عطر الزنبق
01-18-2025, 08:20 PM
محمدٌ صلى الله عليه والسلام قدوةُ الأزواج.
إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرَضين، أرسل رسله حجة على العالمين ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلِك من هلك عن بينة، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره، واستنَّ بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تَعْصُوه، واعلموا أن خير دنياكم وآخراكم بتقوى الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
عباد الله: يا أمة محمد بن عبدالله، يا من أكرمكم الله بالانضمام تحت لواء حبيبكم صلى الله عليه وسلم، هو البشارة من رب العالمين للمؤمنين: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 47].
لله الحُجة البالغة؛ فلقد أرسل رسله وأيَّدهم بحجج من عنده، وجعل رسله بشرًا ولم يجعلهم ملائكة، وأرسل رسله كل بلسان قومه، فيعرف أحوالهم ويعرفون حاله، ويعلم أعرافهم وقِيَمَهم، وصواب أفعالهم وأقوالهم وخطأها، حتى يعرف كيف يبدأ بتغيير أحوالهم، وعلى هذا السنن الإلهية جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته.
عبدَالله، سِرْ معي هناك وفي حجرات المصطفى عليه السلام لنَلِجَ فيها، ونعيش قصص الزوج الوفي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، لننهَل من مَعِينها، ونقارن حياتنا بحياته، لنكتشف الخلل في حياتنا، فنقوِّمه ونسعى للرقي والوصول لقدوتنا وإمامنا؛ كما أمر ربنا في كتابه العزيز: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
عبدَالله:
تعالَ معي ندخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد:
1- الرسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع زوجاته ويؤانسهن، ويستمع إليهن ويتحدث معهن، ويتفاعل مع حديثهن، ثم يُؤمَرن ببلاغ ما يكون في بيوتهن؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 34]؛ ففي حديث أم زرع الذي روته عائشة، وفيه أن إحدى عشرة امرأةً تعاهدن وتعاقدن ألَّا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا، فبدأت عائشة رضي الله عنها تروي قصصهن على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وصلت للمرأة الأخيرة، وكانت أحسنهن حالًا وأيسرهن عيشًا، وكان مأكلها ومشربها ومسكنها سعة كأحسن ما أنت سامع، وبعدما انتهت وسمِعها زوجها، قال لها زوجها مؤنسًا لها، ومتفاعلًا مع قصتها: ((كنت لكِ كأبي زرع لأم زرع))، فما حال الرجال مع نسائهم، هل يستمعون لزوجاتهم؟ أَلَا تعلم أن أكثر مشاكل النساء تُحل بمجرد السماع؟
2- رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسس حاجات زوجاته فيتعامل معها، تزوج المصطفى صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها صغيرةً تُحِبُّ اللعب، فكان يُدخل لها في بيتها من صويحباتها مَن يُؤنسها ويُدخل السرور عليها، ومرة لعِب صبيان أهل الحبشة في المسجد، فناداها؛ لتستمتع برؤيتهم وهم يلعبون، وجعلت تنظر إليهم متكئة على كتف حبيبها وزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوج أم سلمة رضي الله عنها وكان مربيًا لأولادها، والحديث المشهور: ((يا غلامُ، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، كان مع ولدها عمر، وصفية رضي الله عنها كانت في سفر فأبطأ بعيرها في المسير، فاستقبلها الرسول وهي تبكي، وتقول: "حملتني على بعيرٍ بطيء"، فمسح بيديه الطاهرتين عينيها.
وينتصر للمظلومة من نسائه، فلقد عيَّرت حفصةُ رضي الله عنها صفيةَ رضي الله عنها وقالت: "يا بنة اليهودي"، فبَكَتْ، فدخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ((ما يُبكيكِ، فأخبرته، فقال عليه الصلاة والسلام: إنك لابنة نبيٍّ، وإن عمك لَنبيٌّ، وإنك لتحت نبي، فبِمَ تفخر عليكِ؟ ثم قال: اتقي الله يا حفصةُ)).
3- حِلْم المصطفى عليه الصلاة والسلام وتحمُّله غَيرة النساء وحكمته في التعامل معها:
من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعدِّد للزوجات، فيتحمل غيرة عائشة مع صويحباتها، فهو أمر جبل الله النساء عليه، فمرة أتت أمُّ سلمة للنبي صلى الله عليه الصلاة والسلام بصحفة فيها طعام له ولأصحابه في يوم عائشةَ رضي الله عنها، فكسرت الصحفة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((غارت أمُّكم، غارت أمكم، فجمع الطعام وعوض بصحفة أخرى، وقال: طعام بطعام، وصحفة بصحفة))، وكأن شيئًا لم يكن، فعَذَرها لشدة غَيرتها، وأثنى عليها عند أصحابه بقوله: (أمكم)، يا أخي، هذا الموقف أمام نفر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف لو وضعت نفسك مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا أردت أن تعجب فاعجب لهذا الخبر؛ تقول عائشة رضي الله عنها: ((لما كانت ليلتي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظنَّ أن قد رقدتُ، فأخذ رداءه رويدًا، وانتعل رويدًا، وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدًا، فجعلت درعي في رأسي، واختمرت وتقنَّعت إزاري، ثم انطلقت على أثره، حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرت، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: ما لكِ يا عائشُ حَشْيَا رَابِيةً؟ قالت: لا شيء، قال: لتُخْبِرِيني أو لَيُخْبِرَنِّي اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي فأخبرته، فقال: أنت السواد الذي رأيته أمامي، قلت: نعم، فلَهَدَني في صدري لَهْدَةً أوجعتني، ثم قال: أظننتِ أن يحيفَ الله عليكِ ورسوله؟ قالت: مهما يكتمِ الناس يعلمه الله، قال: نعم، قال: فإن جبريل أتاني وأمرني أن أستغفر لأهل البقيع))، فكرِه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُوقَظ زوجه، وخشِيَ أن تستوحش، فلقد أخبرها بما أشغل خاطرها، وشتَّت ظنونها، وأثار غَيرتها، فأين سيذهب في مثل هذا الوقت؟ فتأمل معي هذا الحديث العظيم:
أ- عظيم رأفة الزوج بزوجه حيث لزم خروجه، وأراد ألَّا تستوحش زوجه.
ب- لاحظ الصراحة بين الطرفين، لما دخل عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم ويتردد نفَسها سريعًا، سألها عن سبب ذلك فأخبرته، ولم يُخْفِ عتبه عليها؛ فالعتب لا يكون إلا بين الأحباب.
ج- ونداء الزوج المحب لزوجه بالترخيم: (يا عائش)، فيا حبذا لو كان هذا بين الأزواج.
ومرة تقول عائشة رضي الله عنها: ((فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدمه وهو ساجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)).
4- الرسول عليه الصلاة والسلام وإدخال السرور على زوجاته:
فكان يغتسل مع أزواجه بإناء واحد، ويتتبع مكان موضع فمهن في الطعام والشراب فيشرب منه، وإذا دخل بيته بدأ بالسواك إشعارًا منه بأهمية اللقاء بينهما، وينام على فخذها، ويُقبِّلها، ويناديها بأحب الأسماء إليها، ويأخذ على خاطرها، وفي بيته يُفلي ثوبه، ويخصِف نعله، ويحلب شاته، ويكون في خدمة أهله.
ولقد سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض زوجاته فسبقته عائشة مرة ثم حملت اللحم فسبقها، وقال: ((هذه بتلك)).
وكان يهتم بأهل أزواجه ويُحسن إليهم، ويحتفي بهم أحياءً أو أمواتًا.
وما أكمل وأجمل كلام عائشة حين سُئلت عن خُلُقه قالت: "كان خلقه القرآن"! فصلَّى الله وسلم على رسول الأنام محمد عليه الصلاة والسلام.
5- الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفته الفائقة بزوجاته في جليل الأمور ودقيقها، وهذا دليل على قوة العلاقة بينهما:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ عليَّ غضبى، قلت: من أين تعلم ذاك يا رسول الله؟ قال: إذا كنتِ عني راضية، قلتِ: لا ورب محمدٍ، وإذا كنتِ عليَّ غضبى، قلتِ: لا ورب إبراهيم، فقالت: يا رسول الله، والله ما أهجر إلا اسمك)).
