من أحدّ الناس بصرًا؛ فرأى ذات يوم شيئًا يزول، فقال لمن معه: «ترون شيئًا؟» قالوا: «نرى شيئًا كالطائر.» قال: «أرى راكبًا على بعير»، ثم جاء بعد قليل عم سعد على بُخْتي، فقال سعد: «اللهم إنا نعوذ بك من شَرِّ ما جاء به.»

إسلامه

كان سعد من أوائل من أسلم، حيث كان سابع سبعة في الإسلام، أسلم بعد ستة، وقيل بعد أربعة، وكان إسلامه قبل أن تُفرَض الصلاة، وهو ابن تسع عشرة سنة، وقيل سبع عشرة سنة، قال أبو القاسم الأصبهاني: «أَسْلَمَ وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ.»؛ في دلالة على صغر سنه، وجاء في صحيح البخاري قول سعد: «ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام»، وجاء في سبب إسلامه أنه رأى رؤيا تحثه على الإسلام؛ فعن ابنته عائشة أنه قال:

سعد بن أبي وقاص رأَيت في المنام، قبل أَن أُسلم، كأَني في ظلمة لا أَبصر شيئًا إِذ أَضاءَ لي قَمَر، فاتَّبعته، فكأَني أَنظر إِلى من سبقني إِلى ذلك القمر، فأَنظر إِلى زيد بن حارثة، وإِلى علي بن أبي طالب، وإِلي أَبي بكر، وكأَني أَسأَلهم: متى انتهيتم إِلى هاهنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يدعو إِلى الإِسلام مسْتخفيًا، فلقيته في شِعْب أَجْيَاد، وقد صلَّى العصر، فأَسلمت، فما تَقَدَّمني أَحد إِلا هم. سعد بن أبي وقاص
وكان أبو بكر يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه، فكان سعد ممن دعاهم أبو بكر، قال ابن إسحاق: «فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ - يعني أَبي بَكْرٍ - فِيمَا بَلَغَنِي: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَبِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَآمَنُوا وَأَصْبَحُوا مُقِرِّينَ بِحَقِّ الإِسْلامِ، فَكَانَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»

وكانت أم سعد معارضة لإسلامه، حيث لمّا علمت بإسلامه هددته أنها لن تاكل وتشرب حتى تموت؛ لكى تجعله يرجع عن الإسلام، فرفض سعد ذلك وأصر على الإسلام، فيقول: «نزلت هذه الآية فيَّ: Ra bracket.png وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ Aya-15.png La bracket.png سورة لقمان: 15. وكنت رجلًا بَرًّا بأَمي، فلما أَسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي أَحدثت؟ لتدعن دينك هذا أَو لا آكل ولا أَشرب حتى أَموت فتعير بي. فقال: لا تفعلي يا أُمَّه، فإِني لا أَدع ديني، قال: فمكَثَت يومًا وليلة لا تأَكل، فأَصبحت وقد جَهِدت، فقلت: واللّه لو كانت لك أَلف نفس، فخَرَجَت نَفْسًا نَفْسًا، ما تركت ديني هذا لشَيْءٍ. فلما رأَت ذلك أَكلت وشربت، فأَنزل اللّه هذه الآية.»

وكان سعد أول من أراق دمًا في سبيل الله، حيث كان المسلمون في مكة إذا صلوا ذهبوا إلى الشعاب، واستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد في نفر من المسلمين في أحد شعاب مكة، إذ ظهر عليهم نفر من قريش، فناكروهم وعابوا عليهم دينهم، فاقتتلوا، فضرب سعد رجلًا بلَحيِ جمل فشجه، فكان أول دم أُهريق في الإسلام، وقيل أن المشجوج هو عبد الله بن خطل.

هجرته إلى المدينة


كان سعد من المهاجرين الأوائل إلى المدينة، حيث كانت هجرته قبل قدوم النبي، فعن البراء بن عازب قال: «أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم.» ولما هاجر سعد مع أخيه عمير بن أبي وقاص من مكّة إلى المدينة، نزلا في منزل لأخيهما عتبة بن أبي وقاص كان بناه في بني عمرو بن عوف وحائطٍ له، حيث كان عُتْبَة أصاب دمًا بمكّة فهرب فنزل في بني عمرو بن عوف، وكان ذلك قبل البعثة النبوية


معاركه في العهد النبوي

شهد سعد بن أبي وقاص جميع الغزوات مع النبي، فشهد غزوة بدر وأحد وثَبُتَ فيها حين ولى الناس، وشهد غزوة الخندق وبايع في الحديبية وشهد خيبر وفتح مكة، وكانت معه يومئذٍ إِحدى رايات المهاجرين الثلاث، وكان من الرماة الماهرين، وهو أولُ من رَمى بسهم في سبيل الله، وكان أحد الفرسان الذين كانوا يحرسون النبي في مغازيه، وذلك في سريّة عبيدة بن الحارث في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة إلى المدينة المنورة، وكان معه يومئذ المقداد بن عمرو، وعتبة بن غزوان



سرية سعد بن أبي وقاص

أرسل النبي سعدًا على رأس سرية إلى الخرار، وكانت ثالث سرية يرسلها النبي، وذلك في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من الهجرة إلى المدينة المنورة، وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو، وبعثه في عشرين رجلاً من المهاجرين يعترض لعير قريش تمر به وعهد إليه أن لا يجاوز الخرّار. قال سعد بن أبي وقاص: «فخرجنا على أقدامنا فكنا نكمن النهار ونسير الليل حتى صبحناها صبح خمس، فنجد العير قد مرت بالأمس فانصرفنا إلى المدينة.»

غزوة بدر

شهد سعد غزوة بدر، وأرسله النبي في بداية المعركة مع علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ونفر من أصحابه إلى ماء بدر، ليأتوا له بالأخبار عن جيش قريش، فوجدوا غلامين لقريش يستقيان للجيش، فأتوا بهما إلى النبي وهو يصلي، فسألوهما، فقالا: «نحن سقاة قريش؛ بعثونا لنسقيهم من الماء»، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: «نحن لأبي سفيان»، فتركوهما، وركع النبي، وسجد سجدتين، ثم سلَّم، فقال: «إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما! صدقا والله، إنهما لقريش»، وقال لهما: «أخبراني عن جيش قريش»، فقالا: «هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى»، فقال لهما: «كم القوم؟»، قالا: «كثير»، قال: «ما عدتهم؟»، قالا: «لا ندري»، قال: «كم ينحرون كل يوم؟»، قالا: «يومًا تسعًا ويومًا عشرًا»، فقال النبي: «القوم ما بين التسعمائة والألف»، ثم قال لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟»، فذكرا عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبا البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنضر بن الحارث بن كلدة، وزمعة بن الأسود، ونبيه بن الحجاج، ومنبه بن الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود، فأقبل النبي إلى أصحابه قائلاً: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها».

ولمَّا بدأت المعركة أبلى سعد بلاءً حسنًا، يقول عبد الله بن مسعود: «لقد رأيتُ سعدًا يقاتل يوم بدرٍ قتال الفارس في الرجال.»، وقُتِل أخوه عمير في غزوة بدر، وقَتَل سعد سعيد بن العاص، وأخذ سيفه - وكان يسمّى ذا الكُتَيفَة -، فذهب إلى النبي يستأذنه في أخذ السيف، فقال له النبي: «اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبَضِ»، فرجع سعد، فلم يلبث حتى نزلت سورة الأنفال، فقال له النبي: «اذْهَبْ فَخُذْ سَيْفَكَ». ورُوِىَ أن سعدًا قد أسر أسيرين يوم بدر.

غزوة أحد

شهد سعد غزوة أُحُد وثبت يومَ أُحُد مع النبي حين ولّى النّاس، كان من الرماة في ذلك اليوم، حتى أن الزهري قال: «رمى سعد يوم أُحد أَلف سهم.» فكان النبي يقول له: «ارم فداك أبي وأمي»، وأنشد سعد:

ألا هَلَ أتى رسولَ اللهِ أنّي حَمَيْتُ صِحابتي بصُدورِ نَبْلي
أذودُ بها عَـدُوَّهُمُ ذيادًا بكُلّ حُزُونَةٍ وَبكُلّ سَهْلِ
فما يَعْتَـدّ رامٍ من مَعَدٍّ بسَهْـمٍ مَعْ رَسولِ الله قَبْلي

في عهد الخلفاء الراشدين

لمَّا مات النبي، واستُخلِف أبو بكر الصديق، كان سعد من جملة جيشه، ولما خرج جيش أسامة بن زيد من المدينة، طمع الأعراب في المدينة، فجعل أبو بكر حراسًا على أنقاب المدينة يبيتون حولها، منهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، ثم خرج سعد مع أبي بكر لقتال الأعراب بحروب الردة.

إمارة العراق

أرسل أبو بكر الصديق خالد بن الوليد من العراق إلى الشام، ولما مات أبو بكر، استخلف عمر أبا عبيد الثقفي على أجناد العراق سنة 13 هـ، ولكن كانت فترته قصيرة حوالي بضعة أشهر، حيث استشهد في معركة الجسر. وبعد مقتل أبي عبيد الثقفي، انتظم شمل الفرس، واجتمع أمرهم على يزدجرد الثالث، ونقض أهل الذمة عهودهم التي كانوا قد عاهدوا عليها المسلمين، وأخرجوا عمَّال المسلمين من بين أظهرهم. فغضب عمر بن الخطاب، وركب في أول يوم من محرم سنة 14 هـ، وكان عازمًا على غزو العراق بنفسه واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب، ثم عقد مجلسًا لاستشارة الصحابة فيما عزم القيام به، ونودي أن الصلاة جامعة، وقد أرسل إلى علي فقدم من المدينة، ثم استشارهم فكلهم وافقوه على الذهاب إلى العراق إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه قال له: «إني أخشى إن كسرت أن تضعف المسلمون في سائر أقطار الأرض، وإني أرى أن تبعث رجلا وترجع أنت إلى المدينة»، فارثا عمر والناس عند ذلك واستصوبوا رأي ابن عوف. فقال عمر: «فمن ترى أن نبعث إلى العراق»، فقال: «قد وجدته». قال: «من هو؟» قال: «الأسد في براثنه سعد بن مالك الزهري.» فاستجاد قوله، وأرسل إلى سعد فأمره على العراق وأوصاه فقال:

سعد بن أبي وقاص يا سعد بن وهيب لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فإن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم، وهم عباده، يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه فالزمه، فإنه أمر. هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين.
ولما أراد فراقه قال له: إنك ستقدم على أمر شديد، فالصبر الصبر على ما أصابك ونابك، تجمع لك خشية الله، واعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين: في طاعته، واجتناب معصيته، وإنما طاعة من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة، وإنما عصيان من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة. وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاء، منها: للسر، ومنها: العلانية، فأما العلانية: فأن يكون حامده وذامه في الحق سواء، وأما السر: فيعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه، وبمحبة الناس. ومن محبة الناس فلا تزهد في التحبب فإن النبيين قد سألوا محبتهم، وإن الله إذا أحب عبدا حببه، وإذا أبغض عبدا بغضه، فاعتبر منزلتك عند الله بمنزلتك عند الناس.

سعد بن أبي وقاص
فخرج سعد إلى العراق في ستة آلاف مقاتل أميرًا على من بها، وكتب عمر إلى جرير بن عبد الله البجلي والمثنى بن حارثة الشيباني أن يكونا تبعًا لسعد، وأن يسمعا ويطيعا له، وكانا قد تنازعا الإمارة، فالمثنى يقول لجرير: «إنما بعثك أمير المؤمنين مددًا لي»، وجرير يقول: «إنما بعثني أميرًا عليك»، فلما قدم سعد انقطع الخلاف بينهما، وقد مات المثنى في هذه السنة. فترحّم عليه سعد وتزوج امرأته سلمى، فلما وصل سعد إلى محلة الجيوش انتهت إليه رياستها، ولم يبق أميرًا في العراق إلا تحت أمره، وأمدَّه عمر بأمداد أُخَرَ حتى اجتمع في القادسية ثلاثون ألفًا، وقيل ستة وثلاثون ألفًا.

معركة القادسية

سار سعد في ثلاثين ألف مقاتل إلى القادسية، وبث سراياه وأقام فيها شهرًا لم ير أحدًا من الفرس، واجتمع رأي الفرس على إرسال رستم فرخزاد على الجيش، فذهب رستم وعسكر بساباط، فجعل على المقدمة - وهي أربعون ألفًا - الجالينوس، وعلى الميمنة الهرمزان، وعلى الميسرة مهران بن بهرام، وعلى الساقة البندران، وهم ثمانون ألفًا، وقيل: مائة وعشرون ألفًا يتبعها ثمانون ألفًا فالجملة مائتا ألف مقاتل، وثلاثة وثلاثون فيلًا، ثم بعث سعد النعمان بن مقرن المزني، وفرات بن حيان، وحنظلة بن الربيع، وعطارد بن حاجب، والأشعث بن قيس، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معد يكرب يدعون رستمًا إلى الإسلام، ولمَّا طاول رستم سعدًا في اللقاء، بعث سعد سرية لتأتيه برجل من الفرس لمعرفة أخبارهم، فاخترق طليحة بن خويلد الأسدي جيش الفرس حتى أسر أحدهم وجاء به، فسأله سعد عن القوم فجعل يصف شجاعة طليحة، فقال: «دعنا من هذا، وأخبرنا عن رستم؟» فقال: «هو في مائة ألف وعشرين ألفا، ويتبعها مثلها»، ولما تواجه الجيشان بعث رستم إلى سعد أن يبعث إليه برجل عاقل عالم بما أسأله عنه، فبعث إليه المغيرة بن شعبة، ثم بعث إليه سعد رسولا آخر وهو ربعي بن عامر، ثم بعث إليهم رسولًا ثالث وهو حذيفة بن محصن البارقي فتكلم نحو ما قال ربعي، وبعد أن فشلت المفاوضات، التقى الجيشان في القادسية.

ولمَّا تقابل الجمعان، كان سعد قد أصابه عرق النسا ودمامل في جسده فلم يعد يستطيع الركوب، فكان يجلس في قصر متكئ على صدره فوق وسادة وهو ينظر إلى الجيش ويدبر أمره، وقد جعل أمر الحرب إلى خالد بن عرفطة، وجعل على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي، وعلى الميسرة قيس بن مكشوح، فصلى سعد بالناس الظهر، ثم خطب الناس فوعظهم وحثهم، ثم تلا: Ra bracket.png وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ Aya-105.png La bracket.png، وقرأ القراء آيات الجهاد وسوره، ثم كبّر أربعًا، ثم بدأ القتال، واستمر القتال ثلاثة أيام، فلما أصبح اليوم الرابع اقتتلوا قتالًا شديدًا، وكانت خيول المسلمين تفر من فيلة الفرس، واستطاع المسلمون قتل الفيلة ومن عليها، وقلعوا عيونها، وأبلى جماعة من الشجعان في هذه الأيام مثل: طليحة الأسدي، وعمرو بن معدي كرب، والقعقاع بن عمرو، وجرير بن عبد الله البجلي، وضرار بن الخطاب، وخالد بن عرفطة، وأشكالهم وأضرابهم. فلما كان وقت الزوال من هذا اليوم، ويسمى: يوم القادسية، وكان يوم الاثنين من المحرم سنة 14 هـ، هبت ريح شديدة فرفعت خيام الفرس عن أماكنها، وألقت سرير رستم، فبادر فركب بغلته وهرب فأدركه المسلمون فقتلوه، وقتلوا جالينوس مقدمة الطلائع القادسية، وانهزمت الفرس، وقتل المسلسلون من الفرس وكانوا ثلاثين ألفًا وقُتِل في المعركة عشرة آلاف من الفرس، وقُتِل من المسلمين ألفان وخمسمائة.

فتح المدائن وجلولاء وحلوان


أرسل سعد زهرة بن الحوية التميمي في كتيبة لحصار بهرسير أو نهرشير وهي المدائن الغربية، فتلقّاه شيرزاد في ساباط بالصلح وأداء الجزية، ثم سار سعد بالجنود إلى مكان يقال له مُظلم ساباط، فوجد جندًا من الفرس تسمى جند بوران ومعهم أسد كبير يسمى المُقرّط، فتقدّم له هاشم بن عتبة فقتل الأسد، وهاجم المسلمون الفرس فهزموهم، ثم نزلوا نهرشير في ذي الحجة 15 هـ. بعث سعد السرايا في كل جهة يطلبون جند الفرس، فلم يجدوا أحدًا سوى الفلاحين، فجمع سعد منهم مائة ألف وكتب إلى عمر يستفته في أمرهم، فكتب إليه عمر: «إِنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْفَلَّاحِينَ لَمْ يُعِنْ عَلَيْكُمْ وَهُوَ مُقِيمٌ بِبَلَدِهِ فَهُوَ أَمَانُهُ، وَمَنْ هَرَبَ فَأَدْرَكْتُمُوهُ فَشَأْنُكُمْ بِهِ.» فأطلقهم سعد ودعاهم للإسلام، فاختاروا الجزية. أقام سعد على حصار نهرشير، وشدد الحصار شهرين حتى أرسل له الفرس يسألونه الصلح على أن يكون دجلة فاصلاً حدوديًا بين أرض المسلمين وأرض الفرس، فرفض المسلمون وركب الفرس السفن بأموالهم في الليل إلى الضفة الأخرى من النهر إلى المدائن وتركوا نهرشير خاوية، فدخلها المسلمون.

ولما فتح سعد نهرشير في صفر 16 هـ، بلغه نية يزدجرد الفرار بأمتعته وأمواله من المدائن إلى حلوان. فعزم على المسير إلى المدائن رغم فيضان دجلة وعدم وجود سفن تحمل المسلمين عبر النهر. انتدب عاصم بن عمرو التميمي وستمائة فارس معه للعبور إلى الضفة الأخرى من النهر، وحمايتها حتى يتسنى لجيش المسلمين العبور دون أن يهاجمهم الفرس، فعبر عاصم ومن معه النهر على ظهور الخيل. حاول الفرس منع كتيبة عاصم من عبور النهر، لكن دون جدوى حيث عبر عاصم النهر بكتيبته ودفع الفرس عن ضفة النهر حتى استطاع جيش المسلمين العبور. طارد جيش المسلمين الفرس حتى دخل المدائن فوجدها خاوية حيث فرّ يزدجرد بأهله ومعه ما قدر على حمله، ولم يجد المسلمون مقاومة إلا في القصر الأبيض الذي تحصّن فيه بعض المقاتلين، فأمهلهم ثلاثة أيام للتسليم، فقبلوا بالتسليم في اليوم الثالث. ودخل سعد إيوان كسرى، وجعله مُصلّى وقرر الإقامة في المدائن، وأرسل إلى عائلات الجند ليُسكنهم دور المدائن. ثم أرسل سعد سرايا لمطاردة يزدجرد، فأدركت بعض جند يزدجرد وقتلوهم واستردوا جزءً من حُليّ كسرى وتاجه. غنم المسلمون من المدائن الكثير من الأموال ومن كنوز كسرى، فأرسل سعد الخمس إلى عمر في المدينة، وتولى سلمان الفارسي قسمة البقية بين جند المسلمين. وحين بلغ الخمس المدينة، ألقى عمر بسواري كسرى إلى سراقة بن مالك المدلجي تحقيقًا لوعد النبي محمد له عندما اعترض سراقة النبي محمد في هجرته إلى المدينة.

وبعد فتح المدائن، فرر يزدجرد إلى حلوان وأرسل مهران رازي بجيش فارسي إلى جلولاء، فبعث سعد هاشم بن عتبة إلى جلولاء باثني عشر ألف، وتم فتح جلولاء في ذي القعدة 16 هـ. ثم أمر هاشم القعقاع بن عمرو التميمي بمطاردة فلولهم، فأدرك مهران في خانقين فقتله، وواصل القعقاع إلى حلوان. فوجد يزدجرد قد فرّ حين بلغه خبرؤإلى الجبال، وترك بحلوان فرسانًا بقيادة خسرو شنوم، فهزمهم القعقاع ودخل حلوان.

إمارة الكوفة

وفي سنة 17 هـ، وصل إلى عمر بن الخطاب خبرًا أن العرب قد رقت بطونها، وجفت أعضادها وتغيرت ألوانها، فكتب عمر إلى سعد: «أخبرني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟» فكتب إليه سعد: «إن الذي غيرهم وخومة البلاد، وإن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان.» فكتب إليه عمر: «أن ابعث سلمان وحذيفة رائدين فليرتادا منزلًا بريًا بحريًا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر.» فأرسلهما سعد، فخرج سلمان حتى يأتي الأنبار فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة، وسار حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة، فارتحل سعد من المدائن حتى نزل الكوفة في محرم سنة سبع عشرة، وخيّر المسلمين بينها وبين المدائن، فمن أعجبه أن يقينم بالمدائن تركه يقيم بها، واستأذن سعد أهل الكوفة في بنيان القصب، ثم وقع حريقًا في الكوفة والبصرة، وكانت الكوفة أشد حريقا في شوال، فبعث سعد إلى عمر يستأذنه في البنيان بالطوب اللبن، فأذن لهم على ألا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات، وألا يطاولوا في البنيان، وتولى سعد إمارة الكوفة.

وفي سنة 18 هـ بني سعد جامع الكوفة، وفي سنة 20 هـ شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر فعزله، وولى عليه عمار بن ياسر، وكان من شكواهم أنهم قالوا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل عمر إلي سعد فقال: «يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي»، فقال: «أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين»، قال عمر: «ذاك الظن بك يا أبا إسحاق»، وأرسل معه محمد بن مسلمة إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: «أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية»، قال سعد: «أما والله لأدعون بثلاث اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه بالفتن»، فكان بعد ذلك يتعرض للجواري في الطرق يغمزهن، وكان إذا سئل عما يفعل يقول: «شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد»

الشورى بعد وفاة عمر

فلمَّا طُعِن عمر بن الخطاب ودنت وفاته، أوصى بأن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. ورفض تسمية أحدهم بنفسه، وقال: «من استخلفوه فهو الخليفة بعدي، وإن أصابت سعدًا، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي، فإنني لم أنزعه - يعني عن الكوفة - من ضعف ولا خيانة.» وأمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا، ومات عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 هـ، الموافقة لسنة 644 م.

وبعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب، اجتمع أصحاب الشورى، فاختار سعد عبد الرحمن بن عوف وقال: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»، وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، ثم عزل ابن عوف نفسه من الأمر، وأخذ يستشير المسلمين حتى اجتمعوا على عثمان بن عفان

اعتزاله الفتنة

كان سعد معتزلًا الفتنة، فبعد مقتل عثمان بن عفان، طالبه ابنه عمر بن سعد أن يدعو لنفسه بالخلافة فرفض، وكذلك طالبه أيضا ابن أخيه هاشم بن عتبة، فلما أصرّ سعد على الرفض، بايع هاشم عليَا.

وكان سعد ممن قعد ولزم بيته في الفتنة، فلم يحضر موقعة الجمل ولا موقعة صفين ولا التحكيم، وأمر أهله ألا يخبروه من أخبار الناس بشيء حتى تجتمع الأمة على إمام، فطمع فيه معاوية بن أبي سفيان، وفي عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن مسلمة، وكتب إليهم يدعوهم إلى عونه على الطلب بدم عثمان ويقول لهم: «إنهم لا يكفرون ما أتوه من قتله وخذلانه إلا بذلك، إن قاتله وخاذله سواء»، فأجابه كل واحد منهم يرد عليه ما جاء به من ذَلِكَ، وينكر مقالته، ويعرفه بأنه لَيْسَ بأهل لما يطلب، وكان في جواب سعد بن أبى وقّاص له:

معاوي داؤك الداء العياء وليس لما تجيء به دواء
أيدعوني أبو حسن علي فلم أردد عليه ما يشاء
وقلت له اعطني سيفًا بصيرًا تميز به العداوة والولاء
فإن الشر أصغره كبير وإن الظهر تثقله الدماء
أتطمع في الذي أعيا عليًا على ما قد طمعت به العفاء
ليوم منه خير منك حيًا وميتًا أنت للمرء الفداء
فأما أمر عثمان فدعه فإن الرأي أذهبه البلاء


وفي صحيح مسلم:

سعد بن أبي وقاص أن معاوية أمر سعدًا، فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب، فقال: أما ما ذكرت ثلاثًا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال فتطاولنا لها، فقال ادعوا لي عليًا، فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية ï´؟فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْï´¾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا وفاطمة وحسنًا وحسينًا فقال اللهم هؤلاء أهلي. سعد بن أبي وقاص
ولمَّا سمع سعد أن رجلًا كان يقع في علي وطلحة والزبير، جعل سعد ينهاه ويقول: «لا تقع في إخواني»، فأبى، فقام سعد، وصلى ركعتين ودعا عليه، فجاء جملٌ يشق الناس، فأخذه بالبلاط، فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه، يقول سعيد بن المسيب: «فأنا رأيت الناس يتبعون سعدًا يقولون: هنيئا لك يا أبا إسحاق، استجيبت دعوتك.»

وفاته

كان آخر المهاجرين وفاةً، ولمَّا حضرَتْه الوفاةُ دعا بخلَق جبةٍ له من صوف، فقال: «كفّنوني فيها، فإنّي كنت لقيتُ المشركين فيها يوم بَدْر وهي عليّ، وإنما كنت أَخبؤها لذلك.»، فكانت وفاته في عهد معاوية بن أبي سفيان سنة خمس وخمسين، وقيل سنة ست وخمسين، وقيل سنة سبع وخمسين، وقال أبو نعيم الملائي: سنة ثمان وخمسين، والأول هو الصحيح، ومات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، فحُمل إلى المدينة على رقاب الرجال، وصلّى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة، وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة. أرسلت زوجات النبي: «أنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَخْرُجَ إليه نصلي عليه.» وأن يمروا بجنازته في المسجد النبوي، ففعلوا، فدخلوا به فقاموا على رؤوسهن فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، وخُرِجَ به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهنّ أنّ النّاس عابوا ذلك وقالوا: «ما كانت الجنائز يُدْخَلُ بها المسجد»، فبلغ ذلك عائشة بنت أبي بكر فقالت: «ما أسرعَ النّاسَ إلى أن يعيبوا ما لا علمَ لهم به، عابوا علينا أن يُمَرّ بجنازةٍ في المسجد وما صلّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على سهيل بن البيضاء إلاّ في جوف المسجد.» وترك سعدٌ يوم مات مائتي ألف وخمسين ألفَ درهم، ومما يدل على ثرائه أنه كان زكاة عين ماله حين أرسلها إلى مروان بن الحكم خمسة آلاف درهم.

روايته للحديث

لسعد بن أبي وقاص في رواية الحديث جملة أحاديث صالحة، له في صحيحي البخاري ومسلم خمسة عشر حديثًا متفق عليهما، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثًا، وله في مسند أحمد بن حنبل مائة سبعة وسبعون حديثًا، وروى عنه: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعائشة بنت أبي بكر، وعبد الله بن عباس، والسائب بن يزيد، جبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وروى عنه بنوه: عامر، وعمر، ومحمد، ومصعب، وإبراهيم، وعائشة، وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعمرو بن ميمون، والأحنف بن قيس، وعلقمة بن قيس النخعي، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ومجاهد، وشريح بن عبيد الحمصي، وأيمن المكي، وبشر بن سعيد، وأبو عبد الرحمن السُلمي، وأبو صالح ذكوان، وعروة بن الزبير، وغيرهم. ومن الأحاديث التي رواها عن النبي أنه قال: «دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.»

الآراء حول سعد بن أبي وقاص

نظرة أهل السنة والجماعة

يُعدّ سعد بن أبي وقاص أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، حيث أنه من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأنه من العشرة المبشرين بالجنة، وأوّل من رمى بسهمٍ في سبيل الله، وحامل إِحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة، وأحد قادة الفتح الإسلامي لفارس، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل سعد ومكانته، منها:

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي أنه قال:
سعد بن أبي وقاص أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. سعد بن أبي وقاص
عن أبي عثمان النهدي قال:
سعد بن أبي وقاص لم يبقَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في بعضِ تلك الأيامِ التي قاتل فيهنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، غيرُ طلحة وسعدٍ. عن حديثهما. سعد بن أبي وقاص
عن علي بن أبي طالب قال:
سعد بن أبي وقاص ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدًا غير سعد؛ سمعته يقول: ارم فداك أبي وأمي، أظنه يوم أحد. سعد بن أبي وقاص
عن عائشة بنت أبي بكر قالت:
سعد بن أبي وقاص سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، قَالَتْ: فَبَيْنَما نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَامَ. سعد بن أبي وقاص
عن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام قال:
سعد بن أبي وقاص أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي فليرني امرؤ خاله. سعد بن أبي وقاص
عن سعد قال:
سعد بن أبي وقاص قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَهُ إِذَا دَعَاكَ. سعد بن أبي وقاص
عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال: «وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهِي وَصَدْرِي وَبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا. فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَ يَدِهِ عَلَى صَدْرِي فِيمَا يُخَيَّلُ إِلَيَّ حَتَّى السَّاعَةِ.»
قال ابن حجر العسقلاني:
سعد سعيد زبير طلحة وأبو عبيدة وابن عوف قبله الخلفا
لا تسألن القوافي عن مآثرهم إن شئت فاستنطق القرآن والصحفا


عند الشيعة الاثنا عشرية

لا يختلف موقف الشيعة الاثنا عشرية من سعد بن أبي وقاص عن موقفهم تجاه العشرة المبشرين بالجنة، حيث يرى الشيعة بطلان حديث العشرة المبشرين بالجنة وينفونه، كما يرون أنه انحرف عن بيعة علي بن أبي طالب، فيقول أبو الحسن العاملي: «سعد بن أبي وقاص قارون هذه الأمة، وهذا ظاهر من جهة ارتداده وتكبره عن مبايعة أمير المؤمنين» كما تروي كتب الشيعة أن عليًا قال عن سعد أن على كل شعرة من لحيته شيطانًا جالسًا، فيروي التستري عن علي قوله لسعد: «إن في شعرك ملكاً يلعنك، وعلى كل طاقة من شعر لحيتك شيطانًا جالسًا.»



أسرته

زوجاته

ذكر محمد بن سعد البغدادي في كتابه الطبقات الكبرى عددًا من زوجات سعد بن أبي وقاص وأمهات أولاده، هن:

سَلْمى بنت خَصَفَة أو سلمى بن حفص بن ثَقْفِ بن ربيعة من تيم اللاّت بن ثعلبة بن عُكابة،
أنجبت له عمير الأصغر، وعمر، وعمران، وأم عمرو وأمّ أيّوب وأمّ إسحاق، وكانت معه بالعراق، وشهدت معه معركة القادسية، وهي التي أطلقت أبا محجن الثقفي يوم القادسية.
ابنة شِهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهْرة، أنجبت له إسحاق الأكبر، وأم الحكم الكبرى.

ماوِيّة بنت قَيْس بن مَعْدِيكَرِبَ بن أبي الكَيْسَم بن السِّمْط بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية من كِندة، أنجبت له عمر، ومحمد، وحفصة، وأم القاسم، وأم كلثوم.
أمّ عامر بنت عمرو بن عمرو بن كعب عمرو من بَهْراءَ، أنجبت له عامر، وإسحاق الأَصغر، وإسماعيل، وأم عمران.
زَبَدُ بنت الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل بن عبد عوف بن مالك بن جَنَاب بن قيس بن ثعلبة بن عُكابة بن صَعْب بن عليّ بن بكر بن وائل، أصيبت سباءً، أنجبت له إبراهيم، وموسى، وأم الحكم الصغرى، وأم عمرو، وهند، وأم الزبير، وأم موسى، وعائشة.
سلمى من بني تغلب بن وائل،
أنجبت له عبد الله.

خَوْلَةُ بنت عمرو بن أوس بن سَلامَة بن غَزِيّةَ بن مَعْبَد بن سعد بن زُهير بن تيم الله بن أُسامة ابن مالك بن بكر بن حُبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل،
أنجبت له مصعب.

أمّ هلال بنت ربيع بن مُرَيّ بن أوس بن حارثة بن لام بن عمرو بن ثمُامة بن مالك بن جَدْعاءَ بن ذُهل بن رُومان بن حارثة بن خارجة بن سعد بن مَذحِج،
أنجبت له عبد الله الأصغر، وبجير، وحميدة.

أمّ حكيم بنت قارض من بني كنانة حُلفاءِ بني زُهرة، أنجبت له عمير، وحمنة.
طيّبَةُ بنت عامر بن عُتْبة بن شراحيل بن عبد الله بن صابر بن مالك بن الخزرج بن تيم الله من النّمر بن قاسط،
أنجبت له صالح.

أمّ حُجير،
أنجبت له عثمان ورملة.

قيلة ذكرها ابن الجوزي، وهي امرأة المثنى بن حارثة الشيباني،
تزوجها سعد بالعراق بعد وفاة المثنى، وكانت قد شهدت مع زوجها أغلب حرب العراق، وشهدت مع سعد القادسية، ولمّا فر بعض الخيل يومئذٍ وسعد نائم مما يؤلمه من مرضه، فزعت وقالت: «وامثنياه! ولا مثنى لي اليوم»، فغضب سعد ولطم وجهها، فقالت: «أغيرةً وجبنًا» تعيره بالجلوس في الحرب.

أبناؤه

أبناؤه الذكور هم:


إسحاق الأكبر أمّه ابنة شِهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهْرة، أكبر أولاد سَعْد، وبه كان يكنى. وُلد له في عهد النبيّ، ومات صغيرًا.
عُمَرُ الأكبر، أمه ماوِيّة بنت قَيْس بن مَعْدِ يكَرِبَ، استعمله عبيد الله بن زياد على الرّيّ وهمذان، فلمّا قدم الحسين بن علي العراق أمره عبيدُ الله بن زياد أن يسير إليه وبعث معه أربعة آلاف، فقاتله حتى قُتل الحسين. ولمّا غلب المختار بن أبي عبيد الثقفي على الكوفة قتل عمر بن سعد وابنه حفصًا.
محمّد بن سعد، أمه ماوِيّة بنت قَيْس بن مَعْدِ يكَرِبَ، كان ممن ثار على الحجاج بن يوسف الثقفي مع ابن الأشعث، فأُسر يومَ دير الجماجم، فقتله الحجاج.
عامر، أمّه أمّ عامر بنت عمرو، تابعي، وأحد رواة الحديث النبوي، توفي عامر بن سعد سنة 96 هـ بالمدينة المنورة في خلافة الوليد بن عبد الملك.
إسحاق الأَصغر، أمّه أمّ عامر بنت عمرو.
إسماعيل، أمّه أمّ عامر بنت عمرو.
إبراهيم، أمّه ابنة الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل، وقد روى إبراهيم عن عليّ، وكان إبراهيم ثقة كثير الحديث.
موسى، أمّه ابنة الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل.
عبد الله بن سعد، أمّه سلمى من بني تغلب بن وائل.
مُصْعَبُ بن سعد، أمّه خَوْلَةُ بنت عمرو بن أوس، نزل الكوفة، وقد روى عن عليّ، وكان ثقةً كثير الحديث، وتوفّي بالكوفة سنة ثلاثٍ ومائة.
عبد الله الأصغر، أمّه أمّ هلال بنت ربيع بن مُرَيّ.
بُجَيْر واسمه عبد الرّحَمن، أمّه أمّ هلال بنت ربيع بن مُرَيّ.
عُمير بن سعد الأكبر، أمّه أمّ حكيم بنت قارض من بني كنانة، توفي قبل أبيه.
عُمير الأصغر، وأمّه سَلْمى بنت خَصَفَة، ، قُتل يوم الحَرّة في ذي الحجّة سنة ثلاثٍ وستّين.
عمر الأصغر، وأمّه سَلْمى بنت خَصَفَة.
عمران، وأمّه سَلْمى بنت خَصَفَة.
صالح بن سعد، أمّه طيّبَةُ بنت عامر بن عُتْبة بن شراحيل، كان نزل الحِيرَةَ لشَرٍّ وقع بينه وبين أخيه عمر بن سعد ونزلها وَلَدُهُ ثمّ نزلوا رأسَ العين.
عثمان، وأمّه أمّ حُجير.

وأبناؤه الإناث هن

أمّ الحَكَمِ الكبرى، أمّها ابنة شِهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهْرة.
حَفْصَةُ، أمها ماوِيّة بنت قَيْس بن مَعْدِ يكَرِبَ.
أمّ القاسم، أمها ماوِيّة بنت قَيْس بن مَعْدِ يكَرِبَ.
أمّ كلثوم، أمها ماوِيّة بنت قَيْس بن مَعْدِ يكَرِبَ.
أمّ عمران، أمّها أمّ عامر بنت عمرو.
أمّ الحكم الصغرى، أمّها ابنة الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل.
أمّ عمرو، أمّها ابنة الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل.
هند، أمّها ابنة الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل.
أمّ الزّبير، أمّها ابنة الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل.
أمّ موسى، أمّها ابنة الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل.
حَميدة، وأمّها أمّ هلال بنت ربيع بن مُرَيّ.
حَمْنَةُ، وأمّها أمّ حكيم بنت قارض من بني كنانة حُلفاءِ بني زُهرة.
أمّ عمرو، وأمّها سَلْمى بنت خَصَفَة.
أمّ أيّوب، وأمّها سَلْمى بنت خَصَفَة.
أمّ إسحاق، وأمّها سَلْمى بنت خَصَفَة.
رملة، وأمّها أمّ حُجير.
عَمْرَة وهي العمياء تزوّجها سهيل بن عبد الرّحمن بن عوف وأمّها امرأة من سَبي العرب.
عائشة بنت سعد، أمها ابنة الحارث بن يَعْمُرَ، توفيت عام 117 هـ،
وهي من رواة الحديث.

[/COLOR]

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:17 PM
الشخصية الاسلامية السابعة


https://d.top4top.io/p_19358jknp1.png

https://e.top4top.io/p_1935p4tzt2.png

الزُّبَيْرُ بن العَوَّام القرشي الأسدي (28 ق.هـ - 36 هـ / 594 - 656م)، ابن عمة النبي محمد بن عبد الله وابن أخ زوجته خديجة بنت خويلد، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام، يُلقب بـ حواري رسول الله؛ لأن النبي قال عنه: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ»، أوَّل من سلَّ سيفه في الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده. وهو أبو عبد الله بن الزبير الذي بُويع بالخلافة ولكن خلافته لم تمكث طويلًا، وزوج أسماء بنت أبي بكر المُلقّبة بذات النطاقين.

أسلم الزبير وهو ابن ست عشرة سنة، وقيل ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل ابن ثمان سنوات، وكان إسلامه بعد إسلام أبي بكر الصديق، فقيل أنه كان رابع أو خامس من أسلم، هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى ولم يُطِل الإقامة بها، وتزوج أسماء بنت أبي بكر، وهاجرا إلى يثرب التي سُميت فيما بعد بالمدينة المنورة، فولدت له عبد الله بن الزبير فكان أول مولود للمسلمين في المدينة.

شارك في جميع الغزوات في العصر النبوي، فكان قائد الميمنة في غزوة بدر، وكان حامل إحدى رايات المهاجرين الثلاث في فتح مكة، وكان ممن بعثهم عمر بن الخطاب بمدد إلى عمرو بن العاص في فتح مصر، وجعله عمر بن الخطاب في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده، وقال: «هم الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.» وبعد مقتل عثمان بن عفان خرج إلى البصرة مطالبًا بالقصاص من قتلة عثمان فقَتَله عمرو بن جرموز في موقعة الجمل، فكان قتله في رجبٍ سنة ستٍّ وثلاثين من الهجرة، وله أربع وستُّون سنة.

بداية حياته

نسبه

هوَ: الزُّبَيْرُ بن العَوَّام بن خُوَيْلِد بن أسَدَ بن عبد العُزَّى بن قُصَي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأبوه العَوَّام هو أخو زوجة النبي خديجة بنت خويلد.
أمه: صَفيّةُ بنت عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهي عمة النبي محمد.
وله أربعة إخوة وأربعة خوات:
السائب بن العوام: أمه صفية بنت عبد المطلب فيكون شقيق للزبير، أسلم وحضر غزوة أحد وغزوة الخندق، وقُتِل السائب في معركة اليمامة.
عبد الرحمن بن العوام: أمه أم الخير أميمة، حضر غزوة بدر في صفوف قريش، وأسلم يوم فتح مكة عام 8 هـ، وذكر الزبير بن بكار أن اسمه كان في الجاهلية "عَبْد الكعبة" فسماه النبي "عبد الرحمن"، وقُتِل عبد الرحمن في معركة اليرموك، وقُتِل ابنه عبد الله يوم الدار في بيت عثمان بن عفان.
عبد الله بن العوام: أمه أم الخير أميمة، حضر غزوة بدر مع أخيه عبد الرحمن في صفوف قريش، فلما انهزموا كان وأخوه عبد الرحمن على جَمَل فوجدا حكيم بن حزام ماشيًا وهو ابنُ عمهما، وكان عبد الله أعرجًا؛ فقال له أخوه عبد الرحمن: «أنزل بنا نركب حكيمًا»، فقال: «أنشدك الله فإني أعرج»؛ فقال: «والله لتنزلنّ عنه، ألا تنزل لرجلٍ إنْ قُتِلْت كفاكَ، وإن أُسِرت فَدَاكَ؟» فنزل، وأركبا حكيمًا على الجمل، فنجا حكيم، ونجا عبد الرحمن على راحلته، وأُُدرِك عبد الله فقُتل.
عبد الكعبة بن العوام: ذكر محمد بن سعد البغدادي وغيره أن للزبير أخ آخر اسمه عبد الكعبة من أمه صفية بنت عبد المطلب.
أم حبيب بنت العوام: أمها صفية بنت عبد المطلب فتكون شقيقة للزبير، كانت زوج خالد بن حزام أخي حكيم بن حزام، فولدت له أم الحسن، ومات خالد بن حزام راجعًا من هجرة الحبشة الأولى إلى مكة.
زينب بنت العوام: صحابية، وشاعرة، أدركت الإسلام، وأسلمت، تزوجها حكيم بن حزام، فأنجبت له خالد ويحيى وشيبة وعبد الله وفاختة، أسلموا يوم الفتح، وعاشت إلى أن قتل ابنها عبد الله بن حكيم، يوم الجمل، فرثته وذكرت أخاها وابنها بأبيات، توفيت زينب نحو عام 40 هـ.
هند بنت العوام: زوجة الصحابي زيد بن حارثة.
أم السائب بنت العوام: قال هشام: «وكان للزبير أخت يقال لها أم السائب بنت العوام».

طفولته

نشأ الزبير في مكة يتيمًا، فقد قُتِل أبوه العوام بن خويلد في حرب الفجار، حيث قتله مُرَّة بن مُعتِّب الثقفيّ، وقال رجل من ثقيف متباهيًا بمقتله:

منَا الذي ترك العوَّام مُنْجدلاً تَنتابه الطيرُ لحماً بين أَحجارِ
كانت أمه تكنيه أبا الطاهر، بكنية أخيها الزبير بن عبد المطلب، وكانت تضربه وهو صغير وتُغلِظ عليه، فعاتبها عمه نوفل بن خويلد وقال: «ما هكذا يُضرب الولد؛ إنك لتضربينه ضَرْب مُبْغضة» فقالت:

مَنْ قَالَ إِنِّي أُبْغضه فقد كـذب وَإِنَّمَا أَضْرِبُهُ لِكَـي يَلَبْ
وَيَهْزِمَ الجَيْشَ وَيَأْتِـي بَالسَّلَبْ وَلا يَكُن لِمَالِهِ خَبْأٌ مُخَبْ
وقاتلَ الزّبيرُ رجلًا بمكّة، فكَسَرَ يَدَهُ؛ وكان ما زال غلامًا، فحُمِلَ الرجل إلى صفيّة، فقالت:

كَيفَ رَأيْتَ زَبْرَا
أَأَقِطًا أَوْ تمرا
أمْ مُشْمَعِلًا صَقْرَا؟
كَانَ الزُّبَيْرُ بنُ العوامِ طويلًا إذا ركب الدابة خطت رجلاه الأرض خَفِيفَ اللِحيَة والعَارِضَين، وقال عروة: «رُبَّمَا أَخَذْتُ بِالشَّعْرِ عَلَى مَنْكِبَيِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ وَكَانَ رَجُلًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، إِلَى الْخِفَّةِ، مَا هُوَ فِي اللَّحْمِ، وَلِحْيَتُهُ خَفِيفَةٌ أَسْمَرَ اللَّوْنِ أَشْعَرَ.»، وفي رواية أخرى عن عروة، قال: «كَانَ الزُّبَيْرُ طَوِيلًا تَخُطُّ رِجْلَاهُ إِذَا رَكِبَ الدَّابَةَ أَشْعَرَ.»

إسلامه

أسلم الزبير صغيرًا، واختُلِف في سن إسلامه، فقيل أنه أسلم وهو ابن ست عشرة سنة، وقيل ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل ابن ثمان سنوات، وكان الزبير من أوائل المسلمين، فبعدما أسلم أبو بكر الصديق أخذ يدعو للإسلام، وكان ممن أسلم على يديه الزبير، قال ابن إسحاق: «فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ - يعني أَبي بَكْرٍ - فِيمَا بَلَغَنِي: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَبِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَآمَنُوا وَأَصْبَحُوا مُقِرِّينَ بِحَقِّ الإِسْلامِ، فَكَانَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»، وقيل أنه كان رابع من أسلم أو الخامس، وكانت الدعوة سرية حينئذٍ، فكان الزبير يجتمع مع النبي والمسلمين الأوائل في دار الأرقم بن أبي الأرقم وبقوا فيها شهرًا، حتى بلغوا ما يقارب أربعين رجلاً وامرأةً، فنزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها.

وكان عمّه نوفل يُعذِّبه ليرجع عن الإسلام، فكان يعلقه في حصير، ويدخّن عليه، وكان الزبير يقول: «لا أكفر أبدًا.»، فلما رأى عمه أنه لا يترك الإسلام تركه، وقد رُوِى أنه سرت شائعة ذات يوم أن النبي محمد أُخِذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وبيده سيفه، قال عروة بن الزبير: «نفحت نفحة من الشيطان أن رسول الله أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام، ابن اثنتي عشرة سنة، بيده السيف، فمن رآه عجب، وقال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك يا زبير؟ فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك.»، وقال عروة: «جاء الزبير بسيفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لك ؟ قال: أُخبِرت أنك أُخِذت. قال: فكنت صانعًا ماذا؟ قال: كنت أضرب به من أخذك. فدعا له ولسيفه.»، ولهذا قيل أن الزبير هو أول من سل سيفًا في الإسلام.

هجرته إلى الحبشة


لما اشتد الأذى على الزبير والمسلمين بمكة؛ أذن النبي لأصحابه بالخروج والهجرة إلى الحبشة فقال: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة؟ فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي - أرض صدق - حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه»، فخرج الزبير مهاجرًا إلى الحبشة، وكان عددهم أحد عشر رجلًا وأربع نسوة، وقيل: وامرأتان، وقيل: كانوا اثني عشر رجلًا، وقيل: عشرة، فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل بحر القلزم، ثم أمَّروا عليهم: عثمان بن مظعون، ووجدوا سفينتين، فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم، وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا، وكان ذلك في رجب من العام الخامس بعد البعثة الموافق 615 م.

وكان من مواقفه في الحبشة أنه لما خرج رجل ينازع النجاشي ملكه أرسله المسلمون ليحضر الوقعة ويعلم على من تكون، فعن عروة بن الزبير عن أم سلمة قالت: «خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزنا قط هو أشد منه، فرقا من أن يظهر ذلك الملك عليه فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي فخرج إليه سائرا، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم لبعض: من يخرج فيحضر الوقعة حتى ينظر على من تكون؟
وقال الزبير - وكان من أحدثهم سنا - أنا، فنفخوا له قربة فجعلها في صدره، فجعل يسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس فحضر الوقعة، فهزم الله ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه. فجاءنا الزبير فجعل يليح لنا بردائه ويقول: ألا فأبشروا، فقد أظهر الله النجاشي، قلت: فوالله ما علمنا أننا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي، ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا إلى مكة وأقام من أقام».

هجرته إلى المدينة


لم يمكث الزبير في الحبشة طويلًا، فقد رجع إلى مكة مع من رجعوا ومكث بها حتى هَاجَرَ إِلَى يثرب. وفي مكة تزوج أسماء بنت أبي بكر، ولما تزوجها لم يكن يملك مالا ولا مملوكا ولا شيء غير فَرَسِهِ، وحملت أسماء بعبد الله، ولما خرج النبي محمد وأبي بكر مهاجرين وذهبا إلى غار ثور، كانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما وهي حامل، ثم خرج النبي وصاحبه من الغار متجهان إلى يثرب وكان الزبير قد ذهب في تجارة إلى الشام، وفي طريق عودته إلى مكة لقي النبي وأبي بكر وهما في طريقهما إلى يثرب، فكساهما ثياب بياض، فعن عروة بن الزبير قال: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام (إلى مكة)، فكسى الزبيرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض»، فكانت هجرة الزبير إلى المدينة المنورة بعد هجرة النبي وأبي بكر.

ولمّا هاجر الزّبير بن العوّام من مكّة إلى المدينة نزل على المنذر بن محمّد بن عقبة بن أُحيحة بن الجُلاح، وكانت أسماء قد خرجت من مكة مهاجرة وهي مُتمّة حملها بعبد الله، فولدته بقباء في شوال سنة 1 هـ وقيل في سنة 2 هـ، فكان عبد الله أول مولود للمهاجرين في المدينة، وقد استبشر المسلمون بمولده، حيث كانوا قد بقوا لفترة لا يولد لهم مولود حتى قيل إن يهود المدينة سحرتهم. ثم حملته أمه في خرقة إلى النبي محمد، فحنّكه بتمرة وبارك عليه وسماه عبد الله باسم جده أبي بكر، وأمر أبا بكر أن يؤذن في أذنيه.

وآخى النبي بين الزّبير وبين عبد الله بن مسعود، وذكر ابن كثير أنه آخى بينه وبين سلام بن سلامة بن وقش، ورُوِى أيضًا أنه آخى بينه وبين كعب بن مالك، وكان النبي قد آخى بين الزبير وطلحة قبل الهجرة.

الزبير في العهد النبوي

شهد الزبير بن العوام جميع الغزوات والمشاهد مع النبي محمد، وكان من الفرسان، وأُصِيبَ جسده بكثير من الطعن والرمي؛ فكان به أكثر من ثلاثين طعنة، فقال علي بن زيد: «حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ صَدْرُهُ كَأَنَّهُ الْعُيُونُ مِنَ الطَّعْنِ وَالرَّمْيِ.»، وقال الحسن البصري: «كَانَ بِالزُّبَيْرِ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ضَرْبَةً، كُلُّهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم»، وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «لَمَّا أَتَى عَلِيٌّ رضي الله عنه بِسَيْفِ الزُّبَيْرِ جَعَلَ يُقَلِّبُهُ وَيَقُولُ: سَيْفٌ طَالَمَا جَلَا الْغَمَّ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.»، وَرُوِيَ عن بعض التابعين، قال: «صَحِبْتُ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ بِأَرْضِ قَفْرٍ، فَقَالَ: اسْتُرْنِي، فَسَتَرْتُهُ فَحَانَتْ مِنِّي الْتَفَاتَةٌ، فَرَأَيْتُهُ مُجَدَّعًا بِالسُّيُوفِ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ بِكَ آثَارًا مَا رَأَيْتُهَا بِأَحَدٍ قَطُّ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتَهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا مِنْهَا جِرَاحَةٌ إِلَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ.»، ورُوِى أن النبي كان يضرب له أربعة أسهم من الغنائم، سهم له، وسهمين لفرسه، وسهم من سهام ذوي القربي.

غزوة بدر

لما خرج النبي محمدٌ والمسلمون من المدينة المنورة في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة إلى بدر وكانوا بضعةَ عشر وثلاثمئة رجل، دفع النبي لواءَ القيادة العامة إلى مصعب بن عمير العبدري القرشي، وكان هذا اللواء أبيض اللون، وقسم جيشه إلى كتيبتين: كتيبة المهاجرين، وأعطى علمها علي بن أبي طالب، وكتيبة الأنصار، وأعطى علمها سعداً بن معاذ، وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، وكان الزبير والمقداد هما الفارسان الوحيدان في الجيش، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وظلت القيادة العامة في يده هو.

ولكن بلغ أبا سفيانَ خبرُ مسير النبي بأصحابه من المدينة المنورة بقصد اعتراض قافلته واحتوائها، فاستطاع الإفلات وتحويل مسارها إلى طريق الساحل، ولما علمت قريش بخبر تعرض المسلمين للقافلة خرجوا لملاقاة المسلمين، وكان قوام جيش قريش نحو ألف وثلاثمئة مقاتل في بداية سيره، وكان معه مئة فرس وستمئة درع. أرسل النبي عليًا بن أبي طالب والزّبيرَ بن العوام وسعداً بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر، ليأتوا له بالأخبار عن جيش قريش، فوجدوا غلامين لقريش يستقيان للجيش، فأتوا بهما إلى النبي وهو يصلي، فسألوهما، فقالا: «نحن سقاة قريش؛ بعثونا لنسقيهم من الماء»، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: «نحن لأبي سفيان»، فتركوهما، وركع النبي، وسجد سجدتين، ثم سلَّم، فقال: «إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما! صدقا والله، إنهما لقريش»، وقال لهما: «أخبراني عن جيش قريش»، فقالا: «هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى»، فقال لهما: «كم القوم؟»، قالا: «كثير»، قال: «ما عدتهم؟»، قالا: «لا ندري»، قال: «كم ينحرون كل يوم؟»، قالا: «يومًا تسعًا ويومًا عشرًا»، فقال النبي: «القوم ما بين التسعمائة والألف»، ثم قال لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟»، فذكرا عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبا البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنضر بن الحارث بن كلدة، وزمعة بن الأسود، ونبيه بن الحجاج، ومنبه بن الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود، فأقبل النبي إلى أصحابه قائلاً: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها».

قَتَل الزبير في غزوة بدر عبيدة بن سعيد بن العاص فيقول: «لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص، وهو مدجج، لا يرى منه إلا عيناه، وهو يكنى أبا ذات الكرش، فقال أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات. قال هشام: فأخبرت: أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه، ثم تمطأت، فكان الجهد أن نزعها وقد انثى طرفاها. قال عروة: فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه، فلما قبض أبو بكر سألها إياه عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي، فطلبها ابن الزبير، فكانت عنده حتى قتل.»

وأُصِيب الزبير بضربتين في غزوة بدر، فعن عروة قال: «كان في الزبير ثلاث ضربات: إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.»، وكان الزبير يلبس عمامة صفراء يوم بدر، فنزلت الملائكة وعليها عمائم صفر، فقال النبي: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ نَزَلَتْ عَلَى سِيمَاءِ الزُّبَيْرِ».

غزوة أحد

شهد الزبير بن العوام غزوة أحد، وكان من الذين انتدبهم النبي محمد ليتتبعوا جيش قريش بعد انتهاء المعركة، فعن عائشة قالت: «Ra bracket.png الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ Aya-172.png La bracket.png سورة آل عمران:172 قالتْ لِعُروَةَ: يا ابنَ أُختي، كانَ أبَوكَ منهُم: الزُّبَيْرُ وأبو بكرٍ، لما أصاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما أصابَ يومَ أُحُدٍ، وانصَرَفَ عنه المُشرِكونَ، خافَ أنْ يَرْجِعوا، قال: مَن يَذهَبُ في إثْرِهِم. فانتدَبَ مِنهُم سَبْعينَ رَجلًا، قال: كان فيهم أبو بكرٍ والزُّبَيرُ.»

ولما رجع المسلمون إلى المدينة المنورة ومعهم الأسرى أمره النبي محمد أن يضرب عنق أبي عزة الجمحي، قال ابن هشام: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره ببدر، ثم مَنَّ عليه (أي بالفداء)، فقال: يا رسول الله، أقلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعت محمدًا مرتين، اضرب عنقه يا زبير، فضرب عنقه»

وكان من أخبار الزبير يوم أحد؛ مراقبته للصحابي أبي دجانة، حيث أخرج النبي محمد سيفًا فقال: «من يأخذه بحقه»، فقام إليه الزبير فلم يعطه أياه، وأعطاه أبا دجانة، فيقول الزبير: «وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه، وأعطاه أبا دجانة، وقلت: أنا ابن صفية عمته ومن قريش، وقد قمت إليه وسألته إياه قبله فأعطاه أبا دجانة وتركني، والله لأنظرن ما يصنع، فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب فخرج وهو يقول:

أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل
أن لا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول
فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله، وكان في المشركين رجل لا يدع جريحا إلا ذفف عليه، فجعل كل منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته، فعضيت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها. فقلت: الله ورسوله أعلم.»

غزوة الخندق

شهد الزبير غزوة الخندق، وقتل فيها نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، يقول ابن إسحاق: «فضربه فشقه باثنتين حتى فلَّ في سيفه فلا، وانصرف وهو يقول:

إني امرؤ أحمي وأحتمي عن النبي المصطفى الأمي
» ولما سرت الشائعات بين المسلمين بأن قريظة قد نقضت عهدها معهم، وكان الرسولُ محمدٌ يخشى أن تنقض بنو قريظة العهد الذي بينهم وبينه، ولذلك انتدب الزبير بن العوام ليأتيه من أخبارهم، فعن جابر بن عبد الله بن حرام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم، فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم، فقال الزبير: أنا، ثم قال: إن لكل نبي حواري وإن حواري الزبير»، فذهب الزبير، فنظر ثم رجع فقال: «يا رسول الله، رأيتهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم، وقد جمعوا ماشيتهم»، وجمع النبي أبويه للزبير في ذلك اليوم، فعن عبد الله بن الزبير قال:

الزبير بن العوام كنتُ يومَ الأحزابِ جعلتُ أنا وعمرُ بنُ أبي سلمةَ في النساءِ، فنظرتُ فإذا أنا بالزبيرِ على فرسهِ يختلف إلى بني قريظةَ مرتينِ أو ثلاثًا، فلما رجعتُ قلتُ: يا أبتِ رأيتُكَ تختلفُ ؟ قال: أو هل رأيتَني يا بنيَّ ؟ قلتُ: نعمْ، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: من يأتِ بني قريظةَ فيأتيني بخبرِهم. فانطلقتُ، فلما رجعتُ جمعَ لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبويهِ فقال: فداكَ أبي وأُمِّي.

غزوة خيبر

شهد الزبير غزوة خيبر، وقتل فيها ياسر بن أبي زينب اليهودي أخا مرحب، فذكر ابن إسحاق: «أن أخا مرحب وهو ياسر، خرج بعده وهو يقول: هل من مبارز؟، فزعم هشام بن عروة أن الزبير خرج له، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: يقتل ابني يا رسول الله، فقال: «بل ابنك يقتله إن شاء الله»، فالتقيا فقتله الزبير. فكان الزبير إذا قيل له: والله إن كان سيفك يومئذ صارما، يقول: والله ما كان بصارم، ولكني أكرهته.»

فتح مكة

كان الزبير بن العوام ممن أرسلهم النبي محمد مع علي بن أبي طالب ليمسكوا بالمرأة التي كانت تحمل رسالة حاطب بن أبي بلتعة، فذهب علي والزبير والمقداد فأمسكوا بالمرأة في "روضة خاخ" على بعد اثني عشر ميلاً من المدينة، وهددوها أن يفتشوها إن لم تُخرج الكتابَ فسلمته لهم.

ولما دخل المسلمون مكة كان الزبير حامل أحد رايات المهاجرين الثلاث في فتح مكة، حيث جعل النبي خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وجعل الزبير على المجنبة اليسرى وجعل أبا عبيدة على البياذقة. وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة، فلما مرَّ بأبي سفيان قال له: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً»، فلما حاذى الرسولُ محمد أبا سفيان قال: «يا رسول الله ألم تسمع ما قال سعد؟»، قال: «وما قال؟»، فقال: كذا كذا، فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: «يا رسول الله، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة»، فقال الرسولُ محمد: «بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشاً»، ثم أرسل إلى سعد فنزع منه اللواء، ودفعه إلى ابنه قيس بن سعد بن عبادة، وقيل أن اللواء لم يخرج عن سعد، وقيل: بل دفعه إلى الزبير.

ونصب الزبير راية الرسولِ محمد بالحجون عند مسجد الفتح، وضُرِبَ له هناك قبة، فلم يبرح حتى جاءه الرسول، فقال له العباس بن عبد المطلب: «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَهَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُرْكِزَ الرَّايَةَ؟»

الزبير في عصر الخلفاء الراشدين


حروب الردة

بعد موت النبي كان الزبير من جملة الحرس الذين يحرسون المدينة، لأن كثير من قبائل العرب قد ارتدت، وطمع كثير من الأعراب في المدينة، فجعل أبو بكر الصديق على أنقاب المدينة حرسًا يبيتون حولها منهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وقاتل الزبير مع أبي بكر الصديق في حروب الردة، ثم خرج للقتال بالشام.

معركة اليرموك

كان الزبير بن العوام فيمن شهد معركة اليرموك، وكانت في أواخر خلافة أبي بكر وبداية خلافة عمر بن الخطاب، يقول ابن كثير: «وقد كان فيمن شهد اليرموك الزبير بن العوام، وهو أفضل من هناك من الصحابة، وكان من فرسان الناس وشجعانهم، فاجتمع إليه جماعة من الأبطال يومئذ فقالوا: ألا تحمل فنحمل معك؟ فقال: إنكم لا تثبتون. فقالوا: بلى، فحمل وحملوا فلما واجهوا صفوف الروم أحجموا وأقدم هو، فاخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر، وعاد إلى أصحابه ثم جاؤوا إليه مرة ثانية، ففعل كما فعل في الأولى، وجرح يومئذ جرحين بين كتفيه، وفي رواية: جرح.»

وأُصِيب الزبير يوم اليرموك، فعن عروة قال: «كان في الزبير ثلاث ضربات: إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.»

فتح مصر

شارك الزبير في فتح مصر، فلما سار عمرو بن العاص لفتح مصر؛ طلب المدد من الخليفة عمر بن الخطاب، فأرسل له مدد بِقيادة الزبير بن العوام، ويذكر المُؤرخون المُسلمون أنَّ المدد الذي بعث به الخليفة إلى عمرو بن العاص كان اثني عشر ألف مُقاتل، ويذكر بعضُهم أيضًا أنَّهُ كان عشرة آلاف فقط، واغتبط المسلمون بقدوم كبار الصحابة أمثال: الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد الأنصاري.

وذكر شمس الدين الذهبي أنه لما خرج الزبير غازيًا نحو مصر، كتب إليه أمير مصر عمرو بن العاص: «إن الأرض قد وقع بها الطاعون، فلا تدخلها»، فقال: «إنما خرجت للطعن والطاعون»، فدخلها، فلقي طعنة في جبهته فأفرق.

وكان للزبير دورًا بارزًا في فتح حصن بابليون، حيث اعتلى الزبير بن العوام مع نفر من المسلمين، السور، وكبَّروا، فظنَ أهل الحصن أنَّ المسلمين اقتحموه، فهربوا تاركين مواقعهم، فنزل الزبير وفتح باب الحصن لأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه. وفي رواية أنَّ الزبير ارتقى السور، فشعرت حامية الحصن بِذلك، ففتحوا الباب لعمرو وخرجوا إليه مصالحين، فقبل منهم. ونزل الزبير عليهم وخرج على عمرو من الباب معهم، وبذلك تم فتح حصن بابليون. وشهد الزبير على عقد الصلح الذي أعطاه عمرو بن العاص لأهل مصر.

الشورى بعد وفاة عمر


لما طُعِن عمر بن الخطاب ودنت وفاته، أوصى بأن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. ورفض تسمية أحدهم بنفسه، وأمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا، كما أمر بحضور ابنه عبد الله بن عمر مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيئًا، ثم أوصى صهيب بن سنان أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى. ومات عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 هـ، الموافقة لسنة 644 م، بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق والنبي محمد، وكان عمره خمسًا وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة،

بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب أهل الشورى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، وعندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»، وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».

وأخذ عبد الرحمن بن عوف يستشير المسلمين، وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23 هـ/ 6 نوفمبر 644م) أعلن عبد الرحمن البيعة لعثمان بن عفان وقال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد
والمسلمون.


موقعة الجمل ومقتله

كان الزبير من جملة أنصار عثمان بن عفان في الفتنة، فلما قُتِل عثمان ندم الزبير وأصحابه على عدم مساعدته، وعزموا على الأخذ بثأر عثمان، وبعدما بايع علي بن أبي طالب؛ طلب منه الزبير وطلحة تعجيل إقامة القصاص، واقترحا أن يخرجا للبصرة والكوفة، فقال طلحة: «دعني فلآت البصرة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل»، وقال الزبير: «دعني آت الكوفة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل»، فأمرهما علي بالتريّث. وبعد مرور أربعة أشهر من مقتل عثمان؛ خرج الزبير وطلحة معتمرين إلى مكة والتقوا بعائشة بنت أبي بكر وكان وصولهما إلى مكة في ربيع الآخر سنة 36 هـ، ودعا الزبير الناس إلى الأخذ بثار عثمان فقال: «ننهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يبطل فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدا إذا لم يفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب»

وقرروا الخروج إلى البصرة ثم الكوفة، والاستعانة بأهلها على قتلة عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل الأمصار الأخرى لذلك، ولما وصلوا البصرة؛ أرسل لهم والي البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري يسألهم عن سبب قدومهم، فأرسل إليهم كلا من عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي، فذهبا إلى عائشة فقالا: «إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا» فقالت: «والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يغطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت: ï´؟لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِï´¾، ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره»، فأتيا طلحة فقالا: «ما أقدمك»، قال: «الطلب بدم عثمان»، قالا: «ألم تبايع عليا»، قال «بلى، واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان»، ثم أتيا الزبير فقالا: «ما أقدمك»، قال: «الطلب بدم عثمان»، قالا: «ألم تبايع عليا»، قال «بلى، واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان».

ورأى عثمان بن حنيف أن يمنعهم من دخول البصرة حتى يأتي علي بن أبي طالب، فقام طلحة ثم الزبير يخطبان في أنصار المعسكرين، فأيدهما أصحاب الجمل، ورفضهما أصحاب عثمان بن حنيف، ثم قامت عائشة تخطب في المعسكرين، فثبت معها أصحاب الجمل، وانحازت إليها فرقة من أصحاب عثمان بن حنيف، وجاء حكيم بن جبلة العبدي - وكان من قتلة عثمان - وسب عائشة، وكان لا يمر برجل أو امرأة ينكر عليه أن يسب عائشة إلا قتله، فانتشب القتال، واقتتلوا قتالًا شديدًا، فقُتِل عددًا ممن شارك في قتل عثمان قُدِر بسبعين رجلًا، واستطاع الزبير وطلحة ومن معهما أن يسيطروا على البصرة، وتوجه الزبير إلى بيت المال، وأخلى سبيل عثمان بن حنيف.

وصل علي بن أبي طالب إلى ذي قار، وأرسل الرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة، فأرسل القعقاع بن عمرو إليهم فقال لعائشة: «أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟»، فقالت: «أي بني الإصلاح بين الناس». فسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح، واتفقا على الصلح، ولما عاد القعقاع إلى علي وأخبره بما فعل، فارتحل علي حتي نزل بحياهم، ولما نوى الرحيل قال: «وإني راحل غدا فارتحلوا، ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس، وليغن السفهاء عني أنفسهم»، فلما قال هذا اجتمع جماعة من قتلة عثمان كـالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ، فقال الأشتر: «قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا»، وقال عبد الله بن سبأ: « يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون.»

فأشعلوا القتال بين الطرفين، وقُتٍلَ طلحة بن عبيد الله بعد أن أصابه سهم، وانصرف الزبير عن القتال، حيث التقى بعلي فقال له: «يا زبير! أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك تقاتلني وأنت ظالم؟». قال: نعم! لم أذكره إلا في موقفي هذا»، فلما تذكّر الزبير ذلك انصرف عن القتال، فلقيه ولده عبد الله فقال له: «جبنا، جبنا» قال: «قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت ألا أقاتله»، ثم قال:

ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسن في الدنيا وفي الدين
وقيل إنه أنشد:

ولقد علمت لو أن علمي نافعي أن الحياة من الممات قريب
فلما رجع الزبير متوجهاً إلى المدينة لحقه ابن جرموز بوادي السباع فقتله وهو يصلي، فلما جيء به مقتولاً بكى علي بن أبي طالب وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بشر قاتل ابن صفية بالنار». فكَان مَقتلُه بِوَادِي السِّبَاعِ بالْبَصْرَةَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ.

ميراثه وديونه

كان ميراث الزبير أرضين بالغابة، ودارًا بالمدينة، ودارًا بالبصرة ودارًا بالكوفة، ودارًا بمصر، وكان عليه دَين يُقدّر بـ ألفي ألف ومائتي ألف، وكان أكبر هم الزبير قبل وفاته هو سداد هذا الدَين، وأوصى ابنه عبد الله بسداده، فقال له: «يا بُنَيّ، إنَّه لا يقتل اليوم إلاَّ ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أُراني إلاَّ سأقتل اليوم مظلومًا، وإنَّ من أكبر همِّي لَدَينِي، قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بُنيَّ، إن عجزتَ عنْه في شيء فاستعِنْ عليْه مولاي، قال: فوالله ما دريتُ ما أراد حتَّى قلتُ: يا أبتِ مَن مولاك؟ قال: الله، قال: فوالله ما وقعتُ في كربة من دَينه إلاَّ قلتُ: يا مولى الزبير، اقضِ عنه دينَه، فيَقضيه.»، وأوصى بالثلث لبني عبد الله بن الزبير، وكان سبب تراكم هذا الدَين؛ أنه كان إذا أعطاه أحد الناس أمانة يستودعها عنده يجعلها الزبير دَينًا عليه خشية ضياعها، ويقول: «لَا وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ»، واستطاع ابنه عبد الله سداد هذه الديون

رثاؤه

قالت زوجته عاتكة بنت زيد في رثائه:

غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِفَارِسِ بُهْمَةٍ يَوْمَ اللِّقَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُعَرِّدِ
يَا عَمْرُو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهُ لا طَائِشًا رَعِشَ البَنَانِ وَلا اليَدِ
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِمِثْلِهِ فِيمَا مَضَى مِمَّا تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
كَمْ غَمْرَةٍ قَدْ خَاضَهَا لَمْ يَثْنِهِ عَنْهَا طِرَادُكَ يَا ابْنَ فَقْعِ الفَدْفَدِ
وَاللَّهِ رَبِّكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا حَلَّتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ

وقالت أخته زينب بنت العوام في رثائه:

أَعينيّ جوداً بالدموعِ فأشرعا عَلى رَجلٍ طلقِ اليدين كريمِ(1)
زبيرٍ وعبداللَّه يُدعى لحادثٍ وَذي خلّة منّا وَحمل يتيمِ(2)
قَتَلتم حَواريّ النبيّ وصهرهُ وَصاحبه فَاِستَبشروا بجحيمِ
وَقَد هدّني قتلُ اِبن عفّان قبله وَجادَت عَليهِ عبرتي بسجومِ
وَأَيقنتُ أنّ الدين أصبحَ مدبراً فَماذا تصلّي بَعدهُ وتصومي
وَكَيفَ بِنا أم كَيفَ بالدينِ بَعدما أصيبَ اِبن أَروى وَاِبن أمّ حكيمِ


وقالت أخته زينب بنت العوام في رثائه أيضًا:

وعطشتم عثمان في جوف داره شربتم كشرب الهيم شرب حميم
فكيف بنا أم كيف بالنوم بعدما أصيب ابن أروى وابن أم حكيم

روايته للحديث

كان الزبير مقلًا في رواية الحديث النبوي، ويرجع ذلك إلى أنه كان يخشى أن يخطأ في الرواية؛ فيكون بذلك قد كذب على النبي محمد، فقد سأله ابنه عبد الله بن الزبير: فقال له: «ما لك لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه فلان وفلان؟» فقال الزبير: «ما فارقته منذ أسلمت، ولكن سمعت منه كلمة، سمعته يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، وقد روى عن النبي أحاديث يسيرة، وحدث عنه بنوه: عبد الله، ومصعب، وعروة، وجعفر، ومالك بن أوس بن الحدثان، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن عامر بن كريز، ومسلم بن جندب، وأبو حكيم مولاه، وأم عطاء وآخرون. واتفق البخاري ومسلم له على حديثين، وانفرد له البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بحديث .

أسرته

زوجاته

تزوج الزبير بن العوام من ثماني نساء هن:

أسماء بنت أبي بكر أُولى زوجاته، تزوجها قبل الهجرة إلى المدينة،

وولدت له خمسة أولاد هم:

عبد الله، وعروة، والمنذر، وعاصم، والمهاجر، وثلاث بنات هن: خديجة الكبرى، أم الحسن، عائشة، وكان الزبير غيورًا، وكانت أسماء تخشى غيرته، فتحكي أسماء فتقول: «تزوجني الزبير، وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شي غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: (إخ إخ). ليحملني خلفه، قاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك خادم يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني»
وكان الزبير شديدًا عليها فأتت أباها فشكت ذلك إليه فقال: «يا بنيّة اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثمّ مات عنها فلم تزوّج بعده جمع بينهما في الجنّة.»، ثم إن الزبير طلقها فكانت عند ابنها عبد الله، وقد اختلفوا في سبب طلاقها، فقيل: إن عبد الله قال لأبيه: «مثلي لا توطأ أمه! فطلقها.» وقيل: كانت قد أسنت وولدت للزبير عبد الله وعروة، والمنذر. وقيل: «إن الزبير ضربها فصاحت بابنها عبد الله، فأقبل إليها، فلما رآه أبوه قال: أمك طالق إن دخلتَ. فقال عبد الله: أتجعل أمي عرضة ليمينك؟! فدخل فخلصها منه»

أم خالد بنت خالد بن سعيد واسمها أمة، وهي ابنه الصحابي خالد بن سعيد بن العاص،

وولدت له ولدين هما: عمرو، وخالد، وثلاث بنات هن: حبيبة، سودة، هند.

الرباب بنت أنيف
ولدت له ولدين هما: مصعب، وحمزة، وبنت واحدة هي: رملة.

زينب بنت مرثد بن عمرو تُكنى أم جعفر،

وقد ولدت له ولدين هما: جعفر، وعبيدة.

أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت زوجة عبد الرحمن بن عوف،
ولدت له بنت واحدة هي: زينب.

الحلال بنت قيس بن نوفل
ولدت له بنت واحدة هي: خديجة الصغرى.

عاتكة بنت زيد

وقد طلقها قبل استشهاده فاستشهد وهي في عدتها.

تماضر بنت الأصبغ كانت زوجة عبد الرحمن بن عوف،

تزوجها الزبير وطلقها بعد سبع ليالٍ.

أولاده

كان للزبير أحد عشر ابنًا وتسع بنات، وكان يُسمّي أبناءه بأسماء الشهداء، فقال: «بلغني أن طلحة بن عُبيد الله التيميّ يسمّي بَنيه بأسماءِ الأنبياء، وقد عَلمَ أنْ لا نبيّ بعد محمّد، وإني أُسمّي بَنيّ بأسماء الشهداء لعلّهم أن يُستَشْهَدوا.»، فأولاده البنين هم:

عبد الله بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر، وهو أكبر أبناء الزبير، ووهو أول مولود للمسلمين في المدينة المنورة بعد هجرة النبي محمد إليها، رفض بيعة يزيد بن معاوية، وبويع بالخلافة، واتخذ من مكة عاصمة لحكمه، وبايعته الولايات كلها إلا بعض مناطق في الشام، ولكن حاصره الحجاج بن يوسف الثقفي في مكة، وقُتِل سنة 73 هـ.

عروة بن الزبير،

أمه أسماء بنت أبي بكر، سماه الزبير باسم عروة بن مسعود الثقفي الذي كان يدعو قومه بالطائف فقتلوه، وهو من التابعين، أحد الفقهاء السبعة، ولد في خلافة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ، لازم خالته عائشة بنت أبي بكر وتفقه بها.

المنذر بن الزبير،

أمه أسماء بنت أبي بكر، سماه الزبير باسم المنذر بن عمرو الذي قُتِل يوم بئر معونة، ولد في خلافة عمر بن الخطاب، وغزا القسطنطنية مع يزيد بن معاوية في عهد معاوية، ولما بلغه خلاف أخيه عبد الله على يزيد، ذهب إلى أخيه، وقُتِل المنذر بمكة في حصارها مع أخيه سنة 64 هـ.

عاصم بن الزبير،
أمه أسماء بنت أبي بكر، سماه الزبير باسم عاصم بن ثابت الذي في حادثة غزوة الرجيع.

المهاجر بن الزبير،
أمه أسماء بنت أبي بكر، سماه الزبير باسم المهاجر بن زياد الذي قُتِل في فتح تستر.

جعفر بن الزبير،
أمه زينب بنت مرثد، سماه الزبير باسم جعفر بن أبي طالب الذي قُتِل في غزوة مؤتة، مات في آخر خلافة سليمان بن عبد الملك.

عبيدة بن الزبير،
أمه زينب بنت مرثد، سماه الزبير باسم عبيدة بن الحارث الذي قُتِل في غزوة بدر.

عمرو بن الزبير،

أمه أمة بنت خالد بن سعيد، سماه الزبير باسم عمرو بن سعيد بن العاص الذي قُتِل في معركة أجنادين، كان مع بني أمية ضد أخيه، وامتنع عن البيعة بولاية العهد ليزيد، لما دعا إليها معاوية، ثم استعمله والي المدينة عمرو بن سعيد الأشدق على شرطتها سنة 60 هـ، وأرسله الأشدق إلى مكة لقتال عبد الله فزحف عمرو بألفي مقاتل من المدينة إلى مكة، وقاتله مصعب بن عبد الرحمن، فأسره وأخذه إلى أخيه، فأمر بضربه، فقيل: مات تحت السياط، وقيل: صلب بمكة بعد الضرب، ثم أنزل، وقال ابن حزم: «قتله أخوه عبد الله قودًا (أي قصاصا)»

خالد بن الزبير،

أمه أمة بنت خالد بن سعيد، سماه الزبير باسم خالد بن سعيد بن العاص الذي قُتِل في معركة مرج الصفر.

مصعب بن الزبير،

أمه الرباب بنت أنيف، سماه الزبير باسم مصعب بن عمير الذي قُتِل في غزوة أحد، كان أميرًا على العراق في خلافة أخيه، واستطاع القضاء على ثورة المختار الثقفي، وقُتِل في معركته أمام جيش بقيادة عبد الملك بن مروان عند دير الجاثليق في جمادى الآخرة 72 هـ.

حمزة بن الزبير،
أمه الرباب بنت أنيف، سماه الزبير باسم حمزة بن عبد المطلب المُلقب بسيد الشهداء والذي قُتِل في غزوة أحد.

وأولاده البنات هن:

خديجة الكبرى،
أمها أسماء بنت أبي بكر، هي أكبر بنات الزبير، ولدت قبل غزوة الخندق.

أم الحسن، أمها أسماء بنت أبي بكر.

عائشة، أمها أسماء بنت أبي بكر.

حبيبة، أمها أمة بنت خالد بن سعيد.

سودة، أمها أمة بنت خالد بن سعيد.

هند، أمها أمة بنت خالد بن سعيد.

رملة، أمها الرباب بنت أنيف، تَزَوَّجَهَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ونَقَلَهَا إِلَى دِمَشْقَ وَلَهُ فِيهَا أَشْعَارٌ.

زينب، أمها أم كلثوم بنت عقبة.

خديجة الصغرى، أمها الحلال بنت قيس.

الآراء حول الزبير


نظرة أهل السنة والجماعة

يُعدّ الزبير بن العوام أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، حيث يرون أنه من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأنه من العشرة المبشرين بالجنة، وأوَّل من سلَّ سيفه في الإسلام، وأنه حوراي رسول الله، وابن عمته صفية، والحواري هو الناصر، قال ابن المبرد: «فقيل الحواري هو الناصر، وهذا هو الذي يدل عليه سياق الحديث، وقيل: هو شديد بياض الثياب، وإنما سُمِي الحواريون لذلك، والأول أظهر»، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل الزبير ومكانته، منها:

عن أبي هريرة قال:
الزبير بن العوام أن رسول الله كان على حراء، وأبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: " إهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد ". الزبير بن العوام
عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي أنه قال:
الزبير بن العوام أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. الزبير بن العوام
عن جابر بن عبد الله قال:
الزبير بن العوام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ الزبير بن العوام
عن عبد الله بن الزبير قال:
الزبير بن العوام كنتُ يومَ الأحزابِ جعلتُ أنا وعمرُ بنُ أبي سلمةَ في النساءِ، فنظرتُ فإذا أنا بالزبيرِ على فرسهِ يختلف إلى بني قريظةَ مرتينِ أو ثلاثًا، فلما رجعتُ قلتُ: يا أبتِ رأيتُكَ تختلفُ ؟ قال: أو هل رأيتَني يا بنيَّ ؟ قلتُ: نعمْ، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: من يأتِ بني قريظةَ فيأتيني بخبرِهم. فانطلقتُ، فلما رجعتُ جمعَ لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبويهِ فقال: فداكَ أبي وأُمِّي. الزبير بن العوام
عن عائشة قالت:
الزبير بن العوام الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ سورة آل عمران:172 قالتْ لِعُروَةَ: يا ابنَ أُختي، كانَ أبَوكَ منهُم: الزُّبَيْرُ وأبو بكرٍ، لما أصاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما أصابَ يومَ أُحُدٍ، وانصَرَفَ عنه المُشرِكونَ، خافَ أنْ يَرْجِعوا، قال: مَن يَذهَبُ في إثْرِهِم. فانتدَبَ مِنهُم سَبْعونَ رَجلًا، قال: كان فيهم أبو بكرٍ والزُّبَيرُ . الزبير بن العوام
قال عمر بن الخطاب:
الزبير بن العوام لو عهدت أو تركت تركة، كان أحبهم إلي الزبير؛ إنه ركن من أركان الدين الزبير بن العوام
وَقَالَ حسان بن ثابت في الزبير يمدحه:
أقام على عهدِ النَّبي وهديه حواريُّه والقولُ بالفعلِ يعدلُ
أقام على منهاجِه وطريقِه يوالي وليَّ الحقِّ والحقُّ أعدلُ
هو الفارسُ المشهورُ والبطلُ الذي يصولُ، إذا ما كان يومٌ مُحَجَّلُ
إذا كشفت عن ساقِها الحربُ حَشَّها بأبيضَ سَبَّاقٍ إلى الموتِ يُــرْقِـلُ
وإن امرأً كانت صفيَّةُ أُمَّه ومِن أَسَدٍ في بيتِها لمرَفِّلُ
له مِن رسول الله قربى قريبة ومن نصرة الإسلامِ مجدٌ مؤثَّلُ
فَكَمْ كُرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ عَنِ الْمُصْطَفَى وَاللَّهُ يُعْطِي فيُجْزِلُ
فَمَا مِثلُهُ فِيهِمْ وَلَا كَانَ قَبْلَهُ وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرُ مَادَامَ يَذْبُلُ
ثَنَاؤُكَ خَيْرٌ مِنْ فِعَالِ مَعَاشِرَ وَفِعْلُكَ يَابْنَ الْهَاشِمِيَّةِ أَفْضَلُ.

نظرة الشيعة

يرى الشيعة أن الزبير بن العوام كان من أصحاب علي بن أبي طالب، وأنه كان من المعارضين لخلافة أبي بكر، ومن الشهود على وصية فاطمة الزهراء، وأنه صوّت لصالح علي ولم يصوّت لصالح عثمان في مجلس الشورى بعد وفاة عمر، وكان من أوائل من بايع عليًا بعد مقتل عثمان، ولكنه سرعان ما نقض البيعة، فتروي كتب الشيعة عن علي أنه قال: «والله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة.»

لذلك يرى الشيعة أن الزبير مات كافرًا لقتاله علي بن أبي طالب، وتروي كتب الشيعة قولًا منسوبًا لعلي يقول فيه: «ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري»، وأن انصرافه عن القتال في معركة الجمل لا يشفع له، وأنه كان من أصحاب علي بن أبي طالب ولكن ابنه عبد الله بن الزبير هو الذي أغواه ليخالف عليًا.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:22 PM
الشخصية الاسلامية الثامنة


https://c.top4top.io/p_1935eoq4c1.png

https://d.top4top.io/p_1935aerl52.png


طَلْحَة بن عُبَيْد اللّه التَّيمي القُرشي (28 ق.هـ - 36 هـ / 594 - 656م)، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده. قال عنه النبي محمد أنه شهيد يمشي على الأرض فقال: «من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله».

أسلم مبكرًا، فكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وهاجر إلى يثرب التي سُميت فيما بعد بالمدينة المنورة، وشارك في جميع الغزوات في العصر النبوي إلا غزوة بدر حيث كان بالشام، وكان ممن دافعوا عن النبي محمد في غزوة أحد حتى شُلَّت يده، فظل كذلك إلى أن مات. وجعله عمر بن الخطاب في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده، وقال: «هم الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.»، وبعد مقتل عثمان بن عفان خرج إلى البصرة مطالبًا بالقصاص من قتلة عثمان فقُتِلَ في موقعة الجمل، فكان قتله في رجبٍ سنة ستٍّ وثلاثين من الهجرة، وله أربع وستُّون سنة، وقيل اثنان وستُّون سنة. كان لطلحة أحد عشر ولدًا وأربع بنات، وكان يُسمّي أبناءه بأسماء الأنبياء، فمنهم محمد بن طلحة السجاد وعمران بن طلحة وموسى بن طلحة وعيسى بن طلحة، وغيرهم.



بداية حياته

نسبه

هو: طَلْحَة بن عُبَيْد اللّه بن عُثْمان بن عَمْرو بن كَعْب بن سَعْد بن تَيْم بن مُرَّة بن كَعْب بن لُؤَيِّ بن غَالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان،
أمه: الصَّعبة بنت عبد الله بن عماد بن مالك بن ربيعة بن أكبر بن مالك بن عُويف بن مالك بن الخزرج بن إياد بن الصّدف بن حضرموت بن كندة، وهي أخت الصحابي العلاء بن الحضرمي، وأمّها عاتكة بنت وهب بن عبد بن قُصيّ بن كلاب، وكان وهب بن عبد صاحب الرّفادة دون قريش كلّها، وكان أبوها يُعرَف بعبد الله بالحضرميّ؛ فيقال لها بنت الحضرميّ.
ذكر ابن حزم له عدة أخوة منهم:
عثمان بن عبيد الله، أنجب عبد الرحمن بن عثمان الذي قُتِل مع عبد الله بن الزبير.
مالك بن عبيد الله، أنجب عثمان بن مالك الذي قتله صهيب الرومي في غزوة بدر في صفوف قريش.
هو ابن عم عبيد الله بن معمر التيمي والي البصرة، ويلتقي نسبه مع أبي بكر الصديق في عامر بن كعب بن سعد، فكلاهما من بني تيم، وكذلك هما ملتقيان في نسب النبي محمد في مُرَّة بن كَعْب.

نشأته

وُلِد طلحة في مكة قبل الهجرة بثمانية وعشرين عامًا اعتمادًا على القول بأنه مات وهو ابن أربع وستين سنة، أو قبل الهجرة بستة وعشرين عامًا اعتمادًا على القول بأنه مات وهو ابن اثنين وستين سنة. وكان طلحة آدم كثير الشعر، حسن الوجه، أبيض يميل إلى الحمرة، قال ابن منده: «كان رجلا آدم، كثير الشعر، ليس بالجعد القطط ولا بالسبط، حسن الوجه، إذا مشى أسرع، ولا يغير شعره.»، وعن موسى بن طلحة قال: «كان أبي أبيض يضرب إلى الحمرة، مربوعًا، إلى القصر هو أقرب، رحب الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمين، إذا التفت التفت جميعًا.»

إسلامه

كان طلحة بن عبيد الله من السابقين الأولين، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، حيث كان من الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق، قال ابن إسحاق: «فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ - يعني أَبي بَكْرٍ - فِيمَا بَلَغَنِي: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَبِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَآمَنُوا وَأَصْبَحُوا مُقِرِّينَ بِحَقِّ الإِسْلامِ، فَكَانَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»

ويروي إبراهيم بن محمد بن طلحة قصة إسلامه جده فيقول:

طلحة بن عبيد الله قال طلحة بن عُبيد الله حضرتُ سوقَ بُصْرى فإذا راهبٌ في صومعته يقول: سَلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحدٌ من أهل الحَرَم؟ قال طلحة: فقلتُ نعم أنا، فقال: هل ظَهَرَ أحْمَدُ بعدُ؟ قال قلتُ: ومَنْ أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطّلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء ومخرجه من الحرم ومُهاجَرُه إلى نَخْلٍ وحَرّةٍ وسِباخٍ، فإيّاكَ أنْ تُسْبَقَ إليه، قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال فخرجتُ سريعًا حتّى قدمتُ مكّة فقلتُ: هل كان مِنْ حَدَثٍ؟ قالوا: نعم محمّد بن عبد الله الأمين تنبّأ وقد تبعه ابن أبي قُحافة، قال فخرجتُ حتّى دخلتُ على أبي بكر فقلت: أتَبِعْتَ هذا الرّجل؟ قال: نعم فانطلقْ إليه فادخل عليه فاتْبَعْه فإنّه يدعو إلى الحقّ. فأخبَرَه طلحة بما قال الرّاهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسْلَم طلحة وأخبر رسول الله بما قال الرّاهب فسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك فلمّا أسلَم أبو بكر وطلحة بن عُبيد الله أخذهما نَوفل بن خُويلد بن العَدَويّة فشَدّهما في حبلٍ واحدٍ ولم يمنعهما بنو تيم، وكان نَوفل بن خُويلد يُدْعى أسدَ قريش فلذلك سُمّي أبو بكر وطلحة القَرينَين. طلحة بن عبيد الله
ولمّا أَسلم طلحةُ آخى النبي بَيْنَه وبين الزبير بن العوام بمكة قبل الهجرة إلى المدينة، ولم يهاجر طلحة إلى الحبشة لأنه كان من أكابر قريش، فلم يكن يناله من العذاب ما ينال ضعفاء المسلمين، فلم يحتج للهجرة إلى الحبشة؛ وكذلك أبو بكر الصديق، حيث كانا من بني تيم وهي قبيلة كبيرة لها مَنَعَة،



هجرته إلى المدينة

هاجر طلحة إلى المدينة المنورة بعد هجرة النبي محمد، حيث كان في تجارة في الشام، وفي طريق عودته إلى مكة لقي النبي وأبي بكر وهما في طريقهما إلى يثرب، فكساهما من ثياب الشام، ثم عاد إلى مكة وأخذ أهل بيت أبي بكر وخرجوا مهاجرين إلى المدينة، فعن سعد بن أبي وقاص قال: «لَمَّا ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَرَّارِ فِي هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانَ الْغَدُ لَقِيَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ جَائِيًا مِنَ الشَّامِ فِي عِيرٍ، فَكَسَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، وَخَبَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدِ اسْتَبْطَئُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَجَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّيْرَ، وَمَضَى طَلْحَةُ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ آلِ أَبِي بَكْرٍ، فَهُوَ الَّذِي قَدِمَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ.»

ولمّا هاجر طلحة بن عُبيد الله إلى المدينة نزل على أسعد بن زرارة، وآخى النبي بينه وبين أبي أيوب الأنصاري، وهو القول الأشهر، وقيل بينه وبين كعب بن مالك، وقيل بينه وبين سعيد بن زيد، وقيل بينه وبين أبي بن كعب بن قيس. ورُوِى أن النبي محمد اختار له موضع داره، فعن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لطلحة موضع داره.»

غزواته في العهد النبوي

شارك طلحة في جميع الغزوات والمشاهد ما عدا غزوة بدر، حيث بعثه النبي محمد في غزوة العشيرة قبل غزوة بدر لتفقّد عير قريش القافلة من الشام، فقيل: «بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فِي عَشَرَةٍ، فِيهِمْ طَلْحَةُ، فَقَالَ: شِعَارُكُمْ يَا عَشَرَةُ»، وأبلى طلحة بلاءً حسنًا في غزوة أحد، وشارك في غزوة الخندق، وحضر صلح الحديبية، وبايع بيعة الرضوان، وعن موسى بن طلحة عن أَبيه طلحة قال: «سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أَحد طلحة الخَيْرِ، ويوم العُسْرة طلحة الفَيَّاض، ويوم حنين طلحة الجُود.»

غزوة بدر

لم يشهد طلحة غزوة بدر ولكن ضرب له النبي محمد سهمه، واُختلِف في سبب تخلفه عن الغزوة، فقال الزبير بن بكار أنه كان في تجارة بالشام عندما وقعت الغزوة، بينما قال الواقدي وغيره - وهو الأشهر - أن النبي محمد أرسله مع سعيد بن زيد ليتحسّبا خبر عير قريش القافلة من الشام، فخرجا حتّى بلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك حتّى مَرّت بهما العِير، ولكن بلغ النبي محمد الخبر قبل رجوع طلحة وسعيد إليه، فنَدَبَ أصحابه وجهز جيشًا لملاقاة القافلة، ولكن استطاعت القافلة الإفلات، ثم عاد طلحة بن عُبيد الله وسعيد بن زيد إلى المدينة المنورة ليُخبرا النبي عن خبر العير؛ ولم يَعْلَما بخروجه، فَقَدِمَا المدينة في اليوم الذي حدثت فيه المعركة بين المسلمين وقريش ببدر، فخرجا من المدينة فلقياه النبي مُنْصَرِفًا من بدر، فلم يشهد طلحة وسعيد غزوة بدر لذلك، فضرب لهما النبي بسهامهما وأجورهما في غزوة بدر فكانا كَمَنْ شَهِدَها. فعن موسى بن عقبة قال: «وَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ الشَّامَ، بَعْدَمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَدْرٍ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَهْمِهِ، فَقَالَ: لَكَ سَهْمُكَ، قَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَأَجْرُكَ»


غزوة أحد

شهد طلحة بن عبيد الله غزوة أحد مع النبي محمد، وكان فيمن ثَبَتَ معه يومئذ حين ولّى النّاس، وبايعه على الموت، ودافع عنه حتى شُلَّت يده، فلما ولى الناس كان مع النبي محمد اثنى عشر رجلًا، وكان منهم طلحة، فأردكهم مجموعة من جيش قريش تريد قتل النبي محمد، فقال النبي محمد: «من للقوم؟» قال طلحة: «أنا»، فرفض النبي أن يخرج لهم طلحة وقال له: «كما أنت»، فقال رجل: «أنا»، قال: «أنت»، فقاتل حتى قتل، ثم قال: «من لهم؟» قال طلحة: «أنا»، قال: «كما أنت»، فقال، رجل من الأنصار: «أنا»، قال: «أنت»، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى لم يبق مع النبي محمد إلا طلحة، فقال: «من للقوم؟» قال طلحة: «أنا»، يقول جابر بن عبد الله: «فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى قطعت أصابعه، فقال: حس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت باسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون. ثم رد الله المشركين.»

