عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 06-09-2020, 05:37 AM
عطر الزنبق غير متواجد حالياً
Morocco     Female
Awards Showcase
لوني المفضل White
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل : 27-05-2018
 فترة الأقامة : 2178 يوم
 أخر زيارة : يوم أمس (02:21 AM)
 العمر : 28
 المشاركات : 100,020 [ + ]
 التقييم : 35940
 معدل التقييم : عطر الزنبق تم تعطيل التقييم
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي نظرة الإسلام إلى الخير والشر..



نظرة الإسلام إلى الخير والشر


من القضايا الأزلية التي حيَّرت الإنسان وأرهقتْه، وبدَّدت قواه العقلية ومزَّقته: قضية الخير والشر.
هل الخير موجود؟ وإذا كان موجودًا فلماذا وجد الشر؟ وما مصدرُه؟
هل الخير غاية؟ فإذا كان كذلك، فلماذا ينتصر عليه الشر أحيانًا؟!
هذه المشكلة العويصة ألهبتْ فكر الإنسان منذ فجر الإنسانية،
ورمته بين أنياب الصراع، تعتصره الهواجس، وتُحطِّمه الشكوك والظنون،
وهو حائر حائر، لا يجد لنفسه دليلاً ولا مرشدًا.
وكان مما زاد الأمر تعقيدًا أمام الإنسان في القديم، أن المعتقدات
التي اعتقدها لم تستطع أن تجد حلاًّ لمشكلته هذه.
كانت هناك عقيدة ترى أن الإنسان عبدٌ لقوى مسيطرة هي قوى الشر،
وأن الخير يقف عاجزًا أمام طغيانها لا قبل له بمُواجهتِها، لذلك
فلا سبيل له إلا الاستسلام لها أو ترضيتها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً،
فإن استخلص من براثنها شيئًا فإلى حين؛ إذ لا تلبث أن تستعيده وتلتهمه؛
لأن قانون هذا الوجود في نظره هو الفناء لا البقاء، ومن هنا لجأ الإنسان القديم
إلى عبادة آلهة الشر استرضاءً لها وخوفًا من نقمتِها.
وعقيدة أخرى رأى فيها أن الوجود ما هو إلا حرب سجال،
وصراع دائم بين الخير والشر، إن كسب الخير حينًا، خسر أحيانًا،
وهي معركة لا تَنتهي ولا تحقِّق شيئًا، فما يُبنى يُهدم، وما يُهدَم يُبنى،
وما يزول يعود للظهور، وما يَظهر يختفي من جديد، والحياة صراع،
وعلى الإنسان أن يقاوم، فهذا قدره.
وعقيدة ثالثة - وجدت عند المجوس، عبدة النار - ترى أن الخير والشر عنصران
مُتكاملان متلازمان، كالليل والنهار، كالنُّور والظلمة، لا تكتمل الحياة بدونهما؛
فالخير يَنقصُه الشر فيأتي خير أكمل، ليَنقص من جديد، ولا معنى للحياة إلا بنقص أحدهما للآخر،
وتعاقبهما لتكون الحياة أكمل، وهكذا صراعات وتخبُّطات.
ثم جاء الإسلام وغمر بنورِه سماء البشرية فأضاء جوانبها وأشاع فيها الأمان،
نظر الإسلام إلى الإنسان نظرة موضوعية، نظر إلى نفسه بوصفها مستودعَ قُوى الكون
الذي يعيش في أرجائه، وأقوى مما فيه، فنفْس الإنسان أقوى من الوجود المادي
الذي حوله، ببحاره وأنهاره، وأبراجه وزلازله، وسيوله وأعاصيره.
فالمؤمن في الإسلام - الذي يُطيع ربه - يكون ربانيًّا، وربط القرآن بين النفس الإنسانية،
وآفاق الكون نفسه، فهما قرينان في أكثر من موضع، وفي أكثر من آية؛ من مثل قوله تعالى:
ï´؟ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ï´¾ [الذاريات: 20، 21].
ï´؟ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ï´¾
[فصلت: 53].
ومن هنا رفض الإسلام كل العقائد اللادينية وسفَّهها، وأثبت زيفها وضلالها؛
فليس هناك شرٌّ محض، ولا خير محض، بل لعله لا شر قطُّ، ولا خير قط،
وإنما نفس الإنسان تُولد صالحة مؤمنة، فإن ضلَّت فهي ضالة كافرة.
ولعل ذلك أيضًا من الأسباب الجوهرية التي من أجلها لم يأت في دستورنا الرباني
ذكر للخير والشر في موضع من المواضِع، إلا كان ذكر الخير سابقًا على ذكْر الشر،
كما تسبق الحسنات السيئات، وكما يسبق الثواب العقاب.
وهذا لعمري منهج ثابت في كلام الله خالق العباد وواهب الحياة.
فنظرة فاحِصة إلى آيات القرآن الكريم - في السور القصار أو الطوال على السواء
- نرى أن ربنا - تجلَّت حكمته وعظمت مشيئته - دائمًا يقدم الخير على الشر:
ï´؟ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ï´¾
[الزلزلة: 7، 8].
ï´؟ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ï´¾
[التين: 4، 5].
ï´؟ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى
* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى
* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ï´¾ [الليل: 4 - 10].
ï´؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ï´¾ [الشمس: 9، 10].
ï´؟ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ï´¾ [الانفطار: 13، 14].
ï´؟ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ï´¾ [الأعلى: 10، 11].
فالخير دائمًا متقدِّم على الشرِّ، والتبشير سابق على التنفير،
والثواب قبل العقاب، والجنة سابقة على النار، وذلك كله منهج ثابت يتفق مع طبيعة
الإسلام باعتباره دين الإنسانية، الناسخ لكل الأديان والشرائع التي قبله،
المكمِّل لرسالاتها، المتمِّم لأهدافها؛ ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ï´¾
[الأنبياء: 107].
إذًا فصورة الإنسان في نظر الإسلام - صورة خيِّرة - ونظرة الإسلام
إلى الإنسان أنه خير بطبعه وجبلَّتِه وما خلق عليه، بدلالة قوله تعالى:
ï´؟ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ï´¾ [التين: 4]،
والشرُّ عنصرٌ طارئ عليه، دخيل على حياته وأفعاله، لم يُخلق به؛
بدلالة قوله تعالى: ï´؟ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ï´¾ [التين: 5]؛ أي:
نتيجة لخطئه وزلَـلِه وسوء أفعاله رددْناه إلى أسفل سافلين،
بعد أن كنا قد خلقناه في أحسن تقويم، وهكذا يؤكِّد القرآن الكريم
- أن الإنسان خُلق صالحًا قابلاً للخير قادرًا على إتيانه والسير في طريقه،
فإذا سقط في هوّة المعصيَة والآثام، فلأنه لم يُقاوِم الغَواية التي أتته من خارج نفسه،
من خارج ذاته، لذلك أمر بأن يتحصَّن أمامها بالإيمان
أو بالتقوى والعمل الصالح ليَعصماه من التردِّي فيها.
وقصة آدم عليه السلام - وهي قصة الخلق أجمعين -
نجد فيها أن آدم خُلق خيرًا، وعاش في جنة الله عيشةً راغدةً،
يَنعم بخيراتها ولذائذها لولا أن الشيطان تصدى له ولزوجه فأغواهما،
ï´؟ فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ
وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
* قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ
فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [البقرة: 36، 38].
وهذه الأدوار كلها هي ما أجملتها آيات سورة التِّين:
ï´؟ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ
* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ï´¾ [التين: 4 - 6].
إذًا فالخير - من نظر الإسلام - هو أصل الإنسان، وفطرته التي فطر عليها،
إلا أنه ضعيف حينًا، متردِّد حينًا آخر، يدور حوله الشيطان، يتوعده ويتهدَّده بالغَواية،
فإن تبعه فقد تردى إلى أسفل سافلين، أما من استعصى عليه،
فله أجر غير ممنون، ومِن ثَمَّ كان من الطبيعي أن تسبق الإشارةُ إلى الخير،
الإشارة إلى الشر، والبُشرى بالجنة، الإنذار بالنار، وثواب الصالحين المُحسنين،
عقاب الكافرين المُذنِبين لسبب مهمٍّ: إنَّ القرآن لو افترض أن الشر أصل الإنسان
وفطرته التي فطر عليها، لكانت الدعوة إلى الدِّين من العبث؛
إذ كيف ينسلخ الإنسان من طبيعة خُلق عليها؟
ومِن هنا كانت حكمته - عزَّ شأنه - وكان منهجه في كتابه الحكيم
- قائمًا على تقديم الخير على الشر.
فمنهج القرآن أخلاقي، وهدفه تربويٌّ، ولا أمل في دعوة أو نصيحة،
ولا دين أو عقيدة - إلا إذا اطمأنَّ الإنسان، أن أبواب الخير مفتوحة أبدًا،
وأن السعي من أجل الآخرة، والمثل الأعلى متيسِّر على الدوام،
وهذا ما فعله دستورنا الرباني، ونجح في تصويره كأعظم وأروع ما يكون النجاح.
المصدر: مجلة التوحيد - شعبان 1394 هـ - صفحة 39





 توقيع : عطر الزنبق








رد مع اقتباس