6- الرسول صلى الله عليه وسلم والعدل بين زوجاته: لا يفرق بينهن في المعاملة ويعاشرهن بالمعروف، ويخلص لهن في المحبة في حياتهن وبعد مماتهن.
قال ابن كثير رحمه الله: "كان من أخلاقه أنه جميل العشرة، دائم البِشر، يداعب أهله، ويتلطف معهم، ويوسع نفقته عليهم، ويُضاحك نسائه، ويجتمع مع نسائه كل ليلة في بيتِ التي يبيت عندها، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع امرأة من نسائه في شعار واحد، يضع كتفي الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء، يدخل منزله، ويسمُر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤنسهم بذلك".
ويعدِل عليه السلام بينهم ويقول: ((اللهم هذا قَسمي فيما أملِك، فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك)).
7- الرسول صلى الله عليه وسلم حكيم في التعامل مع متغيرات الحياة:
ولا يعني أن بيت النبوة لا مشكلات فيه، بل كم رفع زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم صوتهن عليه، لكنه كان يستحوذ الموقف، وكُنَّ يسألنه النفقة، ولقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاته شهرًا، ثم خُيِّرن بين البقاء معه أو مفارقته؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29]، حتى نعلم جميعًا - أيها الفضلاء - أن البيت وإن كان سعيدًا لا بد أن يأتي عليه شيء من منغِّصات الحياة، فالإنسان تُرضيه كلمة، وربما نظرة، وتسخطه مثلها؛ ولذا ما أحسن قول أبي الدرداء لزوجه: "إذا غضبتُ راضيني، وإذا أغضبتكِ سأُراضيكِ، وإلا لم نصطحب"!
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كرِهَ منها خُلُقًا، رضِيَ منها آخر))، وأنت - أيها المبارك - أمَا سمعت وصف نساء أهل الجنة: ((كل ودود ولود إذا غضبت منها، أو أسيء إليها، قالت: هذي يدي في يدك، لا أكتحل حتى ترضى)).
أسأل الله أن يحقق لكل الأزواج الراحة والسكن في منزله؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين؛ أما بعد عبدَالله:
فليُعلم أن الحياة الزوجية الناجحة تستمر إلى آخر لحظة في الدنيا؛ فلقد مات رسولكم صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة، واجتمع ريقها بريقه في السواك الذي قضمته وطيبته، ألَا فليكن قدوتنا قدوةً لنا، عليه الصلاة والسلام.
أيها الأزواج، هذا هَدْيُ رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ حُسنُ المعشر، وحسن الكلام، يحب مؤانسة أهل بيته ويعذرهم، ويتحمل خطأهم، ويقوِّمه، ويسعى لاستيعاب المواقف وفهمها، والتعامل معها، فليست قوامة الرجل على زوجه تعني التسلط وحب السيطرة، بل تعني بُعد النظر والتخطيط لمستقبل الأسرة، حتى تُنجب علماء نافعين لدينهم وبلدهم ومجتمعهم.
ولو التفتَّ ونظرتَ في بعض بيوتنا، تجد مشكلات كثيرة، مبدؤها أسباب تافهة نفخ الشيطان فيها وكبَّرها، فيكون البيت وساكنوه في نكدٍ لا يعلم حاله إلا الله، فإن لم يحصل طلاق فيضيع الأولاد، فلربما وجدت بيوتًا تسكن فيه الأبدان لا مكان لراحة الأرواح فيها، فالله الله في العذر والتغافل كي تسير سفينة الحياة، مُخرجة لنا أجيالًا نتفاخر بها، تنفع دينها ومجتمعها، ثم إن علاقة الزوجين متصلة، فإن أرضيتَ زوجك أرضَتْك، وعشتما في سكن وراحة، وإن أصبَحَ النكد ملازمًا لكما أو لأحدكما، عِشْتُما في النكد جميعًا، ألَا فلنتَّقِ الله في النساء، ولنعاشرهن بالمعروف، ولنحترم آراءهن، ولا نناقش أمور المنزل عند الأولاد، فما يكون داخل الغرف لا ينبغي أن يخرج عنها، نسأل الله للجميع حياة هادئة مطمئنة، وراحةَ بالٍ، وقرَّةَ عينٍ لا تنقطع.
اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيتَ عنه مُنتهين عنه، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182]، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرَضين، أرسل رسله حجة على العالمين ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلِك من هلك عن بينة، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره، واستنَّ بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تَعْصُوه، واعلموا أن خير دنياكم وآخراكم بتقوى الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
عباد الله: يا أمة محمد بن عبدالله، يا من أكرمكم الله بالانضمام تحت لواء حبيبكم صلى الله عليه وسلم، هو البشارة من رب العالمين للمؤمنين: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 47].
لله الحُجة البالغة؛ فلقد أرسل رسله وأيَّدهم بحجج من عنده، وجعل رسله بشرًا ولم يجعلهم ملائكة، وأرسل رسله كل بلسان قومه، فيعرف أحوالهم ويعرفون حاله، ويعلم أعرافهم وقِيَمَهم، وصواب أفعالهم وأقوالهم وخطأها، حتى يعرف كيف يبدأ بتغيير أحوالهم، وعلى هذا السنن الإلهية جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته.
عبدَالله، سِرْ معي هناك وفي حجرات المصطفى عليه السلام لنَلِجَ فيها، ونعيش قصص الزوج الوفي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، لننهَل من مَعِينها، ونقارن حياتنا بحياته، لنكتشف الخلل في حياتنا، فنقوِّمه ونسعى للرقي والوصول لقدوتنا وإمامنا؛ كما أمر ربنا في كتابه العزيز: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
عبدَالله:
تعالَ معي ندخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد:
1- الرسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع زوجاته ويؤانسهن، ويستمع إليهن ويتحدث معهن، ويتفاعل مع حديثهن، ثم يُؤمَرن ببلاغ ما يكون في بيوتهن؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 34]؛ ففي حديث أم زرع الذي روته عائشة، وفيه أن إحدى عشرة امرأةً تعاهدن وتعاقدن ألَّا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا، فبدأت عائشة رضي الله عنها تروي قصصهن على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وصلت للمرأة الأخيرة، وكانت أحسنهن حالًا وأيسرهن عيشًا، وكان مأكلها ومشربها ومسكنها سعة كأحسن ما أنت سامع، وبعدما انتهت وسمِعها زوجها، قال لها زوجها مؤنسًا لها، ومتفاعلًا مع قصتها: ((كنت لكِ كأبي زرع لأم زرع))، فما حال الرجال مع نسائهم، هل يستمعون لزوجاتهم؟ أَلَا تعلم أن أكثر مشاكل النساء تُحل بمجرد السماع؟
2- رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسس حاجات زوجاته فيتعامل معها، تزوج المصطفى صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها صغيرةً تُحِبُّ اللعب، فكان يُدخل لها في بيتها من صويحباتها مَن يُؤنسها ويُدخل السرور عليها، ومرة لعِب صبيان أهل الحبشة في المسجد، فناداها؛ لتستمتع برؤيتهم وهم يلعبون، وجعلت تنظر إليهم متكئة على كتف حبيبها وزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوج أم سلمة رضي الله عنها وكان مربيًا لأولادها، والحديث المشهور: ((يا غلامُ، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، كان مع ولدها عمر، وصفية رضي الله عنها كانت في سفر فأبطأ بعيرها في المسير، فاستقبلها الرسول وهي تبكي، وتقول: "حملتني على بعيرٍ بطيء"، فمسح بيديه الطاهرتين عينيها.
وينتصر للمظلومة من نسائه، فلقد عيَّرت حفصةُ رضي الله عنها صفيةَ رضي الله عنها وقالت: "يا بنة اليهودي"، فبَكَتْ، فدخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ((ما يُبكيكِ، فأخبرته، فقال عليه الصلاة والسلام: إنك لابنة نبيٍّ، وإن عمك لَنبيٌّ، وإنك لتحت نبي، فبِمَ تفخر عليكِ؟ ثم قال: اتقي الله يا حفصةُ)).
