منتديات سكون القمر

منتديات سكون القمر (https://www.skoon-elqmar.com/vb//index.php)
-   ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//forumdisplay.php?f=2)
-   -   لا تسبوا جنود الله (https://www.skoon-elqmar.com/vb//showthread.php?t=184001)

حنان الجميله 12-02-2019 05:32 AM

لا تسبوا جنود الله
 
لا تسبوا جنود الله




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
صلَّى الإلهُ ومنْ يَحُف بِعَرْشه ♦♦♦ والطَّيبُون على المُبَارك أحمَدا
أما بعد فيا أيها الإخوة!
إن الله - تبارك وتعالى - هو مدبر الكون ومصرف أموره لا يخرج شيء من ذلك عن أمره، بل الكون كله تحت طوعه وإرادته سبحانه، قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 31، 32].

فالله هو الذي يدبر الأمر كله لا مدبر غيره، وبعض الناس يشكل عليه قوله تعالى: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ [النازعات: 1 - 5] لأن الله في هذه الآية أسند تدبير بعض الأمور إلى غيره، فلنعلم - أحبتي - أن هذا لا يعارض أن الله وحده الذي بيده تدبير الكائنات والمخلوقات مما نرى أو لا نرى، لأن المقصود بالمدبرات هنا الملائكة الذين يقومون على وظائف وظفهم الله - عز وجل - عليها وأمرهم بعملها والقيام بها كتسيير السحاب والرياح وإنزال الأمطار وسوق أسباب الرزق وخزانة النار والجنة إلى غير ذلك من الملائكة المدبرات، فهؤلاء إنما يدبرون ما أمروا به بأمره -عز وجل- وإذنه وباطلاعه وتقديره وعلمه، فعاد الأمر إليه سبحانه أولاً وآخراً.

ولهذا كذب من يعتقد أن الله خلق الخلق وفوض فيه غيره من الأولياء أو الأبدال أو الأوتاد. إلخ هذه المصطلحات التي يرددها من لا عقل له يزعم أن الكون يدبره هؤلاء دون الله، كمن يقول: إن للكون أقطاباً أو غيره، بل كل الأمر صغيره وكبيره عظيمه وغيره لا يحدث إلا عن إذن الله وأمره "قل إن الأمر كله لله"، ومن اعتقد ذلك وأيقن به قلبه -أيها الإخوة- لا ينفك ينسب الأشياء كلها إلى فاعلها الأول الحقيقي فلا يغضب من السماء لمطرها ولا من الأرض لزلزالها ولا من الريح لهبوبها، ويكون مرجعه إذا غضب أن يسأل ربه صرفها أو التخفيف منها، ولذلك هو لا يسب السماء ولا يسب المطر ولا يسب الريح لأن ذلك يعود إلى المحدث الخالق الموجد لها الذي سببها وهو الله.

ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الدهر كما شرحنا ذلك في لقاء سابق ونهى عن سب الريح وهذا هو موضوع حديثنا اليوم بمشيئة الله فسوف نتحدث عن الريح الآية والمعجزة والرحمة والعذاب وما ينبغي أن يقابلها به الإنسان وذلك من خلال الآيات والأحاديث والآثار والأقوال فتعالوا بنا نشنف الآذان ونمتع الأسماع والجنان بحديث هذا الجندي العظيم من جنود الله في الكون.

أيها الإخوة: الريح أو الرياح جندي عظيم من جنود الله في الكون يأمرها الله وينهاها فتطيع ويصرفها الله حيث يشاء فيجعلها إن شاء رحمة ونعمة ورخاء ويجعلها إن شاء عذاباً ونقمة وخراباً، ولهذا الجندي العظيم مكانة كبيرة في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك أن الله -عز وجل- عد الريح آية من آياته التي أرشد عباده إلى التفكير فيها للاستدلال على قدرته العظيمة والامتنان بنعمه الجسيمة وقرن بينها وبين أعظم نعمه في ذلك كما قال تعالى:﴿ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِي السموات وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الجاثية: 1 - 6]

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].

قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى: "وتصريف الرياح أي جنوباً وشمالاً ودبوراً وصبًا، ليلية ونهارية، منها ما هو للمطر ومنها ما هو للقاح ومنها ما هو غذاء للأرواح ومنها ما هو عقيم لا ينتج، تارة تأتي بالرحمة وتارة تأتي بالعذاب، تارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب، وتارة تسوقه وتارة تجمعه وتارة تفرقه وتارة تصرفه حيث يشاء الله.[1]


ولهذا - أيها الإخوة -: امتن الله - عز وجل - على عباده بأن جعل لهم الريح التي تجري الفلك من السفن والمراكب والباخرات في البحار بأمره، فترى السفينة الكبيرة والباخرة العظيمة في البحر كالجبل الذى في البر يحفظها الله ويرعاها ويذلل لها ويسخر جنديين من جنوده: البحر والرياح. قال -عز وجل-: "ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير".

