ننتظر تسجيلك هـنـا


{ اعلانات سكون القمر ) ~
  <
 
بأيدينا نعلوا بمنتدانا وبمشاركاتكم وكلماتكم نرتقي فلا تقرأ وتمضي ..... الى من يواجه اي مشكلة للدخول وعدم استجابة الباسورد ان يطرح مشكلته في قسم مشاكل الزوار او التواصل مع الاخ نهيان عبر التويتر كلمة الإدارة


العودة   منتديات سكون القمر > ۩۞۩{ نفحات سكون القمر الإسلامية }۩۞۩ > ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩

۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ |!.. غيمة الرُوُح ْ فِي رِِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ",,

-==(( الأفضل خلال اليوم ))==-
أفضل مشارك :
بيانات سراج النور
اللقب
المشاركات 27595
النقاط 7317


التعريف بسور القرآن الكريم وأسباب النزول ومحاور ومقاصد السور

|!.. غيمة الرُوُح ْ فِي رِِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ",,


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-14-2021, 08:39 PM   #241


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.



سورة المدّثر

التعريف بالسورة :
مكية .
من المفصل .
آياتها 56 .
ترتيبها الرابعة والسبعون .
نزلت بعد المزمل .
بدأت باسلوب النداء " يا أيها

سبب التسمية :
سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لأن ‏المرتكز ‏الأساسى ‏دار ‏حول ‏الرسول ‏ ‏فناداه ‏الله ‏بحالته ‏وهى ‏التدثر ‏بالثوب ‏فوصف ‏بحالته‎ .‎‏
تسمى في كتب التفسير (سورة المدثر) وكذلك سميت في المصاحف التي رأيناها ومنها كتب في القيروان في القرن الخامس.
وأريد المُدثِّر النبي صلى الله عليه وسلم موصوفا بالحالة التي نُودي بها، كما سميت بعض السور بأسماء الأنبياء الذين ذُكروا فيها.
وإمّا تسمية باللفظ الذي وقع فيها، ونظيره ما تقدم في تسمية (سورة المزمل)، ومثله ما تقدم في سورة المجادلة من احتمال فتح الدال أو كسرها.



سبب نزول السورة :
عن جابر قال : حدثنا رسول الله فقال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادى فنوديت فنظرت أمامى وخلفى وعن يمينى وعن شمالى فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرض في العراء يعنى جبريل عليه السلام فقلت دثروني دثروني فصبّوا علىّ ماء باردا فأنزل الله عز وجل " ياأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر "
( يتبع )

.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:40 PM   #242


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.




تابع – سورة المدثر


محاور مواضيع السورة :
تتحدث السورة عن بعض جوانب من شخصية الرسول الأعظم ولهذا سميت سورة المدثر .
قال ابن عاشور:
تسمى في كتب التفسير (سورة المدثر) وكذلك سميت في المصاحف التي رأيناها ومنها كتب في القيروان في القرن الخامس.
وأريد المُدثِّر النبي صلى الله عليه وسلم موصوفا بالحالة التي نُودي بها، كما سميت بعض السور بأسماء الأنبياء الذين ذُكروا فيها.
وإمّا تسمية باللفظ الذي وقع فيها، ونظيره ما تقدم في تسمية (سورة المزمل)، ومثله ما تقدم في سورة المجادلة من احتمال فتح الدال أو كسرها.
وهي مكية حكى الاتفاق على ذلك ابنُ عطية والقرطبي ولم يذكرها في (الإِتقان) في السور التي بعضها مدني. وذكر الألوسي أن صاحب (التحرير) (محمد بن النقيب المقدسي المتوفى سنة 698 له تفسير) ذكر قول مُقاتل أو قوله تعالى: {وما جعلنا عدتهم إلاّ فتنة} (المدثر: 31) إلخ نزل بالمدينة اه. ولم نقف على سنده في ذلك ولا رأينا ذلك لغيره وسيأتي.
قيل: إنها ثانية السور نزولا وإنها لم ينزل قبلها إلاّ سورة {اقرأ باسم ربّك}(العلق: 1) وهو الذي جاء في حديث عائشة في (الصحيحين) في صفة بدْء الوحي «أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الحق وهو في غار حِراء فجاءه الملك فقال: {اقرأ باسم ربّك الذي خلق}إلى {ما لم يعلم} (العلق: 1-5) ثم قالت: ثم فتر الوحي. فلم تذكُرْ نزول وحي بعد آيات {اقرأ باسم ربّك}».
وكذلك حديث جابر بن عبد الله من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن من طرق كثيرة وبألفاظ يزيد بعضها على بعض. وحاصل ما يجتمع من طرقه: قال جابر بن عبد الله وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه إن النبي قال: «فبينا أنا أمشي سمعتُ صوتا من السماء فنُوديت فنظرتُ أمامي وخلْفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر شيئا فرفعتُ رأسي فإذا الملك الذي جاءني بِحِراءٍ جالسٌ على كرسي بين السماء والأرض فُجِئْتُ منه رُعبا فأتيت خديجة فقلت: دثِّروني فدثروني زاد غير ابن شهاب من روايته وصُبُّوا عليّ ماء باردا فدثّروني وصبُّوا عليّ ماء باردا». قال النووي: صب الماء لتسكين الفزع. فأنزل الله: {يا أيها المدثر} إلى {والرجز فاهجر} (المدثر: 1-5) ثم حمي الوحي وتتابع اه.



وقع في (صحيح مسلم) عن جابر: أنها أول القرآن، سورة المدثر وهو الذي يقول في حديثه أن رسول الله يحدث عن فترة الوحي وإنما تقع الفترة بين شيئين فتقتضي وحيا نزل قبل سورة المدثر وهو ما بُين في حديث عائشة.
وقد تقدم في صدر سورة المزمل قول جابر بن زيد: أن سورة القلم نزلت بعد سورة العلق وأن سورة المزمل ثالثة وأن سورة المدثر أربعة.
وقال جابر بن زيد: نزلت بعد المدثر سورة الفاتحة. ولا شك أن سورة المدثر نزلت قبل المزمل وأن عناد المشركين كان قد تزايد بعد نزول سورة المدثر فكان التعرض لهم في سورة المزمل أوسع.
وقد وقع في حديث جابر بن عبد الله في (صحيح البخاري) و(جامع الترمذي) من طريق ابن شهاب أن نزول هذه السورة كان قبل أن تفرض الصلاة.
والصلاة فرضت بعد فترة الوحي سواء كانت خمسا أو أقل وسواء كانت واجبة كما هو ظاهر قولهم: فرضت، أم كانت مفروضة بمعنى مشروعة وفترة الوحي مختلف في مدتها اختلافا كثيرا فقيل: كانت سنتين ونصفا، وقيل: أربعين يوما، وقيل: خمسة عشر يوما، والأصح أنها كانت أربعين يوما. فيظهر أن المدثر نزلت في السنة الأولى من البعثة وأن الصلاة فرضت عقب ذلك كما يشعر به ترتيب ابن إسحاق في سوْق حوادث سيرته.
وعدّ أهلُ المدينة في عدهم الأخير الذي أرْسوْا عليه وأهلُ الشام آيها خمسا وخمسين وعدّها أهل البصرة والكوفة وأهل المدينة في عدهم الأول الذي رجعوا عنه ستا وخمسين.


جاء فيها من الأغراض تكريم النبي صلى الله عليه وسلم والأمر بإبلاغ دعوة الرسالة.
وإعلان وحدانية الله بالإِلاهية.
والأمر بالتطهر الحسي والمعنوي.
ونبذ الأصنام.
والإِكثارُ من الصدقات.
والأمرُ بالصبر.
وإنذارُ المشركين بهول البعث.
وتهديد من تصدى للطعن في القرآن وزعم أنه قول البشر وكفر الطاعِن نعمة الله عليه فأقدم على الطعن في آياته مع علمه بأنها حق.
ووصفُ أهوال جهنم.
والرد على المشركين الذين استخفوا بها وزعموا قلة عدد حفظتها.
وتحدّي أهل الكتاب بأنهم جهلوا عدد حفظتِها.
وتأييسهم من التخلص من العذاب.
وتمثيل ضلالهم في الدّنيا.
ومقابلة حالهم بحال المؤمنين أهل الصلاة والزكاة والتصديق بيوم الجزاء.


( يتبع )


.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:41 PM   #243


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.



تابع – سورة المدثر
محاور مواضيع السورة :
قال البقاعي:
سورة المدثر مقصودها الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أ، فس المكذبين الفجار، والإشارة بالبشارة لأهل الادكار، بحلم العزيز الغفار، واسمها المدثر أدل مافيها على ذلك، وذلك واضح لمن تأمل النداء والمنادى به والسبب.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الخلْق إِلى الإِيمان، وتقرير صعوبة القيامة على (الكفّار و) أهل العصيان، وتهديد وليد ابن مُغيرة بنقض القرآن، وبيان عدد زبانية النِّيران، وأنّ كلّ أحد رهْن بالإِساءة والإِحسان، وملامة الكفّار على إِعراضهم عن الإِيمان، وذكر وعْد الكريم على التقوى بالرّحمة والغفران، في قوله: {هو أهْلُ التّقْوى وأهْلُ المغْفِرة}.

قال سيد قطب
ينطبق على هذه السورة من ناحية سبب نزولها ، ووقت نزولها ما سبق ذكره عن سورة «المزمل». فهناك روايات بأنها هي أول ما نزل بعد سورة العلق ، ورواية أخرى بأنها نزلت بعد الجهر بالدعوة وإيذاء المشركين للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - .
قال البخاري ، حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن؟ فقال : «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» .. قلت : يقولون «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد اللّه عن ذلك ، وقلت له مثل ما قلت لي ، فقال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا به رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت أمامي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت شيئا. فأتيت خديجة فقلت : «دثروني وصبوا عليّ ماء باردا» قال : فدثروني وصبوا عليّ ماء باردا. قال : فنزلت : «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ» ..
وقد رواه مسلم من طريق عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة. قال : أخبرني جابر بن عبد اللّه ، أنه سمع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يحدث عن فترة الوحي ، فقال في حديثه : فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء ، قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثيت منه حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي فقلت : زملوني ، فدثروني ، فأنزل اللّه تعالى :
«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ ... - إلى - والرُّجْزَ فَاهْجُرْ» قال أبو سلمة : والرجز الأوثان. ثم حمي الوحي وتتابع» .. ورواه البخاري من هذا الوجه أيضا .. وهذا لفظ البخاري.
وعلق ابن كثير في التفسير على هذا الحديث بقوله : «وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله : «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» وهو جبريل ، حين أتاه بقوله ... «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» ..
ثم إنه حصل بعد هذا فترة ، ثم نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة» ..

هذه رواية. وهناك رواية أخرى .. قال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار ، حدثنا الحسن بن بشر البجلي ، حدثنا المعافى بن عمران ، عن إبراهيم بن يزيد ، سمعت ابن أبي مليكة يقول :
سمعت ابن عباس يقول : إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما ، فلما أكلوا منه قال : ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم : ساحر. وقال بعضهم : ليس بساحر. وقال بعضهم : كاهن. وقال بعضهم : ليس بكاهن. وقال بعضهم : شاعر. وقال بعضهم : ليس بشاعر. وقال بعضهم : بل سحر يؤثر. فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر. فبلغ ذلك النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فحزن ، وقنع رأسه ، وتدثر. فأنزل اللّه تعالى :
«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ. وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» ..
وتكاد تكون هذه الرواية هي ذاتها التي رويت عن سورة «الْمُزَّمِّلُ» .. مما يجعلنا لا نستطيع الجزم بشيء عن أيتهما هي التي نزلت أولا. والتي نزلت بهذه المناسبة أو تلك.
غير أن النظر في النص القرآني ذاته يوحي بأن مطلع هذه السورة إلى قوله تعالى : «وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» ربما يكون قد نزل مبكرا في أوائل أيام الدعوة. شأنه شأن مطلع سورة المزمل إلى قوله تعالى : «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» .. وهذا وذلك لإعداد نفس الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - للنهوض بالتبعة الكبرى ، ومواجهة قريش بعد ذلك بالدعوة جهارا وكافة ، مما سيترتب عليه مشاق كثيرة متنوعة ، تحتاج مواجهتها إلى إعداد نفسي سابق .. ويكون ما تلا ذلك في سورة المدثر ، وما تلا هذا في سورة المزمل ، قد نزلا بعد فترة بمناسبة تكذيب القوم وعنادهم ، وإيذائهم للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - بالاتهام الكاذب والكيد اللئيم.
إلا أن هذا الاحتمال لا ينفي الاحتمال الآخر ، وهو أن يكون كل من المطلعين قد نزل متصلا بما تلاه في هذه السورة وفي تلك ، بمناسبة واحدة ، هي التكذيب ، واغتمام رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - للكيد الذي كادته قريش ودبرته .. ويكون الشأن في السورتين هو الشأن في سورة القلم على النحو الذي بيناه هناك.


( يتبع )

.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:47 PM   #244


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.



تابع – سورة المدثر
محاور مواضيع السورة :
قال البقاعي:
سورة المدثر مقصودها الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أ، فس المكذبين الفجار، والإشارة بالبشارة لأهل الادكار، بحلم العزيز الغفار، واسمها المدثر أدل مافيها على ذلك، وذلك واضح لمن تأمل النداء والمنادى به والسبب.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الخلْق إِلى الإِيمان، وتقرير صعوبة القيامة على (الكفّار و) أهل العصيان، وتهديد وليد ابن مُغيرة بنقض القرآن، وبيان عدد زبانية النِّيران، وأنّ كلّ أحد رهْن بالإِساءة والإِحسان، وملامة الكفّار على إِعراضهم عن الإِيمان، وذكر وعْد الكريم على التقوى بالرّحمة والغفران، في قوله: {هو أهْلُ التّقْوى وأهْلُ المغْفِرة}.

قال سيد قطب
ينطبق على هذه السورة من ناحية سبب نزولها ، ووقت نزولها ما سبق ذكره عن سورة «المزمل». فهناك روايات بأنها هي أول ما نزل بعد سورة العلق ، ورواية أخرى بأنها نزلت بعد الجهر بالدعوة وإيذاء المشركين للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - .
قال البخاري ، حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن؟ فقال : «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» .. قلت : يقولون «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد اللّه عن ذلك ، وقلت له مثل ما قلت لي ، فقال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا به رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت أمامي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت شيئا. فأتيت خديجة فقلت : «دثروني وصبوا عليّ ماء باردا» قال : فدثروني وصبوا عليّ ماء باردا. قال : فنزلت : «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ» ..
وقد رواه مسلم من طريق عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة. قال : أخبرني جابر بن عبد اللّه ، أنه سمع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يحدث عن فترة الوحي ، فقال في حديثه : فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء ، قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثيت منه حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي فقلت : زملوني ، فدثروني ، فأنزل اللّه تعالى :
«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ ... - إلى - والرُّجْزَ فَاهْجُرْ» قال أبو سلمة : والرجز الأوثان. ثم حمي الوحي وتتابع» .. ورواه البخاري من هذا الوجه أيضا .. وهذا لفظ البخاري.
وعلق ابن كثير في التفسير على هذا الحديث بقوله : «وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله : «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» وهو جبريل ، حين أتاه بقوله ... «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» ..
ثم إنه حصل بعد هذا فترة ، ثم نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة» ..

هذه رواية. وهناك رواية أخرى .. قال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار ، حدثنا الحسن بن بشر البجلي ، حدثنا المعافى بن عمران ، عن إبراهيم بن يزيد ، سمعت ابن أبي مليكة يقول :
سمعت ابن عباس يقول : إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما ، فلما أكلوا منه قال : ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم : ساحر. وقال بعضهم : ليس بساحر. وقال بعضهم : كاهن. وقال بعضهم : ليس بكاهن. وقال بعضهم : شاعر. وقال بعضهم : ليس بشاعر. وقال بعضهم : بل سحر يؤثر. فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر. فبلغ ذلك النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فحزن ، وقنع رأسه ، وتدثر. فأنزل اللّه تعالى :
«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ. وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» ..
وتكاد تكون هذه الرواية هي ذاتها التي رويت عن سورة «الْمُزَّمِّلُ» .. مما يجعلنا لا نستطيع الجزم بشيء عن أيتهما هي التي نزلت أولا. والتي نزلت بهذه المناسبة أو تلك.
غير أن النظر في النص القرآني ذاته يوحي بأن مطلع هذه السورة إلى قوله تعالى : «وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» ربما يكون قد نزل مبكرا في أوائل أيام الدعوة. شأنه شأن مطلع سورة المزمل إلى قوله تعالى : «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» .. وهذا وذلك لإعداد نفس الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - للنهوض بالتبعة الكبرى ، ومواجهة قريش بعد ذلك بالدعوة جهارا وكافة ، مما سيترتب عليه مشاق كثيرة متنوعة ، تحتاج مواجهتها إلى إعداد نفسي سابق .. ويكون ما تلا ذلك في سورة المدثر ، وما تلا هذا في سورة المزمل ، قد نزلا بعد فترة بمناسبة تكذيب القوم وعنادهم ، وإيذائهم للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - بالاتهام الكاذب والكيد اللئيم.
إلا أن هذا الاحتمال لا ينفي الاحتمال الآخر ، وهو أن يكون كل من المطلعين قد نزل متصلا بما تلاه في هذه السورة وفي تلك ، بمناسبة واحدة ، هي التكذيب ، واغتمام رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - للكيد الذي كادته قريش ودبرته .. ويكون الشأن في السورتين هو الشأن في سورة القلم على النحو الذي بيناه هناك.


( يتبع )

.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:49 PM   #245


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.




تابع – سورة المدثر


محاور مواضيع السورة :
تضمنت هذه السورة في مطلعها ذلك النداء العلوي بانتداب النبي - صلى اللّه عليه وسلم - لهذا الأمر الجلل وانتزاعه من النوم والتدثر والدفء إلى الجهاد والكفاح والمشقة : «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ» .. مع توجيهه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى التهيؤ لهذا الأمر العظيم ، والاستعانة عليه بهذا الذي وجهه اللّه إليه : «وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ. وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» ..
وكان ختام التوجيه هنا بالصبر كما كان هناك في سورة المزمل! وتضمنت السورة بعد هذا تهديدا ووعيدا للمكذبين بالآخرة ، وبحرب اللّه المباشرة ، كما تضمنت سورة المزمل سواء : «فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ، فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ، عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ. ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً ، وَبَنِينَ شُهُوداً ، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا! إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً. سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً» ..

تعين سورة المدثر أحد المكذبين بصفته ، وترسم مشهدا من مشاهد كيده - على نحو ما ورد في سورة القلم ، وربما كان الشخص المعني هنا وهناك واحدا ، قيل : إنه الوليد بن المغيرة - (كما سيأتي تفصيل الروايات عند مواجهة النص) وتذكر سبب حزب اللّه سبحانه وتعالى له : «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ قُتِلَ : كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ» .. ثم تذكر مصيره : «سَأُصْلِيهِ سَقَرَ. وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ. لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ. عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ»
وبمناسبة مشهد سقر. والقائمين عليها التسعة عشر. وما أثاره هذا العدد من بلبلة وفتنة وتساؤل وشك واستهزاء في أوساط المشركين وضعاف الإيمان ، تتحدث السورة عن حكمة اللّه في ذكر هذا العدد ، ثم تفتح كوة على حقيقة غيب اللّه ، واختصاصه بهذا الغيب. وهي كوة تلقي ضوءا على جانب من التصور الإيماني لحقيقة غيب اللّه المكنون : «وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً. وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ، وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ : ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ، وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ» ..
ثم يصل أمر الآخرة وسقر ومن عليها بمشاهد كونية حاضرة ، ليجمع على القلوب إيحاء هذه وتلك في معرض الإيقاظ والتحذير : «كَلَّا وَالْقَمَرِ. وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ. وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ. إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ» ..
كما يعرض مقام المجرمين ومقام أصحاب اليمين ، حيث يعترف المكذبون اعترافا طويلا بأسباب استحقاقهم للارتهان والقيد في يوم الجزاء والحساب ، يعقب عليه بكلمة الفصل في أمرهم الذي لا تنفعهم فيه شفاعة شافع : «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ. ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ. فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ» ..

وفي ظل هذا المشهد المخزي ، والاعتراف المهين ، يتساءل مستنكرا موقف المكذبين من الدعوة إلى التذكرة والنجاة من هذا المصير ، ويرسم لهم مشهدا ساخرا يثير الضحك والزراية من نفارهم الحيواني الشموس :
«فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ؟ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ!».
ويكشف عن حقيقة الغرور الذي يساورهم فيمنعهم من الاستجابة لصوت المذكر الناصح. «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً» .. فهو الحسد للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - والرغبة في أن يؤتى كل منهم الرسالة! والسبب الدفين الآخر هو قلة التقوى : «كَلَّا! بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ» ..
وفي الختام يجيء التقرير الجازم الذي لا مجاملة فيه : «كَلَّا! إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ» ورد الأمر كله إلى مشيئة اللّه وقدره : «وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ» ..
وهكذا تمثل السورة حلقة من حلقات الكفاح النفسي الذي كافحه القرآن للجاهلية وتصوراتها في قلوب قريش كما كافح العناد والكيد والإعراض الناشئ عن العمد والقصد بشتى الأساليب .. والمشابهات كثيرة بين اتجاهات هذه السورة واتجاهات سورة المزمل ، وسورة القلم ، مما يدل على أنها جميعا نزلت متقاربة ، لمواجهة حالات متشابهة .. وذلك باستثناء الشطر الثاني من سورة المزمل ، وقد نزل لشأن خاص بالرياضة الروحية للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - وطائفة من الذين معه كما تقدم.


( يتبع )


.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:50 PM   #246


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي







.
.
.


.
.
.


.
.
.



تابع – سورة المدثر


محاور مواضيع السورة :
هذه السورة قصيرة الآيات. سريعة الجريان. منوعة الفواصل والقوافي. يتئد إيقاعها أحيانا ، ويجري لاهثا أحيانا! وبخاصة عند تصوير مشهد هذا المكذب وهو يفكر ويقدر ويعبس ويبسر .. وتصوير مشهد سقر. لا تبقي ولا تذر. لواحة للبشر .. ومشهد فرارهم كأنهم حمر مستنفرة. فرت من قسورة! وهذا التنوع في الإيقاع والقافية بتنوع المشاهد والظلال يجعل للسورة مذاقا خاصا ولا سيما عند رد بعض القوافي ورجعها بعد انتهائها كقافية الراء الساكنة : المدثر. أنذر. فكبر .. وعودتها بعد فترة : قدر. بسر.
استكبر. سقر ... وكذلك الانتقال من قافية إلى قافية في الفقرة الواحدة مفاجأة ولكن لهدف خاص. عند قوله : «فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ؟ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ» .. ففي الآية الأولى كان يسأل ويستنكر. وفي الثانية والثالثة كان يصور ويسخر! وهكذا ...


لو أخذنا الاستعراض التفصيلي للسورة :
«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ. وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» ..
إنه النداء العلوي الجليل ، للأمر العظيم الثقيل .. نذارة هذه البشرية وإيقاظها ، وتخليصها من الشر في الدنيا ، ومن النار في الآخرة وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان .. وهو واجب ثقيل شاق ، حين يناط بفرد من البشر - مهما يكن نبيا رسولا - فالبشرية من الضلال والعصيان والتمرد والعتو والعناد والإصرار والالتواء والتفصي من هذا الأمر ، بحيث تجعل من الدعوة أصعب وأثقل ما يكلفه إنسان من المهام في هذا الوجود! «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ» .. والإنذار هو أظهر ما في الرسالة ، فهو تنبيه للخطر القريب الذي يترصد للغافلين السادرين في الضلال وهم لا يشعرون. وفيه تتجلى رحمة اللّه بالعباد ، وهم لا ينقصون في ملكه شيئا حين يضلون ، ولا يزيدون في ملكه شيئا حين يهتدون. غير أن رحمته اقتضت أن يمنحهم كل هذه العناية ليخلصوا من العذاب الأليم في الآخرة ، ومن الشر الموبق في الدنيا. وأن يدعوهم رسله ليغفر لهم ويدخلهم جنته من فضله! ثم يوجه اللّه رسوله في خاصة نفسه بعد إذ كلفه نذارة غيره :
يوجهه إلى تكبير ربه : «وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ» .. ربك وحده .. فهو وحده الكبير ، الذي يستحق التكبير.
وهو توجيه يقرر جانبا من التصور الإيماني لمعنى الألوهية ، ومعنى التوحيد.
إن كل أحد ، وكل شي ء ، وكل قيمة ، وكل حقيقة .. صغير .. واللّه وحده هو الكبير .. وتتوارى الأجرام والأحجام ، والقوى والقيم ، والأحداث والأحوال ، والمعاني والأشكال وتنمحي في ظلال الجلال والكمال ، للّه الواحد الكبير المتعال.
وهو توجيه للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ليواجه نذارة البشرية ، ومتاعبها وأهوالها وأثقالها ، بهذا التصور ، وبهذا الشعور ، فيستصغر كل كيد ، وكل قوة ، وكل عقبة ، وهو يستشعر أن ربه الذي دعاه ليقوم بهذه النذارة ، هو الكبير .. ومشاق الدعوة وأهوالها في حاجة دائمة إلى استحضار هذا التصور وهذا الشعور.


ويوجهه إلى التطهر : «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ» .. وطهارة الثياب كناية في الاستعمال العربي عن طهارة القلب والخلق والعمل .. طهارة الذات التي تحتويها الثياب ، وكل ما يلم بها أو يمسها .. والطهارة هي الحالة المناسبة للتلقي من الملأ الأعلى. كما أنها ألصق شيء بطبيعة هذه الرسالة. وهي بعد هذا وذلك ضرورية لملابسة الإنذار والتبليغ ، ومزاولة الدعوة في وسط التيارات والأهواء والمداخل والدروب وما يصاحب هذا ويلابسه من أدران ومقاذر وأخلاط وشوائب ، تحتاج من الداعية إلى الطهارة الكاملة كي يملك استنقاذ الملوثين دون أن يتلوث ، وملابسة المدنسين من غير أن يتدنس .. وهي لفتة دقيقة عميقة إلى ملابسات الرسالة والدعوة والقيام على هذا الأمر بين شتى الأوساط ، وشتى البيئات ، وشتى الظروف ، وشتى القلوب! ويوجهه إلى هجران الشرك وموجبات العذاب : «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» .. والرسول - صلى اللّه عليه وسلم - كان هاجرا للشرك ولموجبات العذاب حتى قبل النبوة. فقد عافت فطرته السليمة ذلك الانحراف ، وهذا الركام من المعتقدات الشائهة ، وذلك الرجس من الأخلاق والعادات ، فلم يعرف عنه أنه شارك في شيء من خوض الجاهلية. ولكن هذا التوجيه يعني المفاصلة وإعلان التميز الذي لا صلح فيه ولا هوادة. فهما طريقان مفترقان لا يلتقيان. كما يعني التحرز من دنس هذا الرجز - والرجز في الأصل هو العذاب ، ثم أصبح يطلق على موجبات العذاب - تحرز التطهر من مس هذا الدنس! ويوجهه إلى إنكار ذاته وعدم المن بما يقدمه من الجهد ، أو استكثاره واستعظامه : «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» ..
وهو سيقدم الكثير ، وسيبذل الكثير ، وسيلقى الكثير من الجهد والتضحية والعناء. ولكن ربه يريد منه ألا يظل يستعظم ما يقدمه ويستكثره ويمتن به .. وهذه الدعوة لا تستقيم في نفس تحس بما تبذل فيها. فالبذل فيها من الضخامة بحيث لا تحتمله النفس إلا حين تنساه. بل حين لا تستشعره من الأصل لأنها مستغرقة في الشعور باللّه شاعرة بأن كل ما تقدمه هو من فضله ومن عطاياه. فهو فضل يمنحها إياه ، وعطاء يختارها له ، ويوفقها لنيله. وهو اختيار واصطفاء وتكريم يستحق الشكر للّه. لا المن والاستكثار.


( يتبع )

.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:50 PM   #247


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي







.
.
.


.
.
.


.
.
.



