تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رزق تَطْلُبُه


حلوة الروح
11-08-2021, 10:42 PM
رزق تَطْلُبُه



ما تَعجَّبْتُ من شيءٍ تَعَجُّبي من الرِّزْقِ، إنَّ أمرَه مع ابنِ آدمَ أمرٌ عجيب، فربما يَسْعَى إليهِ المَرْء سَعْيًا حَثِيثًا حتى يَظُن أنه مُدرِكُه لا محالةَ فيخطئه، وربما سَعَى إليه في تُؤَدة ورَوِيَّة، أو قُل إن شئتَ: في غَيرِ اكتراثٍ لا يبالي أصابَه أم لا، فليقاه منتظرًا إياه، فيصيبه دون مُنازَعة أو مطاولة أو مغالبة، وإن حالَ الرِّزقِ معَ صاحبِهِ كذلك، غيرَ أن الرِّزقَ إن طَلَب العبدَ لم يُخْطِئه. لذلك قيل: الرزق رزقان، رزق تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُك.
وما من أحدٍ منا فيما يغلب على ظني إلا وعايَنَ ذلك بأُمِّ عَيْنيهِ، فكم سَعَينا لنيل شيءٍ ولم نُدْرِكْه، وكم نِلْناه ولم نسعَ إليه، ولستُ أعني بالرزق المالَ فقط، لأنَّ المالَ إنما هو بعضُ الرزق وليس كلَّه، ولا يَسَعُنا المقام لتَعْدادِ ذلك، فكلٌّ منا لو رَجَع لنفسِه لعلمه بالتفكر دون تلقين أو تعريف، وكذلك لست أعني أن يكون الإنسان مُتواكِلًا مُحْتجًّا بالقدر، فالإنسان مأمور بالسعي الذي هو أداة من أدوات تحصيله.

وعلى ما سبق نقول: إن أمر الرزق محسوم بَتَّ فيه الباري وقضاه قضاءً مُبْرَمًا، أَوَليس أقسَمَ على ذلك فقال: فوَربِّ السماء والأرض إنه لَحَقٌّ مثلَ ما أنكم تَنْطِقون. وقال في أخرى: وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رِزْقُها. ثم إنه جل وعلا أوحى إلى نبيه بذلك في غير القرآن، حيث قال عليه السلام: إنه لن تموت نفسٌ حتى تَستوفِيَ أجلَها ورِزْقَها. فكأنَّ الله لعلمه بعَجَلةِ خَلْقِه إليه وخَوْفِهم من فَواتِه، أكَّده في الوحيين الكتاب والسُّنة في غيرِ ما مَوْضِعٍ.

ولَمَّا تَفكَّرتُ رأيتُ أن ذلك من الحِكَم الإلهية العالية، إذ لو جَعَل اللهُ الرزق بالحيلة فقط لَمات مَن لا حِيلةَ له، ولو كان بالأسباب فقط لَمات مَن انقطعت أسبابه عن تَحصيلِه، وإن كان الله خَلَق الخلق متفاوتي القدرات لم يكن ليجعل الرزق على هذا الأساس، وإلا لكان ذلك مُتنافِيًا مع كمال عَدْلِه وحكمتِه، وحاشاه جل وعلا، إذًا فبَسْطُ الرزق لبعض عِبادِه وقَدره على آخَرين ليس على أساس القدرات العقلية أو البدنية البتة، وإنما على إساس حكمة لا يعلمها غيره.

ولو كانت الأرزاق تجري على الحِجا
هـلكن إذن مـن جهلـهن البـهـائم

فإذا عَلِمَ الإنسانُ ذلك وتَيقَّنَه تَمامَ التيقُّن اطمأنت نفسُه، وقام بما ينبغي عليه دون مُكالَبةٍ أو مُواثبةٍ، ولقد ضَرَب لنا مَن أُوتِيَ جوامعَ الكَلِمِ أروعَ مثالٍ في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: لو أنَّكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطيرُ تغدو خِماصًا وتَرُوحُ بِطانًا. والغُدُو هو الذَّهاب بُكْرة، والرواح العودة آخر النهار.