نعم. لو شاء سكن الرياح فلا تتحرك السفن، أو جفف الماء فلا تسري ولا تجري بل تظل راكدة لا تجيء ولا تذهب بل واقفة على ظهره، أو لو شاء أهلك السفن بذنوب أهلها الذين يركبون على ظهرها ولكن يعف عن كثير من ذنوبهم ولو أخذهم بجميع ذنوبهم لأهلكهم، ولو شاء لأرسل الريح قوية عاتية فأخذت السفن وحولتها عن طريقها المستقيم أو دمرتها ولكن من لطفه أنه يرسل الريح بقدر الحاجة إليها فقط.

ومن عظم مكانة هذا "الجندي" الريح أقسم الله بها في كتابه كما قال -عز وجل-: "والذاريات ذرواً" قال علي بن أبي طالب هي الرياح وكما قال تعالى: "والمرسلات عرفا" قال ابن مسعود هي الرياح، وقال تعالى: "والناشرات نشراً" هي الرياح أيضاً في قول ابن مسعود "والعاصفات عصفاً" قال: هي الرياح[2] ومن ثم يكون الله سمى بها سورتين من سور القرآن الكريم وهي سورة الذاريات وسورة المرسلات بخلاف ما ذكر ما فيه من مواضع القرآن الكريم وهذا كاف في بيان مكانة هذا الجندي العظيم فهل مثل هذا يسب ويشتم؟!.

قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم: "لا ينبغي لأحد أن يسب الريح، فإنها خلق مطيع لله وجند من جنوده يجعلها الله رحمة إذا شاء ونقمة إذا شاء".[3]


وقد ذكر الله الرياح في القرآن العظيم كثيراً جدًاً تارة بأسماء الذاريات والمرسلات والعاصفات والرياح كما مر، وتارة بأسماء العاصف والقاصف والبشرى والإعصار والصرصر والعقيم وهذه منها ما هو أسماء وما هو صفات.

ومن عظيم ما ذكر الله تعالى من أمر الرياح في القرآن أنها كانت إحدى معجزات نبي من أنبياء الله الكرام وهو سليمان بن داود عليهما السلام قال الله تعالى ذكره: "ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين".

يقول الحافظ ابن كثير: "كان لسليمان عليه السلام بساط من خشب يوضع عليه كل ما يحتاج إليه من أمور المملكة والخيل والجمال والخيام والجند ثم يأمر الريح أن تحمله فتدخل تحته ثم تحمله فترفعه وتسير به، وتظله الطير من الحر إلى حيث يشاء من الأرض فينزل وتوضع آلاته وخشبه، كما قال تعالى: "وسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب" وكما قال -عز وجل-: "ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر".[4]


وقال سعيد بن جبير كان يوضع لسليمان عليه السلام ستمائة ألف كرسي فيجلس مما يليه مؤمنو الإنس ثم يجلس من ورائهم مؤمنو الجن، ثم يأمر الطير فتظلهم، ثم يأمر الريح فتحمله صلى الله عليه وسلم. [5]


وقال عبد الله بن عبيد بن عمير: كان سليمان عليه السلام يأمر الريح فتجتمع كالطود العظيم كالجبل ثم يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكان منها ثم يدعو بفرس من ذوات الأجنحة فترتفع حتى تصعد على فراشه ثم يأمر الريح فترتفع به كل شرف دون السماء وهو مطأطئ رأسه، ما يلتفت يميناً ولا شمالاً تعظيماً لله - عز وجل - وشكراً لما يعلم من صغر ما هو فيه في ملك الله. [6]


أيها الإخوة. مثل هذا يسب ويشتم؟ إنه جندي من جنود الله مطيع ما بيده شيء قط إنما أمره بيد ربه يصرفه حسبما يرى ويوجهه حيثما يشاء فلا مشيئة له إلا بالله ولا إرادة له إلا بالله ولا قدرة له إلا بالله، فليتق الله من يسب الريح وليعلم أن ذلك حرام حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند صحيح من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أمرت به". [7]


أيها الحبيب. هل تدبرت معي هذه اللفظة "ما أمرت به" فالريح مخلوقة مأمورة مدبرة مقهورة لا تأثير لها في شيء إلا بأمر مدبرها ومصرفها - سبحانه وتعالى -، فإذا سبها ساب أو شتمها شاتم فإلى من يكون رجوع هذا السب والشتم؟ هل تدرى؟! واأسفاه إن الشتم والسب حينئذ يرجع إلى مدبرها ومالك أمرها ومن أزمة الأمور كلها بيده رب العالمين سبحانه وهو غير جائز على الإطلاق من عاقل فضلًا عن مسلم موحد.

فالواجب أن نحمد الله على ما جاءت به الريح من خير ونعوذ به وحده مما جاءت به من شر وهو سبحانه رازق الخير ومانع الضر والشر، وفي هذا العمل طاعة لله - عز وجل -، أن يقول العبد هذا الذكر النبوي الكريم هذه طاعة لله تعالى: "اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به"، وقاعدة الشرع أنه ما استجلبت نعمة بمثل طاعة الله وشكره ولا استدفعت نقمة بمثل الالتجاء إليه ودعائه والاستغفار من الذنوب، والتوبة ولذلك أرشد النبي إلى الدعاء ساعة هبوب الريح وعصفها.

ويقاس على هذا - أيها الإخوة - سب كل مخلوق مسير كسب السحاب والزلازل فإنه أيضاً لا يجوز.

فلا ينبغي أن يسب أحد الريح، لأنها مأمورة بما تفعله من الله تعالى، ولأنه لا يعتقد معتقد أبداً أن ذلك عن إرادتها أو حريتها لأن اعتقاد ذلك من الشرك بالله -عز وجل- فلا فاعل ولا مدبر ولا مريد لشيء في الكون إلا بأمره وإذنه -عز وجل-.

ولذلك - أيها الإخوة - كان من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح أن يدعو بهذا الدعاء، بل كان صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح فزع فزعاً شديداً وعرف ذلك في وجهه.

روى مسلم من حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه أقبل وأدبر، فإذا أمطرت سُرّ به وذهب عنه ذلك قالت عائشة فسألته فقال: "إني خشيت أن يكون عذاباً سلط على أمتي"، ويقول إذا رأى المطر: "رحمة".[8]


وفي الحديث الذي أخرجه مسلم - كذلك - من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواتة، إنما كان يبتسم، قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحاً عرف في وجهه، فقالت رضي الله عنها يا رسول الله أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية قالت: فقال: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا". [9]


وهؤلاء القوم هم عاد أهلكهم الله تعالى بالريح كما قال جل شأنه: "وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم" وكما قال عز من قائل: "كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصراً في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".

يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: كانت الريح التي أرسلها الله على عاد قوم هود تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار ثم تنكسه على أم رأسه فيسقط إلى الأرض فتنقلع رأسه فيبقى جثة بلا رأس ولهذا قال: "كأنهم أعجاز نخل منقعر".[10]


وهذا الذي فعل بهم -أيها الإخوة-: هو عذاب مستمر موصول بعذاب الآخرة نعوذ بالله من سوء المصير.

وروى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: الريح مسخرة من الأرض الثانية، فلما أراد الله أن يهلك عاداً أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحاً تهلك عاداً فقال: أي رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور فقال له الجبار -تبارك وتعالى-: لا، إذا تكفأ الأرض ومن عليها ولكن أرسل عليهم من الريح بقدر خاتم، قال: فهي التي يقول الله في كتابه: ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم"[11]فيا الله يا ودود يا حليم يا لطيف يا غفور يا رحيم يا عفو سبحانك ما قدرناك حق قدرك وما عظمناك حق تعظيمك.

وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم كما في البخاري وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نصرت بالصبا - أي الريح الشرقية وأهلكت عاد بالدبور[12] أي الريح الجنوبية أو الغربية.

فنصر الله نبيه محمداً في الأحزاب بالريح كما قال -عز وجل-:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 9 - 11].

فكيف حدث هذا؟
والجواب بعد جلسة الاستراحة أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علمًا وأستغفر الله لي ولكم.
• • •

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد، فيا أيها الإخوة!
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 9 - 11].

كيف حدث هذا؟ في الصحيح أن الله قد أرسل عليهم ريحاً شديدة الهبوب قوية حتى لم تبق لهم خيمة ولا شيء ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار حتى ارتحلوا خائبين خاسرين حتى ذكر ابن جرير عن عكرمة قال: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب: انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل قال: فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا أي الشرقية وحرمت الشمالية والجنوبية ذلك الفخر.

وعن عبد الله بن عمر قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون ليلة الخندق في برد شديد وريح بالمدينة فقال: ائتنا بطعام ولحاف قال: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال: "من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا" قال: فذهبت والريح تسفي كل شيء فجعلت لا ألقى أحداً إلا أمرته بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال فما يلوى أحد منهم عنقه. قال وكان معي ترس لي فكانت الريح تضربه علي وكان فيه حديد قال فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي فأنفذها إلى الأرض. [13]


ريح قوية شديدة حتى فعلت - أيها الإخوة - الأفاعيل بالمشركين يقول حذيفة الذي نقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال معسكر المشركين من الأحزاب وقتها: قال فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله - عز وجل -، تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناء. سبحان ربي تقتلع خيامهم وتكفأ قدورهم حتى قال أبو سفيان: والله ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء يا معشر قريش لقد لقينا من هذه الريح الذي ترون فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام راجعاً وقاموا معه[14] ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله عزيزاً حكيماً.

