|
۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ |!.. غيمة الرُوُح ْ فِي رِِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ",, |
#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
![]() أنيس المظلومين (1)
عندما يُذكر الظلم، فلا بد وأن يتبادر إلى الذهن فرعون وهامان وقارون - عليهم لعنة الله - وما فعلوه مع موسى عليه السلام ومَن آمنوا معه، كما يتبادر إلى الذهن أيضًا فرعون هذه الأمة - أبو جهل - وما فعله مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع صحابته الكرام، وكذلك يتبادر إلى الذهن فراعين كل زمان إلى يومنا هذا؛ فحكمة الله تعالى اقتضت ألَّا تنتهي الفراعين ولا الهامانات ولا القوارين؛ وذلك لأن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى قيام الساعة. والله سبحانه وتعالى عندما يسوق إلينا قصص الغابرين والظالمين والهالكين، إنما يسوقها للعِبرة والعظة، ولتجنُّب أحوالهم ومآلهم، وهذا يستلزم منا أن نأخذ هذا الموضوع - الظلم - من كل جوانبه؛ لنحتاط لأنفسنا فلا نوردها المهالك من حيث لا ندري؛ فالعاقل من اعتَبر بغيره ولم يكن هو عِبْرَة لغيره، فإن الله عز وجل قد جعل من بعض خلقه الظالمين والجاحدين والغافلين - عِبْرَة لغيرهم من الخلائق؛ لينزجروا بهم، كما قال الله عز وجل: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]، والله تعالى يختم أخبار هلاك الظالمين من الأمم المُكذِّبة لرسلهم بقوله تعالى: "إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، الألباب، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، يذكرون، يعقلون"؛ لنعلم أن المراد من ذلك هو العظة والاعتبار. 1- تعريف الظلم: إن أبسط تعريف للظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إمَّا بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه، ويكون الظلم كذلك بـ: منع حق واجب للغير. والظلم أيضًا هو: مجاوزة الحق، والتعدي على الآخرين في أموالهم أو أعراضهم؛ فمن فعل شيئًا من ذلك، فقد ظلم نفسه وظلم غيره. 2- أنواع الظلم: الظلم له ثلاثة أنواع: الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظَمُه: الكفر، والشِّرك، والنفاق. الثاني: ظلم بين الإنسان وبين الناس؛ ويكون بالتعدي، وأكل الحقوق، وسفك الدماء، وغيرها. الثالث: ظلم بينه وبين نفسه؛ وذلك يكون بارتكاب الذنوب والمعاصي التي تورد النفس المهالك، وتوجب غضب الله تعالى. 3- التحذير من الظلم في القرآن الكريم: كلمة الظلم ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة وعشرين مرة، وهناك أشكال متعددة للظلم كما ذكرنا؛ فالشرك ظلم، والجحود ظلم، والكذب ظلم، وكتم الشهادة ظلم، وأكل الحقوق ظلم، وتعطيل الحدود ظلم، وتعدي حدود الله ظلم، وقتل النفس التي حرَّم الله تعالى إلا بالحق ظلم، وأكل الربا ظلم، والرشوة ظلم، والتزوير ظلم، والمنكرات ظلم... إلخ. • قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44]. • وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]. إلى غير ذلك من الآيات. ومن هنا، شرع الحق تبارك وتعالى مقاومة الظلم والظالمين؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]. وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]. 4- التحذير من الظلم في السنة النبوية المطهرة: في السنة النبوية المطهرة العديد من الأحاديث التي تأمرنا بالكف عن الظلم، وتأمرنا كذلك بمقاومة الظالمين؛ فلقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سيد الشهداء: حمزة بن عبدالمطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتَله))؛ رواه الحاكم. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا؛ فلا تظالموا...))؛ رواه مسلم. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله ليُملي للظالم، فإذا أخذه لم يُفلته))، ثم قرأ: ((﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]))؛ رواه البخاري. إلى غير ذلك من الأحاديث في هذا الشأن. 5- أقوال السلف الصالح وعلماء الأمة في الظلم: لقد فطن السلف الصالح ومَن سار على دربهم لهذه الآفة، فضربوا لنا أروع الأمثلة في العدل واجتناب الظلم. • كتب إلى عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه بعض عماله يستأذنه في تحصين مدينته، فكتب إليه: "حصِّنها بالعدل، ونَقِّ طُرُقها من الظلم". • قال ابن القيم مُحذرًا من الظلم وتوابعه: "سبحان الله، كم بكت في تنعُّم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم، وجرت دمعة مسكين، ﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ﴾ [المرسلات: 46]، ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ [ص: 88]، ما ابيضَّ لونُ رغيفهم، حتى اسودَّ لونُ ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه، لا تحتقر دعاء المظلوم؛ فشَرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك؛ نِبال أدعيته مُصيبة وإن تأخر الوقت، قوسُه قلبه المقروح، ووَترُه سواد الليل، وأستاذه صاحب "لأنصرنك ولو بعد حين"، وقد رأيتَ ولكن لستَ تعتبر؛ احذر عداوة مَن ينام وطرفه باكٍ، يُقلِّب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك...". • وقال ابن تيمية رحمه الله: "إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الظالمة وإن كانت مُسلمة، إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام". 6- ثوابت في مقاومة الظلم والظالمين: من المُسَلَّم به أن مقاومة الظلم والعدوان قضية فطرية في الإنسان وغريزة في الحيوان، ولقد اتفقت الأديان السماوية والقوانين الوضعية والنظريات الفلسفية على مشروعية مقاومة العدوان والتصدي له؛ دفاعًا عن النفس، وإحقاقًا للحق، ولقد أقرَّ الإسلام مشروعية المعاملة بالمِثل؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]. • هناك العديد من الثوابت التي يجب أن نعيها جيدًا قبل أن نشرع في مقاومة الظلم والظالمين؛ حتى لا تُبدَّد الجهود، وحتى لا نُسيء أو نُفسد من حيث لا ندري: أ- يجب أن نعي جيدًا أن المقاومة في الأصل هي مقاومة الأفعال، قبل أن تكون مقاومة الأشخاص. ب- لا بد وأن ندرك أن الظلم لا ينتهي بالتخلُّص من ظالم أو بعودته لرُشده، كما أن الحق لا ينتهي بموت صاحب حق أو بتساقُطه؛ فالأيام دُوَل، والمعركة بين الحق والباطل سِجَالٌ إلى يوم القيامة. ج- الظلم من أشد المنكرات؛ ولذلك فإن مقاومة الظلم واجبة على الجميع ولا يُعفى منها أحد؛ كلٌّ حسب طاقته وإمكانياته، وأقلُّها: إنكار الظلم وعدم ممالأة الظالمين أو الرُّكون إليهم أو استحسان ما يمارسونه من ظلم، مهما كان مَن وقع عليه هذا الظلم؛ فالله تعالى عندما حَرَّم الظلم ونهى عنه، لم يستثنِ أحدًا. د- يجب التعامل مع آفة الظلم بفطنة وحُنْكة وبصيرة نافذة وثاقبة؛ لأن التهوُّر وعدم التروِّي ربما يؤديان إلى منكر أكبر أو ظلم أكبر. هـ- يجب ألَّا نغفل سلاح الإيمان؛ لأن المسلم لا يقاوم بعتاد ولا بعُدة، ولكن يقاوم بحُسن صلته بالله تعالى، وبسلاح الإيمان وقوة العزيمة وقوة الإرادة، وهم أقوى وأمضى وأنجع من أي سلاح. و- يجب ألَّا يتسرب إلى النفس المؤمنة اليأسُ مهما طال الطريق وزادت العقبات والملمَّات؛ لأن الموصول بالله دائم الأُنس بالله تعالى؛ فلا تُصيبه وحشة، ولا يتسرب إليه يأس. نسأل الله عز وجل في عليائه أن يُجنبنا مصارع الظالمين وأحوالهم، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الظالمين وبطشهم. اللهم إن الظالم مهما كان سلطانه لا يمتنع منك، فسبحانك أنت مُدركه أينما سلك، وقادر عليه أينما لجأ؛ فمَعاذُ المظلوم بك، وتوكُّل المقهور عليك، نسألك اللهم ألا تخيب رجاءنا، ولا تمكن ظالمًا من رقابنا. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|