عطر الزنبق
10-11-2024, 11:40 AM
الله لا يحب المفسدين.
ذكر القرآن الكريم أن الله جل جلاله لا يحب المفسدين مرتين، واحدة منها عامة وهي تخص اليهود، والثانية خاصة فردية وهي تخص قارون، ولعل المراد هنا أن الفساد يأتي من طريقين:
الأول:
في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64]، وكما ذكرنا فإن الآية تخص اليهود، وقد تدرّجت الآية الكريمة بذكر صفات اليهود، وقد تدرجوا بها وصولاً للإفساد، أو هي جزء من عملية الفساد التي يتبنّاها اليهود في الأرض، وهي:
أ- الـجرأة على الله: بأنهم يقولون: إن يد الله جل جلاله مغلولة، وهو كلام عظيم لا ينبغي لعاقل أن يقوله، فضلاً عن أنهم اليهود الذين يزعمون العلم بالله جل جلاله وكتبه ورسله، وللمرء أن يتوقع ماذا يمكن لقوم ينعتون الله جل جلاله بهذا النعت الذي لا يليق به أن يكون حجم إفسادهم في الأرض؟ لا شك أنهم سيُفسدون فسادًا هائلاً، فمن يجرؤ على الخالق، سيتجرَّأُ أكثر على المخلوق.
ب- أن هؤلاء القوم بخلاء، غُلَّتْ أيديهم! والبخل مرض من أمراض القلوب، وما كان قولهم: يد الله مغلولة، إلا لأنهم كذلك، والإناء ينضح بما فيه، والمرء المريض قلبه يتمنى أن يكون كل الناس مرضى مثله، والبخل يكون عن فعل الخير، أما في الشـر فيزين الشيطان لهم أعمالهم فينفقون الأموال في حرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذا دأب اليهود في كل وقت ومكان.
ت- أنهم ملعونون؛ أي: مطرودون من رحمة الله جل جلاله، ومن يُطرد من رحمة الله جل جلاله فإن الشـر يتمكَّن منه، ويكون أسيرًا في كل شؤونه للشيطان ولهوى نفسه الأمارة بالسوء.
ث- أن دأبهم إيقاد نيران الحروب على المؤمنين، وهذا منذ القِدم وإلى اليوم، وها نحن اليوم وأرض الإسلام تحرقُها الحروب التي يخطط ويدفع لها ويقودها اليهود ضد الإسلام.
فاليهود ملة فساد وإفساد، ويسعون للإفساد في الأرض، فهناك فرق كبير بين الفاسد والمفسد، فلعل آثار الفساد للفاسد تترتب عليه شخصيًّا ماديًّا أو روحيًّا، وإن أمره لله جل جلاله في الآخرة، ولكن المفسد ذلك الذي يسعى ويخطط وينفق لإفساد الآخرين، وإفساد خيرات الأرض، واستثمارها في إفساد الناس وليس في بناء الأرض وإصلاح الناس - وكل ذلك فعله اليهود وزيادة - فمن أجل كل ذلك فإن الله جل جلاله لا يحبُّهم.
الثاني:
في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 76، 77].
فالمال طريق خطير يؤدي للفساد، وقارون هذا كان من قوم موسى، بل كان قريبَه، فهو عمُّه أو ابن عمه، أو ابن خالته، وكان عالمًا بالتوراة، ومن الماهرين بقراءتها، ولكنه رفض الانصياع لأوامر الله، التي كان يبلّغها موسى عليه السلام لقومه، وخاصة فيما يتعلق بزكاة الأموال، لأنه كان ثريًّا جدًّا، فكان يراها كثيرة عليه، حيث وصفه القرآن بقوله تعالى جل جلاله: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، ومشكلته أنه كان يرى أحقيته بهذه الأموال، وأن الله علم استحقاقه لها فأعطاها له، قال تعالى على لسان قارون: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78].
فالمال سبيل يستخدمه الشيطان للإيقاع بالناس في فخ الفساد؛ لأن المال يمكن أن يستثمر في الخير، وكان هلاك قارون بسبب ماله وطغيانه به كما تقرِّر الآية، فقد تمادى قارون بعدائه لموسى عليه السلام، فأذن الله بهلاكه بالخسف، ولكن بقصة هي عبرة للناس؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل: إن الله يأمركم بكذا، حتى دخل عليهم في أموالهم، فشقَّ ذلك على قارون، فقال لبني إسرائيل: إن موسى يقول: مَن زنى رجم، فتعالوا نجعل لبغيٍّ شيئًا؛ حتى تقول: إن موسى فعل بها فيرجم، فنستريح منه، ففعلوا ذلك، فلما خطبهم موسى عليه السلام قالوا له: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، فقالوا: فقد زنيتَ، فجَزِعَ، فأرسلوا إلى المرأة، فلما جاءت عظم عليها موسى عليه السلام، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسـرائيل إلا صدقت، فأقرّت بالحق، فخرّ موسى عليه السلام ساجدًا يبكي! فأوحى الله إليه: إني أمرت الأرض أن تطيعك، فأْمرها بما شئت، فأَمرها، فخسفت بقارون ومن معه)[1]، قال تعالى في حق قارون: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].
[1] الروايات التفسيرية في فتح الباري، عبد المجيد الشيخ عبد الباري، ج: 2، ص: 902.
ذكر القرآن الكريم أن الله جل جلاله لا يحب المفسدين مرتين، واحدة منها عامة وهي تخص اليهود، والثانية خاصة فردية وهي تخص قارون، ولعل المراد هنا أن الفساد يأتي من طريقين:
الأول:
في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64]، وكما ذكرنا فإن الآية تخص اليهود، وقد تدرّجت الآية الكريمة بذكر صفات اليهود، وقد تدرجوا بها وصولاً للإفساد، أو هي جزء من عملية الفساد التي يتبنّاها اليهود في الأرض، وهي:
أ- الـجرأة على الله: بأنهم يقولون: إن يد الله جل جلاله مغلولة، وهو كلام عظيم لا ينبغي لعاقل أن يقوله، فضلاً عن أنهم اليهود الذين يزعمون العلم بالله جل جلاله وكتبه ورسله، وللمرء أن يتوقع ماذا يمكن لقوم ينعتون الله جل جلاله بهذا النعت الذي لا يليق به أن يكون حجم إفسادهم في الأرض؟ لا شك أنهم سيُفسدون فسادًا هائلاً، فمن يجرؤ على الخالق، سيتجرَّأُ أكثر على المخلوق.
ب- أن هؤلاء القوم بخلاء، غُلَّتْ أيديهم! والبخل مرض من أمراض القلوب، وما كان قولهم: يد الله مغلولة، إلا لأنهم كذلك، والإناء ينضح بما فيه، والمرء المريض قلبه يتمنى أن يكون كل الناس مرضى مثله، والبخل يكون عن فعل الخير، أما في الشـر فيزين الشيطان لهم أعمالهم فينفقون الأموال في حرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذا دأب اليهود في كل وقت ومكان.
ت- أنهم ملعونون؛ أي: مطرودون من رحمة الله جل جلاله، ومن يُطرد من رحمة الله جل جلاله فإن الشـر يتمكَّن منه، ويكون أسيرًا في كل شؤونه للشيطان ولهوى نفسه الأمارة بالسوء.
ث- أن دأبهم إيقاد نيران الحروب على المؤمنين، وهذا منذ القِدم وإلى اليوم، وها نحن اليوم وأرض الإسلام تحرقُها الحروب التي يخطط ويدفع لها ويقودها اليهود ضد الإسلام.
فاليهود ملة فساد وإفساد، ويسعون للإفساد في الأرض، فهناك فرق كبير بين الفاسد والمفسد، فلعل آثار الفساد للفاسد تترتب عليه شخصيًّا ماديًّا أو روحيًّا، وإن أمره لله جل جلاله في الآخرة، ولكن المفسد ذلك الذي يسعى ويخطط وينفق لإفساد الآخرين، وإفساد خيرات الأرض، واستثمارها في إفساد الناس وليس في بناء الأرض وإصلاح الناس - وكل ذلك فعله اليهود وزيادة - فمن أجل كل ذلك فإن الله جل جلاله لا يحبُّهم.
الثاني:
في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 76، 77].
فالمال طريق خطير يؤدي للفساد، وقارون هذا كان من قوم موسى، بل كان قريبَه، فهو عمُّه أو ابن عمه، أو ابن خالته، وكان عالمًا بالتوراة، ومن الماهرين بقراءتها، ولكنه رفض الانصياع لأوامر الله، التي كان يبلّغها موسى عليه السلام لقومه، وخاصة فيما يتعلق بزكاة الأموال، لأنه كان ثريًّا جدًّا، فكان يراها كثيرة عليه، حيث وصفه القرآن بقوله تعالى جل جلاله: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، ومشكلته أنه كان يرى أحقيته بهذه الأموال، وأن الله علم استحقاقه لها فأعطاها له، قال تعالى على لسان قارون: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78].
فالمال سبيل يستخدمه الشيطان للإيقاع بالناس في فخ الفساد؛ لأن المال يمكن أن يستثمر في الخير، وكان هلاك قارون بسبب ماله وطغيانه به كما تقرِّر الآية، فقد تمادى قارون بعدائه لموسى عليه السلام، فأذن الله بهلاكه بالخسف، ولكن بقصة هي عبرة للناس؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل: إن الله يأمركم بكذا، حتى دخل عليهم في أموالهم، فشقَّ ذلك على قارون، فقال لبني إسرائيل: إن موسى يقول: مَن زنى رجم، فتعالوا نجعل لبغيٍّ شيئًا؛ حتى تقول: إن موسى فعل بها فيرجم، فنستريح منه، ففعلوا ذلك، فلما خطبهم موسى عليه السلام قالوا له: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، فقالوا: فقد زنيتَ، فجَزِعَ، فأرسلوا إلى المرأة، فلما جاءت عظم عليها موسى عليه السلام، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسـرائيل إلا صدقت، فأقرّت بالحق، فخرّ موسى عليه السلام ساجدًا يبكي! فأوحى الله إليه: إني أمرت الأرض أن تطيعك، فأْمرها بما شئت، فأَمرها، فخسفت بقارون ومن معه)[1]، قال تعالى في حق قارون: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].
[1] الروايات التفسيرية في فتح الباري، عبد المجيد الشيخ عبد الباري، ج: 2، ص: 902.