مرت الأيام بسرعة ومضى نصف رمضان، منَّا من تغير بالفعل، ومنا من قصر، ولذلك نحتاج أن نقف لحظة مع أنفسنا نراجع فيها ما مضى من رمضان.
رحل نصف رمضان، وكان منا الصائمون العابدون المنفِقون، أنقياء السريرة، فهنيئًا لهم ما ادخروه عند رب العالمين، رحل نصف رمضان، وبين صفوفنا صائم عن الطعام والشراب، يبيت ليله وهو يتسلى على أعراض المسلمين، وتسهر عينه على شهوة محرمة في ليل رمضان.
رحل نصف رمضان، وبين صفوفنا من فاتته صلوات، فقد فضَّل النوم والراحة على كسب الطاعات، وبيننا بخيلٌ شحيح، قلبه أسود، سيئ المعشر، فأحسن الله عزاء هؤلاء جميعًا في نصفهم الأول، وجبرهم في مصيبتهم، وأحسن الله لهم استقبال ما بقي لهم.
لكن مهما قصرنا فما زال أمامنا فرصة، وما زال الباب مفتوحًا، والله يتوب على من تاب، ويَقبَل من أناب، فلنتَّقِ الله ولننظم أنفسنا في سِلك الخيرية، ولنلحق بركْب أهل الخير.
لدينا فرصة لنصوم صيامًا صحيحًا، لدينا فرصة لنعوض ما فاتنا، ونقرأ القرآن، ونختم ولو مرة بل أكثر، لدينا فرصة لنصلي ونعوض ما فات، لدينا فرصة لنتصدق ونطعم الطعام، لدينا فرصة لنبرَّ الوالدين، لدينا فرصة لنرفع أيدينا ونبكي، ونسأل الله الهداية والاستقامة، لدينا فرصة لنبدأ من جديد، فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى، فمن يضمن عمره لرمضان القادم؟ ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾ [الأحزاب: 63]، ألا نخاف أن ندخل في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46]؟
إن رمضان فرصة حقيقية للاستثمار الرابح مع الله، والعاقل يدرك بصدق أن الفرص تلوح وقد لا تعود، فاستثمروا رحمكم الله ما بقي من حياتكم، وتزوَّدوا لمعادكم قبل مماتكم؛ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223].