وأثناء دفاع طلحة عن النبي محمد، رمى مالك بن زهير سهمًا فاتّقى طلحة السهم بيده عن وجه النبي محمد، فأصاب يده فََشَلّت، وأُصيب في رأسه، ضَرَبهُ رجلٌ من قريش ضَرْبَتَينِ، ضَرْبَةً وهو مقبل وضربة وهو مُعْرِض عنه، فنُزِفَ منها الدمُ، فكان ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري يقول: «أنا والله ضربتُه يومئذٍ.» وأُصيب أنفُ النّبيّ ورَباعيّتُه، وضرب طلحة ضربات عديدة حتى قيل أنها حوالي خمسٍ وسبعين أو سبعٍ وثلاثين ضربةً، فعن موسى بن طلحة: «رجع طلحة يومئذٍ بخمسٍ وسبعين أو سبعٍ وثلاثين ضربةً، رُبّعَ فيها جبينه، وقُطعَ نَساه، وشَلّت إصبعه التي تلي الإبهام.» وأراد النبي محمد الصعود على صخرة، وكان ظاهرَ بين دِرْعين فلم يستطع النّهوض، فحمله طلحة على ظهره إلى الصخرة، فقال النبي محمد: «أَوْجَبَ طلحةُ» وبعدما انتهت المعركة، كان طلحة قد أُغمَى عليه وأصابه الغَشي، فأمر النبي أبا بكر الصديق وأبا عبيدة بن الجراح بإصلاح شأن طلحة وتطييب جراحه، فيقول أبو بكر الصديق:

طلحة بن عبيد الله كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: «عَلَيْكُمَا صَاحِبُكُمَا» يُرِيدُ طَلْحَةَ، وَقَدْ نَزَفَ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، وَضَرْبَةٍ، وَإِذَا إِصْبَعُهُ قُطِعَتْ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ. طلحة بن عبيد الله
ثم أخذ النبي محمد يتفاخر بطلحة، فقال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَمَا فِي الأَرْضِ قُرْبِي مَخْلُوقٌ غَيْرَ جِبْرِيلَ عَنْ يَمِينِي، وَطَلْحَةُ عَنْ يَسَارِي»، فأنشد طلحة يقول:

نَحْنُ حُمَاةُ غَالِبٍ وَمَالِكِ نَذُبُّ عَنْ رَسُولِنَا الْمُبَارَكِ
نَضْرِبُ عَنْهُ الْقَوْمَ فِي الْمَعَارِكِ ضَرْبَ صِفَاحِ الْكَوْمِ فِي الْمَبَارِكِ
وأنشد حسان بن ثابت في ذلك شعرًا:

وَطَلْحَةُ يَوْمَ الشِّعْبِ آسَى مُحَمَّدًا لَدَى سَاعَةٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وَشُدَّتِ
وَقَاهُ بِكَفَّيْهِ الرِّمَاحَ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ تَحْتَ الرِّمَاحِ فَشُلَّتِ
وَكَانَ إِمَامَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ أَقَرَّ رَحَى الإِسْلامِ حَتَّى اسْتَقَرَّتِ

في عهد الخلفاء الراشدين

لما مات النبي محمد كان طلحة ممن بايع أبي بكر الصديق، وأقام معه تحت حكمه، واعترض طلحة على استخلاف أبي بكر لعمر بن الخطاب من بعده، حيث كان يرى أن عمر كان غليظًا في تعامله مع الناس، فذهب إلى أبي بكر وقال له: «اسْتَخْلَفْتَ عَلَى النَّاسِ عُمَرَ، وَقَدْ رَأَيْتَ مَا يَلْقَى النَّاسُ مِنْهُ وَأَنْتَ مَعَهُ، فَكَيْفَ بِهِ إِذَا خَلا بِهِمْ، وَأَنْتَ لاقٍ رَبَّكَ فَسَائِلُكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ»، فجلس أبو بكر - وكان مضطجعًا -، وقَالَ لِطَلْحَةَ: «أَبِاللَّهِ تُفَرِّقُنِي، أَمْ بِاللَّهِ تُخَوِّفُنِي، إِذَا لَقِيتُ اللَّهَ رَبِّي فَسَاءَلَنِي، قُلْتُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَى أَهْلِكَ خَيْرَ أَهْلِكَ»

الشورى بعد وفاة عمر


كان طلحة من أصحاب الشورى الستة الذين اختاروا الخليفة بعد عمر بن الخطاب، فلما طُعِن عمر بن الخطاب ودنت وفاته، أوصى بأن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راضٍ، وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. ورفض تسمية أحدهم بنفسه، وأمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا، كما أمر بحضور ابنه عبد الله بن عمر مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيئًا، ثم أوصى صهيب بن سنان أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى. ومات عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 هـ، الموافقة لسنة 644 م، بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق والنبي محمد، وكان عمره خمسًا وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة،

بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب أهل الشورى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس. وعندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»، وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».

وأخذ عبد الرحمن بن عوف يستشير المسلمين، وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23 هـ/ 6 نوفمبر 644م) أعلن عبد الرحمن البيعة لعثمان بن عفان وقال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.

موقعة الجمل ومقتله

كان طلحة أول من بايع عثمان بن عفان؛ حيث بايعه في مجلس الشورى، ثم كان من جملة أنصار عثمان بن عفان في الفتنة، فلما قُتِل عثمان؛ ندم على ترك نصرته وقال: «إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى.» ثم بايع علي بن أبي طالب، فيقال: «إن أول من بايعه كان طلحة بيده اليمنى وكانت شلاّء من يوم أحد»، وبعدما بايع علي بن أبي طالب؛ طلب منه طلحة والزبير تعجيل إقامة القصاص، واقترحا أن يخرجا للبصرة والكوفة، فقال طلحة: «دعني فلآت البصرة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل»، وقال الزبير: «دعني آت الكوفة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل»، فأمرهما علي بالتريّث. وبعد مرور أربعة أشهر من مقتل عثمان؛ خرج الزبير وطلحة معتمرين إلى مكة والتقوا بعائشة بنت أبي بكر وكان وصولهما إلى مكة في ربيع الآخر سنة 36 هـ، ودعوا الناس إلى الأخذ بثأر عثمان.

ثم قرروا الخروج إلى البصرة ثم الكوفة، والاستعانة بأهلها على قتلة عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل الأمصار الأخرى لذلك، ولما وصلوا البصرة؛ أرسل لهم والي البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري يسألهم عن سبب قدومهم، فأرسل إليهم كلا من عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي، فذهبا إلى عائشة فقالا: «إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا» فقالت: «والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يغطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت: ï´؟لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِï´¾، ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره»، فأتيا طلحة فقالا: «ما أقدمك»، قال: «الطلب بدم عثمان»، قالا: «ألم تبايع عليا»، قال «بلى، واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان»، ثم أتيا الزبير فقالا: «ما أقدمك»، قال: «الطلب بدم عثمان»، قالا: «ألم تبايع عليا»، قال «بلى، واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان».

ورأى عثمان بن حنيف أن يمنعهم من دخول البصرة حتى يأتي علي بن أبي طالب، فقام طلحة ثم الزبير يخطبان في أنصار المعسكرين، فأيدهما أصحاب الجمل، ورفضهما أصحاب عثمان بن حنيف. ثم قامت عائشة تخطب في المعسكرين، فثبت معها أصحاب الجمل، وانحازت إليها فرقة من أصحاب عثمان بن حنيف. وجاء حكيم بن جبلة العبدي - وكان من قتلة عثمان - وسب عائشة، وكان لا يمر برجل أو امرأة ينكر عليه أن يسب عائشة إلا قتله. فانتشب القتال، واقتتلوا قتالًا شديدًا، فقُتِل عددًا ممن شارك في قتل عثمان قُدِر بسبعين رجلًا، واستطاع الزبير وطلحة ومن معهما أن يسيطروا على البصرة، وتوجه الزبير إلى بيت المال، وأخلى سبيل عثمان بن حنيف.

وصل علي بن أبي طالب إلى ذي قار، وأرسل الرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة، فأرسل القعقاع بن عمرو إليهم فقال لعائشة: «أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟»، فقالت: «أي بني الإصلاح بين الناس». فسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح، واتفقا على الصلح، ولما عاد القعقاع إلى علي وأخبره بما فعل، فارتحل علي حتي نزل بحياهم، ولما نوى الرحيل قال: «وإني راحل غدا فارتحلوا، ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس، وليغن السفهاء عني أنفسهم»، فلما قال هذا اجتمع جماعة من قتلة عثمان كـالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ، فقال الأشتر: «قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا»، وقال عبد الله بن سبأ: « يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون.»

فأشعلوا القتال بين الطرفين، وحاول طلحة إيقاف القتال، فأخذ يقول وهو على دابته: «أيها الناس أنصتوا»، فلم ينصت له أحد، فقال: «أف! فراش النار، وذباب طمع.»، وقام كعب بن سور ومعه المصحف، وأخذ يناشدهم الفريقين للتوقف عن القتال حتى قتل، فأصاب طلحة سهمًا في ركبته، فقطع من رجله عرق النَّسا، فلم يزل دمه ينزف حتى مات، فكان طلحة من أول قتيل. وقيل أن السهم أصابه في حلقه فقال فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ ï´؟وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًاï´¾ سورة الأحزاب:38، فكان مقتله سنة ست وثلاثين، ودُفِن بالبصرة فِي قَنْطَرَةِ قِرَةَ، وهو ابن ستين سنة، وقيل: ابن اثنتين وستين سنة، وقيل: ابن أربع وستين سنة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:25 PM
الاختلاف حول هوية قاتله

ذُكِر في عدة روايات تاريخية أن قاتل طلحة هو مروان بن الحكم، ومن هذه الروايات ما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء فقال: «حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال ينسح حتى مات.» وقال: «أن مروان رمى طلحة بسهم فقتله، ثم التفت إلى أبان، فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.»، ولكنّ رجَّح عددًا من المؤرخين والعلماء المسلمين والباحثين المعاصرين بطلان الرواية، وجمع الدكتور علي الصلابي الأسباب التي استدلوا بها في بطلان هذه الرواية وهي:


طلحة بن عبيد الله

قول ابن كثير:

«ويقال إن الذي رماه بهذا السهم مروان بن الحكم، وقد قيل: إن الذي رماه بهذا السهم غيره، وهذا عندي أقرب وإن كان الأول مشهورًا، والله أعلم.»
قول ابن العربي: «قالوا إن مروان قتل طلحة بن عبيد الله، ومن يعلم هذا إلا علام الغيوب، ولم ينقله ثبت.»
قول محب الدين الخطيب: «وهذا الخبر عن طلحة ومروان لقيط لا يُعرف أبوه ولا صاحبه.»
بطلان السبب الذي قيل أن مروان قتل طلحة من أجله، وهو اتهام مروان لطلحة بأنه أعان على قتل عثمان، وهذا السبب المزعوم غير صحيح؛ إذ إنه لم يثبت من طريق صحيح أن أحدًا من الصحابة قد أعان على قتل عثمان.
كون مروان وطلحة من صف واحد يوم الجمل وهو صف المنادين بالإصلاح بين الناس.
أن معاوية قد ولى مروان على المدينة ومكة، فلو صح ما بدر من مروان لما ولاه معاوية على رقاب المسلمين.
وجود رواية لمروان بن الحكم في صحيح البخاري، مع ما عرف عن البخاري من الدقة وشدة التحري في أمر من تُقبل روايته، فلو صح قيام مروان بقتل طلحة، لكان هذا سببًا كافيًا لرد روايته والقدح في عدالته.

بعد مقتله

رُوِى أن طلحة لما قُتِل ورآه علي بن أبي طالب مقتولًا؛ جعل علي يمسح التراب عن وجهه، وقال: «عَزيزٌ عليَّ، أَبا محمد، أَن أَراك مُجَدّلًا تحت نجوم السماءِ»، ثم قال: «إِلى الله أَشكو عجرِي وبُجرِي»، وترحم عليه، وقال: «ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة»، وبكى هو وأَصحابه عليه، ورُوِى أن عليًا قال: «بشروا قاتل طلحة بالنار.» ودُفِن طلحة بالبصرة فِي قَنْطَرَةِ قِرَةَ، ويُروى أَنّ رجلًا رأى طلحة في رؤية بعد وفاته يقولَ له: «حَوِّلُونِي عَنْ قَبْرِي، فَقَدْ آذَانِي الْمَاءُ، ثُمَّ رَآهُ أَيْضًا حَتَّى رَآهُ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَهُ فَنَظَرُوا، فَإِذَا شِقُّهُ الَّذِي يَلِي الأَرْضَ قَدِ اخْضَرَّ مِنَ نَزِّ الْمَاءِ، فَحَوَّلُوهُ. قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْكَافُورِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ إِلا عَقِيصَتُهُ فَإِنَّهَا مَالَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا»، وروى سعيد بن المسيب: «أَن رجلًا كان يَقَع في علي وطلحة والزبير، فجعل سعد بن مالك ينهاه، ويقول: لا تقع في إِخواني، فأَبى، فقام سعد فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إِن كان مُسْخِطًا لك فيما يقول فأَرني فيه آفة، واجعله للناس آيه، فخرج الرجل فإِذا هو ببخْتيّ يشق الناس، فأَخذه بالبلاط، فوضعه بين كرْكرَته والبلاط، فسحقه حتى قتله، فأَنا رأَيت الناس يَتْبَعون سعدًا ويقولون: هنيئًا لك أَبا إِسحاق، أُجيبت دعوتك.»



روايته للحديث

روى طلحة بن عبيد الله عدة أحاديث عن النبي، فله في مسند بقي بن مخلد بالمكرر ثمانية وثلاثون حديثًا، وله حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة أحاديث. حدث عنه بنوه: يحيى، وموسى، وعيسى، والسائب بن يزيد، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم، ومالك بن أبي عامر الأصبحي، والأحنف بن قيس التميمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون. وسأله رجل عن كثرة رواية أبي هريرة عن النبي محمد فقال له: «مَا أَشُكُّ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ نَسْمَعْ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، كُنَّا قَوْمًا لَنَا غَنَاءٌ وَبُيُوتَاتٌ، وَكُنَّا إِنَّمَا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِسْكِينًا لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالٌ إِنَّمَا يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ فَوَاللَّهِ مَا نَشُكُّ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ نَسْمَعْ.»

ثراؤه وكرمه

كان طلحة ذو ثراء فكان غلته كل يوم ألف ألف، فكان غلته بالعراق أربع مائة ألف، وغلته بالسراة نحو عشرة آلاف دينار، وبالأعراض له غلاّتٌ، ولما مات ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم، ومن الذهب مائتي ألف دينار، وثلاث مائة حمل من الذهب، وقوام أصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم. وكان يشتهر بكرمه وكثرة إنفاقه وصدقاته، تقول زوجته سعدى بنت عوف: «كَانَتْ غَلَّةُ طَلْحَةَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفًا وَافِيًا، وَكَانَ يُسَمَّى طَلْحَةُ الْفَيَّاضُ، وَلَقَدْ تَصَدَّقَ يَوْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ.»، فرُوِى أنه فدى عشرة من أسارى غزوة بدر بماله، وتصدّق مرّةً بحائط كان قد اشتراه بسبع مائة ألف، وفي غزوة ذي قرد اشترى بئرًا وأطعم الناس فقال له النبي محمد: «أَنْتَ طَلْحَةُ الْفَيَّاضُ»، وباع أرضًا له بسبع مائة ألف، فبات مهمومًا من مخافة ذلك المال، فلم أصبح فرق المال كله، وكان لا يدع أحدًا من بني تيم عائلًا إلا كفاه، وقضى دينه، وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى دينًا عن رجل من بني تيم قدره ثلاثين ألفًا.

أسرته

زوجاته

ذكرت كتب السير أن طلحة بن عبيد الله تزوج زوجات عديدة، وكان من أزواجه أربع نسوة تزوج النبي محمد أخت كل منهن، فقال ابُن السَّكَنِ: «يقال: إن طلحة تزوَّج أربعَ نسوةٍ عند النبيّ صلى الله عليه وسلم أخْتُ كل منهن: أم كلثوم بنت أبي بكر أخت عائشة، وحَمْنة بنت جحش أخت زينب، والفارعة بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة، ورقيّة بنت أبي أمية أخت أم سلمة.»، ومن زوجات طلحة:

حمنة بنت جحش

وهي أخت زينب بنت جحش زوجة الرسول محمد، وأخت الصحابيين عبد الله بن جحش وأبو أحمد بن جحش، وكانت زوجة مصعب بن عمير الذي قُتِل في غزوة أحد، فتزوجها طلحة، وولدت له محمد السجّاد وعمران.
خولة بنت القعقاع كانت زوجة أبي الجهم بن حذيفة، فولدت له محمدًا، وتزوجها طلحة فولدت له موسى بن طلحة.

أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق

أمها حبيبة بنت خارجة، تُعد من تابعين، حيث وُلِدت بعد وفاة أبيها أبي بكر الصديق، تزوجها طلحة فولدت له زكريا، ويوسف، وعائشة، فقتل عنها طلحة بن عبيد الله في موقعة الجمل. ثمّ تزوّجت بعده عبد الرحمن بن عبد الله بن أَبِي رَبِيعة بن المُغِيرة، فولدت له إبراهيم الأحول وموسى وأمّ حميد وأمّ عثمان. وروى الترمذي: «أتاه مال من حضرموت سبع مائة ألف، فبات ليلته يتململ. فقالت له زوجته: ما لك؟ قال: تفكرت منذ الليلة، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت عن بعض أخلائك فإذا أصبحت، فادع بجفان وقصاع فقسمه. فقال لها: رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق، وهي أم كلثوم بنت الصديق، فلما أصبح دعا بجفان، فقسمها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى علي منها بجفنة، فقالت له زوجته: أبا محمد، أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ قال: فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي. قالت: فكانت صرة فيها نحو ألف درهم.»

أم أبان بنت عتبة بن ربيعة

هي خالة معاوية بن أبي سفيان، وأخت هند بنت عتبة، كانت زوجة أبان بن سعيد بن العاص، فقتل عنها ب معركة أجنادين، فعادت إلى المدينة المنورة، فتقدم لخطبتها عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، فاختارت طلحة، فتزوجها، وأنجبت له إسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، قال موسى بن طلحة: «خطب عمر بن الخطاب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فأبته، فقيل لها: ولم؟ قالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج بيأس، قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينه. ثم خطبها الزبير بن العوام، فأبته، فقيل لها: ولم؟ قالت: ليست لزوجه منه إلا شارة في قراملها. ثم خطبها علي، فأبت، فقيل لها: ولم؟ قالت: ليس لزوجه منه إلا قضاء حاجته، ويقول: كنت، وكنت. وكان، وكان. ثم خطبها طلحة بن عبيد الله، فقالت: زوجي حقاً ! قالوا: وكيف ذلك؟ قالت: إني عارفةً بخلائقه، إن دخل دخل ضحاكاً، وإن خرج خرج بساماً. إن سألت أعطى، وإن سكت ابتدأ، وإن عملت شكر، وإن أذنبت غفر. فلما أن ابتنى بها قال علي: يا أبا محمد، إن أذنت لي أن أكلم أم أبان، قال: كلمها، قال: فأخذ سجف الحجلة، ثم قال: السلام عليك يا غريرة نفسها، قالت: وعليك السلام، قال: خطبك أمير المؤمنين، وسيد المسلمين فأبيته؟ قالت: كان ذلك. قال: وخطبك الزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد حوارييه فأبيته؟ قالت: وقد كان ذلك، قال: وخطبتك أنا، وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: قد كان ذلك، قال: أما والله لقد تزوجت أحسننا وجهاً، وأبذلنا كفاً، يعطي هكذا وهكذا.»

سُعدى بنت عوف المُريّّة

لها صحبة، تزوجها طلحة وأنجب منها يحيى، عيسى، روى عنها أنها قالت: «دخلتُ على طلحة ذات يوم فقلت: ما لي أراك أرابك شيءٌ من أهلك فنُعْتِبَ؟ قال: نعم، حليلةُ المرءِ أنت ولكن عندي مال قد أهَمنّي أو غَمّني، قالت: اقْسِمْه. فدعا جاريته فقال: ادخلي على قومي. فأخَذَ يَقْسِمُهُ فسألتها: كم كان المال؟ فقالت: أربعمائة ألف.»

أم الحارث بنت قسامة اسمها الْجَرْبَاءُ بِنْتُ قَسَامَةَ،
من قبيلة طيء، قَدِمت علي النبي، فتزوجها طلحة بن عبد الله، فولدت له أم إسحاق.

الفَرْعة بنت عليّ سَبيّة من قبيلة بني تغلب، أنجبت له صالحًا.

قريبة بنت أبي أمية أخت أم سلمة زوجة النبي محمد،

أنجبت له مريم.
أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، لم يذكرها أصحاب السير من زوجاته، ولكن ذكر ابن كثير في التفسير أنها كانت من زوجاته، فقال عند تفسيره للآية ï´؟وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِï´¾: «وقال محمد بن إسحاق، عن الزهري: طلق عمر يومئذ قرِيبة بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها معاوية، وأمّ كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية، وهي أمّ عبيد الله، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم رجل من قومه وهما على شركها. وطلّق طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فتزوجها بعده خالد بن سعيد بن العاص.»

أبناؤه

كان لطلحة أحد عشر ولدًا وأربع بنات، وكان يُسمّي أبناءه بأسماء الأنبياء، فأولاده الذكور هم:

محمد بن طلحة السجاد،
أمه حمنة بنت جحش، أكبر أبناء طلحة، لُقِبَ بالسجَّاد لعبادته وتألهه، ولد في حياة النبي، وقتل شابًا مع أبيه في موقعة الجمل، وابنه إبراهيم بن محمد بن طلحة تابعيّ ومن رواة الحديث النبوي.

عمران بن طلحة،
أمه حمنة بنت جحش، تابعيّ من الثقات، وقيل انقرض عَقِبة، ويقال ولد في حياة النبي.

موسى بن طلحة،

أمه خولة بنت القعقاع، تابعيّ ومن رواة الحديث النبوي، قال أبو حاتم الرازي: «هو أفضل ولد طلحة بعد محمد»، تُوفى سنة 103 هـ.

يعقوب بن طلحة،
أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة، قال محمد بن سعد البغدادي: «كان سخيًا جوادًا، وقُتل يوم الحَرّة في ذي الحجةّ سنة ثَلَاثٍ وستين».

إسماعيل بن طلحة،
أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة، ولا عقب له.

إسحاق بن طلحة،

أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة، تزوج أمّ أُناس بنت أبي موسى الأشعري، وأنجب منها عبدَ الله، وأبا بكر، درج، وعبيدَ الله، وله من الأبناء أيضًا مُصْعَب، ومعاوية، ويعقوبَ، وحفصةَ، وأمَّ إسحاق. وَلِى خراج خراسان لمعاوية، فلما وصل إلى الري توفي سنة 56 هـ.

زكريّاء بن طلحة،

أمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، له من الأبناء: يحيَى، وعبيدَ الله وأمّهما العَيْطَل بنت خالد بن مالك، وأمَّ إسماعيل، وأمَّ يحيَى وأمّهما أمّ إسحاق بنت جَبَلة بن الحارث من كِنْدة، وأمَّ هارون وأمّها أمّ ولد.

يوسف بن طلحة،
أمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق.

يحيى بن طلحة،
أمه سُعدى بنت عوف، له من الأبناء: طلحَة وأمّه أمّ أبان، وإسحاقَ بن يحيَى وأمّه الحَسْناء بنت زبّار، وسلمة بن يحيَى، وعيسى، وسالمًا، وبلالًا، ومِهْجَع بن يحيَى ومسلمة وأمّ محمد، وأمّ حكيم وسُعْدى، وفاطمة وأمّهنّ سوْدة بنت عبد الرحمن بن الحارث.

عيسى بن طلحة،

أمه سُعدى بنت عوف، تابعيّ ومن رواة الحديث النبوي الثقات، وفد على معاوية بن أبي سفيان، وعاش إلى حدود سنة مئة، وتوفى في خلافة عمر بن عبد العزيز.
صالح بن طلحة،
أمه الفَرْعة بنت عليّ.

وأولاده البنات هم:

عائشة بنت طلحة،

أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، روت أحاديث في الصحاح عن خالتها عائشة بنت أبي بكر، تزوّجها ابن خالها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ثمّ تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام فقتل عنها، فتزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التَّيْمِي، فأصدقها ألف ألف درهم، توفيت حوالي سنة 110 هـ.

أم إسحاق بنت طلحة،

أمها أم الحارث بنت قسامة، تزوجها الحسن بن علي، ثم خلف عليها الحسين بن علي، فولدت له فاطمة بنت الحسين بن علي.

الصعبة بنت طلحة،
لم تذكر كتب السير اسم أمها.

مريم بنت طلحة،

أمها قريبة بنت أبي أمية وهي أخت أم سلمة

الآراء حول طلحة

نظرة أهل السنة والجماعة

يُعدّ طلحة بن عبيد الله أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، حيث يرون أنه من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأنه من العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل طلحة ومكانته، منها:

عن أبي هريرة قال:
طلحة بن عبيد الله أن رسول الله كان على حراء، وأبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: " إهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد ". طلحة بن عبيد الله
عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي أنه قال:
طلحة بن عبيد الله أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. طلحة بن عبيد الله
عن أبو عثمان النهدي قال:
طلحة بن عبيد الله لم يبقَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في بعضِ تلك الأيامِ التي قاتل فيهنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، غيرُ طلحةَ وسعدٍ. عن حديثهما. طلحة بن عبيد الله
عن موسى بن طلحة قال:
طلحة بن عبيد الله دخلتُ علَى معاويةَ، فقالَ: ألا أبشِّرُكَ ؟ سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: طَلحةُ مِمَّن قضى نَحبَهُ طلحة بن عبيد الله
عن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن سرَّهُ أن ينظرَ إلى شَهيدٍ يمشي على وَجهِ الأرضِ فلينظُر إلى طَلحةَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ»
عن طلحة بن عبيد الله:
طلحة بن عبيد الله أنَّ أصحابَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابيٍّ جاهلٍ: سلْهُ عمَّن قَضى نحبَهُ من هوَ كانوا لا يجترِئونَ على مسألتِهِ يوقِّرونَهُ ويَهابونَهُ، فسألَهُ الأعرابيُّ فأعرضَ عنْهُ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنْهُ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنْهُ، ثمَّ إنِّي اطَّلعتُ مِن بابِ المسجدِ وعليَّ ثيابٌ خضرٌ، فلمَّا رآني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قالَ: أينَ السَّائلُ عمَّن قضى نحبَهُ قالَ: أنا يا رسولَ اللَّهِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ هذا مِمَّن قَضى نحبَهُ طلحة بن عبيد الله
قال الزبير بن العوام:
طلحة بن عبيد الله كان على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُدٍ درعانِ فنهضَ إلى الصخرةِ فلم يستطع فأَقْعَدَ تحتَهُ طلحةَ فصعد النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حتى استوى على الصخرةِ قال فسمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ أَوْجَبَ طلحةُ طلحة بن عبيد الله
عن أبي هريرة قال:
طلحة بن عبيد الله قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَمَا فِي الأَرْضِ قُرْبِي مَخْلُوقٌ غَيْرَ جِبْرِيلَ عَنْ يَمِينِي، وَطَلْحَةُ عَنْ يَسَارِي طلحة بن عبيد الله
قَالَ الشَّعْبِيُّ:
طلحة بن عبيد الله أَدْرَكْتُ خَمْسَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ يَقُولُ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ.


نظرة الشيعة الاثنا عشرية

يرى الشيعة الاثنا عشرية أن طلحة بن عبيد الله مات كافرًا لقتاله علي بن أبي طالب، وتروي كتب الشيعة قولًا منسوبًا لعلي يقول فيه: «ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري»، وأنه خرج إلى البصرة للغدر بعلي بن أبي طالب، فتروي كتب الشيعة عن علي أنه قال: «والله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة.»

وأن طلحة خذلَ عليَّ بن أبي طالب، وانحاز في صفّ عثمان بن عفّان في مجلس الشورى؛ وأنه كان من المشاركين في قتل عثمان، فيروي ابن أبي الحديد: «أنّه لمّا نزل طلحة البصرة أتاه عبد الله بن حكيم التميمي لكُتب كان كتبها إليه فقال لطلحة:يا أبا محمّد أما هذه كتبك إلينا؟ قال: بَلَى. قال: فكتبتَ أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتّى إذا قتلتهُ أتيتنا ثائراً بدمه، فلعمري ما هذا رأيك، إنّك لا تريد إلاّ هذه الدنيا، مهلا إذا كان هذا رأيكَ فلِمَ قبلتَ من علي ما عرض عليك من البيعة، فبايعته طائعاً راضياً ثمّ نكثتَ بيعتك، ثمّ جئتَ لتدخلنا في فتنتك»، ثم بايع عليًا بعد مقتل عثمان، لكن سرعان ما نكث البيعة والتحق بالزبير، وخرج إلى البصرة، فقتله مروان بن الحكم. وقد قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في العراق ببناء مسجد سنة 1973م قرب مرقد قبرهِ في محافظة البصرة، وقامت مجموعة مسلّحة سنة 2006م بتفجير المرقد بعبوات ناسفة، ولم يتبقَ منهُ إلا شاهد قبرهِ.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:28 PM
الشخصية الاسلامية التاسعة

https://g.top4top.io/p_1936ufs431.png

https://h.top4top.io/p_1936c3kri2.png


عبد الرّحمن بن عوف القرشيّ الزهريّ (43 ق.هـ - 32 هـ / 580 - 656م)، هو أحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وأحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده. كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، فسماه النبي عبد الرحمن.

وُلد عبد الرّحمن بن عوف بعد عام الفيل بعشر سنين، وكان إسلامه على يد أبي بكر الصديق، هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى، ثم هاجر إلى المدينة، وشارك في جميع الغزوات في العصر النبوي، فشهد غزوة بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان، وأرسله النبي على سرية إلى دومة الجندل، وصلى النبي محمد وراءه في إحدى الغزوات، وكان عمر بن الخطاب يستشيره، وجعله عمر في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده، وقال: «هم الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.» توفى سنة 32 هـ، وصلى عليه عثمان بن عفان، وحمل في جنازته سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع عن خمس وسبعين سنة.

كان عبد الرحمن تاجرًا ثريًا، وكان كريمًا، حيث تصدَّق في زمن النبي بنصف ماله والبالغ أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفًا، واشترى خمسمائة فرس للجهاد، ثم اشترى خمسمائة راحلة، ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار، وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كبير، وأعتق بعض مماليكه، وكان ميراثه مالًا جزيلًا.

بداية حياته

اسمه ونسبه

هو: عبد الرّحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
قُتِل أبوه عوَف بالغُمَيْصاء، قتله بنو جَذِيْمَة. ويجتمع نَسَب عبد الرحمن بن عوف مع نَسَب النبي في كِلاب بن مُرّة، وينسب إلى زُهْرة بن كِلاب، وبنو زهرة هم أخوال النبي، فيُقال: القُرَشيّ الزُّهْريّ.
أمه: الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. أمها: سلمى بنت عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح، أسلمت وبايعت وكانت من المهاجرات.
كان لعبد الرحمن إخوة:
عبد الله بن عوف، من سروات قريش وابنه: طلحة بن عبد الله بن عوف، وله عقب بالمدينة.
الأسود بن عوف، وكانت له صحبة، هاجر قبل فتح مكة، وشهد معركة الجمل مع جيش عائشة بنت أبي بكر فقُتِل يومئذٍ، وله عقب منهم جابر بن الأسود بن عوف الذي عينه عبد الله بن الزبير واليًا على المدينة.
عاتكة بنت عوف، أسلمت وبايعت مع أمها الشفاء، تزوجها مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، فولدت له المسور وصفوان الأكبر والصلت الأكبر وأم صفوان.
هالة بنت عوف، كانت تحت بلال بن رباح.

مولده وصفاته

وُلِد عبد الرحمن بن عوف في مكة بعد عام الفيل حوالي سنة 581م، فهو أصغر سِنًا من النبي بعشر سنين، وكان اسمه يوم مولده عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، وظل اسمه كذلك في الجاهلية، فلمَّا أسلم سماه النبي عبد الرحمن، وكان يُكنَّى أبا محمد. وكان عبد الرحمن بن عوف - كما تقول زوجته سهلة بنت عاصم - أبيض، أعين، أهدب الأشفار، أقنى، طويل النابين الأعليين، ربما أدمى نابه شفته، له جمة أسفل من أذنيه، أعنق، ضخم الكتفين. ويقول الواقدي: «كان عبد الرحمن رجلا طوالا، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جنأ، أبيض، مشربا حمرة، لا يغير شيبه». ويقول ابن إسحاق: «كان ساقط الثنيتين، أهتم، أعسر، أعرج. كان أصيب يوم أحد فهتم، وجرح عشرين جراحة، بعضها في رجله، فعرج.»، ويُروى أنه كان عبد الرحمن يُحَرِّم الخمر في الجاهلية.

إسلامه

أسلم عبد الرحمن بن عوف قديمًا، حيث يُعد أحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، وأَحد الخمسة الذين أَسلموا على يد أَبي بكر، فبعدما أسلم أبو بكر الصديق أخذ يدعو للإسلام، وكان ممن أسلم على يديه عبد الرحمن بن عوف، قال ابن إسحاق: «فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ - يعني أَبي بَكْرٍ - فِيمَا بَلَغَنِي: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَبِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَآمَنُوا وَأَصْبَحُوا مُقِرِّينَ بِحَقِّ الإِسْلامِ، فَكَانَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»

ومما يُروى أن من أسباب إسلامه مقابلته لعسكلان بن عواكن الحميري الذي كان يُبشر ببعثة النبي، فيقول:

عبد الرحمن بن عوف سافرت إلى اليمن قبل المبعث بسنة، فنزلت على عسكلان بن عواكن الحميري، وكان شيخًا كبيرًا قد أنسئ له في العمر حتى عاد كالفرخ، وهو يقول:
إذا ما الشّيخ صمّ فلم يكلّم وأودى سمعه إلّا يدايا
فذاك الدّاء ليس له دواء سوى الموت المنطّق بالرّزايا
شهدت بنا مع الأملاك منّا وأدركت المواقف في القضايا
فبادوا أجمعين فصرت جلسًا صريعًا لا أبوح إلى الخلايا
وكنت إذا قدمت نزلت عليه فلا يزال يسألني عن مكة وأحوالها، وهل ظهر فيها من خالف دينهم أو لا؟ حتى قدمت القدمة التي بعث النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وأنا غائب فيها، فنزلت عليه فقعد وقد شد عصابة على عينيه، فقال لي: انتسب يا أخا قريش، فقلت: أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة، قال: حسبك. ألا أبشّرك ببشارة، وهي خير لك من التجارة؟ قلت: بلى، قال: أتيتك بالمعجبة وأبشرك بالمرغبة، إن اللَّه قد بعث في الشهر الأول من قومك نبيًا ارتضاه صفيّا، وأنزل عليه كتابًا وفيًا، ينهى عن الأصنام، ويدعو إلى الإسلام، يأمر بالحق ويفعله، وينهى عن الباطل ويبطله، وهو من بني هاشم، وإن قومك لأخواله، يا عبد الرحمن، وازره وصدّقه، وأحمل إليه هذه الأبيات:

أشهد باللَّه ذي المعالي وفالق اللّيل والصّباح
إنّك في السّرّ من قريش وابن المفدّى من الذّباح
أرسلت تدعو إلى يقين ترشد للحقّ والفلاح
هدّ كرور السّنين ركني عن مكرّ السّير والرّواح
أشهد باللَّه ربّ موسى أنّك أرسلت بالبطاح
فكن شفيعي إلى مليك يدعو البرايا إلى الصّلاح
فقدمت فلقيت أبا بكر، وكان لي خليطًا، فأخبرته الخبر، فقال: هذا محمد بن عبد اللَّه قد بعثه اللَّه إلى خلقه رسولًا، فأته، فأتيته وهو في بيت خديجة فأخبرته، فقال: أما إن أخا حمير من خواصّ المؤمنين، وربّ مؤمن بي ولم يرني، ومصدّق بي وما شهدني، أولئك إخواني حقا.

وكان المسلمون الأوائل يجتمعون مع النبي في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وبقوا فيها شهرًا، حتى بلغوا ما يقارب أربعين رجلاً وامرأةً، فنزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها. ثم هاجر عبد الرحمن الهجرة الأولى إلى الحبشة، إذ لما اشتد إيذاء قريش للمسلمين، دعاهم النبي للخروج إلى أرض الحبشة مادحًا ملكها أصحمة النجاشي بأنه مَلِكٌ لا يُظلَم عنده أحد، فهاجر عبد الرحمن مع مجموعة من المسلمين في رجب من العام الخامس بعد البعثة، وكانوا أحد عشر رجلًا وأربع نسوة، فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر)، ثم أمَّروا عليهم عثمان بن مظعون، ووجدوا سفينتين، فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم، وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا، ولكن لم يلبثوا في الحبشة طويلًا، حيث عادوا إلى مكة بعد أن وصلتهم إشاعة أن أهل مكة أسلموا، فعاد عبد الرحمن إلى مكة، ولم يذكره المؤرخون فيمن هاجر مرة أخرى إلى الحبشة. ثم هاجر عبد الرحمن مع المسلمين إلى المدينة المنورة، ونزل في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع الأنصاري، وكان فقيرا لا شيء له.

ولمّا قدم النبي للمدينة، آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فعرض عليه سعد أن يناصفه أهله وماله فقال: «إني أكثر الأنصار مالا فأقسم مالي نصفين ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها»، فقال عبد الرحمن: «بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق»، فدلوه على سوق بني قينقاع، فربح شيئًا من أقط وسمن، وتزوج امرأة من الأنصار، وجاء بعد أيام وعليه أثر صفرة، فقال له النبي: «مهيم يا عبد الرحمن» يسأله عن أخباره، فقال: «يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار»، قال: «فما سقت فيها؟ (أي: ماذا كان مهرها؟)» فقال: «وزن نواة من ذهب»، فقال النبي: «أولِم ولو بشاة». فكان عبد الرحمن يقول: «فلقد رأيتُني ولو رفَعتُ حَجَرًا رجَوتُ أن أُصيبَ تحته ذَهَبًا أو فِضّة.»

عبد الرحمن في العهد النبوي


شهد عبد الرّحمن بن عوف غزوة بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان وفتح مكة والمشاهد كلّها مع النبي، يقول سعيد بن جبير: «كان مقام أَبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أَمام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في القتال ووراءَه في الصلاة»، كما كان عبد الرحمن ممن يُفتى على عَهْد النبي، وكان كثير الصدقات والنفقات على الجهاد في العهد النبوي، حيث تصدّق بشطر ماله، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة، وكان أكثر ماله من التجارة وقيل: إنه أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا.

ولمَّا شهد عبد الرحمن غزوة أحد كان ممن ثَبت حين ولى النّاس، وأُصيب عبد الرحمن في غزوة أحد فانكسرت مقدمة أسنانه، وجُرِح عشرين جراحة، بعضها في رجله، فكان فيه عرج بسبب ذلك. في شعبان عام 5 هـ؛ بعث النبي عبد الرحمن بن عوف على رأس سرية إلى دومة الجندل ليقاتل بني *** بعدما فروا من المواجهة، وأمره أن يتزوج ابنة ملكهم إذا فتح الله عليه، فقال له: «هكذا فاعتم يا ابْن عوف اغد باسم اللَّه، فجاهد فِي سبيل اللَّه تقاتل من كفر بالله، إِذَا لقيت شرفا فكبر، وإذا ظهرت فهلل، وإذا هبطت فاحمد واستغفر، وأكثر من ذكري عسى أن يفتح بين يديك، فإن فتح عَلَى يديك فتزوج بنت ملكهم.» فأخذ عبد الرحمن اللواء، سار عبد الرحمن بجيشه وكانوا 700 رجل حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم ملكهم الأصبغ بْن ثعلبة في اليوم الثالث، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام عبد الرحمن بقيتهم بالجزية، وتزوج عبد الرحمن ابنته تماضر بنت الأصبغ، ثم قدم بها المدينة، فكانت أول ***ية يتزوجها قرشي، وأنجب منها الفقيه أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.

وشهد عبد الرحمن فتح مكة، فأرسل النبي خالد بن الوليد إِلى بني جَذِيمة بعد فتح مكة، فقتل فيهم خالدٌ خَطَاءً، فودى النبي القتلى، وأَعطاهم ثمن ما أُخِذ منهم. وكان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية عوف بن عبد عوف والد عبد الرحمن بن عوف، وقتلوا الفاكه بن المغيرة، عَمَّ خالد، فقال له عبد الرحمن: «إِنما قتلتهم لأَنهم قتلوا عمك.» وقال: خالد: «إِنما قتلوا أَباك.» وأَغلظ في القول، فقال النبي: «لا تسُبُّوا أحدًا من أصحابي. فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه». ثم شهد عبد الرحمن غزوة تبوك، وصلى النبي وراء عبد الرحمن صلاة الفجر في هذه الغزوة، فعن المغيرة بن شعبة:

عبد الرحمن بن عوف أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ، فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ الْغَائِطِ، فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ، أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْجُبَّةِ، حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ، حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: أَحْسَنْتُمْ، أَوَ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ يَغْبِطُهُمْ، أَنْ صَلَّوْا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا.


عبد الرحمن في عهد الخلفاء الراشدين

في عهد عمر بن الخطاب

كان لعبد الرحمن بن عوف منزلة كبيرة في عهد عمر، فكان عمر بن الخطاب يستشيره، فلمَّا حدث طاعون عمواس سنة 18 هـ؛ ثم انتشر في بلاد الشام. كان عمر بن الخطاب يريد أن يذهب للشام وقتها، فلما كان بسرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فنصحه عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوي: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارًا منه»، فعاد عمر وصحبه إلى المدينة المنورة.

ولمَّا فُتِحَت بلاد فارس سنة 22 هـ، اختلف الصحابة في أخذ الجزية من المجوس، فجاء عبد الرحمن بن عوف وأخبر عمر أن النبي أخذ الجزية من مجوس هجر، فأخذ عمر بشهادة عبد الرحمن، فبعث عمر بن الخطاب كاتبا لجزء بن معاوية: «أن انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية، فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.»

وفي سنة 23 هـ، استُخْلِفَه عمرُ بن الخطّاب على الحجّ في تلك السنة، فحَجّ عبد الرحمن بالنّاس، وحَجّ مع عمر أيضًا، وهي آخرَ حجّةٍ حَجّها عمرُ سنة ثلاث وعشرين، وأذِنَ عمر تلك السنة لأزواج النّبيّ في الحجّ، فَحُمِلْنَ في الهوادج، وبَعَثَ معهنّ عثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهنّ فلا يَدَعُ أحدًا يدنو منّهنّ، وكان عبد الرّحمن يسير من ورائهنّ على راحلته فلا يدعَ أحدًا يدنو منهنّ، وينزلن مع عمر كلّ منزل فكان عثمان وعبد الرّحمن ينزلان بهنّ في الشّعاب فَيُقبِّلُونَهُنّ الشّعاب وينزلان هما في أوّل الشّعب فلا يتركان أحدًا يمُرّ عليهنّ.

الشورى بعد وفاة عمر

فلمَّا طُعِن عمر بن الخطاب ودنت وفاته، أوصى بأن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. ورفض عمر تسمية أحدهم بنفسه، وأمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا، كما أمر بحضور ابنه عبد الله بن عمر مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيئًا، وقال لهم: «فإن رضي ثلاثة، رجلًا منهم، وثلاثة، رجلًا منهم، فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف»، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد، فقال عنه: «ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه». ثم أوصى صهيب بن سنان أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى. ومات عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 هـ، الموافقة لسنة 644 م، بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق والنبي محمد، وكان عمره خمسًا وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة،

بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب أهل الشورى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، وعندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»، وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».

وأخذ عبد الرحمن بن عوف يستشير المسلمين، وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23 هـ/ 6 نوفمبر 644م) أعلن عبد الرحمن البيعة لعثمان بن عفان وقال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون. يقول الذهبي معلقًا على موقف عبد الرحمن في الشورى: «ومن أفضل مناقب عبد الرحمن بن عوف عزله نفسه من الأمر وقت الشورى، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان، ولو كان محابيًا فيها لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص.»

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:29 PM
في عهد عثمان بن عفان

في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، كان عبد الرحمن بن عوف يحظى بمنزلة مشابهة لمنزلته في عهد عمر، ففي عام 24 هـ؛ استُخلِفَه عثمان على الحجّ في تلك السنة، فحجّ عبد الرحمن بالنّاس، وكان عبد الرحمن زاهدًا في الإمارة، فقد أرسل سعد بن أبي وقاص إلى عبد الرحمن رجلًا وهو قائم يخطب: «أن ارفع رأسك إلى أمر الناس (أي: ادع إلى نفسك)»، فقال عبد الرحمن: «ثكلتك أمك، إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس.» وكان عثمان يريد أن يُوصي له بالخلافة من بعده، فلمَّا اشتكى عثمان رعافًا، دعا كاتبه حمران فقال: «اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي»، فكتب له، وانطلق حمران إلى عبد الرحمن فقال: «البشرى!»، قال: «وما ذاك؟» قال: «إن عثمان قد كتب لك العهد من بعده.» فقام عبد الرحمن يدعو بين القبر والمنبر فقال: «اللهم إن كان من تولية عثمان إياي هذا الأمر، فأمتني قبله.» فلم يمكث إلا ستة أشهر حتى مات.

وفاته

توفي عبد الرحمن بن عوف سنة 32 هـ في خلافة عثمان بن عفان، وقيل سنة 31 هـ والأول أشهر، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وَقيل أنه عاش ثمانيًا وسبعين، وَقيل خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وكان قد أَوصى لمن بقي من أهل غزوة بدر لكل رجل أَربعمائة دينار، وكانوا مائة، فأَخذوها، وأَخذها عثمان فيمن أَخذ: وأَوصى بأَلف فرس في سبيل الله. ودُفِن في البَقِيع، وصلَّى عليه عثمان بن عفان، ويقال الزبير بن العوام، وكان علي بن أبي طالب يقول في جنازته: «أَذْهَبُ عَنْكَ ابْنَ عَوْفٍ، فَقَدْ أَدْرَكْتَ صَفْوَهَا وَسَبَقْتَ رَنْقَهَا.»، وكان سعد بن أبي وقاص فيمن حمل جنازته فكان ممسكًا بقائمتي السرير وهو تحته يقول: «واجبلاه.» ورُوِى أنه أُغمي عليه قبل وفاته، ثم أفاق فقال:

عبد الرحمن بن عوف إِنهُ أَتَانِي مَلَكَانِ فَظَّانِ غَلِيظَانِ، فَقَالَا لِي: انْطَلِقْ نُخَاصِمْكَ إِلَى الْعَزِيزِ الْأَمِينِ، قَالَ: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبَانِ، فَقَالَا: نُحَاكِمُهُ إِلَى الْعَزِيزِ الْأَمِينِ. قَالَ: خَلِّيَا عَنْهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. عبد الرحمن بن عوف
ويوجد في الأردن مقام يُنسَب لعبد الرحمن بن عوف، في منطقة الجبيهة، شمال العاصمة الأردنية عمان. وهذا المقام ليس ضريحًا، بل تِذكارًا يُشير إلى إقامته في هذه المنطقة، أو مرورِه منها، وهو في بلاد الشام.

مناقبه

ثراؤه وكرمه

اشتهر عبد الرحمن بن عوف بعظم ثروته وكان أكثر ماله من التجارة، قال أبو عمر: «كان تاجرًا مجدودًا في التجارة، وكسب مالًا كثيرًا، وخلَّف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا، فكان يدخل منه قوت أهله سنة.»، ولما كثر ماله قدم له ذات يوم راحلة تحمل البر، وتحمل الدقيق والطعام، فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رَجة، وكانت عائشة بنت أبي بكر في بيتها، فقالت: «ما هذا؟» قالوا: «عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشامِ»، ويروى أن ميراثه كان من ذهب يُقسَّم بالفؤوس حتى مجلت يدي الرجال منه، وترك أربع نسوة، أخرجت كل امرأة من إرثها بثمانين ألفًا.

كما اشتهر بكثرة إنفاقه، وكثرت الأخبار في ذلك، منها أنه تصدّق بشطر ماله على عهد النبي، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة، وقد باع يومًا أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعًا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين، ورُوى أنه أعتق ثلاثين ألف بيت. فكان طلحة بن عبد الله بن عوف يقول: «كان أهل المدينة عيالًا على عبد الرحمن بن عوف: ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم، ويصل ثلثًا.» وحين وفاته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، فكان الرجل يعطى منها ألف دينار. وأَوصى لمن بقي من أهل غزوة بدر، لكل رجل أَربعمائة دينار، وكانوا مائة، فأَخذوها، وأَخذها عثمان فيمن أَخذ: وأَوصى بأَلف فرس في سبيل الله.

زهده

كان عبد الرحمن بن عوف يخشى من كثرة ماله، فيروي البخاري في صحيحه: «أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَالَ: قُتِلَ حَمْزَةُ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ، إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا.»، ولمّا وُضِع أمامه صحفة فيها خبز ولحم؛ بكى وقال: «هَلكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ، فَلا أَرَانَا أُخِّرْنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَنَا»، ويروي أهل التاريخ أنه كان متواضعًا، فلا يكاد يُعرف من بين عبيده.

بره بزوجات النبي


كان عبد الرحمن بن عوف ينفق على أمهات المؤمنين بعد وفاة النبي، وكانت هذه من مناقبه التي جاءت في الأحاديث النبوية، فكانت عائشة وأم سلمة تقولان: «اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ»، فقد أوصى لهن بحديقة بِيعَت بأربع مائة ألف. وكان يحرسهن حين سمح لهن عمر بن الخطاب بالحج سنة 23 هـ. قال الزبير بن بكار: «كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَمِينَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم على نسائه.»

روايته للحديث

كان عبد الرحمن بن عوف مُقلًا في رواية الحديث، روى خمسة وستين حديثًا جمعها بقي بن مخلد في مسنده، وله في صحيحي البخاري ومسلم حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، وله في مسند أحمد بن حنبل واحد وثلاثون حديثًا، وروى عنه من الصحابة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، جبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وروى عنه بنوه: إبراهيم، وحميد، وأبو سلمة، وعمرو، ومصعب، والتابعي مالك بن أوس. ومن الأحاديث التي رواها عن النبي أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.»


منزلته

عند أهل السنة والجماعة


يعد عبد الرحمن بن عوف من الشخصيات المُبجَّلة في الإسلام خاصةً عند أهل السنة والجماعة، حيث يعد من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن المهاجرين الأولين في الهجرتين جميعًا، ممن حضر غزوة بدر وبيعة الرضوان، وصلى النبي خلفه في غزوة تبوك، وكان كثير الإنفاق في سبيل الله، وكان بارًا بأمهات المؤمنين بعد وفاة النبي، وأنه عزل نفسه من الأمر وقت الشورى واختيار من أشار به أهل الحل والعقد، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل عبد الرحمن ومكانته، منها:

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي أنه قال:
عبد الرحمن بن عوف أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. عبد الرحمن بن عوف
عن أبي سعيد الخدري:
عبد الرحمن بن عوف كان بين خالدِ بنِ الوليدِ وبين عبدِالرحمنِ بنِ عوف شيءٌ، فسبَّه خالدٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا تسُبُّوا أحدًا من أصحابي، فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه". عبد الرحمن بن عوف
عن أم سلمة:
عبد الرحمن بن عوف سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لأَزْوَاجِهِ: "إِنَّ الَّذِي يَحْنُو عَلَيْكُمْ بَعْدِي لَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ. عبد الرحمن بن عوف
عن عائشة بنت أبي بكر:
عبد الرحمن بن عوف قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يحنو عليكن من بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة". عبد الرحمن بن عوف
عن عبد الرحمن بن عوف قال:
عبد الرحمن بن عوف قطع لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أرضًا بالشّأم يقال لها السّليل فتوفّي النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يكتب لي بها كتابًا وإنّما قال لي: "إذا فَتَحَ الله علينا الشّأم فهيَ لَكَ". عبد الرحمن بن عوف
عن المسور بن مخرمة قال:
عبد الرحمن بن عوف بينما أنا أسير في رَكْبٍ بين عثمان وعبد الرّحمن بن عوف وعبد الرّحمن قُدّامي عليه خَميصة سوداء، فقال عثمان: مَنْ صاحب الخميصة السوداء؟ قالوا: عبد الرّحمن بن عوف، فناداني عثمان: يا مسْوَرُ، فقلتُ: لبّيك يا أمير المؤمنين، فقال: مَنْ زعم أنّه خير من خالك في الهجرة الأولى وفي الهجرة الآخرة فقد كَذَبَ. عبد الرحمن بن عوف
قال ابن حجر العسقلاني:
سعد سعيد زبير طلحة وأبو عبيدة وابن عوف قبله الخلفا
لا تسألن القوافي عن مآثرهم إن شئت فاستنطق القرآن والصحفا


عند الشيعة الاثنا عشرية


لا يختلف موقف الشيعة الاثنا عشرية من عبد الرحمن بن عوف عن موقفهم تجاه العشرة المبشرين بالجنة، حيث يرى الشيعة بطلان حديث العشرة المبشرين بالجنة وينفونه، وأنه وهب الخلافة لعثمان بن عفان لأنه صهره، وانحرف عن بيعة علي بن أبي طالب، كما تروي كتب الشيعة أنه لمّا بايع عليّ عثمانًا أتاه عبد الرحمن بن عوف فاعتذر إليه وقال: «إن عثمان أعطانا يده ويمينه ولم تفعل أنت، فأحببت أن أتوثق للمسلمين فجعلتها له. فقال له علي: إيهًا عنك إنّما آثرته بها لتنالها بعده، دقّ الله بينكما عطر منشم» كما يقول الكاشاني أن عبد الرحمن بن عوف قارون هذه الأمة

أسرته

زوجاته

ذكر محمد بن سعد البغدادي في طبقاته خمس عشرة زوجة وأَمة لعبد الرحمن بن عوف، غير أمهات الأولاد المُبهَمة، وهن:

أمّ كلثوم بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس،

هي خالة معاوية بن أبي سفيان، وأمّها بنت حارثة بن الأَوْقَص، تزوجها عبد الرحمن في الجاهلية، فولدت له سالمًا الأكبر.
أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط، أسلمت بمكة وبايعت، ولم يتهيأ لها هجرة إلى سنة 7 هـ في زمن الهدنة بعد صلح الحديبية، فخرج وراءها أخواها الوليد وعمارة فقدما المدينة، وطلبا من النبي أن يردها لهم، فقالت: «أتردني يا رسول الله إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبر لي، وحال النساء في الضعف ما قد علمت؟» فنزلت الآية: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّï´¾، ولم يكن لأم كلثوم بمكة زوج فتزوجها زيد بن حارثة، ثم طلقها، فتزوجها عبد الرحمن بن عوف؛ فولدت له: إبراهيم، وحميدًا، وإسماعيل، وحَميدة، وأمَةُ الرّحمن، فلما توفي عبد الرحمن تزوجها عمرو بن العاص؛ فتوفيت عنده في خلافة علي.

أم حبيبة بنت جحش، وقيل: حبيبة بنت جحش وقيل بل: أم حبيب بنت جحش،
هي بنت عمة النبي محمد، وأخت أم المؤمنين زينب بنت جحش وعبد الله بن جحش، أمها أميمة بنت عبد المطلب، ولَم تلد لعبد الرحمن بن عوف شيئًا.

سَهْلَةُ بنت عاصم بن عديّ،
ولدت بحنين يوم فتح مكة، فسماها النبي سهلة، وقال: «سهل الله أمركم»، وضرب لها بسهم، تزوجها عبد الرحمن بن عوف، وأنجبت له مَعْن وعُمَرُ وزيد وأمَةُ الرّحمن الصغرى.

أم حكيم بنت قارظ بن خالد بن عبيد بن سويد بن قارظ،
من بني ليث حلفاء بني زهرة، كان عبد الرحمن وليها، فقالت له: «إنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيتَ.» قال: «وتجعلين ذلك إليَّ؟» فقالت: «نعم.» قال: «قد تزوجتك»، فتزوجها عبد الرحمن وأنجبت له أبا بكر.

ابنة شَيْبَة بن ربيعة بن عبد شمس،

تزوجها عبد الرحمن وأنجبت له أم القاسم.

بَحْرِيّةُ بنت هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن أبي ربيعة، من بني شيبان،
تزوجها عبد الرحمن وأنجبت له عروة الأكبر.

سَهْلَةُ بنت سُهيل بن عمرو،

أسلمت قديمًا بمكّة وبايعت، وهاجرت إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعًا مع زوجها أبي حُذَيْفة بن عُتبة بن ربيعة بن عَبْد شَمْس، ثم تزوجها عبد الله بن الأسود بعد وفاة أبي حذيفة، ثم تزوجها شمّاخ بن سعيد بن قائف، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف وولدت له سالم الأصغر.

ابنةُ أبي الحَيْسَر بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل،
من الأوس من الأنصار، هي أول من تزوج عبد الرحمن بعد هجرته إلى المدينة، حين أصدقها بنواة من ذهب فقال له النبي: «أولم ولو بشاه!»، وأنجبت له عبد الله.
تُماضرُ بنت الأصبغ، هي ابنة الأَصْبَغ بن عَمْرو ملك بني ***،
تزوجها عبد الرحمن بن عوف بأمر من النبي حين بعثه على سرية إلى دومة الجندل، فكانت أول ***ية يتزوجها قرشي، وأنجبت له أبي سلمة، طلقها قبل وفاته، ثم تزوجها الزبير بن العوام.

أسماء بنت سلامة بن مُخَرّبَةَ بن جندل بن نهشل بن دارم،
أنجبت له عبد الرحمن.

أمّ حُريث، من سبيِ بَهْرَاءَ،
أنجبت له مُصْعَب وآمنةُ ومريم.

مَجْدُ بنت يزيد بن سلامَة ذي فائش الحمْيَرِيّة،
أنجبت له سهيل.

غزال بنت كسرى،
أمّ ولَدٍ من سبى سعد بن أبي وقّاص يومَ المدائن، أنجبت له عثمان.

زينب بنت الصبّاح بن ثعلبة بن عوف بن شبيب بن مازن،
مِنْ سبي بَهْرَاءَ أيضًا، أنجبت له أم يحيى.

باديةُ بنت غيلان بن سَلَمَةَ بن مُعتِّبِ الثَّقَفيّ،
أنجبت له جويرية.

أبناؤه

أبناؤه الذكور هم:


سالم الأكبر، وأمه أمّ كلثوم بنت عُتبة بن ربيعة، ولد في الجاهلية ومات قبل الإسلام.
محمد، وأمه أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط، ولد على عهد النبي، وبه يُكنى والده.
إبراهيم، وأمه أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط، تابعي، وأحد رواة الحديث النبوي، كان إبراهيم من المدافعين عن عثمان بن عفان حين حوصر في داره. توفي سنة 96 هـ.
حميد، وأمه أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط، تابعي، وأحد رواة الحديث النبوي، توفي سنة 95 هـ، قال الذهبي: «كان فقيهًا، نبيلاً، شريفًا»، قال الواقدي: «كان ثقة، كثير الحديث».
إسماعيل، وأمه أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط.
مَعْن، وأمه سَهْلَةُ بنت عاصم بن عديّ.
عُمَرُ، وأمه سَهْلَةُ بنت عاصم بن عديّ.
زيد، وأمه سَهْلَةُ بنت عاصم بن عديّ.
عروة الأكبر، وأمه بَحْرِيّةُ بنت هانئ بن قبيصة، قُتل يوم فتح إفريقية.
سالم الأصغر، وأمه سَهْلَةُ بنت سُهيل بن عمرو، قُتل يوم فتح إفريقية.
أبو بكر، وأمه أمّ حكيم بنت قارظ.
عبد الله، وأمه ابنةُ أبي الحَيْسَر بن رافع بن امرئ القيس، كنيته أبو عثمان، قُتل يوم فتح إفريقية.
أبو سلمة، وهو عبد الله الأصغر، وأمه تُماضرُ بنت الأصبغ، تابعي، وأحد رواة الحديث النبوي، وأحد فقهاء المدينة السبعة من التابعين، حين تولّى سعيد بن العاص إمرة المدينة في ولايته الأولى سنة 48 هـ، اختار أبا سلمة قاضيًا عليها، فظل على قضائها إلى أن عُزل سعيد سنة 54 هـ.
عبد الرحمن، وأمه أسماء بنت سلامة بن مُخَرّبَةَ.
مصعب، وأمه أمّ حُريث من سبيِ بَهْرَاءَ، تابعي، وأحد رواة الحديث النبوي، وكان ثقة قليل الحديث، قُتِل مصعب في حصار مكة مع عبد الله بن الزبير في سنة 64 هـ.
سهيل، وهو أبو الأبيض، وأمه مَجْدُ بنت يزيد بن سلامَة.
عثمان، وأمه غزال بنت كسرى أمّ ولَدٍ من سبى سعد بن أبي وقّاص يومَ المدائن.
عروة الأصغر، وأمه أم ولد مبهمة.
يحيى، وأمه أم ولد مبهمة.
بلال، وأمه أم ولد مبهمة.

وأبناؤه الإناث هن:

أم القاسم، وأمها بنت شَيْبَة بن ربيعة ابن عبد شمس، وُلدت في الجاهليّة قبل الإسلام.
حميدة، وأمها أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط.
أمة الرحمن، وأمها أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط.
أمة الرحمن الصغرى، وأمها سَهْلَةُ بنت عاصم بن عديّ.
آمنة، وأمها أمّ حُريث من سبيِ بَهْرَاءَ.
مريم، وأمها أمّ حُريث من سبيِ بَهْرَاءَ.
أم يحيى، وأمها زينب بنت الصبّاح بن ثعلب.
جُويرية، وأمها باديةُ بنت غيلان بن سَلَمَةَ.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:31 PM
الشخصية الاسلامية العاشرة


https://l.top4top.io/p_19387h3uf1.png

https://a.top4top.io/p_1938zd33v2.png

سَعِيد بن زَيْد القرشي العدوي (22 ق.هـ - 51 هـ / 600 - 671م) هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، حيث أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وقبل أن يدخل النبي دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها، كان أبوه زيد من الأحناف في الجاهلية؛ فلا يعبد إلا الله ولا يسجد للأصنام، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، وأخته عاتكة بنت زيد زوجة عمر، وزوجته هي أخت عمر فاطمة بنت الخطاب والتي كانت سببًا في إسلام عمر بن الخطاب.

كان سعيد من المهاجرين الأولين، وكان من سادات الصحابة، شهد سعيد المشاهد كلها مع النبي إلا غزوة بدر، حيث بعثه النبي هو وطلحة بن عبيد الله للتجسس على أخبار قريش، فرجعا بعد غزوة بدر، فضرب لهما النبي بسهمهما وأجرهما، وشهد معركة اليرموك، وحصار دمشق وفتحها، وولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح، فكان أول من عمل نيابة دمشق من المسلمين، وتُوُفي بالعقيق سنة إحدى وخمسين للهجرة، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وحُمِل إلى المدينة، وغسله سعد بن أبي وقاص وكفنه

نشأته

نسبه

هو: سَعِيد بن زَيْد بن عَمْرو بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن رِيَاح بن عبد اللّه بن قُرْط بن رِزاح بن عَدِيّ بن كَعْب بن لُؤَي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أمه: فاطمة بنت بَعْجَة بن أُميّة بن خُويلد بن خالد بن المعمّر بن حَيّان بن غَنْم بن مُليح من خزاعة.
أخته: عاتكة بنت زيد هي أخته لأبيه، أمها أم كرز بنت الحضرمي، أسلمت وبايعت وهاجرت، تزوجها عبد الله بن أبي بكر، فلما مات عنها تزوجها عمر بن الخطاب.
وهو ابن عم الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، حيث يُعتبر الخطاب بن نفيل والد عمر بن الخطاب عم زيد بن عمرو بن نفيل والد سعيد، وأخاه لأمه أيضًا، وذلك لأن عمرو بن نفيل كان قد خلف على امرأة أبيه بعد أبيه - وكانت عادة في الجاهلية - وكان لها من نفيل أخوه الخطاب.

مولده وصفته

ولد سعيد بن زيد قبل البعثة النبوية ببضع عشرة سنة؛ لأنه مات سنة إحدى وخمسين للهجرة، وعمره بضع وسبعون سنة، وقيل أنه مات وله ثلاث وسبعون سنة، فحينذٍ يكون مولده قبل البعثة بثلاث عشرة سنة، كان سعيد يُكْنَى أَبا الأَعور، وقيل: أَبو ثور، والأَول أَشهر، وقال أهل التاريخ: كان سعيد بن زيد رجلًا آدَمَ طَوَالًا أَشْعَرَ.

حنيفية والده

كان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل حنيفيًا على دين النبي إبراهيم الخليل، حيث كان لا يعبد الأصنام، وكان لا يأكل ما ذبح على النُصُب، ويروي البخاري عن عبد الله بن عمر: «أن زيد خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالمًا من اليهود فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أنْ أدين دينكم فأخبرني، فقال: لا تكون علَى ديننا، حتي تأخذ بنصيبك من غضب الله، قال زيد: ما أفر إلا من غضب اللَّهِ، ولا أحمل من غضب اللّه شيئًا أبدًا، وأنَّى أستطيعه؟ فهل تدلّني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حَنيفًا، قال زيد: وما الحنيفُ؟ قال: دينُ إبْراهيمَ، لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولايعبد إلا اللَّهَ. فخرجَ زيدٌ فلَقيَ عالمًا منَ النَّصارَى فذكر مثلَهُ، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنَصيبِكَ من لعنة اللَّهِ، قال: ما أفر إلا من لعنة اللهِ، ولا أحمل من لعنة اللهِ، ولا من غضبه شيئًا أبدًا، وأنَّى أستطيعُ؟ فهل تدلني علَى غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا، قال: وما الحَنيفُ؟ قال: دينُ إبراهيمَ لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولا يعبد إلا اللهَ. فلمَّا رأى زيد قولهم في إبراهيم عليْهِ السَّلام خرج، فلما بَرَزَ رفَعَ يدَيْهِ، فقال: اللَّهُمَّ إني أشْهَدُ أني علَى دينِ إبراهيمَ.»، ومن شعره في التوحيد ما حكاه محمد بن إسحاق، والزبير بن بكار وغيرهما:

وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدها سواء وأرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الريح تصرف حالا فحالا

وكان زيد يُسند ظهره إلى الكعبة ويقول: «يا معاشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري» وكان يحيي الموءودة ويقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: «لا تقتلها أنا أكفيكها مؤونتها»، فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها: «إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها». وقد لقي زيد النبي محمد قبل البعثة، فقدمت إلى النبي سفرة فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: «إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه»، وكان زيد بن عمرو يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: «الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكارًا لذلك وإعظامًا له». وروى أن النبي محمد سئل عن زيد فقال: «يبعث يوم القيامة أمة وحده»، وقال أيضًا: «دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين»، مات زيد بأرض البلقاء من الشام لما عدا عليه قوم من بني لخم، فقتلوه، وكانت وفاته حين كانت قريش تبني الكعبة قبل البعثة النبوية بخمس سنين. ورثاه ورقة بن نوفل فقال:

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما تجنبت تنورًا من النار حاميًا
بدينك ربا ليس رب كمثله وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته ولم تك عن توحيد ربك ساهيًا
فأصبحت في دار كريم مقامها تعلل فيها بالكرامة لاهيًا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ولو كان تحت الأرض سبعين واديًا

إسلامه

كان إسلام سعيد مبكرًا، حيث أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، قبل أن يدخل النبي دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها، فكان من السابقين الأولين إلى الإسلام، وأسلمت معه زوجته فاطمة بنت الخطاب، وكان إسلامه قبل إسلام عمر بن الخطاب، وكان في البداية يكتم إسلامه من عمر خشيةً منه، فلما علم عمر بإسلامه أخذ يؤذيه، فكان سعيد يقول: «وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ.»

وكان سعيد بن زيد وزوجته فاطمة سببًا في إسلام عمر بن الخطاب، حيث كان عمر في بداية الأمر شديد العداء للإسلام، وكان يريد أن يقتل النبي، فسن سيفه وخرج من داره قاصدًا النبي، وفي الطريق لقيه نُعَيم بن عبد الله العدوي القرشي وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم، فقال له: «أين تريد يا عمر؟»، فرد عليه قائلًا: «أريد محمدًا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله.»، فلمّا عرف أنه يتجه لقتل النبي قال له: «والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الارض وقد قتلت محمدًا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب قد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه؛ فعليك بهما.» فانطلق مسرعًا غاضبًا إليهما، فوجد الصحابي خباب بن الأرت يجلس معهما يعلمهما القرآن، فضرب سعيدًا، وضرب فاطمة بشيْءٍ في يديه على رأسها فسال الدم، فلمَّا رأت الدم، بكت وقالت: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا كُنْتَ فَاعِلًا فَافْعَلْ، فَقَدْ أَسْلَمْتُ»، فدخل غاضبًا حتى جلس على السريرِ، فنظر إلى صحيفة وَسْطَ الْبَيت، فقال: «ما هذه الصحيفة؟ أَعطنيها»، فلما أراد عمر قراءة ما فيهاأبت أخته أن يحملها إلا أن يغتسل، فتوضأ عمر وقرأ الصحيفة وإذ فيها: طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى Aya-3.png تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، فقال عمر: «دلوني على محمد»، فذهب إلى النبي وأسلم عنده.

هجرته

لم يهاجر سعيد مع من هاجر إلى الحبشة؛ لأنه كان من الأشراف ومن رؤوس قريش وساداتهم، فلم يكن يناله من العذاب ما ينال غيره من المستضعفين، وكان سعيد بن زيد وزوجته فاطمة من المهاجرين الأوليين إلى المدينة المنورة، وروى ابن كثير أنه كان من الذين هاجروا مع عمر بن الخطاب علانيةً، حيث تقلد عمر بن الخطاب سيفه ووضع قوسه على كتفه وحمل أسهمًا، وذهب إلى الكعبة حيث طاف سبع مرات، ثم توجه إلى مقام إبراهيم فصلى، ثم قال لحلقات قريش المجتمعة: «شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده أو يُرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي». ثم مضى إلى يثرب ومعه ما يقارب العشرين شخصًا من أهله وقومه، منهم أخوه زيد بن الخطاب، وعمرو بن سراقة وأخوه عبد الله، وخنيس بن حذافة، وابن عمه سعيد بن زيد، ونزلوا عند وصولهم في قباء عند رفاعة بن عبد المنذر، وكان قد سبقه مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وبلال بن رباح وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر. وآخى النبي بينه وبين أبي بن كعب، وروى ذلك ابن الأثير، وابن إسحاق، وقال ابن سعد: «آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سعيد بن زيد ورافع بن مالك الزرقي.»

غزواته في عهد النبي محمدصلى الله عليه وسلم

شهد سعيد بن زيد جميع المشاهد والغزوات مع النبي إلا غزوة بدر، فشهد غزوة أحد والخندق وبيعة الرضوان وما بعدها من المشاهد، وكان سعيد يبلي بلاءً حسنًا في هذه الغزوات وملازمًا للنبي محمد، فعن سعيد بن جبير: «كان مقام أَبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أَمام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في القتال ووراءَه في الصلاة»، وكان سعيد يقول: «والله لمشهد شهده أحدكم مع رسول الله، تغبّر فيه وجهه، أفضل من عمر أحدكم ولو عمَّر عمر نوح»

وكان سبب عدم مشاركته في غزوة بدر أن النبي محمد أرسل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد في سرية تُسمى سرية ذي العشيرة ليتحسّبا خبر عير قريش القافلة من الشام، فخرجا حتّى بلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك حتّى مَرّت بهما العِير، ولكن بلغ النبي محمد الخبر قبل رجوع طلحة وسعيد إليه، فنَدَبَ أصحابه وجهز جيشًا لملاقاة القافلة، ولكن استطاعت القافلة الإفلات، ثم عاد طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى المدينة المنورة ليُخبرا النبي عن خبر العير؛ ولم يَعْلَما بخروجه، فَقَدِمَا المدينة في اليوم الذي حدثت فيه المعركة بين المسلمين وقريش ببدر، فخرجا من المدينة فلقياه النبي مُنْصَرِفًا من بدر، فلم يشهد طلحة وسعيد غزوة بدر لذلك، فضرب لهما النبي بسهامهما وأجورهما في غزوة بدر فكانا كَمَنْ شَهِدَها. فقَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: «قَدِمَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ مِنَ الشَّامِ بَعْدَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ، قَالَ: وَأَجْرِي، قَالَ: «وَأَجْرُكَ».» بينما ذكر البعض سببًا أخر فقال الزبير بن بكار في سبب تخلفه عن الغزوة أنه كان في تجارة بالشام عندما وقعت الغزوة.

في عهد الخلفاء الراشدين


معركة اليرموك ونيابة دمشق

في عهد أبي بكر الصديق توجه سعيد بن زيد للقتال في بلاد الشام، ولم يكن أميرًا بل كان من ضمن الأجناد، ثم شارك في معركة اليرموك وكان من قادتها، فكان أمراء الأرباع في ذلك اليوم: أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وكان على الميمنة معاذ بن جبل، وعلى الميسرة نفاثة بن أسامة الكناني، وعلى الرجّالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيالة خالد بن الوليد وهو المشير في الحرب، فلمّا التقي الجمعان أشار خالد على أبي عبيدة أن يفرق الخيل فرقتين، ويجعلها وراء الميمنة والميسرة حتى إذا صدموهم كانوا لهم ردءًا فيأتوهم من ورائهم، فكان خالد في أحد الخيلين من وراء الميمنة، وجعل قيس بن هبيرة في الخيل الأخرى، وأمر أبا عبيدة أن يتأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله، لكي إذا رآه المنهزم استحى منه ورجع إلى القتال، فجعل أبو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد، فكان لسعيد الدور البارز في المعركة، يقول حبيب بن سلمة: «اضطررنا يوم اليرموك إلى سعيد بن زيد، فلله در سعيد، ما سعيد يومئذٍ إلا مثل الأسد، لمّا نظر إلى الروم وخافها، اقتحم إلى الأرض، وجثا على ركبتيه، حتى إذا دنوا منه وثب في وجوههم مثل اللَّيث، فطعن برايته أول رجل من القوم فقتله، وأخذ والله يقاتل راجلاً قتال الرجل الشجاع البأس فارسًا ويعطف الناس إليه»، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين على الروم.


ويروي سعيد بن زيد قصة معركة اليرموك فيقول:

سعيد بن زيد لمَّا كان يوم اليرموك كنا أربعة وعشرين ألفُا ونحوًا من ذلك. فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف. وأقبلوا علينا بخطى ثقيلة كأنهم الجبال تحركها أيد خفية. وسار أمامهم الأساقفة والبطاركة والقسيسون يحملون الصلبان وهم يجهرون بالصلوات فيرددها الجيش من ورائهم وله هزيم كهزيم الرعد. فلما رآهم المسلمون على حالهم هذه هالتهم كثرتهم وخالط قلوبهم شيء من خوفهم. عند ذلك قام أبو عبيدة فخطب في الناس وحثهم على القتال. عند ذلك خرج رجل من صفوف المسلمين وقال لأبي عبيدة: إني أزمعت على أن أقضي أمري الساعة. فهل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول الله؟ فقال أبو عبيدة: نعم. تقرئه مني ومن المسلمين السلام وتقول له: يا رسول الله إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا. سعيد بن زيد
كما شهد سعيد فتح دمشق أيضًا، وذكر سيف بن عمر البرجمي أن أبا عبيدة بن الجراح لما فرغ من فتح دمشق، كتب إلى أهل إيلياء يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو الحرب، فلم يجيبوا إلى ذلك، فسار إليهم، واستخلف على دمشق سعيد بن زيد، فكان أول من عمل نيابة دمشق من المسلمين. وقد ذكر صلاح الدين الصفدي ذلك في كتابه تحفة ذوي الألباب:
وقد تولاها سعيد العدوي وهو على الفضل المبين محتوي.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:33 PM
خلافة عثمان وعلي

كان سعيد بن زيد من جملة من بايع لعمر بن الخطاب، ولم يذكره عمر في أهل الشورى الذين اختاروا الخليفة من بعده؛ وإنما تركه عمر لئلا يبقى له فيه شائبة حظ، لأنه زوج أخته وابن عمه، ولم يتول سعيد بعده ولاية، ثم كان من جملة من بايع لعثمان بن عفان بعد انتهاء الشورى له، ثم بايع عليًا بعد مقتل عثمان، ولم يُذكَر في الأحداث والغزوات في عهد عثمان، وليس له ذكرًا في فتنة مقتل عثمان، ولا في وقعتي الجمل صفين، ويُرجّح أن كان من معتزلي الفتنة. فظل يسكن في أرضه بالعقيق، وقال أبو نعيم الأصبهاني: «كان عثمانُ قد أقْطَع سعيدًا أرضًا بالكوفة، فنزلها وسكنها إلى أن مات»، والأشهر أن الأرض بالعقيق من نواحي المدينة. وكان سعيد يرغب عن الولاية، يقول أبو نعيم الأصبهاني: «رغب عن الولاية، وتشمر في الرعاية، قمع نفسه، وأخفى عن المنافسة في الدنيا شخصه، وبلغة العصر نقول: هو جندي مجهول.»

في عهد معاوية بن أبي سفيان

بايع سعيد لمعاوية بن أبي سفيان بعد صلحه مع الحسن بن علي سنة 41 هـ، وكان يسكن في أرضه بالعقيق أثناء ولاية مروان بن الحكم للمدينة المنورة، ولم يبايع سعيد ليزيد بن معاوية، فلمّا كتب معاوية إلى مروان بالمدينة أن يبايع لابنه يزيد للخلافة من بعده، جاء رجل من أهل الشام وقال لمروان: «ما يحسبك؟» قال: «حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع؛ فإنه سيد أهل البلد، إذا بايع بايع الناس»، قال الشامي: «أفلا أذهب فآتيك به؟»، فذهب الشامي إلى سعيد بن زيد وقال له: «انطلق فبايع.» قال سعيد: «انطلق، فسأجيء فأبايع»، فقال الشامي: «لتنطلقن، أو لأضربن عنقك.» قال: «تضرب عنقي؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم أنا قاتلتهم على الإسلام.» فرجع الشامي إلى مروان، فأخبره، فقال له مروان: اسكت. ثم ماتت أحد أمهات المؤمنين وكانت قد أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، فقال الشامي لمروان: «ما يحبسك أن تصلي على أم المؤمنين.» قال: «انتظر الذي أردت أن تضرب عنقه، فإنها أوصت أن يصلي عليها.» فقال الشامي: «استغفر الله.»

وفي عهد خلافة معاوية، ذهبت أروى بنت أويس إلى مروان بن الحكم، وادعت أن سعيد بن زيد ظلمها وأخذ أرضها، فتنازل لها سعيد عن أرضه، ودعا عليها - وكان مجاب الدعوة - إن كانت كاذبة أن يعميها الله ويُميتها في أرضها، فكان أهل المدينة إذا دعوا قالوا: أعماه الله كعمى أروى، فعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال:

سعيد بن زيد جاءت أروى بنت أويس إلى أبي محمد بن عمرو بن حازم فقالت له:" يا أبا عبد الملك؛ إن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد بنى ضفيرةً في حَقّي فأْتِه بكلمة فلينزع عن حقّي، فوالله لئن لم يفعل لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم." فقال لها: "لا تؤذي صاحبَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فما كان ليظلمَك ولا ليأخذَ لك حقًّا." فخرجت وجاءت عمارة بن عمرو، وعبد الله بن سلمة، فقالت لهما: "ائتيا سعيد بن زيد فإنه قد ظلمني وبنَى ضفِيرةً في حقّي، فوالله لئن لم ينزع لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم." فخرجا حتى أتياه في أَرضِه بالعقيق، فقال لهما: "ما أتى بكما؟" قالا: "جاءتنا أروى بنت أويس، فزعمت أنك بنيْتَ ضفيرة في حقَّها، وحلفَتْ بالله لئن لم تنزع لتصيحنّ بك في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ فأحببنا أن نأتيكَ، ونذكر ذلك لك." فقال لهما: "إني سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ يُطَوِّقهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" . فلتأْتِ فلتأْخذ ما كان لها من حق، اللهم إن كانَتْ كاذبة فلا تمِتْها حتى تُعْمي بصرها وتجعل ميتتها فيها، فرجعوا فأخبروها ذلك فجاءت فهدمت الضَّفيرة، وبنتْ بنيانا، فلم تمكث إلا قليلًا حتى عميت، وكانت تقومُ بالليل ومعها جارية لها تقودها لتوقظ العمّال، فقامت ليلةً وتركت الجارية فلم توقظها، فخرجت تَمْشي حتى سقطت في البئر، فأصبحت ميتة. سعيد بن زيد
ويبدو أن سعيد بن زيد عاش فترةً في الكوفة في زمن معاوية، وكان واليها المغيرة بن شعبة، وكان في الكوفة خطباء يقعون في علي بن أبي طالب، فأنكر سعيد ذلك، فعن عبد الله بن ظالم المازني قال: «لما خرج معاوية رضي الله عنه من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: فأقام خطباء يقعون في علي وأنا إلى جنب سعيد بن زيد. قال: فغضب فقام فأخذ بيدي فتبعته، فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة فأشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم.»


وفاته

تُوفي سعيد بن زيد بالعَقيق، فحُمِل إلى المدينة، وكان ذلك سنة إِحدى وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وقيل سنة خمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وكان موته يوم الجمعة، فركب إِليه ابن عمر بعد أن تعالى النهار واقتربت صلاة الجمعة فترك الجمعة، وغسّله سعد بن أبي وقاص، ثم أتى البيت فاغتسل فلما فرغ خرج وقال لمن معه: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَغْتَسِلْ مِنْ غُسْلِي إِيَّاهُ وَلَكِنِّي اغْتَسَلْتُ مِنَ الْحَرِّ.»، ودُفِنَ بالمدينة. نزل في قبره سعد بن أبي وقاص وابن عمر، بينما زعم الهيثم بن عديّ أنه مات بالكوفة، وصلَّى عليه المغيرة بن شعبة، وعاش ثلاثًا وسبعين سنة، والأول أصح.


أسرته

زوجاته

اختلفت كتب التراجم في عدد زوجات سعيد بن زيد وأسمائهم، فذكر محمد بن سعد البغدادي في كتابه الطبقات الكبرى منهم عشر زوجات هن:

فاطمة بنت الخطاب أم جميل،

يقال لها أميمة أو رملة، أولى زوجات سعيد بن زيد، أمّها حَنْتمة بنت هاشم بن المغيرة، وهي أخت عمر بن الخطاب، أسلمت قديمًا أول الإسلام مع زوجها سعيد، وكانت سببًا في إسلام أخيها عمر، أنجبت لسعيد ولدًا واحدًا وهو عبد الرحمن.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:33 PM
حَزْمَة بنت قيس أو خيرة بنت قيس الفهرية

أخت فاطمة بنت قيس الفهرية، لها حديث في مسند الشاميين للطبراني، أنجبت لسعيد ثلاثة أولاد هم: محمدًا وإبراهيم الأصغر وعبد الله الأصغر، وسبع بنات هن: أمّ حبيب الكبرى وأمّ الحسن الصغرى وأمّ زيد الكبرى وأمّ سلمة وأمّ حبيب الصغرى وأمّ سعيد الكبرى وأمّ زيد الصغرى.

أمامة بنت الدُّجيج من غسّان

تزوجها سعيد وأنجبت له عبد الرحمن الأصغر، وعمر الأصغر، وأمّ موسى، وأمّ الحسن الكبرى.

جليسة بنت سُويد بن صامت

تزوجها سعيد وأنجبت له زيد، وعبد الله الأكبر، وعاتكة.

ضُبْخ بنت الأصبغ بن شعيب بن ربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عُليم من بني ***،

تزوجها سعيد وأنجبت له عمرو الأكبر، وطلحة، وزُجْلَة.

أمّ الأسود امرأة من بني تغلب،

أنجبت لسعيد عمرو الأصغر والأسود.

ابنة قربة من بني تغلب،

ذكرها مبهمة، أنجبت لسعيد إبراهيم الأكبر وحفصة.

أمّ خالد

ولم يُذكَر نسبها، أنجبت لسعيد خالد، وأمّ خالد، وأمّ النعمان.

أمّ بشير بنت أبي مسعود الأنصاريّ

أنجبت لسعيد أمّ زيد الصغرى.

أم ولد،

ذكرها مُبهَمة ولم يذكر اسمها، أنجبت له عائشة، وزينب، وأمّ عبد الحَوْلاءِ، وأمّ صالح.

وزاد عليهم خليفة بن خياط

جميلة بنت عبد الله بن قارظ من بني زهرة،

ونسب لها من ولد سعيد هشامًا

أبناؤه

كان لسعيد بن زيد أبناء كُثُر، قال ابن الجوزي في صفة الصفوة: «رزَقَهُ الله أولاداً كثرى»، وقال أبو نعيم الأصبهاني: «كان عثمانُ قد أقْطَع سعيدًا أرضًا بالكوفة، فنزلها وسكنها إلى أن مات، وسكنها من بعده من بنيه الأسود بن سعيد، وكان له أربعة بنين: عبد الله، وعبد الرّحمن، وزيد، والأسود، كلُّهم أعقب وأنجب.»، وقال: «وعقبه كثير بالكوفة»، فأبناؤه الذكور هم:

عبد الله الأكبر، وأمه جليسة بنت سُويد بن صامت، ولا بقية له.
عبد الله الأصغر، وأمه حَزْمَة بنت قيس.
عبد الرحمن الأكبر، وأمه فاطمة بنت الخطاب، ولا بقية له.
عبد الرحمن الأصغر، وأمه أمامة بنت الدُّجيج من غسّان، وكان ثقة قليل الحديث، أنجب زيدًا، وسعيدًا، وفاطمةَ، وعَمْرًا، غسله ابن عمر وحمله وصلى عليه لمّا مات.
إبراهيم الأكبر، وأمه ابنة قربة من بني تغلب.
إبراهيم الأصغر، وأمه حَزْمَة بنت قيس.
عمرو الأكبر، وأمه ضُبْخ بنت الأصبغ بن شعيب.
عمرو الأصغر، وأمه أمّ الأسود امرأة من بني ثعلب.
عمر الأصغر، وأمه أمامة بنت الدُّجيج من غسّان، لا بقية له.
الأسود، وأمه أمّ الأسود امرأة من بني ثعلب.
طلحة، وأمه ضُبْخ بنت الأصبغ بن شعيب، مات قبل أبيه، ولا بقية له.
محمد، وأمه حَزْمَة بنت قيس.
خالد، وأمه أمّ خالد.
زيد، وأمه جليسة بنت سُويد بن صامت، ولا بقية له.
هشام، وأمه جميلة بنت عبد الله بن قارظ، لم يذكره ابن سعد البغدادي ولا ابن الجوزي، ولكن ذكره خليفة بن خياط في طبقاته.

وأبناؤه الإناث هن:

أم الحسن الكبرى، وأمها أمامة بنت الدُّجيج من غسّان.
أم الحسن الصغرى، وأمها حَزْمَة بنت قيس.
أم حبيب الكبرى، وأمها حَزْمَة بنت قيس.
أم حبيب الصغرى، وأمها حَزْمَة بنت قيس.
أم زيد الكبرى، وأمها حَزْمَة بنت قيس.
أم زيد الصغرى، وأمها أمّ بشير بنت أبي مسعود الأنصاريّ، وكانت زوجة للمختار بن أبي عُبيد.
عائشة، وأمها أمّ ولد مُبهَمة.
حفصة، وأمها ابنة قربة من بني تغلب.
عاتكة، وأمها جليسة بنت سُويد بن صامت.
زينب، وأمها أمّ ولد مُبهَمة.
أم سلمة، وأمها حَزْمَة بنت قيس.
أم موسى، وأمها أمامة بنت الدُّجيج من غسّان.
أم النعمان، وأمها أمّ خالد.
أم سعيد، وأمها حَزْمَة بنت قيس، وتوفّيت قبل أبيها.
أم خالد، وأمها أمّ خالد، توفّيت قبل أبيها.
أم صالح، وأمها أمّ ولد مُبهَمة.
أمُ عبدٍ الحولاءُ، وأمها أمّ ولد مُبهَمة.
زُجْلَة، وأمها ضُبْخ بنت الأصبغ بن شعيب.
أسماء، لم يذكره ابن سعد البغدادي ولا ابن الجوزي، ولكن ذكرها ابن حجر العسقلاني وقال أن لها صحبة، وروت حديثًا أخرجه البيهقي والدارقطني في العلل وهو: «لاَ صَلاَةَ لَمِنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ».

روايته للحديث

كان سعيد بن زيد مُقلّا في رواية الحديث النبوي، فروى ثمانية وأربعين حديثًا جمعها بقي بن مخلد في مسنده، وله في صحيحي البخاري ومسلم حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديث ثالث، وله في مسند أحمد بن حنبل ثمانية وعشرون حديثًا، وروى عنه من الصّحابة: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمرو بن حريث، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني؛ ومن كبار التابعين: أبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي البصري، وسعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، عبد اللّه بن ظالم المازني، وزِرُّ بن حبيش، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وغيرهم.

ومن الأحاديث التي رواها سعيد ما رواه عن النبي أنه قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن ظلم من الأرض شبرًا طوقه من سبع أرضين»، كما أنه من رواة حديث العشرة المبشرين بالجنة فقال: «أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رسول الله في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، ثم قال: إن شئتم أخبرتكم بالعاشر، ثم ذكر نفسه.»

منزلته

عند أهل السنة والجماعة


يعد سعيد بن زيد من الشخصيات المُبجَّلة في الإسلام خاصةً عند أهل السنة والجماعة، حيث يرون أنه من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن المهاجرين الأولين، شهد بدرًا بسهمه وأجره، ثم شهد ما بعدها من المشاهد، وأنه كان مجاب الدعوة، وأن أبوه زيد بن عمرو بن نفيل كان حنيفيًا على ملة إبراهيم، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل سعيد ومكانته، منها:

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي أنه قال:

سعيد بن زيد أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. سعيد بن زيد
عن عبد الله بن ظالم قال:
سعيد بن زيد خَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَنَالَ مِنْ عَلِيٍّ، فَخَرَجَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ هَذَا يَسُبُّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّا كُنَّا عَلَى حِرَاءٍ أَوْ أُحُدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اثْبُتْ حِرَاءُ أَوْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ"، فَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشَرَةَ، فَسَمَّى أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَمَّى نَفْسَهُ سَعِيدًا. سعيد بن زيد
عن سعيد بن جبير قال:
سعيد بن زيد كان مقام أَبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أَمام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في القتال ووراءَه في الصلاة. سعيد بن زيد
قال ابن حجر العسقلاني:
سعد سعيد زبير طلحة وأبو عبيدة وابن عوف قبله الخلفا
لا تسألن القوافي عن مآثرهم إن شئت فاستنطق القرآن والصحفا

عند الشيعة

لا يختلف موقف الشيعة من سعيد بن زيد كثيرًا عن موقفهم تجاه العشرة المبشرين بالجنة، حيث يرى الشيعة بطلان حديث العشرة المبشرين بالجنة وينفونه، ويتهمون سعيد بن زيد أنه وضع هذا الحديث؛ لأنه أحد رواته، كما وجهوا له عدة مطاعن منها أنهم قالوا أنه من شر الأولين والآخرين، وأنه قارون هذه الأمة، ويعتقدون أنه من أعداء آل البيت، وأنه كان يضع الحديث رغم قلة روايته للحديث.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:37 PM
الشخصية الاسلامية الحادية عشرة

https://c.top4top.io/p_1939ounfu1.png

أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي (40 ق هـ/584م - 18هـ/639م) صحابي وقائد مسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، لقَّبَهُ النّبيُّ محمدٌ بأمين الأمة حيث قال: «إن لكل أمّة أميناً، وإن أميننا أيتها الأمة: أبو عبيدة بن الجراح». وقال له أبو بكر الصديق يوم سقيفة بني ساعدة: «قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح».

أسلم أبو عبيدة في مرحلة مبكرة من الدعوة الإسلامية، وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة، وشهد مع النبي محمد غزوة بدر والمشاهد كلها، وكان من الذين ثبتوا في ميدان المعركة عندما بُوغت المسلمون بهجوم المشركين يوم أُحُد. وفي عهد أبي بكر الصديق، كان أبو عبيدة أحد القادة الأربعة الذين عيَّنهم أبو بكر لفتح بلاد الشام، ثم أمر أبو بكر خالداً بنَ الوليد أن يسير من العراق إلى الشام لقيادة الجيوش الإسلامية فيها، فلما ولي عمر بن الخطاب الخلافةَ عَزَلَ خالداً بنَ الوليد، واستعمل أبا عبيدة، فقال خالد: «وَلِيَ عليكم أمينُ هذه الأمة»، وقد نجح أبو عبيدة في فتح دمشق وغيرِها من مُدُنِ الشامِ وقُراها. وفي عام 18هـ الموافق 639م توفي أبو عبيدة بسبب طاعون عمواس في غور الأردن ودُفن فيه.

اسمه ونسبه

هو: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أُهَيْب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن مَعَدّ بن عدنان. ويقفون في نسبته عند فهر فيقولون "الفهري"، وقيل: إن فهر هو قريش، وأول مَن تلقَّب بقريش. وقد اشتُهر بكنيته والنسبة إلى جده، فيقال: أبو عُبيدة بن الجرَّاح. وهو يجتمع مع النبي محمد عند فهر بن مالك، فالنبي من أولاد غالب بن فهر، وأبو عبيدة من أولاد الحارث بن فهر.
أبوه: عبد الله بن الجراح، لا يُعرف، ولم يُذكر إلا في قصته مع ابنه أبي عبيدة يوم بدر، وفي كتب الأنساب اضطراب في سَوق نسب أبي عبيدة، قال ابن حجر في الإصابة: أبو عبيدة بن الجراح، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده، ومنهم من لم يذكر بين عامر والجراح "عبد الله" وبذلك جزم مصعب الزبيري في "نسب قريش"، والأكثر على إثباته.

أمه: أُميمة بنت غَنْم بن جابر، وفي "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم الأندلسي: أميمة بنت عثمان بن جابر بن عبد العزى بن عامرة بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر، ونقل ابن حجر عن خليفة أن أم أبي عبيدة أدركت الإسلام وأسلمت.
ولم تذكر المصادر التاريخية شيئاً عن نشاط أبي عبيدة في الجاهلية، فبدأ تأريخ حياته يوم إسلامه. ونقل ابن هشام وغيره أنه «أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ابن أبي الأرقم».

إسلامه

لا يُعرف ترتيب أبي عبيدة بين السابقين إلى الإسلام، ولكن ابن هشام في السيرة ذكره في عُصبة أسلمت بعد ثمانية نفر سبقوا إلى الإسلام، والأرجح أنهم لم يُسلموا في يوم واحد، بل أسلموا متفرّقين في أيام، وكان ترتيبهم بأجمعهم بعد الثمانية السابقين، وقبل مَن ذُكر بعدَهم.

ويُعد أبو عبيدة من السابقين الأولين إلى الإسلام، فهو ممن التقاهم النبيُّ محمدٌ في دار الأرقم قبل أن يبلغ المسلمون أربعين رجلاً، وهو صاحبُ النبي من أول الدعوة، وحفظ القرآن منذ تباشير فجره الأولى، وأوذي في سبيل الله فصبر، ونقل ابن سعد أنه هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية في رواية محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر، ولم يذكره موسى بن عُقبة. وقال الذهبي: «إن كان هاجَرَ إلى الحبشة فإنه لم يُطل بها اللَّبث».

هجرته إلى المدينة


هاجر أبو عبيدة من مكة إلى المدينة المنورة، فنزل على كلثوم بن الهدم الأوسي، وبعد وصول النبي محمد إلى دار الهجرة، آخى بين المهاجرين والأنصار، وقد روى مسلم في الصحيح عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي عبيدة بن الجراح وبين أبي طلحة (زيد بن سهل بن الأسود الخزرجي). ونقل ابن سعد في الطبقات «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حُذيفة». وقيل «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي عبيدة وبين سعد بن معاذ».

في العهد النبوي

غزوة بدر

من المتفق عليه أن أبا عبيدة حضر غزوة بدر الكبرى التي وقعت في 17 رمضان 2هـ الموافق 13 مارس (آذار) 624م، وأبلى مع غيره من المهاجرين والأنصار بلاءً حسناً. وقد تناقلت كتب المغازي والتاريخ والتفسير أن أبا عبيدة قتل أباه يوم بدر كافراً، فقد نُقل الخبر في تاريخ دمشق، قال: «وأخرج الحافظ من طريق البيهقي عن عبد الله بن شوذب». وقال ابن حجر في الإصابة: «وهو فيما أخرجه الطبراني عن عبد الله بن شوذب». وقال السيوطي في "أسباب النزول": «وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: نزلت هذه الآية في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم بدر: ï´؟لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُï´¾ المجادلة: 22». وأخرجه الحاكم من طريق ضمرة بن ربيعة الفلسطيني عن عبد الله بن شوذب.

وقال آخرون: إن أبا عبيدة لم يقتل أباه يوم بدر، وليس في هذا خبر صحيح أو حسن أو ضعيف، وهذا الخبر لا يصح سنداً ولا متناً، أما السند فهو معضل، لأن عبد الله بن شوذب بعيد جداً عن زمن الحدث، وهو رجل خراساني بصري شامي، لم يرحل إلى المدينة منبت الأخبار التي حصلت في العصر النبوي. ولا يصح متناً؛ لأن ابن عساكر نقل عن المفضل بن غسان أن الواقدي كان ينكر أن يكون أبو أبي عبيدة أدرك الإسلام، وينكر قول أهل الشام إن أبا عبيدة لقي أباه في زحف فقتله، وقال: «سألتُ رجالاً من بني فهر، منهم زفر بن محمد وغيره، فقال: توفي أبوه قبل الإسلام».

غزوة أحد

ثبت تاريخياً أن أبا عبيدة حضر غزوة أحد التي وقعت في 7 شوال 3 هـ الموافق 23 مارس 625م، وأنه كان من الذين ثبتوا في ميدان المعركة عندما بُوغت المسلمون بهجوم المشركين، وأنه كان من المدافعين عن النبي محمد. ويُذكر أنه نزع يوم أحد الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة النبي بثنيتيه، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما.