تابع – سورة المدثر


محاور مواضيع السورة :
ويوجهه أخيرا إلى الصبر. الصبر لربه : «وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» .. وهي الوصية التي تتكرر عند كل تكليف بهذه الدعوة أو تثبيت. والصبر هو هذا الزاد الأصيل في هذه المعركة الشاقة. معركة الدعوة إلى اللّه. المعركة المزدوجة مع شهوات النفوس وأهواء القلوب ومع أعداء الدعوة الذين تقودهم شياطين الشهوات وتدفعهم شياطين الأهواء! وهي معركة طويلة عنيفة لا زاد لها إلا الصبر الذي يقصد فيه وجه اللّه ، ويتجه به إليه احتسابا عنده وحده.
فإذا انتهى هذا التوجيه الإلهي للنبي الكريم ، اتجه السياق إلى بيان ما ينذر به الآخرين ، في لمسة توقظ الحس لليوم العسير ، الذي ينذر بمقدمه النذير :
«فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ» ..
والنقر في الناقور ، هو ما يعبر عنه في مواضع أخرى بالنفخ في الصور. ولكن التعبير هنا أشد إيحاء بشدة الصوت ورنينه كأنه نقر يصوّت ويدوّي. والصوت الذي ينقر الآذان أشد وقعا من الصوت الذي تسمعه الآذان .. ومن ثم يصف اليوم بأنه عسير على الكافرين ، ويؤكد هذا العسر بنفي كل ظل لليسر فيه : «عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ» .. فهو عسر كله. عسر لا يتخلله يسر. ولا يفصل أمر هذا العسر ، بل يدعه مجملا مجهلا يوحي بالاختناق والكرب والضيق .. فما أجدر الكافرين أن يستمعوا للنذير ، قبل أن ينقر في الناقور ، فيواجههم هذا اليوم العسير العسير! وينتقل من هذا التهديد العام إلى مواجهة فرد بذاته من المكذبين يبدو أنه كان له دور رئيسي خاص في التكذيب والتبييت للدعوة فيوجه إليه تهديدا ساحقا ماحقا ، ويرسم له صورة منكرة تثير الهزء والسخرية من حاله وملامح وجهه ونفسه التي تبرز من خلال الكلمات كأنها حية شاخصة متحركة الملامح والسمات :
«ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ، وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً ، وَبَنِينَ شُهُوداً ، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ! كَلَّا! إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً. سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً. إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ قُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ، فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ. سَأُصْلِيهِ سَقَرَ. وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ؟ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ، عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ...» ..

وقد وردت روايات متعددة بأن المعنيّ هنا هو الوليد بن المغيرة المخزومي. قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثورة ، عن معمر ، عن عبادة بن منصور ، عن عكرمة ، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام ، فأتاه فقال له : أي عم! إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا : قال : لم؟ قال : يعطونكه ، فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله (يريد بخبث أن يثير كبرياءه من الناحية التي يعرف أن الوليد أشد بها اعتزازا) قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا! قال : فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال ، وأنك كاره له! قال : فماذا أقول فيه؟ فو اللّه ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن! واللّه ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا. واللّه إن لقوله الذي يقوله لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو وما يعلى ..
قال : واللّه لا يرضى قومك حتى تقول فيه .. قال : فدعني حتى أفكر فيه .. فلما فكر قال : إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره. فنزلت : «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً - حتى بلغ - عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ».
وفي رواية أخرى أن قريشا قالت : لئن صبأ الوليد ، لتصبون قريش كلها! فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه! ثم دخل عليه! .. وأنه قال بعد التفكير الطويل : إنه سحر يؤثر. أما ترون أنه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه؟
هذه هي الواقعة كما جاءت بها الروايات. فأما القرآن فيسوقها هذه السياقة الحية المثيرة .. يبدأ بذلك التهديد القاصم الرهيب.


«ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» ..
والخطاب للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد. خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده. فأنا سأتولى حربه .. وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المزلزل وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها .. قوة الجبار القهار .. لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها. فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه! ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق ، وما آتاه اللّه من نعمه وآلائه ، قبل أن يذكر إعراضه وعناده.
فهو قد خلقه وحيدا مجردا من كل شيء حتى من ثيابه! ثم جعل له مالا كثيرا ممدودا. ورزقه بنين من حوله حاضرين شهودا ، فهو منهم في أنس وعزوة. ومهد له الحياة تمهيدا ويسرها له تيسيرا .. «ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ» ..
فهو لا يقنع بما أوتي ، ولا يشكر ويكتفي .. أم لعله يطمع في أن ينزل عليه الوحي وأن يعطى كتابا كما سيجيء في آخر السورة : «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً» .. فقد كان ممن يحسدون الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - على إعطائه النبوة.
وهنا يردعه ردعا عنيفا عن هذا الطمع الذي لم يقدم حسنة ولا طاعة ولا شكرا للّه يرجو بسببه المزيد :
«كَلَّا!» ، وهي كلمة ردع وتبكيت - «إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً» .. فعاند دلائل الحق وموحيات الإيمان.
ووقف في وجه الدعوة ، وحارب رسولها ، وصد عنها نفسه وغيره ، وأطلق حواليها الأضاليل.


( يتبع )

.
.
.

.
.
.

.
.
.


 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:51 PM   #248


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.



تابع – سورة المدثر


محاور مواضيع السورة :
ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبدل اليسر عسرا ، والتمهيد مشقة! «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً» ..
وهو تعبير مصور لحركة المشقة. فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقا. فإذا كان دفعا من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقا. وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة. فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود ، يندبّ في طريق وعر شاق مبتوت ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق ، كأنما يصعد في السماء ، أو يصعد في وعر صلد لا ريّ فيه ولا زاد ، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق! ثم يرسم تلك الصورة المبدعة المثيرة للسخرية والرجل يكد ذهنه! ويعصر أعصابه! ويقبض جبينه! وتكلح ملامحه وقسماته .. كل ذلك ليجد عيبا يعيب به هذا القرآن ، وليجد قولا يقوله فيه :
«إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ قُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ» ..
لمحة لمحة. وخطرة خطرة. وحركة حركة. يرسمها التعبير ، كما لو كانت ريشة تصور ، لا كلمات تعبر ، بل كما لو كانت فيلما متحركا يلتقط المشهد لمحة لمحة!!! لقطة وهو يفكر ويدبر ومعها دعوة هي قضاء «فَقُتِلَ!» واستنكار كله استهزاء «كَيْفَ قَدَّرَ؟» ثم تكرار الدعوة والاستنكار لزيادة الإيحاء بالتكرار.
ولقطة وهو ينظر هكذا وهكذا في جد مصطنع متكلف يوحي بالسخرية منه والاستهزاء.
ولقطة وهو يقطب حاجبيه عابسا ، ويقبض ملامح وجهه باسرا ، ليستجمع فكره في هيئة مضحكة! وبعد هذا المخاض كله؟ وهذا الحزق كله؟ لا يفتح عليه بشيء .. إنما يدبر عن النور ويستكبر عن الحق .. فيقول : «إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ»! إنها لمحات حية يثبتها التعبير القرآني في المخيلة أقوى مما تثبتها الريشة في اللوحة وأجمل مما يعرضها الفيلم المتحرك على الأنظار! وإنها لتدع صاحبها سخرية الساخرين أبد الدهر ، وتثبت صورته الزرية في صلب الوجود ، تتملاها الأجيال بعد الأجيال! فإذا انتهى عرض هذه اللمحات الحية الشاخصة لهذا المخلوق المضحك ، عقب عليها بالوعيد المفزع :
«سَأُصْلِيهِ سَقَرَ» .. وزاد هذا الوعيد تهويلا بتجهيل سقر : «وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ؟» .. إنها شيء أعظم وأهول من الإدراك! ثم عقب على التجهيل بشيء من صفتها أشد هولا : «لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ» .. فهي تكنس كنسا ، وتبلع بلعا ، وتمحو محوا ، فلا يقف لها شي ء ، ولا يبقى وراءها شي ء ، ولا يفضل منها شي ء! ثم هي تتعرض للبشر وتلوح : «لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ» .. كما قال في سورة المعارج : «تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى» ..
فهي تدل على نفسها ، وكأنما تقصد إثارة الفزع في النفوس ، بمنظرها المخيف! ويقوم عليها حراس عدتهم : «تِسْعَةَ عَشَرَ» .. لا ندري أهم أفراد من الملائكة الغلاظ الشداد ، أم صفوف أم أنواع من الملائكة وصنوف. إنما هو خبر من اللّه سندري شأنه فيما يجيء ..


