ماذا قال الله عن كتابه؟
حديثُ القرآن عن القرآن لا تَفي به أسطرٌ معدودة ولا كلمات مَحدودة، ولم يستطع أحدٌ أن يتحدَّث عن القرآن كما تحدَّث القرآنُ عن نفسه، أو تحدَّث عنه الرسولُ صلى الله عليه وسلم.
ولعظمة الموضوع والهيبة التي تغشَى مَن يُحاول الاستقصاءَ والإحاطة؛ ألمِّحُ لبعضِ الإشارات من خلالِ مقطعَين اثنين فقط تحدَّثا عن القرآن بوصفٍ بديع بليغ قد حَوى كلَّ معاني الجلال والجمال والكمال.
المقطع الأول: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1، 2].
هذه الآية تصدَّرَت المصحف، متضمِّنة التحدِّي في بدايته، وأنَّه حقٌّ كله لا شكَّ فيه، مبرَّأ من وصمات العيبِ، فهو كتابٌ لا يشبهه أيُّ كتابٍ آخر، ولذلك جاءَت الإشارةُ في الآية باستعمال اسم الإشارة للبعيدِ لإظهار رِفعة شأنِ هذا القرآن لجعلِه بعيدَ المنزلة.
وإذا كان الكِتاب لا شكَّ فيه، ولا رِيبة تعترِيه، وخالٍ مِن التهمة والاختلاف، وهو حقٌّ مطلق - فهو الكتاب الأوَّل الذي لا تستقيم حياةُ البشريَّة إلاَّ به، وكتابٌ هذا حالُه فحرِيٌّ أن يكون سببَ الهداية والسعادة الأبديَّة للإنسان، وهدايته عامَّة لا تشمل جانبًا دون آخر، ولا زمانًا دون زمان؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، وهذه الآيةُ أجمَلَ اللهُ فيها جميعَ ما في القرآن من الهدى إلى خيرِ الطرق وأعدلِها وأصوبها، وفي مقدِّمتها هدايةُ التوحيد وهي أَقْوم طريقٍ.
المقطع الثاني: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].
"والقرآن كتابٌ عزيز قويٌّ منيعُ الجانب، لا يدخل عليه الباطلُ من قريبٍ ولا من بعيد، وأنَّى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب، وهو صادِر من الله الحقِّ، يصدَع بالحقِّ، ويتَّصل بالحقِّ الذي تقوم عليه السماواتُ والأرض.
وأنَّى يأتيه الباطلُ وهو عزيز، محفوظٌ بأمر الله الذي تكفَّل بحفظِه فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، والمتدبِّر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحقَّ الذي نزل به، والذي نزل ليقرَّه؛ يجده في روحِه ويجده في نصِّه، يجده في بساطَةٍ ويُسر، حقًّا مطمئنًّا فطريًّا، يخاطب أعماقَ الفطرة، ويطبعها ويؤثِّر فيها التأثيرَ العجيب، وهو ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾...، والحكمةُ ظاهرةٌ في بنائه، وفي توجيهِه، وفي طريقةِ نزولِه، وفي علاجِه للقلب البشري مِن أقصر طريقٍ، والله الذي نزَّله خليقٌ بالحمد، وفي القرآن ما يستجيشُ القلبَ لحمده الكثير