هذه هي الريح التي نصرت رسول الله "نصرت بالصبا". وأما الريح التي أهلكت عاداً فجاء في تفصيل ذلك حديث أخرجه الترمذي وسنده حسن من حديث الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالرَبْذَة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت لي: يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت بها المدينة، فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها. قال: فجلست، فدخل منزله -أو قال: رحله-فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فسلمت، فقال: "هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم، وكانت لنا الدبرة عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب: فأذن لها فدخلت، فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت، وقالت: يا رسول الله، فإلى أين يضطر مضطرك؟ قال: قلت: إن مثلي ما قال الأول: "مِعْزَى حَمَلَت حَتْفَها"، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد. قال: "هيه، وما وافد عاد؟"-وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه -قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له: قَيل، فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما"الجرادتان"-فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مَهْرة فقال: اللهم، إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه. فمرت به سحابات سود، فنودي منها: "اختر"، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، فنودي منها: "خذها رمادًا رمددًا، لا تبقي من عاد أحدا". قال: فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا، حتى هلكوا-قال أبو وائل: وصدق -وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا: "لا تكن كوافد عاد".[15] والحديث أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح.

قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 21 - 25].

وكما أن الريح - أيها الإخوة - أداة نصر من الله لأوليائه على أعدائه ووسيلة عذاب وانتقام من المعاندين لرسله وأنبيائه، فكذلك لها وظائف أخرى ومن هذه الوظائف أنها تلقح النبات بأمر ربها كما قال سبحانه: "وأرسلنا الرياح لواقح".

ومن وظائفها أن تسير بالسحاب وتصرفه حيث يشاء الله كما قال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57].

ومن وظائفها أن تثير السحاب وأن تحمله وأن تسوقه وأن تكون بشراً بين يديه كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48]

ومن وظائفها كما يقول الحافظ ابن كثير: "ومنها ما يسقم الأرض".

ومن وظائفها ما قال مطرف بن عبد الله بن الشخير - رحمه الله -: لولا الريح لأنتن ما بين السماء والأرض".

اللهم لك الحمد على نعمة الهواء الذى لولا تقديرك عصيان بنى آدم بتلويثه لكان أنقى وأصفى وأشهى يشبع من جوع ويروى من ظمأ ويشفى من سقم.

ونشكوا إلى الله كل من لوث الهواء الذى خلقه الله نقيًا تشكو قلوب المؤمنين إلى ربها كل من لوث الهواء بسبب من الأسباب فرحماك ربنا اهد عبادك.

ومن عجائب وظائف الريح أنها تفضح العصاة وتنفي خبثهم وترسل لتريح الأرض من شرهم روى أحمد وحسنه الأرناؤط في تخريج المسند من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين".[16]


وروى مسلم من حديث جابر كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد تدفن الراكب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت هذه الريح لموت منافق"، فلما قدم المدينة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات. [17]


ومن وظائف الريح أنها تقبض أرواح المؤمنين قرب الساعة كما في مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته". [18]


وفيه من حديث عبد الله بن عمرو وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مَسُّها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة".[19]


ومن أفضل ما قرأت -أيها الإخوة- بشأن الريح أنها تهب في الجنة، فلا تنقطع الريح عن الهبوب بفناء الدنيا، بل تهب في الجنة، ولكن سبحان ربي فرق بين ريح وريح.

روى مسلم من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِى وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً ».[20]


نسأل الله العلي الكريم أن لا يحرمنا أبداً ريح الشمال في سوق الجنة كل جمعة وهكذا أيها الإخوة هذه باختصار شديد بعض أخبار هذا الجندي الذي يطيع الله ويأتمر بأمره وهو مسخر ومدبر ومقهور بمشيئته -عز وجل- فمثل هذا يسب؟ نعوذ بالله من الخذلان ونسأل الله أن يجعلنا ممن يعتبر بآياته ويقدر آلاءه ويشكر نعماءه فاللهم غفرانك لما عسى أن يكون قد صدر عنا مما يغضبك واللهم لك الحمد حمدًا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا راد لما قضيت، ولا معقب لما حكمت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد

عطر الزنبق 12-02-2019 04:32 PM

https://www11.0zz0.com/2013/02/05/15/522601219.gif

نهيان 12-02-2019 06:58 PM

https://i.pinimg.com/236x/c9/97/a1/c...ntage-rose.jpg

حنان الجميله 12-04-2019 09:45 PM

https://www.skoon-elamar.com/vb/data...AASUVORK5CYII=


الساعة الآن 07:34 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا