![]() |
سؤال الناس بين الحاجة والامتهان
سؤال الناس بين الحاجة والامتهان
وهاك حل ثالث للفقير المحتاج يدلنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "من أصابته فاقة، فأنزلها بالناس، لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، أوشك الله له، بالغنى، إما بموت عاجل، أو غنى عاجل"... أتعلم أن على وجه هذه الأرض أناسٌ يبيتون عرايا لا ثوب يدفئهم ولا سقف يؤويهم، وأن هذا أحب إليهم من أن يسألوا الناس شيئًا... إن فيمن حولنا من البشر أقواما أن يبيتوا جوعى يعصبون الأحجار على بطونهم أهون عليهم من أن يمدوا أيديهم يستجدون الناس... إن هناك نفوسًا أن تُقطع رقابها أو تُجلد ظهورها أحب إليها من أن تمد اليد أو تطأطئ الرأس لغير الله... إنه يحيا بيننا أقوام في صمت ويعانون في صمت ويجوعون في صمت لا يحس بهم أحد ولا يشكون لأحد؛ تعففًا واستغناء بالله عمن سواه: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)[البقرة: 273]، لسان حالهم: لنقل الصخر من قلل الجبال *** أحب إلي من منن الرجال يقول الناس لي في الكسب عار *** فقلت العار في ذل السؤال وذقت مرارة الأشياء طرًا *** فما طعم أَمَرَّ من السؤال ولقد روى ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقد مسابقة جائزتها الجنة، فقال: "ومن يتقبل لي بواحدة أتقبل له بالجنة؟" قلت: أنا، قال: "لا تسأل الناس شيئًا"، فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه، حتى ينزل فيأخذه(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وما تعلَّمه ثوبان نظريًا قد فقهه حكيم بن حزام لكن عمليًا؛ يقول حكيم -رضي الله عنه-: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ثم قال: "يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى"، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر -رضي الله عنه-، يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر -رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا... فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توفي(متفق عليه). *** ولقد قدَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- حلًا عمليًا يغني المحتاجين عن التسول فقال: "لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه"(متفق عليه)؛ إنه العمل والأكل من كد اليد. لكن العمل وحده لن يجدي إلا إذا كان معه الصبر والتعفف، يحكي أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال: "ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر"(متفق عليه). وهاك حل ثالث للفقير المحتاج يدلنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "من أصابته فاقة، فأنزلها بالناس، لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، أوشك الله له، بالغنى، إما بموت عاجل، أو غنى عاجل"(رواه أبو داود، وصححه الألباني). عزيز النفس من لزم القناعة *** ولم يكشـف لمخـلوق قِناعه فمن يركن إلى الرحمن يسعد *** ومن يركن إلى عبد أضاعه *** وكل ما سبق كلامنا لمن يسأل الناس وهو مضطر مكروب لا يجد حيلة ولا يستطيع سبيلًا؛ لكن المصيبة كل المصيبة من تسول الناس تكثرًا؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سأل الناس أموالهم تكثرًا، فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر"(رواه مسلم)، وما أبشع حاله يوم القيامة؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم"(متفق عليه). لكن ما الحد بين المحتاج وغير المحتاج؟ لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش، أو كدوح"، فسألوه: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: "خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذهب"(رواه الترمذي، وصححه الألباني). بل حدد -صلى الله عليه وسلم- حالات -دون غيرها- يجوز فيها سؤال الناس قائلًا لقبيصة -رضي الله عنه-: "يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش-، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش-، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا يأكلها صاحبها سحتًا"(رواه مسلم). *** لكن ليس كل الفقراء المحتاجين يستطيعون العمل فقد يكونوا من الضعفاء؛ شيخ كبير أو طفل صغير أو مريض بمرض مزمن... فهنا نقول: ليتحمل كل مسلم مسئوليته كي لا يضطر هؤلاء إلى السؤال؛ فلتتحمل الحكومات مسئوليتها ببرامج الحماية الاجتماعية لرعاية الأيتام والأرامل والمطلقات والمرضى... وليتحمل الأغنياء مسئولياتهم بإخراج زكاة أموالهم، بل وبالزيادة عليها في وقت الأزمات والكوارث والحروب، وصدق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يضيع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حسابًا شديدًا، ويعذبهم عذابًا أليمًا". فيا أيها الأغنياء: اتقوا الله -عز وجل- فيما خولكم الله من أموال، وتذكروا أنكم لا تتفضلون على الفقراء؛ بل إنما تعطونهم حقهم الذي كتب الله لهم؛ (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[المعارج: 24-25]. ويا كل من ولاهم الله -تعالى- أمور المسلمين ليكن نصب أعينكم فعل عمر -رضي الله عنه- حين حمل على ظهره زادًا للأرملة وأيتامها الجائعين وهو أمير المؤمنين، وليكن في آذانكم قولة الفاروق عمر: "لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله -تعالى- سائلي عنها يوم القيامة"(حلية الأولياء، والأثر حسن بمجموع طرقه). |
تسلمي يالغالية على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع دمتي ودام لنا روعه مواضيعك |
جزاكـ الله بخير الجزاء والجنه
باركـ الله فيكـ ونفع بكـ وجعله في موازين حسناتك اضعاف مضاعفه لاتعد ولا تحصى |
جزااك الله كل خير
وجعله الباري في موازين حسناتك دمت بحفظ الباري:137: |
جزاك الله خير واثابك الجنه
|
الساعة الآن 02:42 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.