عرض مشاركة واحدة
قديم 03-14-2021, 08:52 PM   #249


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.



تابع – سورة المدثر


محاور مواضيع السورة :
«وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا» ..
فهم الذين يثير ذكر العدد في قلوبهم رغبة الجدل ولا يعرفون مواضع التسليم ومواضع الجدل. فهذا الأمر الغيبي كله من شأن اللّه ، وليس لدى البشر عنه من علم كثير ولا قليل ، فإذا أخبر اللّه عنه خبرا فهو المصدر الوحيد لهذا الطرف من الحقيقة ، وشأن البشر هو تلقي هذا الخبر بالتسليم ، والاطمئنان إلى أن الخير في ذكر هذا الطرف وحده ، بالقدر الذي ذكره ، وأن لا مجال للجدل فيه ، فالإنسان إنما يجادل فيما لديه عنه علم سابق يناقض الخبر الجديد أو يغايره. أما لماذا كانوا تسعة عشر (أيا كان مدلول هذا العدد) فهو أمر يعلمه اللّه الذي ينسق الوجود كله ، ويخلق كل شيء بقدر. وهذا العدد كغيره من الأعداد. والذي يبغي الجدل يمكنه أن يجادل وأن يعترض على أي عدد آخر وعلى أي أمر آخر بنفس الاعتراض .. لماذا كانت السماوات سبعا؟ لماذا كان خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار؟ لماذا كان حمل الجنين تسعة أشهر؟ لماذا تعيش السلاحف آلاف السنين؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ والجواب : لأن صاحب الخلق والأمر يريد ويفعل ما يريد! هذا هو فصل الخطاب في مثل هذه الأمور ..
«لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ، وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ» ..
فهؤلاء وهؤلاء سيجدون في عدد حراس سقر ما يدعو بعضهم إلى اليقين ويدعو البعض إلى ازدياد الإيمان.
فأما الذين أوتوا الكتاب فلا بد أن لديهم شيئا عن هذه الحقيقة ، فإذا سمعوها من القرآن استيقنوا أنه مصدق لما بين يديهم عنها. وأما الذين آمنوا فكل قول من ربهم يزيدهم إيمانا. لأن قلوبهم مفتوحة موصولة تتلقى الحقائق تلقيا مباشرا وكل حقيقة ترد إليها من عند اللّه تزيدها أنسا باللّه .. وستشعر قلوبهم بحكمة اللّه في هذا العدد ، وتقديره الدقيق في الخلق ، فتزيد قلوبهم إيمانا. وتثبت هذه الحقيقة في قلوب هؤلاء وهؤلاء فلا يرتابون بعدها فيما يأتيهم من عند اللّه.

«وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ : ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟» ..
وهكذا تترك الحقيقة الواحدة أثرين مختلفين في القلوب المختلفة .. فبينما الذين أوتوا الكتاب يستيقنون ، والذين آمنوا يزيدون إيمانا ، إذا بالذين كفروا وضعاف القلوب المنافقون في حيرة يتساءلون : «ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟» .. فهم لا يدركون حكمة هذا الأمر الغريب. ولا يسلمون بحكمة اللّه المطلقة في تقدير كل خلق.
ولا يطمئنون إلى صدق الخبر والخير الكامن في إخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ..
«كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ» ..
كذلك. بذكر الحقائق وعرض الآيات. فتتلقاها القلوب المختلفة تلقيا مختلفا. ويهتدي بها فريق وفق مشيئة اللّه ويضل بها فريق حسب مشيئة اللّه. فكل أمر مرجعه في النهاية إلى إرادة اللّه المطلقة التي ينتهي إليها كل شيء. وهؤلاء البشر خرجوا من يد القدرة باستعداد مزدوج للهدى وللضلال فمن اهتدى ومن ضل كلاهما يتصرف داخل حدود المشيئة التي خلقتهم بهذا الاستعداد المزدوج ، ويسرت لهم التصرف في هذا أو ذاك ، في حدود المشيئة الطليقة ، ووفق حكمة اللّه المكنونة.
وتصور طلاقة المشيئة وانتهاء كل ما يقع في هذا الوجود إليها تصورا كاملا واسع المدلول ، يعفي العقول من الجدل الضيق حول ما يسمونه الجبر والإرادة. وهو الجدل الذي لا ينتهي إلى تصور صحيح ، بسبب أنه يتناول المسألة من زاوية ضيقة ، ويضعها في أشكال محددة نابعة من منطق الإنسان وتجاربه وتصوراته المحدودة! بينما هو يعالج قضية من قضايا الألوهية غير المحدودة! لقد كشف اللّه لنا عن طريق الهدى وطريق الضلال. وحدد لنا نهجا نسلكه فنهتدي ونسعد ونفوز. وبيّن لنا نهوجا ننحرف إليها فنضل ونشقى ونخسر. ولم يكلفنا أن نعلم وراء ذلك شيئا ، ولم يهبنا القدرة على علم شيء وراء هذا. وقال لنا : إن إرادتي مطلقة وإن مشيئتي نافذة .. فعلينا أن نعالج - بقدر طاقتنا - تصور حقيقة الإرادة المطلقة والمشيئة النافذة. وأن نلتزم النهج الهادي ونتجنب النهوج المضللة. ولا ننشغل في جدل عقيم حول ما لم نوهب القدرة على إدراك كنهه من الغيب المكنون. ومن ثم ننظر فنرى كل ما أنفقه المتكلمون في مسألة القدر على النحو الذي تكلموا به جهدا ضائعا لا طائل وراءه لأنه في غير ميدانه ..

