المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.


عطر الزنبق
01-03-2024, 06:29 PM
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائم على كل نفس بما كسبت، والرقيب على كل جارحة بما اجترحت، والمتفضل على عباده بنعم توالت وكثرت، سبحانه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض تحركت أو سكنت. وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، الذي تمَّت ببعثته النبوة وختمت، وسطعت به أنوار الشريعة وكملت، وعلت به راية الملة وارتفعت،..
أما بعد :
معاشر المؤمنين والمؤمنات، أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله، لأنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، لأنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، لأنه من يتق الله يجعل له من أمره يسراً، فاللهم اجعلني وأحبتي من المتقين.
معاشر عمار بيت الله.
إن الله تبارك وتعالى يعظ عباده ويَقرع قلوبهم بمواعظ علها تعود وتُنيب إلى الله علام الغيوب، فالمواعظ من العلي القدير نعمة ورحمة، يهدي بها سبحانه من الضلال، ويرحم بها من العذاب.. ومن هذه المواعظِ التي جاء ذكرها في كتاب ربنا تبارك وتعالى، موعظة، آية، تذكرة، أحببت أن أذكّركم، والذكرى تنفع المؤمنين، وأذكرَ نفسي بيوم سيعيشه كل واحد منا، وهو يوم الرجوع إلى الرب العلي القدير.
يقول رب العزة جل وعلا: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
آية أقضَّت مضاجع الصالحين الذين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون.
فالله سبحانه وتعالى يعظ عباده ويذكرهم بزوال الدنيا وفناء ما فيها، يذكرهم بالرجوع إليه ومحاسبتهم على ما عملوا، ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير أو شر...
﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ [البقرة: 281]، إنه يوم عظيم، يوم ليس ككل الأيام، يوم تجتمع فيه الخلائق من أولها إلى آخرها بين يدي رب العالمين، يومٌ يتخلى فيه القريب عن قريبه، ويفر المرء من أخيه، وأمه وأبيهِ، وصاحبته وبنيهِ، لكل امرِئ منهم يومئذ شأن يغنيه.
إنه اليوم الذي تُرجع فيه النفوس إلى بارئها وخالقها، وتحاسب فيه على أعمالها وأفعالها: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
إنه اليوم الذي كتب الله عز وجل على كل ضعيف وقوي، كل غني وفقير، أن يُقاد إليه عزيزا أو ذليلا، كريما أو مهانا: ﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ [النمل: 87]، صاغرين مطيعين لا يتخلف أحد عن أمره...
إنه اليومُ الذي تنتهي عنده الأيام، وتتبدد عنده الأوهام والأحلام، ويجتمع فيه الخصوم، ويُنصف فيه المظلوم وتُنْشَر فيه الدواوين: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ﴾ [الكهف: 49].
إنه اليوم الذي تُنْصَب فيه الموازين لمحكمة إله الأولين والآخرين: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].
إنه اليوم الذي تُجمع فيه الأمم في موقف واحد، فتُنسى الشهوات وتزول المغريات، ويعاين العبد فيه الحقائقَ أمام عينيه: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]. فأين الحرير واللباس وأين الشدة والبأس، وأين المال والجاه؟ لقد انكسر العباد لرب العباد، لكي يفصل بينهم في يوم التناد، في يوم تتغيّر فيه ألوان الناس: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران: 106]، وينادي مناد الله، لكل عبد ما جنت يداه، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30]، فيُدعى عبد من العباد على رءوس الأشهاد، فلان ابن فلان، فيقف هذا العبد بين يدي الله، والشهود حاضرة، والأبصار شاخصة، يقف العبد حسيرا كسيرا أسيرا ذليلا حافيا عاريا بين يدي جبار السماوات والأرض، لكي يسأله ويحاسبَه ويجازيه...
ففي الحديث الصحيح أن رجلا سأل ابنَ عمر: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟قال: سمعته يقول: "يدنو أحدُكم من ربه حتى يضعَ كَنَفَه عليه، فيقولُ: عمِلت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، ويقول: عمِلتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم، فيقررُه ثم يقول: إني سترتها عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم".
وفي الحديث الموقوف، عن أبي هريرة، يُدني الله تعالى العبد منه يوم القيامة، فيضع عليه كنفه ويسترُه من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول له: اقرأ يا ابن آدم كتابك، فيقرأ، فيمر بالحسنة فيبيض لها وجهه، ويُسر بها قلبُه، فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: إني تقبلتها منك، فيسجد ذلك العبد، فيقول: ارفع رأسك، وعد في قراءتك، فيمر بالسيئة فيَسوَد لها وجهه، ويَوْجَلُ منها قلبه، وترتعد منها فرائصه ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره، فيقول الله: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: إني أعْرَفُ بها منك، قد غفرتها لك، فلا يزال حسنة تُقبل فيسجد، وسيئة تُغفر فيسجد، فلا يرى الخلائق منه إلا السجود، حتى ينادي الخلائق بعضها بعضا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين الله".
فيقول أرحم الراحمين: خذوا عبدي إلى جنات النعيم، خذوه إلى الرضوان العظيم، فيُعطى كتابه بيمينه، فينطلق بين الصفوف ضاحكا مسرورا، ويصيح أمام العالمين:
﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾
[الحاقة: 19، 20]، جزاؤه: ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 21 - 24]، فيقول الناس: فاز فلان وأفلح.
ثم ينادي المنادي فلان ابن فلان، أنْ قُمْ إلى العرض بين يدي الله. وجاء في الأثر، أن الله يسأل هذا العبد أسئلة ثلاث، فيسأله السؤال الأول: عبدي، هل ظلمك حفظتي؟ فيقول العبد: لا يارب، ثم يسأله السؤال الثاني: ألك حسنة مخفية؟ فيقول العبد: لا يا رب، ثم يسأله السؤال الأخير: ألك عذر تعتذر به؟
ما عذرك أيها العبد عن نهارٍ أضعته بعيدا عن الله، وعن ليلٍ طالما قضيته في معصية الله، فقد لقيت الله محاربا، وعلى المعاصي مصرا.. فكم من نهار اقترفت فيه من السيئات؟ وكم من ليلة بتها على فواحش المنكرات والمحرمات؟ فأي منفعة قدمتها، وأي حسنة ترجوها؟....
فيؤتى هذا العبد كتابه بشماله، وتُنشر فضائحه، وتشهد عليه جوارحه، فيقرره رب العزة والجبروت بذنوبه، فلا يجد حجة ولا وسيلة تنفعه وتنجيه، حتى إذا اشتد غضب الجبار عليه قال: "يا ملائكتي خذوه، ومن عذابي أذيقوه، فقد اشتد غضبي على من قل حيائه مني"... يشتد غضب الجبار جل جلاله على من خلقه فعبد غيره، وعلى من رزقه فشكر غيره، يشتد غضب الله على من أسبغ عليه النعم ثم عصاه....فيخرج تقوده الزبانية، مقيدا بالسلاسل والحديد يسوقونه على وجهه وهو يقول: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25.29]..جزاؤه...
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ﴾ [الحاقة: 30 - 32] ما جريمته؟ ﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ﴾ [الحاقة: 33، 37].