3- حِلْم المصطفى عليه الصلاة والسلام وتحمُّله غَيرة النساء وحكمته في التعامل معها:
من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعدِّد للزوجات، فيتحمل غيرة عائشة مع صويحباتها، فهو أمر جبل الله النساء عليه، فمرة أتت أمُّ سلمة للنبي صلى الله عليه الصلاة والسلام بصحفة فيها طعام له ولأصحابه في يوم عائشةَ رضي الله عنها، فكسرت الصحفة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((غارت أمُّكم، غارت أمكم، فجمع الطعام وعوض بصحفة أخرى، وقال: طعام بطعام، وصحفة بصحفة))، وكأن شيئًا لم يكن، فعَذَرها لشدة غَيرتها، وأثنى عليها عند أصحابه بقوله: (أمكم)، يا أخي، هذا الموقف أمام نفر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف لو وضعت نفسك مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا أردت أن تعجب فاعجب لهذا الخبر؛ تقول عائشة رضي الله عنها: ((لما كانت ليلتي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظنَّ أن قد رقدتُ، فأخذ رداءه رويدًا، وانتعل رويدًا، وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدًا، فجعلت درعي في رأسي، واختمرت وتقنَّعت إزاري، ثم انطلقت على أثره، حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرت، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: ما لكِ يا عائشُ حَشْيَا رَابِيةً؟ قالت: لا شيء، قال: لتُخْبِرِيني أو لَيُخْبِرَنِّي اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي فأخبرته، فقال: أنت السواد الذي رأيته أمامي، قلت: نعم، فلَهَدَني في صدري لَهْدَةً أوجعتني، ثم قال: أظننتِ أن يحيفَ الله عليكِ ورسوله؟ قالت: مهما يكتمِ الناس يعلمه الله، قال: نعم، قال: فإن جبريل أتاني وأمرني أن أستغفر لأهل البقيع))، فكرِه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُوقَظ زوجه، وخشِيَ أن تستوحش، فلقد أخبرها بما أشغل خاطرها، وشتَّت ظنونها، وأثار غَيرتها، فأين سيذهب في مثل هذا الوقت؟ فتأمل معي هذا الحديث العظيم:
أ- عظيم رأفة الزوج بزوجه حيث لزم خروجه، وأراد ألَّا تستوحش زوجه.
ب- لاحظ الصراحة بين الطرفين، لما دخل عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم ويتردد نفَسها سريعًا، سألها عن سبب ذلك فأخبرته، ولم يُخْفِ عتبه عليها؛ فالعتب لا يكون إلا بين الأحباب.
ج- ونداء الزوج المحب لزوجه بالترخيم: (يا عائش)، فيا حبذا لو كان هذا بين الأزواج.
ومرة تقول عائشة رضي الله عنها: ((فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدمه وهو ساجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)).
4- الرسول عليه الصلاة والسلام وإدخال السرور على زوجاته:
فكان يغتسل مع أزواجه بإناء واحد، ويتتبع مكان موضع فمهن في الطعام والشراب فيشرب منه، وإذا دخل بيته بدأ بالسواك إشعارًا منه بأهمية اللقاء بينهما، وينام على فخذها، ويُقبِّلها، ويناديها بأحب الأسماء إليها، ويأخذ على خاطرها، وفي بيته يُفلي ثوبه، ويخصِف نعله، ويحلب شاته، ويكون في خدمة أهله.
ولقد سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض زوجاته فسبقته عائشة مرة ثم حملت اللحم فسبقها، وقال: ((هذه بتلك)).
وكان يهتم بأهل أزواجه ويُحسن إليهم، ويحتفي بهم أحياءً أو أمواتًا.
وما أكمل وأجمل كلام عائشة حين سُئلت عن خُلُقه قالت: "كان خلقه القرآن"! فصلَّى الله وسلم على رسول الأنام محمد عليه الصلاة والسلام.
5- الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفته الفائقة بزوجاته في جليل الأمور ودقيقها، وهذا دليل على قوة العلاقة بينهما:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ عليَّ غضبى، قلت: من أين تعلم ذاك يا رسول الله؟ قال: إذا كنتِ عني راضية، قلتِ: لا ورب محمدٍ، وإذا كنتِ عليَّ غضبى، قلتِ: لا ورب إبراهيم، فقالت: يا رسول الله، والله ما أهجر إلا اسمك)).
6- الرسول صلى الله عليه وسلم والعدل بين زوجاته: لا يفرق بينهن في المعاملة ويعاشرهن بالمعروف، ويخلص لهن في المحبة في حياتهن وبعد مماتهن.
قال ابن كثير رحمه الله: "كان من أخلاقه أنه جميل العشرة، دائم البِشر، يداعب أهله، ويتلطف معهم، ويوسع نفقته عليهم، ويُضاحك نسائه، ويجتمع مع نسائه كل ليلة في بيتِ التي يبيت عندها، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع امرأة من نسائه في شعار واحد، يضع كتفي الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء، يدخل منزله، ويسمُر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤنسهم بذلك".
ويعدِل عليه السلام بينهم ويقول: ((اللهم هذا قَسمي فيما أملِك، فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك)).
7- الرسول صلى الله عليه وسلم حكيم في التعامل مع متغيرات الحياة:
ولا يعني أن بيت النبوة لا مشكلات فيه، بل كم رفع زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم صوتهن عليه، لكنه كان يستحوذ الموقف، وكُنَّ يسألنه النفقة، ولقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاته شهرًا، ثم خُيِّرن بين البقاء معه أو مفارقته؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29]، حتى نعلم جميعًا - أيها الفضلاء - أن البيت وإن كان سعيدًا لا بد أن يأتي عليه شيء من منغِّصات الحياة، فالإنسان تُرضيه كلمة، وربما نظرة، وتسخطه مثلها؛ ولذا ما أحسن قول أبي الدرداء لزوجه: "إذا غضبتُ راضيني، وإذا أغضبتكِ سأُراضيكِ، وإلا لم نصطحب"!
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كرِهَ منها خُلُقًا، رضِيَ منها آخر))، وأنت - أيها المبارك - أمَا سمعت وصف نساء أهل الجنة: ((كل ودود ولود إذا غضبت منها، أو أسيء إليها، قالت: هذي يدي في يدك، لا أكتحل حتى ترضى)).
أسأل الله أن يحقق لكل الأزواج الراحة والسكن في منزله؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين؛ أما بعد عبدَالله:
فليُعلم أن الحياة الزوجية الناجحة تستمر إلى آخر لحظة في الدنيا؛ فلقد مات رسولكم صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة، واجتمع ريقها بريقه في السواك الذي قضمته وطيبته، ألَا فليكن قدوتنا قدوةً لنا، عليه الصلاة والسلام.
أيها الأزواج، هذا هَدْيُ رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ حُسنُ المعشر، وحسن الكلام، يحب مؤانسة أهل بيته ويعذرهم، ويتحمل خطأهم، ويقوِّمه، ويسعى لاستيعاب المواقف وفهمها، والتعامل معها، فليست قوامة الرجل على زوجه تعني التسلط وحب السيطرة، بل تعني بُعد النظر والتخطيط لمستقبل الأسرة، حتى تُنجب علماء نافعين لدينهم وبلدهم ومجتمعهم.
ولو التفتَّ ونظرتَ في بعض بيوتنا، تجد مشكلات كثيرة، مبدؤها أسباب تافهة نفخ الشيطان فيها وكبَّرها، فيكون البيت وساكنوه في نكدٍ لا يعلم حاله إلا الله، فإن لم يحصل طلاق فيضيع الأولاد، فلربما وجدت بيوتًا تسكن فيه الأبدان لا مكان لراحة الأرواح فيها، فالله الله في العذر والتغافل كي تسير سفينة الحياة، مُخرجة لنا أجيالًا نتفاخر بها، تنفع دينها ومجتمعها، ثم إن علاقة الزوجين متصلة، فإن أرضيتَ زوجك أرضَتْك، وعشتما في سكن وراحة، وإن أصبَحَ النكد ملازمًا لكما أو لأحدكما، عِشْتُما في النكد جميعًا، ألَا فلنتَّقِ الله في النساء، ولنعاشرهن بالمعروف، ولنحترم آراءهن، ولا نناقش أمور المنزل عند الأولاد، فما يكون داخل الغرف لا ينبغي أن يخرج عنها، نسأل الله للجميع حياة هادئة مطمئنة، وراحةَ بالٍ، وقرَّةَ عينٍ لا تنقطع.
اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيتَ عنه مُنتهين عنه، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182]، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.