بسم لله الرحمن الرحيم
تزوج الحجاج بن يوسف الثقفي من امرأة اسمها هند بنت المهلب رغماً عنها وكانت أجمل وأذكى نساء عصرها ، وذات مرة وبعد مرور سنة على زواجهما جلست هند أمام المرآة تترنم بهذين البيتين:
وماهندُ إلَّا مهْرةٌ عربيةٌ
سليلةُ أفراسٍ تحللَها بغْلُ
فإنْ وِلدَتْ مهْراً فللهِ درُّها
و إنْ وِلدَتْ بغْلاً فقد جاءَ بهِ البغلُ
فسمعها الحجاج فغضب ، فذهب إلى خادمه وقال له اذهب اليها وبلغها أني طلقتها في كلمتين فقط لو زدت ثالثة قطعتُ لسانك ،وأعطها هذه العشرين ألف دينار ، فذهب اليها الخادم فقال لها:
كنْتِ .. فبنْتِ !!
كنتِ يعني كنتِ زوجته
فبنتِ يعني أصبحت طليقته
ولكنها كانت أفصح من الخادم فقالت:
كنا فما فرحنا … فبنا فما حزنا !!
وقالت : خذ هذه العشرين ألف دينار لك بالبشرى التي جئتَ بها !!
وبعد طلاقها من الحجاج لم يجرؤ أحد على خطبتها
وهي لم تقبل بمن هو أقل من الحجاج ، فاغرت بعض الشعراء بالمال فامتدحوها وامتدحوا جمالها عند عبد الملك بن مروان ، فأعْجِب بها وطلب الزواج منها .
وأرسل الى عامله على الحجاز ليخبرها له، أي يصفها له ، فأرسل له يقول إنها لاعيب فيها ، فلما خطبها كتبتْ له وقالتْ له :
ان الإناء قد ولغ فيه الكلب
فارسل لها:
اغسليه سبعآ احداهما بالتراب .
ووافقتْ وبعثتْ إليه برسالة اخرى تقول: أوافق بشرط
أن لا يسوق بعيري من مكاني هذا إليك في بغداد إلَّا الحجاج نفسه !!
فوافق الخليفة ، و أمر الحجاج بذلك .
فبينما الحجاج يسوق الراحلة إذا بها توقع من يدها ديناراً متعمدة ذلك ، فقالت للحجاج:
يا غلام لقد وقع مني درهم فأعطنيه فأخذه الحجاج فقال لها
إنه دينار وليس درهماً
فنظرتْ إليه وقالت:
الحمد لله الذي أبدلَني بدل الدرهم دينارا
ففهمها الحجاج و أسرَّها في نفسه أي أنها تزوجتْ خيراً منه
وعند وصولهم تأخَّر الحجاج في الأسطبل والناس يتجهزون للوليمة فأرسل إليه الخليفة ليطلب حضوره
فرد عليه :
ربتني أمي على ألَّا آكل فضلات الرجال
ففهم الخليفة و أمر أن تدخل زوجته بأحد القصور ولم يقربها إلَّا أنه كان يزورها كل يوم بعد صلاة العصر ، فعلمتْ هي بسبب عدم دخوله عليها، فاحتالتْ لذلك وأمرت الجواري أن يخبروها بقدومه لأنها أرسلت إليه أنها بحاجة له في أمر .
فتعمدتْ قطع عقد اللؤلؤ عند دخوله ورفعتْ ثوبها لتجمع فيه اللآليء ، فلما رآها عبد الملك أثارته روعتها وحسن جمالها ونَدِم لعدم دخوله بها لكلمة الحجاج تلك ، فقالت وهي تنظم حبات اللؤلؤ:
سبحان الله
فقال عبد الملك مستفهما:
لِمَ تسبحين الله ؟!!
فقالت: أن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك
قال: نعم
قالت: ولكن شاءت حكمته ألَّا يستطيع ثقْبَه إلَّا الغجر
فقال متهللاً: نعم والله صدقتِ وفهم قصدها ، وقال قبَّح الله من لامني فيك ودخل بها من يومه هذا
فغلب كيدُها كيد الحجاج !!