وقصة وقوع ثنيتي أبي عبيدة روتها السيدة عائشة: سمعتُ أبا بكر يقول: «لما كان يومُ أحد، ورُمِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في وجهه حتى دخلت في أجنتيه (وجنتيه) حلقتان من المغفر، فأقبلتُ أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنسان قد أقبل من قِبَلِ المشرق يطير طيراناً، فقلت: اللهم اجعله طاعة أو "طلحة" حتى توافينا إلى رسول الله، فإذا أبو عبيدة بن الجراح قد بدرني فقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر: فتركتُه، فأخذ أبو عبيدة بثنيةٍ إحدى حلقتي المغفر فنزعها، وسقط على ظهره، وسقطت ثنية أبي عبيدة، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى، فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم (أهتم: وهو الذي انكسرت ثناياه من أصولها)»


سرية أبي عبيدة بن الجراح

بعث النبي محمد أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة 6هـ الموافق لشهر أغسطس (آب) 627م. وسبب السرية هو أنه قد بلغه أن بعض القبائل يريدون أن يُغيروا على سرح المدينة وهو يرعى يومئذ بمحل بينه وبين المدينة سبعة أميال، فصلَّوا المغرب، ومشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح، فأغاروا عليهم، فأعجزوهم هرباً في الجبال، وأسروا رجلاً واحداً، وأخذوا نعماً من نعمهم ورثة، أي ثياباً خَلِقةً من متاعهم، وقدموا بذلك إلى المدينة، فخمسه النبي محمد، وأسلم الرجل، فتركه.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:39 PM
سرية ذات السلاسل

وقعت سرية عمرو بن العاص أو ذات السلاسل في شهر جمادى الآخرة سنة 8هـ الموافق لشهر سبتمبر (أيلول) 629م. روى الإمام أحمد في المسند عن عامر الشعبي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش ذات السلاسل، فاستعمل أبا عبيدة على المهاجرين، واستعمل عمرو بن العاص على الأعراب، فقال لهما: «تطاوعا». قال: وكانوا يؤمرون أن يغيروا على بكر، فانطلق عمرو فأغار على قضاعة، لأن بكراً أخواله، فانطلق المغيرة بن شعبة إلى أبي عبيدة فقال: «إن رسول الله استعملك علينا وإن ابن فلان قد ارتبع أمر القوم، وليس لك معه أمر»، فقال أبو عبيدة: «إن رسول الله أمرنا أن نتطاوع، فأنا أطيع رسول الله وإن عصاه عمرو».

ورواية ابن سعد تعطي تفسيراً آخر للغزوة، قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً من قضاعة تجمّعوا يُريدون أن يَدنوا إلى أطراف المدينة النبوية، فدعا عمرو بن العاص فعقد له لواءً، وبعث معه ثلاثمئة من سراة المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن يمرُّ به من بلي وعذرة وبلقين، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمدّه، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مئتين، وبعث معه سراة المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر، وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا، فلحق بعمرو، فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو: «إنما قدمت عليَّ مدداً وأنا الأمير»، فأطاع له بذلك أبو عبيدة وكان عمرو يصلي بالناس.

سرية الخَبَط

أرسل النبيُّ محمدٌ سريةَ الخبط في شهر رجب سنة 8 هـ الموافق لشهر أكتوبر 629م، وجعل أميرَها أبا عبيدة بن الجراح. فعن جابر بن عبد الله: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً نحو الساحل، وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلثمائة، فلما كانوا ببعض الطريق فَنِيَ الزاد، فأمر أبو عُبيدة بأزواد الجيش فجمعها، قال جابر: فكان يقوتنا كلَّ يوم قليلاً قليلاً حتى فني، فلم يكن يصيبنا إلا تمرةٌ تمرة. قال الذي سمع من جابر: «ما تغني عنكم تمرة؟»، قال جابر: «كنا نمصُّها كما يمصُّ الصبيُّ الثدي ثم نشرب عليها الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل»... قال جابر: لقد وجدنا فقدها حين فَنِيَت، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخَبَط، فسمي ذلك الجيش جيش الخبط. قال: ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حُوت مثل الظَّرب (الجبل الصغير) فأكلنا منه نصف شهر وادَّهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا، فأخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينه (يريد بيان كبر حجم هذا الحوت)، فلمّا قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كلوا رزقاً أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم»، فأتاه بعضهم بعضوٍ فأكله، وكانوا قد صنعوا منه قديداً وحملوه معهم.

يُستفاد من هذه القصة أن أبا عبيدة كان يُؤمَّر على السرايا في العهد النبوي، وهذا يدل على ظهور نبوغه العسكري والإداري في عهد النبي محمد

في يوم سقيفة بني ساعدة


كان لأبي عبيدة بنِ الجراح تأثيرٌ في يوم سقيفة بني ساعدة، وقصة يوم سقيفة بني ساعدة كما رواها البخاري في كتاب فضائل الصحابة: قالت السيدة عائشة:

«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسُّنح، فقام عمر يقول: «والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم»، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّله، قال: «بأبي أنت وأمي، طبتَ حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً»، ثم خرج... واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: «منا أمير ومنكم أمير»، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: «نحن الأمراء وأنتم الوزراء»، فقال حباب بن المنذر: «لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير»، فقال أبو بكر: «لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، هم (يعني قريش) أوسط العرب داراً وأعربهم أحساباً، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح»، فقال عمر: «بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس.»
وفي قصة يوم السقيفة شاهدان لهما مدلولات على شخصية أبي عبيدة بن الجراح: الأول: ذهاب أبي عبيدة بصحبة أبي بكر وعمر إلى سقيفة بني ساعدة عندما عَلِم بخبر اجتماع الأنصار لتأمير أحدهم. الثاني: قول أبي بكر «بايعوا عمر أو أبا عبيدة»، وهذا يدل على أنه كان أهلاً للخلافة، في منزلة أبي بكر وعمر، مع العلم أن أبا عبيدة لم يكن من علياء قريش، ولكنه حصل على الكفاءة بخدمته الجليلة في الإسلام، وبتفرّده وتفوّقه في مناقب القيادة، حتى وصفه النبي محمد بأنه «أمين هذه الأمة». وقد أخرج مسلم عن أبي مليكة قال: سألتُ عائشة: «مَن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه؟»، قالت: «أبو بكر»، فقيل لها: «ثم مَن بعد أبي بكر؟»، قالت: «عمر»، ثم قيل لها: «مَن بعد عمر؟»، قالت: «أبو عبيدة بن الجراح» ثم انتهت إلى هذا. ورُوي أن عمر بن الخطاب قال: «لو كان أبو عبيدة بن الجراح حياً لاستخلفته، فإن سألني ربي عنه قلت: استخلفت أمين الله وأمين رسوله»

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:39 PM
في عهد أبي بكر الصديق


امتزجت ترجمة أبي عبيدة بن الجراح بتاريخ فتح الشام، ويُذكر عادةً من مناقبه بعد وصفه بأنه أمين الأمة، أنه فاتح الديار الشامية.

قيادة جيوش فتح الشام


بعد أن اتخذ أبو بكر القرار بفتح الشام وإرسال الجيوش لمحاربة الروم، أرسل إلى أربعة من الصحابة هم: أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، فجاؤوا إليه، فقال لهم: «إني باعثكم في هذا الوجه (الشام) ومؤمِّركم على هذه الجنود، وأنا موجّه مع كل رجل منكم من الرجال ما قدرتُ عليه، فإذا قدمتم البلد ولقيتم الجنود واجتمعتم على قتالهم، فأميركم أبو عبيدة بن الجراح، وإن لم يلقكم أبو عبيدة وجمعَتْكم حربٌ فأميركم يزيد بن أبي سفيان»، فتجهّز الأمراء لهذه المهمة، وراح المسلمون يسعون إلى المعسكر فينضمون إليه، العشر والعشرون والثلاثون إلى المئة في كل يوم، حتى اجتمع منهم جمعٌ.

لواء يزيد بن أبي سفيان: بعد أن ازدحم معسكر الجيش بالقادمين للانضمام إلى جيش فتح الشام، عقد أبو بكر أولاً لواءً ليزيد بن أبي سفيان في شهر رجب سنة 12هـ الموافق 633م. ويتراوح جيش يزيد ما بين ثلاثة آلاف إلى ستة آلاف، لاختلاف الأقوال في عدده، وقد سار متجهاً إلى الشام عن طريق تبوك، واستقر في البلقاء.
لواء شرحبيل بن حسنة: خرج في 27 رجب سنة 12 هـ الموافق 7 أكتوبر 633م
في جمع من المجاهدين، وسلك الطريق نفسها التي سلكها يزيد.
لواء أبي عبيدة بن الجراح: ودّع شرحبيل أبا بكر وسار في جيشه إلى الشام، وبقي معظمُ الجند مع أبي عبيدة بن الجراح بالمعسكر، يَؤمُّهم أبو عبيدة في الصلاة، وينتظرون أمْرَ أبي بكر بالمسير، وكان أبو بكر ينتظر قدومَ مَن استنفر من المسلمين حتى يشحن بهم أرض الشام، وكانت وفود المسلمين تتوافد تباعاً إلى المدينة، أكثرهم من اليمن. وبعد اكتمال العدد والعدة اللازمتين للقاء الروم، ودَّع أبو بكر أبا عبيدة في السابع من شعبان سنة 12هـ الموافق 17 أكتوبر (تشرين الأول) 633م، وقال أبو بكر يوصيه:
أبو عبيدة بن الجراح اسمع سماعَ مَن يُريد أن يَفهم ما قِيلَ له ثم يَعملَ بما أُمِرَ به... إنك تخرج في أشراف الناس وبيوتات العرب وصلحاء المسلمين وفرسان الجاهلية، كانوا يقاتلون إذ ذاك على الحميّة وهم اليوم يقاتلون على الحِسبة والنيّة الحسنة... أحسَنْ صُحبةَ مَن صَحِبَك، ولْيَكنِ الناسُ عندَكم في الحق سواءً، واستعن بالله، وكفى بالله معيناً..

سار أبو عبيدة من المدينة حتى مرَّ بوادي القرى، ثم طلع إلى الحِجر (وهي مدائن صالح) ثم إلى ذات المنار، ثم إلى زيزا، ومنها سار إلى مآب، فتصدَّت له قوة من الروم التحم بهم المسلمون، حتى أدخلوهم مدينتهم وحاصروهم فيها، فطلب أهل مآب الصلح فكانت أول مدن الشام يُصالح أهلُها المسلمين، ثم سار أبو عبيدة إلى الجابية، ودنا منها.

وبلغت أخبارُ هذه التحركات إلى هرقل ملك الروم وهو بفلسطين، ثم خرج هرقل من فلسطين، واتجه إلى أنطاكية بأقصى بلاد الشام واتخذها مقرّاً، وبعث إلى الروم يطلب حشودهم، فجاءته منهم أعدادٌ غفيرةٌ، وبلغت أخبارُ حشود الروم أبا عبيدة، فكتب إلى أبي بكر في منتصف رمضان سنة 12هـ: «فإنه بلغني أن هرقل ملك الروم نزل قرية من قرى الشام تُدعى أنطاكية، وأنه بعث إلى أهل مملكته فحشرهم إليه، وأنهم نفروا إليه على الصعب والذلول، وقد أحببت أن أُعْلِمَكَ ذلك فترى فيه رأيك»، فأجابه أبو بكر: «أما بعدُ فقد بلغني كتابُك... فأما منزلُ هرقل بأنطاكية فهزيمة له ولأصحابه... وأما حَشرُه لكم أهلَ مملكته... فإنّ ذلك ما قد كُنّا وكنتم تعلمون أنه سيكون منهم، وما كان قوم ليَدَعوا مَلِكَهم ويَخرجوا بغير قتال... فالقَهُم بجندك ولا تستوحش فإن الله معك، وأنا مع ذلك ممدُّكَ بالرجال حتى تكتفي». وفي السادس من شوال سنة 12هـ كتب أبو عبيدة إلى أبي بكر: «إن عيوني من أنباط الشام أخبروني أن أوائل أمداد ملك الروم قد وصلوا إليه، وأن أهل مدائن الشام بعثوا رسلهم إليه يستمدّونه، وأنه كتب إليهم أن أهل مدينة من مدائنكم أكثر ممن قدم عليكم من العرب، فانهضوا إليهم فقاتلوهم فإنّ مددي يأتيكم من ورائكم. فهذا ما بلغني عنهم، وأنفُس المسلمين راضية بقتالهم».

لواء هاشم بن عتبة بن أبي وقاص: في 28 شوال سنة 12هـ الموافق 5 يناير (كانون الثاني) 634م، دعا أبو بكر هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وطلب منه أن يسير بمن تبعه من المسلمين للانضمام إلى جند فتح الشام، وخطب في الناس يحضهم على الجهاد والالتحاق بجند الشام، فخرج هاشم إلى أبي عبيدة بمن معه من الجند في 21 ذي القعدة سنة 12هـ الموافق 27 يناير (كانون الثاني) 634م، فتباشر المسلمون بمَقدِمِه وسُرُّوا به.
لواء عمرو بن العاص: وتتابعت بعد ذلك الإمدادات، كلما اجتمع في المدينة عدد من الجند بعثهم أبو بكر لينضموا إلى واحد من الجيوش التي استقرّت في الشام، وكان آخرهم جيش عمرو بن العاص. فصار للمسلمين أربعة جيوش في الشام: جيش أبي عبيدة، وجيش يزيد بن أبي سفيان، وجيش شرحبيل بن حسنة، وجيش عمرو بن العاص، وكانت قيادتهم العامة لأبي عبيدة بن الجراح. وخصَّ أبو بكر كلَّ جيش بقطاع من أرض الشام: فأبو عبيدة لحمص، ويزيد لدمشق، وشرحبيل للأردن، وعمرو لفلسطين.

معركة داثن

وقعت في سنة 13هـ الموافق 634م، وهي أول معركة صغيرة في تاريخ فتح الشام بعد مؤتة وسرية أسامة بن زيد، وقد بدأت في وادي عربة وانتهت في داثن، فبعد أن نزل يزيد بن أبي سفيان البلقاء، ونزل شرحبيل بن حسنة نواحي بصرى، ونزل أبو عبيدة الجابية، دفع الروم بثلاثة آلاف مقاتل إلى وادي عربة من غور فلسطين جنوب البحر الميت، وهذه القوة تهدد جيوش المسلمين التي تقدمت على الطريق الشرقي التي رابطت على امتداده حتى جنوب دمشق بنحو خمسين كيلاً عند الجابية، فهي قوة تأتيهم من خلفهم وفي استطاعتها قطع طريق الإمداد من المدينة والجزيرة العربية، مع وجود قوة رومية أخرى في بُصرى.

وقد درات المرحلة الأولى من المعركة في وادي عربة في مكان يسمى "الغَمْر"، ولما انهزم الروم تبعهم المسلمون إلى مكان يسمى "الدُّبيَّة" على بُعد عشرة أميال للجنوب الشرقي من مدينة رفح، ومنها هرب الروم إلى داثن، فلحق بهم المسلمون وانتصروا عليهم، وهرب فلُّهم، وبها سيطر المسلمون على جنوب فلسطين أو منطقة غزة. وكانت هذه المعركة قبل قدوم عمرو بن العاص بجيشه، حيث لم يرد له ذكر في المعركة.

خالد بن الوليد في الشام

قرّر الخليفة أبو بكر الصديق أن يضم جيش خالد بن الوليد في العراق إلى جيوش الشام، فكتب إليه في المحرّم سنة 13هـ الموافق مارس (آذار) 634م: «أما بعد، فإذا جاءك كتابي فدع العراق، وامضِ متخففاً في أهل القوة من أصحابك الذين قدموا العراق معك من اليمامة وصحبوك من الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى تأتي الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومَن معه من المسلمين». عندئذٍ كتب خالد إلى المسلمين بالشام: «إن كتاب خليفة رسول الله أتاني يأمرني بالمسير إليكم، وقد شمّرتُ وأسرعتُ، وكأن خيلي قد أطلَّت عليكم في رجال، فأبشروا بإنجاز موعود الله وحسن ثوابه». وكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح: «لقد أتاني كتابُ خليفة رسول الله يأمرني بالمسير إلى الشام، وبالمقام على جندها والتولّي لأمرها... ووالله ما طلبتُ ذلك ولا أردْتُه ولا كتبتُ إليه فيه، وأنت رحمك الله، على حالك التي كنتَ بها، لا يُعصى أمرُك ولا يُخالف رأيُك، ولا يُقطعُ أمرٌ دونَك، فأنت سيدٌ من سادات المسلمين، لا يُنكر فضلُك ولا يُستغنى عن رأيك»

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:42 PM
الشخصية الثانية عشرة


https://g.top4top.io/p_1939e81u11.png

https://h.top4top.io/p_1939bypt72.png

https://i.top4top.io/p_1939oicsk3.png

أبو هُرَيْرَة عبد الرحمن بن صخر الدوسي (المتوفي سنة 59 هـ/678م) صحابي محدث وفقيه وحافظ أسلم سنة 7 هـ، ولزم النبي محمداً، وحفظ الحديث عنه، حتى أصبح أكثر الصحابة روايةً وحفظًا للحديث النبوي. لسعة حفظ أبي هريرة، التفّ حوله العديد من الصحابة والتابعين من طلبة الحديث النبوي الذين قدّر البخاري عددهم بأنهم جاوزوا الثمانمائة ممن رووا عن أبي هريرة. كما يعد أبو هريرة واحدًا من أعلام قُرّاء الحجاز، حيث تلقّى القرآن عن النبي محمد، وعرضه على أبي بن كعب، وأخذ عنه عبد الرحمن بن هرمز. تولى أبو هريرة ولاية البحرين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، كمل تولى إمارة المدينة من سنة 40 هـ حتى سنة 41 هـ. وبعدها لزم المدينة المنورة يُعلّم الناس الحديث النبوي، ويُفتيهم في أمور دينهم، حتى وفاته سنة 59 هـ.

اسمه وكنيته

اختلف في اسم أبي هريرة على عدة أقوال، أرجحها «عبد الرحمن بن صخر»، وقيل «عبد الرحمن بن غنم»، وقيل «عبد بن غنم»، وقيل «عبد نهم بن عامر»، وقيل «عبد شمس بن عامر»، وقيل «عمير بن عامر»، وقيل «عبد شمس بن صخر»، وقيل «عامر بن عبد غنم»، وقيل «عبد الله بن عامر»، وقيل «سكين بن دومة»، وقيل «عبد عمرو بن عبد غنم»، وقيل «عمرو بن عبد غنم»، وقيل «سكين بن مل»، وقيل «سكين بن هانئ»، وقيل «عمر بن عبد شمس»، وقيل «عمر بن عبد نهم»، وقيل «سكين بن جابر»، وقيل «يزيد بن عشرقة»، وقيل «عبد الله بن عائذ»، وقيل «سكين بن وذمة»، وقيل «برير بن عشرقة»، وقيل «سعيد بن الحارث»، وقيل أن اسمه الذي ولد به كان «عبد شمس» أو «عبد الله» أو «سكين» أو «عامر» أو «بُرير» أو «عمرو» أو «سعيد» أو «عبد عمرو» أو «عبد غنم» أو «عبد ياليل» أو «عبد تيم» وبعد إسلام أبي هريرة، غيّر النبي محمد اسمه القديم، وسمّاه «عبد الرحمن» أو «عبد الله». وعن كُنيته «أبو هُريرة» التي اشتهر بها، فقيل أنه وجد هرة برية، فأخذها في كمه، فكُنّي بذلك، وقيل أنه كان يرعى غنمًا لأهله، فكانت له هريرة يلعب بها، فكناه أهله بها.

نسبه

أما نسبه، فقال ابن ال***ي أنه عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيان (وقيل: عتاب) بن أبي صعب بن هنية (وقيل: منبه) بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان (وقيل: عدنان) بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وقيل أنه أبي هريرة عبد نهم بن عامر بن عبد شمس بن عبد الساطع بن قيس بن مالك بن ذي الأسلم بن الأحمس بن معاوية بن المسلم بن الحارث بن دهمان بن سليم بن فهم بن عامر بن دوس، وقيل هو عبد نهم بن عامر بن عتبة بن عمرو بن عيسى بن حرب بن سعد بن ثعلبة بن عمرو بن فهم بن دوس. وعن أمه، فقيل أن اسمها ميمونة، وقيل: أميمة، وقيل: أمينة، وقيل: صفية، وهي بنت صبيح (أو صفيح) بن الحارث بن سابى بن أبي صعب بن هنية الدوسية، ولأبى هريرة أخ يقال له كريم، وأما عن خاله، قيل هو سعد بن صبيح، وقيل: سعيد بن صبيح، قال أبو محمد بن قتيبة: «كان سعيد بن صبيح خال أبي هريرة من أشد الناس»، وابن عمه هو أبو عبد الله الأغر.

حياته

إسلامه وهجرته للمدينة


نشأ أبو هريرة في مساكن قبيلته «دوس» الأزديّة بأرض اليمن يتيمًا، ولما بلغته دعوة الطفيل بن عمرو الدوسي إلى الإسلام أجاب الدعوة، وأسلم،

ثم هاجر في أول سنة 7 هـ، وهو ابن ثمان وعشرين سنة مع نفر من قومه من قبيلة دوس اليمانية، إلى المدينة المنورة وقت غزوة خيبر، ولكن اختُلف أأدرك القتال وشارك فيه، أم بلغ المدينة بعدما فرغوا من القتال،، قال ابن عبد البر: «أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم».

خدمة أبي هريرة للنبي محمد وأهل بيته

ومن وقت وصول أبي هريرة إلى المدينة، لزم المسجد النبوي في أهل الصفة الذين لم يكن لهم مأوى ولا أهل، ورد أنه أمضى أربع سنين في معيّة النبي محمد، وورد أنهم ثلاث، انقطع فيها عن الدنيا ليلازم النبي محمد، عاش فيها حياة المساكين، يدور معه في بيوت نسائه ويخدمه ويغزو معه ويحجّ، فشهد معه فتح مكة، وأصبح أعلم الناس بحديثه، فكان السابقون من الصحابة كعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير يسألونه عن الحديث، لمعرفتهم ملازمة أبي هريرة للنبي محمد، فتمكّن أبو هريرة في تلك الفترة من استيعاب قدر كبير من أحاديث النبي محمد وأفعاله، ساعده على ذلك قُدرته الكبيرة على الحفظ. امتاز أبو هريرة في تلك الفترة بالجراءة على سؤال النبي محمد عن أشياء لا يسأله عنها غيره، وقد أوكل النبي محمد له بعض الأعمال كحفظ أموال زكاة رمضان، كما بعثه النبي محمد مؤذّنًا مع العلاء بن الحضرمي حين بعث النبي محمد العلاء واليًا على البحرين.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:44 PM
في عهد الخلفاء الراشدين

وبعد وفاة النبي محمد، شارك أبو هريرة في عهد أبي بكر الصديق في حروب الردة، كما شارك في الفتح الإسلامي لفارس في عهد عمر بن الخطاب، ثم استعمله عمر واليًا على البحرين، فقدم من ولايته عليها إلى المدينة بعشرة آلاف، فاتهمه عمر في تلك الأموال، فأنكر أبو هريرة اغتصابه لتلك الأموال، وقال له بأنها نتاج خيله، ومن تجارته في الغلال، وما تجمّع له من أُعطيات. فتقصّى عُمر الأمر، فتبيّن له صدق مقولة أبي هريرة. أراد عُمر بعدئذ أنه يُعيد أبي هريرة إلى ولايته على البحرين، فأبى أبو هريرة، وامتنع. بعد ولايته تلك، أقام أبو هريرة في المدينة المنورة يُحدّث طلاب الحديث، ويُفتي الناس في أمور دينهم، فقد روى زياد بن مينا أنه: «كان ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وجابر مع أشباه لهم، يُفتون بالمدينة، ويُحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا»، كذلك قال ابن حزم في كتاب «الإحكام في أصول الأحكام»: «المتوسطون فيما روي عنهم من الفتاوى عثمان، أبو هريرة، عبد الله بن عمرو بن العاص، أم سلمة، أنس، أبو سعيد، أبو موسى، عبد الله بن الزبير، سعد بن أبي وقاص، سلمان، جابر، معاذ، أبو بكر الصديق».

لم يكن أبو هريرة بمعزل عما يدور حوله من أحداث، فقد شارك أبو هريرة في مناصرة المدافعين عن عثمان بن عفان يوم الدار، وهو ما حفظه الأمويون لأبي هريرة. ورغم حُسن علاقته بالأمويين، إلا أنه عنّف مروان بن الحكم ولم يكن وقتها واليًا على المدينة المنورة لممانعته دفن الحسن بن علي بن أبي طالب مع جده النبي محمد، حيث قال له أبو هريرة: «تدخل فيما لا يعنيك ولكنك تريد رضا الغائب»، يعني أبو هريرة بذلك معاوية

وفاته

تعددت الروايات في تاريخ وفاة أبي هريرة، فقال هشام بن عروة أن أبا هريرة وعائشة توفيا سنة 57 هـ، وأيّد هذا التاريخ علي بن المديني ويحيى بن بكير وخليفة بن خياط، بينما قال الهيثم بن عدي بأنه توفي سنة 58 هـ، فيما قال الواقدي وأبو عبيد وأبو عمر الضرير أنه مات سنة 59 هـ، وزاد الواقدي أن عمره يومها كان 78 سنة، وأن أبا هريرة هو من صلى على عائشة في رمضان سنة 58 هـ، وعلى أم سلمة في شوال سنة 59 هـ، ثم توفي بعد ذلك في نفس السنة. كانت وفاة أبي هريرة في وادي العقيق، وحمل بعدها إلى المدينة، حيث صلى عليه الوليد بن عتبة أمير المدينة المنورة وقتئذ بعد صلاة العصر، وشيعه عبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري، ودُفن بالبقيع. وقد أوصى أبو هريرة حين حضره الموت، فقال: «إذا مت فلا تنوحوا عليّ، لا تضربوا عليّ فسطاطا، ولا تتبعوني بمجمرة، وأسرعوا بي». كما كانت له قبل وفاته دارًا في ذي الحليفة، تصدق بها على مواليه. وقد كتب الوليد بن عتبه إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان يُنبأه بموت أبي هريرة، فكتب معاوية إليه يأمره بأن يحصي ورثة أبي هريرة، وأن يمنحهم عشرة آلاف درهم، وأن يُحسن جوارهم.

لم يرد ذكر لأسرة أبي هريرة أكثر من أنه كانت له زوجة اسمها «بسرة بنت غزوان»، ومن الولد ابنه المحرر وهو ممن رووا عنه الحديث النبوي، وعبد الرحمن بن أبي هريرة، وبلال بن أبي هريرة؛ وابنة كانت زوجة للتابعي سعيد بن المسيب. أما صفة أبي هريرة الشكلية، فقد كان أبو هريرة رجلاً آدم، بعيد ما بين المنكبين، أفرق الثنيتين، ذا ضفيرتين، يميل إلى المُزاح، فقد رُوي أنه كان يرى الصبية يلعبون في الليل لعبة الغراب، فيتسلل بينهم، وهم لا يشعرون، حتى يلقي بنفسه بينهم، ويضرب برجليه الأرض، يريد بذلك أن يضحكهم، فيفزع الصبيان منه، ويفرون ههنا وههنا، يتضاحكون.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:44 PM
روايته للحديث النبوي

مروياته

لزم أبو هريرة النبي محمد منذ أن أسلم سنة 7 هـ، وساعدته سعة حفظه على استيعاب عدد كبير من الأحاديث النبوية ذكر الذهبي في ترجمته لأبي هريرة في كتابه «سير أعلام النبلاء» أن أحاديث أبي هريرة بلغت في مسند بقي بن مخلد 5374 حديث، اتفق البخاري ومسلم على 326 حديث منها، وانفرد البخاري بـ 93 حديثًا، ومسلم بـ 98 حديثًا، كما أحصى له المحقق شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لمسند أحمد 3870 حديثًا. وقد جمع أبو إسحاق إبراهيم بن حرب العسكري في القرن الثالث الهجري مسند أبي هريرة، وتوجد نسخة منه محفوظة في مكتبة كوبريللي بتركيا، كما جمع الطبراني مُسندًا لأبي هريرة في مصنف.

لذا، فقد التف حوله الكثيرون ممن طلبة الحديث النبي قدّر البخاري عددهم بأنهم جاوزوا 800 رجل وامرأة رووا عن أبي هريرة. وقد شهد لأبي هريرة معاصروه بأوّليته في سعة الحفظ، بينما ذكر أبو هريرة أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان أحفظ منه، نظرًا لتدوين عبد الله لما كان يحفظه من أحاديث، بينما لم يكن أبو هريرة يكتب. كما حفظ أبو هريرة القرآن، وقرأه على أبي بن كعب، وقد أخذ عنه الأعرج. وقد اختبر مروان بن الحكم حفظ أبي هريرة، ومروان يومئذ واليًا على المدينة، بأن دعا أبا هريرة، وسأله أن يُحدّثه، وأمر مروان كاتبه أن يجلس خلف ستار يكتب ما يسمعه. فجعل أبو هريرة يُحدّث مروان. ثم أرسل مروان بعد فترة يسأل أبي هريرة أن يُحدّثه، وأمر كاتبه بأن يقارن بما كتبه، فما وجده غيّر حرفًا عن حرف، عندئذ قال له مروان: «تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع؟»، فقال أبو هريرة: «وقد فعلت؟»، قال: «نعم»، قال: «فاقرأه علي»، فقرأه. فقال أبو هريرة: «أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني تمحه»، فمحاه مروان، وقال أبو هريرة: «ارو كما روينا»

روى عن

روى أبو هريرة عن:

النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أبي بكر الصديق
أبي بن كعب
عمر بن الخطاب
أسامة بن زيد
عائشة بنت أبي بكر
الفضل بن العباس
بصرة بن أبي بصرة
كعب الأحبار

روي عنه

روى عن أبي هريرة:

ابنه المحرر بن أبي هريرة
عبد الله بن عمر بن الخطاب
عبد الله بن عباس
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام
أنس بن مالك
واثلة بن الأسقع الليثي
مروان بن الحكم
قبيصة بن ذؤيب
عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري
سعيد بن المسيب
عروة بن الزبير
سلمان الأغر
الأغر أبو مسلم
شريح بن هانئ الحارثي
خباب صاحب المقصورة
أبو سعيد المقبري
سليمان بن يسار
سنان بن أبي سنان الدؤلي
عبد الله بن شقيق
عبد الرحمن بن أبي عمرة
عراك بن مالك
أبو رزين الأسدي
عبد الله بن قارظ
بسر بن سعيد
بشير بن نهيك
بعجة بن عبد الله بن بدر الجهني
حنظلة الأسلمي
ثابت بن عياض الأحنف
حفص بن عاصم بن عمر
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
حميد بن عبد الرحمن بن عوف
حميد بن عبد الرحمن الحميري
خلاس بن عمرو الهجري
زرارة بن أبي أوفى
سالم أبو الغيث مولى ابن مطيع
سالم مولى شداد
عامر بن سعد بن أبي وقاص
سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص
أبو الحباب سعيد بن يسار
عبد الله بن الحارث البصري
محمد بن سيرين
سعيد بن مرجانة
عبد الرحمن بن هرمز
عبد الرحمن بن سعيد المقعد
عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي
عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي
أبو صالح السمان
عبيدة بن سفيان الحضرمي
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
عطاء بن ميناء مولى ابن أبي ذباب
عطاء بن أبي رباح
عطاء بن يزيد الليثي
عطاء بن يسار
عبيد بن حنين
عجلان موال فاطمة بنت عتبة
عبيد الله بن أبي رافع
عنبسة بن سعيد بن العاص الأموي
موسى بن يسار المطلبي مولى قيس بن مخرمة
نافع بن جبير بن مطعم
عبد الله بن رباح
عبد الرحمن بن مهران مولى أبي هريرة
عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي
محمد بن زياد الجمحي
عيسى بن طلحة بن عبيد الله
محمد بن قيس بن مخرمة القرشي
محمد بن عباد بن جعفر المخزومي
محمد بن أبي عائشة المدني
الهيثم بن أبي سنان
أبو حازم الأشجعي
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
أبو الشعثاء المحاربي
يزيد بن الأصم
نعيم المجمر
محمد بن المنكدر
همام بن منبه
أبو عثمان الطنبذي
أبو قيس مولى أبي هريرة
إبراهيم بن إسماعيل
إبراهيم بن عبد الله بن حنين
إبراهيم بن عبد الله بن قارظ الزهري
إسحاق بن عبد الله مولى زائدة
الأسود بن هلال المحاربي
الأغر بن سليك
أنس بن حكيم الضبي
أوس بن خالد
بشير بن كعب العدوي
بكير بن فيروز الرهاوي
ثابت بن قيس الزرقي
ثور بن عفير السدوسي
جبر بن عبيدة
جعفر بن عياض
جمهان الأسلمي
الحارث بن مخلد الزرقي
حريث بن قبيصة
الحسن البصري
حصين بن مصعب
حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك
الحكم بن ميناء
أبو تحيا حكيم بن سعد الكوفي
حميد بن مالك بن خثيم
حنظلة بن علي الأسلمي
حيان بن بسطام الهذلي
خالد بن عبد الله بن حسين الدمشقي
أبو حسان خالد بن غلاق
خيثمة بن عبد الرحمن
ذهيل بن عوف بن شماخ الطهوي
ربيعة الجرشي
رميح الجذامي
زياد بن ثويب
أبو قيس زياد بن رياح القيسي
زياد بن قيس المدني
زياد الطائي
زيد بن أبي عتاب
سالم بن أبي الجعد
سالم مولى النصريين
سحيم مولى زهرة
سعد بن هشام بن عامر الأنصاري
سعيد بن الحارث الأنصاري
سعيد بن أبي الحسن البصري
سعيد بن حيان التيمي
سعيد بن أبي سعيد المقبري
سعيد بن سمعان المدني
سعيد بن أبي هند
سلمة بن الأزرق
سلمة الليثي
سليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق
سليمان بن سنان المدني
شداد أبو عمار الدمشقي
شفي بن ماتع الأصبحي
شقيق بن سلمة
شهر بن حوشب
صالح بن درهم الباهلي
صالح بن أبي صالح مولى عمرو بن حريث
صالح بن نبهان مولى التوأمة
صعصعة بن مالك
صهيب العتواري
الضحاك بن شرحبيل
الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب
ضمضم بن جوس الهفاني اليمامي
طارق بن مخاشن
طاووس بن كيسان
عامر بن سعد البجلي
عامر الشعبي
عباد بن أبي سعيد المقبري
عباس الجشمي
عبد الله بن رافع مولى أم سلمة
أبو سلمة عبد الله بن رافع الحضرمي
عبد الله بن رباح الأنصاري
عبد الله بن سعد مولى عائشة
عبد الله بن أبي سليمان
عبد الله بن ضمرة السلولي
عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث الدوسي
عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي
عبد الله بن عمرو بن عبد القاري
عبد الله بن فروخ مولى عائشة
عبد الله بن يامين الطائفي
عبد الحميد بن سالم
عبد الرحمن بن آدم صاحب السقاية مولى أم برثن
عبد الرحمن بن أذينة العبدي قاضي البصرة
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني
عبد الرحمن بن أبي حدرد الأسلمي
عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة
عبد الرحمن بن سعد مولى الأسود بن سفيان
عبد الرحمن بن الصامت
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك
عبد الرحمن بن غنم
عبد الرحمن بن أبي كريمة
عبد العزيز بن مروان
عبد الملك بن يسار مولى ميمونة بنت الحارث
أبي يحيى عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي
عبيد بن سلمان الطابخي
عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم
عبيد بن عمير الليثي
عثمان بن أبي سودة الشامي
عثمان بن عبد الله بن موهب التيمي
عجلان مولى المشمعل
عزرة بن تميم
عطاء بن أبي علقمة بن الحارث بن نوفل
عطاء مولى ابن أبي أحمد
عطاء مولى أم صبية الجهنية
عكرمة مولى ابن عباس
علقمة بن بجالة بن الزبرقان
علي بن الحسين
علي بن رباح اللخمي
عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم
عمارة بن أكيمة الليثي
عمر بن الحكم بن ثوبان
عمر بن الحكم بن رافع الأنصاري
عمر بن خلدة الزرقي قاضي المدينة
عمرو بن دينار
عمرو بن سليم الزرقي
عمرو بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي
عمرو بن عمير
عمرو بن قهيد بن مطرف
عمرو بن ميمون
عمير بن الأسود العنسي
عمير بن هانئ العنسي
عوف بن الحارث بن الطفيل رضيع عائشة
العلاء بن زياد العدوي
القاسم بن محمد بن أبي بكر
قسامة بن زهير المازني
قيس بن أبي حازم البجلي
كثير بن مرة الحضرمي
كعب المدني
كليب بن شهاب الجرمي
كميل بن زياد النخعي
كنانة مولى صفية بنت حيي
مالك بن أبي عامر الأصبحي
مجاهد بن جبر
محمد بن إياس بن البكير الليثي
محمد بن ثابت
محمد بن شرحبيل العبدري
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذباب
محمد بن عمار بن سعد القرظ
محمد بن عمير
محمد بن كعب القرظي
مضارب بن حزن التميمي
المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي
معبد بن عبد الله بن هشام القرشي
المغيرة بن أبي بردة العبدري
موسى بن طلحة بن عبيد الله
موسى بن وردان
ميمون بن مهران
ميناء بن أبي ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف
نافع بن عباس مولى أبي قتادة
نافع بن أبي نافع مولى أبي أحمد
نافع مولى ابن عمر
النضر بن سفيان الدؤلي
هلال بن أبي هلال المدني
الوليد بن رباح
يحيى بن جعدة بن هبيرة المخزومي
أبو الحباب يحيى بن أبي صالح
يحيى بن النضر الأنصاري
يحيى بن يعمر
يزيد بن عبد الله بن الشخير
يزيد بن عبد الله بن قسيط
يزيد بن عبد الرحمن الأودي
يزيد بن هرمز
يزيد مولى المنبعث
يعلى بن عقبة
يعلى بن مرة الكوفي
يوسف بن ماهك
أبو إدريس الخولاني
أبو إسحاق مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل
أبو أمامة بن سهل بن حنيف
أبو أيوب المراغي
أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة
أبو تميمة الهجيمي
أبو ثور الأزدي
أبو الجوزاء الربعي
أبو الحكم البجلي
أبو الحكم مولى بني ليث
أبو حي المؤذن
أبو خالد البجلي
أبو خالد الوالبي
أبو خالد مولى آل جعدة بن هبيرة
أبو رافع الصائغ
أبو الربيع المدني
أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي
أبو السائب مولى هشام بن زهرة
أبو سعد الخير الحمصي
أبو سعيد بن أبي المعلى المدني
أبو سعيد الأزدي الشنائي
أبو سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز
أبو سفيان مولى ابن أبي أحمد
أبو السليل القيسي
أبو صالح الأشعري
أبو صالح الحنفي
أبو صالح الخوزي
أبو صالح مولى ضباعة
أبو الصلت
أبو الضحاك
أبو العالية الرياحي
أبو عبد الله الدوسي
أبو عبد الله القراظ
أبو عبد الله المدني مولى الجندعيين
أبو عبد الملك مولى أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب
أبو عبيد مولى ابن أزهر
أبو عثمان التبان
أبو عثمان النهدي
أبو علقمة مولى بني هاشم
أبو عمر الغداني
أبو غطفان بن طريف المري
أبو كباش العيشي
أبو كثير السحيمي
أبو المتوكل الناجي
أبو مدلة مولى عائشة
أبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب
أبو مريم الأنصاري
أبو مزرد
أبو المهزم البصري
أبو هاشم الدوسي
أبو الوليد مولى عمرو بن حريث
أبو يحيى مولى آل جعدة بن هبيرة
أبو يحيى الأسلمي
أبو يونس مولى أبي هريرة
ابن حسنة الجهني
ابن سيلان
ابن مكرز الشامي
ابن وثيمة النصري
كريمة بنت الحسحاس المزنية
أم الدرداء الصغرى
حريث العذري
شتير بن نهار العبدي
عطاء بن أبي مسلم الخراساني
عكرمة بن خالد المخزومي
أبو قلابة الجرمي
أبو مزاحم المدني
أبو ميمونة المدني

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:45 PM
الجرح والتعديل

نقل أبو سعيد الخدري عن النبي محمد قوله عن أبي هريرة: «أبو هريرة وعاء من العلم»، وقال له ابن عمر: «كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه»، وقال كعب: «ما رأيت رجلا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة»، وقال الشافعي: «أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره»، وقال أبو نعيم عنه: «كان أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له بأن يحبّبه إلى المؤمنين، وكان إسلامه بين الحديبيّة وخيبر. قدم المدينة مهاجرًا، وسكن الصّفة»،

وقد اهتم علماء الجرح والتعديل بتصنيف أصح أسانيد أحاديث أبي هريرة، فعدّها الذهبي أن أصح أسانيده ما جاء عن الزُهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وما جاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وما جاء عن ابن عون وأيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وقد روى له الجماعة في كُتُبهم. بينما اعتبر علي بن المديني أن أصحها ما جاء من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وقال سليمان بن داود: «أصح الأسانيد كلها يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة»، أما المُحدّث أحمد محمد شاكر فقد اعتبر أصح ما رُوِيَ عن أبي هريرة ما جاء من طرق مالك وسفيان بن عيينة ومعمر عن الزُهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وما جاء عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وما جاء عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة، وما جاء عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة

التعجُّب من كثرة رواياته

لم يتقبّل بعض الصحابة إكثار أبي هريرة الرواية للحديث النبوي كالخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي قال لأبي هريرة: «لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس»، لرؤية عمر ضرورة الإقلال في رواية الحديث عن النبي محمد في زمان خلافته، مخافة انشغال الناس بالحديث عن القرآن، ومع هذا فقد سمح عمر لأبي هريرة بالتحديث بعد أن أرسل يطلبه، وقال له عمر: «كنت معنا يوم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت فلان؟»، فقال أبو هريرة: «نعم، وقد علمت لأي شيء سألتني»، فقال عمر: «ولم سألتك؟»، فردّ أبو هريرة قائلاً: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار»، فقال عمر: «أما لا، فاذهب فحدّث»، وهي إجازة من عمر لأبي هريرة بالتحديث. كما رُوي أن أبا هريرة دخل يومًا على عائشة بنت أبي بكر، فقالت له متعجبة: «أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله!»، فقال أبو هريرة: «إي والله يا أماه؛ ما كانت تشغلني عنه المرآة، ولا المكحلة، ولا الدهن»، فقالت عائشة: «لعله». وبلغ ابن عمر رواية أبي هريرة لحديث: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط. ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين أصغرهما مثل أحد»، فقال ابن عمر: «أكثر علينا أبو هريرة»، فأخذه أبو هريرة إلى عائشة، يسألها عن الحديث، فصدّقته، فما كان من ابن عمر إلا أن قال له: «كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه». ولم يكن هذا الانتقاد فقط بين جموع الصحابة، بل وكان محل ريبة بعض العوام الذين سأل أحدهم طلحة بن عبيد الله يومًا، فقال: «يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني - يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟. نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم هو يقول على رسول الله ما لم يقل؟»، فردّ طلحة قائلاً: «أما أن يكون سمع ما لم نسمع، فلا أشك، سأحدثك عن ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، وكان مسكينًا ضيفًا على باب رسول الله، يده مع يده، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجد أحدًا فيه خير يقول على رسول الله ما لم يقل».

وقد أزعجت أبي هريرة تلك الانتقادات لكثرة رواياته، فقال: «إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله! وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم؛ وكنت امرأ مسكينًا من مساكين الصفة، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يومًا، إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول. فبسطت نمرة علي، حتى إذا قضى مقالته، جمعتها إلى صدري. فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء».

لم تكن تلك الانتقادات على كثرة رواية الأحاديث فقط بين معاصريه. فقد كان بعض التابعين لا يأخذون ببعض حديثه، فقد روى يزيد بن هارون أنه سمع شعبة يقول: «كان أبو هريرة يدلس». كما روى المغيرة ومنصور عن إبراهيم النخعي أنه قال بأن أصحابه ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار.

عبادته وكرمه

اجتهد أبو هريرة في العبادة، فهذا حفيده نعيم بن المحرر بن أبي هريرة يقول بأن جده كان له خيط فيه ألفا عقدة، لا ينام حتى يسبح به، كما ذكر أبو عثمان النهدي أنه حلّ ضيفًا على أبي هريرة لسبعة أيام، فوجده وامرأته وخادمه يُقسّمون الليل ثلاثًا، يُصلّي أحدهم ثم يوقظ الآخر. وأثنى رجل من قبيلة تدعى الطفاوة على كرم أبي هريرة، فقال: «نزلت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر، فلم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً أشد تشميرًا، ولا أقوم على ضيف، من أبي هريرة». وكان أبو هريرة دائم الإقرار بفضل ربه عليه، فقد رُوي أنه صلى بالناس يومًا، فلما سلّم، رفع صوته، فقال: «الحمد لله الذي جعل الدين قوامًا، وجعل أبا هريرة إمامًا؛ بعد أن كان أجيرًا لابنة غزوان على شبع بطنه، وحمولة رجله، فزوجنيها الله، فهي امرأتي»

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:50 PM
الشخصية الاسلامية الثالثة عشرة



https://g.top4top.io/p_1941p0ci11.png

https://h.top4top.io/p_194199thk2.png
https://i.top4top.io/p_1941v15cx3.png

أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي (15 رمضان 3 هـ - 49 هـ، أو 50 هـ، أو 51 هـ / 4 مارس 625 م - 670 م)، هو سبط الرسول محمد، وصَحابيّ، وخامس الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة، والإمام الثاني عند الشيعة، أطلق عليه النبي محمد لقب سيد شباب أهل الجنة فقال: «الحسَنَ والحُسَيْنَ سيِّدا شبابِ أَهْلِ الجنَّةِ»، وهو رابع أصحاب الكساء. أبوه علي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد، أمه: فاطمة بنت النبي محمد، وقيل إنه أشبه الناس بالنبي.

ولد في النصف من شهر رمضان عام 3 هـ، وكان النبي محمد يحبه كثيرًا ويقول: «اللهم إني أحبه فأحبه»، وكان يأخذه معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة، فيصلي بالناس، وكان الحسن يركب على ظهره وهو ساجد، ويحمله على كتفيه، ويُقبّله ويداعبه ويضعه في حجره ويَرْقِيه، كما كان يعلمه الحلال والحرام، توفي جده النبي محمد سنة 11 هـ وكذلك توفيت أمه فاطمة في نفس السنة، شارك الحسن في الجهاد في عهد عثمان، فشارك في فتح إفريقية تحت إمرة عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وشارك في فتح طبرستان وجرجان في جيش سعيد بن العاص، كما شارك في معركة الجمل ومعركة صفين.

بويع بالخلافة في أواخر سنة 40 هـ بعد وفاة علي بن أبي طالب في الكوفة. واستمر بعد بيعته خليفة للمسلمين نحو ستة أشهر، ثم تنازل عنها لصالح معاوية بن أبي سفيان بعد أن صالحه على عدد من الأمور. وانتقل الحسن بعد ذلك من الكوفة إلى المدينة المنورة وعاش فيها بقية حياته حتى توفي في سنة 49 هـ، وقيل سنة 50 هـ لخمسِ ليالٍ خَلَونَ من شهر ربيع الأول، ودفن بالبقيع.

يعتبره أهل السنة والجماعة خامس الخلفاء الراشدين وأن النبي بشّر أنه سيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، وبسببه انتهت الفتنة، ويعتقد الشيعة الاثنا عشرية أنه الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر، ومن المعصومين الأربعة عشر، ومن أصحاب الكساء. قيل إنّ الحسن كان كثير الزواج والطلاق، وشكك البعض بذلك، ولا يُعرف من أسماء زوجاته إلا إحدى عشرة زوجة بما فيهنّ أمهات الأولاد، ذكر الذهبي أن للحسن اثني عشر ابنًا ذكرًا، وذكر أنه ولم يُعقِب منهُم سِوى الحسن المثنى وزيد بن الحسن، وذكر الفخر الرازي أن له من الأولاد ثلاثة عشر ذكرًا وست بنات، وذكر المفيد خمسة عشر ولدًا ذكرًا وأنثى.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:52 PM
بداياته
نسبه

هو: الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. أبوه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة، والإمام الأول عند الشيعة الاثنا عشرية، وابن عم النبي محمد.
أمه: فاطمة الزهراء بنت النبي محمد، لذلك يُعرف بـ "سبط رسول الله"، والسبط كلمة تُطلق على الأولاد بشكل عام، وقيل: أولاد الأولاد، وأولاد البنات، وقيل معناه الطائفة أو القطعة، فيكون معنى "سبط رسول الله" أي قطعة منه دلالة على شدة حبه له وللحسين.
كنيته: أبو محمد.
إخوته: للحسن بن علي العديد من الإخوة والأخوات من أبيه، فقد بلغ عدد إخوته من الذكور حوالي عشرين أخًا، ومن الإناث ثماني عشرة، أما الإخوة الأشقاء من أبناء فاطمة الزهراء فهم: الحسين والمحسن وزينب وأم كلثوم. والحسن هو الابن الأكبر لعلي وفاطمة.

مولده

اختلف في تاريخ ميلاده، وأرجح الأقوال أنه ولد في شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، ذكر ذلك الليث بن سعد: «ولدت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي في شهر رمضان من ثلاث، وولدت الحسين في ليال خلون من شعبان سنة أربع»، وذكر محمد بن سعد البغدادي، وابن البرقي، وابن عبد البر، أنه ولد في 15 رمضان سنة 3 هـ، وقيل في شعبان سنة 3 هـ، وقيل ولد سنة 4 هـ وقيل سنة 5 هـ. كذلك أغلب المراجع الشيعية على القول الأول، بينما جاء في الكافي رواية تذكر أنه ولد في 2 هـ.

ولمَّا وُلد الحسن أُتِيَ به إلى النبي محمد، فحنكه النبي بريقه، وأذن في أذنيه بالصلاة، ثم ذبح النبي عنه كبشَا كعقيقة، وكان علي بن أبي طالب يريد تسميته حربًا، فسماه النبي حسنًا، فعن علي قال: «لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا. قال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين قال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت سميته حربا. قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت سميته حربًا قال: هو محسن. ثم قال: إني سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر.» وقال عمران بن سليمان: «الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة. لم يكونا في الجاهلية.» وفي اليوم السابع من ولادته حلقت أمه فاطمة شعره وتصدقت بوزن شعره فضة على المساكين وأهل الصفة، فوُجد وزنه ثلثي درهم، وجاء في بعض الروايات أنها عقَّت عنه بجزور، وقيل لم تعَّق عنه لأن النبي عقّ عنه بكبش. وخُتِنَ الحسن في اليوم السابع من ولادته.

وقد جاء في بعض المصادر أن أمه فاطمة دفعته إلى أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس لترضعه، وأنها رأت رؤيا قبل مولده، فيروى عنها أنها قالت: «يا رسول الله رأيت في المنام كأن عضوا من أعضائك في بيتي أو قالت في حجرتي، فقال تلد فاطمة غلامًا إن شاء الله، فتكفلينه، فولدت فاطمة حسنًا فدفعه إليها فأرضعته بلبن قثم بن العباس، فجئت به يومًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبال على صدره فدحيت في ظهره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهلًا يرحمك الله أوجعت مشهور، فقلت ادفع إلي إزارك فأغسله، فقال: لا صبي عليه الماء فإنه يصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية.»، وقيل بل أرضعت الحسين وليس الحسن.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:53 PM
نشأته على عهد النبي

نشأ الحسن في بيت أبويه في المدينة المنورة، وكان النبي محمد يُحب أن يرعاه، وكان يأخذه معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة حين يصلي بالناس، وكان الحسن يركب على ظهره وهو ساجد، ويأتي وهو راكع، فيفرج له بين رجليه، حتى يخرج من الجانب الآخر. وكان يحمله على كتفيه، فيقول الناس: «نعم المركب ركبت يا غلام»، فيقول النبي: «ونعم الراكب هو». وكان يذكره على المنبر، فعن أبي بكر قال: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يُقبِل على الناس مرة، وعلى الحسن مرة، ويقول: إن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.»

وجاء في العديد من الأحاديث والمرويات، أن النبي محمد كان يُقبّله ويداعبه ويضعه في حجره ويَرْقِيه، كما كان يدعوه له كثيرًا ويقول: «اللهم إني أحبه فأحبه». وكان يُعلّمه الدعاء مثل الدعاء في الوتر، ويعلمه الحلال والحرام، والصلاة والعفة وغيرها، فيقول الحسن:

الحسن بن علي سمعته - أي النبي صلى الله عليه وسلم - يقول لرجل: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الشر ريبة وإن الخير طمأنينة»، وعقلت منه: أني بينما أنا أمشي معه إلى جنب جرين الصدقة تناولت ثمرة فألقيتها في في، فأدخل إصبعه في في فاستخرجها بلعابها وبزاقها فألقاها فيه. وقال: أنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، وعقلت عنه الصلوات الخمس، فعلمني كلمات أقولهن عند انقضائهن: اللهم اهدني فيمن هديت. وعافني فيمن عافيت. وتولنا فيمن توليت. وبارك لنا فيما أعطيت. وقنا شر ما قضيت. إنك تقضي ولا يقضى عليك. إنه لا يذل من واليت. تباركت ربنا وتعاليت. الحسن بن علي
توفي النبي محمد سنة 11 هـ، والحسن حينها بين السابعة والثامنة من عمره، وتذكر المراجع الشيعية أن الحسن والحسين كانا بجانب النبي عند وفاته. ولم تلبث عدة شهور حتى توفيت والدته فاطمة الزهراء، حيث توفيت في نفس السنة 11 هـ، واختُلِفَ في الشهر الذي توفيت فيه، فذهب جماعة من الباحثين إلى القول بأنها عاشت بعد أبيها 24 يومًا وتراوحت الأقوال ما بين 45 و85 و95 يومًا أو 100 يوم، وعلى قول آخر عاشت بعد أبيها بما يقارب 3 أشهر، ومنهم من أوصل ذلك إلى 6 أشه

سيرته في عهد الخلفاء الراشدين

في عهد أبي بكر وعمر

لم يتجاوز سن الحسن في عهد أبي بكر الصديق الثامنة أو التاسعة، ولا يُذكر عنه الكثير في تلك الفترة، وتوفي أبو بكر في سنة 13 هـ، وفي عهد عمر بن الخطاب قطع الحسن دور الصبا وأصبح شابًا، وكانت سياسة عمر أن يُجل السبطين: الحسن والحسين، ويجعل لهما نصيبُا من الغنائم، ووردت إليه حُلل من وشي اليمن فوزعها على المسلمين ثم أرسل إلى عامله على اليمن أن يرسل له حلتين، فأرسلهما إليه فكساهما للحسن والحسين، وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما علي بن أبي طالب، وألحقهما بفريضة أهل بدر، وكانت خمسة آلاف دينار. يقول محمد باقر المجلسي صاحب بحار الأنوار: «ولمّا دوّن الدواوين بدأ بالحسن والحسين، فملأ حجرهما من المال، فقال له ابن عمر:تقدمهما عليّ ولي صُحبة وهجرة دونهما، فقال عمر: اسكت، لا أم لك، أبوهما خير من أبيك، وأمهما خير من أمك.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:54 PM
في عهد عثمان

بلَغَ الحسنُ في عهد عثمان نيفًا وعشرين سنة، والتحق بالجيش والجهاد، فذكر ابن خلدون أن جيش عقبة بن نافع في إفريقية كان عشرة ألاف ولم يستطع فتحها، وصالح أهلها على مال يؤدونه، ثم استأذن عبد الله بن أبي السرح عثمان أن يذهب لفتح إفريقية، وطلب منه أن يُمدّه بجيش من المدينة، فأرسل له عثمان جيشًا، فيه عبد الله بن عباس والحارث بن الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والحسن والحُسين، وفتحوها سنة 26 هـ أو 27 هـ. وفي سنة 30 هـ غزا الحسن مع أخيه الحُسين وابن عباس طبرستان تحت قيادة سعيد بن العاص، فلمّا وصلوا إليها فتحوها، وذكر المدائني: «أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة، فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف»

وفي سنة 35 هـ حوصر عثمان بن عفان في داره، ويذكر ابن خلدون أنه لما أقسم عثمان على الناس لينصرفوا عن الدفاع عنه، انصرفوا جميعًا إلا الحسن ومحمد بن طلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير أبوا إلا أن يدافعوا عنه، قال الحسن البصري: «كان الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرد الناس عن الدار بسيفين يضرب بيديه جميعًا.»، وتذكر مصادر أهل السنة أنه لما قُتل عثمان حزن عليه الحسن حزنًا شديدًا، يقول طه حسين: «لم يفارق الحسن حزنه على عثمان.»، بينما أغلب المراجع الشيعية أن الحسن لم يدافع عن عثمان، يقول باقر شريف القرشي: «هذا القول بلا شك من موضوعات الأمويين»

في عهد علي

بعدما بويع علي بالخلافة، عزم على الخروج للعراق، وتذكر عدد من المصادر التاريخية أن الحسن كان لا يريد أباه أن يخرج من المدينة، ولما خرجوا إلى البصرة، أرسل علي الحسن وعمار بن ياسر إلى الكوفة لعزل أبي موسى الأشعري وتولية قرظة بن كعب بدلًا منه، وليقوما باستنفار الناس وحثهم على الخروج معه، ثم حدثت معركة الجمل وكان الحسن على الميمنة وقيل على الميسرة، قال الصفدي: «وكان يكره القتال ويشير علي أبيه بتركه»، وكذلك حضر معركة صفين وكان على الميمنة أيضًا، وتذكر المصادر الشيعية أن علياً أمر الحسن أن يلقي خطبة يبين فيها أسباب المعركة، ولم تذكر المصادر أنه شارك في معركة النهروان، وسكن الحسن الكوفة مع أبيه حتى مقتله.

قُتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم، حيث ضربه أثناء الصلاة بسيف مسموم، ثم حُمل على الأكتاف إلى بيته وقال: «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. ظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال. وبعد مماته تولى عبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه، وصلى عليه الحسن، وكبر عليه أربعًا، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، ودُفن في السحر. وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن، فلما مات علي ودُفن، بعث الحسن إلى ابن ملجم، فأخرجه من السجن فقتله، وقيل أمر بضرب عنقه

خلافته

بيعته

لما قُتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي، بُويع ابنه الحسن للخلافة وذلك بعد أن اختاره الناس. وقد كان ذلك في شهر رمضان من سنة 40هـ الموافق لشهر يناير من سنة 661م. تنص مصادر أهل السنة والجماعة على أن علي بن أبي طالب لم يعين أحد من بعده، وقد طلب منه الناس أن يستخلف أحدًا من بعده، إلا أنه رفض ذلك فقال لهم : «لَا؛ وَلَكِنِّي أَتْرُكُكُمْ إِلَى مَا تَرْكَكُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.» أي بغير استخلاف. وسأل "عبد الله بن جندب" عليًا عن بيعة الحسن فقال: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ فَقَدْنَاكَ وَلَا نَفْقُدُكَ فَنُبَايِعُ الْحَسَنَ؟ قَالَ: مَا آمُرُكُمْ، وَلَا أَنْهَاكُمْ أَنْتُمْ أَبْصَرُ.» بينما تنص المصادر الشيعية على أن النبي محمد قد نص على الأئمة من بعده وعينهم بأسمائهم ومن بينهم الحسن، وتنص كذلك على أن عليًا قد أوصى قبل وفاته بالخلافة إلى ولده الحسن، وقد أشهد على وصيته جميع أولاده وأهل شيعته وأهل بيته، وعهد إليه بكتابه وسلاحه وأمره بأن يدفعها لأخيه الحسين إذا حضرته الوفاة. لكن أهل السنة والجماعة يردون على الشيعة في قضية النص على خلافة الحسن بالبطلان، ويعتبرون هذا الأمر من المفتريات، ويذكرون أن هذا لم يصح عن النبي ولا عن علي بن أبي طالب. وفي نفس العام بُويعَ معاوية بن أبي سفيان بإيلياء وكان قبل ذلك يدعى الأمير في الشام فلما قٌتل علي بن أبي طالب دعي بأمير المؤمنين.

أخرج ابن سعد في طبقاته عددًا من المرويات التي تحدثت عن بيعة الحسن، منها أن عامر الشعبي قال: «أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ صَلَّى عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَدُفِنَ عَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ عِنْدَ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّحَبَةِ مِمَّا يَلِي أَبْوَابَ كِنْدَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ النَّاسُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ انْصَرَفَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ دَفْنِهِ فَدَعَا النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِهِ فَبَايَعُوهُ، وَكَانَتْ خِلَافَةُ عَلِيٍّ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ.»

تنص المصادر السنية والشيعية على أن أول من بايع الحسن بالخلافة هو قيس بن سعد الانصاري، وقال له: «ابسط يدك أبايعك عَلَى كتاب اللَّه، عَزَّ وَجَلَّ، وسنة نبيه وقتال المحلين، فَقَالَ لَهُ الْحَسَن، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه، فإن ذَلِكَ يأتي من وراء كل شرط، فبايعه وسكت وبايعه الناس.» هذا الخبر أورده ابن الأثير الجزري. والطبري، وابن الجوزي. وتزيد المصادر الشيعية على أن عبد الله بن عباس قد حفز المسلمين على مبايعته فقال: «معاشر الناس إن هذا ابن بنت نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه.» فاستجابوا له، وقالوا: «ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة.» فتبادر الناس إلى بيعته. اشترط الحسن على أهل العراق عندما أرادوا بيعته بالسمع والطاعة، وأن يسالموا من سالم، وأن يحاربوا من حارب، ينقل الطبري في كتابه عن الزهري أنه قال: «بَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْحَسَن بْنَ عَلِيٍّ بِالْخِلافَةِ، فَطَفِقَ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمُ الْحَسَنُ: إِنَّكُمْ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ، تُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ، وَتُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ، فَارْتَابَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي أَمْرِهِمْ حِينَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ هَذَا الشَّرْطَ، وَقَالُوا: مَا هَذَا لَكُمْ بِصَاحِبٍ، وَمَا يُرِيدُ هَذَا الْقِتَالَ.» وقد أخرج ابن عساكر هذا الخبر من طريق الزهري بمثله، وأورده ابن كثير بنحوه. ونقل ابن سعد في طبقات قول خالد بن مضرب، قال: «سمعت الحسن بن علي يقول: والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم. قالوا: ما هو؟ قال: تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت.» وقول ميمون بن مهران: «إن الحسن بن علي بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين. بايعهم على الإمرة. وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه. ويرضوا بما رضي به.» وتنص المصادر الشيعية على ذلك أيضًا، يقول الشيخ المفيد: «ولما قبض أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس الحسن عليه السلام وذكر حقه، فبايعه أصحاب أبيه على حرب من حارب وسلم من سالم

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:55 PM
مدة خلافته ووصفه بالخليفة الراشد الخامس

استمر الحسن بعد بيعته خليفة على الحجاز واليمن والعراق وخراسان وغير ذلك نحو سبعة أشهر، وقيل ثمانية أشهر، وقيل ستة أشهر. ويعتقد أهل السنة والجماعة أن خلافة الحسن بن علي كانت خلافة حقة وأنها جزء مكمل لخلافة النبوة (خلافة راشدة) التي أخبر النبي محمد أن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا، فقد روى الترمذي بإسناده إلى سفينة مولى النبي قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ.» وقد علق ابن كثير على هذا الحديث فقال: «وَإِنَّمَا كَمَلَتِ الثَّلَاثُونَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بن على، فَإِنَّهُ نَزَلَ عَنِ الْخِلَافَةِ لِمُعَاوِيَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَذَلِكَ كَمَالُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهَذَا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليما.» وبذلك يكون الحسن خامس الخلفاء الراشدين فلم يكن في الثلاثين سنة بعد وفاة النبي إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن. وقد قرر جمع من علماء أهل السنة والجماعة عند شرحهم لقول النبي: «الخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً.» أن الأشهر التي تولى فيها الحسن بن علي بعد موت أبيه كانت داخلة في خلافة النبوة ومكملة لها. ومن هؤلاء العلماء: "أبو بكر بن العربي" و"القاضي عياض" و"ابن كثير" و"ابن أبي العز"، و"محمد عبد الرؤوف المناوي

إدارة الدولة

كانت الظروف التي أعقبت وفاة علي بن أبي طالب صعبة ومعقدة، إذ ما زالت الحرب قائمة مع معاوية بن أبي سفيان، وفي هذه الظروف بايع أهل الكوفة الحسن بن علي بالخلافة في سنة 40هـ الموافقة لسنة 661م، ولذلك لم يكن لدى الحسن متسع من الوقت لإجراء تغييرات إدارية، أو تغيير للولاة، فأقر عمال أبيه على ولاياتهم، عدا الكوفة، فقد ولى عليها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بعدما سار إلى معاوية بدلًا من واليها السابق "هانئ بن هوذة النخعي". أما على المدائن فقد استمر سعد بن مسعود الثقفي عاملًا عليها، وقد كان عاملًا للخليفة علي بن أبي طالب على ذات المدينة، وقد استبقاه الحسن إبان خلافته واستمر يشغل منصبه إلى نهاية عهد الحسن وتنازله لمعاوية بن أبي سفيان.

أما على البصرة فقد جاء في بعض الروايات بأن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب كان واليًا عليها من قبل الخليفة علي بن أبي طالب وبقي عليها لغاية عقد الصلح مع معاوية بن أبي سفيان، ثم خرج من البصرة معتزلًا السياسة قاصدًا مكة المكرمة وتفرغ للعلم والتعليم. وتذكر بعض الروايات الأخرى أنه خرج من البصرة وذهب إلى مكة بعد مقتل علي. وقد قال ابن الأثير الجزري أن هذه الرواية الثانية أصح وإنما كان الذي شهد صلح الحسن عبيد الله بن عباس وليس عبد الله. وقد قام عبد الله بن عباس باستخلاف "عبد الله بن الحارث بن نوفل" على البصرة ومضى إلى الحجاز.

أما ولاية فارس فقد كانت لزياد بن أبيه، وقد كان علي بن أبي طالب قد بعثه إليها لتأديب بعض المتمردين، فظفر بهم وتمكن من القضاء عليهم، ثم ولاه بعد ذلك عليها لغاية عقد الصلح مع معاوية بن أبي سفيان. كما قام الحسن بإبقاء العمال أنفسهم الذين كانوا يعملون لوالده، فقد استبقى عبيد الله بن رافع كاتبًا، واستبقى شريح بن الحارث قاضي الكوفة، وأبقى معقل بن قيس الرياحي على الشرطة. ولم يستحجب حاجبًا.

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:59 PM
عماله
الوظيفة الاسم
والي الكوفة "هانئ بن هوذة النخعي"
المغيرة بن نوفل
والي المدائن سعد بن مسعود الثقفي
والي البصرة عبد الله بن الحارث بن نوفل
والي فارس زياد بن أبيه
الكاتب عبيد الله بن أبي رافع
قاضي الكوفة شريح بن الحارث
صاحب الشرطة معقل بن قيس الرياحي
إمارة أذربيجان قيس بن سعد بن عبادة
عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب
قائد شرطة الخميس قيس بن سعد بن عبادة


التنازل عن الخلافة والصلح مع معاوية

نُبوءة الصلح

يؤمن أهل السنة والجماعة بأن النبي محمد قد بشر وتنبأ بأن الحسن سيصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين قبل حصول هذا الأمر بسنوات بعيدة، فقد ورد في ذلك حديث نبوي رواه البخاري في صحيحه عن الحسن البصري قال: «وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، جَاءَ الحَسَنُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ».» وجاء الحديث لدى أحمد بن حنبل في مسنده عن الحسن البصري قال: «سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَحَسَنٌ مَعَهُ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».» فتشير المصادر إلى أن حديث الرسول هذا هو ما دفع الحسن إلى الإقدام على الصلح، وأن هذه النبوءة قد كانت هي الموجهة للحسن في اتجاهاته وتصرفاته ومنهج حياته، وأنها حلت في قرارة نفسه، واعتبرها كوصية من الرسول

التمهيد للصلح ثم محاولة اغتياله

تنص مصادر أهل السنة والجماعة على أن الروايات التي نقلت شرط الحسن بالمسالمة تفيد بابتدائه في التمهيد للصلح مع معاوية بن أبي سفيان فور استخلافه، وذلك تحقيقًا لنبوءة النبي. فتشير الروايات على أن الحسن قد قام فور استخلافه بوضع شرط لقبوله مبايعة أهل العراق له وهو أن يقوموا بمسالمة من يسالم ويحاربون من يحارب، فعن ميمون بن مهران، قال: «إن الحسن بن علي بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين. بايعهم على الإمرة. وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه. ويرضوا بما رضي به.» ويقول خالد بن مضرب، قال: «سمعت الحسن بن علي يقول: والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم. قالوا: ما هو؟ قال: تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت.»

وقد نقل ابن سعد في طبقاته رواية تذكر أن معاوية بن أبي سفيان بعث إلى الحسن بعد وفاة علي فأصلح الذي بينهما سرًا. يقول عمرو بن دينار: «أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان أكره الناس للفتنة. فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سرًا وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه وليجعلن هذا الأمر إليه.»

بعد أن كشف الحسن عن نيته في الصلح مع معاوية وقعت محاولة لاغتياله، وتنص المصادر أن هذه المحاولة قد جرت بعد استخلافه بقليل، وهو ما أشارت إليه أكثر من رواية، فقد أخرج ابن سعد في طبقاته من طريق أبي جميلة الطهوي، قال: «أن الحسن بن علي لما استخلف حين قتل علي. فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر. وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد- وحسن ساجد، قال حصين: وعمي أدرك ذاك. قال: فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرًا ثم برئ. فقعد على المنبر فقال: «يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم أهل البيت الذين قال الله: ï´؟إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاï´¾ قال: فما زال يقول ذاك حتى ما يرى أحد من أهل المسجد إلا وهو يخن بكاء

عطر الزنبق
06-14-2021, 07:59 PM
المسير نحو المدائن

نظرة أهل السنة والجماعة

تنص مصادر أهل السنة والجماعة على أن أهل العراق قد دفعوا الحسن إلى الخروج لقتال أهل الشام من غير رغبة منه، فخرج الحسن بجيش العراق من الكوفة إلى المدائن، وأرسل القوة الضاربة من الجيش وهي "شرطة الخميس" إلى "مسكن" بقيادة قيس بن سعد بن عبادة. وقد أشار ابن سعد في طبقاته إلى ذلك في الرواية التي أخرجها من طريق الشعبي، قال: «بايع أهل العراق بعد علي بن أبي طالب الحسن بن علي، ثم قالوا له: سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم وابتزوا الناس أمورهم. فإنا نرجو أن يمكن الله منهم. فسار الحسن إلى أهل الشام. وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة. في اثني عشر ألفا، وكانوا يسمون شرطة الخميس.» ومن خلال هذه الرواية السابقة يتضح أن أهل العراق هم الذين دفعوا الحسن إلى الخروج لقتال أهل الشام من غير رغبة منه، وهذا الأمر قد أشار إليه ابن كثير بقوله: «وَلَمْ يَكُنْ فِي نِيَّةِ الْحَسَنِ أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدًا، وَلَكِنْ غَلَبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ، فَاجْتَمَعُوا اجْتِمَاعًا عَظِيمًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، فَأَمَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَارَ هُوَ بِالْجُيُوشِ فِي إِثْرِهِ قَاصِدًا بِلَادَ الشَّامِ، لِيُقَاتِلَ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ فَلَمَّا اجْتَازَ بِالْمَدَائِنِ نَزَلَهَا وَقَدَّمَ الْمُقَدِّمَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ.» رجح بعض الباحثين مثل "خالد بن محمد الغيث" أن تاريخ خروج الحسن من الكوفة في شهر صفر من سنة 41هـ. تشير بعض المصادر السنية إلى أن الحسن قد أظهر حنكة كبيرة قد دلت على دهائه عندما لم يشأ أن يواجه أهل العراق من البداية بميله إلى مصالحة معاوية وتسليمه الأمر، نظرًا لطبيعة أهل العراق الذين كان معهم، وليقيم عليهم الدليل ويثبت صدق نظرته فيهم، وعلى سلامة ما اتجه إليه. فوافقهم على المسير لحرب معاوية. بعد أن وصل خبر خروج الحسن إلى المدائن خرج معاوية بن أبي سفيان بأهل الشام إلى العراق حتى نزل جسر منبج، فأقبل من جسر منبج إلى "مسكن" في خمسة أيام ودخل في اليوم السادس

نظرة الشيعة

تنص المصادر الشيعية أن معاوية بن أبي سفيان لما بلغته بيعة الحسن، دس رجلًا من في الكوفة، ورجلًا آخر في البصرة ليكتبا له بالأخبار ويفسدا على الحسن الأمور. فعرف الحسن بأمرهما وأمر بضرب عنقهما. فوقعت بعد هذه الحادثة بين الحسن ومعاوية مراسلات واحتجاجات ادعى فيها كلاهمها الأولوية بالخلافة. وأرسل الحسن في أحد كتبه إلى معاوية يدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس وأن يدع البغي ويحقن دماء المسلمين، ويهدده إن أبى بالقتال. إلا أن معاوية رد بالرفض على عروض الحسن بالدخول في البيعة وأدعى أنه أولى بالخلافة. وانتهت هذه المراسلات بمسير معاوية نحو العراق ليغلبَ عليه، فلما بلغ "جسر منبج" تحرك الحسن وبعث حجر بن عدي، فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، ثم خف معه أخلاط الناس، بعضهم شيعة له ولأبيه، وبعضهم من الخوارج، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، وغيرهم. وسار الحسن حتى نزل ساباط.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:00 PM
تبادل الرسل ووقوع الصلح

تنقل مصادر أهل السنة والجماعة حديث البخاري في صحيحه عند الحديث عن تبادل الرسل بين الحسن ومعاوية ووقوع الصلح بينهما، يقول الحسن البصري:

الحسن بن علي اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولاَ لَهُ: وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتَيَاهُ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالاَ لَهُ: فَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالاَ: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا، قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ، فَقَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ»، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: "قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، بِهَذَا الحَدِيثِ".

محاولة اغتياله وموقف جيشه وقادته

بعد نجاح مفاوضات الصلح بين الحسن ومعاوية، شرع الحسن في تهيئة نفوس أتباعه على تقبل الصلح الذي تم، فقام فيهم خطيبًا ليبين لهم ما تم بينه وبين معاوية، وقد أورد البلاذري الخطبة التي ألقاها، قال الحسن: «إني أرجو أن أكون أنصح خلف لخلقه، وما أنا محتمل عَلَى أحد ضغينة وَلا حقدًا، وَلا مريد بِهِ غائلة وَلا سوءً، ألا وإن مَا تكرهون فِي الجماعة خير لكم مما تحبون فِي الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيرًا من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري وَلا تردوا علي، غفر اللَّه لي ولكم.» وفيما هو يخطب هجم عليه بعض معسكره محاولين قتله بعد أن اتهموه بالضعف لعزمه على صلح معاوية، وشدوا على فسفاطه، فدخلوه، وانتزعوا مصلاه من تحته، وانتهبوا ثيابه. ثم شد عليه "عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي" فنَزَعَ رداءَهُ عن عاتقه، فبقي متقلدًا سيفه فدهش، ثم رجع ذهنه، فركب فرسه، وأطاف به الناس، فبعضهم يعجزه ويضعفه، وبعضهم بنحي أولئك عنه، ويمنعهم منه، وانطلق رجل يقال له "الجراح بن سنان الأسدي" وكان يرى رأي الخوارج فانتظر الحسن في "مظلم ساباط"، فقعد له ينتظره، فلما مر الحسن، ودنا من دابته فأخذ بلجامها، ثم أخرج معولًا كان معه، وقال: «أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل.» وطعنه بالمعول في أصل فخذه، فشق في فخذه شقًا كاد يصل إلى العظم، وضرب الحسن وجهه، ثم اعتنقا وخرا إلى الأرض، ثم سارع "عبد الله بن الخضل الطائي" فنزع المعول من يده، وقام "ظبيان بن عمارة التميمي" بقتل الجراح. وحُمل الحسن إلى المدائن، ثم أتى سعد بن مسعود الثقفي عامل الحسن على المدائن بطبيب وقام عليه حتى برئ وحوله إلى القصر الأبيض بالمدائن. وقد أورد هذه الرواية أبو حنيفة الدينوري، وقد أوردت الكتب الشيعية هذه الرواية بنحو رواية البلاذري فأوردها أبو الفرج الأصفهاني. والشيخ المفيد.

أما موقف الحسن تجاه ما حصل له في معكسره، فقد أخرج ابن سعد في طبقاته عن "هلال بن خباب"، قال: «جمع الحسن بن علي رؤوس أصحابه في قصر المدائن. فقال: يا أهل العراق لو لم تَذْهَلْ نفسي عنكم إلا لثلاث خصال لَذَهَلْتُ: مقتلكم أبي. ومطعنكم بغلتي. وانتهابكم ثقلي أو قال: ردائي عن عاتقي. وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا. قال: ثم نزل فدخل القصر.»

وأما موقف شرطة الخميس وهم مقدمة جيش العراق من الصلح فقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي الغريف، قال: «كُنَّا فِي مُقَدِّمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا تَقْطُرُ أَسْيَافُنَا مِنَ الْحِدَّةِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ، وَعَلَيْنَا أَبُو الْعُمُرِطَهْ، فَلَمَّا أَتَانَا صُلْحُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ كَأَنَّمَا كُسِرَتْ ظُهُورُنَا مِنَ الْحَرَدِ وَالْغَيْظِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفَةَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا يُكَنَّى أَبَا عَامِرٍ سُفْيَانُ بْنُ اللَّيْلِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: «لَا تَقُلْ ذَاكَ يَا أَبَا عَامِرٍ، لَمْ أَذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَهُمْ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ».»

أما موقف قيس بن سعد بن عبادة أمير مقدمة جيش الحسن من الصلح، فتشير المصادر أنه تردد في الدخول فيه، واعتزل بمن أطاعه من جيشه مدة، ثم دخل في الصلح وبايع معاوية بن أبي سفيان بعد مراجعته للأمر.

وأما مواقف أمراء علي بن أبي طالب من الصلح فقد اتسمت بالتباين والتفاوت، حيث قبله بعضهم وكرهه بعضهم الآخر. فكان موقف عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القبول والاستحسان، وأما زياد بن أبيه وقيس بن سعد بن عبادة فقد كان بالرفض ثم القبول، وهناك فريق ثالث دخل الصلح وهو له كاره، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين: قسم يرى أن الصلح ملزم له في ظل حياة الحسن فقط ويمثل هؤلاء حجر بن عدي، وقسم يرى أن الصلح ملزم له في ظل حياة الحسن ومعاوية، أو الآخر موتًا منهما، ويمثل هؤلاء الحسين بن علي.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:01 PM
تسليم الأمر لمعاوية

نظرة أهل السنة والجماعة

تنص مصادر أهل السنة والجماعة على أن الحسن قد ترك المدائن وسار إلى الكوفة بعد أن نجى من محاولة الاغتيال الأخيرة في معسكره، ولما أراد المسير أتاه عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز بكتاب الصلح كما أُسلف. وبعد ذلك سار معاوية من "مسكن" إلى "النخيلة"، ثم خرج الحسن من الكوفة إلى النخيلة لمقابلة معاوية وتسليم الأمر له. أخرج الطبراني في معجمه الكبير عن الشعبي، قال: «شهدت الحسن بن علي رضي الله عنه بالنخيلة حين صالحه معاوية رضي الله عنه، فقال له معاوية: إذا كان ذا فقم فتكلم، وأخبر الناس أنك قد سلمت هذا الأمر لي. وربما قال سفيان: أخبر الناس بهذا الأمر الذي تركته لي. فقام فخطب على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه -قال الشعبي: وأنا أسمع- ثم قال: "أما بعد، فإن أكيس الكيس التقى، وإن أحمق الحمق الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما كان حقًا لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الأمة، وحقن دمائهم، أو يكون حقًا كان لامرئ أحق به مني، ففعلت ذلك، ï´؟وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىظ° حِينٍï´¾.»

كذلك أخرج رواية البيعة أحمد بن حنبل من طريق أنس بن سيرين، قال: «قال الحسن بن علي يوم كلم معاوية: "ما بين جابرس وجابلق: رجل جده نبي غيري وإني رأيت أن أصلح بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكنت أحقهم بذاك، ألا إنا قد بايعنا معاوية ولا أدري ï´؟لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىظ° حِينٍï´¾".»

وأخرج ابن سعد رواية البيعة من طريق عمرو بن دينار، وفيها: «فقام الحسن فقال: يا أيها الناس إني كنت أكره الناس لأول هذا الحديث وأنا أصلحت آخره لذي حق أديت إليه حقه أحق به مني. أو حق جدت به لصلاح أمة محمد وإن الله قد ولاك يا معاوية هذا الحديث لخير يعلمه عندك أو لشر يعلمه فيك ï´؟وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍï´¾ ثم نزل.» بعد ذلك جاء الحسن بقيس بن سعد بن عبادة ليبايع معاوية، فبايعه


نظرة الشيعة

يقول الشيخ المفيد بعد أن ذكر محاولة اغتيال الحسن: «وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر، واستحثوه على السير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به، وبلغ الحسن ذلك. وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضي الله عنه وكان قد أنفذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة، ليلقى معاوية فيرده عن العراق، وجعله أميرا على الجماعة وقال: "إن أصبت فالأمير قيس بن سعد"، فوصل كتاب ابن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبونية بإزاء مسكن، وأن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المصير إليه، وضمن له ألف ألف درهم، يعجل له منها النصف، ويعطيه النصف الآخر عند دخوله الكوفة، فانسل عبيد الله بن العباس في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته، وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم، فصلى بهم قيس رضي الله عنه ونظر في أمورهم. فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له، وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام. فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه، واشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن عليه السلام وعلم احتياله بذلك واغتياله، غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة»، ثم يقول: «فلقا استتمت الهدنة على ذلك، سار معاوية حتى نزل بالنخيلة، وكان ذلك يوم جمعة فصلى بالناس ضحى النهار.»، ثم ذكر الخطبة وما جرى فيها

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:02 PM
شروط الصلح

تنص المصادر السنية والشيعية على نفس أسباب الصلح، وقد ذكر ابن حجر الهيتمي صورة كتاب الصلح بين الحسن ومعاوية على النحو الآتي:

الحسن بن علي
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صَالحه على:

أَن يسلم إِلَيْهِ ولَايَة الْمُسلمين على أَن يعْمل فيهم بِكِتَاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيرة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين.
وَلَيْسَ لمعاوية بن أبي سُفْيَان أَن يعْهَد إِلَى أحد من بعده عهدا بل يكون الْأَمر من بعده شُورَى بَين الْمُسلمين.
وعَلى أَن النَّاس آمنون حَيْثُ كَانُوا من أَرض الله تَعَالَى فِي شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم.
وعَلى أَن أَصْحَاب عَليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادهمْ حَيْثُ كَانُوا.
وعَلى مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان بذلك عهد الله وميثاقه وَأَن لَا يَبْتَغِي لِلْحسنِ بن عَليّ وَلَا لِأَخِيهِ الْحُسَيْن وَلَا لأحد من أهل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غائلة سرا وَلَا جَهرا وَلَا يخيف أحدا مِنْهُم فِي أفق من الْآفَاق.
أشهد عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان بن فلَان وَكفى بِاللَّه شَهِيدًا.

الحسن بن علي
تنص بعض المصادر السنية والشيعية زيادة على الشروط السابقة أن الحسن اشترط على معاوية أن يترك سب علي بن أبي طالب، أو أن يترك سب علي وهو يسمع. إلا أن هذا الشرط يرفضه بعض الباحثين المتقدمين من أهل السنة.
وتشير بعض المصادر بأن معاوية كان يجري للحسن أموالًا طائلة في كل عام. إلا أن هذه الروايات تم تكذيبها من قبل بعض الباحثين المتقدمين من أهل السنة والجماعة، لأنها تصور وكأن الحسن قد باع الخلافة لمعاوية، وتم وصفها بأنها روايات غير مقبولة ولا يعتمد عليها.

دوافع الصلح

نظرة أهل السنة والجماعة

تنقل العديد من مصادر أهل السنة والجماعة عددًا من أقوال الحسن بن علي التي أشار فيها إلى الأسباب التي هيأته وجعلته يعقد الصلح مع معاوية. وقد جمع عدد من العلماء والباحثين القدامى والمعاصرين هذه الأقوال وجعلوها على شكل نقاط لبيان المسألة:

الرغبة فيما عند الله وإرادة صلاح الأمة ووحدتها: يقول "نفير الحضرمي": «قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تُرِيدُ الْخِلَافَةَ؟ فَقَالَ: كَانَتْ جَمَاجِمُ الْعَرَبِ بِيَدِي، يُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ وَيُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ، فَتَرَكْتُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ.» وقال في خطبته التي تنازل فيها لمعاوية: «وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا كَانَ حَقًّا لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ صَلَاحِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.» ويقول في أحد خطبه حول وحدة الأمة: «أيها الناس، إني قد أصبحت غير محتمل على مسلم ضغينة، وإني ناظر لكم كنظري لنفسي، وأرى رأيًا فلا تردوا عليَّ رأيي، إن الذين تكرهون من الجماعة أفضل مما تحبون من الفرقة.»
دعوة الرسول له: تنص المصادر على أن قول النبي عن الحسن: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ.» قد كان هو الدافع الرئيسي لتوجه الحسن إلى الصلح، وأن هذا الحديث قد دفعه إلى التخطيط والاستعداد النفسي للصلح والتغلب على العوائق التي كانت في الطريق باعتبار هذا الحديث وصية من جده الرسول.

حقن دماء المسلمين: يقول الحسن: «خشيت أن يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ ثَمَانُونَ أَلْفًا، أو أكثر أو أقل، تَنْضَحُ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا، كُلُّهُمْ يَسْتَعْدِي اللَّهَ فِيمَ هُرِيقَ دَمُهُ.» وقال وهو يخطب الناس بالمدائن: «ألا إن أمر الله واقع إذ ليس له دافع وإن كره الناس، إني ما أحببت أن ألي من أمة محمد مثقال حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم، قد علمت ما ينفعني مما يضرني فالحقوا بطيتكم.» وقال في خطبته التي تنازل فيها لمعاوية: «وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا كَانَ حَقًّا لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ صَلَاحِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ.»
اضطراب جيش أهل العراق والكوفة: يقول ابن الأثير الجزري في كتابه الكامل في التاريخ: «قِيلَ لِلْحَسَنِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: كَرِهْتُ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَوْمًا لَا يَثِقُ بِهِمْ أَحَدٌ أَبَدًا إِلَّا غُلِبَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَافِقُ آخَرَ فِي رَأْيٍ وَلَا هَوًى، مُخْتَلِفِينَ لَا نِيَّةَ لَهُمْ فِي خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ، لَقَدْ لَقِيَ أَبِي مِنْهُمْ أُمُورًا عِظَامًا، فَلَيْتَ شِعْرِي لِمَنْ يَصْلُحُونَ بَعْدِي، وَهِيَ أَسْرَعُ الْبِلَادِ خَرَابًا!»
أسباب أخرى: يقول أبو بكر بن العربي: «وَعَمِلَ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمُقْتَضَى حَالِهِ، فَإِنَّهُ صَالَحَ حِينَ اسْتَشْرَى الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِأَسْبَابٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَمَقَادِيرَ أَزَلِيَّةٍ، وَمَوَاعِيدَ مِنْ الصَّادِقِ صَادِقَةٍ، وَمِنْهَا مَا رَأَى مِنْ تَشَتُّتِ آرَاءِ مَنْ مَعَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ طُعِنَ حِينَ خَرَجَ إلَى مُعَاوِيَةَ فَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ وَدَاوَى جُرْحَهُ حَتَّى بَرِئَ؛ فَعَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَنْ يُنَافِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَأْمَنُهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ رَأَى الْخَوَارِجَ أَحَاطُوا بِأَطْرَافِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِحَرْبِ مُعَاوِيَةَ اسْتَوْلَى الْخَوَارِجُ عَلَى الْبِلَادِ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْخَوَارِجِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا مُعَاوِيَةُ.»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:03 PM
نظرة الشيعة

تنص المصادر الشيعية على أن هناك مبررات وغايات دفعت الحسن إلى الصلح، منها:

حفظ حياة الحسن وشيعته: يقول أبو سعيد عقيصا: «قلت للحسن بن علي بن أبي طالب يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية... ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.» وينقل ابن أبي الفتح الإربلي أن بعض الشيعة قد لاموا الحسن على بيعته فرد عليهم قائلًا: «ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت.» ويقول محمد باقر المجلسي: «وقد أجاب عليه السلام حجر بن عدي الكندي لما قال له: سودت وجوه المؤمنين فقال عليه السلام: ما كل أحد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك، وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم.»
تخاذل الناس عن مساعدته: ينقل محمد باقر المجلسي أن الحسن قال في أحد خطبه: «لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها...» وأنه قال أيضًا: «لو وجدت أعوانًا ما سلمت له الأمر، لأنه محرم على بني أمية...» وينقل المجلسي كذلك أن جواب الحسن على أحد المعترضين على الصلح، يقول: «والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون ويقولون لنا: إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا.»
صلاح الأمة وقطع الفتنة ومنع إراقة دماء الشيعة: ينقل محمد باقر المجلسي قول الحسن في أحد خطبه: «إن معاوية نازعني حقًا هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة، وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته، ورأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم، ï´؟وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حينï´¾

حياته بعد الصلح

ترك الحسن الكوفة بعد تنازله لمعاوية ورجع بمن معه من أصحابه وبني هاشم إلى المدينة المنورة واستقر بها، وكانت زعامة بني هاشم عنده. وتنص المصادر على أن الحسن كان يقدم على معاوية بن أبي سفيان في خلافته، فقدم عليه مرة فقال له معاوية: «لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحدًا قبلك ولا أجيز بها أحدًا بعدك، فأعطاه أربع مائة ألف فقبلها.» وكان الحسن يفد كل سنة إلى معاوية فيصله بمائة ألف درهم. ونقل ابن كثير أن الحسن وعبد الله بن الزبير وفدا على معاوية، فقال للحسن: «مرحبا وأهلا بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم». وأمر له بثلاثمائة ألف، وقال لابن الزبير: «مرحبا وأهلا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.» وأمر له بمائة ألف. وينقل بعض علماء الشيعة مثل ابن أبي الحديد ومحمد باقر المجلسي أن الحسن دخل على معاوية بعد عام الجماعة وبعد الحديث بينهما قال معاوية للحسن: «يا بن أخي، بلغني أن عليك دينا، قال: إن لعلي دينا، قال: كم هو؟ قال: مائة ألف، فقال: قد أمرنا لك بثلاثمائة ألف، مائة منها لدينك، ومائة تقسمها في أهل بيتك، ومائة لخاصة نفسك، فقم مكرما، واقبض صلتك.»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:04 PM
وفاته

اختُلِف في زمن وفاة الحسن، وأكثر الآراء أنه توفي سنة 49 هـ وهو قول الواقدي وخليفة بن خياط، وقيل سنة 50 هـ وهو قول المدائني وابن ال***ي والزبير بن بكار، وقيل 51 هـ وهو قول محمد بن إسماعيل البخاري ورجََّحه خالد الغيث. ومات وهو ابن سبع وأربعين سنة، أو ثمان وأربعين سنة، ورُوى أنه قبل مماته رأى رؤيا كأنّ بين عينيه مكتوبٌ Ra bracket.png قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ Aya-1.png La bracket.png، ففسرها سعيد بن المسيب أن أجله قد اقترب، قال أبو نعيم الأصبهاني: «لما اشتد بالحسن بن علي الوجع جزع، فدخل عليه رجل فقال له: يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك، فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب، قال: فسُرّيَ عنه. وفي رواية: أن القائل له ذلك الحسين، وأن الحسن قال له: يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط. قال: فبكى الحسين رضي الله عنهما»

أوصى الحسنُ أخاه أن يدفنه في حجرة عائشة مع النبي، وقال: «ادفني عند أبي، - يعني النبي - إلا أن تخافوا الدماء، فادفني في مقابر المسلمين.»، ونقل ابن عبد البر أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في حجرتها، قالت: «نعم وكرامة.»، ولكن منعهم مروان بن الحكم، وراسل معاوية بالخبر، واستعان بوالي المدينة المنورة يومئذٍ سعيد بن العاص، وقال: «لا ندعه يدفن مع رسول الله، أيدفن عثمان بالبقيع، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة.»، فتنازع الحسين ومروان، وكادا يتقاتلا، فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وجابر، وابن عمر على الحسين أن لا يقاتل، وقال له أبو هريرة: «أنشدك الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء.»، فدفنوه بالبقيع عند قبر فاطمة بنت أسد. واجتمع الناس لجنازته حتى ما كان البقيع يسع أحدًا من الزحام. وقدَّم الحسين والي المدينة المنورة سعيد بن العاص للصلاة على الحسن، روى سفيان الثوري عن سالم بن أبي حفصة عن أبي حازم أنه قال: «إني لشاهد يوم مات الحسن، فرأيت الحسين يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه: تقدم، فلولا أنها سنة ما قُدِّمت.».

يُعتبر يوم 28 صفر في إيران عطلة رسمية لذكرى وفاة الإمام الحسن وهو نفس اليوم الذي تحدده الجمهورية لوفاة النبي محمد، ويقيم الشيعة في إيران مراسم العزاء في ذلك اليوم، بينما في العراق؛ يوم 7 صفر هو يوم العزاء الذي حددته الحوزة العلمية في النجف.

أمّا عن سبب وفاته، فالمشهور عند السنة والشيعة أنه قُتل مسمومًا، قال قتادة بن دعامة: «قال الحسن للحسين: قد سقيت السم غير مرة، ولم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي. فقال: من فعله؟ فأبى أن يخبره.»، وقال ابن حجر العسقلاني: «يقال إنه مات مسمومًا.»، أما عن قاتله فاختُلف في ذلك، حيث تذكر أغلب المصادر الشيعية أن زوجته جعدة بنت الأشعث هي من سقته السم بإيعاز من يزيد بن معاوية، وقيل بإيعاز من معاوية نفسه، بينما ينكر أهل السنة هذا الخبر، يقول ابن خلدون: «وما نُقل من أن معاوية دسَّ إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، حاشا لمعاوية من ذلك.»، وقال الذهبي: «هذا شيء لا يصح؛ فمن الذي اطلع عليه!»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:16 PM
صفاته

صفاته الخَلقية

كان الحسن أشبه الناس بالنبي، أكثر من مشابهته لأبيه، جاء في صحيح البخاري: «عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول:بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيه بعلي، وعلي يضحك»، وعن علي قال: «كان الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.»

وتذكر المصادر أن الحسن كان وسيمًا جميلًا يُخضب بالسواد، يضرب شعره منكبيه، أبيض مشربًا بحمرة، أدعج العينين،(1) سهل الخدين، دقيق المسربة،(2) كث اللحية ذا وفرة، عظيم الكراديس،(3) بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بطويل ولا قصير، جعد الشعر، حسن البدن، يختتم في يساره.

عبادته

كان مما يُلاحظ على الحسن كثرة عبادته، فكان الحسن إذا صلى الغداة في المسجد النبوي يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس، ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يتحدثون عنده، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، ثم ينصرف إلى منزله. وكان إذا توضأ تغير لونه فقيل له ذلك فقال: «حقٌ لمن أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير لونه» وكان كثير الحج ورُوى أنه حجَّ خمس وعشرين مرة ماشيًا على رجليه، وكان يقول: «إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته.» وكان إذا أوى إلى فراشه قرأ سورة الكهف، وكان يُعرف عنه الزهد فيقول:

لَكَسْرةٌ من خسيسِ الخبزِ تُشبعُني وشَربةٌ من قراحٍ المَاء تكفيني
وطرةٌ من دقيق الثوب تسترني حيًا وإنْ متّ تكفيني لتكفيني
ويقول:

يَا أَهْلَ لَذَّاتِ دُنْيَا لَا بَقَاءَ لَهَا إِنَّ اغْتِرَارًا بِظِلٍّ زَائِلٍ حُمْقُ


كرمه

كان يُعرف عنه الكرم وكثرة الإنفاق، فسمع مرةً رجلًا إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف فبعث بها إليه، وقال محمد بن سيرين: «كان يعطي الرجل الواحد مائة ألف.»، وكان لا يدعو أحدًا إلى طعامه من قلة الطعام، ويقول: «هو أهون من أن يدعى إليه أحد»، وعن أبي هارون: «قال : انطلقنا حجاجا، فدخلنا المدينة، فدخلنا على الحسن، فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا، بعث إلى كل رجل منا بأربعمائة، فرجعنا، فأخبرناه بيسارنا، فقال: لا تردوا علي معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال، كان هذا لكم يسيرًا، أما إني مزودكم: إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة.» وكان يجلس مع الفقراء على الأرض ويأكل معهم كسيرات الخبر، وذكروا أن الحسن رأى غلامًا أسودًا يأكل من رغيف لقمة، ويطعم ***ًا هناك لقمة، فقال له: «ما حملك على هذا؟» فقال: إني أستحي منه أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: «لا تبرح من مكانك حتى آتيك»، فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه، فأعتقه وملّكه الحائط، فقال الغلام: «يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له». وغير ذلك من الآثار التي رُويت عن كرمه وتواضعه.

