عطر الزنبق
12-01-2022, 11:06 PM
امرأة العزيز.
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ، وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ}.
يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه، وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه، وتهيأت له، وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها، وهي مع هذا كله امرأة الوزير. قال ابن إسحاق: وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر.
وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام شابً بديع الجمال والبهاء، إلا انه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمه ربُّه عن الفحشاء. وحماه عن مكر النساء. فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء. المذكورين في "الصحيحين" عن خاتم الأنبياء. في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله".
والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص، فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي}. يعني زوجها صاحب المنزل سيدي {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي احسن إلي واكرم مقامي عنده {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وقد تكلمنا على قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} بما فيه كفاية ومقنع في التفسير.
وأكثر أقوال المفسرين ها هنا متلقى من كتب أهل الكتاب فالإعراض عنه أولى بنا.
والذي يجب أن يعتقد أن الله تعالى عصمه وبرّأه ونزّهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها. ولهذا https://r12.imgfast.net/users/1216/15/29/48/smiles/1397474483.gif: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.
{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} أي هرب منها طالباً الباب ليخرج منه فراراً منها فاتبعته في أثره {وَأَلْفَيَا} أي وجدا {سَيِّدَهَا} أي زوجها {لَدَى الْبَابِ}، فبدرته بالكلام وحرّضته عليه {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. اتهمته وهي المتهمة، وبرأت عرضها، ونزهت ساحتها، فلهذا قال يوسف عليه السلام: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة.
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} قيل: كان صغيراً في المهد قاله ابن عبَّاس. وروي عن أبي هريرة، وهلال بن يساف، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والضحاك واختاره ابن جرير. وروى فيه حديثاً مرفوعاً عن ابن عبَّاس ووقفه غيره عنه.
وقيل: كان رجلاً قريباً إلى أطفير بعلها. وقيل قريباً إليها. وممن قال: إنه كان رجلاً: ابن عبَّاس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسُّدِّي ومُحَمْد بن إسحاق وزيد بن أسلم.
فقال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ}. أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدَّت مقدم قميصه {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ} أي لأنه يكون قد هرب منها فاتّبعته وتعلّقت فيه فانشق قميصه لذلك، وكذلك كان. ولهذا https://r12.imgfast.net/users/1216/15/29/48/smiles/1397474483.gif: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي هذا الذي جرى من مكركن، أنتِ راودتيه عن نفسه. ثم اتهمته بالباطل.
ثم أضرب بعلها عن هذا صفحاً، فقال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي لا تذكره لأحد، لأنَّ كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة إلى ربِّها فإنَّ العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلاّ انهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها، وعذرها من بعض الوجوه، لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله، إلا انه عفيف نزيه برئ العرض سليم الناحية، فقال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِين}.
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَاعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ، قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة، من نساء الأمراء، وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز، وعيبها والتشنيع عليها، في مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساوي هذا، لأنه مولى من الموالي، وليس مثله أهلاً لهذا، ولهذا قلن: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي في وضعها الشيء في غير محله.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ} أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة إليها بالعيب، والمذمة بحب مولاها، وعشق فتاها، فأظهرن ذماً، وهي معذورة في نفس الأمر، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن، وتتبيّن أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا من قبيل ما لديهن. فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، واعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئاً مما يقطع بالسكاكين، كالأترجّ ونحوه، وأتت كل واحدة منهن سكّيناً، وكانت قد هيّأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمنه وأجللنه، وهِبْنَه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم، وبهرهن حسنه، حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
وقد جاء في حديث الإسراء "فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن".
قال السهيلي وغيره من الأئمة، معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام. لأن الله تعالى خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، فكان في غاية نهايات الحسن البشري، ولهذا يدخل أهل الجنَّة الجنَّة على طول آدم وحسنه، ويوسف كان على النصف من حسن آدم، ولم يكن بينهما احسن منهما، كما أنه لم تكن أنثى بعد حَوَّاء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام.
قال ابن مسعود: وكان وجه يوسف مثل البرق، وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطَّى وجهه. وقال غيره: كان في الغالب مبرقعاً، لئلا يراه الناس. ولهذا لما قدم عذر امرأة العزيز في محبتها لهذا المعنى المذكور، وجرى لهن وعليهن ما جرى، من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته.
{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ثم مدحته بالعفة التامة فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي امتنع{وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
وكان بقية النساء حرّضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشدّ الآباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال: في دعائه لرب العالمين، {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ}.يعني إن وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً، إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف، إلاّ ما قويتني وعصمتني وحفظتني وأحطتني بحولك وقوتك.
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ، وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ}.
يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه، وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه، وتهيأت له، وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها، وهي مع هذا كله امرأة الوزير. قال ابن إسحاق: وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر.
وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام شابً بديع الجمال والبهاء، إلا انه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمه ربُّه عن الفحشاء. وحماه عن مكر النساء. فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء. المذكورين في "الصحيحين" عن خاتم الأنبياء. في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله".
والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص، فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي}. يعني زوجها صاحب المنزل سيدي {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي احسن إلي واكرم مقامي عنده {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وقد تكلمنا على قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} بما فيه كفاية ومقنع في التفسير.
وأكثر أقوال المفسرين ها هنا متلقى من كتب أهل الكتاب فالإعراض عنه أولى بنا.
والذي يجب أن يعتقد أن الله تعالى عصمه وبرّأه ونزّهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها. ولهذا https://r12.imgfast.net/users/1216/15/29/48/smiles/1397474483.gif: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.
{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} أي هرب منها طالباً الباب ليخرج منه فراراً منها فاتبعته في أثره {وَأَلْفَيَا} أي وجدا {سَيِّدَهَا} أي زوجها {لَدَى الْبَابِ}، فبدرته بالكلام وحرّضته عليه {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. اتهمته وهي المتهمة، وبرأت عرضها، ونزهت ساحتها، فلهذا قال يوسف عليه السلام: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة.
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} قيل: كان صغيراً في المهد قاله ابن عبَّاس. وروي عن أبي هريرة، وهلال بن يساف، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والضحاك واختاره ابن جرير. وروى فيه حديثاً مرفوعاً عن ابن عبَّاس ووقفه غيره عنه.
وقيل: كان رجلاً قريباً إلى أطفير بعلها. وقيل قريباً إليها. وممن قال: إنه كان رجلاً: ابن عبَّاس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسُّدِّي ومُحَمْد بن إسحاق وزيد بن أسلم.
فقال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ}. أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدَّت مقدم قميصه {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ} أي لأنه يكون قد هرب منها فاتّبعته وتعلّقت فيه فانشق قميصه لذلك، وكذلك كان. ولهذا https://r12.imgfast.net/users/1216/15/29/48/smiles/1397474483.gif: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي هذا الذي جرى من مكركن، أنتِ راودتيه عن نفسه. ثم اتهمته بالباطل.
ثم أضرب بعلها عن هذا صفحاً، فقال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي لا تذكره لأحد، لأنَّ كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة إلى ربِّها فإنَّ العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلاّ انهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها، وعذرها من بعض الوجوه، لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله، إلا انه عفيف نزيه برئ العرض سليم الناحية، فقال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِين}.
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَاعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ، قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة، من نساء الأمراء، وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز، وعيبها والتشنيع عليها، في مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساوي هذا، لأنه مولى من الموالي، وليس مثله أهلاً لهذا، ولهذا قلن: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي في وضعها الشيء في غير محله.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ} أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة إليها بالعيب، والمذمة بحب مولاها، وعشق فتاها، فأظهرن ذماً، وهي معذورة في نفس الأمر، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن، وتتبيّن أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا من قبيل ما لديهن. فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، واعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئاً مما يقطع بالسكاكين، كالأترجّ ونحوه، وأتت كل واحدة منهن سكّيناً، وكانت قد هيّأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمنه وأجللنه، وهِبْنَه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم، وبهرهن حسنه، حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
وقد جاء في حديث الإسراء "فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن".
قال السهيلي وغيره من الأئمة، معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام. لأن الله تعالى خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، فكان في غاية نهايات الحسن البشري، ولهذا يدخل أهل الجنَّة الجنَّة على طول آدم وحسنه، ويوسف كان على النصف من حسن آدم، ولم يكن بينهما احسن منهما، كما أنه لم تكن أنثى بعد حَوَّاء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام.
قال ابن مسعود: وكان وجه يوسف مثل البرق، وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطَّى وجهه. وقال غيره: كان في الغالب مبرقعاً، لئلا يراه الناس. ولهذا لما قدم عذر امرأة العزيز في محبتها لهذا المعنى المذكور، وجرى لهن وعليهن ما جرى، من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته.
{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ثم مدحته بالعفة التامة فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي امتنع{وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
وكان بقية النساء حرّضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشدّ الآباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال: في دعائه لرب العالمين، {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ}.يعني إن وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً، إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف، إلاّ ما قويتني وعصمتني وحفظتني وأحطتني بحولك وقوتك.