ولَعَمْرِي إنَّ هذا المثال لَمِن أعجب ما قيل في التوكُّل، فهذا الطير الذي لا يَمْلِك إلا جَناحَيْهِ وليسَ له من القُدرات العقلية أو الأسباب التي تجعله يميز في أيِّ أرضٍ يَحُطُّ ويكون فيها رِزْقُه الوفير أو القليل، لكنه مع هذه الأسباب القليلة يعود ممتلئ البطن شبعانَ قد حَمَل في حواصله الرزق لأفراخه، وينام في وُكُناتِه لِيُعاوِدَ سَعيَه ولِيُحَصِّل رِزْقَه الذي لا يعلم في السعي إليه يومَه الآتيَ أيَّ سماءٍ يَشُقُّ.
وفي معنى ما سبق قال الشافعي رضي الله عنه فيما نسب إليه:

ورِزْقُكَ لَيْسَ يَنْقُصُهُ التَّأَنِّي * وَلَيْسَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ الْعَنَاءُ

وإني أرى أن أحقرَ الناسِ وأضعفَهم إيمانًا هم مَن يَكِيدون لغيرِهم خشيةَ أن يَسْطُوا على أرزاقِهم، وكذلك مَن تَهُون عليهم أنفُسُهم وتَخْضَعُ رِقابُهم لِمَن فوقَهم في خُنُوع وذِلَّة خشيةَ انقطاعِه عنهم وفواته، وعلى المرء أن يكون حُرًّا في غَيْرِ عَجْرفةٍ وعُنْجُهية أو بَطَرٍ وكِبْر، وأن يُؤدِّيَ ما عُهِدَ إليه به بما يُمْلِيه عليه ضَمِيرُه، ولا يكون مُنافِقًا مُتودِّدًا بالزُّورِ لأصحابِ الأعمال ظنًّا منه أنه يُحافِظ بهذا على رِزْقِه، وإن رأيتَ مَن يعلو بهذه الخصال فليس ذلك من باب السعي لنواله، فإنه إن لم يفعله لناله، غير أنه تعجل فأركب نفسه مطية الهوان والضَّعَة، ولا تبكينَّ على ما فاتك منه جَرَّاءَ عِزَّةٍ وكرامةٍ، فليسَ لهاتَيْن الخَلَّتينِ ما يعادلهما من مال، وتَخَلِّي الإنسانِ عنهما كتَخَلِّيهِ عن عِرْضِه ورُوحِه، وإن فاقِدَهما عندي مَيِّتٌ، وهل يكون حيًّا مَن يُرِيق ماء وجهِه ويجعله الناسُ مطيتهم ويكون عبدا للدرهم والدينار!!

لذا قال عليه السلام: اتقوا اللهَ وأَجْمِلوا في الطَّلَب. فلا يحملن أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، ومِن طَلَبِه بمَعْصيتِه ما إليه أشرنا.

منصور
11-08-2021, 11:26 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

انثى برائحة الورد
11-09-2021, 02:02 PM
شكراً لأناملك التى خطت
هذا الإبداع وهذا الجمال
بإنتظار إبداعاتك القادمة..
لك منى كل الود والإحترام

شايان
11-10-2021, 03:32 PM
بارك الله فيما طرحت
وجعلها في ميزان حسناتك
نفع الله بك الاسلام والمسلمين

خ ــــــــــــالد
11-11-2021, 10:18 AM
جزاك الله خيرا
وبارك الله في عمرك وعملك
وجعله بموازين حسناتك

عطر الزنبق
11-13-2021, 01:24 PM
جزاك الفردوس الأعلى من الجنــــــــــان
لروعة طرحك القيم والمفيد
لـعطرك الفواح في ارجاء المنتدى
كل الأمتنان لجهودك الرائعة
نتمنى أن لاننــحرم تواجدك وحضورك
لك أجمل التحايا و أعذب الأمنيات
عناقيد من الجوري تطوقك فرحا
ودمت بطاعة الله

⦁.Σнѕαѕ.☘
11-13-2021, 09:04 PM
جزاك الله من واسع فضله
وجعله أجرا عظيما لك

شغف
11-14-2021, 08:22 AM
جزاك الله خير
و بارك بعلمك و عملك

نهيان
11-17-2021, 01:25 AM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك
اضعاف مضاعفه لاتعدولاتحصى