عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 02-01-2024, 11:15 PM
عطر الزنبق غير متواجد حالياً
Morocco     Female
Awards Showcase
لوني المفضل White
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل : 27-05-2018
 فترة الأقامة : 2184 يوم
 أخر زيارة : اليوم (03:24 AM)
 العمر : 28
 المشاركات : 100,460 [ + ]
 التقييم : 35940
 معدل التقييم : عطر الزنبق تم تعطيل التقييم
بيانات اضافيه [ + ]
6 فاطمة بنت عبد الملك بن مروان.



فاطمة بنت عبد الملك بن مروان.

أحيانًا يتحمَّس المسلم لعمل خيرٍ معيَّن، ثم يفتر مع مرور الوقت، أو تغيُّر الظروف، ويمتنع عن فعل ما كان يفعله.
والحديث هنا عن فاطمة بنت عبد الملك بن مروان الأموية، التي تزوجّها ابنُ عمّها عمر بن عبد العزيز، وولدت له إسحاق ويعقوب وقد كانت راوية حديث، فقد روى عَنْهَا عطاء بْن أَبِي رَبَاح، والمُغيرة بْن حكيم الصنعاني وتُوُفِّيت فِي خلافة أخيها هشام.
والقصة أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ عِنْدَها جَوْهَرٌ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: مِنْ أَيْنَ صَارَ هَذَا إِلَيْكَ؟ قَالَتْ: أَعْطَانِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (في رواية عند السيوطي: أبوها، ولها علاقة بعشرة أمراء للمؤمنين من محارمها: فقد عاصرت جدَّها ثمَّ أباها، واثنين من أخوتها، الوليد ثم سليمان، أمراء للمؤمنين، قبل زوجها عمر، ثم لاحقًا اثنين من أخوتها؛ يزيد، ثم هشام، ثم ثلاثة من أبناء أخوتها كانت عمَّتهم: الوليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد!). قَالَ: إِمَّا أَنْ تَرُدِّيهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنِينِي فِي فِرَاقِكِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ أَنَا وَأَنْتِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ. قَالَتْ: لا بَلْ أَخْتَارَكَ عَلَى أَضْعَافِهِ لَوْ كَانَ لِي. فَوَضَعَتْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
عاشت فاطمة حياة صعبة، فقد تصدَّق زوجها بكلِّ ماله، واقتصر على الفتات من بيت المال، ولم يكن يجد ما يلبسه: روى ابن سعد أن مسلمة بن عبد الملك دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ لأُخْتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَهِيَ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنِّي أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ مُفِيقًا وَأَرَى قَمِيصَهُ دَرِنًا فَأَلْبِسِيهِ غَيْرَ هَذَا الْقَمِيصِ حَتَّى نَأْذَنَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ. فَسَكَتَتْ فَقَالَ: أَلْبِسِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ هَذَا الْقَمِيصِ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لَهُ غَيْرُهُ.
الموقف الأصعب من وضع الجوهر كلِّه في بيت المال، هو ما حدث بعد وفاة عمر:
فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ لَهَا: إِنْ شِئْتِ رَدَدْتُهُ عَلَيْكِ أَوْ قِيمَتَهُ. قَالَتْ: لا أُرِيدُهُ. طِبْتُ بِهِ نَفْسًا فِي حَيَاتِهِ وَأَرْجِعُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ! لا حَاجَةَ لِي فِيهِ. فَقَسَمَهُ يَزِيدُ بَيْنَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ
يذكرني هذا الموقف بموقف لأحد الصحابة: (قال بعض الشُّرَّاح، وهو الدمياطي، أن الصحابي هو طلحة بن عبيد الله)
روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ»، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاللهِ، لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
ولكن هذا الموقف من فاطمة أصعب:
1- فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى أمرًا حرامًا بيِّنًا، بينما رأى عمر شبهة، وقد يكون الصحابي ظنَّ أن هذا الخاتم ملعون تحديدًا، فخاف من أخذه.
2- والرسول صل الله عليه وسلم رمى بالخاتم فنفسيًّا قد لا يطمئن الصحابي لأخذه لأن الرسول كان غاضبًا جدًّا
3- والصحابي رفض الأخذ والرسول صل الله عليه وسلم حي بينما كان عمر قد مات
4- والصحابي رفض الأخذ بعد الموقف مباشرة بينما مرَّ وقت يتجاوز العامين على موقف ردِّ فاطمة للجوهر
5- والأمر في حال الصحابي مجرَّد خاتم لا يؤثِّر في الثروة، بينما في حال فاطمة جواهر ثمينة
هذا الثبات على العمل الصالح، الذي هو أصلًا اجتناب شبهة لا اجتناب حرام أمر لافت، ويحتاج إلى وقفات:
روى أحمد وهو صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي، فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ".
حديث يعلِّمنا دعاءً رائعًا يطلب فيه الرسول صل الله عليه وسلم من ربه أحد عشر أمرًا: أولها الثبات في الأمر!
وروى والطبراني وغيره عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صل اللهُ عليه وسلَّم: "يَا شَدَّادُ بْنَ أَوْسٍ، إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ".
هذه الكلمات وهذا السلوك من المؤمن أغلى من الذهب والفضة، وهو ما فهمته فاطمة بنت عبد الملك.
هذا الثبات يحتاج إلى قوة إيمان، ويحتاج إلى كثرة مراجعة للنفس وحساب لها
هذا دعاء الصالحين: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
لم تتوقف الحياة بفاطمة بعد وفاة عمر، وقد تزوَّجت من ابن عمِّها الآخر سُلَيْمَان بْن دَاوُد بْن مروان بْن الحَكَم، ولكنها ما رجعت في عملها الصالح الذي ارتضته قبل ذلك، فجزاها الله خيرًا، ونسأله سبحانه أن يجعلنا من الثابتين على الحق مهما تبدَّلت الظروف.





رد مع اقتباس