فأما المؤمنون فقد تلقوا كلمات اللّه بالتسليم اللائق بمن وثق بربه ، وتأدب معه أدب العبد مع الرب فلم يعد يماري في خبره وقوله. وأما المشركون فتلقفوا هذا العدد بقلوب خاوية من الإيمان ، عارية من التوقير للّه ، خالية من الجد في تلقي هذا الأمر العظيم. وراحوا يتهكمون عليه ويسخرون منه ، ويتخذونه موضعا للتندر والمزاح ... قال قائل منهم : أليس يتكفل كل عشرة منكم بواحد من هؤلاء التسعة عشر!؟ وقال قائل :
لا بل اكفوني أنتم أمر اثنين منهم وعليّ الباقي أنا أكفيكموهم! وبمثل هذه الروح المطموسة المغلقة الفاضية تلقوا هذا القول العظيم الكريم.


عندئذ نزلت الآيات التالية تكشف عن حكمة اللّه في الكشف عن هذا الجانب من الغيب ، وذكر هذا العدد ، وترد علم الغيب إلى اللّه ، وتقرر ما وراء ذكر سقر وحراسها من غاية ينتهي الموقف إليها :
«وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً. وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ، وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ : ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ، وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ» ...
تبدأ الآية بتقرير حقيقة أولئك التسعة عشر الذين تمارى فيهم المشركون :
«وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً» ..
فهم من ذلك الخلق المغيب الذي لا يعلم طبيعته وقوته إلا اللّه وقد قال لنا عنهم : إنهم «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» فقرر أنهم يطيعون ما يأمرهم به اللّه ، وأن بهم القدرة على فعل ما يأمرهم. فهم إذن مزودون بالقوة التي يقدرون بها على كل ما يكلفهم اللّه إياه. فإذا كان قد كلفهم القيام على سقر ، فهم مزودون من قبله سبحانه بالقوة المطلوبة لهذه المهمة ، كما يعلمها اللّه ، فلا مجال لقهرهم أو مغالبتهم من هؤلاء البشر المضعوفين! وما كان قولهم عن مغالبتهم إلا وليد الجهل الغليظ بحقيقة خلق اللّه وتدبيره للأمور.


( يتبع )


.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:52 PM   #249


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.



تابع – سورة المدثر


محاور مواضيع السورة :
«وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا» ..
فهم الذين يثير ذكر العدد في قلوبهم رغبة الجدل ولا يعرفون مواضع التسليم ومواضع الجدل. فهذا الأمر الغيبي كله من شأن اللّه ، وليس لدى البشر عنه من علم كثير ولا قليل ، فإذا أخبر اللّه عنه خبرا فهو المصدر الوحيد لهذا الطرف من الحقيقة ، وشأن البشر هو تلقي هذا الخبر بالتسليم ، والاطمئنان إلى أن الخير في ذكر هذا الطرف وحده ، بالقدر الذي ذكره ، وأن لا مجال للجدل فيه ، فالإنسان إنما يجادل فيما لديه عنه علم سابق يناقض الخبر الجديد أو يغايره. أما لماذا كانوا تسعة عشر (أيا كان مدلول هذا العدد) فهو أمر يعلمه اللّه الذي ينسق الوجود كله ، ويخلق كل شيء بقدر. وهذا العدد كغيره من الأعداد. والذي يبغي الجدل يمكنه أن يجادل وأن يعترض على أي عدد آخر وعلى أي أمر آخر بنفس الاعتراض .. لماذا كانت السماوات سبعا؟ لماذا كان خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار؟ لماذا كان حمل الجنين تسعة أشهر؟ لماذا تعيش السلاحف آلاف السنين؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ والجواب : لأن صاحب الخلق والأمر يريد ويفعل ما يريد! هذا هو فصل الخطاب في مثل هذه الأمور ..
«لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ، وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ» ..
فهؤلاء وهؤلاء سيجدون في عدد حراس سقر ما يدعو بعضهم إلى اليقين ويدعو البعض إلى ازدياد الإيمان.
فأما الذين أوتوا الكتاب فلا بد أن لديهم شيئا عن هذه الحقيقة ، فإذا سمعوها من القرآن استيقنوا أنه مصدق لما بين يديهم عنها. وأما الذين آمنوا فكل قول من ربهم يزيدهم إيمانا. لأن قلوبهم مفتوحة موصولة تتلقى الحقائق تلقيا مباشرا وكل حقيقة ترد إليها من عند اللّه تزيدها أنسا باللّه .. وستشعر قلوبهم بحكمة اللّه في هذا العدد ، وتقديره الدقيق في الخلق ، فتزيد قلوبهم إيمانا. وتثبت هذه الحقيقة في قلوب هؤلاء وهؤلاء فلا يرتابون بعدها فيما يأتيهم من عند اللّه.

«وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ : ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟» ..
وهكذا تترك الحقيقة الواحدة أثرين مختلفين في القلوب المختلفة .. فبينما الذين أوتوا الكتاب يستيقنون ، والذين آمنوا يزيدون إيمانا ، إذا بالذين كفروا وضعاف القلوب المنافقون في حيرة يتساءلون : «ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟» .. فهم لا يدركون حكمة هذا الأمر الغريب. ولا يسلمون بحكمة اللّه المطلقة في تقدير كل خلق.
ولا يطمئنون إلى صدق الخبر والخير الكامن في إخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ..
«كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ» ..
كذلك. بذكر الحقائق وعرض الآيات. فتتلقاها القلوب المختلفة تلقيا مختلفا. ويهتدي بها فريق وفق مشيئة اللّه ويضل بها فريق حسب مشيئة اللّه. فكل أمر مرجعه في النهاية إلى إرادة اللّه المطلقة التي ينتهي إليها كل شيء. وهؤلاء البشر خرجوا من يد القدرة باستعداد مزدوج للهدى وللضلال فمن اهتدى ومن ضل كلاهما يتصرف داخل حدود المشيئة التي خلقتهم بهذا الاستعداد المزدوج ، ويسرت لهم التصرف في هذا أو ذاك ، في حدود المشيئة الطليقة ، ووفق حكمة اللّه المكنونة.
وتصور طلاقة المشيئة وانتهاء كل ما يقع في هذا الوجود إليها تصورا كاملا واسع المدلول ، يعفي العقول من الجدل الضيق حول ما يسمونه الجبر والإرادة. وهو الجدل الذي لا ينتهي إلى تصور صحيح ، بسبب أنه يتناول المسألة من زاوية ضيقة ، ويضعها في أشكال محددة نابعة من منطق الإنسان وتجاربه وتصوراته المحدودة! بينما هو يعالج قضية من قضايا الألوهية غير المحدودة! لقد كشف اللّه لنا عن طريق الهدى وطريق الضلال. وحدد لنا نهجا نسلكه فنهتدي ونسعد ونفوز. وبيّن لنا نهوجا ننحرف إليها فنضل ونشقى ونخسر. ولم يكلفنا أن نعلم وراء ذلك شيئا ، ولم يهبنا القدرة على علم شيء وراء هذا. وقال لنا : إن إرادتي مطلقة وإن مشيئتي نافذة .. فعلينا أن نعالج - بقدر طاقتنا - تصور حقيقة الإرادة المطلقة والمشيئة النافذة. وأن نلتزم النهج الهادي ونتجنب النهوج المضللة. ولا ننشغل في جدل عقيم حول ما لم نوهب القدرة على إدراك كنهه من الغيب المكنون. ومن ثم ننظر فنرى كل ما أنفقه المتكلمون في مسألة القدر على النحو الذي تكلموا به جهدا ضائعا لا طائل وراءه لأنه في غير ميدانه ..

إننا لا نعلم مشيئة اللّه المغيبة بنا ، ولكننا نعلم ماذا يطلب اللّه منا لنستحق فضله الذي كتبه على نفسه. وعلينا إذن أن ننفق طاقتنا في أداء ما كلفنا ، وأن ندع له هو غيب مشيئته فينا. والذي سيكون هو مشيئته ، وعند ما يكون سنعرف أن هذه مشيئته لا قبل كونه! والذي سيكون وراءه حكمة يعرفها العليم بالكل المطلق .. وهو اللّه وحده .. وهذا هو طريق المؤمن في التصور ومنهجه في التفكر ..
«وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» ..
فهي غيب. حقيقتها. ووظيفتها. وقدرتها .. وهو يكشف عما يريد الكشف عنه من أمرها ، وقوله هو الفصل في شأنها. وليس لقائل بعده أن يجادل أو يماحك أو يحاول معرفة ما لم يكشف اللّه عنه ، فليس إلى معرفة هذا من سبيل ..
«وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ» ..
و«هِيَ» إما أن تكون هي جنود ربك ، وإما أن تكون هي سقر ومن عليها. وهي من جنود ربك. وذكرها جاء لينبه ويحذر لا لتكون موضوعا للجدل والمماحكة! والقلوب المؤمنة هي التي تتعظ بالذكرى ، فأما القلوب الضالة فتتخذها مماحكة وجدلا! ويعقب على هذه الوقفة التقريرية لهذه الحقيقة من حقائق الغيب ، ولمناهج التصور الهادية والمضللة .. يعقب على هذا بربط حقيقة الآخرة ، وحقيقة سقر ، وحقيقة جنود ربك ، بظواهر الوجود المشهودة في هذا العالم ، والتي يمر عليها البشر غافلين ، وهي تشي بتقدير الإرادة الخالقة وتدبيرها ، وتوحي بأن وراء هذا التقدير والتدبير قصدا وغاية ، وحسابا وجزاء :
«كَلَّا وَالْقَمَرِ. وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ. وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ. إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ» ..
ومشاهد القمر ، والليل حين يدبر ، والصبح حين يسفر .. مشاهد موحية بذاتها ، تقول للقلب البشري أشياء كثيرة وتهمس في أعماقه بأسرار كثيرة وتستجيش في أغواره مشاعر كثيرة. والقرآن يلمس بهذه الإشارة السريعة مكامن هذه المشاعر والأسرار في القلوب التي يخاطبها ، على خبرة بمداخلها ودروبها! وقلّ أن يستيقظ قلب لمشهد القمر حين يطلع وحين يسري وحين يغيب .. ثم لا يعي عن القمر شيئا يهمس له به من أسرار هذا الوجود! وإن وقفة في نور القمر أحيانا لتغسل القلب كما لو كان يستحم بالنور! وقلّ أن يستيقظ قلب لمشهد الليل عند إدباره ، في تلك الهدأة التي تسبق الشروق ، وعند ما يبدأ هذا الوجود كله يفتح عينيه ويفيق .. ثم لا ينطبع فيه أثر من هذا المشهد وتدب في أعماقه خطرات رفافة شفافة.


( يتبع )



.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-15-2021, 08:33 PM   #250


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي







[align=center]

.
.
.


.
.
.


.
.
.



تابع – سورة المدثر


محاور مواضيع السورة :
وقلّ أن يستيقظ قلب لمشهد الصبح عند إسفاره وظهوره ، ثم لا تنبض فيه نابضة من إشراق وتفتح وانتقال شعوري من حال إلى حال ، يجعله أشد ما يكون صلاحية لاستقبال النور الذي يشرق في الضمائر مع النور الذي يشرق في النواظر.
واللّه الذي خلق القلب البشري يعلم أن هذه المشاهد بذاتها تصنع فيه الأعاجيب في بعض الأحايين ، وكأنها تخلقه من جديد.
ووراء هذه الانبعاثات والإشراقات والاستقبالات ما في القمر ، وما في الليل ، وما في الصبح من حقيقة عجيبة هائلة يوجه القرآن إليها المدارك ، وينبه إليها العقول. ومن دلالة على القدرة المبدعة والحكمة المدبرة ، والتنسيق الإلهي لهذا الكون ، بتلك الدقة التي يحير تصورها العقول.
ويقسم اللّه سبحانه بهذه الحقائق الكونية الكبيرة لتنبيه الغافلين لأقدارها العظيمة ، ودلالاتها المثيرة. يقسم على أن «سَقَرُ» أو الجنود التي عليها ، أو الآخرة وما فيها ، هي إحدى الأمور الكبيرة العجيبة المنذرة للبشر بما وراءهم من خطر :
«إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ، نَذِيراً لِلْبَشَرِ» ..
والقسم ذاته ، ومحتوياته ، والمقسم عليه بهذه الصورة .. كلها مطارق تطرق قلوب البشر بعنف وشدة ، وتتسق مع النقر في الناقور ، وما يتركه من صدى في الشعور. ومع مطلع السورة بالنداء الموقظ : «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» والأمر بالنذارة : «قُمْ فَأَنْذِرْ» .. فالجو كله نقر وطرق وخطر!! وفي ظل هذه الإيقاعات المثيرة الخطيرة يعلن تبعة كل نفس لذاتها وعلى ذاتها ويدع للنفوس أن تختار طريقها ومصيرها ويعلن لها أنها مأخوذة بما تكسبه باختيارها ، مرهونة بأعمالها وأوزارها :
«لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ. كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» ..
فكل فرد يحمل همّ نفسه وتبعتها ، ويضع نفسه حيث شاء أن يضعها ، يتقدم بها أو يتأخر ، ويكرمها أو يهينها. فهي رهينة بما تكسب ، مقيدة بما تفعل


بين اللّه للنفوس طريقه لتسلك إليه على بصيرة ، وهو إعلان في مواجهة المشاهد الكونية الموحية ، ومشاهد سقر التي لا تبقي ولا تذر .. له وقعه وله قيمته! وعلى مشهد النفوس الرهينة بما كسبت ، المقيدة بما فعلت ، يعلن إطلاق أصحاب اليمين من العقال ، وإرسالهم من القيد ، وتخويلهم حق سؤال المجرمين عما انتهى بهم إلى هذا المصير :
«إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ ، فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ : ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ، حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ» ..
وانطلاق أصحاب اليمين وانفلاتهم من الرهن والقيد موكول إلى فضل اللّه الذي يبارك حسناتهم ويضاعفها.
وإعلان ذلك في هذا الموقف وعرضه يلمس القلوب لمسة مؤثرة. يلمس قلوب المجرمين المكذبين ، وهم يرون أنفسهم في هذا الموقف المهين ، الذي يعترفون فيه فيطيلون الاعتراف ، بينما المؤمنون الذين كانوا لا يحفلونهم في الدنيا ، ولا يبالونهم ، في موقف الكرامة والاستعلاء ، يسألونهم سؤال صاحب الشأن المفوض في الموقف :
«ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟» .. ويلمس قلوب المؤمنين الذين كانوا يلاقون من المجرمين ما يلاقون في الأرض ، وهم يجدون أنفسهم اليوم في هذا المقام الكريم وأعداءهم المستكبرين في ذلك المقام المهين .. وقوة المشهد تلقي في نفوس الفريقين أنه قائم اللحظة وأنهم فيه قائمون .. وتطوي صفحة الحياة الدنيا بما فيها كأنه ماض انتهى وولى! والاعتراف الطويل المفصل يتناول الجرائر الكثيرة التي انتهت بالمجرمين إلى سقر ، يعترفون بها هم بألسنتهم في ذاته المستكين أمام المؤمنين :
« قالُوا : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» .. وهي كناية عن الإيمان كله ، تشير إلى أهمية الصلاة في كيان هذه العقيدة ، وتجعلها رمز الإيمان ودليله ، يدل إنكارها على الكفر ، ويعزل صاحبها عن صف المؤمنين.


«وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ» .. وهذه تلي عدم الإيمان ، بوصفها عبادة اللّه في خلقه ، بعد عبادته - سبحانه - في ذاته. ويدل ذكرها بهذه القوة في مواضع شتى على الحالة الاجتماعية التي كان القرآن يواجهها ، وانقطاع الإحسان للفقير في هذه البيئة القاسية ، على الرغم من الفخر بالكرم في مواضع المفاخرة والاختيال ، مع تركه في مواضع الحاجة والعطف الخالص البريء.
«وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ» .. وهي تصف حالة الاستهتار بأمر العقيدة ، وحقيقة الإيمان ، وأخذها مأخذ الهزل واللعب والخوض بلا مبالاة ولا احتفال. وهي أعظم الجد وأخطر الأمر في حياة الإنسان وهي الشأن الذي ينبغي أن يفصل فيه ضميره وشعوره قبل أن يتناول أي شأن آخر من شؤون هذه الحياة ، فعلى أساسها يقوم تصوره وشعوره وقيمه وموازينه. وعلى ضوئها يمضي في طريق الحياة. فكيف لا يقطع فيها برأي ولا يأخذها مأخذ الجد؟ ويخوض فيها مع الخائضين ، ويلعب فيها مع اللاعبين؟
«وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ» وهذه أس البلايا. فالذي يكذب بيوم الدين تختل في يده جميع الموازين ، وتضطرب في تقديره جميع القيم ، ويضيق في حسه مجال الحياة ، حين يقتصر على هذا العمر القصير المحدود في هذه الأرض ويقيس عواقب الأمور بما يتم منها في هذا المجال الصغير القصير ، فلا يطمئن إلى هذه العواقب ، ولا يحسب حساب التقدير الأخير الخطير .. ومن ثم تفسد مقاييسه كلها ويفسد في يده كل أمر من أمور هذه الدنيا ، قبل أن يفسد عليه تقديره للآخرة ومصيره فيها .. وينتهي من ثم إلى شر مصير.
والمجرمون يقولون : إننا ظللنا على هذه الأحوال ، لا نصلي ، ولا نطعم المسكين ، ونخوض مع الخائضين ، ونكذب بيوم الدين ..
( يتبع )

[/align




.
.
.

.
.
.

.
.
.



 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:11 AM

أقسام المنتدى

۩۞۩{ نفحات سكون القمر الإسلامية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ أرصفة عامة}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون للنقاش والحوار الجاد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مرافئ الترحيب والإستقبال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سعادة الأسرة بــ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني أنثى نقية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ النكهات المطبخية وفن الوصفات}۩۞۩ @ ۩۞۩{ آفاق إجتماعية في حياة الطفل }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الطب والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ جنة الأزواج }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الديكور والأثاث المنزلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ متنفسات شبابية في رحاب سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني رجل بـ كاريزما }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون صدى الملاعب }۩۞۩ @ ۩۞۩{ عالم الإبداع والتكنولوجيا }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الكمبيوتر والبرامج }۩۞۩ @ ღ مـنـتـدى البـرامــج ღ @ ღ منتدى التصاميم والجرافكس والرسم ღ @ ۩۞۩{ مرافي التبريكات والتهاني }۩۞۩ @ ۩۞۩{ شرفات من ضوء لـ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الصور والغرائب }۩۞۩ @ ღ سكون قسم الألعاب والتسلية والمرح ღ @ ღ المواضيع المكررة والمحذوفه والمقفله ღ @ ۩۞۩{ محكمة سكون القمر الإدارية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ قسم الإدارة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رطب مسمعك ومتع عينيك }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم السري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الفعاليات والمسابقات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ السياحة والسفر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الأخبار المحلية والعالمية }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون اليوتيوب YouTube }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تاجك يا عروس شكل تاني }۩۞۩ @ الآطباق الرئسية والمعجنات والصائر @ أزياء ألاطفال @ ۩۞۩{ ملتقى الأرواح في سماء سكون القمر}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ شؤون إدآرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منتدى المنوعات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الشخصيات والقبائل العربية والانساب }۩۞۩ @ البرامج وملحقات الفوتوشوب @ ۩۞۩{قسم التعازي والمواساه والدعاء للمرضى }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ تطوير الذات وعلم النفس }۩۞۩ @ ღ خاص بالزوار ღ @ ۩۞۩{ سكون خاص لعدسة الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{ فصول من قناديل سكون القمر }۩۞۩ @ منتدى كلمات الاغاني @ خدمة الاعضاء وتغيير النكات والاقتراحات والشكاوي @ ۩۞۩{ الهطول المميز بقلم العضو}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لاعجاز وعلوم وتفسير القرآن الكريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ساحة النون الحصرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القصيد الحصري بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الحصرية بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{القصص الحصرية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ متحف سكون ( لا للردود هنا) }۩۞۩ @ ۩۞۩{ دواوين الأعضاء الأدبية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منوعات أدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ماسبق نشره بقلم الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{الخواطر وعذب الكلام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشعر والقصائد}۩۞۩ @ ۩۞۩{عالم القصة والرواية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الأدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{فنجان قهوة سكون }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات الأعضاء المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تقنية المواضيع }۩۞۩.! @ ۩۞۩{ نزار قباني }۩۞۩.! @ ۩۞۩{الشلات والقصائد الصوتية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتبة شايان}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة منى بلال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة أنثى برائحة الورد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الردود المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{في ضيافتي }۩۞۩ @ ۩۞۩{كرسي الاعتراف }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الادبية عطاف المالكي شمس }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لــ الفتاوى والشبهات }۩۞۩ @ ۩۞۩{حصريات مطبخ الأعضاء }۩۞۩ @ قسم النكت @ ۩۞۩{ المجلس الإداري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الاديب نهيان }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ الطب والحياه }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم الترفيهي}۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات خاصة }۩۞۩ @ ۩۞۩{دواووين شعراء الشعر الحديث والجاهلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتب مديح ال قطب}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الخيمة الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المسابقات والفعاليات الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رمضان كريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الفتاوي الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المطبخ الرمضاني}۩۞۩ @ ۩۞۩{ يلا نٍسأل }۩۞۩ @ قسم الزوار @ مشاكل الزوار @ الارشيف @ دروس الفوتوشوب @ تنسيق وتزيين المواضيع @



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا