عرض مشاركة واحدة
قديم 01-22-2021, 06:43 PM   #19


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





.



.

.

[/ce

تابع – سورة البقرة

مثلان مصوران لخسارة المنافقين

ولعلنا نلمح أن الحيز الذي استغرقه رسم هذه الصورة الثالثة قد جاء أفسح من الحيز الذي استغرفه رسم الصورة الأولى والصورة الثانية . .
ذلك أن كلا من الصورتين الأوليين فيه استقامة على نحو من الأنحاء وفيه بساطة على معنى من المعاني . . الصورة الأولى صورة النفس الصافية المستقيمة في اتجاهها , والصورة الثانية صورة النفس المعتمة السادرة في اتجاهها . أما الصورة الثالثة فهي صورة النفس الملتوية المريضة المعقدة المقلقلة . وهي في حاجة إلى مزيد من اللمسات , ومزيد من الخطوط كيما تتحدد وتعرف بسماتها الكثيرة . .
على أن هذه الإطالة توحي كذلك بضخامة الدور الذي كان يقوم به المنافقون في المدينة لإيذاء الجماعة المسلمة , ومدى التعب والقلق والاضطراب الذي كانوا يحدثونه ; كما توحي بضخامة الدور الذي يمكن أن يقوم به المنافقون في كل وقت داخل الصف المسلم , ومدى الحاجة للكشف عن ألاعيبهم ودسهم اللئيم .
وزيادة في الإيضاح , يمضي السياق يضرب الأمثال لهذه الطائفة ويكشف عن طبيعتها , وتقلباتها وتأرجحها ليزيد هذه الطبيعة جلاء وإيضاحا:
(مثلهم كمثل الذي استوقد نارا , فلما أضاءت ما حوله , ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون . صم بكم عمي فهم لا يرجعون). .
. إنهم لم يعرضوا عن الهدى ابتداء , ولم يصموا آذانهم عن السماع , وعيونهم عن الرؤية وقلوبهم عن الإدراك , كما صنع الذين كفروا . ولكنهم استحبوا العمى على الهدى بعد ما استوضحوا الأمر وتبينوه . . لقد استوقدوا النار , فلما أضاء لهم نورها لم ينتفعوا بها وهم طالبوها . عندئذ (ذهب الله بنورهم)الذي طلبوه ثم تركوه: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون)جزاء إعراضهم عن النور !

وإذا كانت الآذان والألسنة والعيون , لتلقي الأصداء والأضواء , والانتفاع بالهدى والنور , فهم قد عطلوا آذانهم فهم(صم)وعطلوا ألسنتهم فهم(بكم)وعطلوا عيونهم فهم(عمي). . فلا رجعة لهم إلى الحق , ولا أوبة لهم إلى الهدى . ولا هداية لهم إلى النور !
ومثل آخر يصور حالهم ويرسم ما في نفوسهم من اضطراب وحيرة وقلق ومخافة:
(أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق , يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت . والله محيط بالكافرين . يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه , وإذا أظلم عليهم قاموا , ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم . إن الله على كل شيء قدير). .
إنه مشهد عجيب , حافل بالحركة , مشوب بالاضطراب . فيه تيه وضلال , وفيه هول ورعب , وفيه فزع وحيرة , وفيه أضواء وأصداء . . صيب من السماء هاطل غزير (فيه ظلمات ورعد وبرق). . (كلما أضاء لهم مشوا فيه). . (وإذا أظلم عليهم قاموا). . أي وقفوا حائرين لا يدرون أين يذهبون . وهم مفزعون: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت). .
إن الحركة التي تغمر المشهد كله:من الصيب الهاطل , إلى الظلمات والرعد والبرق , إلى الحائرين المفزعين فيه , إلى الخطوات المروعة الوجلة , التي تقف عندما يخيم الظلام . . إن هذه الحركة في المشهد لترسم - عن طريق التأثر الإيحائي - حركة التيه والاضطراب والقلق والأرجحة التي يعيش فيها أولئك المنافقون . . بين لقائهم للمؤمنين , وعودتهم للشياطين . بين ما يقولونه لحظة ثم ينكصون عنه فجأة . بين ما يطلبونه من هدى ونور وما يفيئون إليه من ضلال وظلام . . فهو مشهد حسي يرمز لحالة نفسية ; ويجسم صورة شعورية . وهو طرف من طريقة القرآن العجيبة في تجسيم أحوال النفوس كأنها مشهد محسوس .

دعوة الناس للإنحياز إلى المتقين

وعندما يتم استعراض الصور الثلاث يرتد السياق في السورة نداء للناس كافة , وأمرا للبشرية جمعاء , أن تختار الصورة الكريمة المستقيمة . الصورة النقية الخالصة . الصورة العاملة النافعة . الصورة المهتدية المفلحة . . صورة المتقين:
(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون . الذي جعل لكم الأرض فراشا , والسماء بناء , وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم , فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون). .
إنه النداء إلى الناس كلهم لعبادة ربهم الذي خلقهم والذين من قبلهم . ربهم الذي تفرد بالخلق , فوجب أن يتفرد بالعبادة . . وللعبادة هدف لعلهم ينتهون إليه ويحققوه:
(لعلكم تتقون). . لعلكم تصيرون إلى تلك الصورة المختارة من صور البشرية . صورة العابدين لله . المتقين لله . الذين أدوا حق الربوبية الخالقة , فعبدوا الخالق وحده ; رب الحاضرين والغابرين , وخالق الناس أجمعين , ورازقهم كذلك من الأرض والسماء بلا ند ولا شريك:
(الذي جعل لكم الأرض فراشا). .
وهو تعبير يشي باليسر في حياة البشر على هذه الأرض , وفي إعدادها لهم لتكون لهم سكنا مريحا وملجأ واقيا كالفراش . . والناس ينسون هذا الفراش الذي مهده الله لهم لطول ما ألفوه . ينسون هذا التوافق الذي جعله الله في الأرض ليمهد لهم وسائل العيش , وما سخره لهم فيها من وسائل الراحة والمتاع . ولولا هذا التوافق ما قامت حياتهم على هذا الكوكب في مثل هذا اليسر والطمأنينة . ولو فقد عنصر واحد من عناصر الحياة في هذا الكوكب ما قام هؤلاء الأناسي في غير البيئة التي تكفل لهم الحياة . ولو نقص عنصر واحد من عناصر الهواء عن قدره المرسوم لشق على الناس أن يلتقطوا أنفاسهم حتى لو قدرت لهم الحياة !
(والسماء بناء). .
فيها متانة البناء وتنسيق البناء . والسماء ذات علاقة وثيقة بحياة الناس في الأرض , وبسهولة هذه الحياة . وهي بحرارتها وضوئها وجاذبية اجرامها وتناسقها وسائر النسب بين الأرض وبينها , تمهد لقيام الحياة على الأرض وتعين عليها . فلا عجب أن تذكر في معرض تذكير الناس بقدرة الخالق , وفضل الرازق , واستحقاق المعبود للعبادة من العبيد المخاليق .
(وأنزل من السماء ماء , فأخرج به من الثمرات رزقا لكم). .
وذكر إنزال الماء من السماء وإخراج الثمرات به , ما يفتأ يتردد في مواضع شتى من القرآن في معرض التذكير بقدرة الله , والتذكير بنعمته كذلك . . والماء النازل من السماء هو مادة الحياة الرئيسية للأحياء في الأرض جميعا . فمنه تنشأ الحياة بكل أشكالها ودرجاتها (وجعلنا من الماء كل شيء حي). . سواء أنبت الزرع مباشرة حين يختلط بالأرض , أو كون الأنهار والبحيرات العذبة , أو انساح في طبقات الأرض فتألفت منه المياه الجوفية , التي تتفجر عيونا أو تحفر آبارا , أو تجذب بالآلات إلى السطح مرة أخرى .
وقصة الماء في الأرض , ودوره في حياة الناس , وتوقف الحياة عليه في كل صورها وأشكالها . . كل هذا أمر لا يقبل المماحكة , فتكفي الإشارة إليه , والتذكير به , في معرض الدعوة إلى عبادة الخالق الرازق الوهاب .
وفي ذلك النداء تبرز كليتان من كليات التصور الإسلامي:وحدة الخالق لكل الخلائق: (الذي خلقكم والذين من قبلكم). . ووحدة الكون وتناسق وحداته وصداقته للحياة وللإنسان: (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء . وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم). . فهذا الكون أرضه مفروشة لهذا الإنسان , وسماؤه مبنية بنظام , معينة بالماء الذي تخرج به الثمرات رزقا للناس . . والفضل في هذا كله للخالق الواحد:
(فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون). .
تعلمون أنه خلقكم والذين من قبلكم . وتعلمون أنه جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء . وأنه لم يكن له شريك يساعد , ولا ند يعارض . فالشرك به بعد هذا العلم تصرف لا يليق !
والأنداد التي يشدد القرآن في النهي عنها لتخلص عقيدة التوحيد نقية واضحة , قد لا تكون آلهة تعبد مع الله على النحو الساذج الذي كان يزاوله المشركون . فقد تكون الأنداد في صور أخرى خفية . قد تكون في تعليق الرجاء بغير الله في أي صورة , وفي الخوف من غير الله في أي صورة . وفي الاعتقاد بنفع أو ضر في غير الله في أي صورة . . عن ابن عباس قال:" الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل . وهو أن يقول:والله وحياتك يا فلان وحياتي . ويقول:لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة , ولولا البط في الدار لأتى اللصوص . وقول الرجل لصاحبه:ما شاء الله وشئت ! وقول الرجل:لولا الله وفلان . . هذا كله به شرك " . . . وفي الحديث أن رجلا قال لرسول الله "" صلى الله عليه وسلم ""ما شاء الله وشئت . قال:" أجعلتني لله ندا ? " !
هكذا كان سلف هذه الأمة ينظر إلى الشرك الخفي والأنداد مع الله . . فلننظر نحن أين نحن من هذه الحساسية المرهفة , وأين نحن من حقيقة التوحيد الكبيرة !!!






ll]


.

.



 

رد مع اقتباس