إننا لا نعلم مشيئة اللّه المغيبة بنا ، ولكننا نعلم ماذا يطلب اللّه منا لنستحق فضله الذي كتبه على نفسه. وعلينا إذن أن ننفق طاقتنا في أداء ما كلفنا ، وأن ندع له هو غيب مشيئته فينا. والذي سيكون هو مشيئته ، وعند ما يكون سنعرف أن هذه مشيئته لا قبل كونه! والذي سيكون وراءه حكمة يعرفها العليم بالكل المطلق .. وهو اللّه وحده .. وهذا هو طريق المؤمن في التصور ومنهجه في التفكر ..
«وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» ..
فهي غيب. حقيقتها. ووظيفتها. وقدرتها .. وهو يكشف عما يريد الكشف عنه من أمرها ، وقوله هو الفصل في شأنها. وليس لقائل بعده أن يجادل أو يماحك أو يحاول معرفة ما لم يكشف اللّه عنه ، فليس إلى معرفة هذا من سبيل ..
«وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ» ..
و«هِيَ» إما أن تكون هي جنود ربك ، وإما أن تكون هي سقر ومن عليها. وهي من جنود ربك. وذكرها جاء لينبه ويحذر لا لتكون موضوعا للجدل والمماحكة! والقلوب المؤمنة هي التي تتعظ بالذكرى ، فأما القلوب الضالة فتتخذها مماحكة وجدلا! ويعقب على هذه الوقفة التقريرية لهذه الحقيقة من حقائق الغيب ، ولمناهج التصور الهادية والمضللة .. يعقب على هذا بربط حقيقة الآخرة ، وحقيقة سقر ، وحقيقة جنود ربك ، بظواهر الوجود المشهودة في هذا العالم ، والتي يمر عليها البشر غافلين ، وهي تشي بتقدير الإرادة الخالقة وتدبيرها ، وتوحي بأن وراء هذا التقدير والتدبير قصدا وغاية ، وحسابا وجزاء :
«كَلَّا وَالْقَمَرِ. وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ. وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ. إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ» ..
ومشاهد القمر ، والليل حين يدبر ، والصبح حين يسفر .. مشاهد موحية بذاتها ، تقول للقلب البشري أشياء كثيرة وتهمس في أعماقه بأسرار كثيرة وتستجيش في أغواره مشاعر كثيرة. والقرآن يلمس بهذه الإشارة السريعة مكامن هذه المشاعر والأسرار في القلوب التي يخاطبها ، على خبرة بمداخلها ودروبها! وقلّ أن يستيقظ قلب لمشهد القمر حين يطلع وحين يسري وحين يغيب .. ثم لا يعي عن القمر شيئا يهمس له به من أسرار هذا الوجود! وإن وقفة في نور القمر أحيانا لتغسل القلب كما لو كان يستحم بالنور! وقلّ أن يستيقظ قلب لمشهد الليل عند إدباره ، في تلك الهدأة التي تسبق الشروق ، وعند ما يبدأ هذا الوجود كله يفتح عينيه ويفيق .. ثم لا ينطبع فيه أثر من هذا المشهد وتدب في أعماقه خطرات رفافة شفافة.


( يتبع )



.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس