«كان لا يخطئ رسولُ الله

أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله

في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله

بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها، فلما رآه أبو بكر قال: «ما جاء رسولُ الله

في هذه الساعة إلا لأمر حدث»، فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله

وليس عند رسول الله

أحد إلا أنا وأختي
أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله

: «أخرج عني مَن عندك»، قال: «يا رسول الله إنما هما ابنتاي،
[51] وما ذاك فداك أبي وأمي؟»، قال: «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة»، فقال أبو بكر: «الصحبة يا رسول الله؟»، قال: «الصحبة»، قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي.
[50]»
«فأخبرني
عروة بن الزبير أن رسول الله

لقي
الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من
الشام (إلى مكة)، فكسى الزبيرُ رسول الله

وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله

من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من
اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله

وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: «يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون»، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله

بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر
ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله

صامتاً، فطفق من جاء من
الأنصار ممن لم ير رسول الله

يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمسُ رسول الله

، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناسُ رسولَ الله

عند ذلك، فلبث رسول الله

في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله

، ثم ركب راحلته وسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند
مسجد رسول الله 
بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر
أسعد بن زرارة، فقال رسول الله

حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل»، ثم عاد رسول الله

الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يا رسول الله»، فأبى رسول الله

أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً، فطفق رسول الله

ينقل معهم اللبن في بنيانه، وهو يقول حين ينقل اللبن:
شهد أبو بكر مع النبي محمد