حلمه

يذكر الذهبي عن مروان بن الحكم قوله عن الحسن: «كان حلمه يوازن بالجبال»، وشتمه رجل مرة فقال: «إني والله لا أمحو عنك شيئًا، ولكن مهدك الله فلئن كنت صادقًا فجزاك الله بصدقك، ولئن كنت كاذبًا فجزاك الله بكذبك، والله أشد نقمة مني.» ويُروى أن رجلاً من أهل الشام قال: «دخلت المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فرأيت رجلاً راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابة منه، فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل: هذا الحسن بن علي بن أبي طالب، فامتلأ قلبي له بغضاً وحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه وقلت له: أأنت ابن علي بن أبي طالب قال: أنا ابنه، قلت: فعل بك وبأبيك - أسبهما؛ فلما انقضى كلامي قال لي: أحسبك غريباً قلت: أجل، قال: مل بنا، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاوناك؛ قال: فانصرفت عنه وما على الأرض أحب ألي منه وما فكرت فيما صنع وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي.»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:17 PM
عائلته

زوجاته


اختُلف في عدد زوجات الحسن بن علي، وذكروا أنه كان كثير الزواج والطلاق، فقيل إنه تزوج حوالي سبعين امرأة، يقول الذهبي: «كان منكاحًا مطلاقًا، تزوج نحوًا من سبعين امرأة، وقلما كان يفارقه أربع ضرائر، عن جعفر الصادق: أن عليًا قال: يا أهل الكوفة! لا تُزوِّجوا الحسن، فإنه مطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق.»، وقال ابن كثير الدمشقي: «قالوا: وكان كثير التزوج، وكان لا يفارقه أربع حرائر، وكان مطلاقًا مصداقًا. يقال: إنه أحصن سبعين امرأة. وذكروا أنه طلق امرأتين في يوم، واحدة من بني أسد، وأخرى من بني فزارة وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف، وبزقاق من عسل.» وذكر ابن أبي الحديد أن عدد زوجاته أكبر من ذلك، وشكك البعض في هذه الأرقام لعدم معرفة أسماء زوجاته إلا القليل منهن، وذكروا أن الروايات التي ذُكر بها أعداد زوجاته ذات أسانيد ضعيفة. ومن زوجاته المعروفة أسماؤهنّ:

خولة بنت منظور الفزازية،

أنجبت له الحسن المثنى، كانت زوجة محمد بن طلحة بن عبيد الله ولها منه ثلاثة أولاد، وقُتِل محمد عنها في معركة الجمل، ثم تزوجت الحسن.

جعدة بنت الأشعث،

ويتهمها الشيعة بأنها من سممته فيما ينكر أهل السنة والجماعة هذه التهمة وينفونها عنها.

عائشة الخثعمية،

طلّقها بعد وفاة أبيه، فعن سويد بن غفلة قال: «كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي بن أبي طالب، فلما أصيب علي، وبويع الحسن بالخلافة، قالت: ليهنك الخلافة يا أمير المؤمنين، فقال: يُقتل علي وتظهرين الشماتة؟! اذهبي فأنت طالق ثلاثا، قال: فتلفعت نساجها، وقعدت حتى انقضت عدتها، بعث إليها بعشرة آلاف متعة، وبقية بقي لها من صداقها، فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق.»

أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله،

أنجبت له الحسين وفاطمة وطلحة، تزوجها بعده أخوه الحسين، وأنجبت له فاطمة بنت الحسين بن علي.

أم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري،
أنجبت له زيد وأم الحسن وأم الحسين، تزوجت بسعيد بن زيد، وبعده تزوجت بالحسن، ثم بعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة.

أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب،

تزوجها الحسن، فولدت له محمدًا وجعفرًا وحمزة، ثم فارقها فتزوجها أبو موسى الأشعري، فولدت له موسى. ومات عنها فتزوجها عمران بن طلحة بن عبيد الله، ففارقها فرجعت إلى دار أبي موسى، فماتت فدفنت بظاهر الكوفة.

هند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.

أم عبد الله وهي بنت السليل بن عبد الله أخو جرير البجلي،
أنجبت له عبد الله.
أم ولد من بني ثقيف.
أم ولد من بني عمرو بن أهيم المنقري.
أم ولد من بني شيبان من آل همام بن مرة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:17 PM
ذريته

ذكر الذهبي اثني عشر ابنًا ذكرًا للحسن ولم يذكر الإناث، وذكر أنه ولم يُعقِب منهُم سِوى الحسن المثنى وزيد بن الحسن، وذكر الفخر الرازي أن له من الأولاد ثلاثة عشر ذكرًا وست بنات، وذكر المفيد خمسة عشر ولدًا ذكرًا وأنثى، وجميع ما ذُكر من أبنائه الذكور هم:

الحسن بن الحسن المعروف بالحسن المُثنّى، أمه خولة بنت منظور، أنجب خمسة أولاد أعقبوا، وهم: عبد الله، والحسن، وإبراهيم، داود، وجعفر. شارك في معركة كربلاء مع عمه الحسين وأُصيب فيها، توفي في 97 هـ.
زيد بن الحسن، أمه أم بشير بنت أبي مسعود، ولد في 30 هـ، ومات له تسعون سنة، أنجب الحسن بن زيد بن الحسن، فلا عقب له إلا منه، ولي ابنه إمرة المدينة المنورة، وهو والد نفيسة بنت الحسن، والقاسم، وإسماعيل، وعبد الله، وإبراهيم، وزيد، وإسحاق، وعلي.
طلحة بن الحسن، أمه أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله.
القاسم بن الحسن، أمه أم ولد، قتل في معركة كربلاء مع عمه الحسين، وهو يومئذ غلام.
أبو بكر بن الحسن، أمه أم ولد، وهو شقيق القاسم، قتل في معركة كربلاء بعد أخيه القاسم.
عبد الله بن الحسن، أمه أم عبد الله بنت السليل بن عبد الله، قُتل أيضًا في كربلاء.
عمرو بن الحسن، أمه أم ولد، كان حاضرا في واقعة الطف، وأٌسر في معركة كربلاء.
الحسين بن الحسن، يُعرف بالأثرم، أمه أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، ولا يصح له عقب.
محمد الأكبر، به يُكنى والده، ذكر ابن سعد أن أمه هي خولة بنت منظور.
محمد الأصغر، أمه أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب.
جعفر، أمه أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب، لم يٌذكر إلا في سيرة والدته.
حمزة، أمه أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب، لم يٌذكر إلا في سيرة والدته.
عبد الرحمن بن الحسن.
يعقوب بن الحسن.
إسماعيل بن الحسن.
وما ذُكر من بناته:

فاطمة بنت الحسن، أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، هي زوجة علي بن الحسين، وأم محمد الباقر.
أم الحسن بنت الحسن، أمها أم بشير بنت أبي مسعود.
أم الحسين بنت الحسن، أمها أم بشير بنت أبي مسعود.
أم عبد الله بنت الحسن، أمها أم ولد.
أم سلمة بنت الحسن، أمها أم ولد.
رقية بنت الحسن، أمها أم ولد

تراثه

روايته للحديث النبوي

توفي النبي محمد والحسن في سن صغير؛ لذلك لم يدرك الحسن الكثير من أحاديث النبي محمد، فروى عن جده النبي محمد، وعن أبيه علي بن أبي طالب، وعن أمه فاطمة بنت محمد، وكذلك عن صغار الصحابة مثل عبد الله بن عباس ومحمود بن الربيع، وحدث عنه: ابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غفلة، وأبو الحوراء السعدي، والشعبي، وهبيرة بن يريم، وأصبغ بن نباتة، والمسيب بن نجبة. وقد روى له بقي بن مخلد في مسنده ثلاثة عشر حديثًا، وروى له أحمد بن حنبل في مسند أحمد خمسة عشر حديثًا، وروى له أصحاب السنن الأربعة ستة أحاديث

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:18 PM
شعره

كان الحسن يُنشد الشعر في كثير من المواقف، ونسبت إليه العديد من الأشعار، منها أنه كان منقوشًا على خاتمه أبياتًا في الزهد:

قدم لنفسك ما استطعت من التقى إن المنية نازل بك يا فتى
أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى أحباب قلبك في المقابر والبلى
ونٌسب له قوله في التذكير بالموت:

قل للمقيم بغير دار إقامة حان الرحيل فودع الأحبابا
إن الذين لقيتهم وصحبتهم صاروا جميعًا في القبور ترابًا

الآراء والمواقف حوله


مكانته عند النبي


للحسن بن علي مكانة كبيرة عند عموم المسلمين بمختلف طوائفهم، وذلك لأنه حفيد النبي محمد وابن ابنته فاطمة، وحِبُه وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وأنه كان أشبه الناس بالنبي، وغيرها من الأوصاف التي تصفه بها الأحاديث النبوية، ولا تختلف طوائف المسلمين حول هذه النقاط، ومن هذه الأحاديث:

عن البراء بن عازب قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا الحسن بن علي على عاتقه وهو يقول اللهم إني أحبه فأحبه».
عن أبي هريرة قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي».
عن عبد الله بن مسعود قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ:أَنْ دَعُوهُمَا فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ وَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ. فَقَالَ:مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ».
ووصفه برحانته من الدنيا، فسأل رجل عبد الله بن عمر عن قتل الذباب أثناء الإحرام، فقال: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: هما ريحانتاي من الدنيا».
عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما».

مكانته لدى الصحابة

جاءت العديد من الروايات في المصادر التاريخية التي تذكر تبجيل الصحابة للحسن، مثل ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن الزبير وغيرهم، ومن هذه الروايات:

أن ابن عباس كان يُمسك الركاب للحسن ويُسوي له، فقال له مدرك أبو زياد: «أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما.» فقال ابن عباس: «يا لكع. أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟».
وأن عبد الله بن الزبير كان يُثني عليه، فعن عبد الله بن عروة بن الزبير: «رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة، قال: فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقاً، فغاضني ذلك فقمت إليه، فقلت: يا عم، قال: ما تشاء؟ فقلت: رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فأقمت حتى تفسخ جبينك عرقاً!. قال: يا بن أخي أنه ابن فاطمة، لا والله ما قامت النساء عن مثله».
وأن أبا هريرة كان يُظهر حبه للحسن، يقول أبو هريرة: «ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعًا»، وعن أبي هريرة قال: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ المَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ: «أَيْنَ لُكَعُ - ثَلاَثًا - ادْعُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ». فَقَامَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الحَسَنُ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ»، وعن عميرِ بن إسحاق قال: «كُنْتُ مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَرِنِي أُقَبِّلُ مِنْكَ حَيْثُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ، فَقَالَ: بِقَمِيصِهِ، قَالَ: فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ». وقال مساور السعدي: «رأيت أبا هريرة قائما على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات الحسن، يبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس! مات اليوم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابكوا».
أن أبا بكر صلى العصر، ثم خرج يمشي ومعه علي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه وقال:
بأبي شبيهٌ بالنبي ليس شبيهًا بعلي

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:18 PM
نظرة أهل السنة والجماعة


سيد يُصلح الله به بين فئتين من المسلمين: يرى أهل السنة والجماعة أن الحسن هو أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين، وأن النبي بشّر بأن الحسن سيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، وأن هذا ما تحقق بإنهائه الفتنة الأولى التي حدثت بين المسلمين بتنازله عن الخلافة حفظًا لدماء المسلمين، وهو ما جاء في الحديث عن أبي بكرة قال: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يُقْبِل على الناس مرة، وعلى الحسن مرة، ويقول: إن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.»
أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين: قرر علماء أهل السنة والجماعة عند شرحهم لقول النبي: «الخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً.» أن الأشهر التي تولى فيها الحسن بن علي بعد موت أبيه كانت داخلة في خلافة النبوة والخلافة الراشدة ومكملة لها، وبتنازل الحسن انتهت مدة الخلافة الراشدة وبدأت فترة الملك العضوض. فقد قد قال كل من:
أبو بكر بن العربي: «فَنَفَذَ الْوَعْدُ الصَّادِقُ فِي قَوْلِهِ: «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ». وَبِقَوْلِهِ: «الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَعُودُ مُلْكًا»، فَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٌّ، وَلِلْحَسَنِ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا تَنْقُصُ يَوْمًا، فَسُبْحَانَ الْمُحِيطِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ.»
القاضي عياض: «لَمْ يَكُنْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَشْهُرُ الَّتِي بُويِعَ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ... والْمُرَادَ فِي حَدِيثِ الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة وقد جاء مفسرا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا.»
ابن كثير: «وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي دَلَائِلِ النبوة من طريق سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» وَإِنَّمَا كَمَلَتِ الثَّلَاثُونَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بن علي.»
ابن أبي العز شارح العقيدة الطحاوية: «وَكَانَتْ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَخِلَافَةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا، وَخِلَافَةُ عُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَخِلَافَةُ عَلَيٍّ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَخِلَافَةُ الْحَسَنِ ابْنِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.»
المناوي: يقول بعد ذكره لقول النبي: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.» قال: «وكان ذلك فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكًا عضوضًا.»
منزلة أهل البيت عمومًا: يعتقد أهل السنة أن أهل البيت تجب محبتهم وموالاتهم ورعاية حقوقهم، وأن المسلمين مأمورون بالصلاة عليهم مع الصلاة على النبي، وأنّ لهم حقًا في أداء الخمس من المغنم والفيء، فعن عائشة بنت أبي بكر قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم دخلت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليُّ فأدخله، ثم قال: ï´؟إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاï´¾»

نظرة الشيعة

الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر: تؤمن أغلب طوائف الشيعة أن الحسن هو الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر بعد الإمام الأول علي بن أبي طالب، وأن علي بن أبي طالب أوصى له قبل موته بالإمامة من بعده:
جاء في كتاب الكافي: «عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدًا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله، ودفع إلى كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال، وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله».
يقول الشريف المرتضى: «وأخبار وصية أمير المؤمنين إلى ابنه الحسن، واستخلافه له، ظاهرة مشهورة بين الشيعة».
يقول حسين النوري الطبرسي: «نستدلّ بتواتر الشيعة ونقلها خلفاً عن سلف: أنّ أمير المؤمنين عليًا نصّ على ابنه الحسن بحضرة شيعته، واستخلفه عليهم بصريح القول».
من المعصومين: يعتقد الشيعة الاثنا عشرية أن الحسن وجميع الأئمة الاثنا عشر بالإضافة إلى النبي وفاطمة الزهراء، معصومون عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وأنه لا يمكن صدور المعصية منهم حتى على نحو الغفلة أو السهو أو النسيان، وجاء في الكافي: «قال جعفر الصادق: نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا».
من أصحاب الكساء: يعتقد المسلمون كما ورد في صحيح مسلم ومسند أحمد أن النبي جمع علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين معه تحت كساء واحد بعد نزول ما يُسمَّى بآية التطهير: ï´؟إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاï´¾.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:32 PM
الشخصية الاسلامية الرابعة عشرة

https://i.top4top.io/p_1942t1sk71.png

https://j.top4top.io/p_1942kvfn32.png

أبو عبد الله الحُسين بن علي بن أبي طالب (3 شعبان 4 هـ - 10 محرم 61 هـ / 8 يناير 626 م - 10 أكتوبر 680 م) هو سبط الرسول محمد، وصَحابيّ، والإمام الثالث عند الشيعة، أطلق عليه النبي محمد لقب سيد شباب أهل الجنة فقال: «الحسَنَ والحُسَيْنَ سيِّدا شبابِ أَهْلِ الجنَّةِ»، وهو خامس أصحاب الكساء.

ولد في شهر شعبان سنة 4 هـ، وأُتِيَ به إلى النبي محمد، وأذن في أذنيه جميعًا بالصلاة، وعقّ عنه بكبش كما فعل مع أخيه الحسن، وكان يأخذه معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة، فيصلي بالناس، وكان يركب على ظهره وهو ساجد، ويحمله على كتفيه، ويُقبّله ويداعبه ويضعه في حجره ويَرْقِيه، توفي جده النبي محمد سنة 11 هـ وكذلك توفيت أمه فاطمة في نفس السنة، شارك الحسين مع الحسن في الجهاد في عهد عثمان، فشارك في فتح إفريقية تحت إمرة عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وشارك في فتح طبرستان وجرجان في جيش سعيد بن العاص، كما شارك في معركة الجمل ومعركة صفين.

بويع أخوه بالخلافة، واستمر خليفة للمسلمين نحو ثمانية أشهر، ثم تنازل عنها لصالح معاوية بن أبي سفيان بعد أن صالحه على عدد من الأمور. وانتقل الحسن والحسين من الكوفة إلى المدينة المنورة، وبعد وفاة الحسن استمر الحسين في الحفاظ على عهد أخيه مع معاوية طوال حياة معاوية. وبعد موت معاوية رفض الحسين بيعة يزيد بن معاوية وخرج إلى مكة ومكث فيها أشهرًا، فأرسل له أنصاره بالكوفة رسائل تؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل وأمره أن ينظر في أهل الكوفة وأن يستجلي حقيقة الأمر، ولكن والي الكوفة الجديد عبيد الله بن زياد استطاع الإيقاع بمسلم وقتله، وتفرق عنه أنصار الحسين وخذلوه.

خرج الحسين إلى الكوفة، حتى وصل إلى زبالة(2) فوصله خبر مقتل مسلم وخذلان أهل الكوفة ، وتوجّه إليه الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس إلى الحسين ليلازمه حتى يصل إلى الكوفة، فلما وصلوا إلى كربلاء لقى جيش عمر بن سعد المكون من أربعة آلاف مقاتل، عارضًا على الحسين النزول على حكم ابن زياد، وبعد فشل المفاوضات دارت معركة كربلاء، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر، وطعنه سنان بن أنس واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ودفن جسده في كربلاء. وبحسب مرويَّات الشيعة، فإن رأسه قد دُفِن في كربلاء مع جسده عند عودة سبايا أهل البيت من الشام، بينما اختلف أهل السنة في الموضع الّذي دفن فيه الرأس، فقيل في دمشق، وقيل في كربلاء مع الجسد، وقيل في مكان آخر، فتعدّدت المراقد، وتعذّرت معرفة مدفنه. كان مقتله يوم العاشر من محرم سنة 61 هجرية الموافق 10 أكتوبر سنة 680م. ويسمى بعاشوراء وقد ظل هذا اليوم يوم حزن وكآبة عند الشيعة

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:32 PM
بدايته
نسبه

هو: الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أبوه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة، والإمام الأول عند الشيعة الاثنا عشرية، وابن عم النبي محمد.
أمه: فاطمة الزهراء بنت النبي محمد، لذلك يُعرف بـ "سبط رسول الله"، والسبط كلمة تُطلق على الأولاد بشكل عام، وقيل: أولاد الأولاد، وأولاد البنات، وقيل معناه الطائفة أو القطعة، فيكون معنى "سبط رسول الله" أي قطعة منه دلالة على شدة حبه له وللحسن.
كنيته: أبو عبد الله، وتذكر المصادر الشيعية أن النبي من كناه بذلك.
ألقابه: لُقّب بالسبط، وسيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله، والشهيد، وفي بعض الروايات الشيعية بسيد الشهداء، وبألقاب آخرى مثل: الزكيّ، والطّيب، والوفي، والسّيد، والمُبارك.
إخوته: للحسين بن علي العديد من الإخوة والأخوات من أبيه، فقد بلغ عدد إخوته من الذكور حوالي عشرين أخًا، ومن الإناث ثماني عشرة، أما الإخوة الأشقاء من أبناء فاطمة الزهراء فهم: الحسن والمحسن وزينب وأم كلثوم. والحسين هو الابن الثاني لعلي وفاطمة بعد الحسن.

مولده

اختلف في تاريخ ميلاده، وأرجح الأقوال أنه ولد في شهر شعبان سنة أربعة من الهجرة، وأكثر الأقوال أنه ولد في 5 شعبان، وقيل 3 شعبان، وذكر محمد بن سعد البغدادي أن فاطمة الزهراء حملت به في 5 ذي القعدة سنة 3 هـ بعد خمسين ليلة فقط من ميلاد أخيه الحسن، حيث ولد الحسن في 15 رمضان سنة 3 هـ. قال جعفر الصادق: «بين الحسن والحسين في الحمل طهر واحد»، وجاء في الكافي رواية تذكر انه ولد سنة 3 هـ.

ولمَّا وُلد الحسين أُتِيَ به إلى النبي محمد، وأذن في أذنيه جميعًا بالصلاة، وعقّ عنه بكبش كما فعل مع أخيه الحسن، ورُوى أن علي بن أبي طالب كان يريد تسميته حربًا، فسماه النبي حسينًا، فعن علي قال: «لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا. قال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين قال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت سميته حربا. قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت سميته حربًا قال: هو محسن. ثم قال: إني سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر.» وقال عمران بن سليمان: «الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة. لم يكونا في الجاهلية.» وجاءت الروايات أن فاطمة كانت تحلق شعر أبنائها في اليوم السابع من ولادتهم وتتصدق بوزن الشعر فضة على المساكين وأهل الصفة. كما خُتِنَ في اليوم السابع أيضًا.

وقد جاء في بعض المصادر أن أمه فاطمة دفعته إلى أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس لترضعه، وأنها رأت رؤيا قبل مولده، فيروى عنها أنها قالت: «يا رسول الله رأيت في المنام كأن عضوا من أعضائك في بيتي أو قالت في حجرتي، فقال تلد فاطمة غلامًا إن شاء الله، فتكفلينه، فولدت فاطمة حسنًا فدفعه إليها فأرضعته بلبن قثم بن العباس، فجئت به يومًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبال على صدره فدحيت في ظهره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهلًا يرحمك الله أوجعت مشهور، فقلت ادفع إلي إزارك فأغسله، فقال: لا صبي عليه الماء فإنه يصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية.»، وجاءت نفس الرواية عن الحسن

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:33 PM
نشأته على عهد النبي


نشأ الحسن والحسين في بيت أبويهما في المدينة المنورة، وكان النبي محمد يُحبهما ويأخذهما معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة حين يصلي بالناس، فكان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره. فإذا أراد أن يرفع رأسه أخذهما بيده فوضعهما وضعا رفيقا. فإذا عاد عادا. حتى إذا صلى صلاته وضع واحدا على فخذ والآخر على الفخذ الأخرى، وكان يُركبهما بغلته الشهباء؛ أحدهما أمامه والآخر خلفه، وكان يقول: «هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما.». وكان إذا سمع الحسين يبكي قال لأمه: «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

كان الحسين أحد الذين حضروا مباهلة نصارى نجران وهو صغير، حيث أخذ النبي بيد فاطمة والحسن والحسين للمباهلة وقال: «هؤلاء بني». وجاء في بحار الأنوار أن النبي كان يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين.

توفي النبي محمد سنة 11 هـ، والحسين حينها بين السادسة والسابعة من عمره، وتذكر المراجع الشيعية أن الحسن والحسين كانا بجانب النبي عند وفاته. ولم تلبث عدة شهور حتى توفيت والدته فاطمة الزهراء، حيث توفيت في نفس السنة 11 هـ، واختُلِفَ في الشهر الذي توفيت فيه، فذهب جماعة من الباحثين إلى القول بأنها عاشت بعد أبيها 24 يومًا وتراوحت الأقوال ما بين 45 و85 و95 يومًا أو 100 يوم، وعلى قول آخر عاشت بعد أبيها بما يقارب 3 أشهر، ومنهم من أوصل ذلك إلى 6 أشهر.

سيرته في عهد الخلفاء الراشدين

في عهد أبي بكر وعمر

لا يُذكر عن الحسين الكثير في خلافة أبي بكر لصغر سنه حينها، أمَّا في عهد عمر بن الخطاب فقد كانت سياسته أن يُجل السبطين: الحسن والحسين، ويجعل لهما نصيبُا من الغنائم، ووردت إليه حُلل من وشي اليمن فوزعها على المسلمين ثم أرسل إلى عامله على اليمن أن يرسل له حلتين، فأرسلهما إليه فكساهما للحسن والحسين، وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما علي بن أبي طالب، وألحقهما بفريضة أهل بدر، وكانت خمسة آلاف دينار. يقول محمد باقر المجلسي صاحب بحار الأنوار: «ولمّا دوّن الدواوين بدأ بالحسن والحسين، فملأ حجرهما من المال، فقال له ابن عمر:تقدمهما عليّ ولي صُحبة وهجرة دونهما، فقال عمر: اسكت، لا أم لك، أبوهما خير من أبيك، وأمهما خير من أمك.»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:34 PM
في عهد عثمان

في عهد عثمان التحق الحسين بالجيش والجهاد، وذكر ابن خلدون أن جيش عقبة بن نافع في إفريقية كان عشرة ألاف ولم يستطع فتحها، وصالح أهلها على مال يؤدونه، ثم استأذن عبد الله بن أبي السرح عثمان أن يذهب لفتح إفريقية، وطلب منه أن يُمدّه بجيش من المدينة، فأرسل له عثمان جيشًا، فيه عبد الله بن عباس والحارث بن الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والحسن والحُسين، وفتحوها سنة 26 هـ أو 27 هـ. وفي سنة 30 هـ غزا الحسن والحُسين وابن عباس طبرستان تحت قيادة سعيد بن العاص، فلمّا وصلوا إليها فتحوها، وذكر المدائني: «أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة، فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف

في عهد علي

كانت إقامة الحسين بالمدينة المنورة حتى بويع علي بالخلافة، عزم على الخروج للعراق، فخرج معه وأخيه إلى الكوفة، ثم حدثت معركة الجمل وكان الحسين على الميسرة والحسن على الميسرة، وكذلك حضر معركة صفين وقتال الخوارج في معركة النهروان. بينما جاء في نهج البلاغة رواية تقول أن عليًا منع الحسن والحسين من المشاركة في المعارك وقال: «املكوا عني هذين الغلامين لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله».

قُتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم، حيث ضربه أثناء الصلاة بسيف مسموم، ثم حُمل على الأكتاف إلى بيته وقال: «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. ظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال. وبعد مماته تولى عبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه، وصلى عليه الحسن. وتذكر بعض المصادر أن الحسين لم يكن حاضرًا بالكوفة حينما قُتِلَ أبوه إنما كان في معسكر النخيلة قائدًا لفرقة من الجيش، فأرسل الحسن رسولًا إليه ليخبره، فقفل راجعًا إلى الكوفة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:34 PM
في عهد الحسن بن علي

لما قُتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي، بُويع ابنه الحسن للخلافة وذلك بعد أن اختاره الناس. وكان الحسين معاونًا لأخيه الحسن في بيعته بعد مقتل علي، وبويع له خليفةً للمسلمين في رمضان سنة 40 هـ، ثم حدث الصلح مع معاوية بن أبي سفيان سنة 41 هـ، وأطلق على ذلك العام عام الجماعة، وكان الحسين كارهًا للصلح لكنه قبل به انصياعًا لرأي أخيه، وموافقةً له. واجه الحسين المعارضين للصلح بالوقوف مع خيار أخيه، يقول باقر شريف القرشي: «لما أبرم أمر الصلح خف عدي بن حاتم ومعه عبيدة بن عمر إلى الإمام الحسين وقلبه يلتهب نارًا فدعا الإمام إلى إثارة الحرب قائلًا: يا أبا عبد الله شريتم الذل بالعز، وقبلتم القليل وتركتم الكثير، أطعنا اليوم، واعصنا الدهر، دع الحسن، وما رأى من هذا الصلح، واجمع إليك شيعتك من أهل الكوفة وغيرها وولني وصاحبي هذه المقدمة. فقال الحسين: إنا قد بايعنا وعاهدنا ولا سبيل لنقض بيعتنا.».

في عهد معاوية

ترك الحسن والحسين الكوفة بعد الصلح مع معاوية ورجعا إلى المدينة المنورة واستقرا بها، وكانت زعامة بني هاشم عند الحسن. وكانت الرسائل والكتب تأتي إلى الحسن من العراق تطلب أن ينصروه مرة أخرى، فيرفضها ويلقيها في الماءِ، فسألته جاريته عن هذه الكتب فقال: «من أهلِ العراقِ من قومٍ لا يرجعون إلى حقٍّ ولا يَقصُرونَ عن باطلٍ أما إني لست أخشاهم على نفسِي ولكني أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسينِ».

مرض الحسن قبل وفاته، فدخل عليه الحسين، وقال له: «يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك، فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب»، فقال الحسن: «يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط.»، فبكى الحسين.

أوصى الحسنُ أخاه الحسين أن يدفنه في حجرة عائشة مع النبي، وقال: «ادفني عند أبي، - يعني النبي - إلا أن تخافوا الدماء، فادفني في مقابر المسلمين.»، ونقل ابن عبد البر أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في حجرتها، قالت: «نعم وكرامة.»، ولكن منعهم مروان بن الحكم وكان والي المدينة المنورة، وقال: «لا ندعه يدفن مع رسول الله، أيدفن عثمان بالبقيع، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة.»، فتنازع الحسين ومروان، وكادا يتقاتلا، فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وجابر، وعبد الله بن عمر على الحسين ألا يقاتل، وقال له أبو هريرة: «أنشدك الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء.»، فدفنوه بالبقيع عند قبر فاطمة بنت أسد.

ولما توفي الحسن اجتمع أنصاره في الكوفة في دار سليمان بن صرد وكتبوا إلى الحسين بالتعزية، وقالوا: «إن الله قد جعل فيك أعظم الخلف ممن مضى، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، المنتظرة لأمرك.»، فرد الحسين عليهم: «إني لأرجو أن يكون رأي أخي رحمه الله في الموادعة، ورأيي في جهاد الظلمة رشدًا وسدادًا، فألصقوا بالأرض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوى، واحترسوا من الأظاء ما دام ابن هند حيًا، فإن يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله.»، واستمر الحسين في الحفاظ على عهد أخيه مع معاوية طوال حياة معاوية. وظلَّ الوضع كذلك حتى وفاة معاوية في شهر رجب سنة 60 هـ الموافق أبريل سنة 680م؛ لكن معاوية قد جعل أهل الشام والمدينة يُبايعون ابنه يزيد، مما كان سببًا في تطور الأحداث بعد وفاة معاوية. قال ابن كثير الدمشقي: «لما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما معاوية إكرامًا زائدًا، ويقول لهما: مرحبا وأهلا، ويعطيهما عطاءً جزيلًا. وقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال: خذاها وأنا ابن هند، والله لا يعطيكماها أحد قبلي ولا بعدي. فقال الحسين: والله لن تعطي أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلا أفضل منا. ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه، وقد كان في الجيش الذين غزوا القسطنطينية مع ابن معاوية يزيد، في سنة إحدى وخمسين. ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية كان الحسين ممن امتنع من مبايعته، هو وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر، وابن عباس، ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:35 PM
بيعة يزيد

خروج الحسين إلى مكة


توفي معاوية بن أبي سفيان ليلة النصف من رجب سنة 60 هـ، وكان يزيد بن معاوية بحوَّارين، فعاد وبايعه أهل الشام، وكتب يزيد إلى الوليد بن عتبة والي المدينة المنورة: «أن ادع الناس فبايعهم وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي، فإن أمير المؤمنين عهد إلي في أمره الرفق به واستصلاحه.». وطلب منه أيضًا أن يأخذ البيعة من عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب، فطلبهم الوليد للحضور عنده.

تتضارب الروايات بعد ذلك، فيؤكد البلاذري أن الحسين وابن الزبير تشاغلا عنه، وقالا: «نصبح وننظر ما يصنع الناس»، ثم رحلا في جوف الليل إلى مكة. بينما يذكر خليفة بن خياط أن الحسين وابن الزبير حضرا عند الوليد ورفضا البيعة، ثم توجها إلى مكة كلٌ على حدا، فطلبوهما في الصباح فلم يجدوهما، فأرسل الوليد ثلاثين راكبًا على أثرهما فلم يلحقوهما، فقام مروان بن الحكم بمراسلة يزيد ليخبره بما حدث، فعزل يزيد الوليد بن عتبة عن ولاية المدينة وولّى عمرو بن سعيد الأشدق. فلما قدما مكة سكن الحسين في دار العباس بن عبد المطلب، ولزم ابن الزبير المسجد الحرام، وجعل يحرض الناس على بني أمية.

موقف الحسين من بيعة يزيد

يُرجع المؤرخون والباحثون رفض الحسين لبيعة يزيد إلى عدة أسباب، منها الحرص على مبدأ الشورى والاعتراض على طريقة بيعة يزيد في حياة والده، وأن هذه الطريقة في أخذ البيعة لا تشابه طريقة بيعة الخلفاء الراشدين، وهو نفس السبب الذي رفض لأجله عبد الرحمن بن أبي بكر بيعة يزيد حيث قال: «أهرقليّة؟!، إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا من أهل بيته». ومنها عدم وجود الأفضلية في يزيد، وأن هناك من هو أفضل منه مثل الحسين، كما يرى بعض المُحللين أن السبب هو عدم التزام معاوية بشروط الحسن في الصلح والتي من ضمنها ما ذكره ابن حجر الهيتمي: «بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين».

خروج الحسين إلى الكوفة


رسائل أهل الكوفة إلى الحسين

لما علمت شيعة الكوفة بموت معاوية بن أبي سفيان وخروج الحسين إلى مكة، ورفضه البيعة ليزيد بن معاوية تذكروا وصية الحسين التي أوصاها أياهم بعد أن تمت بيعة معاوية، حيث أن شيعة الحسن والحسين قد اعترضوا على الصلح إلا أن الحسين طلب منهم الهدوء والموادعة وعدم المعارضة حتى يموت معاوية، يقول الذهبي في هذا الخصوص: «بلغنا أن الحسين لم يعجبه ما عمل أخوه من تسليم الخلافة إلى معاوية، بل كان رأيه القتال، ولكنه كظم وأطاع أخاه وبايع.» فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي واتفقوا على أن يقوموا بمراسلته ودعوته، فكتبوا له: «إنا لا نصلي مع النعمان بن بشير -والي الكوفة- جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، فأقبل علينا، فإن أقبلت أخرجنا النعمان إلى الشام.» وهذا الكتاب: من سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر الأسدي. ثم بعد يومين أرسل شيعة الكوفة ثلاثة رسل حملوا معهم نحوًا من ثلاث وخمسين صحيفة، والصحيفة الواحدة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم بعد يومين آخرين أُرسلت رسالة مع هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي، جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين، أما بعد، فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك، ولا أرى لهم في غيرك فالعجل العجل، والسلام عليك.» وكتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي: «أما بعد، فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فاقدم على جندٍ لك مجند؛ والسلام عليك.»

بعد أن رأى الحسين كثرة الرسائل التي وصلته وهو بمكة، وجميعها يؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، وسأل الرسل عن أمر الناس، قام بكتابة رسالة قال فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. من حسين بن علي إلى الملإ من المؤمنين والمسلمين؛ أما بعد، فإن هانئًا وسعيدًا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم: إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكًا إن شاء الله؛ فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله. والسلام.»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:36 PM
عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة

إرسال مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة

يرجع الباحثون بناء على ما سبق أن الحسين قد فهم من تلك الرسائل المتلاحقة من الكوفة الرغبة الصادقة في نفوسهم، وأنهم قد نبذوا إمامهم، ولم يعترفوا بيزيد، وأنهم سيخرجون أمير الكوفة النعمان بن بشير وأنهم في حاجة لإمام يجتمعون عليه، وهذا الإمام هو الحسين بن علي. وأن الحسين لم يفكر في الخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفة ليعترفوا له إنه ليس عليهم إمام، وأنهم يدعونه مرحبين به وطائعين له. فلذلك قرر التوقف والتأكد من صحة هذه الرسائل التي وصلته، فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمره أن ينظر في أهل الكوفة وأن يستجلي حقيقة الأمر، ويعطيه تفصيلًا عن الوضع السائد في الكوفة، فإن كان ما يقولون حقًا قدم عليهم. خرج مسلم بن عقيل بصحبة عبد الرحمن الأرحبي، وقيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبيد السلولي. فلما وصل مسلم المدينة المنورة أخذ معه دليلين، وفي الطريق إلى الكوفة تاهوا في البرية ومات أحد الدليلين عطشًا، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، وذلك بسبب إحساسه لمدى الصعوبات التي تنتظره في الكوفة، ولكن الحسين رفض طلبه، وأمره بمواصلة المسير. ولما وصل مسلم إلى الكوفة نزل عند المختار بن أبي عبيد الثقفي في أول قدومه، فلما جاء عبيد الله بن زياد وتولى إمارة الكوفة، وأخذ يشدد على الناس، انتقل مسلم عند هانئ بن عروة، ولما بدا الشك يساور ابن زياد من هانئ بن عروة انتقل مسلم بن عقيل أخيرًا عند مسلم بن عوسجة الأسدي. ولما بلغ أهل الكوفة قدوم مسلم بن عقيل قدموا إليه، فبايعه اثنا عشر ألف، وتذكر بعض الروايات أن عدد المبايعين أكثر من ثلاثين ألفًا. تمت المبايعة بصورة سرية مع تحرص شديد، ولما تأكد لمسلم بن عقيل رغبة أهل الكوفة في الحسين وقدومه إليهم كتب إلى الحسين: «أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، إن جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تنظر في كتابي.» ولما وصل كتاب مسلم إلى الحسين وتحقيقًا لوعده بالقدوم إلى الكوفة بعد أن يتبين من أهلها، تجهز الحسين، وعزم على المضي إلى الكوفة بأهله وخاصته.

مواقف الصحابة والتابعين من خروج الحسين إلى الكوفة

لما انتشر أن الحسين قد عزم على الخروج إلى الكوفة للصحابة والتابعين، قامت مجموعة كبيرة منهم بتقديم النصح له بعدم الخروج إليها لعدم ثقتهم في نوايا أهل العراق وأجمعوا على أن أهل العراق قوم غدر، ولخوفهم من مقتل الحسين، يقول ابن كثير الدمشقي: «ولما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك، وحذروه منه، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق، وأمروه بالمقام بمكة، وذكروه ما جرى لأبيه وأخيه معهم.»

ومن هؤلاء أخوه محمد بن الحنفية، حيث قدم عليه وقال: «يا أخي أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك تنح، بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فان بايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصرًا من هذه الأمصار، وتأتي جماعة من الناس، فيختلفون بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأول الأسنَّة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسًا وأبًا وأمًا، أضيعها دمًا وأذلها أهلًا.» فقال له الحسين: «فإني ذاهب يا أخي.» قال: «فانزل مكة، فإذا اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنتظر إلى ما يصير إلى ما يصير أمر الناس، وتعرف عند ذلك الرأي، فإنك أصوب ما تكون رأيًا وأحزمه عملًا حيث تستقبل الأمور استقبالًا، ولا تكون الأمور عليك ابدًا أشكل منها حين تستدبرها استدبارًا.» قال: «يا أخي قد نصحت فأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديدًا.» وقد أورد هذا الخبر ابن الأثير الجزري وأورده محمد باقر المجلسي بنحوه.

وممن نصحه بعدم الخروج إلى الكوفة أيضًا عبد الله بن عباس، فلما بلغه خبر عزمه على ذلك ذهب إليه، وقال: «يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيِّن لي ما أنت صانع؟» قال: «قد أجمعت المسير في أحد يومَي هذين إن شاء الله - تعالى -» فقال له ابن عباس: «أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حياً وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمنُ عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك.» فقال الحسين «إني أستخير الله وأنظر ما يكون.» وجاء ابن عباس إلى الحسين من الغد فقال: «يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاكَ، إن أهل العراق قوم غدرٌ فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن؛ فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعةً، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب.» فقال الحسين: «يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير.» فقال له: «فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه... فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك.» وقد أورد هذا الخبر ابن الأثير الجزري. وأورد محمد بن جرير الطبري رواية مشابهة.

وقد تتابعت النصائح من الصحابة والتابعين التي تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة خوفًا عليه، ومن الذين نصحوه بعدم الخروج: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن مطيع، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وكتب إليه عمرة بنت عبد الرحمن، وعمرو بن سعيد الأشدق. إلا أن هذه النصائح لم تؤثر هذه النصائح في موقف الحسين حيال خروجه إلى الكوفة، بل عقد العزم على الخروج، فأرسل إلى المدينة المنورة، وقدم عليه من خف من بني عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلًا، ونساء وصبيان من أخوته وبناته ونسائهم. فتبعهم محمد بن الحنفية، وأدرك الحسين قبل الخروج من مكة فحاول أن يثني الحسين عن خروجه هذا ولكن الحسين أبى أن يقبل. وجاءه عبد الله بن عباس ونصحه فأبى إلا الخروج، فقال له ابن عباس: «لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال، لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أستحل حرمتها -يعني مكة المكرمة-» فقال ابن عباس فيما بعد: «وكان ذلك الذي سلَّى نفسي عنه.»

أخذ الحسين يجهز ويعد العدة فخرج في يوم التروية 18 ذي الحجة سنة 60هـ، وخرج معه أهل بيته، وقيل خرج معه ستون شيخًا من أهل الكوفة، ولم تتوقف المحاولات الهادفة للحيلولة بين الحسين وبين الكوفة، فكتب إليه عبد الله بن جعفر مع ابنيه محمد وعون، ولكن الحسين رفض الرجوع، فظن عبد الله بن جعفر أن سبب خروج الحسين هو خوفه من الوالي عمرو بن سعيد بن العاص فذهب إليه، وطلب منه أن يكتب كتابًا يؤمِّنه فيه ويعده بالخير، وكان رد عمرو بن سعيد أن قال لعبد الله بن جعفر: اكتب ما شئت وائت به أختمه. فكتب إليه مرة أخرى ولكن الحسين رفض هذا العرض وواصل مسيره نحو الكوفة. ولما سمع أبو واقد الليثي باقتراب الحسين من المدينة خرج إليه وأدركه، وأكد له أن خروجه هذا فيه مقتله، ورفض الحسين هذا الطلب أيضًا.

ولما علم عبد الله بن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين: «أين وجهتك؟» فقال: «أريد العراق»، ثم أخرج إليه كتب القوم ثم قال: «هذه بيعتهم وكتبهم»، فناشده الله أن يرجع، فأبى الحسين، ثم قال ابن عمر: «أحدثك بحديث ما حدثت به أحدا قبلك: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته، ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقى أبوك منهم»، فأبى، فاعتنقه وقال: «استودعتك من قتيل». وكان ابن عمر يقول بعد ذلك: «غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري! لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير».

يرى الشيعة أن خروج الحسين كان بأمر إلهي، حيث أنه الإمام بعد أبيه وأخيه، وأنه التزم بالتقية والعهد الذي قطعه على نفسه في صلح الحسن مع معاوية، ولم يدع إلى مبايعته ولم يعلن عن إمامته، إلا أنه أفصح عنها بعد موت معاوية، ووضح للناس عن مكانته عند الله وعظم مقامه، وخرج لمكة بعد انتهاء الهدنة التي كانت بينه وبين معاوية والتي انتهت بموته.

يشير بعض الباحثون إلى سبب إصرار الحسين على رأيه بالرغم من نصائح الصحابة وكبار التابعين، أن الحسين أدرك أن يزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله بالقوة على البيعة، بسبب كثرة توافد الرسل إلى الحسين من الكوفة وانتشار أمره فيها، وكذلك خشية الحسين من وقوع مجابهة بينه وبين أتباعه من جهة وبين الأمويين من جهة أخرى في مكة المكرمة جعله يفكر في الخروج سريعًا منها، وهو ما أكده لابن عباس خوفًا من استحلال حرمتها، بالإضافة إلى الصورة المشرقة التي نقلها له ابن عمه مسلم بن عقيل لحالة الكوفة بناء على ما سمعه ورآه من أهلها، فقد أوصل مسلم للحسين أن الكوفة كلها مبايعة، وأن النصر قريب، ولاستثمار هذا الإنجاز فلا بد من أن يسارع الحسين بالذهاب إلى هناك.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:37 PM
موقف يزيد من أحداث الكوفة وتولية عبيد الله بن زياد

لم تغب عن يزيد بن معاوية تحركات الحسين، وخروجه من المدينة رافضًا البيعة ثم استقراره بمكة وعلاقته مع الكوفيين. ولما تأكد له تصميم الحسين على الاستجابة لدعوة أهل الكوفة كتب إلى عبد الله بن عباس شيخ بني هاشم في عصره وعالم المسلمين قائلًا: «نحسب أن رجالًا أتوه من المشرق فمنوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.» وكتب له مجموعة أبيات أشار فيها إلى خوفه من أن يحدث بينه وبين الحسين مصادمة، والاعتصام بحبال السلم، فكتب إليه ابن عباس: «إني لأرجو أن لا يكون خروج حسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة وتُطفى بها الثائرة».

وفي تلك الأثناء كانت الأحداث تتسارع، وذلك بعدما أخذ شيعة الكوفة يتوافدون على مسلم بن عقيل ويبايعونه، وعندما أحس النعمان بن بشير والي الكوفة بخطورة الوضع قام فخطب بالناس، ونصح الناس بعدم المسارعة إلى الفتنة والفرقة، وقال: «إني لم أقتل من لم يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، لا أشاتمكم ولا أتحرش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنة والتهمة، ولكن إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولم لم يكن لي منكم ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر من يرديه الباطل.» وقد كان النعمان رجلًا مسالمًا، فكان يتورع عن استعمال الشدة وسفك الدماء، فأثارت سياسته هذه حفيظة أحد الناصحين للأمويين وأحد الموالين لهم في الكوفة، فقام إلى النعمان بن بشير وبين له أن طريقته هذه إنما هي طريقة المستضعفين وأنه يجب عليه أن ينهج سياسة البطش والقوة حيال المترصين بأمن الكوفة، إلا أنه رد عليه بأنه يراقب الله في سياسته.

وصلت هذه الأخبار إلى يزيد، ولم تعجبه سياسة النعمان فعزله عن ولاية الكوفة وعين بدله عبيد الله بن زياد وكتب إليه: «إن شيعتي من أهل الكوفة كتبوا إلى يخبروني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة، حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام.» ولما وصل الكتاب إلى ابن زياد تهيأ وسار فورًا إلى الكوفة، وأقبل عليها متلثمًا والناس قد بلغهم إقبال الحسين إليهم، فهم ينتظرون قدومه، فظنوا حين قدم عبيد الله أنه الحسين بن علي، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبًا بك يا ابن رسول الله، قدمت خير مقدم، فلما أكثروا صاح فيهم أحد أتباعه وقال: تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد. فلما نزل في القصر نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وخرج إليهم ثم خطبهم ووعد من أطاع منهم خيرًا، وتوعد من خالف بالشر.

مقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة

حرص عبيد الله بن زياد على حصر الفئات المعارضة، وبالأخص تلك الفئات التي تساعد مسلم بن عقيل، وعمل على مجموعة من الإجراءات لضبط الوضع الأمني في الكوفة، وكذلك نجح في عرقلة خطط مسلم بن عقيل حيث اختلت خططه وترتيباته بسبب هذه الإجراءات الصارمة، ثم استطاع أن يوقع بهانيء بن عروة مستضيف مسلم، وقام بحبسه في قصره، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج بأربعة آلاف وحاصر قصر عبيد الله بن زياد وخرج أهل الكوفة معه، وكان عند ابن زياد في ذلك الوقت أشراف الكوفة فقال لهم خذلوا الناس عن مسلم ووعدهم بالعطايا، وخوفهم بجيش الشام، فصار الأمراء يخذلون الناس عن مسلم، وتأتي المرأة إلى ولدها وتأخذه، ويأتي الرجل إلى أخيه ويأخذه، ويأتي أمير القبيلة فينهى الناس عنه، حتى لم يتبق معه إلا ثلاثون رجلًا من أربعة آلاف، وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ذهب كل الناس عنه، وبقي وحيدًا يمشي في طرقات الكوفة لا يدري أين يذهب، فطرق الباب على امرأة من كندة وطلب منها الماء فأسقته، وأخبرها عن حاله وكشف لها عن اسمه، واشتكى لها بمرارة من خيانة أهل الكوفة له، فرقت لحاله ثم أدخلته في أحد غرف بيتها، فلما قدم ولدها أخبرته بما حصل، وطلبت منه ألا يخبر أحدًا إلا أنه ذهب إلى محمد بن الأشعث فأخبره الخبر، وذهب الأخير إلى عبيد الله بن زياد وأخبره بأمر مسلم، فأرسل ابن زياد الشُرط إلى مسلم، فخرج وسل سيفه وقاتل، إلا أنهم تمكنوا من أسره بعد معركة قصيرة بعدما جُرح. فلما أتي به إلى ابن زياد أخبره أنه سيقتله، وعندما أحس بحزمه خشي على الحسين بن علي الذي كان في طريقه إلى الكوفة، وطلب منه أن يوصي، فنظر مسلم في جلسائه وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فدعاه إلى ناحية القصر وطلب منه أن يبعث إلى الحسين فقال: «يا عمر، إن حسينًا قدم ومعه تسعون إنسانًا بين رجل وامرأة في الطريق إلى الكوفة، فاكتب إليه بما أصابني.» وقال كذلك كلمته المشهورة: «ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي.» وطلب منه أن يدفن جثته، ويقضي عنه دينه. ثم أمر ابن زياد به فقُتل. وقتل كذلك هانئ بن عروة وصلبه في السوق، واثنين من مناصري مسلم وصلبهما كذلك في السوق. وكان مقتل ابن عقيل في يوم 9 ذي الحجة سنة 60 هـ

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:37 PM
وصول الحسين إلى الكوفة

لما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين من مكة إلى الكوفة، بعث الحصين بن نمير السكوني صاحب الشرطة حتى نزل القادسية، ونظم الخيل بين القادسية إلى خفان، وما بين القادسية إلى القطقطانة. ولما بلغ الحسين الحاجر من بطن الرمة،(1) بعث قيس بن مسهر الصيداوي، ويقال بل بعث عبد الله بن بقطر إلى أهل الكوفة، - ولم يكن يعلم بعد بمقتل مسلم بن عقيل - فوقع الرسول بيد الحصين بن نمير، فأرسله إلى عبيد الله بن زياد فقتله. ولمّا بلغ الحسين زبالة،(2) وقيل شراف،(3) جاءه خبر مقتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر وخذلان أهل الكوفة له. فخطب الحسين في أتباعه: «إنه قد أتانا خبر فظيع، قُتِلَ مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام.»، فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينًا وشمالًا، وبقي معه فقط أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر قليل. وقال له بعض أصحابه: «ننشدك الله إلا رجعت من مكانك فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف عليك أن يكونوا عليك»، فوثب بنو عقيل وقالوا: «والله لا نبرح حتى يدرك ثأرنا أو نذوق كما ذاق مسلم»، فقال الحسين: «لا خير في العيش بعد هؤلاء»، فقال له بعض أصحابه: «إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع». وكان لا يمر بماء إلا أتبعه من على هذا الماء

ملاقاة الحر بن يزيد

لمّا علم الحصين بن نمير السكوني قرب وصول الحسين وجّه إليه الحر بن يزيد الرياحي التميمي ومعه ألف فارس إلى الحسين، وقال: «سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة، وجعجع به»، فذهب الحر بن يزيد. وكان الحسين مستمرًا في سيره مع من تبقى معه من أهله وأصحابه حتى وصل إلى شراف، وأمر أصحابه أن يستقوا ويُكثروا. فبينا هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه فقال له الحسين: «الله أكبر، لم كبرت؟»، قال: «رأيت النخل»، فقال له جماعة من أصحابه: «والله إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط»، فقال الحسين: «فما تريناه رأى»، قالوا: «نراه رأى هوادي الخيل». فوجدوا الخيل على رأسها الحر بن يزيد الرياحي، فقابله، وصلوا العصر وراء الحسين جميعًا. فلمّا انتهوا قال له الحر: «إني لم أؤمر بقتالك، إنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفا، حتى أكتب إلى الأمير. وتكتب إلى يزيد أو إلى عبيد الله فلعل الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك».

فسار الحسين مع الحر من طريق العُذَيْب،(4) حتى نزل الجوف مسقط النجف، فنزل بقصر أبي مقاتل، وسار الحر في أصحابه يسايره وهو يقول له: «يا حسين إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن»، فقال له الحسين: «أفبالموت تخوفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه، وهو يريد نصرة رسول الله فخوفه ابن عمه وقال: أين تذهب؟ فإنك مقتول، فقال:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقًا وجاهد مسلمًا
وآسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبورًا وباعد مجرمًا
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم كفى بك ذلًا أن تعيش وترغما
». فظل سائرًا حتى نزل بكربلاء، فقال: أي منزل نحن به؟، فقال: كربلاء، فقال: يوم كربِ وبلاء.

ملاقاة عمر بن سعد بن أبي وقاص والمفاوضات

لما وصل الحسين كربلاء لقى عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن والحصين بن تميم في جيش مكون من أربعة آلاف مقاتل، وكان وجهة هذا الجيش في الأصل إلى الري، حيث كان عمر بن سعد أميرًا على الري، لكنّ ابن زياد أمره أن يتوجه لملاقاة الحسين في كربلاء، في المنطقة التي يُطلق عليها الطف،(5) وذكر محمد بن سعد البغدادي وغيره أن عمر بن سعد كره الخروج للحسين، وطلب من ابن زياد أن يعفيه من ذلك، لكن ابن زياد هدده بعزله وهدم داره وضرب عنقه إن لم يفعل. فتوجه عمر بن سعد إلى الحسين، فلما أتاه، بيّن له الحسين أنه لم يأت إلى الكوفة إلا بطلب من أهلها، ومعه كتب أهل الكوفة وأسماء المبايعين له، وقال له الحسين:

الحسين بن علي اختر واحدة من ثلاث:
إما أن تدعوني فألحق بالثغور.
وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد.
وإما أن تدعوني فأذهب من حيث جئت.
الحسين بن علي
فقبل عمر بن سعد عرض الحسين، وظن أن الموقف قد حُلَّ، وكتب إلى ابن زياد يخبره بعرض الحسين، لكن ابن زياد رفض العرض حتى يقبل الحسين أن ينزل على حكمه، وأرسل رسالته إلى عمر بن سعد مع شمر بن ذي الجوشن قائلًا: «لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي!»، وأمر شمر ألا يقبل من الحسين غير أن ينزل على حكمه. فقام عمر بن سعد وعرض على الحسين أن ينزل على حكم ابن زياد وإلا القتال، وكان ذلك في يوم الخميس 9 محرم 61 هـ، فطلب منه الحسين مهلة حتى الصباح، وأخبر الحسين أصحابه أنهم في حلَّ من طاعته، لكن أصحابه أصروا على القتال معه حتى النهاية.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:38 PM
مقتل الحسين

خرج ابن زياد إلى النخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وضبط الجسر، وبدأ بعض أهل الكوفة يتسللون لنصرة الحسين. وفي صباح يوم الجمعة 10 محرم 61 هـ، عزم الحسين وأصحابه على القتال، وكان معه 32 فارسًا و40 راجلًا، فجعل زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر الأسدي على الميسرة، وأعطى الراية للعباس بن علي. وجعل البيوت وراء ظهورهم وأتى بحطب وقصب وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوا وراء ظهورهم. وأما عمر بن سعد فجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجال شبث بن ربعي، وأعطى الراية ذويدًا مولاه.

وانضم إلى الحسين ثلاثون رجلًا من أعيان الكوفة من جيش عمر بن سعد، وقالوا: «عرض عليكم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا؟». كما انضم الحر بن يزيد الرياحي إلى الحسين، وقال لعمر بن سعد ومن معه: «ألا تتقون الله؟ ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم، والله لو سألتكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوهم»، ثم ضرب الحر وجه فرسه وانطلق إلى الحسين، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين ثم قتل.

وبدأ جيش عمر بن سعد بالقتال، وأصحاب الحسين يدافعون عنه، وحمل عمرو بن الحجاج الزبيدي على ميمنة أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دنا من الحسين جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا منهم رجالًا وجرحوا منهم آخرين. ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين من ناحية الفرات فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة، ثم حمل شمر بن ذي الجوشن على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، فلما رأى الحصين بن نمير السكوني - وكان على الرماة - صبر أصحاب الحسين تقدم إلى أصحابه - وكانوا خمسمائة نابل - أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال، ولم يزل يتقدم رجل رجل من أصحاب الحسين فيقتل؛ حتى قُتلوا جميعًا، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر. فقُتِلَ من أهله بيته ابنه علي الأكبر، وأخوته: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، وأبناء أخيه الحسن: القاسم وأبو بكر وعبد الله، وبنو عقيل: جعفر بن عقيل وعبد الرحمن بن عقيل وعبد الله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل، وأبناء عبد الله بن جعفر الطيّار: عون ومحمد.

فلمّا قُتلوا لم يجرؤ أحد على قتل الحسين خشية أن يبوء بقتله، فقام شمر بن ذي الجوشن وصاح في الجنود وأمرهم بقتل الحسين، فضربه زرعة بن شريك التميمي، وطعنه سنان بن أنس، واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التعلبي، وزيد بن رقادة الحيني، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي. وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونسائه ومن كان معه من الصبيان إلى ابن زياد.

موقف يزيد بعد مقتل الحسين

كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد يخبره بما حدث، ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه، وحسب الروايات السُنِّية فإن يزيد بكى وقال: «قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين.»، وأن يزيد رد على ابن زياد أن يرسل أهل بيت الحسين إليه، فأعطاهم ذكوان أبو خالد عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها، واختلف علماء السنة في رأس الحسين هل سيره ابن زياد من الكوفة إلى يزيد بالشام أم لا، والذي جاء في صحيح البخاري أنه حُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد، فعن أنس بن مالك قال: «أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين عليه السلام، فجعل في طست، فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوبا بالوسمة». وجاء في روايات أخرى أن الرأس حُمل إليه، وحسب الروايات السُنِّية أيضًا فإن فاطمة بنت الحسين لمّا دخلت على يزيد قالت: «يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا!» فقال: «بل حرائر كرام، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلن.»، ثم بعث يزيد بهم إلى المدينة المنورة، وأمر النعمان بن بشير أن يقوم بمصاحبتهم. يقول ابن كثير الدمشقي: «وأكرم آل بيت الحسين، ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في تجمل وأبهة عظيمة، وقد ناح أهله في منزله على الحسين مع آله - حين كانوا عندهم - ثلاثة أيام».

أمّا حسب الروايات الشيعِّية فإن من بقي من النساء والأطفال وعلي بن الحسين السجاد أُخذوا كأسرى مقيّدين بالسلاسل إلى بلاد الشام، حيث يقيم يزيد، وأحضروهم إلى مجلسه، وكان قد وضع رأس الحسين في إناءٍ أمامه، ضاربا إياه بعصاه، شامتًا فيه، فخطبت زينب بنت علي بن أبي طالب الخطبة المعروفة في التراث الشيعي بخطبة زينب في مجلس يزيد، التي رواها سيد بن طاووس. يقول أبو منصور الطبرسي: «أنه لما دخل علي بن الحسين وحرمه على يزيد، وجيء برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده، فلما رأت زينب ذلك فأهوت إلى حبيبها فشقت، ثم نادت بصوت حزين تقرع القلوب، يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا ابن مكة ومنى! يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء! يا ابن محمد المصطفى. فأبكت والله كل من كان، ويزيد ساكت، ثم قامت على قدميها، وأشرفت على المجلس، وشرعت في الخطبة.»

نبوءة مقتل الحسين

روي عن النبي عدة مرويات أنه أخبر بأن الحُسين سيُقتل، منها أن جبريل أو ملك المطر أخبره بذلك، ومنها أنه رأى رؤيا بذلك، فروى أحمد بن حنبل في مسنده عن أنس بن مالك قال: «اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ لأم سلمة رضي الله عنه: «احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلْ أَحَدٌ» فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ فَجَعَلَ يَصْعَدُ عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «نَعَمْ» قال: فَإِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، قال: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ، فأخذت أم سلمة ذَلِكَ التُّرَابَ فَصَرَّتْهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهَا، قال: فَكُنَّا نَسْمَعُ: يُقْتَلُ بِكَرْبَلَاءَ.». وروى البيهقي في سننه عن أم سلمة أنها قالت: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَرَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، دُونَ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، مَّ اضْطَجَعَ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يُقَلِّبُهَا، فقلت: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «أَخْبَرَنِي جبريل أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ - لِلْحُسَيْنِ -»، قال: قلت له: يَا جِبْرِيلُ، أرِنِي تُرْبَةَ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَهَذِهِ تُرْبَتُهَا.». وكذلك قوله: «لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ»، وأخرج ابن السكن والبغوي عن أنس بن الحارث الكاهلي عن النبي محمد أنه قال: «إن إبني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره». وغير ذلك من الروايات.

ورُوي عن ابن عباس أنه رأى النبي في المنام في اليوم الذي قُتل فيه الحسين فقال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ، أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟، قَالَ: دَمُ الْحُسَيْنِ، وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ

رثاء الحسين

رثى الحسين الكثير من معاصريه منهم: سليمان بن قتة العدوي، وعبيد الله بن الحر الجعفي، وعقبة بن عمرو السهمي، وأبو الرميح الخزاعي، ويزيد بن مفرغ الحميري، ووهب بن زمعة، وبشر بن حذلم، وعبد الله بن عمرو البدي، وأبو الأسود الدؤلي، وعامر بن يزيد العبدي، والفضل بن العباس، وعوف بن الأحمر الأزدي، والمغيرة بن نوفل، وعبد الله بن الزبير، وخالد بن المهاجر، ورثاه من شعراء العصر الأموي: عبد الله المعتز، وديك الجن وأبو فراس الحمداني، ومن العصر الحديث رثاه محمد إقبال، وغيرهم من الشعراء. فرُوي أن زينب بنت علي بن أبي طالب أو زينب بنت عقيل بن أبي طالب يوم قُتل الحسين أخرجت رأسها من الخباء وهي رافعة عقيرتها بصوت عال تقول:

ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بشر في ذوي رحمي

ويقول أبو الأسود الدؤلي:

أقولُ وذاكَ من جزعِ ووجد أزالَ الله ملكَ بني زياد
وأبعدهُم كما غَدروا وخانَوا كما بعُدت ثمود وقوم عادِ
ولا رجَعت ركائَبهم إليهم إلى يوم القيامةِ والتـَنادِ
هُـمُ جَدَعُوا الأنـُوفَ وكُـنّ شماً بقتلِهـِمُ الكريمَ أخى مُرادِ
قتيلُ السّـوقِ يالـَكَ مِنْ قتيلِ بـه نضجمـِن أحمَد كالجساد
وأهل نبينا من قبل كانوا ذوي كرم دعائم للبلاد
حسين ذو الفضول وذو المعاني يزين الحاضرين وكل باد

وقال سليمان بن قتة:

إنّ قتيل الطّف من آل هاشم أذلّ رقاباً من قريش فذلّت
مررت على أبيات آل محمّد فألفيتها أمثالها حيث حُلّت

وقال عبيد الله بن الحر الجعفي:

يا لك حسرةً ما دمت حيًا تردد بين حلقي والتراقي
حسينًا، حين يطلب بذل نصري على أهل العداوة والشقاق
ولو أني أواسيه بنفسي لنلت كرامةً يوم التلاقي
مع ابن المصطفى، نفسي فداه! فيا لله من ألم الفراق
غداة يقول لي بالقصر قولاً: أتتركنا وتزمع بانطلاق
فلو فلق التلهف قلب حي لهم اليوم قلبي بانفلاق!
فقد فاز الألى نصروا حسينًا وخاب الآخرون أولو النفاق

وقال يحيى بن الحكم:

لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
سمية أمسى نسلها عدد الحصى وبنت رسول الله ليس لها نسل!

مكان رأس الحسين


هناك اختلاف في تحديد موضع دفن رأس الحسين عند عامة الناس، ويرجع ذلك إلى اختلاف المشاهد التي يُدعى وجود رأس الحسين في كل منها، حيث توجد مشاهد يُقال أن بها رأس الحسين في دمشق وكربلاء والقاهرة، وادعى بعض المؤرخين وجوده في أماكن أخرى مثل الرقة وعسقلان والمدينة المنورة، ورجّح أخرون أن مكان الرأس مجهول، فأنكر الفضل بن دكين على من يعرف مكان قبر الحسين، وذكر محمد بن جرير الطبري أن موضع مقتله عُفى أثره حتى لم يستطع أحد تحديده.

يذهب عدد من علماء أهل السنة أن الرأس مدفوع بالبقيع بالمدينة المنورة، فروى محمد بن سعد البغدادي أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد الأشدق والي المدينة فدفنه عند قبر أمه فاطمة بالبقيع، وذكره أيضًا البلاذري وأبو يعلى الهمداني والزبير بن بكار وابن أبي الدنيا وابن الجوزي وأبو المؤيد الخوارزمي، وأكّد عليه ابن تيمية وقال: «أن الذي ذكره من يعتمد عليه من العلماء والمؤرخين: أن الرأس حمل إلى المدينة، ودفن عند أخيه الحسن».

والمشهور عند الشيعة أن الرأس مدفون مع الجسد في كربلاء، وأن علي بن الحسين السجاد أخذه معه وردّه إلى كربلاء بعد أربعين يومًا من مقتله أي يوم 20 صفر، وهو ما يُطلع عليه ذكرى الأربعين، نقل ذلك ابن شهر آشوب وقال أنه المشهور بين الشيعة، ونقله أيضًا الشريف المرتضى والطوسي وغيرهم.

وقيل أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي، فأُخِذَ من خزانته فكُفِّنَ ودُفِنَ داخل باب الفراديس من مدينة دمشق، وقيل في حائط بدمشق، ومنهم من قال في دار الإمارة، ومنهم من قال في المقبرة العامة لدفن المسلمين، وانفرد سبط ابن الجوزي بقوله أن الرأس بمسجد بالرقة على نهر الفرات.


مسجد الإمام الحسين بالقاهرة حيث يظن البعض أن رأس الحسين هناك.
وقيل أن الرأس طيف به حتى دُفن بعسقلان، وذكر ابن بطوطة في رحلاته أن بها مشهد للحسين، تروي بعض الروايات ومن أهمها المقريزي أنه بعد دخول الصليبيين إلى دمشق واشتداد الحملات الصليبية قرر الفاطميون أن يبعدوا رأس الحسين ويدفونه في مأمن من الصليبيين وخصوصا بعد تهديد بعض القادة الصليبيين بنبش القبر، فحملوه إلى عسقلان ودفن هناك، وقيل بل تم في بداية القرن الثاني الهجري في عهد عمر بن عبد العزيز بعد سنة 101 هـ، وقيل مع قيام الدولة العباسية سنة 132 هـ، وهذا امتداد للرأي الذي يقول أن الرأس كان موجودًا في دمشق.

وقيل أن موضع الرأس في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة، وهو أيضا امتداد للرأي السابق حيث يروي المقريزي أن الفاطميين قرروا حمل الرأس من عسقلان إلى القاهرة وبنوا له مشهدًا كبيرًا، وهو المشهد القائم الآن في حي الحسين في القاهرة، وذكروا أنه لما استولى الصليبيين على عسقلان قام وزير الفاطميين بمصر الصالح طلائع بن رزيك بدفع ثلاثين ألف درهم للصلبيبين مقابل أن يأخذ رأس الحسين، ووضعه في كيس من الحرير وأتى بها إلى القاهرة سنة 549 هـ وذلك حسب ما ذكر عدد من الأكاديميين في العصر الحديث مثل أيمن فؤاد سيد وسعاد ماهر. وأنكر ذلك ابن كثير الدمشقي وغيره

مسؤولية مقتل الحسين

يرجع المؤرخون والباحثون السنة والشيعة مسؤولية مقتل الحسين إلى ثلاثة أطراف وهم: أهل الكوفة، وأصحاب القيادة وهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد، والحاكم وهو يزيد بن معاوية، وتتفاوت الآراء حول مقدار مسؤولية كلٍ منهم.

فأمّا أهل الكوفة فيرى باحثون أنهم كاتبوا الحسين وطلبوه للبيعة ثم خذلوه ولم ينصروه، وأنكروا أنهم طلبوه، حيث نادى الحسين عليهم يوم عاشوراء فقال: «يا شبث بن ربعي! ويا حجار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا زيد بن الحارث! ألم تكتبوا إلي في القدوم عليكم؟» قالوا: «لم نفعل». فقال: «بلى فعلتم. أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني». وأن أم سلمة لما جاءها الخبر قالت عن أهل الكوفة: «قتلوه قاتلهم الله، غروه وذلوه لعنهم الله»، وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب حيث سأله رجل من أهل العراق عن قتل الذباب أثناء الإحرام: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، ويذكر المُعمم الشيعي حسين الكوراني وغيره أن أغلب الجيش كان من أهل الكوفة فيقول: «أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين، بل انتقلوا نتيجة تلون مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدأوا يسارعون في الخروج إلى كربلاء وحرب الإمام الحسين، وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسجيل المواقف التي ترضي الشيطان وتسخط الرحمن»، وقد نشأت ثورة التوابين من أهل العراق من الذين ندموا على مقتل الحسين وسموا أنفسهم بالتوابين، بينما يرى آخرون أن أهل الكوفة لم يكن بأيديهم شيئًا، يقول الباحث عبد المنعم ماجد: «ولا نلقي اللوم على أهل الكوفة لتقاعسهم إذ لم يكونوا يستطيعون شيئًا أمام الحكم الأموي القوي».

وأمّا قادة جيش الكوفة، فهم المُنفذون المباشرون لمقتل الحسين، فعبيد الله بن زياد هو الذي قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة مما جعل أهل الكوفة يتراجعون عن البيعة، يقول يوسف العش: «وينبغي لنا أن نقول أن المسؤول عن مقتل الحسين هو شمر أولًا، وثانيًا عبيد الله بن زياد»، وكان الشعراء يهجون بني زياد لذلك؛ حتى قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: «لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خرامة إلى يوم القيامة، وأن حسينًا لم يُقتل». وقال ابن الصلاح: «والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد». وكذلك عمر بن سعد يُحمّله المؤرخون قسمًا كبيرًا من مسؤولية مقتل الحسين، حيث إنه المُنفِّذ والمتفاوض مع الحسين، وحاول التهرب من مسؤولية مقتل الحسين وجعلها ملقاة على ابن زياد، وأخفى الكتاب الذي أرسله له ابن زياد قبل المعركة.

أمّا الحاكم وهو يزيد بن معاوية، فيُحمّله المؤرخون مسؤولية إرسال عبيد الله بن زياد إلى الكوفة للسيطرة عليها، وأنه لم ينتصر للحسين ويأخذ بثأره أو يقتل قاتله، واختلف الباحثون فيما إذا كان يزيد قد أمر بقتل الحسين أم لا، فيرى ابن تيمية وفريق من أهل السنة والجماعة أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين ولم يُظهر الفرح بقتله، فيقول: «إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل.» ثم يقول: «لكنه مع ذلك ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره.». بينما يرى آخرون أن يزيد هو المسؤول المباشر عن قتل الحسين، وأن رأس الحسين حُمِلَ بها إليه، وأنه أهان أهل بيته ونسائه، يقول سعد الدين التفتازاني: «والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت الرسول مما تواتر معناه، لعنة الله عليه، وعلى أنصاره وأعوانه».

وأغلب آراء علماء الشيعة تحمّل المسؤولية الكاملة ليزيد بن معاوية والوالي عبيد الله بن زياد، يقول الباحث نزار حيدر: «إن الذي قتل الحسين بن علي سبط رسول الله في كربلاء، هو النظام السياسي الذي كان يحكم بلاد المسلمين آنئذٍ.»، ويرى جلٌ مراجع الشيعة كفرهما ويردون الآثار في الحثّ على لعنهما، ثم يليهم في المسؤولية قادة الجيش الأموي في كربلاء: عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس وعورة بن قيس وشبث بن ربعي والحصين بن نمير السكوني، كما يحمّل بعض علماء الشيعة مثل حسين الكوراني أهل الكوفة جزءًا من هذه المسؤولية، وترد في كثير من الآثار والنصوص الشيعية نصوص تلعن بني أمية وآل زياد وقادة الجيش في كربلاء ومن تخاذل عن نصرة الحسين جميعًا، فجاء في زيارة عاشوراء: «وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْد، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسْرَجَتْ وَاَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ.

الحركات التي تلت مقتل الحسين

بعد وصول خبر مقتل الحسين آفاق الدولة الإسلامية، غضب جموع المسلمين على يزيد لمقتل ابن بنت رسول الله على أيدي جيوشه. وحاول البعض الأخذ بثأره، وسعى آخرون في نزع البيعة من يزيد بن معاوية، ورأى آخرون الاعتزال وتجنب الفتن خشية إهراق دماء المسلمين. فبعد مقتل الحسين، صار شاغل يزيد أخذ بيعة عبد الله بن الزبير، خاصةً لما كان لابن الزبير من دور في تأليب المسلمين على بني أمية، حتى أنه في موسم حج سنة 61 هـ لم يُصلّ ابن الزبير بصلاة عمرو بن سعيد بن العاص والي يزيد على المدينة، ولم يُفض بإفاضته، بل ومنع ابن الزبير الحارث بن خالد المخزومي نائب عمرو بن سعيد على مكة من إمامة أهل مكة في الصلاة.

وفي سنة 63 هـ بعد سنتين من مقتل الحسين خرج أهل المدينة على يزيد، وطردوا عامله، فوجّه إليهم جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة، فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة، فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم، فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير، وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب الخندق، فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفًا على أهلهم، فكانت الهزيمة، وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد، واستباح حُرماتها ثلاثة أيام، وهي ما تُعرف بوقعة الحرة.

وفي 26 محرم سنة 64 هـ، وحوصر ابن الزبير 64 يومًا في مكة ونصبوا المنجنيق واحترقت الكعبة، فمني جيش ابن الزبير بخسائر كبيرة وفقد الكثير من مؤيديه. وبعد وفاة يزيد، تواصل فئة من أهل العراق يُريدون الثأر للحسين ندمًا على تقاعسهم عن نصرته، فاجتمع منهم جيش في ربيع الأول سنة 65هـ، وساروا إلى قبر الحسين ليبكوه ويترحموا عليه، وساروا إلى الشام في حملة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي عُرفت بجيش التوّابين، لقتال عبيد الله بن زياد الذي أمر بقتل الحسين، فالتقوا جيشًا أمويًا في عين الوردة، وانهزم التوابون هزيمة ساحقة لقلة عددهم، وقُتل عدد من قادتهم وتمكن رفاعة بن شداد البُجليّ من الانسحاب بمن بقي منهم إلى الكوفة.

وفي ستة 66 هـ خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي يطالب بدم الحسين، وزعم أنه مُفوّض بذلك من قبل محمد بن الحنفية، وهو ما نفاه ابن الحنفية نفسه. ورفع شعار «يا لثارات الحسين» وانضم إليه إبراهيم بن الأشتر النخعي، وتتبع المختار من كان من قتلة الحسين في الكوفة فقتلهم، ثم أرسل في محرم سنة 67 هـ جيشًا بقيادة إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد، فالتقيا عند نهر الخازر قرب الموصل، وهزم جيش ابن الأشتر جيش ابن زياد، وقُتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير السكوني في تلك المعركة

مصير قتلة الحسين

قُتل أغلب المشاركين في قتل الحسين في الأحداث التي تلت ذلك، يقول عامر الشعبي: «رأيت في النوم كأن رجالا من السماء نزلوا، معهم حراب يتتبعون قتلة الحسين، فما لبثت أن نزل المختار فقتلهم.»

فقُتِلَ عبيد الله بن زياد على يد إبراهيم بن الأشتر النخعي سنة 67 هـ، حيث خرج من الكوفة قاصدًا ابن زياد في أرض الموصل، فالتقيا بمكان يقال له الخازر بينه وبين الموصل خمسة فراسخ، فباغت ابن الأشتر جيش ابن زياد، وأخذ يحرض جنده قائلًا: «هذا قاتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جاءكم الله به وأمكنكم الله منه اليوم، فعليكم به، فإنه قد فعل في ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يفعله فرعون في بني إسرائيل! هذا ابن زياد قاتل الحسين الذي حال بينه وبين ماء الفرات أن يشرب منه هو وأولاده ونساؤه، ومنعه أن ينصرف إلى بلده أو يأتي يزيد بن معاوية حتى قتله. ويحكم! اشفوا صدوركم منه، وارووا رماحكم وسيوفكم من دمه، هذا الذي فعل في آل نبيكم ما فعل، قد جاءكم الله به.». وقُتل أغلب المشاركين في قتل الحسين على يد المختار بن أبي عبيد الثقفي أثناء ثورته، فقُتِلَ شمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس على يد كيان أبو عمرة قائد شرطة المختار، وأُتِىَ بحرملة بن كاهل وقُطّعت يداه ورجلاه أمام المختار ثم ألهب فيه النار.

مكانته الدينية

مكانته عند النبي

للحسين بن علي مكانة كبيرة عند عموم المسلمين بمختلف طوائفهم، وذلك لأنه حفيد النبي محمد وابن ابنته فاطمة، وحِبُه وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وخصَّه النبي بقوله أنه منه، وغيرها من الأوصاف التي تصفه بها الأحاديث النبوية، ولا تختلف طوائف المسلمين حول هذه النقاط، ومن هذه الأحاديث:

وصفه أنه من النبي والنبي منه، عن يعلى بن مرة قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ».
عن أبي هريرة قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي».
عن عبد الله بن مسعود قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ:أَنْ دَعُوهُمَا فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ وَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ. فَقَالَ:مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ».
ووصفه برحانته من الدنيا، فسأل رجل عبد الله بن عمر عن قتل الذباب أثناء الإحرام، فقال: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: هما ريحانتاي من الدنيا».
ووصفه بسيد شباب أهل الجنة، عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما

مكانته لدى الصحابة

ذُكرت في المصادر التاريخية العديد من الروايات التي تذكر تبجيل الصحابة للحسين، مثل ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وعمرو بن العاص وغيرهم، ومن هذه الروايات:

أن عمرو بن العاص كان جالسًا في ظل الكعبة، ورأى الحسين، فقال: «هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.».
وأن ابن عباس كان يُمسك الركاب للحسن والحسين ويُسوي لهما، فقال له مدرك أبو زياد: «أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما.» فقال ابن عباس: «يا لكع. أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟».
وأن أبا هريرة كان ينفض عنه التراب، فعن أبي المهزم قال: «كنا مع جنازة امرأة، ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل، فجعله بينه، وبين المرأة، فصلى عليهما، فلما أقبلنا أعيا الْحُسَيْن، فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب، عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الْحُسَيْن: يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا، قال أبو هريرة: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك عَلَى رقابهم.».
وأن ابن عمر قال له حين هم بالخروج إلى الكوفة: «إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك يريد منكم».

نظرة أهل السنة والجماعة


منزلة أهل البيت عمومًا: يعتقد أهل السنة أن أهل البيت تجب محبتهم وموالاتهم ورعاية حقوقهم، وأن المسلمين مأمورون بالصلاة عليهم مع الصلاة على النبي، وأنّ لهم حقًا في أداء الخمس من المغنم والفيء، فعن عائشة بنت أبي بكر قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم دخلت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليُّ فأدخله، ثم قال: ï´؟إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاï´¾».
الشهيد: يعتبر علماء أهل السنة الحسين شهيدًا، ويلقبونه بالشهيد في ترجمتهم له، يقول ابن تيمية: «وأما مقتل الحسين رضي الله عنه فلا ريب أنه قُتِلَ مظلومًا شهيدًا، كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء، وقَتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله، أو أعان على قتله، أو رضى بذلك، وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله، وهو في حقه شهادة له ورفع حجة وعلو منزلة؛ فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء، ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما، فإنهما تربيا في حجر الإسلام في عز وأمان، فمات هذا مسمومًا وهذا مقتولًا لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء.»
من سادات المسلمين وعلماء الصحابة: يقول ابن كثير الدمشقي: «فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته

نظرة الشيعة

الإمام الثالث من الأئمة الاثني عشر: تؤمن طوائف الشيعة أن الحسين هو الإمام الثالث من الأئمة الاثني عشر بعد علي بن أبي طالب والحسن بن علي، وتنص المصادر الشيعية على أن النبي محمد قد نص على الأئمة من بعده وعينهم بأسمائهم ومن بينهم الحسين، وتنص كذلك على أن عليًا قد أوصى قبل وفاته بالخلافة إلى ولده الحسن، وقد أشهد على وصيته جميع أولاده وأهل شيعته وأهل بيته، وعهد إليه بكتابه وسلاحه وأمره بأن يدفعها لأخيه الحسين إذا حضرته الوفاة. وأن الحسين تولى إمامته بعد وفاة الحسن مباشرةً، وبدأ دعوته، وكانت مدة إمامته إحْدَى عشرة سنة. قال الشيخ المفيد: «واتفقوا على أنه عليه السلام قال - في الحسن والحسين -: ابناي هذان إمامان، قاما أو قعدا.».
وجاء في كتاب الكافي: «عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدًا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله، ودفع إلى كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال، وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله».

أبو الأئمة: يُعتبر الحسين أبًا لتسعة من الأئمة الاثني عشر، وجميع الأئمة من بعده من نسله، وأتى في كتب الشيعة عددًا من المرويات في ذلك. منها ما جاء في بحار الأنوار أن النبي قال للحسين: «يا حسين أنت السيد ابن السيد أبو السادة، تسعة من ولدك أئمة أبرار والتاسع قائمهم، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة تسعة من صلبك أئمة أبرار والتاسع مهديهم».
سيد الشهداء: يُلقب الحسين بسيد الشهداء، حيث جاء في كتاب كامل الزيارات رواية تقول عنه: «إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة».
من أصحاب الكساء: يعتقد الشيعة أن النبي جمع علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين معه تحت كساء واحد بعد نزول ما يُسمَّى بآية التطهير: ï´؟إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاï´¾.
من المعصومين: يعتقد الشيعة الاثنا عشرية أن الحسين وجميع الأئمة الاثنا عشر بالإضافة إلى النبي وفاطمة الزهراء، معصومون عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وأنه لا يمكن صدور المعصية منهم حتى على نحو الغفلة أو السهو أو النسيان، وجاء في الكافي: «قال جعفر الصادق: نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا».

المراسم والاحتفالات المتعلقة بالحسين

يوما عاشوراء والأربعين

يوافق يوم مقتل الحسين يوم العاشر من المحرم، وهو اليوم الذي نجّى الله فيه موسى من فرعون، وصيامه مستحب عند أهل السنة والجماعة، فقد روى البخاري عن ابن عباس قال: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: «فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه».».

بينما يُتخذه الشيعة يوم حزن وعزاء وبكاء، كما تُقام مجالس العزاء، وتُقام المحاضرات لعرض حادثة مقتل الإمام الحسين بن علي على الناس من خلال الخطيب والذي غالبا ما يجلس على المنبر متوسطاً الناس، ليبكي الناس على المقتل، ثم تبدأ شعائر أخرى كاللطم، ويجلس الرادود يردد المراثي على اللاطمين، ويُجرَى فيها تمثيل مقتل الحسين ويظهرون في هذه المجالس ما فيه من مظاهر الحزن والبكاء وما يصاحبه من كثرة الأعلام ودق الطبول وغيرهما. كما تُقام المواكب لزيارة العتبة الحسينية في كربلاء، ويقوم الشيعة بما يُسمى بالشعائر الحسينية، مثل: اللطمية، ولبس السواد، وتمثيل مشاهد من واقعة الطف، والتطبير، ويستخدم في التطبير سيوف وقامات أو أي أدوات حادة أخرى، فيضرب المطبرون رؤوسهم بهذه الأدوات لإحداث جرح لإسالة الدماء من الرأس أو الضرب بالسلاسل، ويكون التطبير في الغالب بصورة جَماعية وعلى شكل مواكب ومسيرات تجوب الشوراع والأماكن العامة، ولا يزال التطبير رائجًا في عدد من البلدان كالعراق ولبنان وباكستان والهند وأذربيجان والبحرين. وتستمر هذه الشعائر حتى 20 صفر وهو ما يُسمى بزيارة الأربعين.

مولد الحسين

تُنظم الطرق الصوفية خاصةً في مصر مراسم خاصة في يوم الثالث من شعبان احتفالًا بمولد الحسين، حيث يحتشد الناس على طول الطرق المؤدية إلى مسجد الحسين في القاهرة، ويكتظ المسجد بالزائرين، وتُنصب الخيمة الرئيسية أمام الباب الأخضر أكبر أبواب المسجد، وتخصص هذه الخيمة لجميع الطرق الصوفية، حيث تتخذ كل طريقة مكانًا خاصًا بها بداخلها استعدادًا لإحياء المولد، وتبدأ حلقات الذكر، ودروس الوعظ والإرشاد، بالإضافة لأناشيد المديح وغير ذلك من المظاهر

صفاته

كان الحسن والحسين أشبه الناس بالنبي محمد، ولكن كان الحسن أكثر شبهًا، فعن علي قال: «كان الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.». وقال: «الحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من صدره إلى قدميه». وكان أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته، قال عمر بن عطاء: «رأيت الحسين يصبغ بالوسمة كان رأسه ولحيته شديدي السواد».

وكان كثير الحج ورُوى أنه حجَّ خمس وعشرين مرة ماشيًا على رجليه، قال أبو سعيد الخدري: «رأيت الحسن والحسين صليا مع الإمام العصر، ثم أتيا الحجر، فاستلماه، ثم طافا أسبوعًا، وصليا ركعتين، فقال الناس: هذان ابنا بنت رسول صلى الله عليه وسلم، فحطمهما الناس حتى لم يستطيعا أن يمضيا ومعهم رجل من الركانات، فأخذ الحسين بيد الركاني، ورد الناس عن الحسن.»

عائلته

زوجاته

تزوج الحسين خمس زوجات، ولا تختلف المصادر تقريبًا في ذلك، وهن:

شهربانو أو شهر بانويه بنت كسرى يزدجرد،
يختلف المؤرخون في هَويّتَها، ويُعتقد أنها ابنة يزدجرد الثالث، وسُبيتْ أثناء الفتح الإسلامي لفارس. أنجبت للحسين علي بن الحسين السجاد.

ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفية، أنجبت له علي الأكبر، أمها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب.

وفيها يقول حسان بن ثابت:
طَافَتْ بِنَا شَمْسُ النَّهارِ ومن رَأَى من الناس شمسًا بالعشاء تَطُوفُ
أَبو أُمِّها أَوْفى قريشٍ بذمةٍ وأعمامُها إِما سألتَ ثَقِيفُ

الرباب بنت امرئ القيس،

أنجبت له سكينة بنت الحسين وعبد الله الرضيع. يقول فيها الحسين:
لَعَمْرُكَ إنَّنِي لَأُحِبُّ دارًا تُضَيِّفُها سُكَينةُ والرَّبَابُ
أُحِبُّهُمَا وأبذلُ بعدُ مالي وليس لِلَائِمي فيها عتابُ
وَلَسْتُ لهم وإن عَتِبُوا مُطِيعـًا حياتي أو يُغَيِّبَني الترابُ

أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله،
كانت زوجة لأخيه الحسن، وأنجبت له الحسين وفاطمة وطلحة، ثم تزوجها بعده الحسين، وأنجبت له فاطمة بنت الحسين بن علي.
السُلافة امرأة من بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، أنجبت له جعفر بن الحسين.

ذريته

تذكر المصادر المتقدمة ستة أولاد للحسين: أربعة من الذكور واثنان من الإناث، وهم:

علي بن الحسين الأكبر،

وأمّه ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفية، قُتل مع أبيه في معركة كربلاء.

علي بن الحسين السجاد، المعروف بزين العابدين،

هو الإمام الرابع عند الشيعة، ولد سنة 38 هـ، وأمّه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد، وحضر كربلاء، توفي سنة 95 هـ.

عبد الله بن الحسين، أو عبد الله الرضيع،

ويُعرف اليوم في الوسط الشيعي بعلي الأصغر، أمه الرباب بنت امرئ القيس، يُذكر أنه قُتل رضيعًا وعمره ستة أشهر مع أبيه في معركة كربلاء.

سكينة بنت الحسين،

وأمها الرباب بنت امرئ القيس.

فاطمة بنت الحسين وأمّها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله،

تزوجها ابن عمها عبد الله بن الحسن، فقتل مع أبيها قبل الدخول بها، ثم تزوجها مصعب بن الزبير أمير العراق، ولكن سرعان ما قُتل، وتزوجت بعده أيضًا، توفيت سنة 117 هـ.
وجعفر بن الحسين وأمّه السُلافة القضاعية،
مات صغيرًا ولا عقب له.
وذكرت بعض المصادر المتأخرة مثل ابن طلحة الشافعي أن للحسين ستة من الذكور وأربعة من الإناث، فزادوا عددًا من الأبناء وهم:

محمد بن الحسين،
ذكره ابن شهر آشوب، ومحمد بن جرير الطبري الإمامي، وذكروا أنه قُتِلَ في كربلاء، أمّه الرباب بنت امرئ القيس.

محسن بن الحسين، أو السقط،

له ضريح في مدينة حلب، ذكره ياقوت الحموي فقال: «كانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصنَّاع خبزاً وماءً فشتموها ومنعوه فدعت عليهم، فمن الآن مَن عمل فيه لا يربح، وفي قِبلي الجبل مشهد يُعرف بمشهد السقط ويُسمَّى مشهد الدكَّة والسقط يُسمَّى محسن بن الحسين».

زينب بنت الحسين،

ذكرها ابن شهر آشوب، ومحمد بن جرير الطبري الإمامي، ولم يتم ذكر اسم أمّها.

رقية بنت الحسين،

هي صاحبة الضريح الموجود في دمشق، نسبها صاحب كتاب لباب الأنساب إلى الحسين، بينما لم تذكرها المصادر الأخرى، ويُظنّ أن أمها أم إسحاق بنت طلحة،
أو شهربانو، وذكرت بعض المصادر أن للحسين ابنة توفيت في الرابعة من عمرها في الشام، لذلك يُعتقد أنها رقية.
كما يُنسب إليه في التراث الشعبي:

صفية بنت الحسين،

لها ضريح في بلدة حوش تل صفية، لا سيرة لها في المصادر التاريخية، يُعتقد أنها ماتت بعد كربلاء بقليل وهي صغيرة.

خولة بنت الحسين،

يُنسب إليها مقام خولة بنت الحسين في بعلبك، لكن لا سيرة لها في المصادر التاريخية، يُعتقد أنها ماتت أيضًا بعد كربلاء بقليل وهي صغيرة.

تراثه

فقهه وروايته للحديث النبوي

تحتوي كتب الحديث السني على العديد من مرويات الحسين للحديث، ويعتبره علماء أهل السنة عالمًا فقيهًا من فقهاء الصحابة، يقول ابن قيم الجوزية: «من فقهاء الصحابة المقلين في الفتيا»، كان الحسين صغيرًا حين توفي النبي؛ لذلك لم يروي الكثير من الأحاديث عنه، فروى عن النبي محمد وعلي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء وعمر بن الخطاب وخاله هند بن أبي هالة. وروى عنه ابنه علي بن الحسين السجاد وفاطمة بنت الحسين، وعبيد بن حنين، والفرزدق، وعكرمة البربري، وعامر الشعبي، وطلحة العقيلي، وابن أخيه زيد بن الحسن، وعلي بن الحسن وحفيده محمد بن علي الباقر بدون إدراك له، وابنته سكينة بنت الحسين، وكرز التيّمي، وسنان بن أبي سنان، وعبد الله بن عمرو بن عثمان.

التراث الأدبي

يحتوي التراث الشيعي على العديد من الأقوال المنسوبة للحسين، بالإضافة إلى الخطب مثل خطبته في منى وخطبته في كربلاء. وكذلك الأدعية وجاء بعضها بحار الأنوار مثل دعاء يوم عرفة.

كما تُنسب إلى الحسين العديد من الأشعار التي ذكرها المترجمون عند السنة والشيعة، وقام بجمعها محمد صادق الكرباسي في كتاب أسماه "ديوان الإمام الحسين (من الشعر المنسوب إليه)، وذكر ابن كثير الدمشقي فصلًا في كتابه البداية والنهاية عن ما رُوى من أشعاره، منها: أن الحسين زار المقابر بالبقيع فقال:

نَادَيْتُ سُكّانَ الْقُبُورِ فَأُسْكِتُوا **وَأَجابَنِي عَنْ صَمْتِهِمْ تُرْبُ الْحَصى
قَالَتْ أَتَدْرِي مَا فَعَلْتُ بِساكِني**مَزَّقْتُ لَحْمَهُمْ وَخَرَّقْتُ الْكِسا
وَحَشَوْتُ أَعْيُنَهُمْ تُراباً بَعْدَما**كانَتْ تَأَذّى بِالْيَسِيرِ مِنَ الْقَذى
أَمَّا الْعِظامُ فَإِنَّني مَزَّقْتُهَا **حَتَّى تَبَايَنَتِ الْمَفاصِلُ وَالشَّوى
قَطَعْتُ ذا زاد مِنْ هذا كَذا ** فَتَرَكْتُها رَمَماً يَطُوفُ بِهَا البِلا

المصدر
كل المعلومات السابقة من wikipedia

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:41 PM
الشخصية الاسلامية الخامسة عشرة

https://f.top4top.io/p_1943e06eu1.png

https://g.top4top.io/p_1943iw24p2.png
https://f.top4top.io/p_1943v7v781.png

زيد بن حارثة (المتوفي سنة 8 هـ) صحابي وقائد عسكري مسلم، كان مولى للنبي محمد، وكان النبي محمد قد تبناه قبل بعثته، وهو أول الموالي إسلامًا، ومن السابقين الأولين للإسلام، والوحيد من بين أصحاب النبي محمد الذي ذُكر اسمه في القرآن. شهد زيد العديد من غزوات النبي محمد، كما بعثه قائدًا على عدد من السرايا. استشهد زيد في غزوة مؤتة وهو قائد جيش المسلمين أمام جيش من البيزنطيين والغساسنة يفوق المسلمين عددًا.

سيرته

نشأته وتبني النبي محمد له

ولد زيد بن حارثة بن شراحيل (وقيل شرحبيل) بن كعب قبل الهجرة النبوية بسبعة وأربعين سنة، وقيل بثلاثة وأربعين سنة في ديار قومه بني *** أحد بطون قضاعة، أما أمه فهي سُعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت من بني معن من طيّئ. تعرض زيد للأسر وهو غلام صغير حيث اختطفته خيل بني القين بن جسر قبل الإسلام، حين أغارت على ديار بني معن أهل أمه وكان معها في زيارة لأهلها، فباعوه في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم. فلما تزوجها النبي محمد وهبته له. ثم مر زمن، وحج أناس من قبيلته ***، فرأوه فعرفهم وعرفوه، ثم عادوا وأخبروا أباه بمكانه، فخرج أبوه حارثة وعمه كعب يفتدونه. والتقوا النبي محمد وطلبوا فدائه، فدعاهما إلى تخيير زيد نفسه إن شاء بقي، وإن شاء عاد مع أهله دون مقابل. ثم دعاه النبي محمد، وقال له: «فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما»، فقال زيد: «ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا. أنت مني بمكان الأب والأم»، فتعجّب أبوه وعمه وقالا: «ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!»، قال: «نعم. إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي اختار عليه أحدًا أبدًا»، فلما رأي النبي محمد منه ذلك، خرج به إلى الحِجْر، وقال: «يا من حضر اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني». فلما رأى ذلك أبوه وعمه اطمأنا وانصرفا. فصار زيد يُدعي «زيد بن محمد»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:42 PM
إسلامه وصحبته للنبي محمد

ولما دعا النبي محمد دعوته إلى الإسلام، كان زيد من السابقين الأولين للإسلام، فكان إسلامه بعد خديجة بنت خويلد وعلي بن أبي طالب، وقبل أبي بكر الصديق، وهو أول الموالي إسلامًا. ومنذ إسلامه، صحب زيد النبي محمد، إلى أن أمره النبي محمد بالهجرة إلى يثرب، فهاجر زيد ونزل ضيفًا على كلثوم بن الهدم، ولما آخى النبي محمد بين أصحابه، آخى بين زيد بن حارثة وحمزة بن عبد المطلب، وقيل بينه وبين أسيد بن حضير.

شهد زيد مع النبي محمد غزوة بدر، وهو الذي كان البشير إلى المدينة المنورة بالنصر. ثم شارك بعدها في غزوات أحد والخندق وخيبر، وشهد صلح الحديبية، كما استخلفه النبي محمد على المدينة حين خرج إلى المُرَيسِيع، وعُرف عن زيد أنه من الرُماة المهرة. كما عقد له النبي محمد اللواء في سبع سرايا أولها القَرَدَة، ثم إلى الجَمُومِ، ثم إلى العِيص، ثم إلى الطَّرْف، ثم إلى حِسْمَى، ثم إلى أم قِرْفَة، ثم عقد النبي محمد لواء غزوة مؤتة، وجعله القائد الأول على ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين يُقاتلون عدوًا من الروم والغساسنة يفوقونهم عُدّةً وعتادًا، فأوصى المسلمين بترتيب القادة فقال: «فإن قُتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة»، وقد صدق حدس النبي محمد، حيث قُتل زيد في المعركة طعنًا بالرماح، وكان ذلك في جُمادى الأولى سنة 8 هـ، وكان عُمره يوم قُتل 55 سنة.

زواجه من زينب بنت جحش وإبطال التبني

تبنّى النبي محمد زيدًا، فكان أهل مكة يدعونه «زيد بن محمد»، وزوّجه من ابنة عمته زينب بنت جحش. ثم طلّق زيد زوجته زينب، وأراد النبي محمد الزواج منها، ولكنه تردد في الزواج منها كونها زوجة سابقة لمُتبنّاه إلى أن جاء الوحي يأمره بالزواج منها: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا فأبطلت الآية الحرج الذي كان يتحرجه أهل الجاهلية من أن يتزوج الرجل زوجة دعيُّه، كما نزلت آية: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا فأبطلت التبنّي ذاته، فدُعِيَ يومئذ زيد بن حارثة، ودُعي المقداد بالمقداد بن عمرو وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود، وكان الأسود بن عبد يغوث الزُهري قد تبناه، ودعي الأدعياء إلى آبائهم. وقد صدّق على ذلك قول ابن عمر: «ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد. فنزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله»، إلا أن زواج النبي محمد من زينب بنت جحش كان مدعاةً لتلاسن بعض أهل المدينة من المنافقين وطعنوا في الزواج، وقالوا: «محمد يُحرّم نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه زيد»، فنزلت آية: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:43 PM
صفته وأسرته

كان زيد بن حارثة قصيرًا، شديد الأدمة، أفطس، وقيل كان شديد البياض، أحمر، وكان ابنه أسامة آدم شديد الأدمة. أما أسرته فقد زوّجه النبي محمد من مولاته وحاضنته أم أيمن، فولدت له أسامة، ولما تبنّاه زوّجه ابنة عمته زينب بنت جحش ثم طلّقها، وتزوّج أم كلثوم بنت عقبة بن معيط فأنجبت له زيد لكنه مات صغيرًا، ورُقية ماتت أخرى صغيرة ولكن بعد أبيها، ثم طلّقها وتزوّج درة بنت أبي لهب، ثم طلّقها وتزوّج هند بنت العوام بن خويلد أخت الزبير.


روايته للحديث النبوي

روى زيد بن حارثة بعض الأحاديث النبوية عن النبي محمد مباشرة وعن أنس بن مالك، ورواها عنه أنس بن مالك والبراء بن عازب وعبد الله بن عباس وابنه أسامة بن زيد وأخوه جبلة بن حارثة. قد روى له النسائي حديثًا في سننه، وروى محمد بن ماجه له حديثًا آخر

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:43 PM
مكانته

لم يسم أحد من الصحابة في القرآن باسمه إلا زيد بن حارثة، كما كان لزيد بن حارثة مكانة عالية عند النبي محمد، فقد رُوي أنه قال له: «يا زيد، أنت مولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي»، وكان أصحاب النبي محمد يُسمونه «حِبُّ رسول الله»، ولما بلغ النبي محمد مقتل زيد وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة في مؤتة، استغفر النبي محمد لهم، فقال: «اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لجعفر، ولعبد الله بن رواحة»، ثم زار أهل بيت زيد، وأجهش بالبكاء حتى انتحب لما رأى بكاء رقية بنت زيد، فقال له سعد بن عبادة: «يا رسول الله ما هذا؟»، قال: «هذا شوق الحبيب إلى حبيبه». وحين قرر النبي محمد أن يبعث بعثًا، وأمّر عليهم أسامة بن زيد، طعن بعض الناس في إمرته، فقام النبي محمد، فقال: «إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم طعنتم في إمرة أبيه من قبله. وأيم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده».

كما قالت عائشة بنت أبي بكر عن زيد: «ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سريّة، إلا أمره عليهم، ولو بقي لاستخلفه». وحين فرض الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لأسامة بن زيد عطاءً من بيت مال المسلمين أكثر مما فرض لابنه عبد الله بن عمر، كلمه عبد الله في ذلك، فقال: «إنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:45 PM
الشخصية الاسلامية السادسة عشرة

https://c.top4top.io/p_1943crj9w1.png

https://d.top4top.io/p_1943ui0122.png

سعد بن معاذ (المتوفي سنة 5 هـ) صحابي، كان سيدًا للأوس في يثرب قبل الهجرة النبوية. أسلم سعد على يد مصعب بن عمير الذي أرسله النبي محمد إلى يثرب ليعلم أهلها دينهم، فأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل كلهم. بعد هجرة النبي محمد، شهد سعد بن معاذ معه غزوات بدر وأحد والخندق التي أصيب فيها إصابة بليغة. ولما حاصر النبي محمد بني قريظة، قبلوا بالاستسلام على أن يُحكَّمْ فيهم سعد بن معاذ، فحُمل إليهم وهو جريح، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي النساء وتقسيم أموالهم وأراضيهم على المسلمين. بعد غزوة بني قريظة، انتقض جرح سعد، ولم يلبث إلا يسيرًا ومات.

سيرته

كان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل سيدًا لقبيلة الأوس قبل هجرة النبي محمد إليها. أسلم سعد على يد مصعب بن عمير الذي أرسله النبي محمد إلى يثرب ليدعوا أهلها إلى الإسلام بعد بيعة العقبة الأولى، فلما أسلم سعد وقف على قومه، فقال: «يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟»، قالوا: «سيدنا فضلاً، وأيمننا نقيبة»، قال: «فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله»، فما بقي في دور بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا. كما أصبحت داره مقرًا لمصعب بن عمير وأسعد بن زرارة، يدعوان أهل يثرب فيها إلى الإسلام. وكان سعد بن معاذ ومعه أسيد بن حضير من تولّى كسر أصنام بني عبد الأشهل.

وبعد هجرة النبي محمد، آخى النبي محمد بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وقيل بينه وبين سعد بن أبي وقاص. وقد شهد سعد مع النبي محمد غزوة بدر، وحين استشار النبي محمد أصحابه قبل المعركة، قال سعد: «قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به الحق، وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله»، وهو الذي حمل راية الأوس يوم بدر. شهد سعد أيضًا مع النبي محمد غزوة أحد، وثَبَتَ مع النبي محمد في القتال لما ولّى المسلمون عنه. وفي غزوة الخندق، رُمي سعد بسهم قطع منه الأكحل، وكان الذي رماه رجل من قريش اسمه «حيان بن قيس بن العرفة»، فقال سعد: «اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا، فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه. اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة».

بعد غزوة الخندق، دعا النبي محمد أصحاب إلى قتال بني قريظة لنقضهم عهدهم مع المسلمين، وتحالفهم مع قريش في غزوة الخندق. حاصر المسلمون حصون بني قريظة 25 يومًا حتى أرسلوا يطلبون السلم، ويرتضون حكم سعد بن معاذ فيهم، وكان حليفهم في الجاهلية، فأرسل النبي محمد إلى سعد، فجيء به محمولاً على حمار، وهو مُتعَب من جرحه، فقال له: «أشر علي في هؤلاء»، فقال سعد: «لو وليت أمرهم، لقتلت مقاتلتهم، وسبيت ذراريهم»، فقال النبي محمد: «والذي نفسي بيده، لقد أشرت عليّ فيهم بالذي أمرني الله به».

أُعيد سعد إلى المدينة إلى القبة التي ضربها عليه النبي محمد في المسجد النبوي ليعوده من قريب، وكوى النبي محمد له ذراعه. عاد النبي محمد وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وقت وفاة سعد . فوجد النبي محمد يد سعد انفجرت بالدم، فقام إليه وعانقه، حتى مات. فبكى أبو بكر وعمر، وحزن النبي وأخذ بلحْيته، وكان النبي محمد لا تدمع عينه على أحد، ولكنه كان إذا حزن، أخذ بلحيته. صلى النبي محمد على سعد، وحُمل فدُفن بالبقيع، وشهد النبي دفنه، وكان الذين أنزلوه في قبره ابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ وأسيد بن حضير وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش وسلمة بن سلامة بن وقش. كانت وفاة سعد بن معاذ سنة 5 هـ بعد غزوة الخندق بشهر، وقد توفي سعد بن معاذ، وله من الولد عمرو وعبد الله أمهما هند بنت سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل

أما صفته، فقد كان سعد بن معاذ رجلاً أبيضًا، طويلاً، جميلاً، حسن الوجه، واسع العينين، حسن اللحية.


مكانته

قال الحسن البصري: «كان سعد بادنًا، فلما حملوه، وجدوا له خفة. فقال رجال من المنافقين: والله إن كان لبادنا، وما حملنا أخف منه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن له حملة غيركم. والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد، واهتز له العرش». وروت عائشة بنت أبي بكر عن النبي محمد قوله: «إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد ناجيًا منها، نجا منها سعد بن معاذ». وروى سعد بن أبي وقاص عن النبي محمد قوله: «لقد نزل من الملائكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفًا ما وطئوا الأرض قبل، وبحق أعطاه الله تعالى ذلك». وقد أهدى أكيدر بن عبد الملك النبي محمد يومًا ثوبًا من ديباج مطرّز بخيوط من ذهب، فجعل الصحابة يتعجبون من لينه وحسنه، فقال: «مناديل سعد في الجنة أحسن من هذا». وقالت عائشة بنت أبي بكر: «كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن أحد أفضل منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:50 PM
الشخصية الاسلامية السابعة عشرة

https://i.top4top.io/p_194499hnd3.png

عبد الله بن عمر بن الخطاب (10 ق.هـ - 73 هـ) محدث وفقيه وصحابي من صغار الصحابة، وابن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأحد المكثرين في الفتوى، وكذلك هو من المكثرين في رواية الحديث النبوي عن النبي محمد. كان ابن عمر من أكثر الناس اقتداءً بسيرة النبي محمد، ومن أكثرهم تتبُّعًا لآثاره. كما كان قبلة لطُلاّب الحديث والفتاوى في المدينة المنورة، وطلاّب العطايا لما عُرف عنه من سخائه في الصدقات، والزهد في الدنيا.

شهد ابن عمر عدداً من المشاهد مع النبي محمد، ثم شارك بعد وفاة النبي في فتوح الشام والعراق وفارس ومصر وإفريقية. ولما قامت الفتن بعد مقتل عثمان بن عفان، وبعد وفاة يزيد بن معاوية، آثر ابن عمر اعتزال الفتن. كان ابن عمر دائمًا محل احترام وثقة المسلمين، فحاول عثمان بن عفان توليته القضاء، وعرض عليه علي بن أبي طالب ولاية الشام، ورشحه أبو موسى الأشعري للخلافة يوم التحكيم بين جيشي علي ومعاوية، إلا أنه اعتذر عن ذلك كله، وحرص على عدم الانخراط في أمور الحكم تجنبًا منه

سيرته

نشأته

ولد أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي في مكة قبل الهجرة النبوية إلى يثرب بعشر سنين، وهو ابن الصحابي والخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأمه وأم شقيقته حفصة هي زينب بنت مظعون الجمحية أخت الصحابي عثمان بن مظعون.

أسلم عبد الله بن عمر بمكة مع أبيه، ولم يكن قد بلغ الحلم يومئذ، ثم هاجر مع أبيه. وما أن هاجر إلى المدينة المنورة حتى انخرط في عقد المسلمين، وصحب النبي محمداً والتف حوله مع غيره من صحابته. ولما أمر النبي محمد أصحابه بالخروج إلى غزوة بدر، تطوع يومها عبد الله للقتال، فردّه النبي محمد لصغر سنه، وهو ما تكرر عندما حاول التطوع للقتال في غزوة أحد. لم يُجزه النبي محمد للقتال إلا في غزوة الخندق وكان عمره يومها خمسة عشر سنة، وقد روى مولاه نافع تلك الأحداث على لسان ابن عمر نفسه، فقال: «عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فلم يقبلني، وعرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يقبل وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فقبل». ومن يومئذ، شهد ابن عمر ما بعد غزوة الخندق من المشاهد مع النبي محمد، فشهد بيعة الشجرة، وفتح مكة، وغزوة مؤتة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:51 PM
بعد وفاة النبي محمد

بعد وفاة النبي محمد، شارك عبد الله بن عمر في فتوح الشام والعراق وفارس ومصر وإفريقية، وشهد في تلك الفتوح معركة اليرموك وفتح نهاوند، وأذربيجان، ثم عاد فسكن المدينة المنورة، ودعاه الخليفة الثالث عثمان بن عفان ليتولى القضاء، فاعتذر. ولما حُوصِرَ عثمان وقت الفتنة، تقلد ابن عمر سيف أبيه ودافع عن عثمان يوم الدار. وبعد مقتل عثمان ورفض معاوية بن أبي سفيان مبايعة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، واستئثار معاوية بحكم الشام، ومطالبته بالقصاص لعثمان، جاء علي إلى ابن عمر يسأله الخروج إلى الشام أميرًا، فاعتذر ابن عمر، وخرج إلى مكة، ولم يشهد مع عليّ شيئًا من حروبه، حتى لا ينخرط في الفتنة. بل إن الفتنة لما استفحلت، أتوا ابن عمر، فقالوا: «أنت سيد الناس وابن سيدهم، والناس بك راضون، اخرج نبايعك»، فقال: «لا والله لا يهراق فيّ محجمة من دم، ولا في سببي ما كان في روح». كما كادت أن تنعقد البيعة له يوم التحكيم رغم وجود علي وسعد بن أبي وقاص، وقد عقّب الذهبي في ترجمته لابن عمر في كتابه «سير أعلام النبلاء» على ذلك بقوله: «ولو بويع يومها، لما اختلف عليه اثنان». إلا أن ابن عمر يرى أن حقن دماء المسلمين له الأولوية، فقد رُوي أنه قال: «إنما مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم يسيرون على جادة يعرفونها، فبينما هم كذلك، إذ غشيتهم سحابة وظلمة، فأخذ بعضهم يمينًا وشمالاً، فأخطأ الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك، حتى جلا الله ذلك عنا، فأبصرنا طريقنا الأول فعرفناه، فأخذنا فيه. إنما هؤلاء فتيان قريش يقتتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا، ما أبالي أن لا يكون لي ما يقتل عليه بعضهم بعضًا بنعلي هاتين الجرداوين»، كما قال: «لو اجتمعت عليّ الأمة إلا رجلين ما قاتلتهما».

وقد استدام ابن عمر على سياسة الحياد تلك، فكان لا يأتي أمير على المدينة وقت الفتن إلا وصلّى خلفه، وأدّى إليه زكاة ماله، سوى الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ترك ابن عمر الصلاة خلفه لما رآه يؤخر الصلاة. ولما استقر الأمر لمعاوية، دسّ عمرو بن العاص ليعلم ما في نفس ابن عمر من أمر الخلافة، فقال عمرو: «يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تخرج فنبايعك، وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين، وأنت أحق الناس بهذا الأمر؟»، فقال ابن عمر: «لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهُجر، لم يكن لي فيها حاجة». فعلم أن لا مطمع له في الخلافة، فقال عمرو: «هل لك أن تبايع لمن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه، ويُكتب لك من الأرضين ومن الأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟»، فغضب ابن عمر، وقال: «أُفٍّ لك. اخرج من عندي. ثم لا تدخل عليّ. ويحك! إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم وإني أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية». وقد ذكر الزُهري أن معاوية تعرّض لابن عمر يومًا في خطبة، فقال: «ومن كان أحق بهذا الأمر مني؟»، فتهيّأ ابن عمر للرد بقوله: «أحق به من ضربك وأباك على الكفر». إلا أنه تراجع خشية أن يُظن به حرصه على الخلافة. كما ذكر نافع مولى ابن عمر أن معاوية قدم إلى المدينة المنورة يومًا، وحلف على منبر المسجد النبوي ليقتلنّ ابن عمر، فتجمّع له الناس، فتراجع.

ولما بويع يزيد بن معاوية وبلغه الخبر، قال: «إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاءً صبرنا». وبعد وفاة يزيد وتصدّر عبد الله بن الزبير للخلافة، لم يوافقه ابن عمر على دعواه، وكان يرى أنه بغى على بني أمية، ونكث عهدهم، وقد حاول مروان بن الحكم أن يدفعه للمطالبة بالخلافة، فقال له: «هلم يدك نبايعك، فإنك سيد العرب وابن سيدها»، فقال ابن عمر: «فكيف أصنع بأهل المشرق؟»، قال مروان: «نضربهم حتى يبايعوا»، فقال ابن عمر: «والله ما أحب أنها دانت لي سبعين سنة، وأنه قتل في سيفي رجل واحد»، فقال مروان:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
ولما اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، كتب ابن عمر إليه يبايعه بكتاب جاء فيه: «أما بعد، فإني قد بايعت لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة على سُنّة الله وسُنّة رسوله فيما استطعت، وإن بنيّ قد أقروا بذلك». وحين تولى الحجاج الحجاز لعبد الملك، أنكر عليه ابن عمر تأخيره للصلاة، فقد روى شهر بن حوشب أن الحجاج خطب الناس وابن عمر في المسجد حتى أمسى، فناداه ابن عمر: «أيها الرجل الصلاة»، قالها ثلاثاً، ثم أنهض الناس، فنزل الحجاج فصلّى، ثم دعا به، فقال: «ما حملك على ما صنعت؟»، فقال ابن عمر: «إنما نجيء للصلاة، فإذا حَضَرَتِ الصلاة فصلِّ بالصلاة لوقتها، ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة». كما ردّ ابن عمر الحجاج وهو يخطب على المنبر حين قال بأن ابن الزبير حرّف كتاب الله، فقال: «كذبت كذبت كذبت. ما يستطيع ذلك ولا أنت معه»، فقال له الحجاج: «اسكُت، فإنك شيخ قد خَرِفتَ، وذهب عقلك. يُوشِكُ شيخ أن يُؤخَذَ، فتُضرب عُنقهُ، فيُجَرَّ قد انتفخت خصيتاه يطوف به صبيان أهل البقيع». يقول سعيد بن عمرو بن سعيد الأشدق الأموي أن الحجاج وَجِد في نفسه، وأمر بعض خاصته، فأخذ حربة مسمومة، وضرب بها رجل ابن عمر في موسم الحج، فمرض منها مرض موته، فأتاه الحجاج يعوده، فقال: «لو أعلم الذي أصابك، لضربت عُنقه»، فقال عبد الله: «أنت الذي أصبتني». قال: «كيف؟»، قال ابن عمر: «يوم أدخلت حرم الله السلاح». فلما خرج الحجاج، قال ابن عمر: «ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومُكابدة الليل، وألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا»

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:52 PM
وفاته

كانت وفاة ابن عمر سنة 74 هـ، وقيل 73 هـ، بمكة وصلى عليه الحجاج بن يوسف الثقفي، ودفن بفخ في مقبرة المهاجرين نحو ذي طوى، وقيل دُفن بالمحصب، وقيل بسرف. وقد نعاه الذهبي، فقال: «أين مثل ابن عمر في دينه، وورعه وعلمه، وتألّهه وخوفه، من رجل تُعرض عليه الخلافة، فيأباها، والقضاء من مثل عثمان، فيرده، ونيابة الشام لعلي، فيهرب منه. فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب». توفي ابن عمر دون أن يوصي بوصية، وقد ترك ابن عمر من الولد أبا بكر وواقد وعبد الله وأبا عبيدة وعمر وحفصة وسودة (وهي التي زوّجها ابن عمر لعروة بن الزبير) وأمهم صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية، وعبد الرحمن وأمه أم علقمة بنت علقمة بن ناقش المحاربية الفهرية، وسالم وعبيد الله وحمزة وزيداً وعائشة وأبا سلمة وقُلابة وبلال وأمهاتهم أمهات أولاد، وقيل إنّ أم زيد هي سهلة بنت مالك بن الشحاح من بني زيد بن جشم بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب.

أما صفته، فقد كان ابن عمر رجل ربعة، آدمًا، جسيمًا، أصلعًا. وقال سعيد بن المسيب أن عبد الله بن عمر كان أشبه ولد عمر بعمر، وأن سالم بن عبد الله، كان أشبه ولد عبد الله بعبد الله. وكان ابن عمر يحب التطيّب، فلا يذهب الجمعة أو العيد إلا وقد دهن وتطيّب. وكان لابن عمر خاتمًا نقشه «عبد الله بن عمر»، يجعله عند ابنه أبي عبيدة، فإذا أراد أن يختم أخذه، فختم به.
روايته للحديث النبوي

روى عن: النبي محمد وأبي بكر الصديق وأبيه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل وعائشة بنت أبي بكر ورافع بن خديج وأبي هريرة وعلي بن أبي طالب وبلال بن رباح وصهيب بن سنان الرومي وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وعمه زيد بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم مولى عمر وأخته حفصة بنت عمر. وأبي لبابة الأنصاري وأبي سعيد الخدري.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:53 PM
روى عنه:

عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام والأغر المزني وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وحميد بن عبد الرحمن بن عوف ومصعب بن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب وأسلم مولى عمر ومولاه نافع وبنوه سالم وعبد الله وحمزة بلال وزيد بنو عبد الله بن عمر وابن أخيه حفص بن عاصم وعلقمة بن وقاص وأبو عبد الرحمن النهدي ومسروق بن الأجدع وجبير بن نفير وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم وأخوه خالد بن أسلم وموسى بن طلحة بن عبيد الله وعروة بن الزبير وبسر بن سعيد المدني وعطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر ومحمد بن سيرين والحسن البصري وصفوان بن محرز المازني وآدم بن علي العجلي وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب القرشي وأمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد الأموي وأنس بن سيرين الأنصاري وبشر بن حرب الندبي وبشر بن عائذ وبشر بن المحتفز وبكر بن عبد الله المزني وتميم بن عياض وثابت البناني وثابت بن عبيد وثابت بن محمد العبدي وثوير بن أبي فاختة وجبلة بن سحيم الشيباني وجبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم وجميع بن عمير التيمي وحبيب بن أبي ثابت وحبيب بن أبي مليكة النهدي والحر بن الصياح وحرملة مولى أسامة بن زيد والحسن بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف وحسين بن الحارث الجدلي والحكم بن ميناء المدني وحكيم بن أبي حرة الأسلمي وحمران مولى العبلات وحميد بن عبد الرحمن الحميري وخالد بن كيسان وداود بن سليك السعدي وأبو صالح ذكوان السمان ورزين بن سليمان الأحمري وأبو عمر زاذان والزبير بن عربي البصري والزبير بن الوليد الشامي وأبو عقيل زهرة بن معبد وزياد بن جبير بن حية الثقفي وزياد بن صبيح الحنفي وأبو الخصيب زياد بن عبد الرحمن القرشي وزيد بن جبير الجشمي الطائي وسالم بن أبي الجعد والسائب والد عطاء بن السائب وسعد بن عبيدة وسعد مولى آل أبي بكر وسعد مولى طلحة وسعيد بن جبير وسعيد بن الحارث الأنصاري وسعيد بن حسان وسعيد بن عامر وسعيد بن عمرو الأشدق الأموي وسعيد بن مرجانة وسعيد بن وهب الثوري الهمداني وأبو الحباب سعيد بن يسار وسليمان بن أبي يحيى وسليمان بن يسار وشهر بن حوشب وصدقة بن يسار وطاووس بن كيسان والطفيل بن أبي بن كعب وطيسلة بن علي البهدلي وطيسلة بن مياس وعامر بن سعد بن أبي وقاص وعباس بن جليد الحجري وعبد الله بن بدر اليمامي وعبد الله بن بريدة وأبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون وعبد الله بن شقيق العقيلي وعبد الله بن عبد الله بن جبر وابن أبي مليكة وابن أخيه عبد الله بن عبيد الله بن عمر وعبد الله بن عبيد بن عمير الليثي وأبو علوان عبد الله بن عصم الحنفي وعبد الله بن أبي قيس الشامي وعبد الله بن كيسان مولى أسماء وعبد الله بن مالك بن الحارث الهمداني وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن مرة الهمداني وعبد الله بن موهب الفلسطيني وحفيده عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن البيلماني ومولاه عبد الرحمن بن سعد وعبد الرحمن بن سمير وعبد الرحمن بن أبي نعم البجلي وعبد الرحمن بن هنيدة وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني وعبد العزيز بن قيس البصري وعبد الملك بن نافع وعبدة بن أبي لبابة وابنه عبيد الله بن عبد الله بن عمر وعبيد الله بن مقسم وعبيد بن جريج وعبيد بن حنين وعبيد بن عمير الليثي وأبو الرواع عثمان بن الحارث وعثمان بن عبد الله بن موهب وعراك بن مالك وعطية العوفي وعقبة بن حريث التغلبي وعكرمة بن خالد المخزومي وعكرمة مولى ابن عباس وعلي بن عبد الله البارقي وعمر بن عبد الرحمن المعاوي وعمرو بن دينار وأبو الحكم عمران بن الحارث السلمي وعمران بن حطان وعمران الأنصاري وعمير بن هانئ وعنبسة بن عمار وعون بن عبد الله بن عتبة والعلاء بن عرار والعلاء بن اللجلاج وعلاج بن عمرو وغطيف الهذلي والقاسم بن ربيعة بن جوش الغطفاني والقاسم بن عوف الشيباني والقاسم بن محمد بن أبي بكر وقدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي وقزعة بن يحيى وقيس بن عباد وكثير بن جمهان وكثير بن مرة وكليب بن وائل ومجاهد بن رياح ومحارب بن دثار وحفيده محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ومحمد بن عباد بن جعفر المخزومي ومحمد الباقر وابن شهاب الزهري ومحمد بن المنتشر ومروان بن سالم المقفع ومروان الأصفر ومسلم بن جندب وأبو المثنى مسلم بن المثنى المؤذن ومسلم بن أبي مريم ومسلم بن يناق والمطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي ومعاوية بن قرة المزني ومغراء العبدي ومغيث بن سمي ومغيث الحجازي والمغيرة بن سلمان ومكحول الأزدي ومنقذ بن قيس ومهاجر الشامي ومورق العجلي وموسى بن دهقان وميمون بن مهران ونابل صاحب العباء ونسير بن ذعلوق ونميلة أبو عيسى وواسع بن حبان ووبرة بن عبد الرحمن والوليد بن عبد الرحمن الجرشي وأبو مجلز لاحق بن حميد ويحنس مولى آل الزبير ويحيى بن راشد الدمشقي ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ويحيى بن وثاب ويحيى بن يعمر ويحيى البكاء وأبو صخر يزيد بن أبي سمية الأيلي وأبو البزرى يزيد بن عطارد ويسار مولاه ويوسف بن ماهك وأبو غلاب يونس بن جبير وأبو أمامة التيمي وأبو البختري الطائي وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري وأبو بكر بن حفص وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وحفيده أبو بكر بن عبد الله بن عبد الله بن عمر وأبو تميمة الهجيمي وأبو حية ال***ي وأبو الزبير المكي وأبو سعيد بن رافع وأبو سهل وأبو السوداء وأبو الشعثاء المحاربي وأبو شيخ الهنائي وأبو الصديق الناجي وأبو طعمة وأبو العباس الشاعر وأبو عثمان النهدي وأبو العجلان المحاربي وأبو عقبة وأبو غالب وأبو الفضل وأبو المنيب الجرشي وأبو نجيح المكي وأبو نوفل بن أبي عقرب البكري وأبو الوليد البصري وأبو يعفور العبدي ورقية بنت عمرو بن سعيد وعبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وعبد الرحمن بن علقمة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:56 PM
الشخصية الاسلامية الثامنة عشرة


https://k.top4top.io/p_1945ilhy31.png
https://l.top4top.io/p_19451nwad2.png

حمزة بن عبد المطلب الهاشمي القرشي. صحابي من صحابة رسول الإسلام محمد، وعمُّه وأخوه من الرضاعة وأحد وزرائه الأربعة عشر، وهو خير أعمامه لقوله: «خَيْرُ إِخْوَتِي عَلِيٌّ، وَخَيْرُ أَعْمَامِي حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا». وهو أسنُّ من الرسولِ محمدٍ بسنتين، كما أنه قريبٌ له من جهة أمه، فأمه هي هالة بنت وهيب بن عبد مناف، ابنة عم آمنة بنت وهب بن عبد مناف أمِّ الرسولِ محمدٍ. لُقِّب بسيد الشهداء، وأسد الله وأسد رسوله، ويكنى أبا عمارة، وقيل أبو يعلى. كان حمزة في الجاهلية فتىً شجاعاً كريماً سمحاً، وكان أشدَّ فتى في قريش وأعزَّهم شكيمة، فقد شهد في الجاهلية حرب الفجار التي دارت بين قبيلتي كنانة وقيس عيلان.

أسلم حمزة في السنة الثانية من بعثة النبي محمد، فلمَّا أسلم علمت قريش أن الرسولَ محمداً قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. ثم هاجر حمزة إلى المدينة المنورة، فآخى الرسولُ بينه وبين زيد بن حارثة. وكان أولُ لواء عقده الرسولُ محمدٌ هو اللواءَ الذي عقده لحمزة، وشهد حمزةُ غزوة بدر، وقَتَلَ فيها شيبة بن ربيعة مبارزةً، وقتل غيرَه كثيراً من المشركين، كما شهد غزوة أحد، فقُتل بها سنة 3هـ، وكان قد قَتَلَ من المشركين قبل أن يُقتل واحداً وثلاثين نفساً، وكان الذي قتله هو وحشي بن حرب الحبشي غلامُ جبير بن مطعم، ومثَّل به المشركون، وخرج الرسولُ يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد مُثِّل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه فقال: «رحمك الله، أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات». ودفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:57 PM
نسبه

هو «حمزة بن عبد المطلب (واسمه شيبة) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي (واسمه زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (واسمه قيس) وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». هذا هو المتفق عليه من نسبه، وهو نسب الرسول محمدٍ نفسه تقريباً، فكلاهما من نسل عبد المطلب بن هاشم. أما ما فوق معد بن عدنان ففيه اختلاف كثير، غير أنه ثبت أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم.
وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام، وهو عم الرسول محمد وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، فقد أرضعت حمزة بن عبد المطلب، ثم محمداً، ثم أبا سلمة عبد الله المخزومي القرشي، فكانوا جميعاً إخوة من الرضاعة. وقيل إنَّ حمزة ارتضع أيضًا من حليمة السعديَّة، فإذا صحَّ ذلك فحمزة أخٌ للنبيِّ مُحمدٍ من الرضاعة من جهتين، من جهة ثويبة، ومن جهة حليمة السعدية. وقال ابن قيم الجوزية: «فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين: من جهة ثويبة، ومن جهة السعدية».

بينما ينكر ويُشكك بعض علماء الشيعة بإرضاع ثويبة للنبي محمد، ويقول السيّد جعفر مرتضى العاملي: «وعلى كل حال، فإن كل ما تقدم، وسواه، يجعلنا نشك كثيرا، في أن تكون ثويبة قد أرضعت رسول الله، وحمزة، وأبا سلمة، بلبن ولدها مسروح ليكونوا جميعا أخوة من الرضاعة.». وكان حمزةُ أسنَّ من الرسولِ محمدٍ بسنتين، وقيل: بأربع سنين.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:58 PM
أمه:

«هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر

(واسمه قيس) وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». وهي ابنة عم آمنة بنت وهب أم الرسول محمد

حياته في الجاهلية


تربى حمزة بن عبد المطلب في كنف والده عبد المطلب بن هاشم الذي كان سيد قريش وبني هاشم، ونشأ مع تِربه وابن أخيه عبد الله وأخيه من الرضاعة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وعاشا ينهلان من الشمائل والقيم العربية الأصيلة، من بطولة وشجاعة وكرم ونجدة وغيرها، وارتبطت بينهما صداقة متينة ووثيقة العُرا.

كان حمزة في الجاهلية فتىً شجاعاً كريماً سمحاً، وكان أشدَّ فتى في قريش وأعزَّهم شكيمةً، فقد شهد حرب الفجار التي وقعت بعد عام الفيل بعشرين سنة، وقد دارت بين قبيلة كنانة التي منها قريش، وبين قبيلة قيس عيلان، وكانت حربُ الفجار أولَ تدريب عملي لحمزة بن عبد المطلب، حيث مارس التدريب على استعمال السلاح، وتحمل أعباء القتال ومشقات الحروب.

ويقال أن حمزة بن عبد المطلب هو الذي خطب لابن أخيه محمد خديجة بنت خويلد، فقد رُوي أن خديجة بعثت إلى الرسول محمد فقالت له: «إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك»، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهن مالاً. فلما قالت للرسول محمد ما قالت ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمُّه حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها الرسولُ محمدٌ، وقيل إن حمزة خطبها من عمها أسد بن أسد، وقيل إن الذي زوجها من النبي محمد هو عمها عمرو بن أسد، وقيل إن أبا طالب هو الذي ذهب لخطبة خديجة، وقد ولدت خديجة للنبي مُحمدٍ: القاسم،وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، وعبد الله. وكان عُمْرُ الرسول حين تزوج خديجة خمساً وعشرين سنة، وقيل إحدى وعشرون سنة، وكان عمر خديجة حينئذ أربعين سنة، وقيل ثمان وعشرون سنة، وقيل غير ذلك.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:59 PM
إسلامه

أَسْلم حمزة بن عبد المطّلب في السّنة الثّانية من بعثة النبي محمد، وقيل: بعد دخول النبي دارَ الأرْقم في السّنة السّادسة من مَبْعَثه. وكان سببُ إسلامه أن أبا جهل عَمراً بن هشام المخزومي القرشي اعترض الرسولَ محمداً عند جبل الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلمه الرسولُ محمدٌ، ومولاةٌ لعبد الله بن جدعان التيمي القرشي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم. ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على نادٍ من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعزَّ قريش وأشدَّها شكيمةً، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه، فلما مر بالمولاة، وقد قام الرسولُ محمدٌ فرجع إلى بيته، قالت له: «يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابنَ أخيك من أبي الحكم آنفاً، وجده ههنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمدٌ»، فاحتمل حمزةَ الغضبُ، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، مُعداً لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجةً منكرةً، ثم قال: «أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك علي إن استطعت»، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: «ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت»، فقال حمزة: «وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسولُ الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين»، فقال أبو جهل: «دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً»، وتم حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه الرسولَ محمداً من قوله، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن الرسولَ محمداً قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.

ثم رجع حمزة إلى بيته، فأتاه الشيطان فقال: «أنت سيد قريش، اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك، لَلموتُ كان خيراً لك مما صنعت»، فأقبل على حمزة بثُّه فقال: «ما صنعتُ اللهم إن كان رشداً فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعتُ فيه مخرجاً»، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان وتزيينه حتى أصبح، فغدا على الرسولِ محمدٍ فقال: «يا ابن أخي، إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غي شديد؟ فحدثني حديثاً فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني»، فأقبل الرسولُ محمدٌ فذكّره ووعّظه وخوّفه وبشّره، فألقى الله تعالى في نفسه الإيمان بما قال الرسولُ محمدٌ، فقال: «أشهد أنك الصادقُ، شهادة الصدق، فأظهر يا ابن أخي دينَك، فوالله ما أُحبُّ أنَّ لي ما أظلته السماءُ وأني على ديني الأول».

ورُوي عن حمزة بن عبد المطلب أنه قال:

حَمِدْتُ اللهَ حِينَ هَدى فُؤادِي إلى الإِسْلامِ والدِّينِ الحَنيفِ
لِدينٍ جَاءَ مِنْ رَبٍّ عَزيزٍ خَبيرٍ بِالعِبادِ بِهمْ لِطيفِ
إذَا تُليَتْ رَسَائلُهُ عَلَيْنَا تَحَدَّرَ دَمعُ ذِي اللُّبِ الحَصيفِ
رَسَائلُ جَاءَ أَحمَدُ مِن هُداهَا بِآياتٍ مُبيناتِ الحُروفِ
وأَحْمدُ مُصطفىً فِينَا مُطاعٌ فَلا تَغشوهُ بِالقولِ العَنيفِ
فَلا وَاللهِ نُسلِمُهُ لِقَومٍ ولـمَّا نَقضِ فِيهِمْ بِالسُّيوفِ
ونَتركُ مِنهمُ قَتلى بِقَاعٍ عَليها الطَّيرُ كالوَردِ العَكوفِ
وَقَدْ خُبِّرتُ مَا صَنَعتْ ثَقيفٌ بِهِ فَجُزي القَبائلُ من ثَقيفِ
إلهَ النَّاسِ شَرَّ جَزاءِ قَومٍ ولا أَسقاهُمُ صَوبَ الخَريفِ

وسر أبو طالب بإسلامه وأنشأ يقول:

صَبراً أَبا يَعلى عَلى دينِ أَحمَد وَكُن مُظهِراً لِلدينِ وُفِّقتَ صابِرا
وَحُط مَن أَتى بِالحَقِّ مِن عِندِ رَبِّهِ بِصِدقٍ وَعَزمٍ لا تَكُن حَمزَ كافِرا
فَقَد سَرَّني إِذ قُلتَ إِنَّكَ مُؤمِنٌ فَكُن لِرَسولِ اللَهِ في اللَهِ ناصِرا
وَنادِ قُرَيشاً بِالَّذي قَد أَتَيتَهُ جهاراً وَقُل ما كانَ أَحمَدُ ساحِر

وبعد إسلام حمزة قويت شوكة المسلمين، وأخذ حمزةُ يُعلن دينه في كل مكان، ويتحدى أبطال قريش، ومنهم عمر بن الخطاب، حيث إن عمر بن الخطاب لما أراد أن يسلم قال لخباب بن الأرت: «فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم»، فقال له خباب: «هو في بيت عند الصفا، معه فيه نفر من أصحابه»، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى الرسولِ محمدٍ وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب الرسولِ، فنظر من خلل الباب فرآه متوشحاً السيف، فرجع إلى الرسولِ محمدٍ وهو فَزِع، فقال: «يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً السيف»، فقال حمزة بن عبد المطلب: «فأذن له، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه»، فقال الرسولُ محمدٌ: «ائذن له»، فأذن له الرجل، ونهض إليه الرسولُ محمدٌ حتى لقيه في الحجرة، فأخذ حجزته (موضع شد الإزار) أو بمجمع ردائه، ثم جبذه به جبذةً شديدةً، وقال: «ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة»، فقال عمر: «يا رسول الله، جئتك لأومن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله»، فكبَّر الرسولُ محمدٌ تكبيرةً عَرف أهل البيت من أصحاب الرسولِ أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب الرسولِ من مكانهم، وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان الرسولَ محمداً، وينتصفون بهما من عدوهم. وهذه القصة تدل على شجاعة حمزة، فقد كان عمر مشهوراً بالشدة والبطش، وبعد إسلام عمر خرج المسلمون إلى شوارع مكة جهرةً، وكانوا بصفَّين: أحدهما يتقدمه عمر، والثاني حمزة، فبإسلامهما عز الإسلامُ والمسلمون.

ولما أسلم حمزة بن عبد المطلب، قالت قريش بعضها لبعض: «إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمرُ محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب، فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا»، ويدل ذلك على خوف المشركين من إسلام حمزة وعمر، وقلقهم أن ينتشر الإسلام بين قبائل قريش كلها بإسلامهم.

عطر الزنبق
06-14-2021, 08:59 PM
هجرته

سرية حمزة إلى سيف البحر

كان أولُ لواء عقده الرسولُ محمدٌ لحمزة بن عبد المطلب، إذ بعثه في سرية إلى سيف البحر من أرض جهينة، وقيل إن أول لواء عقده لعبيدة بن الحارث بن المطلب، قال ابن إسحاق: «فكانت رايةُ عبيدة بن الحارث -فيما بلغني- أولَ راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لأحد من المسلمين».

بعث الرسولُ محمدٌ حمزةَ بنَ عبد المطلب إلى سيف البحر من ناحية العيص، في ثلاثين راكباً من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فلقي أبا جهل بنَ هشام بذلك الساحل في ثلاثمئة راكب من أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف بعضُ القوم عن بعض، ولم يكن بينهم قتال، وكان الذي يحمل لواء حمزة أبا مرثد الغنوي.

وقال بعض الرواة: «كانت رايةُ حمزة أولَ راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين»، وذلك أنَّ بعْثَه وبعْثَ عبيدة كانا معاً، فشُبِّه ذلك على الناس، وقد زعموا أن حمزة قد قال في ذلك شعراً يذكر فيه أن رايتَه أولُ راية عقدها الرسول محمد، وقال ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر يُنكر هذا الشعر لحمزة رضيَ الله عنه». وأما هذا الشعر الذي يُنسب لحمزة فهو هذه الأبيات:

ألا يا لقومي للتحلم والجهلِ وللنقص من رأي الرجال وللعقلِ
وللراكبينا بالمظالم لم نطأ لهم حرمات من سوام ولا أهلِ
كأنا تبلناهم ولا تبل عندنا لهم غير أمر بالعفاف وبالعدلِ
وأمر بإسلام فلا يقبلونه وينزل منهم مثل منزلة الهزلِ
فما برحوا حتى انتدبت لغارة لهم حيث حلوا ابتغى راحة الفضلِ
بأمر رسول الله، أول خافق عليه لواء لم يكن لاح من قبلي
لواء لديه النصر من ذي كرامة إله عزيز فعله أفضل الفعلِ
عشية ساروا حاشدين وكلنا مراجله من غيظ أصحابه تغلي
فلما تراءينا أناخوا فعقلوا مطايا وعقلنا مدى غرض النبلِ
فقلنا لهم: حبل الإله نصيرنا وما لكم إلا الضلالة من حبلِ
فثار أبو جهل هنالك باغياً فخاب وردَّ الله كيد أبي جهلِ
وما نحن إلا في ثلاثين راكباً وهم مائتان بعد واحدة فضلِ
فيا للؤي لا تطيعوا غواتكم وفيئوا إلى الإسلام والمنهج السهلِ
فإني أخاف أن يُصبَّ عليكمُ عذاب فتدعوا بالندامة والثكلِ

فأجابه أبو جهل بأبيات من الشعر قال فيها ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر يُنكر هذا الشعر لأبي جهل»، وأما هذا الشعر الذي يُنسب لأبي جهل فهو هذه الأبيات:

عجبت لأسباب الحفيظة والجهلِ وللشاغبين بالخلاف وبالبطلِ
وللتاركين ما وجدنا جدودنا عليه ذوي الأحساب والسؤدد الجزلِ
أتَونا بإفك كي يُضلوا عقولنا وليس مضلاً إفكهم عقل ذي عقلِ
فقلنا لهم: يا قومنا لا تخالفوا على قومكم إن الخلاف مدى الجهلِ
فإنكم إن تفعلوا تُدع نسوة لهن بواك بالرزية والثكلِ
وإن ترجعوا عما فعلتم فإننا بنو عمكم أهلُ الحفائظ والفضلِ
فقالوا لنا: إنا وجدنا محمداً رضاُ لذوي الأحلام منا وذي العقلِ
فلما أبوا إلا الخلاف وزيَّنوا جماع الأمور بالقبيح من الفعلِ
تيمَّمتُهم بالساحلين بغارة لأتركَهم كالعصف ليس بذي أصلِ
فورَّعني مجدي عنهم وصحبتي وقد وازروني بالسيوف وبالنبلِ
لإلَّ علينا واجب لا نُضِيعه أمين قواه غير منتكث الحبلِ
فلولا ابن عمرو كنتُ غادرتُ منهمُ ملاحمَ للطير العكوف بلا تبلِ
ولكنَّه آلى بإلٍّ فقلصت بأيماننا حد السيوف عن القتلِ
فإن تُبقني الأيامُ أرجعْ عليهمُ ببيض رقاق الحد محدَثة الصقلِ
بأيدي حماة من لؤي بن غالب كرام المساعي في الجدوبة والمحلِ
عميس.

أمة الله بنت حمزة بن عبد المطلب:

ذكرها ابن حجر العسقلاني في قسم من لهم رؤية وقال: «أَمَة الله بنت حمزة بن عبد المطلب، تكنى أم الفَضْل. قيل: هي أمامة الماضية - يعني: أمامة بنت حمزة بن عبدالمطلب - وقيل أختها؛ فإن كانت غيرها فلعلها ماتت صغيرة، فإني لم أَجد لها ذِكْرًا في كتاب النسب، فذكرتها في هذا القسم.». وقال ابن عبد البر في ترجمة سلمى بنت عميس: «كانت تحت حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه، فولدت له أمة الله بنت حمزة، ثم خلف عليها بعده شداد بن أُسامة بن الهاد الليثي، فولدت له عبد الله وعبد الرّحمن»، وجاء في موقع إسلام ويب: «فقد كان لحمزة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أبناء وبنات عاشوا بعده، وسمي لنا منهم عمارة ويعلى وأمة الله وأمامة.».

كما ذكر ابن قدامة المقدسي في التبيين "أم الفضل بنت حمزة بن عبد المطلب" مع ذكره أمامة وفاطمة، ولم يذكر اسمها فلعل أم الفضل كُنية لإحدى بناته المذكورات سابقاً، قال ابن قدامة: «روى عنها عبد الله بن شداد قال: توفي مولى لنا وترك بنتًا وأختًا، فأتينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطى البنت النصف، وأعطى الأخت النصف، وروى عنه أنه قال: هلك مولى لبنت حمزة وترك بنتاً ومولاته، فأعطى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ابنته النصف وأعطى الباقي لبنت حمزة، وقال إبراهيم النخعي: ان مولى حمزة مات وترك بنته وبنت حمزة، فأعطى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ابنته النصف، وبنت حمزة ما بقي. والرواية قبل هذا أصح وعليها العمل عند العلم.».

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:00 PM
جهاده في غزوة بدر

شهد حمزة بن عبد المطلب بدراً، وأبلى فيها بلاءً عظيماً مشهوراً، وكان حمزة بن عبد المطلب هو الذي ابتدأ قتال المشركين في غزوة بدر، فقد خرج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي القرشي فقال: «أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه»، فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة، وهم: عوف ومعوذ ابنا الحارث -وأمهما عفراء- ورجل آخر يُقال هو عبد الله بن رواحة، فقالوا: «من أنتم؟»، فقالوا: «رهط من الأنصار»، قالوا: «ما لنا بكم من حاجة»، ثم نادى مناديهم: «يا محمد، أخرج إلينا أكفاءَنا عن قومنا»، فقال الرسولُ محمدٌ: «قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي»، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: «من أنتم؟»، قال عبيدة: «عبيدة»، وقال حمزة: «حمزة»، وقال علي: «علي»، قالوا: «نعم، أكفاء كرام». فبارز عبيدةُ، وكان أسن القوم، عتبةَ بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فأما حمزة فلم يُمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه (أي جرحه جراحةً لم يقم معها)، وكرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه (أي أسرعا قتله)، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه.

وكان حمزة يُعلَّم في الحرب بريشة نعامة، وقاتل يوم بدر بين يدي الرسول محمد بسيفين، وقد رُوي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال لي أمية بن خلف، وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما (أي وهما أسيران عنده): «يا عبد الإله، من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره؟»، قلت: «ذاك حمزة بن عبد المطلب»، قال: «ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل».

وأما الذين رُوي أن حمزة بن عبد المطلب هو من قتلهم في غزوة بدر فهم:

شيبة بن ربيعة العبشمي القرشي، قتله حمزةُ مبارزةً.
عتبة بن ربيعة العبشمي القرشي، اشترك فيه عبيدة بن الحارث بن المطلب وحمزة وعلي.
حنظلة بن أبي سفيان بن حرب الأموي القرشي، قتله علي بن أبي طالب حسب مشهور الروايات، وقيل: قتله زيد بن حارثة، ويقال: اشترك فيه حمزة وعلي وزيد. وذكر البلاذري أن حمزة وعلي قتلاه.
طعيمة بن عدي النوفلي القرشي، قتله علي بن أبي طالب، ويُقال حمزة بن عبد المطلب.
زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي القرشي، اشترك فيه حمزة وعلي بن أبي طالب وثابت بن الجذع.
عقيل بن الأسود بن المطلب الأسدي القرشي، قتله حمزة وعلي، اشتركا فيه.
أبو قيس بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي.
الأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي القرشي.
نبيه بن الحجاج بن عامر السهمي القرشي، قتله حمزة بن عبد المطلب وسعد بن أبي وقاص، اشتركا فيه.
عائذ بن السائب بن عويمر المخزومي القرشي، أُسر ثم افتُدي فمات في الطريق من جراحة جرحه إياها حمزة بن عبد المطلب.
وكان مما قيل من الشعر في يوم بدر، وترادَّ به المسلمون بينهم لِما كان فيه، قول حمزة بن عبد المطلب:

ألم تر أمراً كان من عجب الدهرِ وللحين أسبابٌ مبينة الأمرِ
وما ذاك إلا أن قوماً أفادهم فحانوا تواصٍ بالعقوق وبالكفرِ
عشية راحوا نحو بدرٍ بجمعهم فكانوا رهوناً للركية من بدرِ
وكنا طلبنا العيرَ لم نبغِ غيرها فساروا إلينا فالتقينا على قدرِ
فلما التقينا لم تكن مثنويةٌ لنا غيرَ طعن بالمثقفة السمرِ
وضربٍ ببِيضٍ يختلي الهامُ حدَّها مشهرةِ الألوان بيِّنةِ الأثرِ
ونحن تركنا عتبة الغي ثاوياً وشيبة في القتلى تجرجم في الجفرِ
وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم فشقت جيوب النائحات على عمرو
جيوبُ نساء من لؤي بن غالب كرام تفرعن الذوائب من فهرِ
أولئك قوم قُتِّلوا في ضلالهم وخلَّوا لواءً غير محتضر النصرِ
لواءَ ضلال قاد إبليسُ أهلَه فخاس بهم، إن الخبيث إلى غدرِ
وقال لهم، إذ عاينَ الأمر واضحاً برئتُ إليكم ما بي اليوم من صبرِ
فإني أرى ما لا ترون وإنني أخاف عقاب الله والله ذو قسرِ
فقدَّمهم للحين حتى تورَّطوا وكان بما لم يخبرِ القومَ ذا خبرِ
فكانوا غداة البئر ألفاً وجمعُنا ثلاث مئين كالمسدمة الزهرِ
وفينا جنود الله حين يمدنا بهم في مقامٍ ثم مستوضح الذكرِ
فشدَّ بهم جبريلُ تحت لوائنا لدى مأزق فيه مناياهم تجري

جهاده في غزوة أحد ووفاته


شهد حمزة بن عبد المطلب غزوة أحد، فقُتل بها يوم السبت في النصف من شوال، وكان قَتَلَ من المشركين قبل أن يُقتل واحداً وثلاثين نفساً، وقاتل حمزةُ حتى قَتَلَ أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء. وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول:

إن على أهل اللواء حقاً أن يخضبوا الصعدة أو تندقا
فحمل عليه حمزة فقتله. ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني، وكان يُكنى بأبي نيار، فقال حمزة: «هلم إلي يا ابن مقطعة البظور»، وكانت أمُّه أمُّ أنمارٍ مولاةَ شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكانت ختانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله.

وقد رُوي عن ابن الشياب أنه قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آخرَ أصحابه يوم الشعب (يعني يوم أحد)، ليس بينه وبين العدو غير حمزة، يقاتل العدو حتى قُتل، وقد قَتَلَ اللهُ بيد حمزة رضيَ الله عنه من الكفار واحداً وثلاثين رجلاً، وكان يدعى أسد الله».

وكان جبير بن مطعم النوفلي القرشي قد دعا غلاماً له حبشياً يُقال له وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلَّما يخطئ بها، فقال له: «اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عمَّ محمد بعمي طعيمة بن عدي، فأنت عتيق». وكان وحشي كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول: «ويهاً أبا دسمة، اشف واشتف»، أي تحرضه على قتل حمزة بن عبد المطلب.

وكان حمزة يقاتل يومئذٍ بسيفين، فقال قائل: «أيّ أسد هو حمزة!»، فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره، فانكشف الدرعُ عن بطنه، فزرقه وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله. ومثَّل به المشركون، وبجميع قتلى المسلمين إلا حنظلة بن أبي عامر الراهب الأوسي، فإن أباه كان مع المشركين فتركوه لأجله، وجعلت نساء المشركين (هند بنت عتبة وصواحباتها) يجدعن أُنُفَ المسلمين وآذانَهم ويبقرون بطونَهم، وبقرت هند بطن حمزة فأخرجت كبده، فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها، فقال الرسولُ محمدٌ: «لو دخل بطنها لم تمسها النار». وذكر موسى بن عقبة: «أن الذي بقر عن كبد حمزة وحشيٌّ، فحملها إلى هند فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها، فالله أعلم».

وكان مقتل حمزة للنصف من شوال من سنة 3هـ، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة، على قول من يقول إنه كان أسن من الرسول محمدٍ بسنتين، وقيل: كان عمره تسعاً وخمسين سنة، على قول من يقول إنه كان أسن من الرسولِ محمدٍ بأربع سنين، وقيل: كان عمره أربعاً وخمسين سنة، وهذا يقوله من جعل مقام الرسولِ محمدٍ بمكة بعد الوحي عشر سنين، فيكون للرسول اثنتان وخمسون سنة، ويكون لحمزة أربعٌ وخمسون سنة، فإنهم لا يختلفون في أن حمزة أكبر من الرسول

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:01 PM
وحشي يروي قصة قتله حمزة


روي عن وحشي بن حرب أنه حدَّث جعفر بن عمرو بن أمية الضمري الكناني وعبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي القرشي بقصة قتله حمزة بن عبد المطلب، فقال:

حمزة بن عبد المطلب ...أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك، كنت غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير: «إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق»، فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلَّما أخطئ بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً، ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال له: «هلم إلي يا ابن مقطعة البظور»، فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغُلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق.
فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف، فمكثت بها، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُسلِموا تعيت علي المذاهب، فقلت: «ألحق بالشأم، أو اليمن، أو ببعض البلاد»، فوالله إني لفي ذلك من همي، إذ قال لي رجل: «ويحك! إنه والله ما يقتل أحداً من الناس دخل في دينه، وتشهَّد شهادتَه»، فلما قال لي ذلك، خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يرعه إلا بي قائماً على رأسه أتشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال: «أوحشي؟»، قلت: «نعم يا رسول الله»، قال: «اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة»، فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي قال: «ويحك! غيب عني وجهك، فلا أرينك»، فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني، حتى قبضه الله صلى الله عليه وسلم. فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف، وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتلت شر الناس.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:02 PM
حمزة بن عبد المطلب
وقال ابن هشام: فبلغني أن وحشياً لم يزل يُحَدُّ في الخمر حتى خُلع من الديوان، فكان عمر بن الخطاب يقول: «قد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدعَ قاتل حمزة»

حزن الرسول محمد والمسلمين على مقتل حمزة

وخرج الرسولُ محمدٌ يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بُقر بطنه عن كبده، ومُثِّل به، فجُدع أنفه وأذناه، فقال حين رأى ما رأى: «لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته، حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم»، فلما رأى المسلمون حزنَ الرسولِ محمد وغيظَه على من فُعل بعمه ما فُعل، قالوا: «والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب».

وعن ابن عباس أنه قال: «أن الله عز وجل أنزل في ذلك، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول أصحابه: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ، فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصبر ونهى عن المثلة»

ولما وقف الرسولُ محمدٌ على حمزة قال: «لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا»، ثم قال: «جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله». وقال أبو هريرة: «وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مُثِّل به، فلم يرَ منظراً كان أوجع لقلبه منه فقال: «رحمك الله، أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات»». وقال جابر: «لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة قتيلاً بكى، فلما رأى ما مُثِّل به شهق، وقال: «لولا أن تجد صفية لتركته حتى يحشر من بطون الطير والسباع»»، وصفية هي أخت حمزة وهي أم الزبير بن العوام. وروى محمد بن عقيل عن جابر أنه قال: «لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ما فُعل بحمزة شهق، فلما رأى ما فُعل به صعق».

وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه، وكان أخاها لأبيها وأمها، فقال الرسولُ محمدٌ لابنها الزبير بن العوام: «القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها»، فقال لها: «يا أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي»، قالت: «ولم؟ وقد بلغني أن قد مُثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله»، فلما جاء الزبير إلى الرسولِ محمدٍ فأخبره بذلك، قال: «خل سبيلها»، فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر به الرسولُ محمدٌ فدفن.

وعن جابر بن عبد الله قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في قبر واحد، يقول: «أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟»، فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة»، وأمر بدفنهم في دمائهم، فلم يُغسلوا، ودفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش الأسدي في قبر واحد، وكُفّن حمزةُ في نمرة، فكان إذا تُركت على رأسه بدت رجلاه، وإذا غطى بها رجلاه بدا رأسُه، فجُعلت على رأسه، وجُعل على رجليه شيء من الإذخر». وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق أنه قال: «كان ناس من المسلمين قد احتملوا قتلاهم إلى المدينة ليدفنوهم بها، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «ادفنوهم حيث صرعوا»

الصلاة على حمزة

رُوي عن ابن عباس أنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسُجِّي ببردة ثم صلى عليه، فكبر سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة»، ورُوي عن أنس بن مالك أنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر على جنازة كبَّر عليها أربعاً، وأنه كبَّر على حمزة سبعين تكبيرة»، وقال أبو أحمد العسكري: «وكان حمزة أولَ شهيد صلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وفي رواية عن أبي سفيان أنه قال: «قد كانت في القوم مثلةٌ، وإن كانت لَعَنْ غَيرِ مَلَأٍ مِنَّا، مَا أَمَرتُ وَلَا نَهَيتُ وَلَا أَحبَبتُ وَلَا كَرِهتُ، ولا ساءني ولا سرني. قال: فنظروا فإذا حمزة قد بُقِرَ بطنُه، وأخذت هند كبداً فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أأكلت شيئاً؟»، قالوا: «لا»، قال: «ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة في النار»، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه، وجيء برجل من الأنصار فوُضع إلى جنبه فصلى عليه، فرُفع الأنصاري وتُرك حمزة، وجيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رُفع وتُرك حمزةُ، حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة»

العودة إلى المدينة ورثاء حمزة

ثم عاد الرسولُ محمدٌ راجعاً إلى المدينة المنورة، فلقيته حمنة بنت جحش الأسدية، فلما لقيت الناس نُعي إليها أخوها عبد الله بن جحش الأسدي، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير العبدري القرشي، فصاحت وولولت، فقال الرسولُ محمدٌ: «إن زوج المرأة منها لبمكان»، لِما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.

ومر الرسولُ محمدٌ بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وبني ظفر من الأوس، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عيناه فبكى، ثم قال: «لكن حمزة لا بواكي له»، فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن، ثم يذهبن فيبكين على عم الرسولِ محمدٍ، فلما سمع الرسولُ محمدٌ بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه، فقال: «ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن»، قال ابن هشام: «ونُهي يومئذ عن النوح». وروي عن أبي عبيدة أن الرسولَ محمداً لما سمع بكاءهن قال: «رحم الله الأنصار، فإن المواساة منهم ما عتمت لقديمة، مروهن فلينصرفن».

وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، تَبْكِي أَخَاهَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:

أَسَائِلَةً أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ
فَقَالَ الْخَبِيرُ إنّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى وَزِيرُ رَسُولِ اللّهِ خَيْرُ وَزِيرِ
دَعَاهُ إلَهُ الْحَقّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً إلَى جَنّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ
فَذَلِكَ مَا كُنّا نُرَجّي وَنَرْتَجِي لِحَمْزَةِ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرِ مَصِيرِ
فَوَاَللّهِ لَا أَنْسَاك مَا هَبّتْ الصّبَا بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي
عَلَى أَسَدِ اللّهِ الّذِي كَانَ مِدْرَهَا يَذُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُلّ كَفُورِ
فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ
أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النّعِيّ عَشِيرَتِي جَزَى اللّهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِرْ

وقال كعب بن مالك السلمي الخزرجي برثاء حمزة هذه الأبيات (وقيل هي لعبد الله بن رواحة الحارثي الخزرجي):

بـكـت عيني وحُـقَّ لها بكـاها وما يُغني البكاءُ ولا العويلُ
عـلـى أسد الإله غـداة قالوا لحمزة: ذاكم الرجـل القتيلُ
أصـيـب المسلمون به جـميـعاً هـنـاك وقد أصيب به الرسولُ
أبا يـعـلى لك الأركـان هـدَّت وأنـت الماجد البر الوصـولُ
علـيـك سـلامُ ربك فـي جـنـانٍ يـخـالـطـهـا نعـيمٌ لا يزولُ
ألا يـا هاشـمَ الأخـيار صبـراً فـكـل فـعـالـكم حسنٌ جمـيلُ
رسـول اللـه مصـطـبرٌ كـريـمٌ بـأمـر اللـه ينطق إذ يقولُ
ألا مـن مُـبـلِـغ عـنـي لـؤياً فـبـعـدَ اليوم دائـلةٌ تدولُ
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا وقـائعنا بها يُشـفى الغليلُ
نـسـيـتـم ضربنا بقلـيب بدر غداة أتـاكم الموت العجـيلُ
غـداةَ ثـوى أبو جهل صـريـعاً عليه الطـير حائـمة تـجـولُ
وعـتـبـة وابنه خرا جـميـعاً وشـيـبـة غضَّه السيف الصقيلُ
ألا يا هـنـدُ لا تُبـدي شمـاتاً بـحـمـزة إن عـزكـم ذلـيـلُ
ألا يا هـنـدُ فابكـي لا تملِّـي فأنت الوالهُ العبرى الثكولُ

وقال حسان بن ثابت النجاري الخزرجي يبكي حمزة بن عبد المطلب:

أتعرف الدارَ عفا رسمُها بعدَك صوب المسبل الهاطلِ
بين السراديح فأدمانة فمدفع الروحاء في حائلِ
ساءلتُها عن ذاك فاستعجمت لم تَدرِ ما مرجوعة السائلِ؟
دع عنك داراً قد عفا رسمها وابكِ على حمزة ذي النائلِ
المالئِ الشيزى إذا أعصفت غبراء في ذي الشبم الماحلِ
والتارك القرن لدى لبدة يعثر في ذي الخرص الذابلِ
واللابس الخيل إذ أجحمت كالليث في غابته الباسلِ
أبيض في الذروة من هاشم لم يمر دون الحق بالباطلِ
مال شهيداً بين أسيافكم شلت يداً وحشي من قاتلِ
أي امرئ غادر في ألة مطرورة مارنة العاملِ
أظلمت الأرض لفقدانه وأسودَّ نور القمر الناصلِ
صلى عليه الله في جنة عالية مكرمة الداخلِ
كنا نرى حمزة حرزاً لنا في كل أمر نابنا نازلِ
وكان في الإسلام ذا تدرأ يكفيك فقد القاعد الخاذلِ
لا تفرحي يا هندُ واستحلبي دمعاً وأذري عبرة الثاكلِ
وابكي على عتبة إذ قطه بالسيف تحت الرهج الجائلِ
إذا خرَّ في مشيخة منكم من كل عاتٍ قلته جاهلِ
أرداهم حمزة في أسرةٍ يمشون تحت الحلق الفاضلِ
غداة جبريل وزير له نعم وزير الفارس الحاملِ


وقد رُوي عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف أُتي بطعام، وكان صائماً فقال: «قُتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، فكُفن في بردته، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه»، وأراه قال: «وقُتل حمزة وهو خير مني، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط»، أو قال: «أُعطينا من الدنيا ما أُعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتُنا عجلت لنا»، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

قبر حمزة

دفن حمزة وعبد الله بن جحش في قبرًا واحد، وتروي كتب الشيعة أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من زارني ولم يزر عمي حمزة فقد جفاني».

وروى ابن شبة النميري وابن سعد أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تأتي وتزور قبر حمزةَ فتَرُمّه وتُصلِحُهُ وقد تعلمته بحجر. وذكر الشيخ الطبرسي أن فاطمة الزهراء كانت تستعمل تربة حمزة كمسابيح، فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين عدل بالامر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية. وروى البيهقي في السنن الكبرى أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده، وروى الحاكم النيسابوري أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة بن عبد المطلب في الأيام فتصلى وتبكي عنده.

وروى الخزاز القمي وعباس القمي عن محمود بن لبيد قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت فاطمة عليها السلام تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة فوجدتها تبكي هناك، فأمهلتها حتى سكنت، فأتيتها وسلمت عليها وقلت: «يا سيدة النسوان قد والله قطعت أنياط قلبي من بكائك»، فقالت: «يا أبا عمر، ويحق لي البكاء فلقد أصبته بخير الآباء رسول الله صلى الله عليه وآله واشوقاه إلى رسول الله»، ثم أنشأت تقول:

إذا ماتَ يَوْماً مَيِّتٌ قَلَّ ذِكرُهُ وَذِكْرُ أبي مُذْ ماتَ وَاللهِ اَكْثَرُ
وكان على قبر حمزة مسجدًا، وفي سنة 1344 هـ قامت الوهابية بهدم قبر حمزة بالكامل، ومن ثم قامو ببناء مسجدًا بجانب القبر عرف بـمسجد حمزة ومسجد سيد الشهداء

زوجاته وذريته

زوجاته

تزوج حمزة بن عبد المطلب عدة زوجات هنَّ:

بنت الملة بن مالك بن عبادة بن حجر بن عوف الأوسية الأنصارية،

وهي التي أنجبت لحمزة: يعلى، وعامر، وبكر، وقيل أيضًا إنها أنجبت له فاطمة.
خولة بنت قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن مالك النجارية الخزرجية الأنصارية، تكنى أم محمد، وقيل أم حبيبة. وقد قيل إن امرأة حمزة خولة بنت ثامر، وقيل إن ثامراً لقبٌ لقيس بن قهد، قال علي بن المديني: «خولة بنت قيس هي خولة بنت ثامر». وقد قُتل عنها حمزة يوم أحد، فخلف عليها النعمان بن العجلان الزرقي الخزرجي الأنصاري. وهي التي أنجبت لحمزة: عمارة. وذكر ابن سعد في الطبقات أنها ولدت له يعلى وعمارة وابنتين له لم تدركا.

سلمى بنت عميس الشهرانية الخثعمية،

أخت أسماء بنت عميس زوج جعفر بن أبي طالب، وهي إحدى الأخوات اللاتي قال فيهن الرسولُ محمدٌ: «الأخوات مؤمنات». وكانت سلمى زوجَ حمزة بن عبد المطلب، ثم خلف عليها بعده شداد بن أسامة بن الهاد الليثي الكناني، فولدت له عبد الله، وعبد الرحمن. وهي التي أنجبت لحمزة: أمامة..

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:06 PM
أبنائه
يعلى بن حمزة بن عبد المطلب، ابنُ عم الرسولِ محمدٍ. قال الزبير: «لم يعقب أحدٌ من بني حمزة بن عبد المطلب إلا يعلى وحده، فإنه ولد له خمسة رجال لصلبه، وماتوا ولم يعقبوا، فلم يبقَ لحمزة عقب».

عامر أو عمرو بن حمزة بن عبد المطلب،
ودرج وهو صغير. وجاء في كتاب الدرة اللطيفة في الأنساب الشريفة عند ذكر أبناء حمزة بن عبد المطلب: «عامر أو عمرو درج».

بكر بن حمزة بن عبد المطلب،
درج وهو صغير.

عمارة بن حمزة بن عبد المطلب،

ابنُ عم الرسولِ محمدٍ، وبه كان حمزة يُكنَّى. وقد توفي الرسولُ محمدٌ ولعمارة ويعلى ابني حمزة أعوام.

فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب:

وتُكنى أم الفضل، جاء في بعض المصادر أن أمها بنت الملة ولها صحبة، ولا عقب لها، وروى علي بن أبي طالب قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلة إستبرق، فقال: «اجْعَلْهَا خُمرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ»، فشققتها أربعة أخمرة: خمارًا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخمارًا لفاطمة بنت أسد، وخمارًا لفاطمة بنت حمزة، ولم يذكر الرابعة، قال ابن حجر العسقلاني: ولعلها امرأة عقيل.

أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب،

اختُلف في اسمها، فسماها اْبْنُ الكَلْبِيِّ أُمامة، وسماها الواقدي عمارة، وحكى ابْنُ السَّكَنِ أنه قيل: إن اسمها فاطمة، وقال البلاذري: «وبعضهم زعم أن اسمها أمة الله وبعضهم يقول أم أبيها وقال بعضهم عمارة والثبت أمامة...». وقد زوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سلمة بن أبي سلمة، فكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «هل جزيت سلمة؟»، لأن سلمة هو الذي زوج أمه أم سلمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأم أمامة: سلمى بنت عميس الشهرانية الخثعمية.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:10 PM
الشخصية الاسلامية التايعة عشرة

https://c.top4top.io/p_1946ad1qj1.png

https://d.top4top.io/p_1946bo5nr2.png
https://e.top4top.io/p_1946u760e3.png

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، (3 ق هـ / 618م - 68 هـ / 687م) هو صحابي محدث وفقيه وحافظ ومُفسِّر، وابن عم النبي محمد، وأحد المكثرين لرواية الحديث، حيث روى 1660 حديثًا عن النبي محمد.

ولد في مكة في شعب أبي طالب قبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات، وهاجر مع أبيه العباس بن عبد المطلب قبيل فتح مكة فلقوا النبي محمدًا بالجحفة؛ وهو ذاهب لفتح مكة، فرجعا وشهدا معه فتح مكة، ثم شهد غزوة حنين وغزوة الطائف، ولازم النبي وروى عنه، ودعا له النبي قائلًا: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»، وقال أيضًا: « اللهم علمه الكتاب، اللهم علمه الحكمة»، توفي النبي وعمره ثلاث عشرة سنة، فكان يفسّر القرآن بعد موت النبي، حتى لُقِّب بـ حّبر الأمة وترجمان القرآن، والحبر والبحر.

كان ابن عباس مستشارًا لعمر بن الخطاب في خلافته على صغر سنة، وكان يُلقبه بـ فتى الكهول، شهد ابن عباس فتح إفريقية سنة 27 هـ مع ابن أبي السرح، وغزا طبرستان مع سعيد بن العاص في سنة 30 هـ، وتولى إمامة الحج سنة 35 هـ بأمر عثمان، وشهد مع علي بن أبي طالب موقعة الجمل ووقعة صفين، وكان أميرًا على الميسرة، ثم شهد مع علي قتال الخوارج في النهروان، وأرسله علي إلى ستة آلاف من الحرورية فحاورهم ابن عباس، فرجع منهم ألفان. وولاه علي على البصرة، من سنة 36 هـ حتى سنة 39 هـ، ثم خلفه عليها أبو الأسود الدؤلي.

ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية امتنع ابن عباس عن مبايعته، وبعد وفاة معاوية كان ابن عباس يرى عدم خروج الحسين إلى الكوفة، ونصحه بعدم الخروج عدة مرات، وبعد وفاة الحسين ثم يزيد اعتزل ابن عباس الناس مع محمد بن الحنفية، ولم يبايع عبد الله بن الزبير ولا مروان بن الحكم، وكفَّ بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتوفي بها سنة 68 هـ وعمره إحدى وسبعون سنة، وصلى عليه محمد بن الحنفية.

طلب ابن عباس العلم والحديث من الصحابة، وقرأ القرآن على زيد بن ثابت وأبي بن كعب، وكان يسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من الصحابة، كان لابن عباس مجلس كبير في المدينة يأتيه الناس لطلب العلم، وكان يُقسِّم مجلسه أيامًا ودروسًا، فيجعل يومًا للفقه، ويومًا لتفسير القرآن، ويومًا للمغازي، ويومًا للشعر، ويومًا لأيام العرب. وقد روى حوالي 1660 حَدِيثًا، ولهُ في الصحيحين 75 حَدِيثًا متفقا عليها، وتفرد البخاري له بِـ 110 أَحَادِيثَ، وتفرَّد مسلم بن الحجاج بـ 49 حَدِيثًا.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:10 PM
نسبه

هو: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. أبوه العباس هو عم النبي محمد، لذلك فإنه يلتقي في نسبه مع النبي محمد في عبد المطلب بن هاشم.

أمه:

أم الفضل بنت الحارث المعروفة باسم لُبَابَة الكُبْرى الهلالية بن حَزْن بن البُجير بن الهُزَم بن رُؤَيْبَة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عِكْرِمَة بن خَصفة بن قَيْس بن عَيْلان بن مُضَر، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوجة الرسول محمد.

كنيته:

أبو العباس.

إخوته:

للعباس عشرة أبناء حسب المشهور وهم

الفضل، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وقثم، وعون، والحارث أو الحرث، وكثير، وتمام، ومعبد ، وهناك مصادر أخرى ذكرت له أخوة آخرين. وأصغرهم تمام وعبد الله هو الأكبر من تمّام مباشرةً. فكان العبَّاس يقول:
تمَّوا بتمَّامٍ فصاروا عشرة يا رب فاجعلهم كرامًا بررة

أخواته :

ذكر بعض المصادر لعبد الله ثلاثة أخوات فقط هن: أم حبيب أو أم حبيبة، وصفية، وأميمة أو آمنة أو أمينة، وزاد بعضهم: أم كلثوم ، وهُناك خوات أخريات ذكرن في مصادر أخرى.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:11 PM
مولده

اختلفت الروايات في سنة مولد عبد الله بن عباس على عدة أقوال:

القول الأشهر أنه وُلِدَ في عام الهجرة إلى المدينة أي سنة 622م، وهو ما يؤيده ما يرويه سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وأنا مختون، وقد قرأت المُحكَم من القرآن "، وكانوا لا يختنون الرجل إلا عندما يبلغ الحلم.
القول الثاني أنه وُلِدَ قبل الهجرة بثلاث سنوات، زمن حصار المسلمين في شعب أبي طالب، أي سنة 619م، وتؤيده عدة روايات، فعن شعبة بن الحجاج عن ابن عباس أنه قال: "ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين، ونحن في الشعب، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة". وعن مجاهد بن جبر عن ابن عباس أنه قال: "لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُ بَيْتِهِ فِي الشِّعْبِ أَتَى أَبِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَرَى أُمَّ الْفَضْلِ إِلَّا قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى حَمْلٍ قَالَ: «لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُقِرَّ أَعْيُنَنَا مِنْهَا بِغُلَامٍ»، فَأَتَى بِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي خِرْقَتِي فَحَنَّكَنِي قَالَ مجاهد: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا حُنِّكَ بِرِيقِ النُّبُوَّةِ غَيْرَهُ". وقال الواقدي: لا خلاف أنه ولد في الشعب، وبنو هاشم محصورون، فولد قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين.
بينما قال ابن منده: ولد قبل الهجرة بسنتين.

إسلامه

لا يُعرف زمن إسلامه على وجه التحديد، لكنه أسلم هو وأمه أم الفضل بنت الحارث قبل فتح مكة بزمن غير يسير، لكنهما لم يهاجرا إلى المدينة المنورة، وكان يتلو إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ويقول: "كنت أنا وأمي ممن عذر الله". ولم تتح لهما الهجرة إلا عندما أشهر والده العباس إسلامه، وأراد الهجرة قبيل فتح مكة، فخرجا معه، فلقوا النبي محمد بالجحفة؛ وهو ذاهب لفتح مكة، فرجعا وشهدا معه فتح مكة في صبيحة يوم الجمعة 20 رمضان 8 هـ، وبايعه النبي وبايع ابن عباس وهو صغير لم يبلغ الحُلم بعد، يقول محمد بن علي بن الحسين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبقلوا، ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيرًا إلا منّا"، أي من أهل البيت.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:12 PM
صحبته للنبي محمد

بعدما هاجر ابن عباس، لزم النبي محمد، وأخذ عنه، وكانت صحبته للنبي حوالي ثلاثين شهرًا. وكان لقرابته للنبي أثر في ذلك، فكانت خالته ميمونة بنت الحارث زوجة النبي، وكان ابن عباس يدخل بيت النبي، ويبيت في حجرة خالته أيامًا، ويقوم بخدمة النبي. وكان يصف للصحابة كل ما يراه من أفعال النبي وأقواله، وذات مرة كان النبي في بيتِ ميمونةَ فوضَعْ ابن عباس له وَضوءًا مِنَ الليلِ فقالتْ له ميمونةُ: "وضَع لك هذا عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ" فقال النبي: "اللهم فقِّهْهُ في الدينِ وعلِّمْهُ التأويلَ". وضمّه النبي إلى صدره وقال: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ".

ويذكر ابن عباس أنه رأى جبريل مرتين في بيت النبي، فيقول: "رأيت جبريل مرتين، ودعا لي بالحكمة مرتين". ويروي ابن عباس قصة رؤيته لجبريل فيقول:

عبد الله بن عباس كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه، فقال العباس: ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني؟ فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه. قال: أوكان عنده أحد؟ قلت: نعم. فرجع إليه، فقال: يا رسول الله هل كان عندك أحد; فإن عبد الله أخبرني أنه كان عندك رجل تناجيه؟ قال: هل رأيته يا عبد الله؟ قلت: نعم. قال: ذاك جبريل عليه السلام. عبد الله بن عباس

وكان ابن عباس ملازمًا للنبي محمد في مرضه واحتضاره ووفاته، ووصف الأيام الأخيرة للنبي، وخروج النبي من مرضه إلى الصلاة وخطبته، وصفة وفاة النبي وكيفية غسله والصلاة عليه، وما دار بعد وفاة النبي بين الصحابة. وقد تُوفي النبي وعمر ابن عباس ثلاث عشرة سنة، وقيل عشرة، وقيل خمس عشرة -لاختلاف المصادر في سنة مولده-، لكن أجمعت المصادر على أنه كان قد خُتِنَ وبَلغ الحُلم.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:13 PM
في عهد عمر

كان ابن عباس مُقدَّمًا عند عمر بن الخطاب في زمن خلافته، كان عمر بن الخطاب يحرص على مشورته في كل أمر، ويأذن له بالدخول عليه مع أهل بدر، حتى أن بعضهم تعجب من صنيع عمر، فعن سعيد بن جبير قال: «كان ناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم، وكان يسأله، فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله، فسألهم عن هذه السورة:إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجًا أن يحمده ويستغفره، فقال عمر: يا ابن عباس تكلم، فقال: أعلمه متى يموت؛ أي فهي آيتك من الموت، فسبح بحمد ربك واستغفره.» كان ابن عباس يقوم على منبر النبي محمد، فيقرأ البقرة وآل عمران فيفسرهما آية آية، وكان عمر إذا ذكره قال: "ذلك فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول". وفي رواية: "ذاكم كهل الفتيان".

ولما رأى العباس قرب ابنه من الخليفة عمر أوصاه وصية قال فيها: «إن عمر يدنيك ويجلسك مع أكابر الصحابة فاحفظ عني ثلاثًا: لا تفشين له سرًا، ولا تغتابن عنده أحدًا، ولا يجربن عليك كذبًا.»، قال الشعبي لابن عباس: "كل واحدة خير من ألف". فقال ابن عباس: "بل كل واحدة خير من عشرة آلاف". ولم يزل ابن عباس ملازمًا لعمر حتى مقتله، فبعدما طُعِن دخل عليه وأخذ يواسيه، ويقول له: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ.»، فقال عمر: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ.».

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:14 PM
في عهد عثمان

بعد وفاة عمر شهد ابن عباس فتح إفريقية سنة 27 هـ مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح، حيث نادى المُنادي بالجهاد في إفريقية، ولبَّى ابن عباس النداء، وقام عُثمان فيهم خطيبًا وحثَّهم على الجهاد، ووزَّع عليهم السلاح، كما أمدَّهم بِألف بعير يُحمل عليها ضُعفاءُ الناس أي فُقراؤهم، فخرج المُسلمون في جيشٍ عظيمٍ، يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فكانت القيادة له. وفي سنة 30 هـ غزا ابن عباس طبرستان تحت قيادة سعيد بن العاص، فلمّا وصلوا إليها فتحوها، وذكر المدائني: «أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة، فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف».

كما تولى ابن عباس إمامة الحج سنة 35 هـ بأمر عثمان بن عفان له وهو محصور، وقد حجّ بالناس وفيهم عائشة بنت أبي بكر وأم سلمة، وكانت عائشة تقول: "هو أعلم الناس بالمناسك."، وخطب بالناس في عرفات وفسّر فيها سورة البقرة، وقيل سورة النور، قيل: "فسّر ذلك تفسيرًا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا."، وفي هذه الحجة قُتِلَ عثمان

في عهد علي

شهد ابن عباس مع علي الجمل وصفين، وكان أميرًا على الميسرة، وكان ممن أشار على علي أن يستنيب معاوية على الشام، وأن لا يعزله عنها في بادئ الأمر، حتى قال له: "إن أحببت عزله فولَّه شهرًا واعزله دهرًا"، فأبى علي إلا أن يقاتله. ولما تراض الفريقان على تحكيم الحكمين طلب ابن عباس أن يكون من جهة علي ليكافئ عمرو بن العاص، فامتنعت مذحج وأهل اليمن إلا أن يكون من جهة علي أبو موسى الأشعري، ثم شهد مع علي قتال الخوارج في النهروان. وقد كان ابن عباس ينتقد على علي في بعض أحكامه فيرجع إليه علي في ذلك، روى البخاري في صحيحه: "أن عليًا حرق ناسًا ارتدوا عن الإسلام. فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»". وقد أرسله علي إلى ستة آلاف من الحرورية فحاورهم ابن عباس، فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقاتلهم المهاجرون والأنصار، ومن حواره معهم:

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:15 PM
عبد الله بن عباس

سألهم ابن عباس: ماذا تنقمون من علي؟ قالوا: ننقم منه ثلاثًا.
أولاهن: أنه حكم الرجال في دين الله، والله يقول: ï´؟إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِï´¾،
والثانية: أنه قَاتَل، ثم لم يأخذ من مقاتليه سبيًا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارًا، فقد حلت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين، فقد حرمت عليه دماؤهم.
والثالثة: رضى عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين، استجابة لأعدائه، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.

فقال ابن عباس:

أما قولكم: إنه حكم الرجال في دين الله، فأي بأس؟ إن الله يقول: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْï´¾، وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ وفي المرأة وزوجها: ï´؟وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَاï´¾ فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟.
وأما قولكم: قاتل ولم يَسْبِ، ولم يغنم. أفتسبون أمكم عائشة، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟ فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم: ï´؟النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْï´¾ فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج.
وأما محي نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون. إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلي: اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله. قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امح يا علي اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امح يا علي، واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي، وقد محى نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.

عبد الله بن عباس

ولَّاه علي بن أبي طالب على البصرة، وكان إذا خرج منها يستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة، وزياد بن أبي سفيان على الخراج، وهو أول من عرّف بالناس في البصرة، فكان يصعد المنبر ليلة عرفة ويجتمع أهل البصرة حوله فيفسر شيئًا من القرآن، ويذكر الناس من بعد العصر إلى الغروب، ثم ينزل فيصلي بهم المغرب. يقول ابن كثير: "وكان أهل البصرة مغبوطين به، يفقههم ويعلم جاهلهم، ويعظ مجرمهم، ويعطي فقيرهم، فلم يزل عليها حتى مات علي." وقيل: إن عليًا عزله عنها قبل موته، ثم وفد على معاوية فأكرمه وقربه واحترمه وعظمه، وكان يلقي عليه المسائل المعضلة فيجيب عنها سريعًا، فكان معاوية يقول: "ما رأيت أحدا أحضر جوابا منه". وفي عزله عن البصرة اختلاف بين المؤرخين. بينما ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه أنه تولّى البصرة من سنة 36 هـ حتى سنة 39 هـ، ثم خلفه عليها أبو الأسود الدؤلي.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:15 PM
بعد الخلافة الراشدة

تذكر المصادر الشيعية أن ابن عباس دعا الناس بعد مقتل علي إلى مبايعة ابنه الحسن، وقد جاء في بعض الروايات بأن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ظل واليًا على البصرة في عهد الحسن، لغاية عقد الصلح مع معاوية بن أبي سفيان، ثم خرج من البصرة معتزلًا السياسة قاصدًا مكة المكرمة وتفرغ للعلم والتعليم. وتذكر بعض الروايات الأخرى أنه خرج من البصرة وذهب إلى مكة بعد مقتل علي. وقد قال ابن الأثير الجزري أن هذه الرواية الثانية أصح وإنما كان الذي شهد صلح الحسن عبيد الله بن عباس وليس عبد الله. وقد قام عبد الله بن عباس باستخلاف "عبد الله بن الحارث بن نوفل" على البصرة ومضى إلى الحجاز. ولمّا جاء الكتاب بموت الحسن بن علي؛ كان ابن العباس عند معاوية فعزاه، وبعث ابنه يزيد فعزاه، وقد كان ابن عباس محبًا للحسن والحسين، كان يُمسك الركاب للحسن والحسين ويُسوي لهما، فقال له مدرك أبو زياد: «أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما.» فقال ابن عباس: «يا لكع. أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟». ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية امتنع ابن عباس عن مبايعته، هو والحسين وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر

ولما مات معاوية وعزم الحسين الخروج إلى العراق نهاه ابن عباس أشد النهي، وقال: «يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيِّن لي ما أنت صانع؟» قال: «قد أجمعت المسير في أحد يومَي هذين إن شاء الله - تعالى -» فقال له ابن عباس: «أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حيًا وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمنُ عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك.» فقال الحسين: «إني أستخير الله وأنظر ما يكون.» وجاء ابن عباس إلى الحسين اليوم التالي فقال: «يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاكَ، إن أهل العراق قوم غدرٌ فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن؛ فإن به حصونًا وشعابًا، ولأبيك به شيعةً، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب.» فقال الحسين: «يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير.» فقال له: «فإن كنت ولا بد سائرًا فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه... فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك.» وقد أورد هذا الخبر ابن الأثير الجزري. وأورد محمد بن جرير الطبري رواية مشابهة. ثم جاءه مرة أخرى قبل خروحه، ونصحه فأبى إلا الخروج، فقال له ابن عباس: «لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال الحسين: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أستحل حرمتها -يعني مكة المكرمة-» فقال ابن عباس فيما بعد: «وكان ذلك الذي سلَّى نفسي عنه.»

حينها كتب يزيد بن معاوية كتابًا إلى عبد الله بن عباس شيخ بني هاشم حينئذٍ قائلًا: «نحسب أن رجالًا أتوه من المشرق فمنوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.» وكتب له مجموعة أبيات أشار فيها إلى خوفه من أن يحدث بينه وبين الحسين مصادمة، فكتب إليه ابن عباس: «إني لأرجو أن لا يكون خروج حسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة وتُطفى بها الثائرة».

وفي 10 محرم 61 هـ قُتِل الحسين في معركة كربلاء، فلمَّا بلغه موته حزن عليه حزنًا شديدًا ولزم بيته، وقال: "يا لسان قل خيرًا تغنم، واسكت عن شرٍ تسلم، فإنك إن لا تفعل تندم". ورُوي عن ابن عباس أنه رأى النبي في المنام في اليوم الذي قُتل فيه الحسين فقال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ، أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟، قَالَ: دَمُ الْحُسَيْنِ، وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ».

وبوفاة يزيد بن معاوية سنة 64 هـ، دعا عبد الله بن الزبير إلى نفسه بالخلافة، فبيايعه أهل الحجاز إلا ابن عمر وابن الحنفية وابن عباس، واعتزل ابن عباس ومحمد بن الحنفية الناس، فدعاهما ابن الزبير ليبايعاه فأبيا عليه، وقال كل منهما: "لا نبايعك ولا نخالفك"، فهمّ بهما؛ فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة فاستنجد لهما من العراق من شيعتهما. يقول ابن كثير الدمشقي: «فقدم أربعة آلاف فكبروا بمكة تكبيرة واحدة، وهموا بابن الزبير فهرب فتعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ بالله، فكفوهم عنه، ثم مالوا إلى ابن عباس وابن الحنفية وقد حمل ابن الزبير حول دورهم الحطب ليحرقهم، فخرجوا بهما حتى نزلوا الطائف، وأقام ابن عباس سنتين لم يبايع أحدًا.» ومن حينها سكن ابن عباس الطائف وأقام بها

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:16 PM
وفاته

أصاب ابن عباس العمى في آخر عمره، وكان يقول:

إِن يَأخُذِ اللَهُ مِن عَينَيَّ نورَهُما فَفي لِساني وَقَلبي مِنهُما نورُ
قَلبٌ ذَكِيٌّ وَعَقلٌ غَرُ ذي دَخَلٍ وَفي فَمي صارِمٌ كَالسَيفِ مَأثورُ
توفي ابن عباس بالطائف في سنة 68 هـ، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وصلى عليه محمد بن الحنفية، ورُوِيَّ أنه لمَّا وضعوه ليدخلوه في قبره جاء طائر أبيض لم يُرَ مثل خلقته، فدخل في أكفانه، والتف بها حتى دفن معه. قال عفان بن مسلم الصفار: وكانوا يرون علمه وعمله، فلما وضع في اللحد تلا تالٍ لا يعرف من هو، وفي رواية: أنهم سمعوا من قبره: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ذكر ذلك أحمد بن حنبل،
والواقدي، وابن عساكر، وابن حجر العسقلاني.

يعتقد أهل الطائف أن قبر ابن عباس يقع أمام مقبرة الشهداء بجوار مسجد عبد الله بن عباس بالطائف، في الجهة المُقابلة لمُصلَّى النساء حاليًا، وبجواره قبر محمد بن الحنفية، ويقول الباحث عيسى علوي القصير: "إن قبر ابن عباس كان عليه تابوت أخضر وستارة خضراء وشبك حديدي مثلما كان في مساجد المدينة"، بينما يجادل بعض الباحثين حول حقيقة نسبة القبر إليه، قائلين أن هذه القبور تعود إلى المتأخرين من علماء القرن الثاني الهجري.

علمه

طلبه للعلم

بعد وفاة النبي، أخذ ابن عباس يطلب العلم والحديث من الصحابة، وقرأ القرآن على زيد بن ثابت وأبي بن كعب، فيقول: «لما قُبِضَ رسول الله قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير. فقال: "يا عجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله من فيهم؟"، فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح عليّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: "يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك؟" فأقول: "لا! أنا أحق أن آتيك." فأساله عن الحديث. فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع حولي الناس يسألوني، فيقول: "هذا الفتى كان أعقل مني"». وكان يلزم كبار الصحابة ويسألهم عن غزوات النبي وما نزل فيها من القرآن، وكان يسأل عن الأمر الواحد من ثلاثين من الصحابة، وكان يذهب خاصةً لأبي بن كعب، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب. وكان في البداية يتردد أن يسأل عمر من هيبته؛ فيذكر أنه تردد أن يسأله عن آية سنةً؛ فيقول: «مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ"، فَقَالَ: "تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ"، فَقُلْتُ: "وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ"، قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ! مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ"»

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:17 PM
مجلسه وتعليمه الناس

كان لابن عباس مجلس كبير في المدينة يأتيه الناس لطلب العلم، ومدح معاصروه طريقته في الخطابة والأخذ بقلوب وعقول مستمعيه، فيقول صعصعة بن صوحان: "إنه آخذ بثلاث وتارك لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، وبحسن الاستماع إذا حُدث، وبأيسر الأمرين إذا خولف. وترك المراء، ومقارنة اللئيم، وما يعتذر منه."، وكان ابن عباس يجلس يومًا ما يذكر فيه إلا الفقه، ويومًا ما يذكر فيه إلا التأويل، ويومًا ما يذكر فيه إلا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب. ويصف أبو صالح السمان ذلك المجلس فيقول:

عبد الله بن عباس

لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا حَتَّى ضَاقَ بِهِمُ الطَّرِيقُ، فَمَا كَانَ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَجِيءَ وَلَا أَنْ يَذْهَبَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَكَانِهِمْ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ لِي وَضُوءًا، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَجَلَسَ، وَقَالَ: اخْرُجْ وَقُلْ لَهُمْ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ وَحُرُوفِهِ وَمَا أَرَادَ مِنْهُ فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ، وَزَادَهُمْ مِثْلَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ أَوْ أَكْثَرَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانُكُمْ. فَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَتَأْوِيلِهِ فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ، وَزَادَهُمْ مِثْلَ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانُكُمْ. فَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفِقْهِ فَلْيَدْخُلْ. فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانُكُمْ. فَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانُكُمْ. فَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ وَالْغَرِيبِ مِنَ الْكَلَامِ فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ. قَالَ أبو صالح: فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا فَخَرَتْ بِذَلِكَ لَكَانَ فَخْرًا. فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.

فقهه

كان ابن عباس يقوم بالفتوى في عهد عمر وعثمان، وكان عمر وعثمان يدعوان ابن عباس إلى مجلسهما مع أهل بدر فيستشيرانه، فكان من فقهاء الصحابة، وأجد العبادلة الأربعة الذين كان عليهم مدار العلم والفتيا والرواية لتأخر وفاتهم، وقد ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين أن الذين حفظت عنهم الفتوى من الصحابة أكثر من 130 صحابي ما بين رجل وامرأة، وجعل منهم المكثرين والمقلين: أما المكثرون فسبعة وهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر. حتى صار ابن عباس مرجعًا للصحابة إذا اختلفوا في الفقه، يقول طاووس بن كيسان: "إني رأيت سبعين من الصحابة إذا تماروا في شيء صاروا إلى قوله". وقال مجاهد بن جبر: "ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس"، وعن عكرمة مولى ابن عباس: "سَمِعْت مُعَاوِيَةَ يَقُولُ لِي: مَوْلَاكَ وَاللَّهِ أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ وَمَنْ عَاشَ".

أمّا عن منهجه في الفقه، فكان إذا سُئل فإن كان من القرآن أخبر به، وإن لم يجد جوابًا من القرآن أخبر من سنة النبي، وإن لم يجد جوابًا من السنة، أخبر من قول أبي بكر، ثم قول عمر، فإن لم يجد، قال برأيه. وكان يأخذ بالرخص إذا وُجدت لمحبة النبي الأخذ بها. ولابن عباس العديد من الآراء الفقهية في العديد من أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والمواريث وغيرها من الأبواب، ومن أشهر مسائله التي أفتى بها؛ مخالفته لعمر بن الخطاب في إيقاع الطلاق الثلاث بلفظٍ واحد، وفتواه بأن ملامسة المرأة دون الجماع لا توجب الوضوء، وفتواه بعدم جواز أكل المُحرم لصيد البر سواء اصطاده بنفسه أو اصطاده غيره. وهناك بعض الفتاوى التي أفتاها ثم تراجع عنها بعدما أخبره أحد الصحابة أو إحدى زوجات النبي - خاصة عائشة - بغيرها.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:18 PM
علمه بالتفسير

يُعد ابن عباس من أشهر مُفسري القرآن من الصحابة، مع أنه كان أصغرهم سنًا، حتى لُقِب بـ ترجمان القرآن، يقول عبد الله بن مسعود: "نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس"، وقد اشتهر بالتفسير جماعة من الصحابة، ذكرهم السيوطي، فقال: «اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.». وقد كان ابن عباس يُتقن تفسير القرآن كله، وقد كان مجاهد بن جبر يسأله عن تفسير القرآن ومعه الواحة، ويكتب ما يقوله حتى يسأله عن التفسير كله، فيقول مجاهد: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأساله عنها". وقد كان ابن عباس يقول: «كُلُّ الْقُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلَّا ثَلَاثًا؛ "الرَّقِيمَ" وَ"غِسْلِينَ" وَ"حَنَانًا"».

وكان ابن عباس يكره الأخذ عن أهل الكتاب في التفسير وهو ما يُسمى بالإسرائيليات، وينهى الناس عن سؤالهم، ويقول:

عبد الله بن عباس كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْء، وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ، وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ. عبد الله بن عباس
وقد نُسب لابن عباس عدة تفاسير، منها الكتاب الذي ألفه محمد بن يعقوب الفيروزآبادي وسمِّاه "تنوير المقباس من تفسير ابن عباس" وتدور روايات الكتاب على طريق واحد، هو طريق السدي الصغير، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح السمان عن ابن عباس؛ وقد شكك عدد من العلماء في صحة الروايات بالكتاب، واستشهدوا بقول الشافعي: "لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث"، وقول ابن تيمية: «وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين، قال أبو أحمد بن عدي فيه: منكر الحديث، وقال أبو حاتم ابن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابًا في التفسير، جمعه من كلام الكلبي ومقاتل.»، وقال جلال الدين السيوطي: «وأوهى طرقه – يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب.». فقال محمد بن محمد أبو شهبة: «أما التفسير المنسوب إليه ففي صحة نسبته إليه شك غير قليل.»، وقال الشوكاني: «ومن جملة التفاسير التي لا يوثق بها "تفسير ابن عباس"، فإنه مروي من طريق الكذابين كالكلبي والسدي ومقاتل، ذكر معنى ذلك السيوطي وقد سبقه إلى معناه ابن تيمية.» ويقول مشهور حسن: «طُبِعَ كتاب منسوب لابن عباس رضي الله عنه، وهو من طريق محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، كما ذُكِر إسناده في أول الكتاب وفي مواضع منه وقد جمعه الفيروزابادي "صاحب القاموس" من كتب التفسير التي أدخل أصحابها هذا الطريق في تفاسيرهم كالثعلبي والواحدي‚ فهذا التفسير لا يعتمد عليه ولا تصح نسبته إلى ابن عباس.».

وهناك تفسير آخر يُنسب لابن عباس بعنوان «صحيفة علي بن أبي طلحة في التفسير» ذكرها السيوطي في الإتقان عن أحمد بن حنبل، ويتعبرها السيوطي من أصح ما رُوي في التفسير عن ابن عباس، وقد مدحها ابن حنبل قائلًا: «بِمِصْرَ صَحِيفَةٌ فِي التَّفْسِيرِ رَوَاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَوْ رَحَلَ رَجُلٌ فِيهَا إِلَى مِصْرَ قَاصِدًا مَا كَانَ كَثِيرًا.»، وحديثًا قام الباحث راشد بن عبد المنعم الرجال بجمع مرويات تلك الصحيفة وأخرجها بعنوان «تفسير ابن عباس المسمى: صحيفة علي بن أبي طلحة في تفسير القرآن الكريم».

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:18 PM
حُجّية تفسير ابن عباس

ابن عباس من الصحابة، وقد ذكر علماء التفسير أنّ الصحابي إذا قال قولاً فإنه على أربعة أحوال:

قول الصحابي إذا اشتهر ولم يُعلَم أحدٌ من الصحابة أنكره: هذا القول حجة عند جمهور أهل العلم، قال ابن تيمية: "وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء".
قول الصحابي إذا لم يُعلم باشتهاره، ولا يُعلَم أن أحداً من الصحابة أنكره: رأى جمهور العلماء قبول هذا القول والاعتماد عليه، وهذه الحالة تنطبق على ما استنبطه ابن عباس من التفسير، ولم يعرف له مخالف ولا موافق من الصحابة.
قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة: إذا اختلف الصحابة في مسألة فليس قول أحدهم حجة، بل ينظر العالم في أقوالهم ويرجّح أحد أقوالهم ولا يبتكر قولاً جديداً.

إذا خالف نصًا شرعيًا: فيقدم النص ولا يعمل بقول الصحابي، ومن ذلك رأي ابن عباس في توريث البنتين نصف التركة إذا لم يكن معهما ذكور، وهذا القول ليس له دليل صريح من القرآن، وقد أجمع علماء أهل السنة على أن للبنتين الثلثين، ليس النصف، ودليلهم حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، قَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ: آيَةُ المِيرَاثِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمِّهِمَا، فَقَالَ: أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ ). قال ابن حجر العسقلاني: "وقد انفرد بن عباس بأن حكمهما حكم الواحدة وأبى ذلك الجمهور، واختلف في مأخذهم فقيل حكمهما حكم الثلاث فما زاد، ودليله بيان السنة فإن الآية لما كانت محتملة بينت السنة أن حكمهما حكم ما زاد عليهما، وذلك واضح في سبب النزول فإن العم لما منع البنتين من الإرث وشكت ذلك أمهما قال صلى الله عليه وسلم لها (يقضي الله في ذلك) فنزلت آية الميراث، فأرسل إلى العم فقال: (أعط بنتي سعد الثلثين)، ويعتذر عن ابن عباس بأنه لم يبلغه فوقف مع ظاهر الآية".

المفسرون وابن عباس


لمّا كان لابن عباس منزلة علمية وخاصة في التفسير، فقد ذُكرت رواياته في كتب التفسير، ولكن بدرجات متفاوتة وفقاً لصحة الرواية وضعفها، وتنوّع المفسرون في تضمين روايات ابن عباس التفسيرية في كتب التفسير، فكانوا ثلاثة أنواع:

علماء ذكروا كل ما رُويَ عن ابن عباس، حتى الروايات الضعيفة والمكذوبة، ومن هؤلاء المفسرين الواحدي الذي جعل الأولويّة لتفسير ابن عباس، وقال "وأبتدئ في كل آية عند التفسير بقول ابن عباس ما وجدتُ له نصّاً"، بغض النظر عن صحة الرواية وضعفها.
علماء لم يذكروا إلا الصحيح من روايات التفسير لابن عباس، ولكنهم لم يرووا عنه إلا القليل، كالبخاري ومسلم.
علماء ذكروا الروايات الصحيحة والضعيفة وتجنبوا الروايات المكذوبة، ومن هؤلاء ابن جرير الطبري

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:20 PM
روايته للحديث

مروياته

عدد الأحاديث التي رواها ابن عباس حسب إحصاء الذهبي: "1660 حَدِيثًا، ولهُ في الصحيحين 75 حَدِيثًا متفق عليها، وتفرد البخاري له بِـ 120 حَدِيثًا، وتفرَّد مسلم بن الحجاج بـ 9 أَحَادِيثَ" ، لكن يبدو أن إحصاء الذهبي به تصحيف في عدد الأحاديث التي تفرد بها البخاري ومسلم، حيث الصحيح أن ما تفرد به البخاري 110، وما تفرد به مسلم 49، فقد أحصاها يحيى بن أبي بكر العامري في كتابه "الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة" فقال: «روى عبد الله بن عباس عن رسول الله وأكثر، فأخرج له الشيخان مئتان وأربعة وثلاثون حديثًا، اتفقا على خمسة وسبعين، وانفرد البخاري بمائة وعشرة، ومسلم بتسعة أربعين.». بينما أحصاها محمد بن الشيخ علي الولوي صاحب "إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر" بـ "1696 حَدِيثًا"، وله في مسند أحمد 1625 حَدِيثًا من الحديث رقم 1741، وحتى الحديث رقم 3366،
صحب ابن عباس النبي محمد ثلاثون شهرًا، ثم طلب الحديث بعد وفاة النبي، وأخذ يرافق كبار الصحابة وأمهات المؤمنين ويسألهم عن الحديث، أما عدد ما يرويه ابن عباس عن النبي مباشرةً فهو قليل، بل أغلب حديثه عن أحد الصحابة عن النبي، فروى غندر أن ابن عباس روى عن النبي مباشرةً 9 أحاديث فقط، وقال يحيى القطان 10 أحاديث، وله في الصحيحين ما صرح بأنه عن النبي مباشرةً أكثر من عشرة أحاديث. وكان ابن عباس يكره الإكثار من الحديث عن النبي محمد، وكان لا يقبل حديثًا إلا أن يتثبت، وكان يقول: «إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ.»، وعلى الرغم من ذلك فإن ابن عباس يعتبر من الصحابة المكثرين من رواية الحديث، يقول جلال الدين السيوطي في ألفيته في علوم الحديث:

والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي

روى عن

روى ابن عباس عن:

النبي محمد
أبيه العباس
أمه أم الفضل بنت الحارث
أخيه الفضل
خالته ميمونة بنت الحارث
أبي بكر الصديق
عمر بن الخطاب
عثمان بن عفان
علي بن أبي طالب
عبد الرحمن بن عوف
معاذ بن جبل
أبي ذر الغفاري
أبي بن كعب
تميم الداري
ابن خالته خالد بن الوليد
أسامة بن زيد
حمل بن مالك بن النابغة
ذويب والد قبيصة
الصعب بن جثامة
عمار بن ياسر
أبي سعيد الخدري
أبي طلحة الأنصاري
أبي هريرة
معاوية بن أبي سفيان
أبي سفيان بن حرب
عائشة بنت أبي بكر
أسماء بنت أبي بكر
جويرية بنت الحارث
سودة بنت زمعة
أم هانئ بنت أبي طالب
أم سلمة

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:22 PM
روي عنه

ذكر جمال الدين المزي في تهذيب الكمال من الرواة عن ابن عباس 297 راوٍ، منهم:

ابنه علي بن عبد الله بن عباس
ابن ابنه محمد بن علي بن عبد الله
أخوه كثير بن العباس
ابن أخيه عبد الله بن عبيد الله بن العباس
ابن أخيه عبد الله بن معبد بن العباس
عبد الله بن عمر بن الخطاب
ثعلبة بن الحكم الليثي
المسور بن مخرمة
أبو الطفيل عامر بن واثلة
أبو أمامة بن سهل بن حنيف
سعيد بن المسيب
عبد الله بن الحارث بن نوفل
عبد الله بن عبد الله بن الحارث
ابن خالته عبد الله بن شداد بن الهاد
ابن خالته يزيد بن الأصم
أبو سلمة بن عبد الرحمن
أبو جمرة الضبعي
أبو مجلز لاحق بن حميد
أبو رجاء العطاردي
القاسم بن محمد بن أبي بكر
عبيد بن السباق
علقمة بن وقاص
علي بن الحسين بن علي
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن أبي وقاص
عكرمة مولى ابن عباس
عطاء بن أبي رباح
طاووس بن كيسان
كريب
سعيد بن جبير
مجاهد بن جبر
عمرو بن دينار
أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي
أبو الشعثاء جابر بن زيد
بكر بن عبد الله المزني
أبو ظبيان حصين بن جندب
الحكم بن الأعرج
أبو الجويرية حطان بن خفاف
حميد بن عبد الرحمن بن عوف
أبو العالية الرياحي
مقسم مولى بني هاشم
أبو صالح السمان
سعد بن هشام بن عامر
سعيد بن أبي الحسن البصري
سعيد بن الحويرث
سعيد بن أبي هند
أبو الحباب سعيد بن يسار
سليمان بن سلمة
أبو زميل سماك بن الوليد
سنان بن سلمة بن المحبق
صهيب أبو الصهباء
طلحة بن عبد الله بن عوف
عامر الشعبي
عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة
عبد الله بن كعب بن مالك
عبد الله بن أبي عبيد بن عمير
عبيد بن حنين
أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم
عبد الرحمن بن وعلة
عبد العزيز بن رفيع
عبد الرحمن بن عابس النخعي
عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور
عبيد الله بن أبي يزيد المكي
علي بن أبي طلحة مرسلًا
عمرو بن مرة
عمرو بن ميمون الأودي
عمران بن حطان
عمار بن أبي عمار
محمد بن سيرين
محمد بن عباد بن جعفر
أبو الضحي مسلم بن صبيح
سالم القرير
موسى بن سلمة بن المحبق
ميمون بن مهران
نافع بن جبير بن مطعم
ناعم مولى أم سلمة
النضر بن أنس بن مالك
يحيى بن يعمر أبو البختري الطائي
أبو حسان الأعرج
يزيد بن هرمزة أبو حمزة القصاب
أبو الزبير المكي
أبو عمر البهراني
أبو المتوكل الناجي
أبو نضرة العبدي
فاطمة بنت الحسين بن علي

الآراء والمواقف حوله

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:22 PM
مكانته عند النبي محمد

حظي ابن عباس بمنزلة عالية عند المسلمين، فهو ابن عم النبي محمد، ويُعد من أهل البيت، وأحد صغار الصحابة، ورأي جبريل مرتين، وقد دعا النبي له بالحكمة مرتين، وأجلسه في حجره ومسح على رأسه ودعا له بالعلم، فدعا له النبي بالفقه وفهم تأويل القرآن قائلًا: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»، ودعا له بعلم القرآن والحكمة أيضًا: « اللهم علمه الكتاب، اللهم علمه الحكمة.»، قال ابن حجر العسقلاني مُعلِّقًا: «اختلف الشُرَّاح في المراد بالحكمة هنا فقيل: القرآن كما تقدم، وقيل العمل به، وقيل السنة، وقيل الإصابة في القول، وقيل الخشية، وقيل الفهم عن الله، وقيل العقل، وقيل ما يشهد العقل بصحته، وقيل نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل سرعة الجواب مع الإصابة، والأقرب أن المراد بها في حديث ابن عباس الفهم في القرآن.»

مكانته عند الصحابة والتابعين

أثنى العديد من الصحابة على عبد الله بن عباس، فكان عمر إذا ذكره قال: "ذلك فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول". وفي رواية: "ذاكم كهل الفتيان". وقال عنه عبد الله بن مسعود: "نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس"، وقال أيضًا: "لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا رجل."، وقال عنه سعد بن أبي وقاص: "ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا أكبر لبًا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، وحوله أهل بدر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس، ولا يجاوز عمر قوله."، وقال عنه ابن عمر: هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ. ويوم وفاته قال محمد بن الحنفية: "اليوم مات رباني العلم.".

كما أثنى عليه العديد من التابعين من تلاميذه وممن عاصروه، فقال عنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: "ما رأيت أحدًا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن عباس، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا تفسير القرآن ولا حساب ولا فريضة منه، ولقد كان يجلس يومًا ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويومًا التأويل، ويومًا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب، ولا رأيت عالمًا قَطُّ جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلًا قط سأله إلا وجد عنده علمًا". وقال الأعمش: "كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا رَأَيْتَهُ قُلْتَ: أَجْمَلُ النَّاسِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ قُلْتَ: أَفْصَحُ النَّاسِ، فَإِذَا حَدَّثَ قُلْتَ: أَعْلَمُ النَّاسِ". وقال مجاهد: كان ابن عباس إذا فسر الشيء رأيت عليه نورًا. وقال عنه عطاء بن أبي رباح: "ما رأيت مجلسًا أكرم من مجلس ابن عباس، ولا أعظم جفنةً ولا أكثر علمًا، أصحاب القرآن في ناحيةٍ، وأصحاب الفقه في ناحيةٍ، وأصحاب الشعر في ناحيةٍ، يوردهم في وادٍ رحب". وأنشده حسان بن ثابت مادحًا:

إِذَا مَا ابْنُ عَبَّاسٍ بَدَا لَكَ وَجْهُهُ رَأَيْتَ لَهُ فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ فَضْلًا
إِذَا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ مَقَالًا لِقَائِلٍ بِمُنْتَظِمَاتٍ لَا تَرَى بَيْنَهَا فَصْلًا
كَفَى وَشَفَى مَا فِي النُّفُوسِ فَلَمْ يَدَعْ لِذِي أَرَبٍ فِي الْقَوْلِ جِدًّا وَلَا هَزْلًا
سَمَوْتَ إِلَى الْعُلْيَا بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فَنِلْتَ ذُرَاهَا لَا دَنِيًّا وَلَا وَغْلًا
خُلِقْتَ حَلِيفًا لِلْمُرُوءَةِ وَالنَّدَى بَلِيجًا، وَلَمْ تُخْلَقْ كَهَامًا وَلَا خَبْلًا

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:23 PM
مكانته عند الشيعة

يعدّهُ علماء الشيعة من أصحاب النبي محمد وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي، لمّا شهده مع علي من الجمل وصفين والنهروان، وأنه كان مُخلصًا لعلي، يقول ابن المطهر الحلي: «عبد الله بن عباس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان محبًا لعلي عليه السلام وتلميذه، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى.»، ويقول ابن داود القمي: «عبد الله بن العباس (ل، ى) رضي الله عنه، حاله أعظم من أن يشار إليه في الفضل، والجلالة، ومحبة أمير المؤمنين عليه السلام، وانقياده إلى قوله.» ويقول محمد تقي التستري أنه عارض عمر وعثمان ومعاوية وعائشة وابن الزبير، وانتصر للشيعة، فيقول: «بعدما وقفت على محاجته مع عمر وعثمان ومعاوية وعائشة وابن الزبير وباقي أعداء أهل البيت وتحقيقه للمذهب ودفعه عن الشيعة، لو قيل: إن هذا الرجل أفضل رجال الإسلام بعد النبي والأئمة الاثني عشر وحمزة وجعفر كان في محله».

وتذكر المصادر الشيعية إلى أن ابن عباس دعا الناس بعد مقتل علي إلى مبايعة ابنه الحسن، وتزيد المصادر الشيعية على أن عبد الله بن عباس قد حفز المسلمين على مبايعته فقال: «معاشر الناس إن هذا ابن بنت نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه.» فاستجابوا له، وقالوا: «ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة.» فتبادر الناس إلى بيعته. وأنه كان من أنصار الحسين بالرغم من نهيه له بالخروج.

صفته

كان ابن عباس أبيضًا، طويلًا، مشربًا صفرة، جسيمًا، وسيمًا، صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء. ويقول شمس الدين الذهبي: وكان وسيمًا، جميلًا، مديدَ القامةِ، مهيبًا، كاملَ العقلِ، ذكي النفسِ، من رجالِ الكمالِ. ويقول: عطاء بن أبي رباح: «مَا رَأَيْتُ الْقَمَرَ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ إِلَّا ذَكَرْتُ وَجْهَ ابْنِ عَبَّاسٍ.»، وكان رجلًا جسيمًا شاب مقدم رأسه عند كبره وله جمة،(1) وكان ابن عباس إذا قعد أخد مقعد رجلين. قال أبو بكرة: "قدم علينا ابن عباس البصرة وما في العرب مثله حشمًا وعلمًا وثيابًا وجمالًا وكمالًا". وكان يُكثِر من الطيب حتى إذا مر من طريق تقول النساء: هذا ابن عباس أو رجلٌ معه مسك، أصابه العمى في آخر عمره، فاعترى لونه صفرة يسيرة.

أما عن ملبسه فقد كان يلبس الحُلة بألف درهم، وكان يلبس عمامة سوداء، فيرخي شبرًا بين كتفيه وبين يديه، ويلبس إزارًا إلى نصف ساقه أو فوق ذلك، ويصلي وعليه قطيفة رومية.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:24 PM
كرمه

يُروى أن ابن عباس كان سخيًا، فعندما شكا أبو أيوب الأنصاري أن عليه دينًا؛ قدم البصرة ونزل في دار ابن عباس، وكان ابن عباس والي البصرة حينئذٍ، فقال له ابن عباس: «يا أبا أيوب أريد أن أخرج لك عن مسكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أهله فخرجوا وأعطاه كل شيء، أغلق عليه الدار، فلما كان انطلاقه قال: حاجتك؟ قال: حاجتي عطائي وثمانية أعبد يعملون في أرضي وكان عطاؤه أربعة آلاف فأضعفها له خمس مرات فأعطاه عشرين ألفا وأربعين عبدًا.». ومرةً جاءه سائل فقال له ابن عباس: "أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟" قال: نعم، قال: "وتصوم رمضان؟" قال: نعم، قال: "سألت وللسائل حق إنه لحق علينا أن نصلك"، فأعطاه ثوبًا ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلمٍ كسا مُسلمًا ثوبًا إلَّا كان في حفظِ اللهِ ما دام عليه منه خرقةٌ"
عبادته

كان ابن عباس كثير العبادة، يقول ابن أبي مليكة: «صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَمِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يَقُومُ شَطْرَ اللَّيْلِ يُكْثِرُ وَاللَّهِ فِي ذَلِكُمُ التَّسْبِيحَ.»، وكان يُرتل القرآن حرفًا حرفًا، ويُكثِر من النشيج والنحيب، عن أبي رجاء، قال: «رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء.»، وكان يصوم الاثنين والخميس، وفي كبره سقط في عينيه الماء فذهب بصره، فأتاه بعض الأطباء فقالوا: خل بيننا وبين عينيك نسيل ماءهما، ولكنك تمكث خمسة أيام لا تصلّي، قال: لا والله ولا ركعة واحدة، إني حُدّثت أنه من ترك صلاة واحدة متعمدًا لقي الله وهو عليه غضبان.
أسرته

لا يُذكر من أسماء زوجات ابن عباس إلا ثلاث زوجات:
حبيبة بنت الزبير بن العوام،
وهي أم أكبر أبنائه العباس، حسب ما ذكر البلاذري في أنساب الأشراف.
شميلة بنت أبي حناءة بن أبي أزيهر،
كانت زوجة مجاشع بن مسعود السلمي، تزوجها بعد مقتل مجاشع في موقعة الجمل. وهي التي ذكرها الشاعر ابن فسوة حين أتى عبد الله بن عباس فقال له: ما جاء بك؟ قال: جئتك لتعينني على مروءتي. فقال له ابن عباس: وهل لإمرئ يعصي الرحمن ويُطيع الشيطان ويقول البهتان مروءة! فقال:
أتيح لعبد الله يوم لقيته شميلة ترمي بالحديث المفتَّر
فليت قلوصي عريت أو رحلتها إلى حسن في داره وابن جعفر
إلى أين رسول الله يأمر بالتقى ويقرأ آيات الكتاب المطهر
زهرة بنت مشرح، هي أم ابنه الأصغر علي بن عبد الله بن عباس،
حسب ما ذكر ابن حزم الأندلسي في جمهرة أنساب العرب.

أما أولاده، فقد ولد ابن عباس:

العباس، هو أكبر أبنائه، وبه يُكنَّى، ولا عقب له، وأمه حبيبة بنت الزبير بن العوام.
الفضل، لا عقب له.
محمد، لا عقب له.
عبيد الله، وذكره ابن حزم الأندلسي باسم عبد الرحمن، لا عقب له.
علي، أصغر أبنائه، وهو أبو الخلفاء العباسيين، وهو الوحيد الذي أعقب من أبناء ابن عباس، ولد سنة 40 هـ، وتوفي سنة 117 هـ، وأمه زهرة بنت مشرح.
لبانة.
أسماء.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:27 PM
الشخصية الاسلامية العشرون

https://b.top4top.io/p_19476bdk41.png

https://c.top4top.io/p_1947gf31w2.png

https://d.top4top.io/p_1947p72of3.png
https://e.top4top.io/p_19471kgyi4.png

أبو حمزة أنس بن مالك النجاري الخزرجي صحابي عاش بين 10ق.هـ و 93 هــ كان خادمًا للنبي محمد، وهو أحد المكثرين لرواية الحديث.

سيرته

النشأة وخدمته للنبي

ولد أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار في يثرب قبل الهجرة النبوية بعشر سنين، وهو ينتمي إلى بني النجار أحد بطون قبيلة الخزرج الأزدية خئولة جد النبي محمد عبد المطلب بن هاشم، فأم عبد المطلب هي سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد بن خداش بن عامر، فيلتقي بذلك نسب أنس بنسب النبي محمد في عامر بن غنم بن عدي بن النجار. قُتل مالك بن النضر أبو أنس في الجاهلية، فتزوجت أمه أم سليم مليكة بنت ملحان النجارية وهي أيضًا صحابية من أبي طلحة الأنصاري، وأنس أخو الصحابي البراء بن مالك.

ما أن هاجر النبي محمد إلى يثرب، حتى دفعت أم سليم ابنها أنس للنبي ليقوم على خدمته، وعمره يومها عشر سنين، وقالت له: «يا رسول الله. هذا أُنيس ابني غلام لبيب كاتب، أتيتك به يخدمك، فادع الله له»، فقبله النبي محمد، ودعا له قائلاً: «اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه». خدم أنس بن مالك النبي محمد مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، عامله فيها النبي محمد معاملة الولد، وكنّاه أبو حمزة، فكان يخصّه ببعض أحاديثه، وأحيانًا ما كان يناديه «يا بني»، وما عاتبه على شئ فعله، وما ضربه قط.

ولم يكن أنس رغم صغر سنه آنذاك بمعزل عن الأحداث السياسية لدولة الإسلام الوليدة، فقد خرج أنس مع النبي محمد إلى بدر، وهو غلام ليخدم، وما شارك يومها في القتال. كما شارك أنس مع النبي ثماني غزوات منها خيبر والطائف وحنين، كما شهد فتح مكة وصلح الحديبية وعمرة القضاء وحجة الوداع وبيعة الشجرة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:28 PM
بعد وفاة النبي

بعد وفاة النبي محمد، استخلف أبو بكر الصديق على المسلمين الذي شهد بداية عهده ردة العديد من القبائل على سلطة المسلمين وعلى دين الإسلام، فآذن ذلك ببدء حروب الردة. شارك أنس في تلك الحروب، وكان أحد الرماة المهرة، فكان ممن شهد معركة اليمامة، وبعد استقرار الأمور، أراد أبو بكر أن يبعث أنس بن مالك إلى البحرين ليتولى جباية أموال الزكاة، فاستشار عمر بن الخطاب، فقال له عمر: «ابعثه، فإنه لبيب كاتب»، فبعثه. عاد أنس من مهمته ليجد الخليفة الأول قد مات، وخلفه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فبدأ بمبايعته، ثم دفع إليه المال. ثم انطلق أنس، وشارك في فتوح العراق وبلاد فارس، وشهد معركة القادسية، وفتح تستر، وهو الذي قدم المدينة المنورة على عمر بن الخطاب بحاكمها الهرمزان أسيرًا.

وبعد الفتوح، سكن أنس البصرة، وأقام فيها يُحدّث الناس بما يحفظ من الحديث النبوي، حتى أحصى علماء الحديث أكثر من مائتي راوٍ عنه. ولما تولى عبد الله بن الزبير الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية، كتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك ليصلى بالناس بالبصرة، فصلى بهم أربعين يومًا. تعرض أنس بعد ذلك إلى محنة عظيمة، فبعد ثورة عبد الرحمن بن الأشعث على حكم الأمويين في العراق، استعرض الحجاج بن يوسف الثقفي أهل البصرة، فجاء أنس، فقال له الحجاج: «يا خبيث، جوّال في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده، لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما يجرد الضب»، فقال أنس: «من يعني الأمير؟»، قال: «إياك أعني، أصم الله سمعك»، فقال أنس: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، فأمر به الحجاج فخُتم في يده، وقيل في عنقه «عتيق الحجاج»، الحجاج، أراد أن يذله بذلك. انصرف أنس فتابعه بعضهم، فقال: «لولا أني ذكرت ولدي وخشيت عليهم بعدي، لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدًا»، وكتب إلى الخليفة وقتها عبد الملك بن مروان كتابًا جاء فيه: «إني خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، والله لو أن النصارى أدركوا رجلاً خدم نبيهم، لأكرموه، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة»، فغضب عبد الملك، وأرسل إلى الحجاج يأمره بأن يعتذر لأنس. فسار الحجاج إلى أنس، وقال له: «يا أبا حمزة غضبت؟»، قال: «أغضب تعرضني لحوكة البصرة»، فقال الحجاج: «يا أبا حمزة، إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال: إياك أعني، واسمعي يا جارة، أردت أن لا يكون لأحد علي منطق، أردت أن يعلم أهل العراق إذ كان من ابنك ما كان، وإذ بلغت منك ما بلغت أني إليهم بالعقوبة أوسع».

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:28 PM
وفاته وأسرته

أصيب أنس بن مالك في نهاية حياته بالبرص، وضعف جسده. وتوفي أنس بن مالك في البصرة في خلافة الوليد بن عبد الملك، ولكن على خلاف في سنة وفاته، فقيل توفي سنة 90 هـ، وقيل 91 هـ، وقيل 92 هـ، وقيل 93 هـ وهو آخر من بقي بالبصرة من أصحاب النبي محمد، وآخر من بقي ممن صلى إلى القبلتين. وكان قد أوصى أن يصلي عليه محمد بن سيرين، فغسّله وصلى عليه، وقيل صلى عليه قطن بن مدرك الكلابي. كما أوصى أن تُدفن معه عصا للنبي محمد كانت عنده، فدفنت معه بين جنبه وقميصه.

وفاقت دعوة النبي محمد لأنس وهو صغير أنس بأن يبارك له الله في ولده، فكثر نسله حتى جاوز المائة في حياته، إلا أنه ابتلي بفقد عدد كبير منهم، فمات من ولده وولد ولده 129 فرد حتى مقدم الحجاج للبصرة، منهم 80 وقيل 70 في الطاعون الجارف الذي أصاب أهل البصرة سنة 69 هـ. وقد اشتهر بعض نسله برواية الحديث كأولاده أبو بكر بن أنس بن مالك والنضر بن أنس بن مالك وعبيد الله بن أنس بن مالك، وأحفاده ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك قاضي البصرة وحفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك. وقد خلف أنس بن مالك بستانًا له كان يُثمر في السنة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك. كما ورث عن أبيه بئرًا في المدينة كانت من أعذب آبار المدينة، قيل أنها كانت تسمى في الجاهلية «البرود». وروى أنه كان يتخذ خاتمًا عليه نقش «أسد رابض»

عبادته

قال أبو هريرة: «ما رأيت أحدًا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم»، وقال أنس بن سيرين: «كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر»، وقال حفيده ثمامة بن عبد الله: «كان أنس يصلي حتى تفطر قدماه دمًا، مما يطيل القيام»

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:29 PM
روايته للحديث النبوي

روى عن:

النبي محمد
أبو بكر الصديق
عمر بن الخطاب
عثمان بن عفان
معاذ بن جبل
أسيد بن حضير
أبو طلحة الأنصاري
أمه أم سليم بنت ملحان
خالته أم حرام بنت ملحان
زوج خالته عبادة بن الصامت
أبو ذر الغفاري
مالك بن صعصعة
أبو هريرة
فاطمة بنت محمد
أبي بن كعب
ثابت بن قيس بن شماس
جرير بن عبد الله البجلي
زيد بن أرقم
زيد بن ثابت
سلمان الفارسي
عبد الله بن رواحة
عبد الله بن عباس
أبو موسى الأشعري
عبد الله بن مسعود
عبد الرحمن بن عوف
عتبان بن مالك
محمود بن الربيع
أبو أسيد الساعدي
أبو قتادة الأنصاري
أم الفضل
أم أيمن

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:30 PM
روى عنه:

محمد بن سيرين
حميد الطويل
ثابت البناني
قتادة بن دعامة
الحسن البصري
الزُّهْرِيّ
الشعبي
أبو قلابة الجرمي
مكحول الشامي
عمر بن عبد العزيز
بكر بن عبد الله المزني
محمد بن المنكدر
ابن أخيه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
عبد العزيز بن صهيب
شعيب بن الحبحاب الأزدي
عمرو بن عامر الأنصاري
سليمان بن طرخان التيمي
يحيى بن سعيد الأنصاري
كثير بن سليم المدائني
عيسى بن طهمان
عمر بن شاكر البصري
أبان بن صالح
أبان بن أبي عياش
إبراهيم بن ميسرة
أزهر بن راشد
أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف
إسماعيل بن عبد الرحمن السدي
إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص
أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني
أعين الخوارزمي
أنس بن سيرين
بديل بن ميسرة العقيلي
ابن ابنته البراء بن زيد
بريد بن أبي مريم السلولي
بشير بن يسار
بكير بن الأخنس
بكير بن وهب الجزري
بلال بن مرداس الفزاري
بيان بن بشر الأحمسي
توبة العنبري
حفيده ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك
الجارود بن أبي سبرة الهذلي
الجعد أبو عثمان
جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري
الحارث بن النعمان الليثي
حبيب بن أبي ثابت
حبيب بن أبي حبيب البجلي
الحجاج بن حسان القيسي
حصين بن عبد الرحمن الأشهلي
حفيده حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك
ابن أخيه حفص
حمزة الضبي
حميد بن هلال العدوي
حنظلة السدوسي
أبو خلدة خالد بن دينار
خالد بن الفزر
خيثمة بن أبي خيثمة البصري
راشد بن سعد المقرائي الحمصي
الربيع بن أنس البكري
ربيعة الرأي
رزيق أبو عبد الله الألهاني
أبو العالية الرياحي
الزبير بن عدي
زربي أبو يحيى المؤذن
زياد النميري
زيد بن أسلم
زيد بن الحواري العمي
سالم بن أبي الجعد
سحامة بن عبد الرحمن الأصم
سعد بن سعيد الأنصاري
سعد بن سنان
أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي
سعيد بن أبي بردة الأشعري
سعيد بن جبير
سعيد بن خالد بن أبي طويل الشامي
سعيد بن أبي سعيد المقبري
أبو سعد سعيد بن المرزبان البقال
سعيد بن المسيب
أبو مسلمة سعيد بن يزيد
سلم العلوي البصري
سلمة بن وردان الليثي
سليمان بن أبي سليمان مولى ابن عباس
سليمان بن مهران الأعمش
سماك بن حرب
السميط السدوسي
سنان بن ربيعة الباهلي
سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف
شبيب بن بشر البجلي
شبيل بن عزرة الضبعي
شريك بن عبد الله بن أبي نمر
أبو واقد الليثي
صفوان بن سليم
الضحاك بن مزاحم
ضمرة بن سعيد المازني
طلحة بن مصرف
أبو سفيان طلحة بن نافع
طلق بن حبيب
عاصم بن سليمان الأحول
عاصم بن عمر بن قتادة
عباد بن أبي علي
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
أبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري
أبو الزناد عبد الله بن ذكوان
عبد الله بن عبد الله بن جابر الأنصاري
ابن أخيه عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة
أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري
عبد الله بن عبد الرحمن الرومي
عبد الله بن الفضل الهاشمي
عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب
عبد الله بن مسلم بن شهاب الزُهري
عبد الله بن مكنف
عبد الله أبو بكر الحنفي
عبد الحميد بن محمود المعولي
عبد الحميد بن المنذر بن الجارود
عبد الحميد صاحب الزيادي
عبد الرحمن بن الأصم
عبد الرحمن بن جبير بن نفير
عبد الرحمن بن أبي ليلى
عبد العزيز بن رفيع
عبد العزيز بن قيس
أبو عمران الجوني
عبد الملك بن علاق
عبد الوهاب بن بخت
ابنه عبيد الله بن أنس بن مالك
حفيده عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك
عتاب مولي هرمز
عثمان بن سعد الكاتب
عثمان بن عبد الرحمن التيمي
عثمان بن موهب الهاشمي
عطاء بن السائب
عطاء بن أبي ميمونة
عقبة بن وساج
علي بن زيد بن جدعان
عمارة بن غزية
عمرو بن سعيد البصري
ابن أخيه عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة
أبو إسحاق السبيعي
عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب
عمرو بن الوليد بن عبدة
عمران القصير
عنبسة بن سعيد بن العاص الأموي
ابن زيدل الثقفي
العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب
غيلان بن جرير
فرقد السبخي
كثير بن عبد الله الأبلي
مالك بن دينار
محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي
محمد بن أبي بكر الثقفي
محمد بن عبد الله بن أبي سليم المدني
محمد بن كعب القرظي
محمد بن مالك بن المنتصر
محمد بن مسلم بن السائب بن خباب المدني
محمد بن يحيي بن حبان
المختار بن فلفل
مروان الأصفر
مسحاج الضبي
مسلم بن زياد الشامي
مسلم بن كيسان الملائي الأعور
مصعب بن سليم
المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي
معاوية بن قرة المزني
معبد بن هلال العنزي
المغيرة بن أبي قرة السدوسي
مورق العجلي
موسى بن أنس بن مالك
موسى بن وردان
ميمون بن سياه
نافع أبو غالب الباهلي
ابنه النضر بن أنس بن مالك
النضر بن عبد الله القيسي
النعمان بن مرة الزرقي
نعيم المجمر
نفيع أبو داود الأعمي
النهاس بن قهم
حفيده هشام بن زيد بن أنس بن مالك
هلال بن جبير البصري
هلال أبو ظلال القسملي
هلال بن أبي ميمونة
أبو عقال البصري
الهياج بن بسام القيسي
واقد بن عمرو الأنصاري
أبو يعفور العبدي
الوليد بن زروان
أبو مجلز لاحق بن حميد
يحيى بن أبي إسحاق
أبو هبيرة يحيي بن عباد الأنصاري
يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني
يحيى بن أبي كثير
يحيى بن يزيد الهنائي
يزيد بن أبان الرقاشي
أبو التياح الضبعي
يزيد بن عبد الرحمن الهمداني
يزيد بن أبي منصور
يزيد بن أبي نشبة
ابن أخيه يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة
أبو شيبة الجوهري
يوسف بن عبد الله بن الحارث البصري
أبو الأبيض العنسي الشامي
أبو إدريس البصري
أبو أسماء الصيقل
ابنه أبو بكر بن أنس بن مالك
حفيده أبو بكر بن عبيد الله بن أنس بن مالك
أبو بكر بن النضر بن أنس بن مالك
أبو حمزة البصري جار شعبة
أبو خلف الأعمى
أبو الرحال الأنصاري
أبو سعد الساعدي
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
أبو طالوت الشامي
أبو طلحة الأسدي
أبو عاتكة
أبو عصام البصري
أبو معقل
أبو معان
أبو معن
حفصة بنت سيرين
زوجته زينب بنت نبيط
أم الحكم بنت النعمان

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:30 PM
أحاديثه:

تفرغ أنس بن مالك لرواية الحديث النبوي في البصرة، والتف حوله طلاّب الحديث، وأخذوه عنه حتى أحصى علماء الحديث أكثر من مائتي راوٍ عنه، وهو من المكثرين في الرواية عن النبي محمد. وقد أحصى له بقي بن مخلد في مسنده 2,286 حديثًا، اتفق له البخاري ومسلم على 180 حديثًا، وانفرد البخاري بثمانين حديث، ومسلم بتسعين. وكان أنس يتحرى الدقة في متن روايته لفظيًا مخافة الكذب على لسان النبي محمد، فكان إذا حدّث قال: «أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» كما كان أنس حريصًا على تدوين الحديث، فكان يقول لبنيه: «يا بنيّ قيدوا العلم بالكتاب»، وقد روى له الجماعة في كتبهم. كما عدّ التابعين وفاة أنس خسارة كبيرة لأهل الحديث، فقد روى قتادة بن دعامة أنه لما مات أنس بن مالك، قال مورق العجلي: «ذهب اليوم نصف العلم»، فسُئل: «كيف ذاك يا أبا المعتمر؟»، قال: «كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث، قلنا: تعال إلى من سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم».

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:34 PM
الشخصية الاسلامية الحادية والعشرون

https://k.top4top.io/p_1948704vo1.png

https://l.top4top.io/p_1948nfjfv2.png
https://a.top4top.io/p_1948iuqtu3.png

أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي (30 ق.هـ - 21 هـ / 592 - 642 م) صحابي وقائد عسكري مسلم، لقّبه الرسول بسيف الله المسلول. اشتهر بعبقرية تخطيطه العسكري وبراعته في قيادة جيوش المسلمين في حروب الردة وفتح العراق والشام، في عهد خليفتي الرسول أبي بكر وعمر في غضون عدة سنوات من عام 632 حتى عام 636. يعد أحد قادة الجيوش القلائل في التاريخ الذين لم يهزموا في معركة طوال حياتهم، فهو لم يهزم في أكثر من مائة معركة أمام قوات متفوقة عدديًا من الإمبراطورية الرومية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية الفارسية وحلفائهم، بالإضافة إلى العديد من القبائل العربية الأخرى. اشتهر خالد بانتصاراته الحاسمة في معارك اليمامة وأُلّيس والفراض، وتكتيكاته التي استخدمها في معركتي الولجة واليرموك.

لعب خالد بن الوليد دورًا حيويًا في انتصار قريش على قوات المسلمين في غزوة أحد قبل إسلامه، كما شارك ضمن صفوف الأحزاب في غزوة الخندق. ومع ذلك، اعتنق خالد الدين الإسلامي بعد صلح الحديبية، شارك في حملات مختلفة في عهد الرسول، أهمها غزوة مؤتة وفتح مكة. وفي عام 638، وهو في أوج انتصاراته العسكرية، عزله الخليفة عمر بن الخطاب من قيادة الجيوش لأنه خاف أن يفتتن الناس به، فصار خالد بن الوليد في جيش الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح وأحد مقدميه، ثم انتقل إلى حمص حيث عاش لأقل من أربع سنوات حتى وفاته ودفنه بها.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:35 PM
نسبه

هو :
خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، المكنّى بأبي سليمان، وقيل: أبو الوليد. يلتقي في النسب مع الرسول في مرة بن كعب الجد السادس للرسول.

أبوه :
الوليد بن المغيرة سيد بني مخزوم أحد بطون قريش، رفيع النسب والمكانة حتى أنه كان يرفض أن توقد نار غير ناره لإطعام الناس خاصة في مواسم الحج وسوق عكاظ، وأحد أغنى أغنياء مكة في عصره حتى أنه سمّي "بالوحيد" و"بريحانة قريش"، لأن قريش كانت تكسو الكعبة عامًا ويكسوها الوليد وحده عامًا. أمه: لبابة الصغرى بنت الحارث الهلالية من بني هلال بن عامر بن صعصعة من هوازن، وهي تلتقي في النسب مع الرسول في مضر بن نزار الجد السابع عشر للرسول.

جده لأبيه :
المغيرة بن عبد الله سيد بني مخزوم، الذي كان الرجل من بني مخزوم يؤثر الانتساب إليه تشرفًا، والذي كان له من الأبناء الكثير، أشهرهم الوليد أبي خالد و"الفاكه" الذي كان له من كرمه بيت ضيافة يأوى إليه بغير استئذان، و"أبو حنيفة" أحد الأربعة الذين أخذوا بأطراف رداء الرسول يوم أن اختلفت قريش عند بناء الكعبة، و"أبو أمية" الملقب "بزاد الركب" لأنه كان يكفي أصحابه مئونتهم في السفر، وهو أبو أم المؤمنين أم سلمة والصحابي المهاجر بن أبي أمية، و"هشام" قائد بني مخزوم في حرب الفجار، والذي أرخت قريش بوفاته، ولم تقم سوقًا بمكة ثلاثًا لحزنها عليه، وهو أبو أبو جهل، و"هاشم" جد الصحابي عمر بن الخطاب لأمه.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:36 PM
جدته لأمه :
فاختة بنت عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خَصفة بن قيس عيلان بن مضر، وعمها هو مسعود بن معتب قائد ثقيف وقيس عيلان في حرب الفجار، وابن عمها هو الصحابي عروة بن مسعود الثقفي. وفيه نزلت: Ra bracket.png وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ Aya-31.png La bracket.png. وهو عظيم الطائف.

إخوته :
ستة أخوة وقيل تسعة بين ذكور وإناث، منهم الصحابيان الوليد بن الوليد وهشام بن الوليد، إضافة إلى عمارة بن الوليد الذي عرضته قريش بدلاً على أبي طالب ليسلمهم محمدًا، وهو ما رفضه أبو طالب.

قبيلته :
بنو مخزوم وهي البطن الذي كان له أمر القبة التي كانت تضرب ليجمع فيها ما يجهّز به الجيش، وأعنة الخيل وهي قيادة الفرسان في حروب قريش. كان لمخزوم عظيم الأثر في قريش، فقد كانوا في ثروتهم وعدتهم وبأسهم من أقوى بطون قريش وهو ما كان له أثره في اضطلاعهم وحدهم ببناء ربع الكعبة بين الركنين الأسود واليماني، واشتركت قريش كلها في بناء بقية الأركان، وقد اشتهر منهم الكثير في الجاهلية والإسلام ومنهم الشاعر عمر بن أبي ربيعة والتابعي سعيد بن المسيب.

نشأته

وفقًا لعادة أشراف قريش، أرسل خالد إلى الصحراء، ليربّى على يدي مرضعة ويشب صحيحًا في جو الصحراء. وقد عاد لوالديه وهو في سن الخامسة أو السادسة. مرض خالد خلال طفولته مرضًا خفيفًا بالجدري، لكنه ترك بعض الندبات على خده الأيسر. وتعلم خالد الفروسية كغيره من أبناء الأشراف، ولكنه أبدى نبوغًا ومهارة في الفروسية منذ وقت مبكر، وتميز على جميع أقرانه، كان خالد صاحب قوة مفرطة كما عُرف بالشجاعة والجَلَد والإقدام، والمهارة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ. واستطاع "خالد" أن يثبت وجوده في ميادين القتال، وأظهر من فنون الفروسية والبراعة في القتال ما جعله من أفضل فرسان عصره

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:37 PM
صفته

كان خالد طويلاً بائن الطول، عظيم الجسم والهامة، يميل إلى البياض، كث اللحية، شديد الشبه بعمر بن الخطاب، حتى أن ضعاف النظر كانوا يخلطون بينهما

خالد في عهد الرسول محمد

قبل إسلامه

لا يعرف الكثير عن خالد خلال فترة الدعوة للإسلام في مكة. وبعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة المنورة، دارت العديد من المعارك بين المسلمين وقريش. لم يخض خالد غزوة بدر أولى المعارك الكبرى بين الفريقين، والتي وقع فيها شقيقه الوليد أسيرًا في أيدي المسلمين. وذهب خالد وشقيقه هشام لفداء الوليد في يثرب، إلا أنه وبعد فترة قصيرة من فدائه، أسلم الوليد وهرب إلى يثرب.

كانت غزوة أحد أول معارك خالد في الصراع بين القوتين، والتي تولى فيها قيادة ميمنة القرشيين. لعب خالد دورًا حيويًا لصالح القرشيين، فقد استطاع تحويل دفة المعركة، بعدما استغل خطأ رماة المسلمين، عندما تركوا جبل الرماة لجمع الغنائم بعد تفوق المسلمين في بداية المعركة. انتهز خالد ذلك الخطأ ليلتف حول جبل الرماة ويهاجم بفرسانه مؤخرة جيش المسلمين، مما جعل الدائرة تدور على المسلمين، وتحوّل هزيمة القرشيين إلى نصر.

شارك خالد أيضًا في صفوف الأحزاب في غزوة الخندق، وقد تولى هو وعمرو بن العاص تأمين مؤخرة الجيش في مائتي فارس، خوفًا من أن يتعقبهم المسلمون. كما كان على رأس فرسان قريش الذين أرادوا أن يحولوا بين المسلمين ومكة في غزوة الحديبية.

إسلامه

بينما كان المسلمون في مكة لأداء عمرة القضاء في عام 7 هـ، وفقًا للاتفاق الذي أبرم في صلح الحديبية، أرسل الرسول إلى الوليد بن الوليد، وسأله عن خالد، قائلاً له: «ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولقدمناه على غيره.» أرسل الوليد إلى خالد برسالة يدعوه فيها للإسلام ولإدراك ما فاته. وافق ذلك الأمر هوى خالد، فعرض على صفوان بن أمية ثم على عكرمة بن أبي جهل الانضمام إليه في رحلته إلى يثرب ليعلن إسلامه، إلا أنهما رفضا ذلك. ثم عرض الأمر على عثمان بن طلحة العبدري، فوافقه إلى ذلك. وبينما هما في طريقهما إلى يثرب، التقيا عمرو بن العاص مهاجرًا ليعلن إسلامه، فدخل ثلاثتهم يثرب في صفر عام 8 هـ معلنين إسلامهم، وحينها قال الرسول: "إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها".

فلما وصل المدينة المنورة، قصّ خالد على أبي بكر رؤيا رآها في نومه كأنه في بلاد ضيقة مجدبة، فخرج إلى بلاد خضراء واسعة، فقال له: "مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك"

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:37 PM
سيف الله المسلول

في عام 8 هـ، وجّه الرسول جيشًا لقتال الغساسنة، بعد أن اعترض شرحبيل بن عمرو الغساني عامل قيصر الروم على البلقاء الحارث بن عمير الأزدي رسول الرسول محمد إلى صاحب بصرى، وقتله. انضم خالد حديث العهد بالإسلام إلى ذلك الجيش ذي الثلاث آلاف مقاتل. اختار النبي زيد بن حارثة لقيادة الجيش، على أن يخلفه جعفر بن أبي طالب إن قتل، ثم عبد الله بن رواحة إن قتل جعفر، وإن قتل الثلاثة يختار المسلمون قائدًا من بينهم.

عند وصول الجيش إلى مؤتة، وجد المسلمون أنفسهم أمام جيش من مائتي ألف مقاتل نصفهم من الروم والنصف الآخر من الغساسنة. فوجئ المسلمون بالموقف، وأقاموا لليلتين في معان يتشاورون أمرهم. أشار البعض بأن يرسلوا للرسول ليشرحوا له الموقف، وينتظروا إما المدد أو الأوامر الجديدة. عارض ابن رواحة ذلك، وأقنع المسلمين بالقتال. بدأت المعركة، وواجه المسلمون موقفًا عصيبًا، حيث قتل القادة الثلاثة على التوالي، عندئذ اختار المسلمون خالدًا ليقودهم في المعركة. صمد الجيش بقية اليوم، وفي الليل نقل خالد ميمنة جيشه إلى الميسرة، والميسرة إلى الميمنة، وجعل مقدمته موضع الساقة، والساقة موضع المقدمة. ثم أمر طائفة بأن تثير الغبار ويكثرون الجلبة خلف الجيش حتى الصباح. وفي الصباح، فوجئ جيش الروم والغساسنة بتغيّر الوجوه والأعلام عن تلك التي واجهوها بالأمس، إضافة إلى الجلبة، فظنوا أن مددًا قد جاء للمسلمين. عندئذ أمر بالانسحاب وخشي الروم أن يلاحقوهم، خوفًا من أن يكون الانسحاب مكيدة. وبذلك، نجح خالد في أن يحفظ الجيش من إبادة شاملة. حارب خالد ببسالة في غزوة مؤتة، وكسرت في يده يومئذ تسعة أسياف. وبعد أن عاد إلى يثرب، أثنى عليه الرسول ولقّبه بسيف الله المسلول.

وبعد شهور، نقضت قريش أحد شروط الصلح، عندما هاجم بكر بن مناة بن كنانة حلفاء قريش بني خزاعة حلفاء الرسول. عندئذ توجه الرسول في جيش من عشرة آلاف مقاتل إلى مكة، وقسم الجيش إلى أربعة أقسام تولى بنفسه قيادة أحدها وأمّر الزبير بن العوام وسعد بن عبادة وخالد بن الوليد على الثلاثة الأخرى، وأمرهم أن يدخلوا مكة كلٌ من باب. فدخلوها كل من الباب الموكل إليه، ولم يلق أحدهم قتالاً إلا كتيبة خالد، حيث قاتله عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية في جند جمعوه لقتال المسلمين، واستطاع خالد أن يظفر بهم، وقتل منهم عددًا. ثم أرسله الرسول في سرية من ثلاثين فارسًا لهدم العزى صنم جميع بني كنانة، فهدمها ثم رجع إلى الرسول، فأخبره فسأله الرسول إن كان قد رأى شيئًا، فرد بالنفي، فطلب منه الرسول أن يعود لأنه لم يهدمها. فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، فضربها خالد فشقها نصفين ورجع إلى الرسول. فأخبره فقال: "نعم تلك العزى، وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا!". وكان موضع العزى ومقر عبادتها في شِعب يعرف بشعب سُقام إلى الشمال الشرقي من مكة اتخذه المشركون حمىً لها.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:38 PM
سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

بعد الفتح، أرسل الرسول السرايا لدعوة القبائل إلى الإسلام، فأرسل خالد بن الوليد قائدًا على 350 من المهاجرين والأنصار وبني سليم في سرية إلى "بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة"، ولم يأمره بقتال. وهنا كانت أول زلاّت خالد حيث قاتلهم، وأصاب منهم، رغم معارضة من كان معه من الصحابة، ومنه سالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن عمر بن الخطاب، فلما وصل الخبر إلى الرسول رفع يديه إلى السماء ثم قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد". وأرسل الرسول عليًا إلى بني جذيمة، لدفع ديّة قتلاهم.

ورغم هذا الخطإ، أشركه الرسول بعد ذلك في غزوة حنين، حيث جعله الرسول يومئذ قائدًا على بني سليم، وأصيب يومها إصابات بليغة. كما شارك خالد أيضًا في غزوة تبوك تحت قيادة الرسول، ومن هناك أرسله الرسول في سرية إلى دومة الجندل، فدخلها وأسر صاحبها أكيدر بن عبد الملك الذي صالحه الرسول على الجزية، وهدم صنمهم "وُدّ". في عام 10 هـ، بعث الرسول خالد بن الوليد في شهر ربيع الأول في سرية من أربعمائة مقاتل إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثًا، فإن استجابوا له يقبل منهم ويقيم فيهم ويعلمهم دينهم، وإن لم يفعلوا يقاتلهم. لبّى بنو الحارث بن كعب النداء وأسلموا، فأقام خالد فيهم يعلمهم الإسلام. ثم كتب خالد إلى الرسول بذلك، فأمره أن يقيم فيهم يعلمهم، ثم ليقبل معه وفدهم، فوفدوا عليه يعلنون إسلامهم.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:39 PM
خالد في عهد أبي بكر وعمر
حروب الردّة
بنو أسد وطليحة بن خويلد

بعد وفاة الرسول، انتقضت معظم القبائل العربية عدا أهل مكة والطائف والقبائل المجاورة لمكة والمدينة والطائف على خلافة أبي بكر الخليفة الجديد للمسلمين. اختلفت أسباب الانتقاض، فمنهم من ارتد عن الإسلام، ومنهم من ظل على دين الإسلام مع رفضهم أداء فريضة الزكاة، ومنهم من التف حول مدعي النبوة في القبائل العربية.

استغل مانعو الزكاة من قبائل عبس وذبيان وغطفان خروج بعث أسامة بن زيد الذي كان قد أوصى به الرسول قبل وفاته، وحاولوا مهاجمة المدينة. وبعد أن استطاع الخليفة أبو بكر الصديق صد الهجوم، وإرساله من يطارد فلول المنهزمين، عقد أبو بكر أحد عشر لواءً لمحاربة المرتدين ومانعي الزكاة في جميع أرجاء جزيرة العرب. أمّر أبو بكر خالد بن الوليد على أحد تلك الجيوش قوامه 4,000 مقاتل، ووجهه إلى إخضاع طيئ ثم محاربة مدعي النبوة طليحة بن خويلد وقبيلته بني أسد، ثم التوجه لإخضاع بني تميم. إلا أنه وقبل أن يتحرك الجيش، وصل عدي بن حاتم الطائي بأموال زكاة طيء، لتنضم بذلك طيء لجيش خالد.

اجتمعت قبائل أسد وفزارة وسليم وفلول عبس وذبيان وبكر حول طليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة. توجه إليهم خالد بجيشه، واشتبك معهم في بُزاخة، وهزمهم وفرّ طليحة إلى الشام. أمر خالد بعد ذلك بمطاردة فلول المنهزمين، ثم أمر بإحراق الأسرى بالنيران ونكّل بهم، وأرسل رؤساءهم مكبّلين بالأصفاد إلى الخليفة لينظر ماذا يفعل بهم، لما ألحقوا بمن بقوا على دينهم من أذى، وليكون ذلك ردعًا لمن سيلقاه بعد ذلك.

التفت الفلول حول أم زمل التي كانت لها ثارات عند المسلمين، فقد قتل زيد بن حارثة أمها أم قرفة في سريته إلى بني فزارة، لتحريضها قومها على قتال المسلمين. فقاتلهم خالد في معركة كبيرة في ظفر، وهزمهم وقتل أم زمل

بنو تميم

توجه خالد بعد ذلك بجيشه إلى بني تميم. لم تكن بنو تميم على موقف واحد، فمنهم بطون إيتاء الزكاة وإتباع خليفة رسول الله، ومنهم من رأى عكس ذلك، وبقي فريق ثالث في حيرة من أمرهم. فلما وصل جيش خالد البطاح وهي منزل بنو يربوع، لم يجد بها أحدًا. كان سيدهم مالك بن نويرة ممن كانوا تحيروا في أمرهم، وكان قد أمر قومه بأن يتفرقوا. بثّ خالد السرايا، وأمرهم بأن يأتوه بكل من لم يجب داعية الإسلام، وإن امتنع أن يقتلوه. وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذّنوا إذا نزلوا منزلاً، فإن أذن القوم فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فاقتلوا، وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم. عندئذ، جاءه الجند بمالك بن نويرة في جماعة من قومه، اختلفت السرية فيهم، فشهد أبو قتادة الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون: إنهم لم يؤذنوا ولم يصلوا. أمر خالد بقتل ابن نويرة، واختلف الرواة في سبب قتل خالد مالكًا، فمنهم من قال أن الأسرى قتلوا لأن الليلة كانت باردة، وقد أمر خالد بأن يدفئوا الأسرى، وكانت تعني في لغة كنانة القتل، فقتلهم الحراس. ومنهم من قال أنه دارت بين خالد ومالك حوارًا استنتج منه خالد أن مالكًا ينكر الزكاة، فقتله بذلك. وفي نفس ليلة مقتل مالك، تزوج من أم تميم ليلى بنت المنهال زوجة مالك، وهو ما أنكره العديد من الصحابة، حتى أن أبو قتادة ترك الجيش وعاد إلى المدينة مقسمًا ألا يجمعه لواء مع خالد بن الوليد. استنكر الصحابة في المدينة فعل خالد، وأرسل أبو بكر في طلب خالد. كان عمر بن الخطاب ممن أغضبه فعل خالد، حتى أنه طلب من الخليفة أن يعزل هذا الأخير، إلا أن أبا بكر رفض ذلك، قائلاً: "ما كنت لأشيم سيفًا سلّه الله على الكافرين". عنّف أبو بكر خالدًا على فعله، ثم صرفه إلى جيشه، وودي مالكًا وردّ سبي بني يربوع

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:39 PM
مسيلمة الكذاب

ادعى مسيلمة بن حبيب النبوة، واستطاع أن يجمع حوله أربعين ألفًا من قومه بني حنيفة وغيرهم، ممن أقروا بنبوته. وكان في شهادة "الرجَّال بن عنفوة" الذي كان الرسول قد بعثه مع وفد بني حنيفة، حين وفدوا عليه ليعلنوا إسلامهم في عام الوفود ليعلمهم الدين، بأن محمدًا قد أشركه في النبوة، أكبر الدعم له في إدعائه، مما زاد من خطورة فتنته على المسلمين. لذا، فقد وجّه له أبو بكر لواءً بقيادة عكرمة بن أبي جهل، ثم أردفه بلواء آخر بقيادة شرحبيل بن حسنة.

تسرّع عكرمة في قراره بمواجهة جيش مسيلمة وحده قبل أن يدركه جيش شرحبيل بن حسنة، مما عرّضه لهزيمة نكراء. حين وصل شرحبيل بجيشه، أدرك صعوبة الموقف، لذا أرسل للخليفة ليُعلمه بما كان. حينئذ، كان خالد قد فرغ من أمر بني تميم، فأمره أبو بكر بالتوجه من البطاح إلى اليمامة، لقتال مسيلمة الكذاب متنبي بني حنيفة. حين وصل خالد بجيشه إلى ثنية اليمامة، أدرك جيشه سرية من بني حنيفة، فأمر بقتلهم واستبقى رئيسهم مجاعة بن مرارة، لعله يخلُص منه بما ينفعه، وقيّده بالحديد في خيمته، وجعل على حراسته زوجته أم تميم.

نزل مسيلمة بجيشه في عقرباء على أطراف اليمامة. ثم التقى الجمعان، وكانت الغلبة في البداية لبني حنيفة، فتراجع المسلمون حتى دخلوا فسطاط خالد، وكادوا أن يبطشوا بأم تميم لولا أن أجارها مجاعة بن مرارة، لما وجد منها من حسن معاملة. حينئذ، ثارت الحمية في قلوب المسلمين، فأظهر المهاجرون والأنصار بطولاتٍ قلبت دفة المعركة لصالحهم، فتقهقرت بنو حنيفة يحتمون بحديقة مسوّرة منيعة الجدران تسمى بـ "حديقة الرحمن". أدرك المسلمون أنهم إن لم يسرعوا بالظفر بهم، فقد يطول الحصار، فطلب البراء بن مالك من رفقائه أن يحملوه ليتسوّر الحديقة وتبعه بعض زملائه، واستطاعوا فتح باب الحديقة، وأعمل المسلمون القتل في بني حنيفة، وقتل وحشي بن حرب مسيلمة، مما فتّ في عضد بني حنيفة. ومن يومها، أصبحت الحديقة تسمى "بحديقة الموت".

بعد أن انتهت المعركة تحرك خالد بجيشه، ليفتح حصون اليمامة، وكان خالد قد وثق بمجاعة لإجارته لأم تميم. وكان مجاعة قد أرسل للحصون التي لم يكن بها سوى النساء والأطفال والشيوخ ومن لا يستطيعون القتال بأن يلبسوا الدروع. أقنع مجاعة خالدًا بأن الحصون مملوءة بالرجال، ونظر خالد فوجد جيشه قد أنهكته الحروب، وقتل منه الكثير حتى أنه قُدر قتلى المسلمون يوم اليمامة بمائتين وألف منهم 360 من المهاجرين والأنصار، لذا رأى خالد أن يصالحهم على أن يحتفظ المسلمون بنصف السبي والغنائم. عندئذ طلب منه مجاعة أن يذهب ليعرض على قومه الأمر، ثم عاد زاعمًا بأنهم لم يقبلوا العرض، فخفّضه خالد إلى الربع. وحين دخل المسلمون الحصون، لم يجد المسلمون سوى النساء والأطفال والعجزة، غضب خالد لخداعه، إلا أنه وجدها شجاعة من مجاعة، استطاع بها أن يحفظ بها من بقي من قومه، فأجاز الصلح.

بعد أن تم لخالد النصر، طلب من مجاعة أن يزوجه ابنته، فلبّى مجاعة طلبه. تسبب ذلك في إثارة غضب الخليفة وكبار الصحابة، لأنه لم يختر الوقت المناسب لذلك، فقد كانت المدينة في حالة حزن على فقدانهم لألف ومائتي شهيد بينهم 39 من حفظة القرآن الكريم، وهو ما استدعى جمعهم للقرآن. أرسل أبو بكر لخالد فعنّفه أشد مما عنفه يوم زواجه من أم تميم، فتألم خالد لغضب أبي بكر. بعد اليمامة، انتهت مهمة خالد في حروب الردة، فاتخذ له بيتًا في أحد أودية اليمامة عاش فيه مع زوجتيه.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:40 PM
دوره في فتح العراق

مع انتهاء حروب الردة، بلغ أبا بكر أن المثنى بن حارثة الشيباني ورجال من قومه أغاروا على تخوم فارس حتى بلغ مصب دجلة والفرات، فسأل عنه فأثنى عليه الصحابة. ولم يلبث أن أقبل المثنى على المدينة، طالبًا منه أن يستعمله على من أسلم من قومه، فأقر له أبو بكر بذلك.

رأى أبو بكر بأن يمدّ المثنى بمدد ليتابع غزواته، لذا أمر خالد بأن يجمع جنده في اليمامة، وألا يستكره أحدًا منهم، ويتوجه إلى العراق. كما أمر عياض بن غنم بأن يتوجه إلى دومة الجندل ليخضع أهلها، ثم يتوجه إلى الحيرة، وأيهما بلغ الحيرة أولاً تكون له القيادة. وجد خالد أن جيشه قد قلّ عدده، فطلب المدد من الخليفة، فأمدّه بالقعقاع بن عمرو التميمي. تعجّب الناس من هذا المدد، فقال لهم أبو بكر: "لا يُهزم جيش فيه مثل هذا".

أدرك خالد المثنى قبل أن يصل إليه عياض بعشرة الآف مقاتل، لينضم إليه ثمانية الآف مقاتل هم جند المثنى. كانت أول معارك خالد في العراق أمام جيش فارسي بقيادة "هرمز" في معركة ذات السلاسل. في بداية المعركة، طالب هرمز أن يبارز خالد، وكان قد دبّر مكيدة بأن يتكاتل عليه جنده فيقتلوه، فيفتّ ذلك في عضد المسلمين فينهزموا. لم يعط هرمز خالد قدره، فقد قتله خالد قبل أن تكتمل المكيدة، وأدرك القعقاع جند الفرس قبل أن يغدروا بخالد، ليثبت بذلك للمسلمين صحة وجهة نظر الخليفة فيه. بعد ذلك، شدّ المسلمون على الفرس وهزموهم، وأمر خالد المثنى بمطاردة الفلول. استمر المثنى يطارد الفلول، إلى أن ترامى إلى أذنه زحف جيش آخر بقيادة "قارن بن قريانس"، فأرسل إلى خالد، فلحقه خالد بالجيش، والتحم الجيشان وللمرة الثانية يهزم جيش خالد جيشًا فارسيًا ويقتل قادته في معركة عرفت بمعركة المذار

أدرك الفرس صعوبة موقفهم، فقرروا أن يستعينوا بأوليائهم من العرب من بني بكر بن وائل، والتقى الجيشان في معركة الولجة والتي استخدم فيها خالد نسخة مطورة من تكتيك الكماشة، حيث استخدم مجموعتين من الجند ليكمنوا للفرس. استثارت الهزيمة غضب الفرس وأولياءهم من العرب، فاجتمعوا في أُلّيس بجيش عظيم، واشتبك معهم جيش المسلمين في معركة عظيمة تأرجحت وطالت بين الفريقين، فتوجه خالد بالدعاء إلى ربه، ونذر أن يجري النهر بدماء أعدائه إن انتصر المسلمون. في النهاية، انتصر المسلمون وفر الفرس والعرب، وأمر خالد بأسرهم، ليبرّ بنذره. ثم أمر بحبس النهر، وضرب رقاب الأسرى ثم أجرى النهر فتحوّل دمًا.

كانت الخطوة التالية لتأمين النصر هي فتح الحيرة عاصمة العراق العربي، فتوجه بجيشه إليها وحاصرها، ولما لم يجدوا مهربًا قبلوا بأن يؤدوا الجزية. وبعد أن أراح جيشه، سار خالد على تعبئته إلى الأنبار وعلى مقدمته الأقرع بن حابس، فحاصرها وقد تحصن أهل الأنبار وخندقوا حولهم، فطاف خالد بالخندق بحثًا عن أضيق مكان فيه، ثم أمر بنحر ضعاف الإبل وإلقائها في ذلك الموضع، وعبر عليها جيشه ففتح بذلك الحصن. اتجه خالد بعد ذلك إلى عين التمر، حيث واجه جيشًا من الفرس والعرب من قبائل بني النمر بن قاسط وتغلب وإياد بقيادة "عقة بن أبي عقة" في معركة عين التمر وانتصر عليهم، وبذلك أصبح معظم العراق العربي تحت سيطرة المسلمين.

كان عياض بن غنم ما زال في حربه في دومة الجندل منذ بعثه الخليفة لقتالهم، حيث طال حصاره لعام ولم يظفر بهم. يأس الخليفة من الموقف، فأمده بالوليد بن عقبة، وحين وصل إليه الوليد أيقن صعوبة موقف عياض، فأشار عليه بأن يرسل إلى خالد بن الوليد يستنصره. لم يتردد عياض فأرسل لخالد، وكان قد همّ بالرحيل عن عين التمر. لذا، فقد توجه خالد إليه بجيشه، فجعل دومة بينه وبين جند عياض، ونجح في افتضاض الحصن في معركة دومة الجندل. انتهز أهل العراق فرصة غياب خالد، فثاروا على الحاميات الإسلامية، ووصل الخبر لخالد في دومة الجندل، فلم يطق البقاء وعاد واستطاع اخضاعهم مرة أخرى في معارك المصّيخ والثني والزميل.

واصل خالد زحفه شمالاً حتى بلغ الفراض، وهي موقع على تخوم العراق والشام، وأقام فيها شهرًا لا يفصله عن الروم سوى مجرى الفرات. أرسل قائد الروم لخالد يطالبه بالاستسلام، إلا أن خالد قال له أنه ينتظره في أرض المعركة. ثم بعث إليه الروم يخيرونه إما أن يعبر إليهم أو يعبروا إليه، فطالبهم بالعبور. استغل خالد عبور الروم إليه، وحاصرهم بجناحيه مستغلاً وجود النهر خلفهم، وهزمهم هزيمة ساحقة. كانت معركة الفراض آخر معارك خالد بن الوليد في العراق. أمر خالد جيشه بالعودة إلى الحيرة، وقرر أن يؤدي فريضة الحج في سرّية تامة دون حتى أن يستأذن الخليفة. وبعد أن أتم حجه علم الخليفة فلامه ونهاه عن تكرار فعله مرة أخرى.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:41 PM
دوره في فتح الشام

بعد أن افتتح المسلمون دومة الجندل، أصبح الطريق ممهدًا للتحرك لغزو الشام. أرسل خالد بن سعيد قائد المسلمين على تخوم الشام إلى أبي بكر يستأذنه في منازلة الروم. وبعد أن استشار أبو بكر أهل الرأي، شجّعته انتصارات المسلمين في العراق على الإقدام على خطوة مشابهة في الشام، فأذن لخالد بن سعيد. لم يحالف الحظ جيش خالد بن سعيد بعد أن نجح الروم في استدراجه وهزموا جيشه، وفر في كتيبة من جنده بعد مقتل ابنه، تاركًا عكرمة يتقهقر بالجيش.

لم يُضعف ذلك من عزم الخليفة، فوجّه أربعة جيوش دفعة واحدة إلى الشام، بقيادة أبي عبيدة الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ووجه كل منهم لوجهة مختلفة، إلا أن الروم جيّشوا لهم في كل موضع جيوشًا تفوقهم عددًا. وجد القادة أنهم إن قاتلوا منفردين فسيهزمون لا محالة، لذا أرسل أبو عبيدة إلى أبي بكر يطلب المدد. ضاق أبو بكر بالموقف، فقرر أن يرسل إلى خالد بن الوليد يأمره أن يستخلف المثنى بن حارثة الشيباني في نصف الجند، ويسير بالنصف الآخر إلى الشام ليمدّ جيوش المسلمين. ضاق خالد بالأمر، إذ كان يرجو أن يظل بالعراق حتى يفتح المدائن، إلا أنه امتثل للأمر.

كان أمام خالد طريقان للوصول لقوات المسلمين في الشام، الأول عبر دومة الجندل، والثاني يمر بالرقة. ولما كانت حاجة قوات المسلمين في الشام ملحّة لمدده، تجنب خالد طريق دومة الجندل لطوله، وقد استغرق أسابيع للوصول إلى الشام. كما قرر أن يتجنب الطريق الآخر لأنه سيمر على الحاميات الرومانية في شمال الشام. اختيار خالد طريقًا وعرًا لكنه أقصر عبر بادية الشام. اتخذ خالد من "رافع بن عميرة الطائي" دليلاً له حيث نصحهم بالاستكثار من الماء، لأنهم سيسيرون لخمس ليال دون أن يردوا بئرًا. استخدم خالد بطون الإبل لتخزين الماء لشرب الجياد، وبذلك نجح خالد في اجتياز بادية الشام في أقصر وقت ممكن. ثم أخضع الغساسنة بعد أن قاتلهم في مرج راهط، ومنها انحدر إلى بصرى ففتحها.

وعندئذ جاءته الأنباء بأن جيشًا روميّا قد احتشد في أجنادين، فأمر خالد جيشه بالتوجه إلى أجنادين، وراسل قادة الجيوش الأخرى بموافاته في أجنادين. ولما تم اجتماعهم هناك، جعل أبو عبيدة بن الجراح على المشاة في القلب، ومعاذ بن جبل على الميمنة، سعيد بن عامر بن جذيم القرشي على الميسرة، وسعيد بن زيد على الخيل. بدأت المعركة بمهاجمة ميسرة الروم لميمنة المسلمين، ولكن معاذ بن جبل ورجاله صمدوا أمام الهجوم، ثم شنت ميمنة الروم هجومًا على ميسرة المسلمين، فثبتوا كذلك. عند ذلك أمر قائد الروم برمي الأسهم، عندئذ بدأ هجوم المسلمين، واستبسلوا ففر الروم منهزمين.

ثم بلغ خالدا أن الروم قد حشدوا جيشًا آخر يشرف على 240 ألف جندي في اليرموك، فتوجهت جيوش المسلمين إليهم. وأظهر خالد أحد تكتيكاته الجديدة، فقسم جيشه فرقًا كل منها ألف رجل، وجعل على ميمنته عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان، وعلى القلب أبا عبيدة، وجعل على رأس كل فرقة بطلاً من أبطال المسلمين أمثال القعقاع وعكرمة وصفوان بن أمية. ثم رسم خالد خطة لاستدراج الروم بعيدًا عن مواقعهم التي حفروا أمامها الخنادق فكلف عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو التميمي الهجوم بفرقتيهما فجرًا حتى يبلغا خنادق الروم وبعد ذلك يتظاهران بالانهزام ويتقهقران. ونفذ القائدان المهمة بنجاح، فلما رآهم الروم يتراجعون، هاجموهم . وأظهر المسلمون بسالة في القتال الذي استمر إلى الغروب. وأخيرًا تمكن المسلمون من الفصل بين فرسان الروم ومشاتهم، فأمر خالد بمحاصرة الفرسان. فلما ضاق فرسان الروم بالقتال وأصابهم التعب، فتح المسلمون أمامهم ثغرة أغرتهم بالخروج منها طالبين النجاة، تاركين المشاة لمصيرهم. اقتحم المسلمون عليهم الخنادق، وقتلوا منهم ألوفا. كان انتصار اليرموك بداية نهاية سيطرة الروم على الشام.

تفرقت الجيوش بعد ذلك، فتوجه كلٌ إلى وجهته التي كان أبو بكر قد وجهه إليها، فتوجه خالد مع أبي عبيدة إلى دمشق ففتحوها بعد حاصروها وصالحوا أهلها على الجزية. وبينما هم هناك إذ أقبل رسول يحمل خبر وفاة أبي بكر وتولي عمر بن الخطاب الخلافة، ومعه كتاب إلى أبي عبيدة يولّيه إمارة الجيش ويعزل خالدا، إلا أنه ظل تحت قيادة أبي عبيدة، كأحد قادته. وبعد أن إطمأن أبو عبيدة إلى مقام المسلمين، تقدم بقواته ومعه خالد إلى فحل، وقد كان قد أرسل بعض جنده لحصارها خلال محاصرته لدمشق، فهزم حاميتها ومن لجأ إليهم من جند الروم الفارين من أجنادين، وقد أظهر خالد بن الوليد وضرار بن الأزور يوم فحل بطولات ذكرها لهم المؤرخون.

كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة يأمره بفتح حمص. انتهز هرقل قيصر الروم انشغال المسلمين في فحل، فأرسل جيشًا بقيادة توذر (تيودوروس) لاستعادة دمشق. وبينما كان جيش المسلمين في طريقهم إلى حمص، التقى الجيش البيزنطي في منتصف الطريق في مرج الروم. خلال الليل، أرسل توذر نصف جيشه إلى دمشق لشن هجوم مفاجئ على حامية المسلمين. وفي الصباح، وجد المسلمون أن جيش الروم قد قلّ عدده، فتوقع خالد أن يكون الروم قد وجهوا جزءاً من جيشهم لمهاجمة دمشق. استأذن خالد أبا عبيدة، وانطلق في فرقة من الفرسان ليدرك جيش الروم المتوجّه لدمشق. استطاع خالد أن يهزم هذا الجيش الرومي بعدما حُصر الروم بين قوات خالد وحامية المدينة. عاد خالد لينضم لقوات أبي عبيدة، وحاصر معه حمص إلى أن سلّم أهلها طالبين الصلح، فصالحهم أبو عبيدة على شروط وخراج صلح دمشق، ثم سلمت حماة واللاذقية وعلى نفس الشروط.

واجه عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة صعوبات في مواجهة الروم في فلسطين وجنوب الشام، لذا أرسلا إلى عمر فأمر أبا عبيدة وخالد بالتوجه إليهم للدعم، واستطاعت قوات المسلمين تطهير البلاد ثم توجهوا إلى القدس آخر المعاقل البيزنطية في جنوب الشام، التي فرّ إليها العديد من الناجين من معركة اليرموك، وحاصروها. لم تقبل المدينة بالتسليم، إلا للخليفة شخصيًا. بعد القدس، توجه جيش أبو عبيدة وخالد، لاستكمال فتح شمال الشام. وجه أبو عبيدة خالد إلى قنسرين المدينة منيعة الحصون، فوجد بها جيشًا روميًا عظيمًا، فقاتلهم خالد وهزمهم في معركة قنسرين، وفرّت الفلول لتتحصن بالمدينة طالبين الصلح كصلح حمص، إلا أن خالد رفض ورأى أن يعاقبهم لمقاومتهم للمسلمين. لحق جيش أبوعبيدة بن الجراح بقوات خالد بن الوليد في قنسرين بعد فتحها ليتابعا زحفهما إلى حلب، حيث استطاعا فتحها.

كان الهدف التالي للمسلمين أنطاكية عاصمة الجزء الآسيوي من الإمبراطورية البيزنطية. وقبل أن يسيروا إليها، قرر أبو عبيدة وخالد عزل المدينة عن الأناضول، بالاستيلاء على جميع القلاع التي قد توفر الدعم الاستراتيجي إلى أنطاكية، وأهمها أعزاز في الشمال الشرقي من أنطاكية. وقد خاض الروم المدافعون عن أنطاكية معركة يائسة مع جيش المسلمين خارج المدينة بالقرب من نهر العاصي، لكنها انتهت بهزيمتهم، وتراجعهم إلى أنطاكية، فحاصرها المسلمون. فقد الروم الأمل في وصول المدد من الإمبراطور، فاستسلمت أنطاكية على أن يُسمح لجند الروم بالمرور إلى القسطنطينية بأمان.

وجّه أبو عبيدة خالد شمالاً، بينما توجّه جنوبًا وفتح اللاذقية وجبلة وطرطوس والمناطق الساحلية الغربية من سلسلة جبال لبنان الشرقية. استولى خالد على الأراضي حتى "نهر كيزيل" في الأناضول. قبل وصول المسلمين إلى أنطاكية، كان الإمبراطور هرقل قد غادرها إلى الرها، لترتيب الدفاعات اللازمة في بلاد ما بين النهرين وأرمينيا، ثم غادرها متوجها إلى عاصمته القسطنطينية. وفي طريقه إلى القسطنطينية، نجا بصعوبة من قبضة خالد الذي كان في طريقه منصرفًا من حصار مرعش إلى منبج.

بعد الهزائم الساحقة المتتالية لقوات هرقل في تلك المعارك، أصبحت فُرصُه لتصحيح أوضاعه قليلة، بعدما أصبحت موارده العسكرية المتبقية ضعيفة، لذا لجأ إلى طلب مساعدة من المسيحيين العرب من بلاد ما بين النهرين الذين حشدوا جيشًا كبيرًا توجهوا به نحو حمص، قاعدة أبو عبيدة في شمال الشام، وأرسل إليهم جندًا عبر البحر من الإسكندرية. أمر أبو عبيدة كل قواته في شمال الشام بموافاته في حمص، بعدما حاصرتها القبائل العربية المسيحية. فضّل خالد خوض معركة مفتوحة خارج المدينة، إلا أن أبا عبيدة أرسل إلى عمر يطلب رأيه. بعث عمر إلى سعد بن أبي وقاص بأن يسيّر جندًا لغزو منازل تلك القبائل العربية المسيحية في بلادها، وأن يبعث القعقاع بن عمرو في أربعة آلاف فارس مددًا لأبي عبيدة. بل وسار عمر بنفسه من المدينة على رأس ألف جندي. دوت تلك الأنباء في العراق والشام، فرأت تلك القبائل أن تسرع بالرجوع إلى منازلها، تاركين جند الروم في مواجهة مصيرهم أمام قوات المسلمين الذين هزموا تلك القوات هزيمة نكراء، قبل أن تصل قوات المدد من العراق أو المدينة. ثم أرسل أبو عبيدة خالد في قوة لمهاجمة القبائل من الخلف، وكانت تلك آخر محاولات هرقل لإستعادة الشام.

بعد تلك المعركة، أمر عمر باستكمال غزو بلاد ما بين النهرين. فبعث أبو عبيدة خالد وبعث سعد عياض بن غنم لغزو شمال بلاد ما بين النهرين. ففتحا الرها وديار بكر وملطية ثم اجتاحا أرمينية حتى بلغ خالد آمد والرها، وهو يفتح البلاد ويستفئ الغنائم، ثم عاد إلى قنسرين وقد اجتمع له من الفئ شيء عظيم.

اختلفت روايات المؤرخين حول ترتيب وقائع فتح الشام، فمثلاً روى الطبري أن معركة اليرموك كانت المعركة التالية لفتح بصرى، أما البلاذري فقد روى أنها كانت آخر معارك فتح الشام، وأنها تمت في عهد عمر بن الخطاب.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:41 PM
العزل

تحدث الناس بفعال خالد في أرمينية، وتحدثوا بانتصاراته في الشام والعراق، فتغنّى الشعراء بفعاله، فوهبهم خالد من ماله وأغدق عليهم، وكان ممن وهبهم خالد الأشعث بن قيس الذي وهبه خالد عشرة الآف درهم. بلغ عمر في المدينة خبر جائزة خالد للأشعث، فكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يستقدم خالد مقيدًا بعمامته، حتى يعلم أأجاز الأشعث من ماله أم من مال المسلمين، فإن زعم أنها من مال المسلمين، فتلك خيانة للأمانة. وإن زعم أنها من ماله، فقد أسرف، وفي كلتا الحالتين يُعزل خالد من قيادته للجيوش. تحيّر أبو عبيدة، فترك تنفيذ تلك المهمة لبلال بن رباح رسول الخليفة بالكتاب. أرسل أبو عبيدة يستدعي خالد من قنسرين، ثم جمع الناس وسأل بلال خالدًا عما إذا كانت جائزته للأشعث من ماله أم من مال المسلمين؟. فأجاب خالد أنها من ماله الخاص، فأعلنت براءته. فاجأ أبو عبيدة خالدًا بأن الخليفة قد عزله، وأنه مأمور بالتوجه للمدينة.

ذهب خالد للمدينة المنورة للقاء عمر، محتجًا على ما اعتبره ظلمًا، إلا أن عمر أصر على قراره. كثر اللغط في الأمصار حول عزل عمر لخالد، فأذاع في الأمصار:

خالد بن الوليد إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة. خالد بن الوليد
لما قدم خالد على عمر قال عمر متمثلا:

صَنَعْتَ فَلَمْ يَصْنَعْ كَصُنْعِكَ صَانِعٌ وَمَا يَصْنَعُ الأَقْوَامُ فَاللَّهُ يَصْنَعُ
فأغرمه شيئا، ثم عوضه، وكتب فيه إِلى الناس بهذا الكتاب ليعذره عندهم وليبصرهم. وكانت تلك هي نهاية مسيرة خالد العسكرية الناجحة.

وفاته وضريحه

هناك إجماع على أن خالد توفي عام 21 هـ / 642 م، إلا أنه هناك خلاف على مكان وفاته. فقد ذكر ابن حجر العسقلاني في الإصابة قولين في وفاته، قول بأنه توفي بحمص وآخر أن وفاته في المدينة وأن عمر بن الخطاب حضر جنازته، بينما ذهب أبي زرعة الدمشقي في تاريخه أن وفاته في المدينة، أما ابن عساكر فنقل في كتابه تاريخ دمشق الكبير عدة روايات ترجح وفاته بحمص، واستأنس بقول أبي زرعة الدمشقي في وفاته بالمدينة، ونقل ابن كثير في البداية والنهاية قول الواقدي ومحمد بن سعد بأنه مات بقرية تبعد نحو ميل عن حمص، وكذلك نقل الرأي الآخر في وفاته بالمدينة، ولكنه رجح موته بحمص، كذلك أيّد الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء رأى ابن كثير بترجيح وفاته بحمص. ولخالد بن الوليد جامع كبير في حمص، يزعم البعض أن قبره في الجامع. روي أن خالد قال على فراش موته:

خالد بن الوليد لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء.

حزن المسلمون لموت خالد أشد الحزن، وكان الخليفة عمر من أشدهم حزنًا، حتى أنه مر بنسوة من بني مخزوم يبكينه، فقيل له: ألا تنهاهن؟. فقال: «وما على نساء قريش أن يبكين أبا سليمان، ما لم يكن نقع أو لقلقة على مثله تبكي البواكي.»

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:42 PM
ملامح من شخصيته

عسكريًا

خاض خالد نحو مائة معركة، سواء من المعارك الكبرى أو المناوشات الطفيفة، خلال مسيرته العسكرية، دون أن يهزم، مما جعل منه واحدًا من خيرة القادة عبر التاريخ. ينسب إلى خالد العديد من التكتيكات الناجحة التي استخدمها المسلمون في معاركهم الكبرى خلال الفتوحات الإسلامية. اعتمد خالد في معاركه على مهاجمة قادة أعدائه مباشرةً، لتوجيه ضربات نفسية لمعنويات أعدائه وجعل صفوفهم تضطرب. كما اعتمد في بعض معاركه على تكتيك الحرب النفسية، مثلما فعل يوم مؤتة عندما أوهم الروم بأن المدد متواصل إليه. كما كان من انجازاته استخدام أسلوب المناوشات بوحدات صغيرة من الجند في المعارك، لاستنفاد طاقة أعدائه، ومن ثم شن هجمات بفرسانه على الأجنحة، مثلما فعل في معركة الولجة التي استخدم فيها نسخة غير مألوفة من تكتيك الكماشة، حيث كان عادةً ما يركّز على إبادة قوات أعدائه، بدلاً من تحقيق الانتصارات العادية.

استخدم خالد التضاريس متى أمكنه ذلك لضمان التفوق الاستراتيجي على أعدائه. فخلال معاركه في العراق، تعمّد في البداية أن يبقى دائمًا قريبًا من الصحراء العربية، حتى يكون من السهل على قواته الانسحاب في حالة الهزيمة، وهم أدرى الناس بالصحراء. إلا أنه بعد أن دمّر القوات الفارسية وحلفاءها توغّل في عمق الحيرة. كما استغل اتخاذ الروم لمعسكرهم المنحصر من ثلاث جهات بالمرتفعات في اليرموك، لينفذ استراتيجيته ويبيد الروم. كما برع خالد في استخدام تكتيك الهجوم المفاجئ، والذي شتّت به قوات أعدائه في جنح الليل في معارك المصّيخ والثني والزميل.

كما اعتمد خالد في بعض الأحيان على الفكر غير التقليدي، مثلما فعل عندما اجتاز بادية الشام حين كان متجهًا إلى الشام مددًا لجيوش المسلمين، فقطع بذلك طريق الإمدادات على قوات الروم في أجنادين قبل مواجهتها لجيوش المسلمين. اعتمد خالد أيضًا في تكتيكاته على الفرسان، الذين استخدمهم لتنفيذ أساليب الكر والفر لتطبيق خططه الحربية، فهاجم بهم تارةً الأجنحة وتارةً قلب جيوش أعدائه ملحقًا بهم هزائم كارثية. من أسرار تفوقه العسكري أيضًا، اعتماده على استخدام العيون من السكان المحليين في المناطق التي حارب فيها، ليأتوه بأخبار أعدائه

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:42 PM
دينيًا

عند السنّة، خالد بن الوليد صحابي وسيف الله المسلول، وقد روى الحديث عن النبي، وحدث عنه ابن خالته عبد الله بن عباس وقيس بن أبي حازم والمقدام بن معد يكرب وجبير بن نفير وشقيق بن سلمة وآخرون له، إلا أن أحاديثه قليلة. وفي عهد الرسول، بعثه النبي إلى بني الحارث بن كعب أميرًا وداعيًا. ويروى أنه أخذ شعر ناصية رسول الله حين حلق رأسه في حجة الوداع، فجعلها في مقدمة قلنسوته، فكان لا يلقى عدوًا إلا هزمه."
بينما ينظر بعضَ الشيعة إلى خالد نظرة سلبية، فهم يرونه ساعد أبا بكر في قمع المؤيدين لخلافة علي بحسب وصية الرسول.

الانتقادات

تعرض خالد للعديد من الانتقادات منذ أسلم، بدءاً من سريته إلى بني جذيمة ليدعوهم إلى الإسلام، والتي لم يبعثه الرسول فيها مقاتلاً، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلاً، من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فلما وصل إليهم وجدهم يحملون السلاح. فسألهم عن الإسلام، فقالوا أنهم أسلموا، وسألهم ما بالهم يحملون السلاح، فقالوا أن بينهم وبين قوم من العرب عداوة، فخافوا أن يكون جند المسلمين هم هؤلاء القوم، فارتاب منهم خالدًا وقد كان بنو جذيمة أهل غارات حتى أنهم عُرفوا "بلعقة الدم"، وكان من قتلاهم في الجاهلية الفاكه بن المغيرة عم خالد، وعوف بن عبد عوف أبو عبد الرحمن بن عوف، فأمرهم بوضع السلاح، فوضعوه. ثم قال لهم استأسروا، فاستأسروا، ثم نادى خالد بضرب أعناقهم، فلبّى بنو سليم، بينما رفض المهاجرون والأنصار الأمر، وشكوه إلى الرسول، بل واتهمه عبد الرحمن بن عوف بأن قتلهم بثأر عمه الفاكه. حين بلغ الرسول ما فعل خالد، غضب غضبًا شديدًا لفعل خالد، ورفع يديه داعيًا إلى الله قائلاً: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"، وبعث عليا ليودي لهم قتلاهم.

ثاني الانتقادات التي وجهت لخالد، كانت يوم قتل مالك بن نويرة في حروب الردة، وإن كانت الروايات قد اختلفت في سبب مقتله، فذكر الطبري في تاريخه أن مقتله كان لخطأ في الفهم ممن تولّوا حراستهم من بني كنانة، وأن مالك أُسر هو ورجال من قومه من بني يربوع في ليلة باردة، فأشفق عليهم خالد، فنادى: "دفئوا أسراكم". وكانت تعني في لغة كنانة القتل، فظنوا أن خالد يعني قتلهم فقتلوهم. بينما ذهب ابن كثير في البداية والنهاية وأبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني إلى أن خالدًا دعا إليه مالكًا ليناظره ليرى أهو على دين الإسلام أم أنه ارتد ومنع الزكاة، وفيما هما يتناظران راجع مالك خالدًا، فقال: "ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا". قال خالد: "أو ما تعدّه لك صاحبًا؟"، ثم أمر بقتله. وقد روى ابن خلكان أن مالك قال أنه يأتي الصلاة دون الزكاة، وهو ما رفضه خالد قائلاً أنهما معًا لا تقبل واحدة دون أخرى. بل وغالى اليعقوبي في تاريخه أنه قتل مالك ليتزوج من امرأته أم تميم.

أثارت تلك الحادثة ثورة من اللغط في المدينة، بعدما ذهب إليها أبو قتادة الأنصاري ومتمم بن نويرة أخو مالك، ليشكيا خالد للخليفة أبي بكر. احتج أبو قتادة الذي كان من رؤساء الجند الذين أسروا مالك ورفاقه، بأن مالك ومن معه أقر بالإسلام وأجابوا داعية الإسلام. وحين علم بعض الصحابة ذلك، غضبوا أيما غضب من ذلك، حتى أن عمر بن الخطاب طالب الخليفة بعزل خالد، وقال: "إن في سيف خالد رهقًا (إي ظلم وطغيان) وحق عليه أن يُقيده". إلا أن أبا بكر لم يستجب لرأي عمر، معللاً بأن خالد تأول فأخطأ، وأنه ما كان ليشيم سيفًا سلّه الله على الكافرين. وفي ذات الوقت أرسل إلى خالد ليقص عليه ما فعل، فعنّفه أبو بكر على تزوجه بامرأة رجل لم يجف دم زوجها، وأمر بأداء دية مالك لأخيه متمم، ورد سبي بني يربوع.

مرة أخرى يتعرض خالد للانتقاد خلال حروب الردة، وذلك يوم أن تزوج ابنة مجاعة بن مرارة بعد نهاية المعركة. وقد روى الطبري أن فعله هذا أثار غضب أبا بكر، فكتب إليه: "لعمري يا بن أم خالد إنك لفارغ. تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفف بعد!".

انتقاد آخر تعرض له خالد هذه المرة من قبل بعض المؤرخين يوم نهر الدم، حيث رأوا أن في أفعاله بعد المعركة من قتله للأسرى ليجري النهر دمًا وحشية لا تليق بقائد فاتح، بينما رأى آخرون أنها كانت في نطاق استخدامه لأساليب الحرب النفسية، وأنها أثرت أيما أثر في نفوس الفرس والأهم من العرب.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:42 PM
أسرته

تزوج خالد بن الوليد ابنة أنس بن مدرك الأكلبي الخثعمي

فولدت له:

سليمان بن خالد الذي قتل أثناء فتح مصر.
المهاجر بن خالد الذي قتل يوم صفين وهو يقاتل في صف علي بن أبي طالب.
عبد الرحمن بن خالد والي حمص من قبل الخليفة عثمان بن عفان، والذي شارك في يوم صفين في صف معاوية بن أبي سفيان، والذي شارك أيضًا في حصار الأمويين للقسطنطينية بين عامي 674 و678 م.
وكثر ولد خالد بن الوليد حتى قيل إنهم وصلوا أربعين رجلا وكانوا كلهم بالشام؛ ثم قضوا كلهم في طاعون عمواس؛ فلم يبق لأحد منهم عقب في الشام ، وهناك مصادر متعددة تذكر أن له ذرية في باقي البلدان

شخصيته في الأدب والإعلام


أدبيًا،

تناولت العديد من الأعمال الأدبية والتاريخية شخصية خالد بن الوليد سواء بالعرض أو النقد أو التحليل، منها كتاب "سيف الله المسلول: خالد بن الوليد - حياته وحملاته" للجنرال الباكستاني أغا إبراهيم إكرام، الذي تناول فيه حياته وتحليل حملاته من وجهة نظر عسكرية، وكتاب "عبقرية خالد" للكاتب عباس محمود العقاد الذي تناول فيه الشخصية في نطاق تحليلي أدبي، وكتاب "خالد بن الوليد" للمؤلف "صادق إبراهيم عرجون" الذي تناول الشخصية بالسرد التاريخي مع التحليل والتنقيح للروايات المختلفة التي وردت في أمهات الكتب حول الأحداث التي كان خالد في خضمها، متأثرًا بكتابي "الصديق أبو بكر" و"الفاروق عمر" لمحمد حسين هيكل. إضافة إلى كتاب للمؤرخ العسكري العراقي محمود شيت خطاب بعنوان "خالد بن الوليد المخزومي"، وغير ذلك الكثير من الكتيبات التي تناولت سيرة خالد بن الوليد.

إعلاميًا،

جُسدت شخصية خالد بن الوليد في بعض الأعمال الفنية مثل خالد بن الوليد الذي جسد فيه حسين صدقي شخصية خالد بن الوليد عام 1958، وخالد بن الوليد الذي جسد فيه باسم ياخور دور خالد في جزئه الأول، وجسدها سامر المصري في جزئه الثاني، والذي تعرض للعديد من الانتقادات سواء على المستوى السياسي أو الديني. كما تم تجسيد شخصيته كأحد شخصيات الرسالة حيث جسدها محمود سعيد في نسخته العربية و"مايكل فورست" في نسخته الإنجليزية

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:48 PM
الشخصية الاسلامية الثانية وزالعشرون

https://l.top4top.io/p_1949rtqld1.png
https://a.top4top.io/p_1949l0hfg2.png

بلال بن رباح (المتوفى سنة 20 هـ) صحابي ومؤذن النبي محمد ومولى أبي بكر الصديق. كان بلال من السابقين إلى الإسلام ومن المستضعفين الذين عُذّبوا ليتركوا الإسلام حيث كان عبدًا لبني جمح من قريش، فعذبه سيده أمية بن خلف بعدما أعلن إسلامه، فاشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه. اشتهر بلال بصبره على التعذيب، وقولته الشهيرة تحت التعذيب «أحدٌ أحد». ولما شُرع الأذان، اختاره النبي محمد ليكون مؤذنه الأول.

سيرته

كان بلال بن رباح حبشي الأصل، قيل أنه من مولدي الحجاز، حيث كانت أمه «حمامة» أمة لبني جُمح.

كان بلال من السابقين الأولين إلى الإسلام، وكان مستضعفًا كونه كان عبدًا لبني جُمح، فعُذّبَ بلال ليترك دين الإسلام فقد قال عبد الله بن مسعود: «أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وبلال وصهيب والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه عمه. وأما أبو بكر فمنعه قومه. وأُخذ الآخرون، فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، فأعطوهم ما سألوا. فجاء كل رجل منهم قومه بأنطاع الأُدْم فيها الماء، فألقوهم فيه وحملوا بجوانبه إلا بلالاً. فلما كان العشي، جاء أبو جهل، فجعل يشتم سمية ويرفث. ثم طعنها، فقتلها فهي أول شهيد استشهد في الإسلام، إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله حتى ملّوه. فجعلوا في عنقه حبلاً، ثم أمروا صبيانهم أن يشتدوا به بين أخشبي مكة، فجعل بلال يقول: أحدٌ، أحد». وروى عامر الشعبي أن موالي بلال من بني جمح كانوا يضجعونه على بطنه، ويعصرونه، ويقولون له قُل دينك اللات والعزى، وكان الذي يعذبه أمية بن خلف، فيخرج به إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: «لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد»، فيأبى بلال ويقول: «ربي الله، أحدٌ أحد، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقُلتُها»، فمر أبو بكر الصديق بهم، فاشتراه منهم لما أيسوا أن يردّوه عن دين الإسلام، فاشتراه منهم بأربعين أوقية من فضة، وقيل بسبع أواق من فضة، وقيل بخمس، وقيل بتسع أواق. ثم أعتقه، وقيل اشتراه من مولاه أمية بن خلف بعبد أسود مشرك.

هاجر بلال إلى يثرب، ونزل على سعد بن خيثمة، وآخى النبي محمد بينه وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب، وقيل بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح. وقد شهد بلال مع النبي محمد غزوة بدر، وقتل يومها أمية بن خلف مولاه السابق الذي كان يُعذّبه، كما شارك معه في باقي غزواته كلها، وقد اتخذه النبي محمد مؤذنًا لما شُرع الأذان، فكان بلال أول من أذن، وهو أحد ثلاثة مؤذنين للنبي محمد مع أبي محذورة الجمحي وعمرو بن أم مكتوم، فكان إذا غاب بلال أذّن أبو محذورة، وإذا غاب أبو محذورة أذّن عمرو بن أم مكتوم. ويوم فتح مكة، أمر النبي محمد بلالاً بأن يعتلي الكعبة، ويؤذّن فوقها، ففعل.

لما توفي النبي محمد، أبى بلال أن يؤذن لأحد بعد النبي محمد، إلا مرة واحدة ناشدوه فيها أن يؤذّن، فأذن حتى بلغ قوله «أشهد أن محمدًا رسول الله»، فأجهش بالبكاء، وما استطاع أن يُتم الأذان. وقد جاء بلال إلى أبي بكر الصديق يسأله أن يأذن له بالمشاركة في الفتوحات، فأبى أبو بكر، وقال له: «أنشدك بالله يا بلال، وحرمتي وحقي، فقد كبرت وضعفت، واقترب أجلي»، فأقام معه حتى وفاة أبي بكر، ثم أتى عمر بن الخطاب يستأذنه، فأبى عليه، فأصر بلال، فأذن له فخرج إلى الشام. فنزل ومعه أبو رويحة الخولاني على بني خولان في داريا، فخطبا إليهم، فقالا: «إنا قد أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله»، فزوجوهما. وقيل أن النبي محمد زوّجه أخت عامر وعاقل وخالد وأياس بنو البكير الكنانية، وقيل بل تزوّج امرأة من بني زُهرة بن كلاب.

توفي بلال بالشام، ولكن اختلف في مكان وزمان وفاته، فقيل مات سنة 20 هـ بدمشق، ودفن بباب الصغير، وعمره بضع وستين سنة، وقيل مات سنة 21 هـ، وقيل مات في طاعون عمواس سنة 17 هـ أو 18 هـ. وقيل مات في داريا، وقيل مات بحلب، وهو ابن سبعين سنة.

ويُروى أنه لما حضرته الوفاة، قال: «غدا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه»، فقالت امرأته: «واويلاه!»، فقال: «وافرحاه!». أما صفته، فقد كان رجلاً آدمًا شديد الأدمة، نحيفًا، طويلاً، أجنأ به حَدْب، له شعر كثير، خفيف العارضين، به شمط كثير، وكان لا يغير لون شيبته. وقد توفي بلال بن رباح دون أن يعقب.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:48 PM
مكانته

حظي بلال بمنزلة رفيعة عند النبي محمد، فقد روى أبو هريرة عن النبي محمد قوله لبلال عند صلاة الصبح: «حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يدي في الجنة»، فقال بلال: «ما عملت عملاً أرجى من أني لم أتطهر طهورًا تامًا في ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت لربي ما كتب لي أن أصلي»، وروى أنس بن مالك عن النبي محمد قوله: «السُّبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة، وصهيب سابق الروم»، وروى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن النبي محمد: «سادة السودان: لقمان والنجاشي وبلال ومهجع». وقال سعد بن أبي وقاص: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران، فأنزل الله وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ويروي يحيى بن سعيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب ذكر فضل أبي بكر، فجعل يصف مناقبه، ثم قال: «وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته»، كما كان عمر يقول: «أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا».

روايته للحديث النبوي

روى عن: النبي محمد.

روى عنه:

عبد الله بن عمر وأبو عثمان النهدي والأسود بن يزيد النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأسامة بن زيد وكعب بن عجرة وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي وأبو إدريس الخولاني وسعيد بن المسيب والحكم بن مينا وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب والحارث بن معاوية وسهيل بن أبي جندل وسويد بن غفلة وشداد مولى عياض بن عامر وشهر بن حوشب وطارق بن شهاب وقبيصة بن ذؤيب ونعيم بن زياد وأبو زيادة البكري وأبو سلمة الحمصي وأبو عامر الهوزني.

عطر الزنبق
06-14-2021, 09:49 PM
الجرح والتعديل:

أحصى بقي بن مخلد لبلال بن رباح في مسنده 44 حديثًا، منها في الصحيحين أربعة أحاديث، المتفق عليها حديث واحد، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديث موقوف، كما روى له الجماعة في كتبهم.

كتب ودراسات عنه

بلال بن رباح، عبد الحميد جودة السحار،
بلال بن رباح، عبد الوهاب الأسواني،
كتاب شيفرة بلال للدكتور أحمد خيري العمري، 2017م، تناول قصة حياة بلال بن رباح بنظرة فلسفية متأملة.

مداح القمر
06-14-2021, 09:53 PM
شرح مستفيض
وسرد ممتع
جزاكِ الله كل خير

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:00 PM
الشخصية الاسلامية الثالثة والعشرون

https://d.top4top.io/p_1950kmogp1.png
https://e.top4top.io/p_1950u3v9x2.png
https://f.top4top.io/p_1950xdxoq3.png

عمرو بن العاص السهمي القرشي الكناني (47 ق هـ أو 45 ق هـ / 575م أو 577م - 43 هـ / 664م)، صحابي وقائد عسكري مسلم، وأحد القادة الأربعة في الفتح الإسلامي للشام، وقائد الفتح الإسلامي لمصر، وأول والٍ مسلم على مصر بعد فتحها.

كان عمرو من سادة قريش في الجاهلية، فأبوه هو العاص بن وائل السهمي، وكان يحترف التجارة، فقد كان يسافر بتجارته إلى الشام واليمن ومصر والحبشة. كما كان من فرسان قريش. أرسلته قريش إلى أصحمة النجاشي ملك الحبشة ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده. حضر عمرو بن العاص غزوة بدر مع قريش ضد المسلمين، ثم حضر غزوة أحد، ثم غزوة الخندق. ولمّا عادت قريش إلى مكة بعد صلح الحديبية ذهب إلى الحبشة عند أصحمة النجاشي، فوجده اعتنق الإسلام، فاعتنق الإسلام هناك على يد النجاشي في السنة الثامنة للهجرة، ثم أخذ سفينة متجهًا إلى المدينة المنورة، فالتقى في الطريق بخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، فدخل ثلاثتهم المدينة المنورة في صفر عام 8 هـ معلنين إسلامهم. وحينها قال الرسول: "إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها".

بعد إسلامه أرسله النبي في سرية إلى ذات السلاسل في جمادي الآخرة سنة 8 هـ، ثم في سرية أخرى لهدم صنم سواع في رمضان سنة 8 هـ، بعد فتح مكة. وفي شهر ذي الحجة سنة 8 هـ، بعثه النبي إلى ملكي عمان جيفر وعباد ابني الجلندي بكتاب يدعوهما إلى الإسلام، وبعد إسلامهم عيَّنه النبي واليًا على الزكاة والصدقات بها، وظل هناك سنتين تقريبًا حتى وفاة النبي.

استعمله أبو بكر قائدًا عسكريًا في حروب الردة، ثم وجَّهه لفتح فلسطين على رأس ستة أو سبعة آلاف مقاتل. فبدأ المناوشات في فلسطين، والتقى تحت قيادة خالد بن الوليد في معركة أجنادين، وشارك في معركة فحل وحصار دمشق، وكان على رأس الميمنة في معركة اليرموك. ثم فتح سبسطية ونابلس، واللد ونواحيها ويبنى وعمواس وبيت جبرين، ثم هبط جنوبًا ففتح رفح، وعسقلان، وكان قد فتح غزة في عهد أبي بكر، وحاصر قيسارية، وبدأ حصار بيت المقدس ثم انضم إليه أبو عبيدة بن الجراح، فأصبح تحت قيادة أبي عبيدة. ولما أُصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلفه على الشام.

عرض عمرو على الخليفة عمر بن الخطاب فتح مصر وطلب السماح له بالمسير إليها، فسار إليها ففتح العريش، حتى وصل إلى الفرما، ثم سار إلى بلبيس، وفتح خلال سيره سنهور وتنيس. وطلب من عُمر المدد فأرسل له فرقة بقيادة الزبير بن العوام، ثم سيطروا على إقليم الفيوم. وعسكر في عين شمس، جرت معركة عين شمس، وحاصر حصن بابليون حتى سقط في أيديهم في 21 ربيع الآخر 20 هـ، وأعطى أهل مصر الأمان. ثم ذهب لفتح الإسكندرية، وحاصرها وانتهى باتفاق صلح، وخرج منها البيزنطيون في 1 محرم 21 هـ، وأعطى أهلها الأمان. وأصبح عمرو أوّل والٍ مسلم على مصر، وأنشأ مدينة الفسطاط، وبنى فيها أول جامعٍ في مصر عُرف باسمه لاحقًا.

عزله الخليفة عثمان بن عفان عن ولايةِ مصر سنة 24 هـ، وبعد مقتل عثمان طالب بالثأر لدمه، وكان في صف معاوية بن أبي سفيان، وأحد قادة قواته في وقعة صفين، وممثل طرف معاوية في التحكيم بعد المعركة. وتولى ولاية مصر مرة أخرى في عهد معاوية. توفي ليلة عيد الفطر سنة 43 هـ في مصر وله من العمر ثمانية وثمانون عاماً، ودفن قرب المقطم. عُرف عمرو بالدهاء والذكاء والفطنة قبل الإسلام وبعده، حتى وُصف بأدهى العرب أو "داهية العرب". كما اشتهر عمرو ببلاغته وفصاحته، ورصانة شعره، وله من الخطب الكثير. وروى عدداً قليلاً من الأحاديث النبوية تبلغ حوالي أربعين حديثًا.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:02 PM
نسبه

هو: عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أمه: النابغة من عنزة ويُختلف في اسمها فقيل: النابغة بنت خزيمة بن الحارث بن كلثوم بن حريش بن سواءة من بني عمرو بن عبد الله بن خزيمة بن الحارث بن جلان بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. وقيل اسمها سلمى بنت حرملة ولقبها النابغة، وقد أصابتها رماح العرب في أحد حروب الجاهلية، فبيعت بعكاظ، فاشتراها الفاكه بن المغيرة المخزومي القرشي، ثم اشتراها منه عبد الله بن جدعان التيمي القرشي، ثم صارت إلى العاص بن وائل السهمي القرشي. قال الزبير بن بكار: أمه سبية يقال لها النابغة من عنزة، وأخوته لأمه: عروة بن أثاية العدوي القرشي - وكان عروة من مهاجرة الحبشة -، وزينب بنت عفيف بنت أبي العاص، وعقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري القرشي.
يكنى أبا عبد اللّه، وقيل: أبو محمد.
أخوه: هشام بن العاص، وأمه: أم حرملة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل.

مولده ونشأته

يختلف المؤرخون في زمن مولد عمرو بن العاص، وهو راجع إلى الاختلاف في سنة وفاته وعمره حين توفى، فذكر ابن حجر العسقلاني أنه كان عمره ليلة وُلد عمر بن الخطاب سبع سنين، ومات بعد عُمر بعشرين سنة، ويُروى عنه أنه قال: «إني لأذكر الليلة التي ولد فيها عُمر». وحسب هذه الرواية يكون ميلاد عمرو بن العاص سنة 47 ق هـ / 575م. بينما ذكر شمس الدين الذهبي أنه أسنّ من عُمر بخمس سنين، فيقول: «كان أكبر من عُمر بن الخطاب بنحو خمس سنين، وكان يقول أذكر الليلة التي ولد فيها عُمر وقد عاش بعد عُمر عشرين عاما فينتج هذا أن مجموع عمره بضع وثمانون سنة ما بلغ التسعين رضي الله عنه». وحسب قول الذهبي يكون ميلاد عمرو بن العاص سنة 45 ق هـ / 577م، أي بعد عام الفيل بثمان سنين. بينما القول بأن ابنه عبد الله كان أصغر منه باثنتي عشرة سنة فقط فلا يستقيم، حيث أن عبد الله وُلد حوالي سنة 7 ق هـ، فيكون مولد عمرو حوالي سنة 19 ق هـ / 603م.

ولد عمرو في مكة، ونشأ في بيت أبيه العاص بن وائل من بني سهم إحدى بطون قريش، كان كبير بني سهم وزعيمهم يوم الفجار الثاني، ومن أشراف قريش في الجاهلية. وكان أشراف قريش يهتمون بتعليم أبنائهم البلاغة والفصاحة، وتنشئتهم نشأة غليظة، يذكر البعض أنه تعلم القراءة والكتابة في صغره، وكان يُجيد الشعر، وقد رُوى عنه شعر جيّد.واشتهر عمرو بالفصاحة والإبانة في القول؛ حتى أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال: سبحان الله خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:03 PM
قبل إسلامه

عمله بالتجارة

كان عمرو بن العاص يعمل بالتجارة مثل والده وأغلب سادة قريش، ويتاجر ببضاعة اليمن والحبشة مثل الجلود ويبيعها بالشام، ويتاجر ببضاعة الشام مثل الطيب والزبيب والتين وغيره ويبيعها باليمن، وذكر أبو عمرو الكندي أن عمرو كان يذهب للتجارة في مصر ويبتاع العطور والأدم. واكتسب عمرو خلال رحلاته التجارية العلاقات مع أهل هذه البلاد، وتوطدت علاقته مع ملوك الحبشة وغيرها، وقد ذكر السيوطي أن عمرًا سافر إلى مصر في الجاهلية، ودخل الإسكندرية، فرأى عمارتها وآثارها، وأعجبه ذلك، وعرف مداخل مصر ومخارجها.

موقفه من الإسلام والمهاجرين إلى الحبشة

بعدما أعلن النبي محمد دعوته إلى الإسلام، أصبح عمرو معاديًا للإسلام والنبي مثل أبيه العاص بن وائل، وكان العاص بن وائل من المستهزئين بالنبي، ولما مات عبد الله ابن النبي، قال: إن محمدًا أبتر، لا يعيش له ذكر، فنزلت الآية: Ra bracket.png إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ Aya-3.png La bracket.png. ولما أسلم هشام بن العاص أخو عمرو، قام والده بحبسه وتعذيبه، وكان كل يوم يجلده بالسياط حتى يتراجع، وكانت زوجة عمرو ريطة بنت منبه تشفق على هشام، فكانت تأتيه بالطعام والشراب كل يوم، لكنه تمكن من الهجرة سرًا إلى الحبشة.

ولمَّا علمت قريش بهجرة بعض المسلمين إلى الحبشة، اجتمع سادة قريش في دار الندوة، واتفقوا على أن يجمعوا الأموال والهدايا ويهدوها إلى النجاشي، وانتدبوا لذلك رجلين، فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد مع الهدايا، وقيل عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فركبا البحر، فلما دخلا على النجاشي سجدا له، وسلما عليه، ثم قالا له: «إن نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا»، قال: «فأين هم؟»، قالا: «في أرضك، فابعث إليهم»، فبعث إليهم. واتفق عمرو بن العاص وعمارة مع البطارقة أن يشيروا على النجاشي بأن يُسِّلم المسلمين إليهم، ولكن النجاشي رأي بأن يدعو المسلمين ليستمع بنفسه إلى ما يقولون. ولمّا حضروا جميعًا عند النجاشي، قال جعفر بن أبي طالب: «أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه»، فسَلَّمَ ولم يسجد، فقالوا له: «مالك لا تسجد للملك؟»، قال: «إنا لا نسجد إلا لله عز وجل»، قال: «وما ذاك؟»، قال: «إن الله بعث إلينا رسولاً ثم أمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله عز وجل، وأمرنا بالصلاة والزكاة»، قال عمرو: «فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم»، قال: «فما تقولون في عيسى بن مريم وأمه؟»، قال: «نقول كما قال الله: هو كلمته وروحه ألقاها إلى العذراء البتول، التي لم يمسها بشر، ولم يفرضها ولد»، ولما سمع النجاشي حديث جعفر لم يقبل بطلب عمرو وعمارة، وردّ هداياهما، وفي بعض الروايات أنه أسلم في هذه اللحظة أيضًا.

أثناء وجود عمرو وعمارة بالحبشة، تشاجرا بسبب أن عمارة بن الوليد استهوى جارية لعمرو بن العاص؛ فاطلع عمرو على ذلك، فغضب، وحقد عليه، فلما استقر عند النجاشي استهوى عمارة زوجة النجاشي، وهويته زوجة النجاشي لجماله، فواصلته، فاطلع عمرو على ذلك، فأخبر به النجاشي، فعلم النجاشي، فانتقموا منه بأن قيدوه ثم نفخوا في أحليله السم وتركوه هائماً مع الحيوانات الوحشية هناك، ومات عمارة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:04 PM
مشاركته في القتال ضد المسلمين

حضر عمرو بن العاص غزوة بدر مع قريش ضد المسلمين، ثم حضر غزوة أحد، وأخذت قريش في أُحد حدها وحديدها وخرجوا بنسائهم حتى لا يفروا، فخرج عمرو بزوجته ريطة. وفي غزوة الخندق كان عمرو بن العاص وخالد بن الوليد يرابطان على الخندق انتظارًا للغفلة من المسلمين حتى ينقضوا عليهم. وبعد تطاير خيام قريش وانسحاب جيش الأحزاب خاف أبو سفيان بن حرب أن يلحق بهم المسلمون، فأمر عمرو بن العاص وخالد بن الوليد أن يعسكرا في جريدة من النخل في مائتي فارس تحسبًا لهجوم المسلمين عليهم. ولم يحضر عمرو الحديبية ولا صلحها

إسلامه

لمّا عادت قريش إلى مكة بعد صلح الحديبية قرر الذهاب إلى الحبشة عند أصحمة النجاشي، فوجده اعتنق الإسلام، فاعتنق الإسلام هنالك على يد النجاشي في السنة الثامنة للهجرة الموافق 629م، ثم أخذ سفينة متجهًا إلى المدينة المنورة، فالتقى في الطريق بخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وهما يتجهان إلى المدينة ليدخلا في الإسلام، فدخل ثلاثتهم المدينة المنورة في صفر عام 8 هـ معلنين إسلامهم. وحينها قال الرسول: «إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها». ويروى عمرو قصة إسلامه فيقول:

عمرو بن العاص كنت للإسلام مُجَانِبًا مُعَانِدًا، حضرتُ بدرًا مع المشركين فنجوتُ، ثم حضرت أُحُدًا فنجوتُ، ثم حضرت الخندقَ فنجوت فقلتُ في نفسي: كم أوضِع؟ والله ليظْهَرَنّ محمدٌ على قريش، فلحقت بمالي بالوَهْطِ، وأَقْلَلْتُ من الناسِ، فلم أحضر الحُدَيْبِيَةَ وَلاَ صُلْحَهَا، وانصرف رسول الله، صََّلى الله عليه وسلم، بالصلح وَرَجَعَتْ قريشٌ إلى مكة، فجعلت أقول: يدخل محمدٌ قابلًا مكةَ بأصحابه، ما مكة لنا بمنزل ولا الطائف، وما شيء خيرٌ من الخروج، وأنا بعدُ نَاتٍ عن الإسلام، أرى لو أسلمتْ قريش كلّها لم أسلم فَقَدِمتُ مكةَ فجمعتُ رجالًا من قومي كانوا يرون رأيي ويسمعون مني ويقدِّمونني فيما نابهم، فقلت لهم: كيف أنا فيكم؟ قالوا: ذُو رأينا وَمِدْرَهُنا مع يُمن نَقِيبة وبركةِ أمرٍ قلتُ: تعلَّموا والله أَني لأرى أمر محمد أَمْرًا يعلو الأمورَ عُلوًّا مُنْكَرًا، وإني قد رأيت رأيًا. قالوا: ما هو؟ قلت: نَلْحَق بالنَّجَاشِيّ فنكون عنده، فإن يَظْهَرْ محمدٌ كنا عند النجاشي، فنكون تحت يده أحب إلينا من أن نكون تحت يَدَي محمدٍ، وإن تَظْهَر قريش فنحن مَنْ قد عَرفوا. قالوا: هذا الرأيّ! ... ثم خرجنا فقدمنا على النَّجاشي، فوالله إِنَّا لعنده إِذْ جاء عَمْرو بن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهُ إليه بكتابٍ كتب إليه يُزَوِّجه أُمَّ حَبِيبَة بنتَ أبي سُفْيان، فدخل عليه ثم خرج من عنده... فدخلتُ على النجاشي فسجدتُ له كما كنت أصنع، فقال: مرحبًا بصديقي! أَهْدَيْتَ إِلَيَّ من بلادك شيئًا؟ فقلت: نعم أيها الملك، أَهْدَيْتُ إليك أَدَمًا كثيرًا. ثم قَرَّبْتُهُ إليهُ فَأَعْجَبَهُ... قلت: أَيُّها الملك، إني قد رأيت رجلًا خرج من عندك وهو رسولُ رجلٍ عَدُوٍّ لنا، قد وَتَرَنا وقَتَل أَشْرَافَنَا وخِيَارَنَا فأَعْطِنيه فأقتُلهُ! فَغَضِبَ فرفع يَدَه فضرب بها أَنْفِي ضَرْبَةً ظننتُ أنه كسرَهُ، وابتدر مَنْخِرايَ، فجعلت أَتَلَقَّى الدَّمَ بثيابي، وأصابني من الذُّلِّ ما لو انْشَقَّت لي الأرضُ دخلتُ فيها فَرَقًا منه فقلت له: أيها الملك، لو ظننتُ أنك تكره ما قلتُ ما سألتكه، قال: فاستحيا وقال: يا عَمرو، تسألني أَن أُعطيك رَسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَن يأتيه الناموسُ الأكبر الذي كان يأتي موسى، والذي كان يأتي عيسى بن مريم ــ لِتَقْتُلَه؟! قال عمرو، وغَيَّر الله قلبي عَمّا كنت عليه، وقلتُ في نفسي: عَرَفَ هذا الحقَّ العَربُ والعجمُ وتُخالفُ أَنت؟! قلت: وتشهد أيها الملك بهذا؟ قال: نعم. أشهد به عند الله يا عمرو، فأَطِعني وَاتَّبِعْه، والله إنه لَعَلَى الحَقّ وليظهرنَّ على كل من خَالَفَه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قلت: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم. قال: نعم: فبسط يده فبايعتُه على الإسلام، ودعا لي بطَسْتٍ فغسل عَنِّي الدمَ وكساني ثيابًّا، وكانت ثيابي قد امتلأت من الدم فأَلقيتُها، ثم خرجت إلى أصحابي ... وفارقتُهم وكأنّي أَعْمِدُ لحاجة فعمِدتُ إلى موضع السُّفُن فوجدت سفينة قد شُحِنَتْ تَدْفَع، فركبتُ معهم ودفعوها من ساعتهم حتى انتهوا إلى الشُّعَيْبَةِ فخرجت بها ومعي نفقةٌ. فابتعتُ بعيرًا وخرجتُ أريدُ المدينة حتى إذا أتيت على مَرِّ الظَّهْران. ثم مضيتُ حتى إذا كنت بالهَدَّة، إذا رجلان قد سبقاني بغير كبير يُريدان منزلًا، وأحدهما داخلٌ في خيمةٍ، والآخر قائمٌ يُمسكُ الراحلتين، فنظرت فإذا هو خالد بن الوليد. فقلت: أبا سليمان؟! قال: نعم. قلت: أين تريد؟ قال: محمدًا، دَخَلَ الناسُ في الإسلام فلم يبق أحدٌ به طُعمٌ والله لو أَقَمنا لأَخذ بِرِقَابِنا كما يُؤْخَذُ بِرَقَبة الضَّبُع في مَغَارتها. قلت: وأنا واللهِ قد أردتُ محمدًا وأَردت الإسلام، وخرج عُثمان بن طَلْحة فرحَّب بي فنزلنا جميعًا في المنزل. ثم ترافقنا حتى قدمنا المدينة، فما أنسى قول رجلٍ لقينا بِبِئْر أَبِي عِنَبَةَ يصيح: يا رَباح! يا رَباح! فتفاءَلنا بقوله وسُرِرْنا. ثم نظر إلينا فأَسمعه يقول: قد أعطت مكَّةُ المقادةَ بعد هذين! فظننت أنه يعنيني ويعني خالد ابن الوليد، ثم وَلَّى مُدْبرًا إلى المسجد سريعًا، فظننت أنه يُبَشّر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بقدومنا، فكان كما ظننتُ. وأَنَخنا بالحَرَّة فلبسنا من صالح ثيابنا، ونُودِي بالعصر فانطلقنا جميعًا حتى طلعنا عليه صلى الله عليه وسلم، وإِنَّ لوجهه تهلُّلًا، والمسلمون حوله قد سُرُّوا بإسلامنا. فتقدم خالد بن الوليد فبايع، ثم تقدّم عُثمان بن طَلحة فبايع، رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما هو إِلاّ أَن جلستُ بين يديه فما استطعت أن أرفع طرْفي إليه حياءً منه، فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولم يحضرني ما تأَخَّر. فقال: "إن الإسلامَ يَحُتُّ ما كان قبله، والهجرة تَحُتُّ ما كان قبلها". فوالله ما عَدَل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أَحَدًا من أصحابه في أمرٍ حَزَبهُ منذ أَسلمنا، ولقد كنَّا عند أبي بكر بتلك المنزِلة، ولقد كنت عند عمر بتلك الحال. عمرو بن العاص
ولمَّا أسلم عمرو بن العاص كان النبي يُقرِّبه ويُدنيه منه، وقد بعث إليه يوماً وقال له: "خُذْ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتِني، قال: فأتيته وهو يتوضأ فصعَّدَ فيَّ النَّظَرِ ثم طَأطأَهُ فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلِّمُكَ اللَّهُ ويغنِّمُكَ، وأرغب لك من المال رغبة صالحة، قال: يا رسول الله، ما أسلمتُ من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: يا عمرو، نِعمَ المال الصالح للمرء الصالح". وكان عمر بن الخطاب يتعجب من عدم إسلام عمرو مُبكرًا، فقال له: "لقد عجبت لك في ذهنك وعقلك كيف لم تكن من المهاجرين الأولين"، فقال له عمرو: "وما أعجبك يا عمر من رجل قلبه بيد غيره لا يستفز التخلص منه إلا إذا أراد الله الذي هو بيده!" فقال عمر: "صدقت".

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:04 PM
في عهد النبي محمد

سرية عمرو إلى ذات السلاسل

كان النبي محمد يُرسل السرايا إلى القبائل والأعراب يدعوهم إلى الإسلام، ودخل الكثير منهم في حِلف النبي، لكن بلغ النبي أن جمعًا من قبيلة قضاعة يريدون غزو أطراف المدينة وحِلفها، فأمر النبي عمرو بن العاص أن يخرج إليهم في جمادي الآخرة سنة 8 هـ الموافق 629م، وعقد له لواءً أبيضًا وجعل معه راية سوداء وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعه ثلاثون فرسًا، وأمره أن يستعين بمن يمر به من قبائل بلي وعذرة وبلقين، ولمَّا قرب عمرو من القوم؛ بلغه أن عددهم كبير، فبعث رافع بن مكيث إلى النبي يطلب منه المدد، فقام النبي محمد بإمداده بمائتين من المهاجرين والأنصار برئاسة أبي عبيدة بن الجراح وعقد له لواء وفيهم أبو بكر وعمر، وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعًا ولا يختلفا، فلحق بعمرو فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس للصلاة، فقال عمرو: "إنما قدمت عَلَيَّ مددًا وأنا الأمير"، وأصر عمرو أن يبقى رئيسا على الجميع فقبل أبو عبيدة.

سار عمرو بالسرية حتى دخل بلاد بلي ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم وبلاد عذرة وبلقين، حتى نزلوا ذات السلاسل؛ وهي وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام. وتقاتلا فهرب مقاتلو قضاعة، وتفرقوا، وبعث عوف بن مالك بريدًا إلى النبي يخبره بانتصارهم. وعندما هرب جيش قضاعة أراد بعض المسلمين ملاحقتهم، فرفض عمرو ذلك، ثم أراد بعض المسلمين أن يوقدوا نارا للتدفئة، فرفض عمرو أيضًا، فلمَّا عادوا اشتكوا للنبي، وقد برر هذا الموقف بعد ذلك النبي محمد حين سأله أنه قال: "كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم"، فحمد النبي محمد ما فعل

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:05 PM
سرية عمرو إلى سواع

في رمضان سنة 8 هـ الموافق يناير 630م، بعد فتح مكة، وبعدما حطم المسلمون أشهر أصنام العرب اللات والعزى ومناة المنصوبة حول الكعبة، تبقى صنم آخر شهير عند العرب، وهو صنم سواع، وهو صنم لهذيل على ثلاثة أميال من مكة. وكان هذا الصنم على صورة امرأة: يحجون إليه ويعبدونه. فبعث النبي محمد عمرو بن العاص في جماعة من أصحابه إلى سواع ليهدمه، فلما وصل إليه وعنده السادن قال: «ما تريد؟» قال عمرو: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه»، قال: «لا تقدر على ذلك»، فقال: «لم؟»، قال: «تُمنَع» قلت «حتى الآن أنت في الباطل؟ ويحك وهل يسمع أو يبصر؟»، ثم دنا منه عمرو فكسره وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته، فلم يجدوا فيه شيئًا ثم قال للسادن «كيف رأيت؟» قال «أسلمت لله».

توليته على الصدقة بعُمان

في شهر ذي الحجة سنة 8 هـ الموافق 630م، بعثه النبي إلى ملكي عُمان جيفر وعباد ابني الجلندي بكتاب يدعوهما إلى الإسلام. وكان دين البلدة المجوسية وكان نص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى جيفر وعباد ابنى الجلندي: سلام على من اتبع الهدى - أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام - أسلما تسلما. فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين. وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما.»، وأسلم أهل عُمان على يديه، وعيَّنه النبي واليًا على الزكاة والصدقات بها، وظل هناك سنتين تقريبًا حتى وفاة النبي، حتى أتاه كتاب أبي بكر الصديق مختوما وفيه".. أن لا يحل عقالًا عقله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لا يعقل عقالًا لم يعقله رسول الله." فلما قرأ الكتاب بكى، وأعلم أهل عمان الخبر.

دوره في المعارك الإسلامية

حروب الردة

أرسل أبو بكر الصديق في طلب عمرو، فأقبل حتى قدم بلاد بني عامر، ونزل على قرة بن هبيرة، وكان قرة قد ارتد عن الإسلام، فلمّا أراد عمرو الرحيل خلا به قرة وقال: "يا هذا. إن العرب لا تطيب لكم نفسًا بالإتاوة فإن أعفيتموها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا تجتمع عليكم"، فقال له عمرو: "أكفرت يا قرة؟ تخوفنا بردة العرب! فوالله لأوطئن عليك الخيل في حفش أمك". ولمّا وصل عمرو المدينة أخبر المسلمين بما رآه، وأن العساكر معسكرة من دبا إلى المدينة. وولاه أبو بكر على جيش كثيف من المسلمين لحرب قضاعة، الذين حاربهم من قبل في سرية ذات السلاسل، وانتصر عمرو عليهم.

شايان
06-14-2021, 10:07 PM
موسوعة شاملة كاملة رائعة
اشتملت على الخلفاء الراشدين
وصحابة رسول الله
كم هي رائعة ومميزة تلك الموسوعة
جزاكي الله كل الخير غاليتي
وجعلها في ميزان حسناتك

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:08 PM
فتوح الشام




بعد انتهاء حروب الردة عاد عمرو إلى عُمان، وعلى الجانب الآخر نجحت المناوشات العسكرية بين المسلمين والفرس، تطور هجوم المسلمين نحو العراق، وسرعان ما حقق المسلمون نجاحات واسعة حملتهم على العراق، مما دفع الخليفة الأول أبو بكر للتفكير بجدية في فتح الشام. استشار أبو بكر كبار الصحابة في هذا الأمر، وخطب فيهم، فأيده معظمهم، ولكن أشار عليه عبد الرحمن بن عوف بألا يقتحم أرضهم، وأن يبدأ بالإغارة على أطراف أراضيهم، ثم يبعث إلى قبائل اليمن وربيعة ومضر ليستنفرهم للجهاد. استحسن أبو بكر رأي ابن عوف، أمر بدعوة الناس لغزو الروم.



وصل كتاب أبي بكر الصديق إلى عمرو، يطلب منه المجيء لاستعماله في فتوح الشام. فكان كتاب أبي بكر: «إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة، وسماه لك أخرى، مبعثك إلى عمان إنجازا لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وليته ثم وليته. وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك.»، فكتب إليه عمرو: «إني سهم من سهام الإسلام، وأنت بعد الله الرامي بها والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئًا إن جاءك من ناحية من النواحي».



أنفذ أبو بكر الجيوش نحو الشمال عقب تجمعهم بالمدينة بعد أن عقد لأربعة من الأمراء، هم: أبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة. ووجه عمرو بن العاص إلى فلسطين ويتراوح عديده بين ستة وسبعة آلاف مقاتل، على أن يسلك طريق البحر الأحمر حتى العقبة فوادي القرى فالبحر الميت وصولًا إلى بيت المقدس، وخرج من المدينة في 3 محرم 13هـ الموافق فيه 10 مارس 634م. وأمرهم أن يعاون بعضهم بعضا وأن يكونوا جميعا تحت إمرة أبي عبيدة، وأمر عمرو أن يمد الجيوش الأخرى إذا دعت الحاجة إلى ذلك.



ودعا أبو بكر عمرو بن العاص فسلم إليه الراية، وأوصاه بوصية طويلة ذكرها الواقدي، فأوصاه بتقوى الله وأمره بإقامة الصلاة وغير ذلك من الأمور، حيث قال: «اتق الله في سرك وعلانيتك واستحيه في خلواتك، فإنه يراك في عملك. وقد رأيت تقدمتي لك على من هو أقدم منك سابقة، وأقدم حرمة. فكن من عمال الآخرة، وأرد بعملك وجه الله، وكن والدًا لمن معك، وأرفق بهم في السير، فإن فيهم أهل ضعف، والله ناصر دينه ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وإذا سرت بجيشك، فلا تسر في الطريق التي سار فيها يزيد وربيعة وشرحبيل، بل اسلك طريق أيليا حتى تنتهي إلى أرض فلسطين، وإبعث عيونك يأتونك بأخبار أبي عبيدة، فإن كان ظافرًا بعدوه، فكن أنت لقتال من في فلسطين، وأن كان يريد عسكرًا، فأنفذ إليه جيشًا في أثر جيش، وقدم سهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وسعيد بن خالد. وإياك أن تكون وانيًا عما ندبتك إليه، وإياك والوهن أن تقول جعلني ابن أبي قحافة في نحر العدو ولا قوة لي به. وقد رأيت يا عمرو ونحن في مواطن كثيرة ونحن نلاقي ما نلاقي من جموع المشركين ونحن في قلة من عدونا، ثم رأيت يوم حنين ما نصر الله عليهم، وإعلم يا عمرو أن معك المهاجرين والأنصار من أهل بدر، فأكرمهم واعرف حقهم، ولا تتطأول عليهم بسلطانك، ولا تداخلك نجدة الشيطان، فتقول إنما ولاني أبو بكر لأني خيرهم. وإياك وخداع النفس، وكن كأحدهم وشاورهم فيما تريد من أمرك. والصلاة ثم الصلاة، أذن بها إذا دخل وقتها، ولا تصل صلاة إلا بأذان يسمعه أهل العسكر، ثم إبرز وصل بمن رغب في الصلاة معك، فذلك أفضل له. ومن صلاها وحده، أجزأته صلاته. وإحذر من عدوك، وأمر أصحابك بالحرس، ولتكن أنت بعد ذلك مطلعًا عليهم. وأطل الجلوس بالليل على أصحابك، وأقم بينهم وأجلس معهم، ولا تكشف أستار الناس واتق الله إذا لاقيت العدو. وإذا وعظت أصحابك فأوجز، وأصلح نفسك تصلح لك رعيتك، فالإمام ينفرد إلى الله تعالى فيما يعلمه وما يفعله في رعيته. وإني قد وليتك على من قد مررت من العرب، فاجعل كل قبيلة على حميتها، وكن عليهم كالوالد الشفيق الرفيق، وتعاهد عسكرك في سيرك، وقدم قبلك طلائعك فيكونوا أمامك، وخلف على الناس من ترضاه. وإذا رأيت عدوك، فاصبر ولا تتأخر فيكون ذلك منك فخرًا. والزم أصحابك قراءة القرآن، وانههم عن ذكر الجاهلية وما كان منها، فإن ذلك يورث العداوة بينهم. وأعرض عن زهرة الدنيا حتى تلتقي بمن مضى من سلفك، وكن من الإئمة الممدوحين في القرآن إذ يقول الله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ



بداية قتال عمرو في فلسطين



توجه إلى إيليا حتى وصل إلى أرض فلسطين، فلما نزل المسلمون بفلسطين جمع عمرو المسلمين المهاجرين والأنصار وشاورهم في أمرهم فبينما هم في المشورة إذ أقبل عليهم عدي بن عامر يخبرهم باجتماع جيش العدو وأنهم أزيد عن مائة ألف فارس. فجلس عمرو للمشورة، فخاف البعض واقترحوا العودة إلى البيداء، فقال رجل من المهاجرين: «لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهزم الجمع الكثير بالجمع القليل، وقد وعدكم الله النصر، وما وعد الصابرين إلا خيرًا.»، فقال سهل بن عمرو: «أما أنا فلا رجعت عن قتال الكفرة، ولا رددت سيفي عنهم، فمن شاء فلينهض ومن شاء فليرجع، ومن نكص على عقبيه، فأنا وراءه بالمرصاد». فقام عمرو بن العاص بعقد الراية وأعطاها عبد الله بن عمر بن الخطاب، وضم إليه ألف فارس فيهم رجال من الطائف ومن ثقيف وأمرهم بالمسير للقاء جيش الروم، والتقى بطليعة من جيش الروم، وانهزم الروم، فرجع المسلمون واجتمع بعضهم على بعض وجمعوا الغنائم والأموال، وقُتل من المسلمين سبعة نفر فواروهم وصلى عليهم ابن عمر وانعطف الجيش إلى عمرو بن العاص. وفي اليوم التالي تجمع الروم في عشرة آلاف فارس، وأقبل عمرو ورتب أصحابه وجعل في الميمنة الضحاك بن قيس الفهري، وفي الميسرة سعيد بن خالد، وأقام على الساقة أبا الدرداء وعمرو على القلب ومعه أهل مكة وأمر الناس يقرأون القرآن، وثبت الروم في المعركة، وقُتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلًا، يروي الواقدي عن ابن عمر قوله: «فقتلنا في هذه الواقعة قريبًا من خمسة عشر ألف فارس وأكثر، ولم نزل في آثارهم إلى الليل وعمرو بن العاص قد فرح بالنصر». وانتصر المسلمون، وندب عمرو الناس إلى الصلاة، فصلى ما فاته كل صلاة بأذان وإقامة، وسمى الواقدي هذه المعركة بـ "يوم فلسطين". ثم كتب عمرو إلى أبي عبيدة كتابًا يقول فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة، أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وإني قد وصلت إلى أرض فلسطين، ولقينا عساكر الروم مع بِطريق يقال له روبيس: في مائة ألف فارس فَمَنَّ الله بالنصر وقُتل من الروم خمسة عشر ألف فارس، وفتح الله على يدي فلسطين بعد أن قُتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلًا فإن احتجت إلي سرت إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.». ودفع الكتاب إلى أبي عامر الدوسي، وكتب أبو عبيدة : «بسم الله الرحمن الرحيم إنما أنت مأمور فإن كان أبو بكر أمرك أن تكون معنا فسر إلينا، وأن كان أمرك بالثبات في موضعك فاثبت.» وطوى الكتاب وسلمه إلى خالد بن سعيد بن العاص. وسار مع أبي عامر إلى أن أتيا إلى جيش عمرو بن العاص. وكتب عمرو كتابًا إلى أبي بكر الصديق وذكر له ما جرى مع الروم، وبعث الكتاب مع أبي عامر الدوسي



معركة أجنادين



كتب الروم في الشام إلى هرقل يعلمونه بما كان من الأمر، فأمر هرقل بخروج الجيوش الرومية في مقابلة كل أمير من المسلمين جيش كثيف، فبعث إلى عمرو بن العاص أخاه لأبويه تذارق في تسعين ألفًا، وبعث جرجة بن توذرا إلى ناحية يزيد بن أبي سفيان، وبعث الدراقص إلى شرحبيل بن حسنة، وبعث القيقار (اللقيتار بن نسطورس) في ستين ألفا إلى أبي عبيدة بن الجراح.



رأى هرقل أن يضرب أولًا جيش خالد بن سعيد الزاحف باتجاه مرج الصفر، فاستنفر العرب المتنصرة مثل بهراء وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسان، فتوافدوا وعسكروا في مكانٍ قريبٍ من آبل وزيراء والقسطل بقيادة ماهان الأرمني (جابان)، فاصطدم بهم خالد بن سعيد بعد أن استأذن أبا بكر وانتصر عليهم. وفر ماهان مع من تبقى من جنوده من ساحة المعركة. ثم تسرع خالد، فشق طريقه إلى مرج الصفر، مما أعطى الفرصة لماهان للالتفاف حول الجيش الإسلامي وفاجأه. فلاذ خالد بن سعيد بالفرار تاركًا جيشه تحت رحمة الروم، لكن عكرمة بن أبي جهل نجح في إعادة تنظيم صفوفه وانسحب من ميدان المعركة، وعسكر على مقربةٍ من دمشق. وجرت المعركة في 4 محرم 13 هـ الموافق فيه 11 مارس 634م.



لما علم أبو بكر؛ كتب إلى خالد بن الوليد بالعراق يأمره بالمسير إلى الشام في نصف الجيش، ويُأَمِّرُه على قيادة الجيوش في الشام بدلًا من أبي عبيدة. بينما عاد عمرو بن العاص نحو أجنادين الواقعة بين الرملة وبيت جبرين، وتوقف فيها ينتظر وصول جيش تذارق، ولما وصل تذارق انضم إليه نصارى العرب وغيرهم من أهل الشام آملين أن ينالوا نهائيًا من المسلمين ويخرجوهم من فلسطين. عقد خالد بن الوليد مجلسًا عسكريًا عندما علم بزحف البيزنطيين تقرر فيه تجميع القوى الإسلامية والصمود في أجنادين. وسار خالد وأبو عبيدة ويزيد وشرحبيل إلى عمرو بن العاص، وجرى اللقاء في هذه البلدة يوم السبت في 27 جمادى الأولى 13 هـ الموافق فيه 30 يوليو 634م. وعلى الروم القيقلان، وأمير المسلمين عمرو بن العاص، وهو في عشرين ألفًا حسب بعض الأقوال، فقُتل القيقلان وانهزمت الروم، وقُتل منهم خلق كثير، واستشهد من المسلمين جماعة؛ منهم هشام بن العاص والفضل بن العباس، وأبان بن سعيد بن العاص وعمرو بن سعيد بن العاص، والطفيل بن عمرو الدوسي وضرار بن الأزور، وسلمة بن هشام، وهبار بن سفيان، وسعيد بن الحارث بن قيس، وأخوه تميم.



معركة فحل وفتح دمشق



لما تولى عمر بن الخطاب الخلافة؛ عزل خالد بن الوليد وأعاد تولية أبي عبيدة بن الجراح، وتوجه أبو عبيدة على رأس الجيوش الإسلامية لفتح دمشق، فجعل خالد بن الوليد في القلب، وركب أبو عبيدة وعمرو بن العاص في المجنبتين، ونزل أبو عبيدة على باب الجابية، وخالد بن الوليد على الباب الشرقي ويزيد بن أبي سفيان على باب كيسان وعمرو بن العاص على باب الفراديس وشرحبيل بن حسنة على باب توما. ونصب عمرو المجانيق، واستمر الحصار من 17 جمادى الآخرة إلى 20 رجب سنة 13 هـ، حتى فتحت المدينة صلحًا.



قبيل فتح دمشق جرت معركة فحل، بينما ذكرها الطبري بعد فتح دمشق، وكان عمرو بن العاص على الميسرة، وانتصر المسلمون، وانصرف أبو عبيدة وخالد بمن معهما من الجيوش نحو حمص، واستخلف أبو عبيدة على الأدرن شرحبيل بن حسنة، فسار شرحبيل ومعه عمرو بن العاص، فحاصرا بيسان، فخرجوا إليهما فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم صالحوهم على مثل ما صالحت عليه دمشق، وضرب عليهم الجزية، والخراج على أراضيهم.



استخلف أبو عبيدة عمرو بن العاص على فلسطين، وبعدما فتح أبو عبيدة حمص، استقر هو في حمص وأرسل خالدًا إلى دمشق ليقيم بها، وكلف عمرو بن العاص أن يقيم في فلسطين. وهكذا توقفت حركة الفتوح في الشام سنة 15 هـ.



معركة اليرموك



حشد هرقل جيشًا ضخمًا يضم مائة وعشرين ألفًا من الجنود من مختلف الولايات البيزنطية، منهم فرقة من العرب المسيحيون تقدر بإثني عشر ألفًا من الغساسنة ولخم وجذام بقيادة جبلة بن الأيهم، وفرقة من أرمينية تضم أيضًا اثني عشر ألفًا بقيادة جرجة بن توذار، ونزل الروم بين دير أيوب واليرموك، وكانوا بقيادة تذارق أخو هرقل يساعده القائد الأرمني ماهان وثيودور تريثوريوس أمين صندوق الإمبراطورية البيزنطية وسقلاب الخصي. غادر أبو عبيدة بالمسلمين من حمص إلى دمشق. وصل المسلمون إلى اليرموك فوجدوا البيزنطيين قد سبقوهم إليه، بلغت قوة المسلمين ما بين ستة وثلاثين ألفًا إلى أربعين ألفًا، وقيل ستةٍ وأربعين ألفًا، مقسمة على أربعة ألوية على رأس كلٍ منها أمير



جعل أبو عبيدة خالدًا أميرًا للمعركة، ووجد خالد الجيوش متفرقة فجيش أبي عبيدة وعمرو بن العاص ناحية، وجيش يزيد وشرحبيل ناحية، فقام خالد في الناس خطيبًا، فأمرهم بالاجتماع ونهاهم عن التفرق والاختلاف، فقسمهم إلى ستة وثلاثين كردوسًا إلى الأربعين، كل كردوس ألف رجل عليهم أمير، وجعل أبا عبيدة في القلب، وعلى الميمنة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان، وأمر على كل كردوس أميرًا، وعلى الطلائع قباث بن أشيم، وعلى الأقباض عبد الله بن مسعود، والقاضي أبو الدرداء الأنصاري، وقاصهم الذي يعظهم ويحثهم على القتال أبو سفيان بن حرب، وقارئهم الذي يدور على الناس فيقرأ سورة الأنفال وآيات الجهاد المقداد بن الأسود. وخطب فيهم عمرو بن العاص فقال: «يا أيها المسلمون، غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، وأشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم، حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب، ويجزي بالإحسان إحسانا، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفرًا كفرًا، وقصرًا قصرًا، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل».



ثبت جيش الروم، وانكشف جماعة من المسلمين؛ فتقهقر عمرو بن العاص، وانكشف شرحبيل بن حسنة وأصحابه، وثبت يزيد بن أبي سفيان، وقاتل قتالًا شديدًا، وصاح أبو سفيان بن حرب: «يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين». وحمل خالد بن الوليد على ميسرة الروم ففرق شملهم، وانضم إليه القائد الأرمني جرجة معلنًا إسلامه. ثم كر الروم على المسلمين فتصدى لهم خالد ومعه جرجة الذي قُتل، فتراجع الروم. فزحف خالد بقلب الجيش مخترقًا صفوف البيزنطيين ففرت الخيالة منهم تاركين المشاة أمام الجيش الإسلامي، واقتحم خالد عليهم خندقهم، فتراجع الروم تحت جنح الظلام إلى سهل الواقوصة حيث أمعن المسلمون فيهم قتلًا حتى هُزموا. وقُتل من الروم في هذه المعركة حوالي الستين ألفًا، وقُدِّرَت خسائر المسلمين بثلاثة آلاف قتيل منهم عدد من الصحابة مثل عكرمة بن أبي جهل وابنه عمرو وسلمة بن هشام وعمرو بن سعيد بن العاص وهشام بن العاص وعمرو بن الطفيل. وانحاز جبلة بن الأيهم ومن معه من العرب المسيحيين إلى بني قومهم العرب المسلمون، ثم أظهر الإسلام هو وجماعة من قومه الغساسنة.



فتح بيت المقدس



بعد انهزام جيش الروم، كان سهلًا على جيش عمرو دخول البلدات تباعًا، ففتح سبسطية الواقعة إلى الشمال الغربي من نابلس، ثم فتح نابلس، وأعطى أهلها الأمان على أنفسهم وأموالهم ومنازلهم على أداء الجزية والخراج، ثم فتح اللد ونواحيها ويبنى وعمواس وبيت جبرين، ثم هبط جنوبًا ففتح رفح، وفي رواية أنه فتح عسقلان، وكان قد فتح غزة في عهد أبي بكر، وحاصر قيسارية التي كانت من أشهر المدن آنذاك. كما قاد عمرو بن العاص عملية حصار بيت المقدس بوصفه قائد الجبهة الفلسطينية، وواجه مقاومة ضارية من جانب حاميتها وسكانها، ووجد مشقة بالغة في امتصاص الهجمات البيزنطية، فأرسل إلى الأرطبون يطلب منه التسليم مثل بقية المدن ووعده بالأمان. واستعمل البيزنطيون المجانيق من فوق الأسوار. وطال أمد الحرب، واضطر عمرو بن العاص، في هذه الظروف القتالية الصعبة، أن يكتب إلى عُمر في المدينة المنورة يطلب منه المساعدة، فاستجاب لطلبه وأرسل إلى أبي عبيدة لينجده، وصحبه خالد بن الوليد. وأرسل إلى يزيد بأن يبعث أخاه معاوية لفتح قيسارية كي يشغل البيزنطيين على أكثر من جبهة، كما خرج عُمر بنفسه إلى الشام ليكون قريبًا من مجرى الأحداث.



تسلم أبو عبيدة فور وصوله قيادة القوات الإسلامية، وعلموا أن عُمر آتٍ فأدركوا أن مدينتهم لن تستطيع الاستمرار بالمقاومة وأن سقوطها أضحى مسألة وقت، فانسحب الأرطبون مستخفيًا في قوة من الجند إلى مصر. وتسلم بطريرك المدينة صفرونيوس مقاليد الأمور، فعرض عليه أبو عبيدة الإسلام أو الجزية أو الحرب. واختار البطريرك تسليم المدينة لعُمر شخصيًا، واستلم عُمر فور قدومه مفاتيح القدس، وأعطى عمر النصارى ما يٌعرف بالعهدة العمرية.



طاعون عمواس



في سنة 18 هـ الموافق 639م، وقيل أنه كان سنة 17 هـ انتشر الطاعون في ولاية بلاد الشام الإسلامية، وهو ما عٌرف بطاعون عمواس، وأصيب أبو عبيدة بالطاعون، فقالوا لمعاذ بن جبل صلي بالناس، ثم أُصيب معاذ بن جبل ومات، فاستخلف أبو عبيدة على الشام عمرو بن العاص، فقام عمرو في الناس خطيبًا، فقال: «أيها الناس، هذا الطاعون رجس، فتفرَّقوا عنه في هذه الشعاب وفي هذه الأودية»، فقال شرحبيل بن حسنة: «صحبتُ رسول الله وعمروٌ أضلُّ من حمار أهْله، ولكنه رحمةُ ربكم ودعوة نبيكم ووفاة الصالحين قبلكم»، يشير شرحبيلُ إلى حديث نبويّ بمعنى ما قال. وفي تاريخ الطبري أن الذي رادَّ عَمْراً هو أبو وائلة الهذلي، وأن عَمْراً قال: «والله ما أردُّ عليك ما تقول، وايم الله لا نقيم عليه»، ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا، ورُفع الطاعون عنهم، قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص، فاستحسنه. ثم مات أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، واستخلف عمر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها، وأمَّر شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجها



فتح مصر



اجتمع عمرو بن العاص بعمر بن الخطاب في الجابية حين جاء إلى الشام ليتفقد أحوالها بعد طاعون عمواس، وعرض عليه فتح مصر وطلب السماح له بالمسير إليها. وقال: «إنك إن فتحْتها كانت قوةً للمسْلمين وعوْنًا لهم، وهي أكْثر الأرْض أمْوالًا وأعْجزها عن القتال والحرب». بينما تذكر بعض المصادر أن فكرة فتح مصر تعود إلى عمر بن الخطاب نفسه الذي أمر عمرو بالمسير إليها. فعهد إليه قيادة الفتح ووضع بتصرفه ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي، وقيل أربعة آلاف أو خمسة آلاف، وطلب منه أن يجعل ذلك سرًا وأن يسير بجنده سيرًا هنيًا. وهكذا سار عمرو بن العاص إلى مصر مخترقًا صحراء سيناء ومتخذًا الطريق الساحلي، ومع ذلك بقي عمر بن الخطاب مترددًا، حتى يبدو أنه عدل عن موفقته فأرسل كتابًا إلى عمرو بن العاص وهو برفح فلم يستلمه ويقرأه إلا بعد أن دخل حدود مصر. ويعتقد البعض أن تلك كانت حيلةً بارعةً جعلته يزحف نحو مصر دون أن يخالف أمر الخليفة. وقيل أن عمرو بن العاص سار إلى مصر من تلقاء نفسه، ثم استأذن عمر بن الخطاب، وقيل لم يستأذنه، فغضب عليه وأرسل إليه الكتاب المذكور، فلم يقرأه إلا بعد دخوله مصر، كما قيل أن الكتاب وافاه وهو بالعريش داخل حدود مصر.



وصل الجيش إلى العريش في عيد الأضحى يوم 10 ذو الحجة 18 هـ الموافق 12 ديسمبر 639م، فوجدها خالية من القوات البيزنطية، فدخلها. ثم انحرف جنوبًا تاركًا طريق الساحل، حتى وصل إلى الفرما. ضرب عمرو الحصار على الفرما، وتحصنت حاميتها البيزنطية وراء الأسوار، وجرت مناوشات بين الطرفين استمرت مدة شهر، بينما يذكر ياقوت الحموي أن القتال بالفرما استمر مدة شهرين من الزمن، ثم اقتحمها المسلمون في 19 محرم 19 هـ الموافق 20 يناير 640م. ثم سار إلى بلبيس، وفتح خلال سيره سنهور وتنيس. ضرب عمرو الحصار على المدينة وقاتل حاميتها الرومية شهرًا. وكان الروم قد تحصنوا فيها بقيادة الأرطبون، وكان بها «أرمانوسة» ابنة المقوقس، وقد جهزها بأموالها وجواريها وغلمانها وهي في طريقها نحو قيسارية لتتزوج من قسطنطين الثالث. ودخل المسلمون مدينة بلبيس. وأرسل عمرو بن العاص أرمانوسة في جميع مالها إلى أبيها المقوقس، في صحبة قيس بن سعد بن عبادة.



سار عمرو بن العاص من بلبيس متاخمًا للصحراء، فمر بمدينة عين شمس ثم هبط إلى قريةٍ على النيل اسمها «أم دنين»، وتقع إلى الشمال من حصن بابليون، وعسكر قريبًا منها. ولما علم المقوقس بذلك قَدِمَ من الإسكندرية إلى حصن بابليون ليُشرف على القتال بنفسه. وجرت مع حامية المدينة بعض المناوشات على مدى عدة أسابيع لم تسفر عن نتيجة حاسمة. فأرسل عمرو إلى الخليفة عمر يستحثه في إرسال مدد. فأرسل له مددًا بقيادة الزبير بن العوام، ويذكر المؤرخون المسلمون أن المدد كان اثني عشر ألف مقاتل، ويذكر بعضهم أيضًا أنه كان عشرة آلاف فقط، واغتبط المسلمون بقدوم كبار الصحابة أمثال: الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد الأنصاري، وسقطت بعدها حامية أم دنين. وتمكن بعض الروم وقادتهم من الفرار إلى حصن بابليون. بعد وصول الإمدادات بدأ عمرو في إرسال الفرق العسكرية للسيطرة على الأقاليم المختلفة، فأرسل فرقة من الجنود للسيطرة على مدينة الفيوم، وسيطروا على إقليم الفيوم. وتوغلت في جنوبي الدلتا فاستولت على أثريب ومنوف في إقليم المنوفية



حصن بابليون



عسكر عمرو في عين شمس، وراح يستعد لمهاجمة حصن بابليون، وحاول استفزاز الجنود البيزنطيين وحملِهم على الخروج من الحصن. وبالفعل في شهر شعبان سنة 19 هـ الموافق يوليو سنة 640م، خرج القائد ثيودور على رأس عشرين ألفًا وسار بهم باتجاه عين شمس. فشكل عمرو فرقتين يبلغ عدد أفراد كلٍ منها خمسمائة مقاتل، وأرسل إحداهما إلى أم دنين، والأخرى إلى مغار بني وائل، وخرج من عين شمس، فلما وصل البيزنطيون، ظنوا أن المسلمين فروا من عين شمس، ولكن في الطريق بين المعسكرين؛ خرج أفراد الكمين الذي أعده عمرو، فاجتاحت فرقة من المسلمين مؤخرة الجيش البيزنطي التي فوجئت وأُخذت على حين غرة، فحاولوا الفرار نحو أم دنين، فأطبقت عليهم الفرقة الأخرى، وأضحوا بين ثلاثة جيوش، ونجحت فئة قليلة منهم ببلوغ الحصن وهلكت فئة كبيرة.



ثم ركز جهوده العسكرية على فتح الحصن، فسار إليه في شهر شوال سنة 19 هـ الموافق لشهر سبتمبر 640م وحاصره. لم يكن قد أحكم سيطرته على الطرق المائية بعد. وبادر عدد من حكام الروم بالخروج إلى الإسكندرية تاركين الحامية تتولى مهمة الدفاع عنه، ومما زاد في إحباطهم وخوفهم أن بعض المصريين اعتنقوا الإسلام وانضموا إلى الجيش الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص، فكانوا له أعوانًا وأدلاء يصحبونه ويدلونه على الطرق والمواقع، ويخبروه عن أسرار وأوضاع الروم. وخير عمرو المقوقس بين الإسلام أو الجزية أو القتال، وأرسل لهم عبادة بن الصامت، فاستقبله الروم والمصريون حيث طمأنهم بأنهم سيكونون آمنين على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم ونسائهم وذراريهم إن هم قبلوا دفع الجزية. طلب المقوقس من عمرو المهادنة مدة شهر للتفكير في الأمر، فمنحه ثلاثة أيام. وغادر المقوقس حصن بابليون وتوجه إلى الإسكندرية، حيث أرسل عهد الصلح إلى القسطنطينية وطلب موافقة هرقل عليه، لكن هرقل رفض الصلح، واتهم المقوقس بالتقصير والخيانة، ونفاه، واستأنف الطرفان القتال. ووصل نبأ وفاة الإمبراطور هرقل إلى حامية الحصن، فاضطربوا لموته، وتراجعت قدرتهم القتالية، مما أعطى الفرصة للمسلمين لتشديد الحصار قبل أن يقتحموا الحصن في 21 ربيع الآخر 20 هـ الموافق فيه 9 أبريل 641م. واعتلى الزبير بن العوام مع نفرٍ من المسلمين، السور، وكبروا، فظن أهل الحصن أن المسلمين اقتحموه، فهربوا تاركين مواقعهم، فنزل الزبير وفتح باب الحصن لأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه. وأعطى عمرو أهل الحصن عهدًا كان نصه:



«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم، لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يساكنهم النوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نصرتهم، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدرهم وذمتنا ممن أبى برية وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنًوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم أثلاثًا في كل ثلثٍ جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسًا وكذا وكذا فرسًا على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة. شهد الزبير وعبد الله ومحمد، ابناه، وكتب وردان وحضر»



فتح الإسكندرية



طلب عمرو من الخليفة أن يأذن له بالزحف نحو الإسكندرية لفتحها، فأذن له، وترك حاميةً عسكريةً في حصن بابليون بقيادة خارجة بن حذافة. ولم يجد عمرو أي مقاومة عسكرية طوال طريقه، إلا في نقيوس الواقعة على بعد عدة فراسخ من منوف، وفي قرية سلطيس، وعند حصن كريون آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية، حتى وصل الإسكندرية في منتصف رجب 20 هـ الموافق فيه أواخر يونيو 641م.



كانت الإسكندرية مدينةً منيعة، ذات حصونٍ عظيمة، وقد عسكر الجند المسلمون بالقرب منها، وقام بتشديد الحصار على المدينة. ونقل عمرو معسكره إلى مكانٍ بعيدٍ عن مرمى المجانيق، بين الحلوة وقصر فارس. استمر الوضع على ذلك مدة شهرين. وشن الغارات على مدن دلتا النيل، وأبقى معظم جنوده على حصار الإسكندرية. وقد نجحت الفرق العسكرية الإسلامية هذه بالسيطرة على ما تبقى من قرى وبلدات بقية الوجه البحري.



استبطأ عمر بن الخطاب نبأ فتح الإسكندرية، فأرسل إلى عمرو يعظه ويستعجله وينبهه على أن النصر لن يكون حليف المسلمين إلا لو أخلصوا النية، وطلب منه أن يخطب في الناس ويحضهم على قتال عدوهم ويرغبهم في الصبر والنية، وأن يدعوا المسلمين الله ويسألوه النصر. شكل كتاب عمر عامل دفعٍ للمسلمين فاقتحموا حصون الإسكندرية ففتحوها بحد السيف في 28 ذو القعدة 20 هـ الموافق 8 نوفمبر 641م بعد حصارٍ دام أربعة أشهرٍ ونصف. وفر البيزنطيون منها بكل اتجاهٍ للنجاة بأنفسهم، وأذعن سكانها من المصريين، واستبقى عمرو أهلها ولم يقتل ولم يسب وجعلهم ذمة كأهل حصن بابليون. تتباين الروايات التاريخية حول كيفية إتمام فتح الإسكندرية وجلاء الروم عنها نهائيًا، فقال البعض أن الفتح كان عنوةً، بينما قال آخرون أنه كان صلحًا، لكن مما لا خلاف فيه أن دخولها تحت سلطان دولة الخلافة الراشدة كان في 1 محرم 21 هـ الموافق 17 سبتمبر 642م.



ولايته الأولى على مصر





بعد تمام فتح مصر، كتب عمر بن الخطاب إلى واليه عمرو بن العاص يسأله عن أوضاع البلاد طالبًا منه أن يصفها إليه، فكتب عمرو بن العاص رسالة إليه يشرح أحوال مصر ووصفها، وأصبح عمرو والي مصر المعين من قبل الخليفة عمر بن الخطاب، وبدأ عمرو بالقيام بالإصلاحات والأعمال الإدارية.



لما رأى عمرو منازل الإسكندرية أراد أن يتخذها مقرًا له، وقال: «منازل قد كفيناها»، فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك فسأل عمر الرسول: «هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟» قال: «نعم يا أمير المؤمنين إذا جرى النيل». فكتب إلى عمرو: «إني لا أحب أن تنزل بالمسلمين منزلًا يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف، فلا تجعلوا بيني وبينكم ماء. متى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت». وكان عمرو قد أقام فسطاطه في أرضٍ فضاء ومزارع بين حصن بابليون وجبل المقطم أثناء حصار الحصن. فلما فتح الحصن وقرر الزحف نحو الإسكندرية أمر بنزع هذا الفسطاط، فإذا بيمامةٌ قد باضت في أعلاه، فتركها حتى تكبر فراخها وتطير. فلما عاد من الإسكندرية بعد فتحها أمر جنوده أن ينزلوا عند الفسطاط وأن يختطوا دورهم فيها، فسمت تلك البقعة بالفسطاط. وولى عمرو على تخطيط الفسطاط أربعة من المسلمين؛ فاختطوا لكل قبيلة خطة. وكان أول من ابتنى غرفة في الفسطاط خارجة بن حذافة، ثم اتسعت المدينة، أسلم، وبلي، ومعاذ، وليث، وعنزة، وهذيل، وعدوان، وغيرهم، وقد نزل فيها المصريون أيضًا. وهكذا أسس عمرو بن العاص مدينةً جديدةً للمسلمين في سنة 21هـ الموافقة لسنة 642م. كما بنى فيها أول جامعٍ في مصر عرف باسم جامع عمرو بن العاص، وسمي أيضًا جامع الفتح أو الجامع العتيق.



يروي ابن دقماق أن عمرو بن العاص طلب من قبيسة بن كلثوم التجيبي أن يجعل منزله مسجدًا، فأجابه إلى طلبه وتصدق به على المسلمين، ومن ثم شرع عمرو في بنائه، فكان طوله خمسين ذراعا وعرضه ثلاثين. وكان الجامع في مبدأ أمره أصغر بكثير مما هو عليه الآن. ويقال إنه وقف على إقامة قبلته ثمانون من الصحابة منهم الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت. ولم يكن للمسجد محراب مجوف؛ وأول من بنى المحراب قرة بن شريك العبسي، وكان له بابان مقابلان دار عمرو، وبابان شمالية وبابان غربية، وكان طوله من القبلة إلى الغرب مثل طول دار عمرو، وسقفه منخفضًا جدًا ولا صحن له، وكانوا يصلون بفنائه، وكان بينه وبين دار عمرو سبعة أذرع، وكان الطريق محيطًا به من جميع جوانبه.



الإصلاحات النيلية



أجرى عمرو بن العاص العديد من الإصلاحات المتعلقة بنهر النيل والزراعة والفلاحين، فخفف عن المصريين كثيرًا من الضرائب التي فرضها البيزنطيون، واعتنى بهندسة الري، من حفر الخلجان وإصلاح الجسور، وسد الترع، وبناء مقاييس للنيل، وإنشاء الأحواض والقناطر. ولعل من أشهر ما قام به عمرو، هو حفر قناة سيزوستريس التي تصل النيل بالبحر الأحمر، وتسهل الاتصال بشبه الجزيرة العربية، وتؤمن طريقًا أفضل للتجارة الشرقية، وعرفت بخليج أمير المؤمنين، وذكر أبو عمرو الكندي أن عَمرًا حفر الخليج سنة 23 هـ/643م وانتهى منه في ستة أشهر. وأنشأ عددًا كبيرًا من الطرق، وأقام الجسور حول الأنهار لمنع فيضانها. كما أبطل المسلمون إحدى العادات السيئة التي كانت موجودة قبل الفتح وهي عادة ما تسمى بعروس النيل وهي إلقاء فتاة بكر في النيل في شهر بؤونة حتى يجري ويفيض، ويُروى في ذلك أن عَمرًا كتب إلى عُمر، فرد عليه عُمر وبعث له ببطاقة مكتوب فيها: «من عبْد الله عُمر أمير المؤمنيْن إلى نيْل أهْل مصْر، أما بعد: فإن كنْت إنما تجْري من قِبَلك ومن أمْرك فلا تجْر فلا حاجة لنا فيْك، وإن كنْت إنما تجْري بأمْر الله الواحد القهار، وهو الذي يجْريْك فنسْأل الله تبارك وتعالى أن يُجْريك.» فألقى عمرو البطاقة في النيل، فجرى النيل ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة.



فتح برقة وطرابلس وفزان



خرج عمرو بقواته من الإسكندرية في سنة 22هـ الموافقة لسنة 643م بعد أن اطمأن على استقرار الأوضاع في مصر، وتوجه نحو برقة التابعة للإمبراطورية البيزنطية، وتسكنها قبيلة لواتة البربرية، وبعث نفرٌ من جنده بقيادة عقبة بن نافع ليستطلعوا أحوال برقة ويوافوه بأخبارها قبل أن يتقدم إليها، فسار هذا إلى زويلة وأطراف برقة وما جاورها من البلاد وبعدما وصلته المعلومات قرر مواصلة السير لفتح كامل بلاد إنطابلس التي تعرف اليوم ببرقة. ولما بلغت خيل ابن العاص برقة، ضربوا الحصار عليها، وعرض عليهم عمرو ابن العاص الثلاث خصال التي عرضها على المقوقس وأهل مصر ومن قبلهم الشام، وهي: الإسلام أو الجزية أو القتال. ووجد أهل برقة أنه لا طاقة لهم بقتال المسلمين فقبلوا المصالحة على أن يؤدوا جزية للمسلمين قوامها 13 ألف دينار، وأن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم، وقيل كذلك دينار عن كل شخصٍ بالغ.



ثم تقدم عمرو بجنوده حتى طرابلس فحاصرها شهرًا لصمود المدافعين عنها. وأثناء الحصار وجه عمرو عقبة بن نافع لفتح فزان، فافتتح أجدابية صلحًا، ثم واصل حتى بلغ زويلة، فصالحه أهلها، وأتم فتح فزان. وأثناء حصار طرابلس استطاع جماعة من المسلمين الدخول بين أسوار طرابلس والبحر الأبيض المتوسط وقاتلوا حامية البحر، وصاح أفرادها «الله أكبر»، فترددت أصداء التكبير في أزقة المدينة وطرقاتها، فذعر المدافعون عنها، ودبت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولما رأى الحراس فرار الحامية البيزنطية، تركوا مراكزهم، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة. ثم فاجأ ابن العاص أهل صبراتة بخيله، وفتحت أبواب المدينة عند أول هجمة إسلامية. وأرسل ابن العاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في التوجه إلى بلاد إفريقية، لكن الخليفة أمره بالتوقف عند ذلك.



الخراج



كان عمر بن الخطاب يشتهر بغلظته وشدته مع الولاة، فكان من المسائل التي أغلط بها عمر على عمرو مسألة تأخر الخراج في أحد السنوات، فكتب عمر إليه:



«بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام عليك. أما بعد فأني فكرت في أمرك والذي أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوة في بر وبحر، وإنها قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملا محكما، مع شدة عتوهم وكفرهم، فعجبت من ذلك، وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحط ولا جدب، ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك، سيأتينا على غير نزر ورجوت أن تفيق فترفع إلى ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها لا توافق الذي في نفسي. ولست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي أنفرك من كتابي وقبضك، فلئن، كنت مجربا كافيا صحيحا إن البراءة لنافعة، ولئن مضيعا نطعا إن الأمر لعلى غير ما تحدث به نفسك، ولقد تركت أن أبتلى ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترفع إلى ذلك، قد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا أن عمالك عمال السوء، وما توالس عليك وتلفف اتخذوك كهفا وعندي بأذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك فيه، فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهر يخرج الدر والحق أبلج ودعني وما عنه تلجلج فإنه قد برح الخفاء والسلام.»

وذكر المقريزي أكثر من كتاب بينهما في هذه المسألة كان آخرها رد عمرو:



«بسم الله الرحمن الرحيم، لعمر بن الخطاب، من عمرو بن العاص سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج ويزعم أني أحيد عن الحق، وأنكث عن الطريق، وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم، ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم، فنظرت للمسلمين فكان الرفق بهم خيرا من أن نخرق بهم، فيصيروا إلى بيع ما لا غنى بهم عنه، والسلام.»

وكان عمرو يجبي الخراج اثني عشر ألف ألف دينار، وجباها المقوقس قبله عشرين ألف ألف دينار، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي السرح حين استعمله عثمان بن عفان أربعة عشر ألف ألف دينار.



عقاب عمر لعمرو وابنه



يُروى أن محمد بن عمرو بن العاص تسابق مع رجل من أهل مصر، فغلبه الرجل، فضربه محمد، فذهب الرجل إلى عمر بن الخطاب بمنى واشتكى له، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يأتي مع ابنه، ولما أتيا المدينة أمر عمر بتجريد محمد من ثيابه وضربه المصري بالسوط، ثم أمر بعمرو فخرقت ثيابه، عن أنس بن مالكٍ أنه قال: «بينما نحن عند عمر بمنًى إذ دخل عليه رجلٌ من أهل مصر فقال يا أمير المؤمنين إنني استبقت أنا ومحمد بن عمرو بن العاص فسبقته فعدى علي فضربني بين ظهراني المسلمين وهو يقول خذها وأنا ابن الكريمين فجئت أباه أستأذنه فيما صنع بي فحبسني أربعة أشهرٍ ثم أرسلني فخرجت في حاج المسلمين فجئت إليك لتأخذ مظلمتي فقال أعجل علي بعمرو بن العاص وابنه قال فأوتي بهما قال عمر ويحك ما بينتك على ما تقول قال الجند كلهم يا أمير المؤمنين من وافى الحاج منهم فسأل الناس فأخبروه ذلك فدعا بمحمد بن عمرٍو فجرد من ثيابه ثم أمكن المصري من السوط ثم قال له اضرب فضرب المصري وعمر يقول خذها وأنت ابن اللئيمين حتى تركه قال ونحن والله ما نشتهي أن يزيده حتى نزع عنه وقال عمر أما والذي نفسي بيده لو ضربته ما أمسكت يدك عنه ما ضربت ثم قال علي بعمرٍو فأوتي به شيخٌ أصلع فمزقت ثيابه ونحن والله نشتهي أن يوجعه ضربًا ثم قال اضرب فقال يا أمير المؤمنين إنه حبسني ولم يضربني قال أما والله لو ضربته ما أمسكت يدك عنه ما ضربت قل عمرو أما قد فعلت هذا لا نعلم لك قال أجل فاذهب حيث شئت والله يا معشر قريشٍ إن تريدون إلا أن تردوا الناس خولا ما مثلهم ومثلكم إلا كقومٍ اصطحبوا في سفرٍ فقالوا لرجلٍ تقدم فأمنا في صلاتنا وأقسم علينا فيئنا أفأساءوا بذلك أم أحسنوا»

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:10 PM
ما بعد ولاية مصر الأولى



عزله



توفي عمر بن الخطاب، وتولى عثمان بن عفان الخلافة في ذي الحجة 23 هـ، وفي سنة 24 هـ عيّن عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح على خراج مصر، مع بقاء عمرو على الجيش والإدارة في مصر، فاختلف عمرو وعبد الله، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: «إن عمرا كسر الخراج»، وكتب عمرو: «إن عبد الله كسر على حيلة الحرب»، فكتب عثمان إلى عمرو أن ينصرف، وجعل عبد الله بن سعد واليًا لمصر. واختلف المؤرخون في سنة عزل عمرو، فيعتقد البعض أنها في سنة 24 هـ في بداية خلافة عثمان، بينما قال ابن الأثير أن عزل عمرو بن العاص كان سنة 26 هـ. وقال الطبري أنه اعتزل سنة 27 هـ.



مقتل عثمان وموقعة صفين





عاد عمرو إلى المدينة المنورة، وقيل بل اعتزل بفلسطين في قصره المسمى (العجلان). ولمّا قُتِل عثمان بن عفان في 18 ذي الحجة سنة 35 هـ، خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجها نحو الشام وقال: «والله يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه قتل هذا الرجل إلا ضربه الله عز وجل بذل من لم يستطع نصره فليهرب» فسار وسار معه ابناه عبد الله ومحمد وخرج بعده حسان بن ثابت. ووصل إلى دمشق وبايع عمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان سنة 36 هـ. وامتنع معاوية وأهل الشام عن بيعة علي بن أبي طالب، وقالوا لا نبايع حتى يقتص من قتلة عثمان. وبعد موقعة الجمل بعث علي بن أبي طالب جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه للبيعة، فاستشار معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام، فأبوا البيعة حتى يقتص من قتلة عثمان. فاستعد علي لغزو الشام، وأخذ يستنفر الجند، وجهز جيشًا وعسكر بالنخيلة بالقرب من الكوفة، وعندما علم معاوية بتحرك جيش العراق نحو الشام، جمع مستشاريه من أعيان أهل الشام، فبايعوا معاوية على الطلب بدم عثمان والقتال، وقد قام عمرو بن العاص بتجهيز الجيش، وعقد الألوية، وقام في الجيش خطيباً يحرضهم، فقال: «إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم، وفلوا حدهم، ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي قد وترهم وقتلهم، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار في شرذمة قليلة ومنهم من قد قتل خليفتكم، فالله الله في حقكم أن تضيعوه وفي دمكم أن تبطلوه.» وساروا إلى صفين، وكان عمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها. واستمر القتال شهرًا في صفين. وما إن دخل شهر المحرم، حتى بادر الفريقان إلى الموادعة والهدنة طمعاً في الصلح.



عادت الحرب على ما كانت عليه، واشتد القتال بين الطرفين، تقدم جيش معاوية في البداية، ولما رأى عمار بن ياسر تقهقر جيش علي وأصحابه، وتقدم خصومه، أخذ يستحثهم، حتى قُتِل، وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام. وقال معاوية: «لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلن أهل فارس على أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى،» ثم قال لأصحابه: «اربطوا المصاحف على أطراف القنا». وقيل أن عمرو بن العاص هو من اقترح ربط المصاحف على أطراف القنا، في إشارة لتحكيم القرآن بين الطرفين. وقَبِل علي بن أبي طالب وقف القتال في صفين، ووافق على التحكيم، ورجع إلى الكوفة، وعلّق على التحكيم آمالاً في إزالة الخلاف، وقال: «أنا أولى بذلك».

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:11 PM
التحكيم



اتفق الفريقان على التحكيم، فوكل معاوية عمرو بن العاص حكمًا من عنده، ووكل علي أبا موسى الأشعري حكمًا من عنده، وكان مقر اجتماع الحكمين في دومة الجندل في رمضان سنة 37 هـ الموافق 658م. وقد جاء في قصة التحكيم العديد من الروايات التي يختلف عليها أهل السنة والجماعة والشيعة، فالعديد من هذه الروايات يعتقد أهل السنة أنها إما ضعيفة أو موضوعة؛ والعكس أيضًا. وقد ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه نص الوثيقة:



عمرو بن العاص بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما تَقاضى عليه عليُّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان؛ قاضى عليٌّ على أهل الكوفة ومَن معهم مِن شيعتهم من المؤمنين والمسلمين، وقاضى معاوية على أهل الشام ومَن كان معهم من المؤمنين والمسلمين.



إنَّا نَنزل عند حكم الله عز وجل وكتابه، ولا يجمع بيننا غيرُه.

وإنَّ كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نُحيي ما أحيا، ونُميتُ ما أمات، فما وجد الحكَمانِ في كتاب الله عز وجل - وهما أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس، وعمرو بن العاص القرشي - عمِلَا به، وما لم يجِدا في كتاب الله عز وجل فالسنَّة العادلة الجامعة غير المفرِّقة.

وأخذ الحَكَمان من عليٍّ ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس، أنهما آمنانِ على أنفسهما وأهلهما، والأمَّة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه.

وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهدُ الله وميثاقه على ما في هذه الصحيفة، وأنْ قد وجبت قضيتهما على المؤمنين؛ فإن الأمن والاستقامة ووضع السلاح بينهم أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وشاهدهم وغائبهم.

وعلى عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص عهدُ الله وميثاقه أن يَحكما بين هذه الأمَّة، ولا يردَّاها في حرب ولا فُرقة حتى يعصيا.

وأجل القضاء إلى رمضان، وإن أحبَّا أن يؤخِّرا ذلك أخَّراه على تراضٍ منهما.

وإن توفِّي أحَد الحكَمينِ، فإنَّ أمير الشيعة يختار مكانه ولا يألو من أهل المعدلة والقسط.

وإن مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدلٌ بين أهل الكوفة وأهل الشام؛ وإن رضيا وأحبَّا فلا يَحضرهما فيه إلَّا من أرادا.

ويأخذ الحَكَمان من أرادا من الشهود.

ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة.

وهم أنصارٌ على مَن ترك ما في هذه الصحيفة، وأراد فيه إلحادًا وظلمًا.

اللهمَّ إنَّا نستنصرك على مَن ترك ما في هذه الصحيفة.

عمرو بن العاص

وذكر ابن عساكر أن هذه الوثيقة أُعلنت في شعبان سنة 38 هـ الموافق 659م، فاجتمع الناس إليهما، ويروي أنه كان بينهما كلامًا في السر خالفه عمرو بن العاص، فقدم أبو موسى فتكلم وخلع عليًا ومعاوية، ثم تكلم عمرو فخلع عليًا وأثبت معاوية، فتفرق الحكمان، بايع أهل الشام معاوية في ذي القعدة. علق على هذه القصة ابن كثير الدمشقي فقال: «هذا لا يصح سند به، ولا يرويه إلا من لا يوثق بروايته من الإخباريين التالفين، أمثال أبي مخنف لوط بن يحيى». وروى محمد بن إسماعيل البخاري في التاريخ الكبير رواية تخالف هذه القصة، وتذكر أن أبا موسى وعمرًا اتفقا على خلع عليًا ومعاوية وأن يعهدا بأمر الخلافة إلى أحد أعيان الصحابة الذين توفى النبي وهو راضٍ عنهم، فروى البخاري عن حضين بن المنذر قال: لما عزل عمرو معاوية جاء -أي حضين بن المنذر- فضرب فسطاطه قريبًا من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية، فأرسل إليه فقال: «إنه بلغني عن هذا -أي عن عمرو- كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه. فأتيته، فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى ، كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة».

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:11 PM
ولايته الثانية على مصر





بعد حادثة التحكيم عاد القتال من جديد واستطاع جانب معاوية أن يحقق بعض الانتصارات، وسار عمرو بن العاص إلى مصر لضمها لسلطان معاوية سنة 38 هـ، وجهزه معاوية في ستة آلاف مقاتل. وكان محمد بن أبي بكر واليها المُعين من قبل علي. فاقتتل الفريقان، فانتصر جيش عمرو بن العاص وقُتل محمد بن أبي بكر على يد معاوية بن حديج. ثم سار عمرو إلى الفسطاط واستولى عليها في صفر سنة 38 هـ. فأقره معاوية واليًا عليها، وأعطاه إياها على أن يعطي عطاء الجند وما بقي فله، واستقرت ولاية مصر لعمرو بن العاص من جديد. روى ابن عساكر أنه لما صار الأمر كله في يدي معاوية استكثر طعمة مصر لعمرو ما عاش، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وبعنايته وسعيه فيه، وظن أن معاوية سيزيده الشام على مصر فلم يفعل معاوية، فتنكر له عمرو فاختلفا، وتدخل بعض المسلمين في الأمر وأصلحوا بينهما، واتفقا على أن تكون لعمرو ولاية مصر سبع سنين، وأن على عمرو السمع والطاعة لمعاوية. وتواثقا وتعاهدا على ذلك، وأشهدا عليهما به شهودًا، ثم مضى عمرو إلى مصر واليًا عليها، وذلك في أواخر سنة 39 هـ، فلم يمكث غير ثلاث سنوات تقريبا حتى مات وهو أمير عليها.



محاولة اغتياله



اجتمع ثلاثة من الخوارج، وأجمعوا أمرهم على قتل علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص جميعًا في يوم واحد هو 17 رمضان سنة 40 هـ الموافق 23 يناير 661م. فأما عبد الرحمن بن ملجم فنجح في طعن عليًا في صلاة الفجر بمسجد الكوفة، بسيف مسموم على رأسه. بينما لم ينجح الحجاج التميمي الذي ذهب لاغتيال معاوية، أما الذي ذهب لقتل عمرو، فكان اسمه عمرو بن بكر التميمي، فانتظر في تلك الليلة أن يخرج عمرو من داره ليقتله، لكنه لم يخرج لمرض ألم به، وندب خارجة بن حذافة أن يصلي بالناس، وبينما خارجة في الصلاة فضربه الرجل بالسيف فقتله ظنًا منه أنه عمرو بن العاص، فلما علم أنه ليس بعمرو قال: «أردت عمرًا وأراد الله خارجة»، ولما وقف الرجل بين يدي عمرو بكى فقيل له: «أجزعًا من الموت مع هذا الإقدام» فقال: «لا والله ولكن غمًا أن يفوز صاحبي بقتل علي ومعاوية، ولا أفوز أنا بقتل عمرو»، فأمر عمرو بضرب عنقه فضُرب وصُلب.



وفاته وضريحه



توفي ليلة عيد الفطر 1 شوال سنة 43 هـ في مصر وله من العمر ثمانية وثمانون سنة، واختلفوا في سنه عند وفاته، قال يحيى بن بكير: عاش نحو تسعين سنة. وقال العجلي: عاش تسعًا وتسعين سنة. أما الواقدي فقال أنه مات وهو ابن سبعين سنة. ودفن قرب المقطم. ونقل الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن وفاته: «لما احتضر عمرو بن العاص قال: "كيلوا مالي"، فكالوه فوجدوه اثنين وخمسين مدًا، فقال: "من يأخذه بما فيه يا ليته كان بعرًا، ثم أمر الحرس فأحاطوا بقصره فقال بنوه: ما هذا؟ فقال: "ما ترون هذا يغني عني شيئا".».

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:12 PM
وجاء في صحيح مسلم:



عمرو بن العاص أنه بكى طويلاً عند احتضاره، فجعل ابنُه يقول: «يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟» قال: فأقبل بوجهه فقال: «إن أفضل ما نُعِد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاثٍ: لقد رأيتني وما أحدٌ أشدّ بغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مُت على تلك الحال لكنت من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه قال: فقبضت يدي، قال: "ما لك يا عمرو؟" قال: قلت: أردتُ أن أشترط. قال: "تشترط بماذا؟" قلت: أن يُغْفَر لي. قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله". وما كان أحد أحبّ إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأَ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطَقْتُ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مُت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم وَلِينَا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مُت فلا تَصْحَبْني نائحةٌ، ولا نارٌ، فإذا دفنتموني فشنوا عليَّ التراب شنًا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جزور ويُقسم لَحْمُها حتى أسْتَأْنِسَ بكم، وأنظر ماذا أراجع رسلَ ربي». عمرو بن العاص

وذكر أبو العباس المبرد أنه لما حضرت الوفاة عمرو دخل عليه ابن عباس فقال: «دخلت على عمرو بن العاص وقد احتضر، فدخل عليه عبد الله بن عمرو فقال له: "يا عبد الله، خذ ذلك الصندوق "، فقال: لا حاجة لي فيه، قال: "إنه مملوء مالًا"، قال: لا حاجة لي به، فقال عمرو: " ليته مملوء بعرا"، قال: فقلت: يا أبا عبد الله، إنك كنت تقول: أشتهي أن أرى عاقلًا يموت حتى أسأله كيف يجد فكيف تجدك؟ قال: "أجد السماء كأنها مطبقة على الأرض وأنا بينهما، وأراني كأنما أتنفس من خرم إبرة"، ثم قال: "اللهم خذ مني حتى ترضى". ثم رفع يديه فقال: "اللهم أمرت فعصينا، ونهيت فركبنا فلا بريء فأعتذر، ولا قوي فأنتصر، ولكن لا إله إلا الله" ثلاثًا، ثم فاظ.».



صليت عليه صلاة الجنازة بعد صلاة عيد الفطر، فغدا ابنه عبد الله حتى إذا برز به وضعه في الجبانة حتى انقطعت الأزقة بالناس، حتى قيل: «لم يبق أحد شهد العيد إلا صلى عليه ودفنه». واختُلف في مكان قبره، واتفقوا أنه دُفن بسفح هضبة المقطم، في ناحية الفخ، وكان طريق الناس للحجاز. وذكر صاحب كتاب "المزارات المصرية" أن قبره غربي قبل الإمام الشافعي، فيما يُعرف بمقابر قريش. ويبدو أن أثره فُقد. وذكر ابن الزيات أن ابن العاص وعقبة بن عامر الجهني في قبر واحد، وقيل معهم أبو بصرة الغفاري.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:12 PM
صفاته



صفاته الخَلقية



كان عمرو أدْعَج(1) أبْلج(2) قصير القامة، عظيم الهيئة، ناتئ الجبهة، واسع الفم، عظيم اللحية، عريض ما بين المنكبين، عظيم الكفين والقدمين. وكان يخضِبُ بالسواد. قال بَحِير بن ذَاخِر المَعَافِريّ: «قام عمرو بن العاص على المنبر فرأيت رجلا ربعة، قصد القامة وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب موشية، كأن به العقيان، تأتلق عليه حلة وعمامة وجبة». قال شمس الدين الذهبي: "كان عمرو من أفراد الدهر، دهاءً، وجلادةً، وحزمًا، ورأيًا، وفصاحةً.".





عبادته



كان عمرو بن العاص يُسرد الصوم، وقلما كان يُصيب من قيام الليل أول العشاء أكثر ما يصيب من السحر. وعن أبي قيس مولى عمرو قال: «سمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ".». وكان كثير النفقة والصدقة، قال عمرو بن دينار: وقع بين المغيرة بن شعبة وعمرو كلام، فسب المغيرة عمرو، فقال عمرو: أيسبني ابن شعبة! فقال له ابنه عبد الله: إنا لله، دعت بدعوى القبائل وقد نُهِى عنها، فأعتق عمرو ثلاثين رقبة كفارة لذلك. وعندما حضره الموت جمع حرسه وقال لهم: أي صاحب كنت لكم، قالوا: كنت لنا صاحب صدق تكرمنا وتعطينا وتفعل وتفعل.



وكان عمرو يرى أن أخاه هشام والعديد من الصحابة أفضل منه، فعن الْحَسَنَ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحِبُّهُ، أَلَيْسَ رَجُلًا صَالِحًا؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ : قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحِبُّكَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَكَ. فَقَالَ: قَدْ اسْتَعْمَلَنِي فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا كَانَ لِي مِنْهُ، أَوْ اسْتِعَانَةً بِي، وَلَكِنِّي سَأُحَدِّثُكَ بِرَجُلَيْنِ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحِبُّهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ". وحين سُئل عن أخيه هشام قال: "فهو خير مني"، وكررها ثلاثًا.



دهاؤه



عُرف عمرو بالدهاء والذكاء والفطنة قبل الإسلام وبعده، حتى وُصف بأدهى العرب أو "داهية العرب". يقول شمس الدين الذهبي: «داهية قريش، ورجل العالم، ومن يُضرب به المثل في الفطنة، والدهاء، والحزم.» ولقبه عمر بن الخطاب في معركة أجنادين بأرطبون العرب، وقال: "لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فانظروا عما تنفرج"، ويقصد بذلك أن كلا القائدين أدهى الرجال في قومه. وقال عامر الشعبي: "أدهى العرب أربعة: معاوية، وعمرو، والمغيرة ،وزياد. فأمّا معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة للمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير."، وعن قبيصة بن جابر قال: "صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أنصع طرفًا منه ولا أكرم جليسا ولا أشبه سريرة بعلانية منه".

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:13 PM
روايته للحديث



لعمرو بن العاص أحاديث ليست كثيرة، تبلغ بالمكرر نحو الأربعين، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة أحاديث منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. وروى عمرو عن النبي محمد، وعن عائشة، وعن أخيه هشام بن العاص، وأبي بكر الصديق، ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة. وحدَّث عنه ابنه عبد الله، ومولاه أبو قيس، وقبيصة بن ذؤيب، وأبو عثمان النهدي، وعلي بن رباح، وقيس بن أبي حازم، وعروة بن الزبير، وجعفر بن المطلب بن أبي وداعة، وعبد الله بن منين، والحسن البصري مرسلا، وعبد الرحمن بن شماسة المهري، وعمارة بن خزيمة بن ثابت، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو مرة مولى عقيل، وأبو عبد الله الأشعري، وأبو الغادية اليمامي، وأبو بكر بن عمرو الأنصاري، وأبو ظبية الكلاعي، وأبو كبشة السلولي، وأبو هاشم بن عتبة، وأخضر بن خوط الحبراني، وأسعد بن سهل الأنصاري، وإسماعيل بن أبي خالد، ومحمد بن عمر بن أبي سلمة، وتميم بن سلمة الخزاعي، وجعفر بن عبد الله الأنصاري، وحبيب بن أوس الثقفي، وأبو صالح السمان، وراشد بن سعد المقرائي، وزيد بن أسلم، وزيد بن وهب، وسعيد بن المسيب، وشرحبيل بن شفعة، وشعيب بن محمد السهمي، وعامر الشعبي، وعامر الأحول، وعبد الرحمن بن ثابت، وعبد الرحمن بن جبير، وعبد الله بن أبي الهذيل، وعبد الله بن الحارث الهاشمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعلقمة بن وقاص، وعمرو بن ميمون، ولاحق بن حميد، ومحمد بن المنكدر، ومرثد بن عبد الله اليزني، وعمرو بن مسلم بن أبي عقرب، وحيان بن أبي جبلة، وميزان البصري، وهني العدوي.



بلاغته وشعره



اشتهر عمرو ببلاغته وفصاحته، ورصانة شعره، وله من الخطب الكثير، حيث كان يخطب خطبة الجمعة في مسجده بالفسطاط طوال فترة ولايته لمصر. وروى أنه كان حكيمًا، كاتبًا قارئًا، بليغًا في نثره ونظمه، وقد رُوِيَت له آثارٌ في الشعر والخطب الطوال، وقد ذكر المبرد في كتابه الكامل في اللغة والأدب العديد من خطب عمرو. وكان عمر بن الخطاب إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال: سبحان الله خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد. وتحدث النُقاد عن رسالة عمرو إلى عمر بن الخطاب في وصف مصر وما فيها من البلاغة. ويروي ابن تغري بردي أن عمر بن الخطاب عندما قرأت الرسالة قال: "لله درك يا ابن العاص! فلقد وصفت لي خبرا كأني أشاهده". وقد ترجم الكاتب الفرنسي «أوكتاف أوزان» هذه الرسالة، ونشرها في جريدة «الفيجارو»، وعلَّق أوزان على الرسالة ووصفها بأنها: "أكبر آيات البلاغة في كل لغات العالم". وله أيضًا العديد من الأشعار، فمن شعره ما خاطب به عمارة بن الوليد عن النجاشي فقال:



إذا المرء لم يترك طعاما يحبه ولم ينه قلبًا غاويًا حيث يمما

قضى وطرًا منه وغادر سبةً إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما



ومن شعره يوم أحد:



خَرَجْنَا مِنْ الْفَيْفَا عَلَيْهِمْ كَأَنّنَا مَعَ الصّبْحِ مِنْ رَضْوَى الْحَبِيكِ الْمُنَطّقِ

تَمَنّتْ بَنُو النّجّارِ جَهْلًا لِقَاءَنَا لَدَى جَنْبِ سَلْعٍ وَالْأَمَانِيّ تَصْدُقُ

فَمَا رَاعَهُمْ بِالشّرّ إلّا فُجَاءَةَ كَرَادِيسُ خَيْلٍ فِي الْأَزِقّةِ تَمْرُقُ

أَرَادُوا لِكَيْمَا يَسْتَبِيحُوا قِبَابَنَا وَدُونِ الْقِبَابِ الْيَوْمَ ضَرْبٌ مُحَرّقُ

وَكَانَتْ قِبَابًا أُومِنَتْ قَبْلَ مَا تَرَى إذْ رَامَهَا قَوْمٌ أُبِيحُوا وَأُحْنِقُوا

كَأَنّ رُءُوسَ الْخَزْرَجِيّيْنِ غَدْوَةً وَأَيْمَانَهُمْ بِالْمُشْرِفِيّةِ بَرْوَقُ

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:13 PM
الآراء والمواقف حوله



نظرة أهل السنة والجماعة



يعد أهل السنة والجماعة عمرو بن العاص من صحابة النبي، ومن قادة المسلمين، وفاتح مصر، وقد ورد في فضله عدة أحاديث نبوية في كتب الحديث السنيِّة. منها:



أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، وأحمد بن حنبل في مسنده، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ هِشَامٌ وَعَمْرٌو».

روى الترمذي عَنْ عقبة بن عامر الجهني، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ».

روى الترمذي عَنْ طلحة بن عبيد الله قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن عمرو بن العاص من صالحي قريش».

روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عمرو بن العاص أنه قال: «كان فزع بالمدينة، فأتيت على سالم مولى أبي حذيفة، وهو محتب بحمائل سيفه، فأخذت سيفًا فاحتبيت بحمائله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله، وإلى رسوله؟ " ثم قال: "ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان"».



نظرة الشيعة



يعتبر الشيعة عمرو بن العاص من أعداء علي بن أبي طالب، ودائمًا ما يُوصف بأوصاف سيئة في التراث الشيعي، ومن هذه الأوصاف: "ابن النابغة"، و"الأبتر ابن الأبتر"، وتصفه إحدى الروايات بـ "شانئ محمد وآل محمد في الجاهلية والإسلام". ويصفه بعض كتاب الشيعة بالملحد والكافر، يقول أبو القاسم البلخي: «وما زال عمرو بن العاص ملحدا، ما تردد قط في الإلحاد والزندقة، وكان معاوية مثله». كما شكك عبد الحسين الأميني في كتابه الغدير في الكتاب والسنة والأدب في نسب عمرو، وقال أن أمه كانت أشهر بغي بمكّة، وأرخصهن أجرة، لذلك يكثر في الروايات الشيعية وصفه بـ"ابن اللخناء النابغة".



كما يذكر الشيعة أنه كان يتعرض لأهل البيت بالسوء، وأنه كان يستنقص من علي بن أبي طالب بين الناس ويزعم أن فيه دعابة وأنه كثير المزاح، ويروون أنه سب الحسن بن علي في الطواف، وقد قام بعدة أمور، ومنها: قوله إنَّ الله أقام الدين بمعاوية لا بعلي، واتهامه للحسن بقتل عثمان بن عفان، وأن الحسن رد عليه بقوله: «فإنما أنت نجس، ونحن أهل بيت الطهارة، أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً».



نظرة المسيحيين والمستشرقين



تذكر المصادر الإسلامية أن عمرو بن العاص كان يعامل المصريين باللين والرفق، وخفف عنهم الضرائب والخراج، وجعلها أقل مما كانت عليه في عهد المقوقس. كما يمتدح بعض الكتاب المسيحيين المصريين موقف عمرو مع بنيامين الأول الذي كان هاربًا من اضطهاد الرومان، وسمح له عمرو بن العاص بالعودة إلى منصبه بعد أن قضى ثلاثة عشر سنة لاجئًا متخفيًا خشية أن يقبض عليه، أعيد إلى مركزه وأضحى بإمكانه أن يقوم بواجباته الدينية وهو مطمئن، وكان يستقطب الناس إلى مذهبه بالحجة والإقناع، واستطاع أن يحصل على بعض الكنائس التي تركها الملكانيون بعد خروجهم وضمها إلى كنائس البطريركية، ولما عاد إلى الإسكندرية قال لأتباعه: «عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدت بها أمنًا من الخوف، واطمئنانًا بعد البلاء، وقد صرف الله عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم». ويذكر المفكر والباحث اللبناني إدمون رباط أن سياسة عمرو والمسلمين كان قائمة على عدم الإكراه في الدين، مما استمال قلوب المسيحيين إلى الإسلام وجعلت النصارى يفضلون العيش في ظله.



بينما ينتقد عدد من الكتاب المسيحيين والمستشرقين عمرًا ويرون أنه كان يحكم بالشدة والرعب، مثل الأسقف يوحنا النقيوسي الذي قال:«إن عمرو بن العاص قبض على القضاة الروم وقيد أيديهم وأرجلهم بالسلاسل والأطواق الخشبية، ونهب أموالًا كثيرة وضاعف ضريبة المال على الفلاحين وأجبرهم على تقديم علف الخيول، وقام بأعمالٍ فظيعةٍ عديدة. وحدث الرعب في كل المدن المصرية وأخذ الأهالي في الهرب إلى مدينة الإسكندرية تاركين أملاكهم وأموالهم وحيواناتهم. وانضم إلى الغزاة الكثيرون من سكان مصر الأجانب الذين أتوا من الأقطار المجاورة واعتنقوا دينهم، ودخل الغزاة المدن واستولوا على أموال كل المصريين الذين هربوا.» كما رفض الكاتب والباحث القبطي الأب بيجول باسيلي المعتقد السائد حول ترحيب المصرين بالمسلمين فيقول: « كذلك فقد رفض الأقباط بشدة جميع أنواع وطرق فرض الحماية عليهم أو إنقاذهم من ناحية جميع المستعمرين والغزاه الذين جاؤا يتذرعون بمقولة حماية الأقباط، رغم ما كان يعانيه الأقباط من الظلم والاضطهاد والقسوة. والحقيقة أن أكذوبة الترحيب هذه، هي الأكذوبة الشهيرة التي يتذرع بها ويطلقها دائمًا كل مستعمرٍ أو فاتحٍ أو محتل، يكاد لا يشذ عنها أحدًا منهم على مدى التاريخ وفي كل مكان، هي ستارٌ شفاف يحاول الفاتح أو الغازي أو المحتل أن يغطي به دوافعه الحقيقية، متوهمًا أنه قد استطاع أن يخفي الحقيقة، وأن يضفي على وجوده صفة الشرعية بأن الأهالي هم الذين استنجدوا ورحبوا به، ولا مانع عنده من أن يلصق بالمواطنين تهمه الخيانة ليسقط عن نفسه جريمة الاغتصاب. حدث هذا ويحدث ليس فقط مع من فتحوا أو احتلوا أو استعمروا مصر، بل مع غالبية الشعوب التي نكبت بالفتح أو تعرضت للغزو أو الاستعمار، هي نفس الحجة والأكذوبة وهو هو نفس الأسلوب الملتوي والمخادع لتبرير الأحداث.



عائلته



زوجاته



تزوج عمرو ثلاث مرات أو أربع، وزوجاته هن:



رَيْطَةُ بنتُ مُنَبِّه بن الحَجّاج بن عامر بن حُذَيفَة بن سَعْد بن سَهْم بن عَمْرو، هي زوجته الأولى، وأم عبد الله بن عمرو.



خَوْلة بنت حمزة بن السليل،



امرأة مِنْ بَلِيّ، وهي أم ابنه الثاني محمد بن عمرو.



أم كلثوم بنت عقبة،



كانت زوجة زيد بن حارثة، قُتل عنها يوم مؤتة، وبعده تزوجت من الزبير بن العوام، وولدت زينب ثم طلقها، فتزوجت عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميداً وإسماعيل، وعندما توفي عنها، تزوجها عمرو بن العاص، وتوفيت بعد شهر من زواجه وذلك في فترة خلافة علي.



ذكر محمد بن حبيب البغدادي أنه تزوج عاتكة بنت زيد، ويقال خطبها عمرو ومحمد بن أبي بكر فامتنعت عنهما.



أبناؤه



أنجب عمرو بن العاص ولدين فقط، هما:



عبد الله بن عمرو، أمه ريطة بنت منبه بن الحجاج السهمي القرشي، وهو المُحدث والفقيه والصحابي المشهور، ولد حوالي سنة 7 ق هـ. وقد ذكر عدد من المؤرخين أن عبد الله كان أصغر من أبيه عمرو باثنتي عشرة سنة فقط.

محمد بن عمرو، أمه بَلَويّة اسمها خَوْلة بنت حمزة بن السليل، قدم مع أبيه دمشق، وشهد وقعة صفين في صف معاوية بن أبي سفيان. ولا عقب له.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:18 PM
الشخصية الاسلامية الرابعة والعشرون


https://k.top4top.io/p_19521q3ga1.png
https://l.top4top.io/p_1952b46fu2.png

أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهُذلي حليف بني زهرة (المتوفي سنة 32 هـ) صحابي وفقيه ومقرئ ومحدث، وأحد رواة الحديث النبوي، وهو أحد السابقين إلى الإسلام، وصاحب نعلي النبي محمد وسواكه، وواحد ممن هاجروا الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وممن أدركوا القبلتين، وهو أول من جهر بقراءة القرآن في مكة. وقد تولى قضاء الكوفة وبيت مالها في خلافة عمر وصدر من خلافة عثمان.

سيرته

النشأة والبدايات

ينتسب أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم إلى بني سعد بن هذيل بن مدركة نشأ عبد الله في مكة، حيث استقر بها أبوه مسعود بن غافل قبل الإسلام، وحالف عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الذي زوجه من حفيدته أم عبد بنت عبد وُدّ بن سواءة الهُذلية ابنة ابنته هند بنت عبد بن الحارث.

كان عبد الله بن مسعود من السابقين الأولين في الإسلام، حيث أسلم قبل أن تصبح دار الأرقم مقرًا لتجمع أصحاب النبي محمد، وقد اختُلف في ترتيبه في السبق إلى الإسلام، فقيل أنه سادس ستة أسلموا، وقيل أنه أسلم بعد اثنين وعشرين نفسًا. وقد روى عبد الله بن مسعود قصة إسلامه، فقال: «كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال: يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: فهل من شاة لم ينزّ عليها الفحل؟ فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلب في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر. ثم قال للضرع: اقلُص، فقلص. ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: إنك غلام مُعَلَّمٌ.» منذئذ، أسلم عبد الله بن مسعود، كما أسلمت أمه، وكان لها صحبة.

لزم ابن مسعود النبي محمد في مكة، وكان جريئًا في الدين، فكان أول من جهر بالقرآن في مكة بعد النبي محمد، فقاسى ابن مسعود ما قاساه المسلمون الأوائل من اضطهاد قريش، مما اضطره إلى الهجرة إلى الحبشة تحت وطأة هذا الاضطهاد لينجو بنفسه وبدينه. ثم عاد ابن مسعود بعد سنوات إلى مكة، قبل أن يغادرها مجددًا مهاجرًا إلى يثرب بعد أن أذن النبي محمد لأصحابه بالهجرة إليها.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:19 PM
مع النبي محمد في المدينة

وبعد الهجرة إلى المدينة، نزل عبد الله على معاذ بن جبل، وقيل سعد بن خيثمة، وآخى النبي محمد بين ابن مسعود والزبير بن العوام، وقيل بينه وبين سعد بن معاذ، وقيل بينه وبين أنس بن مالك، وقيل بينه وبين معاذ بن جبل. واختطّ النبي محمد لعبد الله وأخيه عتبة دُورًا مع دور بني زُهرة بن كلاب في ناحية مؤخر المسجد.

ما أن هاجر ابن مسعود حتى لزم هو وأمه خدمة النبي محمد، فكان عبد الله يُلبس النبي محمد نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى مجلسه، نزع نعليه، فأدخلهما عبد الله في ذراعه، وأعطاه العصا، وكان يدخل حجراته أمامه بالعصا، وأصبح ابن مسعود صاحب سواد(1) النبي ووساده(2) وسواكه ونعليه وطهوره، وكان هو من يستر النبي محمد إذا اغتسل، ويوقضه إذا نام، ويُؤنسه إذا مشي. لذا، فقد كان كثير الولوج على النبي محمد، حتى ظنّ أبو موسى الأشعري حين هاجر من اليمن إلى المدينة، أن ابن مسعود وأمه من أهل بيت النبي لكثرة دخولهم وخروجهم عليه. وقد شهد ابن مسعود المشاهد كلها مع النبي محمد، وكان هو من أجهز على أبي جهل يوم بدر بعد أن ضربه ابني عفراء، ونفله النبي محمد يومها سيف أبي جهل. كما كان ابن مسعود أحد أربعة ثبتوا مع النبي محمد بعد أن تقهقر عنه أصحابه يوم أحد

بعد وفاة النبي محمد

بعد وفاة النبي محمد، شارك ابن مسعود في الفتح الإسلامي للشام، وشهد فيها معركة اليرموك، وتولى يومها قسمة الغنائم. اختار عبد الله بن مسعود بعد انتهاء الفتح الإقامة في حمص، إلى أن جاءه أمر من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالانتقال إلى الكوفة، ليعلّم أهلها أمور دينهم، وليعاون أميرها الجديد عمار بن ياسر، وكتب عمر إلى أهل الكوفة، فقال: «إني قد بعثت عمار بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلمًا، ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فاقتدوا بهما، وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي». وقد بقي عبد الله بن مسعود بالكوفة مدة خلافة عمر، وبداية خلافة عثمان بن عفان، إلى أن عزله عثمان، وبعث إليه يأمره بالعودة إلى المدينة. اجتمع أهل الكوفة، وقالوا لعبد الله: «أقم، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه»، فقال عبد الله: «إن له علي حق الطاعة، وإِنها ستكون أمور وفتن، فلا أحب أن أكون أول من فتحها»، وردّ الناس، وخرج إلى المدينة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:19 PM
وفاته وصفته

لبث عبد الله بن مسعود في المدينة المنورة بعد عودته حتى ألمّ به مرض موته سنة 32 هـ، حيث توفي ابن مسعود في تلك السنة وعمره بضعًا وستين سنة، وكُفَّنَ في حُلَّة بمائتي درهم، ودفن بالبقيع ليلاً، عند قبر عثمان بن مظعون، بعد أن صلّى عليه الزبير بن العوام بحسب وصية ابن مسعود. وقد ترك ابن مسعود عند وفاته ضيعة براذان فمات عن تسعين ألف درهم، سوى الرقيق والماشية. وكان قد أوصى إلى الزبير بن العوام، وإلى ابنه عبد الله بن الزبير، بالتصرّف في تركته، وإنه لا تزوج امرأة من بنات عبد الله بن مسعود إلا بإذنهما. وبعد وفاة عبد الله بن مسعود، دخل الزبير على الخليفة عثمان يطالبه بعطاء ابن مسعود، وكان قد تركه حين مات عمر بن الخطاب، فأعطاه عثمان خمسة عشر ألفًا، وقيل عشرين ألفًا، وقيل خمسة وعشرين ألفًا، دفعها الزبير إلى عيال ابن مسعود.

أما صفة عبد الله بن مسعود، فقد كان آدم، خفيف اللحم، نحيفًا، قصيرًا، شديد الأدمة، وكان لا يغير شيبه، بعينيه أثرين أسودين من البكاء، وكان من أجود الناس ثوبًا أبيض، ومن أطيب الناس ريحًا، وكان يُعرف بالليل بريح الطيب. كما كان يتخذ خاتمًا من حديد.

ابن مسعود والقرآن

كان لملازمة ابن مسعود للنبي محمد أثرها في سعة علمه بتفسير القرآن وأسباب نزول آيته، فقد روى مسروق بن الأجدع عن ابن مسعود قوله: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه»، وهو قول الصحابي أبي مسعود الأنصاري الذي قال: «والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ترك أحدًا أعلم بكتاب الله من عبد الله بن مسعود». أخذ ابن مسعود من فم النبي محمد مباشرة بضعًا وسبعين سورة، وكان حسن الصوت بقراءة القرآن، فكان النبي محمد يحب أن يسمعه منه، فقد روى ابن مسعود أن النبي محمد قال له يومًا: «إقرأ عليّ سورة النساء»، فتعجّب ابن مسعود وقال: «أقرأ عليك وعليك أُنزل؟»، فقال النبي محمد: «إني أحب أن أسمعه من غيري»، فقرأ عليه حتى بلغ قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا ففاضت عينا النبي محمد، وقال: «من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل، فليقرأ قراءة ابن أم عبد»، كما أوصى النبي فقال: «استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة». وقد تفرّغ ابن مسعود لخدمة القرآن وأهله، فكان يملي المصاحف عن ظهر قلب في الكوفة، وأخذ عنه القراءة عرضًا مُقرئين كأبي عبد الرحمن السُلمي وعبيد بن نضيلة والأسود بن يزيد النخعي وتميم بن حذلم والحارث بن قيس وزر بن حبيش وعبيد بن قيس وعلقمة بن قيس النخعي وعبيدة بن عمرو السلماني وعمرو بن شرحبيل وأبو عمرو الشيباني وزيد بن وهب ومسروق بن الأجدع، وإليه تنتهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش. كما قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه: «كان عبد الله إذا هدأت العيون قام، فسمعت له دويًّا كدوي النحل حتى يُصبح».

ولما همّ الخليفة الأول أبو بكر الصديق بجمع القرآن، وندب لذلك زيد بن ثابت، شقّ على ابن مسعود ذلك، وقال: «لقد قرأت من فِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وزيد له ذؤابة يلعب مع الغلمان»، كما قال: «يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ المصاحف، ويولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه كافر»، كما اختار الخليفة الثالث عثمان بن عفان زيد بن ثابت لكتابة مصحفه وحرق ما دونه من نسخ، وكان عبد الله بن مسعود وقتها بالكوفة، فقال عبد الله: «يا أهل الكوفة، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها، فإن الله قال: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ فالقوا الله بالمصاحف»، وقال: «لقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم، ولو أني أعلم أن أحدًا أعلمُ بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته»، إلا أنه رضي بعد ذلك، وتابع عثمان.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:20 PM
روايته للحديث النبوي

روى عن:

1- النبي محمد صلى الله عليه وسلم
2- عمر بن الخطاب
3- سعد بن معاذ
4- صفوان بن عسال المرادي

روى عنه:

عبد الله بن عباس
عبد الله بن عمر بن الخطاب
أبو موسى الأشعري
عمران بن حصين
عبد الله بن الزبير
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام
أنس بن مالك
أبو سعيد الخدري
أبو هريرة
أبو رافع الأنصاري
أبو أمامة الباهلي
علقمة بن قيس النخعي
الأسود بن يزيد النخعي
مسروق بن الأجدع
عبيدة بن عمرو السلماني
أبو وائل شقيق بن سلمة
قيس بن أبي حازم
زر بن حبيش
الربيع بن خثيم
طارق بن شهاب
زيد بن وهب
ابنه أبو عبيدة
ابنه عبد الرحمن
أبو الأحوص عوف بن مالك
أبو عمرو الشيباني
ابن أخيه عبد الله بن عتبة بن مسعود
زوجته زينب بنت عبد الله الثقفية
أبو شريح الخزاعي
أبو جحيفة السوائي
أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي
أبو الأسود الدؤلي
شريح بن الحارث القاضي
عمرو بن ميمون
عبد الرحمن بن أبي ليلى
أبو عثمان النهدي
الحارث بن سويد التيمي
ربعي بن حراش
الأحنف بن قيس
البراء بن عازب
البراء بن ناجية
بلاد بن عصمة
الحارث بن عبد الله الأعور
حارثة بن مضرب العبدي
الحجاج بن مالك الأسلمي
حريث بن ظهير الكوفي
خالد بن ربعي الأسدي
خشف بن مالك الطائي
الربيع بن عميلة الفزاري
زاذان أبو عمر الكندي
زيد بن زائدة
سعد بن الأخرم
سعد بن عياض الثمالي
سليمان بن جابر الهجري
شتير بن شكل
شداد بن معقل
صلة بن زفر
عامر بن عبدة البجلي
عبد الله بن بريدة
عبد الله بن الحارث الزبيدي
أبو عبد الرحمن السُلمي
عبد الله بن ربيعة السلمي
أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي
أبو معمر عبد الله بن سخبره الأزدي
عبد الله بن شداد بن الهاد
عبد الله بن عكيم
عبد الله بن عمرو الأودي
عبد الله بن فيروز الديلمي
عبد الله بن معقل بن مقرن المزني
أبو الزعراء عبد الله بن هاني الأودي
عبد الله بن أبي الهذيل
عبد الرحمن بن حرملة الكوفي
عبد الرحمن بن يزيد النخعي
عبيدة بن ربيعة
عمرو بن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي
عمرو بن حريث
عمرو بن سلمة بن الحارث الهمذاني
أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل
عمير مولى ابن مسعود
عياش السلمي
فلفلة بن عبد الله الجعفي
قبيصة بن جابر
قرة بن إياس المزني
قيس بن السكن
كردوس الكوفي
كلثوم بن المصطلق الخزاعي
أبو عطية مالك بن أبي عامر الهمداني
مالك الطائي
محمد بن الأشعث
محمد بن عبد الله بن أسيد
محمد بن كعب القرظي
مرة الطيب
المستورد بن الأحنف
أبو العبيدين بن معاوية بن سبرة
المعرور بن سويد
أبو المثني مؤثر بن عفازة الشيباني
ناجية بن كعب الأسدي
النزال بن سبرة الهلالي
هبيرة بن يريم
هزيل بن شرحبيل
همام بن الحارث
وابصة بن معبد
وائل بن مهانة
وهب بن ربيعة
يسير بن عمرو الكندي
أبو ثور الفهمي
أبو الجعد الغطفاني
أبو رافع مولى النبي محمد
أبو زيد مولى عمرو بن حريث
أبو عثمان بن سنة الخزاعي
أبو عياض
أبو واقد الليثي
أم يعقوب الأسدية

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:20 PM
الجرح والتعديل:

اتفقا له البخاري ومسلم في صحيحيهما على 64 حديثًا، وانفرد له البخاري بإخراج 21 حديثًا، ومسلم بإخراج 35 حديثًا، وأحصى له بقي بن مخلد في مسنده بالمكرر 840 حديثًا، وله 848 حديثًا بإحصاء النووي، وقد عدّ يحيى بن معين أصح الأسانيد عن ابن مسعود ما رواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، كما روى له الجماعة.

ابن مسعود والإفتاء


أثنى عدد من صحابة النبي محمد على فقه عبد الله بن مسعود وعلمه بالفتيا، فقال علي بن أبي طالب عنه: «عَلَمُ القرآن والسنة»، وأوصى معاذ بن جبل أصحابه في مرض موته، فقال: «التمسوا العلم عند أربعة عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام»، وقد استُفتي أبي موسى الأشعري يومًا في شيء من الفرائض، فغلط، وخالفه ابن مسعود، فقال أبو موسى: «لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم»، كما ذكر علقمة بن قيس النخعي أنه قدم الشام، فلقي أبا الدرداء، فسأله فقال: «تسألوني وفيكم عبد الله بن مسعود؟»، وقد عدّ ابن قيم الجوزية عبد الله بن مسعود واحدًا من المُكثرين من الصحابة في الفُتيا، وقد أخذ عن عبد الله علمه بالفقه والفتيا من التابعين علقمة بن قيس النخعي والأسود بن يزيد النخعي وشريح بن الحارث القاضي وعبيدة بن عمرو السلماني والحارث بن عبد الله الأعور، ونشروا فتواه وآرائه، حتى قال الشعبي: «ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفقه صاحاً من عبد الله بن مسعود».

أما مذهب عبد الله بن مسعود الفقهي، فقد كان ينحى منحى عمر بن الخطاب في الفقه بالإفتاء بالرأي حيث لا نص، وقد سار على هذا النهج في فترة قضائه بالكوفة، فلا يكاد يخالف عمر في شيء من آرائه، وهو ما يأيده قول الشعبي: «ثلاثة يستفتي بعضهم من بعض، فكان عمر وعبد الله وزيد بن ثابت يستفتي بعضهم من بعض، وكان علي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري يستفتي بعضهم من بعض»

مكانته

عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم

حظي ابن مسعود بمنزلة عالية عند النبي محمد الذي أولاه ثقته، فقال يومًا: «لو كنت مؤمّرًا أحدًا عن غير مشورة، لأمرت عليهم ابن أم عبد»، كما عاتب النبي محمد أصحابه يومًا حين أمر ابن مسعود بصعود شجرة يأتيه منها بشيء، فضحكوا من نحافة ساقيه، فقال النبي محمد: «ما تضحكون؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أُحد»،

كما شهد بعض الصحابة على منزلة ابن مسعود من النبي محمد، فقد روى حذيفة بن اليمان قول النبي: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد»، كما قيل عمرو بن العاص في مرض موته، وقد أصابه الهمّ: «قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدنيك ويُستعملك»، فقال: «والله ما أدري ما كان ذاك منه، أحُب أو كان يتألفني، ولكن أشهد على رجلين أنه مات وهو يحبهما ابن أم عبد وابن سمية»، كما روى أبو الدرداء الأنصاري أن النبي محمد خطب خطبة خفيفة، فلما فرغ من خطبته أمر أبا بكر، فقام فخطب، فقصّر دون النبي ثم أمر عمر، فقام فخطب، فقصّر دون أبي بكر، ثم نادى آخر فقام فخطب، فشقق القول،(3) فقال له النبي محمد: «اسكت أو اجلس، فإن التشقيق من الشيطان، وإن البيان من السحر»، ثم قال: «يا ابن أم عبد، قم فاخطب»، فقام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، إن الله - عز وجل - ربنا، وإن الإسلام ديننا، وإن القرآن إمامنا، وإن البيت قبلتنا، وإن هذا نبينا - وأومأ إلى النبي - رضينا ما رضي الله لنا ورسوله، وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله، والسلام عليكم»، فقال النبي محمد: «أصاب ابن أم عبد وصدق، رضيت بما رضي الله لأمتي وابن أم عبد، وكرهت ما كره الله لأمتي وابن أم عبد».

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:20 PM
عند الصحابة والتابعين

أثنى العديد من الصحابة والتابعين على عبد الله بن مسعود، فقال عمر بن الخطاب عنه حين أرسله إلى الكوفة: «كنيف ملئ علمًا، آثرت به أهل القادسية»، وقال حذيفة بن اليمان: «ما أعلم أحدًا أقرب سمتًا ولا هديًا ولا دلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يواريه جدار بيته من ابن أم عبد، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله وسيلة يوم القيامة». وقال أبو الدرداء الأنصاري يوم أتاه نعي ابن مسعود: «ما ترك بعده مثله»، ومن التابعين قال مسروق بن الأجدع: «شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة علي وعمر وعبد الله وزيد وأبي الدرداء وأُبيّ. ثم شاممت الستة، فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله»، وقال أبو وائل شقيق بن سلمة: «ما أعدل بابن مسعود أحدًا»، وقال الشعبي: «ما دخل الكوفة أحد من الصحابة أنفع علمًا، ولا أفقه صاحبًا من عبد الله».

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:21 PM
عند الشيعة

هناك أختلاف في وجهات النظر حوله ابن مسعود عند الشيعة ، ولكن ولم ينص أحد منهم أنه حارب عليا أو مات كافرا ، فذهب البعض ان ابن مسعود صحابي جليل ، الذين منهم الشريف المرتضى حيث قال:«لأنه لا خلاف بين الأمة في طهارة ابن مسعود، وفضله وإيمانه، ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وثنائه عليه وأنه مات على الجملة المحمودة منه» ، وقد روى له ابن قولويه القمي في كتابه كامل الزيارات وهو في بداية كتابه اشترط أن لايروي إلا عن من يثق فيهم ، وقد ترضى عليه ابن شهر آشوب ، ويرى المير دماماد أن ابن مسعود ندم أنه لم يوالي عليا حيث قال :«وقد ورد الاخبار وصح أن ابن مسعود قد رجع عما وقع منه وتندم وتظاهر بالتندم عليه.» ، ومن الذين ذهبوا أنه لم يكن مواليا لعلي أبو القاسم الخوئي ، حيث قال:«و المتلخص مما ذكرناه: أن عبد الله بن مسعود لم يثبت أنه والى عليا(عليه السلام) وقال بالحق، والله العالم.» وسئل الفضل بن شاذان عن ابن مسعود وحذيفة :«فقال: لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود لان حذيفة كان ركنا وابن مسعود خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم» ، وقال ابن المطهر:«روى الكشي عن الفضل بن شاذان أنه خلط.»

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:26 PM
الشخصية الاسلامية الخامسة والعشرون

https://d.top4top.io/p_1952pwgl81.png
https://e.top4top.io/p_1952f551n2.png
https://f.top4top.io/p_1952pujbi3.png

أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ( 57 ق هـ - 31 هـ / 567 - 652 م ): صحابي، من سادات قريش قبل الإسلام. وهو والد معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية. وكان تاجراً واسع الثراء، وزعيم أشراف قريش الذين عارضوا محمداً ودعوته.

عادى الإسلام والمسلمين، وكان قائد جيش المشركين في غزوة أحد، وقائد جيوش الأحزاب في غزوة الخندق وأمر بحصار المدينة في غزوة الخندق. هادن المسلمين في صلح الحديبية، ثم أسلم عند فتح مكة، ورفع النبي من شأنه، فأمن كل من يدخل داره، وولاه على نجران. ثم خرج مع المسلمين في فتوحهم وغزواتهم. فاشترك في حنيناً والطائف، ففقئت عينه يوم الطائف، ثم فقئت الأخرى يوم اليرموك، فعمي. توفي عن 88 سنة في العام 31 هـ.

نسبه

هو : أبو سفيان واسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وكنيته أبو سفيان وكذلك أبو حنظلة.
أمه : صفية بنت حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهي عمة أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.

وكان أبو سفيان في شبابه سيد بني عبد شمس بن عبد مناف، ثم نال سيادة جميع بطون قريش بعد معركة بدر بعد مقتل عتبة بن ربيعة العبشمي وأبو جهل عمرو بن هشام المخزومي، ثم نال سيادة جميع فروع قبيلة كنانة في معركة أحد وبقي على هذا حتى فتح مكة.

وكان أبوه حرب بن أمية قائد جيوش بني كنانة في حرب الفجار ضد قبائل قيس عيلان وهو أول من كتب باللغة العربية، وأخته هي أم جميل أروى بنت حرب التي ذكرت في القرآن الكريم بوصف حمالة الحطب، وابنته هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه معاوية بن أبي سفيان هو أول خلفاء الدولة الأموية.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:27 PM
زوجاته

صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

أنجبت له
حنظلة وهو بكره وكذلك أم المؤمنين أم حبيبة وأميمة.

هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأنجبت له

معاوية وعتبة وجويرية وأم الحكم.


زينب بنت نوفل بن خلف بن قوالة بن جذيمة بن علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وأنجبت له يزيد.

عاتكة بنت أبي أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن عامر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.

وأنجبت له محمد وعنبسة.

صفية بنت أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وأنجبت له

عمرو وعمر وصخرة وهند وأمينة.

أمامة بنت سفيان بن وهب بن الأشيم، من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وأنجبت له
رملة الصغرى.

لبابة بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وأنجبت له ميمونة

أولاده

حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر كافرا.
معاوية بن أبي سفيان.
عتبة بن أبي سفيان.
محمد بن أبي سفيان.
عمرو بن أبي سفيان.
عمر بن أبي سفيان.
يزيد بن أبي سفيان.
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين
أميمة بنت أبي سفيان وهي أم حبيب.
جويرية بنت أبي سفيان.
أم الحكم بنت أبي سفيان.
عنبسة بن أبي سفيان.
صخرة بنت أبي سفيان.
هند بنت أبي سفيان.
أمينة بنت أبي سفيان
رملة الصغرى بنت أبي سفيان
ميمونة بنت أبي سفيان.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:27 PM
مواقفه قبل الإسلام

كان أبو سفيان قبل الإسلام أحد رجال قريش الكبار، وصارت إليه راية الرؤساء في قريش بعد مقتل أبي جهل في غزوة بدر، وكان من رؤساء المشركين في حرب الإسلام في بدء الدعوة النبوية وقاد قريشاً في حربهما المسلمين يوم أحد ويوم الخندق. وكان رسول الله قد تزوج ابنته أم حبيبة وأبو سفيان لا يزال مشركاً، وأقرّ أبو سفيان زواج الرسول منها، فكان بذلك حمو النبي

إسلامه وجهاده

أسلم أبو سفيان يوم فتح مكة سنة ثمانية للهجرة، وعقب قول رسول الله: «من دخل البيت الحرام كان آمناً، ومن دخل دار أبي سفيان كان آمناً»، وحسُن إسلامه برأي معظم المؤرخين وأصحاب السِّير، جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لما اسلم وقال: يا رسول الله مرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: «نعم»، قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك. قال: «نعم». ثم سأل أن يزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته، وهي عزة بنت أبي سفيان واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة، فلم يقع ذلك، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يحل له. وشهد حُنيناً مع النبي، وأعطاه من غنائمها مئة بعير وأربعين أوقية، ثم شهد فتح الطائف معه، ثم شهد اليرموك تحت راية ولده يزيد بن أبي سفيان وهو في عمر 72 سنة.

وفاته

توفي أبو سفيان بالمدينة المنورة سنة 31 هـ / 652م، وله نحو من تسعين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان، وقيل ابنه معاوية بن أبي سفيان، ودفن في البقيع.


توفي أبو سفيان بالمدينة المنورة سنة 31 هـ / 652م، وله نحو من تسعين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان، وقيل ابنه معاوية بن أبي سفيان، ودفن في البقيع.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:33 PM
الشخصية الاسلامية السادسة والعشرون

https://c.top4top.io/p_19531503t1.png

جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي المشهور بـجعفر الطيار، وذي الجناحين، هو صحابي وقائد مسلم، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وهو ابنُ عم النبي محمد وأحدُ وزرائه لقوله: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ قَبْلِي إِلا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَالْمِقْدَادُ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلالٌ». وجعفر هو أخو علي بن أبي طالب لأبويه، ويُقال إنه كان أشبه الناس بالرسولِ محمدٍ خَلقاً وخُلُقاً.

أسلم جعفر بن أبي طالب، ثم هاجر مع جماعة من المسلمين إلى الحبشة، ومكثوا فيها عند ملكها النجاشي. ثم هاجر جعفر إلى المدينة المنورة يوم فتح خيبر، فكانت له هجرتان: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة، وآخى الرسولُ بينه وبين معاذ بن جبل الخزرجي الأنصاري. وشهد جعفر بن أبي طالب غزوة مؤتة التي دارت رحاها سنة ثمان من الهجرة بين المسلمين والروم، وكان هو أميرَ جيش المسلمين إذا أُصيب قائدُهم الأول زيد بن حارثة، فلما قُتل زيد بن حارثة في المعركة، أخذ جعفر بن أبي طالب اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتل وهو ابن إحدى وأربعين سنة، فصلى عليه الرسولُ وقال: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْجَنَّةِ». ودُفن جعفر في منطقة مؤتة، وله مقام يقع في بلدة المزار الجنوبي في الأردن جنوب مدينة الكرك

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:33 PM
نسبه

هو «جعفر بن أبي طالب (واسمه عبد مناف) بن عبد المطلب (واسمه شيبة) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي (واسمه زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (واسمه قيس) وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». هذا هو المتفق عليه من نسبه، وهو نسب الرسول محمدٍ نفسُه تقريباً، فكلاهما من نسل عبد المطلب بن هاشم. أما ما فوق معد بن عدنان ففيه اختلاف كثير، غير أنه ثبت أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم. وجعفر ابن عم الرسول محمد، وأخو علي بن أبي طالب لأبويه، وكان أسن من علي بعشر سنين، وأخوه عقيل أسن منه بعشر سنين، وأخوهم طالب أسن من عقيل بعشر سنين.

أمه: «فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية القرشية»،

وهي أمه وأم إخوته طالب وعقيل وعلي، وقد أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وتوفيت بها، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي أيضاً أول هاشمية ولدت خليفة


إسلامه

أسلم جعفر بن أبي طالب قبل أن يدخل الرسول محمدٌ دار الأرقم ويدعو فيها، فقد أسلم بعد إسلام أخيه علي بقليل، وهو أحد السّابقين إلى الإسلام، فقد أسلم بعد خمسة وعشرين رجلاً، وقيل أسلم بعد واحد وثلاثين إنساناً، فكان هو الثاني والثلاثين.

وقد رُوي أن أبا طالب رأى النبيَّ محمداً وعليّاً يصليان، وعلي عن يمينه، فقال لجعفر: «صِلْ جناحَ ابن عمك، وصلِّ عن يساره».

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:34 PM
هجرته إلى الحبشة


عندما رأى النبيُ محمدٌ ما يصيب أصحابَه من البلاء، وأنه لا يقدر على منعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه»، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب الرسولِ إلى أرض الحبشة، مخافةَ الفتنة وفراراً بدينهم، فكانت أولَ هجرة في الإسلام.

أول من خرج من المسلمين إلى الحبشة عثمان بن عفان، معه امرأته رقية بنت الرسول محمد، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، والتي ولدت هناك محمد بن أبي حذيفة، وكذلك الزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى، ويقال: بل أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس (ويقال: هو أول من قدمها)، وسهيل بن بيضاء، وهو سهيل بن وهب بن ربيعة. فكان هؤلاء العشرةُ أولَ من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة. قال ابن هشام: «وكان عليهم عثمان بن مظعون، فيما ذكر لي بعض أهل العلم».

ثم خرج جعفر بن أبي طالب، ومعه امرأته أسماء بنت عميس، والتي ولدت له بأرض الحبشة ابنه عبد الله. وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة، فكانوا بها، منهم من خرج بأهله معه، ومنهم من خرج بنفسه لا أهل له معه. فكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغاراً وولدوا بها، ثلاثة وثمانين رجلاً، إن كان عمار بن ياسر فيهم، وهو يُشك فيه. أي يُشك فيه أكان خرج إلى الحبشة أم لا.

وكان مما قيل من الشعر في الحبشة، أن عبد الله بن الحارث حين أمن المسلمون بأرض الحبشة وحمدوا جوار النجاشي، وعبدوا الله لا يخافون على ذلك أحداً، وقد أحسن النجاشي جوارهم حين نزلوا به، قال أبياتاً منها:

يا راكباً بلغن عني مغلغلةً من كان يرجو بلاغ الله والدينِ
كل امرئ من عباد الله مضطهدٍ ببطن مكة مقهورٍ ومفتونِ
أنا وجدنا بلاد الله واسعةً تنجي من الذلِ والمخزاةِ والهونِ

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:35 PM
رسولَي قريش إلي الحبشة

قصَّت أم سلمة بنت أبي أمية قصة رسولَي قريش إلى أرض الحبشة فقالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورْنا بها خيرَ جارٍ النجاشيَّ، أمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هداياً مما يُستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم (أي الجلود)، فجمعوا له أدماً كثيراً، ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وأمروهما بأمرهم، وقالوا لهما: «ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم، ثم قدِّما إلى النجاشي هداياه، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم»، فخرجا حتى قدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار، عند خير جار، فلم يبقَ من بطارقته بطريقٌ إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، وقالا لكل بطريق منهم: «إنه قد ضوى (أي لجأ) إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع، لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بَعَثَنَا إلى الملك فيهم أشرافُ قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم»، فقالوا لهما: «نعم».

ثم إنهما قدَّما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه فقالا له: «أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه»، ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامَهم النجاشيُّ، فقالت بطارقته حوله: «صدقاً أيها الملك، قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم»، فغضب النجاشي، ثم قال: «لاها الله، إذن لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني».

قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فدعاهم، فلما جاءهم رسولُه اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: «ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟»، قالوا: «نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم كائناً في ذلك ما هو كائن»، فلما جاءوا، وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال لهم: «ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟»، أو قال: «ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية»، فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له:

أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنَّا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشركْ به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. جعفر بن أبي طالب
فقال له النجاشي: «هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟»، فقال له جعفر بن أبي طالب: «نعم»، فقال له النجاشي: «فاقرأه علي»، فقرأ عليه صدراً من سورة ، إلى الآيات: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا

قالت: فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون».

فلما خرج رسولا قريش من عنده، قال عمرو بن العاص: «والله لآتينه غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم»، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة: «لا نفعل، فإن لهم أرحاماً، وإن كانوا قد خالفونا»، قال: «والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد». ثم غدا عليه من الغد فقال له: «أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه»، فأرسل إليهم ليسألهم عنه، فاجتمع القوم، ثم قال بعضهم لبعض: «ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه؟»، قالوا: «نقول والله ما قال الله، وما جاءنا به نبينا، كائنا في ذلك ما هو كائن»، فلما دخلوا عليه قال لهم: «ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟»، فقال جعفر بن أبي طالب:

جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. جعفر بن أبي طالب
فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، فأخذ منها عوداً، ثم قال: «والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود» (أي أن قولك لم يعد عيسى بن مريم بمقدار هذا العود)، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: «وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي (أي آمنون)، من سبكم غرم»، ثم قال: «من سبكم غرم»، ثم قال: «من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبراً (أي جبلاً) من ذهب، وأني آذيت رجلاً منكم، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه»، قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار، مع خير جار.


وفي رواية أخرى أن قريشاً بعثت عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد (وليس عبد الله بن أبي ربيعة كما في الرواية السابقة)، بعثتهما بهدية، فلما دخلا على النجاشي سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ثم قالا له: «إن نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا»، قال: «فأين هم؟»، قالا: «في أرضك، فابعث إليهم»، فبعث إليهم، فقال جعفر: «أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه»، فسلم ولم يسجد، فقالوا له: «مالك لا تسجد للملك؟»، قال: «إنا لا نسجد إلا لله عز وجل»، قال: «وما ذاك؟»، قال: «إن الله بعث إلينا رسولاً ثم أمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله عز وجل، وأمرنا بالصلاة والزكاة»، قال عمرو: «فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم»، قال: «فما تقولون في عيسى بن مريم وأمه؟»، قال: «نقول كما قال الله: هو كلمته وروحه ألقاها إلى العذراء البتول، التي لم يمسها بشر، ولم يفرضها ولد»، فرفع عوداً من الأرض ثم قال: «يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما سوى هذا، مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به عيسى بن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه»، وأمر بهدية الآخرين فردت إليهما.

واجتمع أهل الحبشة يوماً فقالوا للنجاشي: «إنك قد فارقت ديننا»، وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفناً، وقال: «اركبوا فيها وكونوا كما أنتم، فإن هُزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا»، ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه: «هو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى بن مريم عبده ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم»، ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: «يا معشر الحبشة، ألست أحق الناس بكم؟»، قالوا: «بلى»، قال: «فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟»، قالوا: «خير سيرة»، قال: «فما بالكم؟»، قالوا: «فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد»، قال: «فما تقولون أنتم في عيسى؟»، قالوا: «نقول هو ابن الله»، فقال النجاشي، ووضع يده على صدره على قبائه: «هو يشهد أن عيسى بن مريم»، لم يزد على هذا شيئاً، وإنما يعني ما كتب، فرضوا وانصرفوا عنه. فبلغ ذلك النبيَ محمداً، فلما مات النجاشي صلى عليه، واستغفر له.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:36 PM
هجرته إلى المدينة

لما هاجر الرسولُ محمدٌ إلى المدينة المنورة، وآخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بين جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائباً بأرض الحبشة.

قدِم جعفر بن أبي طالب على الرسولِ محمدٍ يوم فتح خيبر، فقبَّل الرسولُ بين عينيه، والتزمه وقال: «ما أدري بأيهما أنا أسر: بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر؟» أو قال: «ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟»، وأنزله الرسولُ إلى جنب المسجد.

وقد روي عن أبي موسى أنه قال: بلغنا مخرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، في بضع وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، فوافقْنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حين افتتح خيبر، فكان أناس من الناس يقولون لنا -يعني لأهل السفينة- سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء: «من هذه؟»، قالت: «أسماء ابنة عميس»، قال عمر: «الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟»، قالت أسماء: «نعم»، قال: «سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منكم»، فغضبت وقالت: «كلا والله كنتم مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار -أو في أرض- البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه»، فلما جاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: «يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا»، قال: «فما قلت له؟»، قالت: «قلت كذا وكذا»، قال: «ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان»، قالت: «فلقد رأيت أبا موسى وأهل السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شئ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم»

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:36 PM
إمارته في غزوة مؤتة ومقتله


شهد جعفر بن أبي طالب غزوة مؤتة التي دارت رحاها في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة بين المسلمين والروم، وقد أمَّره الرسولُ محمدٌ على جيش المسلمين في حال أصيب قائدهم الأول زيد بن حارثة، إذ قال: «إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس». فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج، وهم ثلاثة آلاف، فلما حضر خروجهم ودَّع الناسُ أمراءَ الرسول وسلموا عليهم

ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام، فبلغ الناسَ أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء، في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلي، مائة ألف منهم. فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا: «نكتب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له». فشجع عبدُ الله بن رواحة الناس وقال: «يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة»، فقال الناس: «قد والله صدق ابن رواحة»، فمضى الناس.

مضى المسلمون، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب، بقرية من قرى البلقاء يقال لها "مشارف"، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبأ لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له عباية بن مالك (ويقال عبادة بن مالك). ثم التقى الناس واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية الرسولِ حتى شاط في رماح القوم، أي سال دمه فمات.

ثم أخذ جعفر الراية فقاتل بها، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء (أي رمى بنفسه عنها)، فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قُتل، فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام، ومعنى عقرها: أي ضرب قوائمها وهي قائمة بالسيف، وذلك مخافة أن يأخذها العدوُّ فيقاتلَ عليها المسلمين، قال السهيلي: «لم يعب ذلك عليه أحد، فدل على جوازه إذا خيف أن يأخذها العدو فيقاتل عليها المسلمين، فلم يدخل هذا في باب النهي عن تعذيب البهائم وقتلها عبثاً، غير أن أبا داود قال: ليس هذا الحديث بالقوي. وقد جاء فيه نهيٌ كثيرٌ عن الصحابة...».

وقد رُوي عن عبد الله بن الزبير، وكان في غزوة مؤتة أنه قال: والله لكأني أَنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء، ثم عقرها ثم قاتل حتى قُتل وهو يقول:

يا حبـذا الجنةَ واقترابَها طيبةً وبارداً شرابُـها
والروم روم قد دنا عذابُها كافرة بعيدة أنسابُها
عَــلَــيَّ إذا لاقـيـتـهـا ضـرابُـهـا

ورُوي أن جعفر بن أبي طالب قد أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وقيل كان عمره إحدى وأربعين سنة، وقيل غير ذلك. ويؤمن المسلمون أن الله تعالى قد أثابه بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء، فقد قال الرسولُ محمدٌ: «أبدله الله جناحين يطير بهما في الجنة». ويُقال إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه بنصفين. ولما قُتل جعفر وُجد به بضع وسبعون جراحة ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، كلها فيما أقبل من بدنه، وقيل: بضع وخمسون، والأول أصح. وقال عبد الله بن رواحة: «كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعاً وتسعين من ضربة ورمية». ورُوي عن ابن عمر أنه وقف على جعفر بن أبي طالب يومئذ وهو قتيل فعد به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره.

وقال ابن إسحاق: «فلما أصيب القومُ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما بلغني: «أخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر، فقاتل بها حتى قتل شهيداً»، ثم صمت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة ما يكرهون، ثم قال: «أخذها عبد الله بن رواحة، فقاتل بها حتى قتل شهيداً»، ثم قال: «لقد رفعوا في الجنة على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد، ثم مضى»».

ورُوي أنه لما التقى الناس بمؤتة جلس الرسول محمد على المنبر «وكُشف له ما بينه وبين الشام، وهو ينظر إلى معتركهم»، فقال: «أخذ الراية زيد بن حارثة، فجاءه الشيطَان فحبّب إليه الحياة وكرّه إليه الموت وحبّب إليه الدّنيا، فقال: «الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين يُحَبّب إليّ الدّنيا»، فمضى قُدُمًا حتى استشهد»، فصلى عليه النبي محمد وقال: «استغفروا له، وقد دخل الجنة وهو يسعى»، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، فجاءه الشيطان فمنّاه الحياة وكرّه إليه الموت ومنّاه الدّنيا، فقال: «الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنّيني الدّنيا»، ثم مضى قُدُمًا حتى استشهد، فصلى عليه الرسول محمد ودعا له، ثم قال الرسول محمد: «استغفروا لأخيكم فإنه شهيد، دخل الجنة فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنة»، ثم أخذ الراية بعده عبد الله بن رواحة، فاستشهد، ثم دخل الجنة معترضًا، فشق ذلك على الأنصار، فقيل: «يا رسول الله ما اعتراضه؟»، قال: «لما أصابته الجراحُ نَكَلَ فعاتب نفسَه فشَجُعَ، فاستشهد فدخل الجنة»، فَسُرِّيَ عن قومه.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:37 PM
حزن المسلمين على مقتل جعفر

رُوي عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب عن جدتها أسماء بنت عميس (زوجة جعفر) أنها قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد دبغت أربعين مناً، وعجنت عجيني، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم، فقال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ائتيني ببني جعفر»، فأتيته بهم، فتشممهم وذرفت عيناه، فقلت: «يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟»، قال: «نعم، أصيبوا هذا اليوم»، فقمت أصيح، واجتمعت إلي النساء، وخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أهله، فقال: «لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم».

ويروى أنه لما أصيب جعفر، أرسل الرسولُ محمد إلى امرأته أن ابعثي إلي بني جعفر، فأتي بهم، فقال الرسول: «اللهم إن جعفراً قد قدِم إليك إلى أحسن الثواب، فاخلِفه في ذريته بخير ما خلّفت عبداً من عبادك الصالحين».

وعن عائشة أنها قالت: «لما أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحزن». وروي أن الرسولَ لما أتاه نعي جعفر، دخل على امرأته أسماء بنت عميس، فعزاها فيه، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: «واعماه»، فقال الرسولُ محمدٌ: «على مثل جعفر فلتبك البواكي». ودخله من ذلك هم شديد «حتى أتاه جبريل، فأخبره أن الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة».

شعر حسان بن ثابت في بكاء جعفر
قال حسان بن ثابت يبكي جعفر بن أبي طالب:

ولقد بكيت وعز مهلك جعفر حِب النبي على البرية كلها
ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي من للجلاد لدى العُقاب وظلها
بالبيض حين تُسل من أغمادها ضرباً وإنهال الرماح وعلها
بعد ابن فاطمة المبارك جعفر خير البرية كلها وأجلها
رزءاً وأكرمها جميعاً محتداً وأعزها متظلماً وأزلها
للحق حين ينوب غير تنحل كذباً، وأنداها يداً، وأقلها
فحشاً، وأكثرها إذا ما يجتدى فضلاً، وأبذلها ندى، وأبلها
بالعرف غير محمد لا مثله حي من احياء البرية كلها

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:37 PM
مقامه وقبره

توفي جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة، ودفن على أرض الأردن في بلدة المزار الجنوبي. ويقع مقامه في الأعمال الإدارية لبلدية مؤته والمزار في الأردن جنوب مدينة الكرك بنحو 10 كيلومترات، وعلى بُعد كيلو متر واحد إلى الشرق من الشارع العام المؤدي إلى بلدة المزار في حرم مسجد جعفر بن أبي طالب الكبير. وتاريخ الموقع يعود إلى عصر الأيوبيين والمماليك، حيث قاموا ببناء الضريح والقبة، ومن بعدهم العثمانيون الذين اهتموا بهذا المزار، فبنوا القباب وغطوا الأضرحة ببلاطات رخامية، وقد هُدم هذا المقام مرةً إمّا بفعل الزلازل أو عند احتلال الصليبيين لمنطقة الكرك.

وقد قام قسم الآثار الإسلامية في وزارة الأوقاف الأردنية بإجراء حفريات أثرية أسفرت عن اكتشافات مهمة، منها إبراز الواجهة الشمالية وإظهارها وبشكل كامل للموقع، وتـمّ العثور على بوابة تؤدي إلى ممر مبلط يصل إلى ساحة المسجد في منتصف الواجهة الشمالية، وكذلك تـمّ العثور على قبة تعلو أقواساً أربعة أحدها ظاهر والثلاثة الباقية منهدمة وأرضيتها مبلطة بالرخام، كما عثر على محراب المسجد الذي يبلغ ارتفاعه مترين تقريباً، وكذلك عثر على عدد من قطع العملة والأسرجة الفخارية والنقوش الأثرية. وإلى الجنوب من المشهد بما يقرب من 500 م يقع مسجد عبد اللّه بن رواحة في الموقع الذي توفي فيه، وكذلك قبر زيد بن حارثة. وفي خبر آخر أنه حمل للمدينة المنورة وقال الكرباسي إنه قول ضعيف لا يؤيده دليل

فضله ومكانته في الإسلام


كان جعفر بن أبي طالب أشبه الناس بالرسول محمد خَلقاً وخُلُقاً، فعن علي بن أبي طالب أن النبيَّ محمداً قال: «وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي، وأنت من عترتي التي أنا منها»، وبعدما قُتل حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد، اختصم علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة في ابنته أمامة بنت حمزة، فقال علي: «أنا أخذتها وهي ابنة عمي»، وقال جعفر: «ابنة عمي، وخالتها تحتي»، وقال زيد: «ابنة أخي»، فقضى بها النبيُّ محمدٌ لخالتها (أي لزوجة جعفر)، وقال: «الخالة بمنزلة الأم»، وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك»، وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي»، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا»، قال علي: «ألا تتزوج ابنة حمزة»، قال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة».

وعن أبي هريرة أنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة»». كما روي عن أبي هريرة أنه قال: «ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل من جعفر».
وقد كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويُحسن إليهم ويخدمهم، حتى سُمي أبا المساكين، فعن أبي هريرة أنه قال: «إن كنت لألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية وهي معي، كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا، فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها، فنلعق ما فيها». وقال أبو هريرة أيضاً: «كان جعفر يحبّ المساكين، ويجلس إليهم، ويخدمهم ويخدمونه، فكان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يُكنيه أبا المساكين».

كما كان لجعفر بن أبي طالب مكانة عظيمة في نفوس الصحابة، قال عبدُ الله بنُ جعفر: «كنت إذا سألت علياً شيئاً فمنعني، وقلت له: بحق جعفر، إلا أعطاني»، وقال: «كان عمر بن الخطاب إذا رأى عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين».

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:38 PM
زوجته وذريته

زوجته

لم يتزوج جعفر إلا أسماء بنت عميس، أسلمت قديماً، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له بالحبشة عبد الله، وعوناً، ومحمداً، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قُتل عنها جعفر بن أبي طالب تزوجها أبو بكر الصديق، فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب، فولدت له يحيى وعون ومسلمة

أبناؤه

حميد بن جعفر بن أبي طالب،
ولد بعد عام 12 ق.هـ في مكة على الظاهر، لكنه درج ولم يعقب.

حمزة بن جعفر بن أبي طالب،
ولد حمزة عام 10 ق.هـ في مكة على الظاهر، لكنه هو الآخر درج.

عبد الله الأكبر بن جعفر بن أبي طالب،
ولد عام 1 هـ بالحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه المدينة.

محمد الأكبر بن جعفر بن أبي طالب،
ولد عام 2 هـ بالحبشة، واستشهد في صفين عام 37 هـ.

عون بن جعفر بن أبي طالب ،
ولد عام 3 هـ بالحبشة، قُتل في واقعة الطف، وقيل قُتل بتستر، ولا عقب له.

محمد الأصغر بن جعفر بن أبي طالب،
ولد عام 4 هـ في الحبشة، وقتل بكربلاء عام 61 هـ وله 56 سنة.

عبد الله الأوسط بن جعفر بن أبي طالب،
ولد عام 5 هـ في الحبشة، إلا أنه درج ولم يعقب.

عبد الله الأصغر بن جعفر بن أبي طالب.
ولد عام 6 هـ في الحبشة، إلا أنه الآخر درج.

الحسين بن جعفر بن أبي طالب،
ولد 8 هـ، ليس له عقب، وقد درج، والظاهر أنه ولد بعد الهجرة إلى المدينة.

أحمد بن جعفر بن أبي طالب، له مزار في العراق.

نعمى بنت جعفر بن أبي طالب، عن أسماء بنت عُمَيْس أن النبيّ قال لنعمى بنت جعفر بن أبي طالب: «مَا لِي أَرَى أَجْسَادَ بَنِي جَعْفَرٍ أَنْضَاءَ؟ أَبِهِمْ حَاجَةٌ؟ قالت: لا، ولكنهم تسرع إليهم العين، أفأرقيهم؟ قالت: فعرضتُ عليه كلامًا لا بأس به، فقال: ارْقِيهِمْ».

أم القاسم بنت جعفر بن أبي طالب،

ذكرها البَغَوِيُّ بسنده إلى أم النعمان بنت مجمِّع بن يزيد الأنصارية، قالت: أخبرني مجمع بن يزيد، قال: لما تأيَّمتْ أم القاسم بنت ذي الجناحين من حمزة دعت أبا بكر بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وعبد الرحمن، ومجمع ابني يزيد ــ رجلين من قريش ــ ورجلين من الأنصار، فقالت لهم: «إني قد تأيمت كما ترون، وإني مشفقة من الأولياء أن ينكحوني من لا أريد نكاحه، إني أشهدكم أني من أنكحتُ من الناس بغير إذني فإني عليه حرام، ولستُ له بامرأة»، فقال لها عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ومجمع: «لو فعلوا ذلك لم يجر عليك، قد كانت الخنساء بنت خدام أنكحها أبوها ولم تأذن، فجاءت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فردَّ نكاح أبيها، وكانت ثيبًا فيما بلغنا».
وقال ابن حجر العسقلاني: «هكذا وجدته في ترجمة مجمع بن يزيد من معجم البّغوي، ولم ينسب حمزة، وأنا أخشى أن فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر كانت تُكْنَى أم القاسم؛ وإنما نُسبت في هذا الخبر إلى جدها الأعلى جعفر بن أبي طالب، ومستند هذا الظن أن الزبير بن بكار - وهو المقدم في معرفة أنساب قريش - لم يذكر في أولاد جعفر بن أبي طالب بنتًا يقال لها أم القاسم، وذكر في أولاد عبد الله بن جعفر فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر، وأنها كانت تحت حمزة بن عبد الله بن جعفر، وكان معاوية خطب أم كلثوم هذه لابنه يزيد، فجعلت أمرها للحسين بن علي، فزوجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر، فولدت له فاطمة، فزوجها حمزة بن عبد الله بن الزبير في خلافة أبيه. قال الزُّبَيْرُ: ولفاطمة هذه عقب في ولد حمزة بن عبد الله، وفيمن ولدوا. انتهى. وقد كتبتها على الاحتمال، والعلم عند الله تعالى.».

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:44 PM
الشخصية الاسلامية السابعة والعشرون

https://k.top4top.io/p_1954ti5181.png
https://l.top4top.io/p_1954qig0g2.png

أبو عبد الله الأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف بن أسد المخزومي[2] صحابي من السابقين الأولين في الدخول إلى الإسلام، اتخذ الرسول ï·؛ من دار الأرقم مقرًا للدعوة بداية الدعوة إلى الإسلام. وقد هاجر الأرقم إلى يثرب، وشارك مع النبي محمد ï·؛ في غزواته كلها. توفي الأرقم بالمدينة المنورة في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وقد جاوز عمره الثمانين.

سيرته

أسلم الأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قديمًا، فكان من السابقين إلى الإسلام، فكان سابع سبعة أسلموا، وقيل الثاني عشر،وقيل بعد عشرة.
وأم الأرقم هي :

أميمة بنت الحارث بن حبالة الخزاعية،
وقيل اسمها:

تماضر بنت حذيم من بني سهم من قريش،

وقيل اسمها :

صفية بنت الحارث بن خالد الخزاعية.

كانت دار الأرقم بمكة التي كانت على جبل الصفا مقرًا لدعوة النبي محمد ï·؛ إلى الإسلام في بداية الدعوة إلى الإسلام. وقد هاجر الأرقم إلى يثرب، وآخى النبي محمد ï·؛ بينه وبين أبي طلحة زيد بن سهل. وشهد مع الرسول ï·؛الغزوات كلها، ومنحه النبي ï·؛ سيفًا من غنائم غزوة بدر.
كما أسند إليه النبي ï·؛ أمر الصدقات.

توفي الأرقم بن أبي الأرقم بالمدينة المنورة سنة 55 هـ، وعمره بضعًا وثمانين سنة وقيل مات سنة 53 هـ، وعمره 83 سنة، (وبذلك يستنتج إنه ولد في عقد السنوات 30 - 40 قبل الهجرة تقريبا)، وصلّى عليه سعد بن أبي وقاص بحسب وصية الأرقم.

وكان للأرقم

من الولد عبيد الله وعثمان وصفية أمهاتهم أمهات ولد،

وأمية ومريم أمهما

هند بنت عبد الله بن الحارث من أسد بن خزيمة.

وللأرقم رواية للحديث النبوي أوردها أحمد بن حنبل في مسنده.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:47 PM
الشخصية الاسلامية الثامنة والعشرون


https://d.top4top.io/p_1955sq9i41.jpg

https://i.top4top.io/p_1955ion6t1.jpg

مقدمة

الفارس الحكيم عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه من آخر الأنصار إسلام، وكان يعبد صنمًا، فدخل ابن رواحة، ومحمد بن مسلمة بيته فكسرا صنمه، فرجع فجعل يجمع الصنم، ويقول: ويحك! هلا امتنعت!

ألا دفعت عن نفسك، فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد، دفع عن نفسه ونفعها!..

فقال أبو الدرداء:

أعدي لي ماء في المغتسل، فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إليه ابن رواحه مقبلاً، فقال: يا رسول الله، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا؟ فقال: (إنما جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم)

منزلته وفضله

أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه له المكانة العالية والمنزلة المرموقة بين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عنه الرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "نعم الفارس عويمر" وقال عنه أيضًا: "هو حكيم أمتي"

وقد كان رضي الله عنه أحد أربعة جمعوا القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:47 PM
أثر الرسول في تربيته

كان للنبي صلى الله عليه وسلم الأثر الأكير في تربية أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، وقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يوصيه كثيرًا بما يجلب عليه الخير في الدنيا والآخره، ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء قال: أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى وبأن لا أنام حتى أوتر.
وروي أن عمر بن الخطاب دخل على أبي الدرداء فدفع الباب فإذا ليس فيه غلق،فدخل في بيت مظلم فجعل يلمسه حتى وقع عليه فجس وسادة فإذا هي برذعة وجس دثاره فإذا كساء رقيق. قال عمر! ألم أوسع عليك؟! ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء أتذكر حديثا حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أي حديث؟ قال ( ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ) قال نعم! قال فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا

وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عويمر ازدد عقلا تزدد من ربك قربا، قال: قلت: بأبي أنت وأمي وكيف لي بذلك فقال: اجتنب محارم الله تعالى، وأد فرائض الله سبحانه تكن عاقلا واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعة وكرامة وتنل في آجل العقبى بها من ربك عز وجل القرب والعز

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه:

عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا و لضحكمتم قليلا و لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز و جل لا تدرون تنجون أو لا تنجون.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:48 PM
من ملامح شخصيته رضي الله عنه

الزهد في الدنيا
قال أبو الدرداء:

ما يسرني أن أقوم على الدرج من باب المسجد فأبيع وأشتري فأصيب كل يوم ثلاثمائة دينار أشهد الصلاة كلها في المسجد ما أقول إن الله عز وجل لم يحل البيع ويحرم الربا ولكن أحب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
وعن محمد بن كعب أن ناسا نزلوا على أبي الدرداء ليلة قرة (شديدة البرودة)
فأرسل إليهم بطعام سخن ولم يرسل إليهم بلحف، فقال بعضهم لقد أرسل إلينا بالطعام فما هنأنا مع القر لا أنتهي أو أبين له، قال الآخر: دعه، فأبى، فجاء حتى وقف على الباب رآه جالسا وامرأته ليس عليها من الثياب إلا مالا يذكر فرجع الرجل وقال ما أراك بت إلا بنحو ما بتنا به، قال: إن لنا دارا ننتقل إليها قدمنا فرشنا ولحفنا إليها، ولو ألفيت عندنا منه شيئا لأرسلنا إليك به، وإن بين أيدينا عقبة كؤودا المخف فيها خير من المثقل، أفهمت ما أقول لك قال: نعم.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:49 PM
علمه

قال الذهبي:

قد ولي أبو الدرداء قضاء دمشق وكان من العلماء الحلماء الألباء

وقال أبو حاتم الرازي:

عن عبد الله بن سعيد قال رأيت أبا الدرداء دخل المسجد (مسجد النبي صلى الله عليه وسلم) ومعه من الاتباع مثل ما يكون مع السلطان بين سائل عن فريضة وبين سائل عن حساب وبين سائل عن شعر وبين سائل عن حديث وبين سائل عن معضلة.

وجاء في البخاري عن أبي الدرداء قوله:

(من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ*

وعن يزيد بن عميرة قال لما حضرت معاذ بن جبل الوفاة قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا فقال: التمسوا العلم عند عويمر (أبي الدرداء) فإنه من الذين أوتوا العلم

وقال الذهبي:

كان يقال هو حكيم هذه الأمة حفظ القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عالم أهل الشام ومقريء أهل دمشق وفقيههم وقاضيهم روى جملة أحاديث
وقال أيضًا:

قال سويد بن عبدالعزيز كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه فكان يجعلهم عشرة عشرة وعلى كل عشرة عريفا ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:50 PM
حاله مع ربه

عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه أنه كان يقوم من جوف الليل فيقول: نامَتِ العُيُونُ وَغارَتِ النُّجُومُ وأنْتَ حَيٌّ قَيُوم

وعن أم الدرداء: كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا قال: فإني صائم يومي هذا.

وعن أبي الدرداء قال لأن أقول: الله أكبر مائة مرة أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار.

وعن مالك عن عون قال: سألنا أم الدرداء قلنا: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء قالت التفكر والاعتبار.

خوفه وخشيته

عن أبي الدرداء قال: أخوف ما أخاف أن يقال لي يوم القيامة: أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت علمت لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أخذت بفريضتها الآمرة هل أئتمرت والزاجرة هل ازدجرت فأعوذ بالله من علم لا ينفع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع

قال أبو الدرداء أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث أضحكني مؤمل دنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك بملء فيه ولا يدري أرضى الله أم أسخطه وأبكاني فراق الأحبة محمد وحزبه وهول المطلع عند غمرات الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل يوم تبدو السريرة علانية ثم لا أدري إلى الجنة أم إلى النار.

وقال أبو الدرداء:

لو تعلمون ما أعلم لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أنفسكم ولتركتم أموالكم لا حارس لها ولا راجع إليها إلا ما لا بد لكم منه ولكن يغيب عن قلوبكم ذكر الآخرة وحضرها الأمل فصارت الدنيا أملك بأعمالكم وصرتم كالذين لا يعلمون فبعضكم شر من البهائم التي لا تدع هواها مخافة مما فيه عاقبته لكم لاتحابون ولا تناصحون وأنتم إخوان على دين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على البر لتحاببتم ما لكم تناصحون في أمر الدنيا لا يملك أحدكم النصيحة لمن يحبه ويعينه على أمر آخرته ما هذا إلا من قلة الإيمان في قلوبكم لو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها كما توقنون بالدنيا لآثرتم طلب الآخرة لأنها أملك بأموركم فإن قلتم حب العاجلة غالب؟ فإنا نراكم تدعون العاجل من الدنيا للآجل منها تكدون أنفسكم بالمشقة والاحتراق في أمر لعلكم لا تدركونه فبئس القوم أنتم ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فيكم فإن كنتم في شك مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فائتونا فلنبين لكم ولنريكم من النور ما تطمئن إليه قلوبكم والله ما أنتم بالمنقوصة عقولكم فنعذركم إنكم لتبينون صواب الرأي في دنياكم وتأخذون بالحزم في أمركم ما لكم تفرحون باليسير من الدنيا تصيبونه وتحزنون على اليسير منها يفوتكم حتى يتبين ذلك في وجوهكم ويظهر على ألسنتكم وتسمونها المصائب وتقيمون فيها المآتم وعامتكم قد تركوا كثيرا من دينهم بما لا يتبين ذلك في وجوهكم ولا يتغير حال بكم، إني لأرى الله قد تبرأ منكم بلقاء بعضكم بعضا بالسرور فكلكم يكره أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله فأصبحتم على الغل ونبتت مراعيكم على الدمن وتصافيتم على رفض الأجل لوددت أن الله أراحني منكم وألحقني بما أحب رؤيته لو كان حيا لم يصابركم فإن كان فيكم خير فقد أسمعتكم وإن تطلبوا ما عند الله تجدوه يسيرا والله أستعين على نفسي وعليكم

كان أبو الدرداء يقول:

(اللهم أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة.)

قال أبو الدرداء رضي الله عنه لبعير له عند الموت:

(أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أك أحملك فوق طاقتك.)

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:51 PM
يقينه وثقته بالله

جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال يا أبا الدرداء احترق بيتك فقال ما احترق بيتي ثم جاء آخر فقال يا أبا الدرداء احترق بيتك فقال ما احترق بيتي ثم جاء آخر فقال يا أبا الدرداء أتبعت النار فلما انتهت إلى بيتك طفيت فقال قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل فقال رجل يا أبا الدرداء ما ندري أي كلامك أعجب قولك ما احترق أو قولك قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل قال ذاك لكلمات سمعتهن من رسول الله من قالهن حين يصبح لم تصبه مصيبة حتى يمسي ومن قالهن حين يمسي لم تصبه مصيبة حتى يصبح اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش الكريم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم

وعن يحيى بن سعيد قال استعمل أبو الدرداء على القضاء فأصبح يهنئونه فقال: (أتهنئوني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواة مزلتها أبعد من عدن أبين، ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبة عنه وكراهية له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصا عليه.)

حرصه على الأخوة في الله

كان أبو الدرداء يقول: أعوذ بالله أن يأتي علي يوم لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة، كان إذا لقيني مقبلا ضرب بين ثديي وإذا لقيني مدبرا ضرب بين كتفي ثم يقول: يا عويمر اجلس فلنؤمن ساعة. فنجلس فنذكر الله ما شاء ثم يقول: يا عويمر هذه مجالس الإيمان. وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: معاتبة الأخ خير لك من فقده ومن لك بأخيك كله...أعط أخاك ولِن له ولا تطع فيه حاسدا فتكون مثله، غدا يأتيك الموت فيكفيك فقده وكيف تبكيه بعد الموت وفي الحياة تركت وصله...

وقد نظر أبو الدرداء إلى ثورين يحرثان في فدان فوقف أحدهما يحك جسمه فوقف الآخر، فبكى أبو الدرداء وقال: هكذا الإخوان في الله يعملان لله فإذا وقف أحدهما وافقه الآخر

وبالموافقة يتم الإخلاص ومن لم يكن مخلصا في إخائه فهو منافق...

ولما قيل لأبي الدرداء ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا؟ قال: إنما أبغض عمله وإلا فهو أخي و أخوة الدين أوكد من أخوة القرابة...

وكان أبو الدرداء يقول إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي أسميهم بأسمائهم

عن أم الدرداء قالت:

(كان لأبى الدرداء ستون وثلاث مائة خليل في الله، يدعو لهم في الصلاة: فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكّل الله به ملكين يقولان: ولك بمثل أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة)

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:51 PM
دعوته حتى في مرض موته:

عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال أتيت أبا الدرداء رضي الله عنه في مرضه الذي قبض فيه فقال يا ابن أخي ما علمت إلى هذه البلدة أو ما جاء بك قال قلت لا إلا صلة ما كان بينك وبين والدي عبد الله بن سلام فقال: بئس ساعة الكذب هذه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام فصلى ركعتين أو أربعا يشك سهل يحسن فيهن الركوع والخشوع ثم يستغفر الله غفر له.

وعن رجل من النخع قال سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه حين حضرته الوفاة قال: أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك واعدد نفسك في الموتى وإياك ودعوة المظلوم فإنها تستجاب ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبوا فليفعل

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا فرطكم على الحوض فلا ألفين ما نوزعت في أحدكم فأقول: هذا مني فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك ". فقلت: يا رسول الله ادع الله ألا تجعلني منهم. قال: " لست منهم "

عن أبي الدرداء قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أمشي أمام أبي بكر فقال أتمشي أمام أبي بكر ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر


من مواقفه مع الصحابة

موقفه مع سيدنا سلمان:

روي أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان رضي الله عنهما يخطب له امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك فتزوجها ثم خرج فقال إنه قد كان شيء وإني أستحي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره أبو الدرداء بالخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحي منك أن أخطبها وكان الله تعالى قد قضاها لك

وروى البخاري بسنده عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم "صدق سلمان"

وعن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الإنسان عمله وقد بلغني أنك جعلت طبيبا فان كنت تبرىء فنعمالك وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين فأدبرا عنه نظر إليهما وقال متطبب والله ارجعا إلي أعيدا قصتكما.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:52 PM
موقفه مع أبي بن كعب

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على المنبر فخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أبي بن كعب فقلت له يا أبي ومتى أنزلت هذه الآية قال فأبى أن يكلمني ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبي: ما لك من جمعتك إلا ما لغيت فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقلت أي رسول الله إنك تلوت آية وإلى جنبي أبي بن كعب فقلت له متى أنزلت هذه الآية فأبى أن يكلمني حتى إذا نزلت زعم أبي أنه ليس لي من جمعتي إلا ما لغيت فقال صدق أبي إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ.

من مواقفه مع التابعين

روى البخاري بسنده عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقُلْتُ إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَيَسَّرَكَ لِي قَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ وَفِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ.

موقفه مع أهل الشام

وعن الضحاك قال قال أبو الدرداء يا أهل دمشق أنتم الإخوان في الدين والجيران في الدار والأنصار على الأعداء ما يمنعكم من مودتي وإنما مؤنتي على غيركم ما لي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم به وتركتم ما أمرتم به ألا إن قوما بنوا شديدا وجمعوا كثيرا وأملوا بعيدا فأصبح بنيانهم قبورا وأملهم غرورا وجمعهم بورا ألا فتعلموا وعلّموا فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء ولا خير في الناس بعدهما

موقفه مع يزيد بن معاوية

وعن جابر قال خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنة أم الدرداء فقال رجل من جلساء يزيد أصلحك الله تأذن لي أن أتزوجها قال أعزب ويلك قال فأذن لي أصلحك الله فأذن له فأنكحها أبو الدرداء الرجل قال فسار ذلك في الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فرده وخطب إليه رجل من ضعفاء المسلمين فأنكحه قال فقال أبو الدرداء إني نظرت للدرداء فما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها أين دينها منها يومئذ

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:52 PM
موقفه يوم فتح قبرص

وعن جبير بن نفير قال لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله قال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره

موقفه مع جاريته

قالت جارية لأبي الدرداء إني سمَمْتُك منذ سنة فما عمل فيك شيئا فقال لم فعلت ذلك فقالت أردت الراحة منك فقال اذهبي فأنت حرة لوجه الله

موقفه مع ابنه

كتب معاوية إلى أبي الدرداء اكتب لي فسّاق دمشق قال: ما لي ولفساق دمشق ومن أين أعرفهم فقال ابنه بلال: أنا أكتبهم فكتبهم، قال من أين علمت، ما عرفت أنهم فساق إلا وأنت منهم، ابدأ بنفسك، ولم يرسل بأسمائهم.

أثره في الأخرين (دعوته وتعليمه)

روي أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان يا أخي اغتنم صحتك وفراغك قبل أن ينزل بك من البلاء مالا يستطيع العباد رده واغتنم دعوة المبتلى يا أخي ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المساجد بيت كل تقي وقد ضمن الله عز وجل لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله عز وجل ويا أخي ارحم اليتيم وأدنه وأطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأتاه رجل يشتكي قساوة قلبه فقال رسول الله أتحب أن يلين قلبك فقال نعم قال أدن اليتيم منك وامسح رأسه وأطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك يا أخي لا تجمع ما لا تستطيع شكره فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يجاء بصاحب الدنيا يوم القيامة الذي أطاع الله عز وجل فيها وهو بين يدي ماله وماله خلفه وكلما تكفأ به الصراط قال له صاحبه امض فقد أديت الحق الذي كان عليك قال ويجاء بالذي لم يطع الله عز وجل فيه وماله بين كتفيه فيعثره ماله ويقول له ويلك هلا عملت بطاعة الله عز وجل فلا يزال كذلك حتى يدعو بالويل ويا أخي لا تغترن بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا عشنا بعده دهرا طويلا والله أعلم بالذي أصبنا بعده

وعن عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال بلغني أن أبا الدرداء كتب إلى أخ له أما بعد فلست في شيء من أمر الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك وهو صائر له أهل بعدك وليس لك منه إلا ما قدمت لنفسك فآثرها على المصلح من ولدك فإنك تقدم على من لا يعذرك وتجمع لمن لا يحمدك وإنما تجمع لواحد من اثنين إما عامل فيه بطاعة الله عز وجل فيسعد بما شقيت وإما عامل فيه بمعصية الله عز وجل فيشقى بما جمعت له وليس والله واحد منهما بأهل أن تبرد له على ظهرك وأن تؤثره على نفسك ارج لمن مضى منهم رحمة الله وثق لمن بقي منهم برزق الله عز وجل والسلام

وعن أبي الدرداء أنه كان إذا نزل به الضيف قال: أمقيم فنسرح أم ظاعن فنعلف؟ فإن قال ظاعن قال: لا أجد شيئا خيرا من شيء أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ جاء ناس من الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر يجاهدون ولا نجاهد ويحجون ويفعلون ولا نفعل. فقال: ألا أدلكم على ما إذا أخذتم به أدركتم أو جئتم بأفضل مما يأتون به؟ تكبرون الله أربعا وثلاثين وتسبحون الله ثلاثا وثلاثين وتحمدون الله ثلاثا وثلاثين في دبر كل صلاة.

وأبصر أبو الدرداء رجلا في جنازة وهو يقول: جنازة من هذا؟ فقال أبوالدرداء: هذا أنت هذا أنت، يقول الله تعالى: "إنك ميت وإنهم ميتون".

وعن أبي السفر قال: دفع رجل من قريش رجلا من الأنصار فاندقت ثنيته فرفعه الأنصاري إلى معاوية فلما ألح عليه الرجل قال معاوية: شأنك وصاحبك! قال وأبو الدرداء عند معاوية فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة" فقال له الأنصاري: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي! فخلّى سبيل القرشي فقال معاوية: مُروا له بمال.

وعن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال قال لي أبو الدرداء أين مسكنك قلت بقرية دون حمص قال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية"

وعن أبي قلابة أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه فقال أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه قالوا بلى قال فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله عز وجل الذي عافاكم قالوا أفلا تبغضه قال إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي

ويروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قام على درج مسجد دمشق فقال يا أهل دمشق ألا تسمعون من أخ لكم ناصح إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بعيدا فأصبح جمعهم بورا وبنيانهم قبورا وأملهم غرورا هذه عاد قد ملأت البلاد أهلا ومالا وخيلا ورجالا فمن يشتري مني اليوم تركتهم بدرهمين


وقيل كان في حلقة إقراء أبي الدرداء أزيد من ألف رجل ولكل عشرة منهم مُلِقِنٌ وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء يعني يعرض عليه

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:53 PM
بعض ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم

روى مسلم بسنده عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ

وروى مسلم بسنده أيضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ قَالُوا وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ قَالَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ

وروى الترمذي بسنده عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ

وروى الترمذي بسنده أيضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ

من كلماته رضي الله عنه

كان أبو الدرداء رضي الله عنه حكيمًا وأي حكيم، نقتطف زهراتٍ من بستان حكمته...

يقول رضي الله عنه:

لو أن رجلا هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت

ويقول:

من كثر كلامه كثر كذبه ومن كثر حلفه كثر إثمه ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه

وقال:
من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه ومن لم يكن غنيا عن الدنيا فلا دنيا له

وعن أنس عن أبي الدرداء قال أغد عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تك الرابع فتهلك قلت للحسن ما الرابع قال المبتدع

وعن حبيب بن عبيد أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال له أوصني فقال له اذكر الله عز وجل في السراء يذكرك في الضراء فإذا أشرفت على شيء من الدنيا فانظر إلى ماذا يصير

عن أبي الدرداء أنه قال ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر والإخلاص للتوكل والإستسلام للرب عز وجل

وعن معاوية بن صالح عن أبي الدرداء قال إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله فإن كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء وإن كان هواه تبعا لعمله فيومه يوم صالح

وقيل لأبي الدرداء: مالك لا تقول الشعر. وكل لبيب من الأنصار قال الشعر، فقال: وأنا قد قلت شعرا فقيل وما هو فقال:

يريد المرء أن يؤتى مناه... ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي... وتقوى الله أفضل ما استفادا

وقال رضي الله عنه:

ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك وأن تنادي الناس في عبادة الله فإذا أحسنت حمدت الله وإذا أسأت استغفرت الله

وقال أيضًا:

لا تتبع بصرك كل ما ترى في الناس فإنه من يتبع بصره كل ما يرى في الناس يطل حزنه ولا يشفى غيظه ومن لا يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه أو في مشربه فقد قل عمله وحضر عذابه ومن لم يكن غنيا في الدنيا فلا دنيا له

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:53 PM
ومن أقواله:

إني لآمركم بالأمر وما أفعله ولكني أرجو فيه الأجر وإن أبغض الناس إلي أن أظلمه من لا يستعين علي إلا بالله


وكتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري: أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله فإذا أحبه الله حببه إلى خلقه وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله فإذا أبغضه الله بغضه إلى خلقه

وقال رضي الله عنه:
أُحبُّ الموت اشتياقا إلى ربي عز وجل، وأحب الفقر تواضعا لربي عز وجل وأحب المرض تكفيرا لخطيئتي

وقال:

استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق؟ قال أن يرى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.

وعن يحيى بن سعيد قال قال أبو الدرداء أدركت الناس ورقا لا شوك فيه فأصبحوا شوكا لا ورقة فيه إن نقدتهم نقدوك وإن تركتهم لا يتركوك قالوا فكيف نصنع قال تقرضهم من عرضك ليوم فقرك.

وكان رضي الله عنه يقول اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب، قيل: وما تفرقة القلب؟ قال أن يوضع لي في كل واد مال...

وقال رضي الله عنه: إن العبد ليخلوا بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر

ومن أقواله أيضًا:

صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير


وقال:

من أكثر ذكر الموت قل فرحه وقل حسده

ومن حكمه رضي الله عنه قوله:

تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما حجابا بينه وبين الحرام

ومن أقواله أيضًا:

من أتي فراشه وهو ينوي أن يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح كتب له ما نوى

وقال رضي الله عنه:

إن الله إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به.


موقف الوفاة

عن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى فدخل عليه أصحابه فقالوا ما تشتكي قال أشتكي ذنوبي قالوا فما تشتهي قال أشتهي الجنة قالوا أفلا ندعو لك طبيبا قال هو الذي أضجعني

وعن لقمان بن عامر عن أم الدرداء أنها قالت اللهم إن أبا الدرداء خطبني فتزوجني في الدنيا اللهم فأنا أخطبه إليك فأسألك أن تزوجنيه في الجنة فقال لها أبو الدرداء فإن أردت ذلك وكنت أنا الأول فلا تزوجي بعدي قال فمات أبو الدرداء وكان لها جمال وحسن فخطبها معاوية فقالت: لا والله لا أتزوج زوجا في الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله عز وجل في الجنة...

وعن أم الدرداء أن أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول من يعمل لمثل يومي هذا من يعمل لمثل ساعتي هذه من يعمل لمثل مضجعي هذا ثم يقول ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة

ودعا ابنه بلالًا فقال له: ويحك يا بلال! اعمل للساعة اعمل لمثل مصرع أبيك واذكر به مصرعك وساعتك فكأن قد ثم قبض، ولما نزل الموت بأبي الدرداء بكي فقالت له أم الدرداء: وأنت تبكي يا صاحب رسول الله قال: نعم وما لي لا أبكي ولا أدري علام أهجم من ذنوبي

وقال شميط بن عجلان:

لما نزل بأبي الدرداء الموت جزع جزعا شديدا فقالت له أم الدرداء: ألم تك تخبرنا أنك تحب الموت قال: بلى وعزة ربي ولكن نفسي لما استيقنت الموت كرهته ثم بكى وقال: هذه آخر ساعاتي من الدنيا لقنوني " لا إله إلا الله " فلم يزل يرددها حتى مات

مات أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه سنة اثنتين وثلاثين بدمشق. وقيل: سنة إحدى وثلاثين .

من مراجع البحث

الطبقات الكبرى.......... ابن سعد
المستـــدرك.......... الحاكم النيسابوري
صفة الصـفوة........... ابن الجوزي
حلية الأوليـاء........... أبو نعيم الأصفهاني
إحياء علوم الدين......... الإمام الغزالي
أسد الغابة............... ابن الأثير

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:56 PM
الشخصية الاسلامية التاسعة والعشرون

https://h.top4top.io/p_195631xq31.png

https://f.top4top.io/p_1956bfrl72.png

الصحابى الجليل مصعب بن عمير والمعروف باول سفير فى الاسلام وكان من اهم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وفى هذا المقال سنتعرف اكثر على حياته ونشأته ودوره فى نشر الاسلام

نشأته وحياته

وُلد مصعب بن عمير لفرع بن عبد الدّار من قبيلة قريش. ولا يعرف عام ميلاده الدقيق ، حيث يعتقد أنه ولد في وقت ما بين 594 و 598 م

كان والديه أثرياء فعندما كان شابا ، سُمح له بحضور اجتماعات شيوخ قريش

تحوله إلى الإسلام

كان المسلمون الأوائل يلتقون النبي محمد في بيت الأرقم الذي كان بمثابة مركز التعليم الإسلامي. فقد ذهب مصعب إلى هذا البيت لمعرفة المزيد عن الإسلام. ونتيجة لسماع قراءة القرآن ووعظ محمد أعجبه الدين الإسلامي وقرر اتباعه

في البداية احتفظ مصعب بإيمانه سراً ، لأنه كان يخشى من رد فعل والدته. لكن في أحد الأيام رآه أحد معارضي قريش لمحمد ، عثمان بن طلحة ، وهو يدخل بيت الأرقم وينضم إلى صلاة المسلمين. وقد انتشر خبر إسلامه ووصل في النهاية إلى والدته ، التي قيدته في منزله بقصد جعله يتراجع. ورغم ذلك لم يتخلى مصعب عن دينه. ونصحه محمد بالانضمام إلى الصحابة الذين كانوا يهاجرون إلى الحبشة كي لا يتعرض للمضايقة مرة أخرى.

عطر الزنبق
06-14-2021, 10:57 PM
السفير الأول للإسلام

تم تعيين مصعب بن عمير كأول سفير للإسلام وتم إرساله إلى يثرب (المدينة المنورة) لإعداد المدينة للهجرة القادمة بعد التعهد الأول مع الأنصار. كما ساعده رجل من المدينة المنورة يدعى سعد بن زوراء. بعد أن بشروا الإسلام ، نحولالعديد من سكان المدينة لدين الحق ، بما في ذلك رجال بارزين مثل سعد بن معاذ وعسيد بن هدير وسعد بن عبادة. كان يعرف المتحولين في مدينة مدريد باسم (“المساعدين”).

معركة بدر

شارك في معركة بدر وفد شملت قوات محمد ، حمزة ، مصعب بن عمير ، الزبير بن العوام ، عمار بن ياسر ، وأبو ذر الغفاري. جلب المسلمون أيضًا سبعين جملاً واثنين من الخيول ، أي أنهم إما اضطروا إلى المشي أو احتواء ثلاثة إلى أربعة رجال لكل جمل.

انضم العديد من نبلاء قريش، ومنهم عمرو بن هشام ووليد بن عتبة وشعيبة وأماية بن خلف ، إلى الجيش المكي. وقد كانت أسبابهم متنوعة البعض خرج لحماية مصالحهم المالية في القافلة. آخرون أرادوا الثأر لابن الحضرمي ، الحارس الذي قتل في نخلة.

معركة أحد

في معركة أحد في عام 625 م ، عين محمد مصعب بن عمير لحمل العلم الإسلامي. خلال المعركة ، حيث خرج بعض المسلمين عن أوامر رسول الله وتركوا مواقعهم في ساحة المعركة ، مما أعطى القوات المعادية فرصة لمهاجمة محمد نفسه. عند تحقيق هذا الخطر ، رفع مصعب ، الذي كان له نفس الموقف ولوح لمحمد ، بالعلم وصاح التكبير (“الله أكبر!”) ، بقصد تحويل انتباه الأعداء نحو نفسه والسماح لمحمد بالهروب دون أن يصاب بأذى.

تم الاعتداء على مصعب ، وقطعت يده اليمنى حاملاً العلم ، لكنه استمر في تكرار الكلمات القرآنية ، وأخذ العلم في يده اليسرى. عندما قطعت يده اليسرى أمسك بها بذراعيه ولكن لم يدع العلم يسقط. ” وفي النهاية تم ضرب مصعب برمح رمى به ابن كاميه ومات.

عطر الزنبق
06-14-2021, 11:00 PM
الشخصية الاسلامية الثلاثون



https://j.top4top.io/p_1957b5z1n1.jpg



هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن كعب الجمحي، أبو السائب.



وكان من سادة المهاجرين.



حاله في الجاهلية:



وكان عثمان بن مظعون أحد من حرم الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابًا يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني ويحملني على أن أنكح كريمتي، فلمَّا حرمت الخمر أتي وهو بالعوالي. فقيل له: يا عثمان. قد حرمت الخمر. فقال: تبًّا لها قد كان بصري فيها ثاقب. وفي هذا نظر لأنَّ تحريم الخمر عند أكثرهم بعد أُحد.



إسلامه:



انطلق عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف, وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَرَض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعًا في ساعةٍ واحدةٍ، وذلك قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها, وهاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة.

عطر الزنبق
06-14-2021, 11:01 PM
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:

لقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الاهتمام بالمسلمين ومعايشة آلامهم وكان عثمان بن مظعون ممن تأثرت نفسه بذلك فرد جوار الوليد بن المغيرة, وفضل أن يعيش كإخوانه المسلمين المستضعفين في جوار الله عز وجل ومستعينًا به.

ويروي ابن إسحاق هذا الحدث الذي يدل على عمق التربية لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعندما أشيع إسلام أهل مكة رجع من هاجروا إلى الحبشة ولما قربوا من دخول مكة علموا أن أهل مكة لم يدخلوا في الإسلام, فرجع منهم من رجع إلى الحبشة ودخل البعض الآخر مستخفيًا, والبعض دخل في جوار أناس من المشركين ودخل عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة, ولما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وهو يروح ويغدو في أمان من الوليد بن المغيرة قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا في جوار رجل من أهل الشرك, وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كثير في نفسي.



فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، قد رددت إليك جوارك، قال: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله عز وجل ولا أريد أن أستجير بغيره, قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية, قال: فانطلق، فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد بن المغيرة: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري. قال: صدق قد وجدته وفيًّا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان رضي الله عنه ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد:



ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فقال عثمان: صدقت، فقال لبيد:

وكل نعيم لا محالة زائل



فقال عثمان: كذبت, نعيم الجنة لا يزول, فقال لبيد: يا معشر قريش, والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم, فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله, فرد عليه عثمان حتى شرى أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل ولطم عينه فخضرها، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان، فقال: والله يا ابن أخي، إن كانت عينك عما أصابها لغنية, ولقد كنت في ذمة منيعة, قال: يقول عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس, فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي إلى جوارك فعد، قال: لا.

عطر الزنبق
06-14-2021, 11:02 PM
أهم ملامح شخصيته:



1- صدق إسلامه وطاعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأدائه للعبادات ليلاً ونهارًا:



قال سعد بن أبي وقاص: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ولو أذن له لاختصينا. وكان عابدًا مجتهدًا من فضلاء الصحابة وقد كان هو وعلي بن أبي طالب وأبو ذر رضي الله عنهم همّوا أن يختصوا ويتبتلوا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ونزلت فيهم: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93].



2- شدة حياء عثمان بن مظعون:



أتى عثمان بن مظعون النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّي لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولِمَ؟"، قال: أستحيي من ذلك وأكرهه, قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله جعلها لك لباسًا، وجعلك لها لباسًا، وأهلي يرون عورتي. وأنا أرى ذلك منهم", قال: أنت تفعل ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم". قال: فمن بعدك. فلمّا أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ".



بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:



يقول أبو بردة: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك؟ فما في قريش أغنى من بعلك! قالت: أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أما لك بي أسوة". الحديث.





قال: فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس.



وعن حماد بن زيد قال: حدثنا معاوية بن عياش، عن أبي قلابة أن عثمان بن مظعون قعد يتعبد، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عثمان! إن الله لم يبعثني بالرهبانية وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة".

عطر الزنبق
06-14-2021, 11:02 PM
بعض كلماته:


قال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو ابن عمه وكان يؤذيه في إسلامه وكان أمية شريفًا في قومه في زمانه ذلك:

أتيم بن عمرو للذي جاء بغضة *** ومن دونه الشرمان والبرك أكـتع

أأخرجتني من بطن مكة آمنا *** وأسكنتني في صرح بـيضاء تقـذع

تريش نبالا لا يواتيك ريشها *** وتبـرى نـبالا ريشها لـك أجمع

وحـاربت أقواما كراما أعزة *** وأهلكت أقواما بهم كنـت تفزع

ستعلم إن نابتـك يوما ملمة *** وأسلمك الأوباش ما كـنت تصنع

وتيم بن عمرو، الذي يدعو عثمان جمح كان اسمه تيم.

موقف الوفاة:

يروي خارجة بن زيد، أن أم العلاء -امرأة من الأنصار- بايعتِ النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته : أنه اقتُسِمَ المهاجرون قُرعة، فطار لنا عثمان بن مَظْعون، فأنزلناه في أبياتنا. فَوَجِعَ وجَعَهُ الذي تُوُفِّي منه. فلما توفي وغُسِّل وكفِّن في أثوابه، دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك: لقد أكرمك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله أكرمَهُ؟"، فقلت: بأبي أنت وأُمِّي يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: "أمّا هو فقد جاءه اليقين. والله إِني لأرجو له الخير. والله ما أدري -وأنا رسول الله- ما يُفعَلُ بي؟"، قالت: فوالله لا أُزَكِّي أحدًا بعده أبدًا يا رسول الله.

زاد في رواية قالت: "وأُرِيتُ لعثمان في النوم عَينًا تجري، فجئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له. فقال : "ذلك عمله".

وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل على خد عثمان بن مظعون.

وعن أبي النضر قال: لما مر بجنازة عثمان بن مظعون قال رسول الله: "ذهبت ولم تلبس منها بشيء".

وروى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث عن سالم أبي النضر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون وهو يموت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فسجي عليه، وكان عثمان نازلًا على امرأة من الأنصار يقال لها: أم معاذ، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا عليه طويلاً ثم تنحى فبكى, فبكى أهل البيت، فقال: "إلى رحمة الله أبا السائب". وكان السائب ابنه قد شهد معه بدرًا، فقالت أم معاذ: هنيئًا لك أبا السائب الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك يا أم معاذ ما هو فقد جاءه اليقين ولا نعلم إلا خيرًا". قالت: لا والله لا أقولها لأحد بعده أبدًا.

وتوفي في شعبان سنة ثلاث

وكان أول من دفن ببقيع الغرقد يقول عبيد الله بن أبي رافع قال: أول من دفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه حجرًا، وقال: هذا قبر فرطنا.

انثى برائحة الورد
06-15-2021, 02:23 PM
متصفحك يشع بالنور الوضاء
دائما يشرق بكل ما هو جديد
ويلبس حله من الاناقه والتجديد

عطر الزنبق
06-15-2021, 07:12 PM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انثى برائحة الورد http://www.skoon-elqmar.com/vb/SKOON2021/buttons/viewpost.gif (http://www.skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=624890#post624890)
متصفحك يشع بالنور الوضاء
دائما يشرق بكل ما هو جديد
ويلبس حله من الاناقه والتجديد


فرحتيني حبيبة..~

شكرا لحضورك يا جميلة..
فبك وبكل الحاضرين والمتتبعين..
أصل لقمة الابداع..
شكرا عظيمة لحضورك يا سليلة النور..
شرف كبير..
وعبق لن يزول..
تحيتي ومحبتي وعليهم وردتي..
:111:

ملاك الشوق
06-16-2021, 07:58 PM
https://2img.net/h/a.top4top.net/p_218e4j510.gif

منصور
06-19-2021, 11:17 AM
الله يجزاك كل خير
وان شاء الله تكون في ميزان اعمالك
والله لايحرمك الأجر
يعطيك العافية
على جمال الطرح وقيمته

نهيان
06-19-2021, 07:45 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

عطر الزنبق
06-21-2021, 12:23 AM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملاك الشوق https://skoon-elqmar.com/vb/SKOON2021/buttons/viewpost.gif (https://skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=625370#post625370)
https://2img.net/h/a.top4top.net/p_218e4j510.gif



https://pa1.narvii.com/6682/87b7e1d09903d6e549362683a4fae36d47388c99_hq.gif

عطر الزنبق
06-21-2021, 12:23 AM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منصور https://skoon-elqmar.com/vb/SKOON2021/buttons/viewpost.gif (https://skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=625941#post625941)
الله يجزاك كل خير
وان شاء الله تكون في ميزان اعمالك
والله لايحرمك الأجر
يعطيك العافية
على جمال الطرح وقيمته


https://pa1.narvii.com/6682/87b7e1d09903d6e549362683a4fae36d47388c99_hq.gif

عطر الزنبق
06-21-2021, 12:24 AM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهيان https://skoon-elqmar.com/vb/SKOON2021/buttons/viewpost.gif (https://skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=626141#post626141)
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك


https://pa1.narvii.com/6682/87b7e1d09903d6e549362683a4fae36d47388c99_hq.gif

ترانيم الشجن
06-22-2021, 04:01 PM
جزاك الله بكل الخير
وبارك فيك وجعله في ميزان حسناتك

عطر الزنبق
06-22-2021, 04:06 PM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ترانيم الشجن https://www.skoon-elqmar.com/vb/SKOON2021/buttons/viewpost.gif (https://www.skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=627222#post627222)
جزاك الله بكل الخير
وبارك فيك وجعله في ميزان حسناتك

https://pa1.narvii.com/6682/87b7e1d09903d6e549362683a4fae36d47388c99_hq.gif

شغف
07-04-2021, 11:31 AM
جزاك الله خير
وبارك بعلمك و عملك

عطر الزنبق
07-18-2021, 04:47 AM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شغف https://www.skoon-elqmar.com/vb/SKOON2021/buttons/viewpost.gif (https://www.skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=630705#post630705)



جزاك الله خير
وبارك بعلمك و عملك



https://pa1.narvii.com/6682/87b7e1d09903d6e549362683a4fae36d47388c99_hq.gif