طـــفــولـــــــــه وهـــــــــــم


هذه أنا ، وأحلامي القصيرة لم يخلقها الله مشوّهة أو عقيمة ، لكنني وُلدت لأرضع من ثدي الحُزن
لم أُذنب بحجم جريمة والدي ، هو من جاء بي إلى هذه الحياة وأنا أجهله.
أيها الصغار في عمري ، لاتبكوا بعد أن تُولدوا فأنتم تُحملون لتوضعوا من فوق صدور أمهاتكم
أما أنا فكنت أنام على رصيف شارع ممتلئ بالغبار ، أتدثر بصفيحة من القرطاس والخوف ينهش جسدي.
يا أبي الذي لاأعرف شيئاً من تفاصيل وجهك ، لاأعرف شيئاً عنك سوى أنكَ وهبتني هوية اللقيط لأُنادى بها
أنا اتوسّد حسرتي الآن وأبكيك .
صدّقني لا أشعر بأنني غريب ، لأنك لاتعلم أن الله قريب وأن فمي ممتلئ بالصراخ ولا أتذكر أنني فعلت
سألوني ، إبن مَن أنت..؟ وفي أي منزل تقطن..؟
هل تعلم ماكان جوابي..؟
لم أتبرأ منك كما فعلت بي.. بل أخبرتهم أنك جئت بي لتقذفني في شوارع الحُزن بلا أقدام.
أجبتهم وأنا أبكي حسرة على ماتفعله بنفسك..
فوالله ياأبي الذي لاأعرفك.. لن أغفر لكَ حتى وإن غفر الله لك

لا أعرف كيف تُحمل خُطاكُم ، لا أعي كيف تُمسكوا بـ أكوابكُم ،
لا أُدرك كمية الوجع في صدور أُمهاتِكُم / . . / ولا أُجيد كذلك فهم تعرجات جبين والدي !
أستمع أنا لـ نياحكُم / !
لا تُحدقوا النظر بـ أطرافي ، لا تدمع أعيُنكُم فوق أقدامي ‘
أستمع لـ صُراخه في وجهها فاقداً لـ عقله ، وهو يشرب من سُمه !
أستمع لـ / ضرب كأسه ، و تتساقط رائحة عفن خمره ، فأرسُم سُخريته مني ..
لا تبكوا !
فـ البُكاء لم يعُد كافياً لأن نهرب !
اصبحت في كُل ليلةٍ أنام فوق دماء أُمي ، و يُدثرنا سياطٌ كان خادشاً لـ جلدها ،
و أناملٌ قد حملته !
سألويها يوماً و أشرب دماؤها ، سأمتصُها ، و أُعيد الدمع لـ أُمي ،
سأرسُم من سُخريته ثُغراً باسماً لها !
لا تيأسوا يا اصحاب ، فلا أحد مِنهُم يمتلك شُروق صباحنا !
غشّوا أمانيكُم في الصدور !
فـ صدري / ضاق من رصاصٍ خبأتُه لـ وجهٍ ما زادني إلا حسرةً و نداما !
أما قلبي / فـ رُكام حُقده سيتفجر يوماً لـ لأمحو من إغتال أُمي بـ يداي !
و الجسد عندي لا قيمة له !
فـ إني لا أعرف كيف أُحرك أقدامي ، ولا كيف أقذف الرصاص بـ وجه والدي
أرأيتُم :
إنتهيت كـ ركام حُلم ، قبل أن تُبنى أحلامي ..

مهلاً.. كيف تتناوب حناجركم بالصراخ واحدة تلو الأخرى دون أن أفعل
ألستُ أنا صديقة حُزن قديمة..؟
بل أنا أكلت من علقم العُمر ماهو أقسى ، ممنة ، حزينة ، وتائهة.
طائفة من مدينة يقطر منها الغضب بعد أن أصبح الحقد يلطّخ جدائلي خصلة خصلة.
لم أفعل أكثر من كوني طفلة بريئة..
أنا ضحية شهوة ليت الله لم يخلقها ، أو ليت الموت أخذني قبل أن اسقط على فراش الإنكسار.
كنت أمشي إلى أُختي الكبرى لأخبرها بأنني لم أعُد تلك الطفلة البيضاء..
تعثرت بعجزي عن السير وسقطت، عُدت لأمشي لكنها لم تتكمل لأكثر من خطوتين فعُدت لأسقط
بكيت أمام بابها طويلاً إلى أن رأت ظليّ المكسور..
كانت تُحاول أن تغرس في صدر بكائي سكاكين الإطمئنان..
حتى أنهيت ليل البكاء بحسرة على ماأصبحت الآن به.
لم يبقى لي غيرك ياإلهي كي ينصفني منه.
فيا الله، أنت تعلم أنني لم أرتكِب مايجعلني ساقطة ، ولم أرتفع إلا بحبي لك..
ويا الله، أنت تعلم أنني لم أكُن أكثر من كوني طفلة إغتصبها حقير زاني، فلم يترك لها بالأرض سوى الموت المعلّق.
ويا الله، أنت تعلم أنني لم أكن أرى في وجهه إلا صورة أبي ، لكنه أسقطني في بئر خداعه وانتهك قداسة طفولتي..
ماذا أفعل يا الله بعد أن أصبحت طفلة غير قابلة للحياة ، كل ذنبها أنها كانت تظن بأن كل الرجال اباء.
 
    |
|
|