انثى برائحة الورد
01-04-2024, 02:21 PM
بارك الله فيك
على الموضوع القيم والمميز

عطر الزنبق
01-04-2024, 03:26 PM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انثى برائحة الورد https://www.skoon-elqmar.com/vb/SKONQMR2022/buttons/viewpost.gif (https://www.skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=864388#post864388)
بارك الله فيك
على الموضوع القيم والمميز

اسعدني تواجدكم ونثر أحرفكم العطره..
بوركتم وجزاكم المولى خير الجزاء..
كل المودة والتقدير لارواحكم الطيبة.

ايسل
01-05-2024, 10:10 AM
جزاك الله خير الجزاء

عطر الزنبق
01-05-2024, 11:38 AM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايسل https://www.skoon-elqmar.com/vb/SKONQMR2022/buttons/viewpost.gif (https://www.skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=864500#post864500)
جزاك الله خير الجزاء
https://i.pinimg.com/564x/90/5a/42/905a424977ac860bd5e6b3e6e3d76b00.jpg

نهيان
01-08-2024, 11:19 PM
جزاكـ الله بخير الجزاء والجنه
باركـ الله فيكـ ونفع بكـ
وجعله في موازين حسناتكـ

شايان
01-13-2024, 01:16 PM
اللهم بارك فيما قدمت
وجازي اليد التي اكتسبت الاجر
بطرح قيم .. وموضوع هادف
بارك الله في عطاءكم

وردة
01-13-2024, 03:45 PM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك طرح رائع

عطر الزنبق
01-20-2024, 10:22 PM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهيان https://www.skoon-elqmar.com/vb/SKONQMR2022/buttons/viewpost.gif (https://www.skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=864775#post864775)
جزاكـ الله بخير الجزاء والجنه
باركـ الله فيكـ ونفع بكـ
وجعله في موازين حسناتكـ


شكرا لتواجدكم وحضوركم
دمتم بتميز
تحيتي وتقديري لكم

عطر الزنبق
01-20-2024, 10:23 PM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شايان https://www.skoon-elqmar.com/vb/SKONQMR2022/buttons/viewpost.gif (https://www.skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=864928#post864928)
اللهم بارك فيما قدمت
وجازي اليد التي اكتسبت الاجر
بطرح قيم .. وموضوع هادف
بارك الله في عطاءكم


شكرا لتواجدكم وحضوركم
دمتم بتميز
تحيتي وتقديري لكم

عطر الزنبق
01-20-2024, 10:23 PM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وردة https://www.skoon-elqmar.com/vb/SKONQMR2022/buttons/viewpost.gif (https://www.skoon-elqmar.com/vb/showthread.php?p=864952#post864952)
جزاك الله خير
وبارك الله فيك طرح رائع


شكرا لتواجدكم وحضوركم
دمتم بتميز
تحيتي وتقديري لكم

احمد الحلو
03-07-2024, 01:08 AM
جُزيت خيرا

طرح راقي وثري وجهد مميز سلمت الايادي

سوسنتي الحلوة

احمد الحلو