الموضوع: وقفات حول آية
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 02-08-2020, 06:17 AM
جميله غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 1713
 تاريخ التسجيل : 30-01-2020
 فترة الأقامة : 1567 يوم
 أخر زيارة : 02-11-2020 (01:15 PM)
 المشاركات : 1,069 [ + ]
 التقييم : 30
 معدل التقييم : جميله is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي وقفات حول آية



وقفات حول آية


إعجاز القرآن الكريم دائمٌ ما دامت السماوات والأرض، وهو مَعين يغترف منه العلماء ونسيم يتنسمه الحكماء؛ استظلالًا بظله الوارف، واستئناسًا بعطائه الممدود.

وهذه وقفات حول آية من سورة البقرة اخترتها مائدةً شهيةً للقارئين، وزادًا مؤنسًا للطالبين، وهي قوله تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210].

يقول تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾؛ يعني: يوم القيامة، لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزي كل عامل بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ولهذا قال: ﴿ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210] كما قال: ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ [الفجر: 21 - 23]، وقال: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [الأنعام: 158].

الوقفات:
1- فيه شدةُ عنتِ أهل الباطل في مواجهة الحق، وإلا ما تعاظم إنكار الله تعالى عليهم بدلالة السياق العام للآية الكريمة، وجوها الموحي باستكبار أهل الباطل وعنادهم المرير في عصره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وفي كل عصر، ونلحظ تعجيز الله تعالى لهم في ذلك!

2- وفيه بيان شنيع فعلهم بدلالة الاستفهام بـ(هل)، وما توحي به من شدة عنتهم وعظيم استكبارهم، ولما كان فعلهم شنيعًا ناسَب أن يشنع الله تعالى عليهم لكبير إثمهم وعِظَم جُرمهم معًا.

3- وفيه اجتماع القوم على مناصبة العداء لله تعالى ودينه ورسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وذلك بدلالة الضمير في الفعل المضارع (ينظرون)، كما يفيد الفعل المضارع استمرار عدائهم ودوام كيدهم؛ ليحذره المسلمون فيعدوا له عدته.

4- وعموم القوم في المعاداة لا يعني خلوَّ الاستثناء، فقد آمن قوم واهتدوا.

5- وفيه بيان عظمة الله تعالى، ومن عظمته إتيانه تعالى على الوجه اللائق به.

6- وفيه إكرام الله تعالى للعبيد من خلقه حال تعبُّدهم إياه على الوجه المشروع، ألم تر أن الله تعالى قال في وصف الملائكة الكرام أنهم: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]؟! فاستحقوا بذلكم الإكرام ونالوا به أسمى الدرجات وأعظم المقامات.

7- وعظمته تعالى مطلقة وذاتية في آن.

8- ومجيئه تعالى بدلالة المصدر المؤول (أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ) يشيع في جو الآية الكريمة التمكن في الإتيان بما يليق بعظمته، وجلال قدرته سبحانه، وذلك حال كونه تعالى أراد الإتيان؛ إذ لايعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ إذ لو شاء لكان كيف يكون على الوجه اللائق به تعالى.

9- ومن إيحاءات العظمة ودلالات الجبروت: قدرته تعالى المطلقة أن يأتي في ظلل، وما توحيه من كثرة كاثرة لا حدَّ لها! فلفظ الجمع المطلق لكلمة (ظلل) يشيع في الفضاء ظللًا تتبعها ظللٌ، وهكذا تراها ممتدةً، ولك أن تعرف الفرق كما لو كان قد جاء اللفظ مفردًا هكذا (ظلة)، وما توحيه من قلة وما لا تشيعه من عظمة، ولنا أن نعرف المعنى وندرك الملحظ حينما نستبدل لفظ (ظلل) بلفظ (ظلال) وما تحتمله من امتداد لا تعداد، أما (ظلل) فتحمل معاني الامتداد والتعداد معًا! فسبحان ربنا تعالى الرحمن عندما قال: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88].

10- واختيار اللفظ (ظلل) تأكيد لمعاني الرحمة؛ إذ هي ظلل، وحسبنا أن نقف بإجلالٍ أمام دقة الاختيار وبراعة البيان؛ إذ لم تكن وهجًا، وما يحتمله من قيظٍ، وما يشيعه من حر!
وفيه إشعار لنا - معاشر البشر - باختيار اللفظ الجميل والكلام الحسن البديع في أداء رسالتنا وتبليغ دعوتنا.

11- وفيه إمكان إتيانه تعالى على الوجهِ اللائقِ به تعالى لو شاء الإتيان، على أن نستصحب معنا قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

12- ومجيئ الإتيان بلفظ الألوهية (الله) دالٌّ على كمالِ العظمةِ، وتمامِ الجاهِ وعلوِّ السلطانِ وعمومِ الربوبيةِ، وشمولِ القدسيةِ، وتمكُّن التنزيهِ.

13- وفيه إثباتُ علوِّ الله تعالى، وأنه تعالى بائن من خلقه، ونلحظ أيضًا علوَّ السماءِ وسموَّ الغمامِ، وارتفاعَ السحابِ؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ﴾ [الفرقان: 25]، فالجو العام الذي نعيشه مع الآياتِ أننا في سمو وعُلو وارتفاع، وهي لوحةٌ بديعةٌ وحديقةٌ غناء وبستانٌ عامرٌ بأزاهيرِ العظمةِ والجلالِ للهِ تعالى.

14- وفيه إعظامُ شأنِ الملائكةِ الكرامِ عليهم السلام؛ إذ إنهم منتخبون اصطفاءً من الله تعالى دون سائر خلْقه تعالى، وتأكيد دلالة الاصطفاء نستشرفه من تضافر الآيات حول ذات المعنى؛ ألم تر أن الله تعالى قال: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22]؟!

15- ومجيء لفظ الملائكة الكرام جمعًا دالٌّ بكفايته على تمام معنى خضوعهم جميعًا لله تعالى وذِلَّتهم له سبحانه، وتوحي بأنه ليس هناك ناكص أو شاردٌ منهم عن معاني العبودية التامة لله، أما إبليس فقد طُرد من الجنة يوم أن اختار طريقَ الغوايةِ وتنكَّب سبيل الهداية.

16- واختيارُ لفظِ الإتيانِ وما يمكن أن نستحضر من خلاله معاني اليسرِ والسهولةِ - إعجازٌ رباني وبيانٌ إلهي كريم، ويظهر ذلكم عندما نحاول استحضار لفظ (يجيء) دون (يأتي) في هذا السياق - هذا السياق وحسب - لندرك السلاسة في الأسلوب واليسر في الأداء.

17- ولفظ (يأتي) كذلك فيه إفحام للخصوم؛ إذ لم يطلبوا عسيرًا، وإنما طلبوا ما كان ميسورًا في حق الله تعالى أيَّما يُسر وأسهله، فلَيْتَهمْ طلبوا عسيرًا للتعجيز - في حساباتهم هم - إذ لا عسير البتةَ في حقِّ ربنا الرحمن سبحانه وتعالى في علاه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44]





رد مع اقتباس